المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لهم فيها بيعة رضوان، وصفقة رجحان، ودعوة إيمان، إنه على - صبح الأعشى في صناعة الإنشا - ط العلمية - جـ ١٠

[القلقشندي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء العاشر]

- ‌[تتمة الباب الثالث]

- ‌[تتمة النوع الثاني]

- ‌الوجه الخامس (فيما يكتب في ألقاب الملوك عن الخلفاء، وهو نمطان)

- ‌النمط الأوّل (ما كان يكتب في قديم الزمن)

- ‌النمط الثاني (ما يكتب به لملوك الزمان)

- ‌الوجه السادس (فيما يكتب في متن العهود، وفيه ثلاثة مذاهب)

- ‌المذهب الأوّل (وعليه عامّة الكتّاب من المتقدّمين وأكثر المتأخّرين)

- ‌الطريقة الأولى (طريقة المتقدّمين)

- ‌المذهب الثاني (أن يفتتح العهد بلفظ «من فلان» باسم الخليفة وكنيته ولقب الخلافة

- ‌المذهب الرابع

- ‌المذهب الخامس (أن يفتتح العهد ب «إنّ أولى ما كان كذا» ونحوه)

- ‌الوجه السابع (فيما يكتب في مستند عهد السلطان عن الخليفة، وما يكتبه الخليفة في بيت العلامة، وما يكتب في نسخة العهد من الشّهادة أو ما يقوم مقامها)

- ‌الوجه الثامن (في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الملوك عن الخلفاء، والقلم الذي يكتب به، وكيفيّة كتابتها، وصورة وضعها في الورق)

- ‌النوع الثالث (من العهود عهود الملوك لولاة العهد بالملك)

- ‌الوجه الأوّل (في بيان صحّة ذلك)

- ‌الوجه الثاني (فيما يكتب في الطرّة)

- ‌الوجه الثالث (في الألقاب التي تكتب في أثناء العهد)

- ‌الوجه الرابع (ما يكتب في المستند)

- ‌الوجه الخامس (ما يكتب في متن العهد)

- ‌الطريقة الأولى

- ‌الطريقة الثانية

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌النوع الرابع

- ‌الوجه الأوّل

- ‌الوجه الثاني

- ‌الضرب الأوّل

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الباب الرابع من المقالة الخامسة

- ‌الفصل الأوّل (فيما كان يكتب من ذلك عن الخلفاء، وفيه خمسة أطراف)

- ‌الطرف الأوّل (فيما كان يكتب عن الخلفاء الراشدين من الصحابة رضوان الله عليهم)

- ‌الطرف الثاني (فيما كان يكتب عن خلفاء بني أميّة)

- ‌الطرف الثالث

- ‌النوع الأوّل

- ‌النوع الثاني

- ‌الضرب الأوّل

- ‌الضرب الثاني

- ‌النوع الثالث (مما كان يكتب لأرباب الوظائف من ديوان الخلافة ببغداد ما كان يكتب لأرباب الوظائف ببغداد من أصحاب الأقلام)

- ‌الضرب الأوّل (العهود)

- ‌الضرب الثاني

- ‌النوع الرابع

- ‌الطرف الرابع

- ‌الطرف الخامس

- ‌النوع الأوّل

- ‌المذهب الأوّل (أن يفتتح ما يكتب في الولاية بالتّصدير)

- ‌المرتبة الأولى (أن يقال بعد التصدير المقدّم «أما بعد فالحمد لله» )

- ‌الضرب الأوّل (سجلّات أرباب السيوف

- ‌المرتبة الثانية

- ‌المرتبة الثالثة (من المذهب الأول من سجلات ولايات الفاطميين أن تفتتح بالتّصدير أيضا

- ‌المذهب الثالث من مذاهب كتّاب الدولة الفاطميّة

- ‌المذهب الرابع (مما كان يكتب لأرباب الولايات بالدّولة الفاطمية مرتبة الأصاغر من أرباب السّيوف والأقلام)

- ‌النوع الثاني (مما كان يكتب في الدولة الفاطمية بالديار المصرية ما كان يكتب عن الوزير)

- ‌المصادر والمراجع المستعملة في حواشي الجزء العاشر من كتاب «صبح الأعشى»

- ‌فهرس الجزء العاشر من صبح الأعشى

الفصل: لهم فيها بيعة رضوان، وصفقة رجحان، ودعوة إيمان، إنه على

لهم فيها بيعة رضوان، وصفقة رجحان، ودعوة إيمان، إنه على ما يشاء قدير، لا إله إلا هو نعم المولى ونعم النصير.

