الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك وفعل ذميم، أو تطفيف عدل فيه عن الوزن بالقسطاس المستقيم، أناله من التأديب، وأسباب التّهذيب، ما يكون له رادعا، ولغيره زاجرا وازعا؛ قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ
«1» .
وهذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته عند الله تعالى عليك؛ قد أولاك من صنوف النّعم والآلاء، وجزيل الكرم والحباء، ما يوجب عليك الاعتراف بقدره، واستيزاع شكره، ووقف بك على محجّة الرّشاد، وهداك إلى منهج الحقّ وسنن السّداد، ولم يألك تثقيفا وتبصيرا، وتنبيها وتذكيرا، فتأمّل ذلك متدبّرا، وقف عند حدود أوامره ونواهيه مستبصرا، واعمل به في كلّ ما تأتيه وتذره، وتورده وتصدره، وكن للمخيلة في ارتيادك محقّقا، وللمعتقد فيك مصدّقا، تفز من خير الدارين بمعلّى القداح «2» ، وإحماد السّرى عند الصّباح؛ وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل [إن شاء الله تعالى]«3» .
الضرب الثاني
(مما كان يكتب بديوان الخلافة ببغداد لأرباب الوظائف من أصحاب الأقلام التواقيع) وطريقتهم فيها أن يفتتح التوقيع بلفظ «أحقّ» أو «أولى» أو «أقمن من أفيضت عليه النّعم» أو «من فوّض إليه كذا» أو «من نوّه بذكره» ونحو ذلك «من كان بصفة كذا وكذا» ثم يقال: «ولما كان فلان بصفة كذا وكذا، فوّض إليه كذا وكذا» أو «أسند إليه كذا وكذا» ونحو ذلك.
وهذه نسخة توقيع بتدريس، كتب به عن الإمام الناصر لدين الله، للقاضي محيي الدين «محمد بن فضلان» بتدريس المدرسة النّظاميّة ببغداد، في سنة أربع عشرة وستّمائة، وهي:
أحقّ من أفيضت عليه مجاسد «1» النّعم، وجذب بضبعه إلى مقام التنويه وتقدّم القدم، من أسفر في أفضية «2» الفضائل صباحه، وانتشر في العالم علمه وأزهر مصباحه.
ولمّا كان الأجلّ الأوحد، العالم، محيي الدين، حجّة الإسلام، رئيس الأصحاب، مفتي الفريقين، مفيد العلوم، أبو عبد الله «محمد بن يحيى بن فضلان» ، أدام الله رفعته، ممن نظم فرائد المحامد عقده النّضيد، وأوى من العلم والعمل إلى ركن شديد، وثبتت قدمه من الديانة على مستثبت راسخ وقرار مهيد- رؤي التعويل في تفويض التدريس بالمدرسة النّظاميّة «3» إليه: ثقة باضطلاعه واستقلاله، وتبريزه في حلبات الاستباق على نظرائه وأمثاله، وتراجع المساجلين له عن فوت غايته وبعد مناله «4» ، وأسند إليه- أدام الله رفعته- النظر في أوقاف المدرسة المذكورة بأجمعها، واعتماد ما شرطه الواقف في مصارفها وسبلها، سكونا إلى كفايته، وركونا إلى سداده وأمانته.
ورسم له تقديم تقوى الله تعالى التي ما زال منتهجا لطرائقها، متمسّكا بعصمها ووثائقها، وأن يشرح صدره للمتعلمين، ولا تأخذه ضجرة «5» من المستفيدين، ولا تعدو عيناه عن جهلاء الطالبين «6» ، ولا يتبرّم بالمبالغة في تفهيم