شهد على أمير المسلمين «1» ناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين- أدام الله أمره، وأعزّ نصره- بكلّ ما ذكر عنه من التزام البيعة المنصوصة فوق هذا، وأعطى صفقة يمينه متبرّعا بها، وبالله التوفيق؛ وذلك بحضرة قرطبة حماها الله تعالى.

‌الطريقة الثانية

- أن يفتتح العهد بعد البسملة بخطبة مفتتحة بالحمد لله، وهي طريقة المصريين، وعليها اقتصر المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» وعلى هذه الطريقة كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر عن الظاهر بيبرس عهد ولده الملك السعيد بركة، وهذه نسخته:

الحمد لله منمّي الغروس، ومبهج النّفوس، ومزيّن سماء المملكة بأحسن الأهلّة وأضوإ البدور وأشرق الشّموس، الذي شدّ أزر الإسلام، بملوك يتعاقبون مصالح الأنام، ويتناوبون تدبيرهم كتناوب العينين واليدين في مهمّات الأجساد وملمّات الأجسام.

نحمده على نعمه التي أيقظت جفن الشّكر المتغافي، وأوردت نهل الفضل الصافي، وخوّلت الآلاء حتّى تمسّكت الآمال منها بالوعد الوفيّ وأخذت بالوزن الوافي، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد كثّر الله عدده وعدده، وأحمد أمسه ويومه ويحمد- إن شاء الله تعالى- غده، ونصلّي على سيدنا محمد الذي أطلع الله به نجم الهدى، وألبس المشركين به أردية الرّدى، وأوضح به مناهج الدين وكانت طرائق قددا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة لا تنقضي أبدا.

ص: 167

وبعد، فإنا ألهمنا الله من مصالح الأمم، وخوّلنا من الحرص على مهمّات العباد الذي قطع به شأفة الكفر وختم، وأتى به والشرك قد علم كلّ أحد اشتعال ناره فكان علما بنار مضرمة لا نارا على علم، وقدّره من رفع الكفر من جميع الجوانب، وقفوهم من كل جهة حتّى رماهم بالحتف الواصل والعذاب الواصب «1» ، فأصبح الشّرك من الإبادة في شرك، والإسلام لا يخشى من قتل ولا يخاف من درك، وثغور الإسلام عالية المبتنى، جانية ثمار الادّخار من هنا ومن هنا، تزاحم بروجها في السماء البروج، وتشاهد الأعداء منها سماء قد بنيت وزيّنت وما لها من فروج، وعساكر الملّة المحمديّة في كلّ طرف من أطراف الممالك تجول، وفي كلّ واد تهيم حتّى تشعر بالنصر ولكنّها تفعل ما تقول: قد دوّخت البلاد فقتلت الأعداء تارة بالإلمام وتارة بالإدهام «2» ، وسلّت سيوفها فراعتهم يقظة بالقراع ونوما بالأحلام، ترى أنا قد لذّ لنا هذا الأمر التذاذ المستطيب، وحسن لدينا موقعه فعكفنا عليه عكوف المستجيد ولبّيناه تلبية المستجيب، وجعلنا فيه جميع الآلات والحواس، وتقسّمت مباشرته ومؤامرته سائر الزمن حتّى غدا أكثر تردّدا إلى النّفس من الأنفاس، واستنفدنا الساعات في امتطاء المضمّر الشّموس، وادّراع محكم الدّلاص «3» التي كأنها وميض برق أو شعاع شموس، وتجريد المرهفات التي جفت لحاظها الأجفان، وجرت فكالمياه وأضرمت فكالنّيران، وتفويق السهام التي غدت قسيّها مرابعا نبالها بان «4» ، واعتقال السّمهريّة التي تقرع الأعداء سنّها ندما كلّما قرعت هي السّنان، إلى غير ذلك، من كلّ غارة شعواء تسيء للكفّار الصّباح، وتصدم كالجبال وتسير كالرّياح، ومنازلات كم استلبت من موجود، وكم استنجزت من نصر موعود، وكم مدينة أضحت لها مدينة ولكن أخّرها الله إلى أجل معدود.

ص: 168

وكانت شجرتنا المباركة قد امتدّ منها فرع تفرّسنا فيه الزيادة والنموّ، وتوسّمنا منه حسن الجنى المرجوّ، ورأينا أنّه الهلال الذي قد أخذ في ترقّي منازل السّعود إلى الإبدار، وأنه سرّنا الذي صادف مكان الاختبار له مكان الاختيار، فأردنا أن ننصبه في منصب أحلّنا الله فسيح غرفه، ونشرّفه بما خوّلنا الله من شرفه، وأن تكون يدنا ويده تلتقطان من ثمره، وجيدنا وجيده يتحلّيان بجوهره، وأنّا نكون للسلطنة الشريفة السمع والبصر، وللملكة المعظّمة في التناوب بالإضاءة الشمس والقمر، وأن تصول الأمّة منّا ومنه بحدّين، ويبطشوا من أمرنا وأمره بيدين، وأن نرتّبه على حسن سياسة تحمد الأمّة- إن شاء الله تعالى- عاقبتها عند الكبر، وتكون الأخلاق الملوكية منتشئة منه ومنتشئة به من الصّغر، ونجعل سعي الأمّة حميدا، ونهب لهم منه سلطانا نصيرا وملكا سعيدا، ونقوّي به عضد الدين ونريش جناح المملكة، وننجح مطلب الأمة بإيالته وكيف لا ينجح مطلب فيه بركة؟.

وخرج أمرنا، لا برح مسعدا ومسعفا، ولا عدمت الأمة منه خلفا منبلا «1» ونوءا محلفا، بأن يكتب هذا التقليد لولدنا السعيد ناصر الدين «بركة خاقان محمد» جعل الله مطلع سعده بالإشراق محفوفا، وأرى الأمّة من ميامنه ما يدفع للدّهر صرفا ويحسن بالتدبير تصريفا- بولاية العهد الشريف على قرب البلاد وبعدها، وغورها ونجدها، وقلاعها وثغورها، وبرورها وبحورها، وولاياتها وأقطارها، ومدنها وأمصارها، وسهلها وجبلها، ومعطّلها ومغتلّها، وما تحوي أقطاره الأحلام، وما ينسب للدولة القاهرة من يمن وحجاز ومصر وغرب وسواحل وشام بعد شام، وما يتداخل ذلك من قفار ومن بيد في سائر هذه الجهات، وما يتخلّلها من نيل وملح وعذب فرات «2» ، ومن يسكنها من حقير وجليل، ومن يحلّها من صاحب رغاء وثغاء «3» وصليل وصهيل، وجعلنا يده في ذلك كلّه المبسوطة،

ص: 169

وطاعته المشروطة ونواميسه المضبوطة، ولا تدبير ملك كلّيّ إلا بنا أو بولدنا يعمل، ولا سيف ولا رزق إلا بأمرنا هذا يسلّ وهذا يسأل، ولا دست سلطنة إلا بأحدنا يتوضّح منه الإشراق، ولا غصن قلم في روض أمر ونهي إلّا ولدينا ولديه تمتدّ له الأوراق، ولا منبر خطيب إلا باسمنا يميس، ولا وجه درهم ولا دينار إلا بنا يشرق ويكاد تبرّجا لا بهرجا يتطلّع من خلال الكيس.

فليتقلّد الولد ما قلّدناه من أمور العباد، وليشركنا فيما نباشره من مصالح الثّغور والقلاع والبلاد، وسنتعاهد هذا الولد من الوصايا بما سينشأ معه توءما، ويمتزج بلحمه ودمه حتّى يكاد يكون ذلك إلهاما لا تعلّما، وفي الولد بحمد الله من نفاذ الذّهن وصحّة التصوّر ما تتشكّل فيه الوصايا أحسن التشكيل، وتظهر صورة الإبانة في صفائه الصّقيل، فلذلك استغنينا عن شرحها هاهنا مسرودة، وفيه- بحمد الله- من حسن الخليقة ما يحقّق أنها بشرف الإلهام موجودة، والله لا يعدمنا منه إشفاقا وبرّا، ويجعله أبدا للأمة سندا وذخرا، إن شاء الله تعالى.

وعلى ذلك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أيضا عن المنصور «قلاوون» عهد ولده الملك الأشرف صلاح الدين «خليل» «1» وهذه نسخته:

الحمد لله الذي لم يزل له السّمع والطاعة فيما أمر، والرضا والشّكر فيما هدم من الأعمار وما عمر، والتفويض في التعويض إن غابت الشمس بقي القمر.

نحمده على أن جعل سلطاننا ثابت الأركان، كلّ روضة من رياضه ذات أفنان، لا تزعزعه ريح عقيم، ولا يخرجه رزء عظيم عن الرّضا والتسليم، ولا يعتبط من حملته كريم إلا ويغتبط من أسرته بكريم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تزيد قائلها تفويضا وتجزل له تعويضا، وتحسن له على الصبر

ص: 170

الجميل في كلّ خطب جليل تحريضا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنزل عليه في التسليم: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ

«1» . والنبيّ الذي أوضح به المناهج وبيّن به السّبل، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تجاوبت المحابر والمنابر في البكر والأصل، وما نثرت عقود ونظمت، ونسخت آيات وأحكمت، ونقضت أمور وأبرمت، وما عزمت آراء فتوكّلت وتوكّلت فعزمت، ورضي الله عن أصحابه الذين منهم من كان للخليقة نعم الخليفة، ومنهم من لم يدرك أحد في تسويد النفس الحصيفة ولا في تبييض الصّحيفة مدّه ولا نصيفه، ومنهم من يسّره الله لتجهيز جيش العسرة فعرف الله ورسوله معروفه، ومنهم من عمل صالحا أرضى ربّه وأصلح في ذرّيته الشريفة.

وبعد، فإن من ألطاف الله تعالى بعباده، واكتناف عواطفه ببلاده، أن جعلنا كلّما وهى للملك ركن شديد شيّدنا ركنا عوضه، وكلما اعترضت للمقادير جملة بدّلنا آية مكان آية وتناسينا- تجلّدا- تلك الجملة المعترضة، فلم يحوج اليوم لأمسه، وإن كان حميدا، ولا الغارس لغرسه، وإن كان ثمره يانعا وظلّه مديدا، فأطلعنا في أفق السلطنة كوكبا سعيدا كان لحسن الاستخلاف معدّا، ومن لقبيل المسلمين خير ثوابا وخير مردّا، ومن يبشّر الله به من الأولياء المتّقين وينذر من الأعداء قوما لدّا، ولم يبق [إلا]«2» به أنسنا بعد ذهاب الذين تحسبهم (كالسيف فردا)«3» والذي ما أمضى حدّه ضريبة إلا (قدّ البيض والأبدان قدّا)«4» ، ولا جهّز راية كتيبة إلا أغنى غناء الذاهبين وعدّ الأعداء عدّا، ولا بعثه جزع فقال:(كم من أخ لي صالح)«5» إلّا لقيه ورع فقال: (وخلقت يوم خلقت جلدا)«6» ، وهو الذي

ص: 171

بقواعد السلطنة أدرى وبقوانينها الأعرف، وعلى الرّعايا الأعطف وبالرّعايا الأرأف، وهو الذي ما قيل لبناء ملك هذا عليه قد وهى إلّا وقيل هذا بناء مثله منه أسمى ملك أشرف، والذي ما برح النصر يتنسّم من مهابّ تأميله الفلاح، ويتبسّم ثغره فتتوسّم الثغور من مبسمه النّجاح، ويقسم نوره على البسيطة فلا مصر من الأمصار إلّا وهو يشرئبّ إلى ملاحظة جبين عهده الوضّاح، ويتفتّق اشتقاق النّعوت فيقول التسلّي للتملّي: سواء الصالح والصّلاح، والذي ما برح لشعار السلطنة إلى توقّله وتنقّله أتمّ حنين، وكأنما كوشفت الإمامة العبّاسيّة بشرف مسمّاه فيما تقدّم من زمن سلف ومن حين، فسمّت ووسمت باسمه أكابر الملوك وأخاير السلاطين، فخوطب كلّ منهم مجازا لا كهذه الحقيقة «بخليل» أمير المؤمنين؛ والذي [كم]«1» جلا ببهيّ جبينه من بهيم، وكم غدا الملك بحسن روائه ويمن آرائه يهيم، وكم أبرأ مورده العذب هيم عطاش ولا ينكر الخليل إذا قيل عنه إبراهيم، ومن تشخص الأبصار لكماله يوم ركوبه حسيرة، وتلقي البنان سلاحها ذهلا وهي لا تدري لكثرة الإيماء إلى جلاله إذا يبدو مسيره، والذي ألهم الله الأمة لجوده ووجوده صبرا جميلا، وآتاهم من نفاسة كرمه وحراسة سيفه وقلمه تأمينا وتأميلا، وعظم في القلوب والعيون بما من برّه سيكون فسمّته الأبوّة الشريفة ولدا وسمّاه الله «خليلا» .

ولمّا تحتّم من تفويض أمر الملك إليه ما كان لوقته المعلوم قد تأخّر، وتحيّن حينه فكمل زيادة كزيادة الهلال حتّى بادر تمامه فأبدر، اقتضى حسن المناسبة لنصائح الجمهور، والمراقبة لمصالح الأمور، والمصاقبة لمناجح البلاد والثّغور، والمقاربة من فواتح كلّ أمر ميسور، أن نفوّض إليه ولاية العهد الشريف بالسلطنة الشريفة المعظّمة، المكرّمة المفخّمة المنظّمة، وأن يبسط يده المنيفة لمصافحتها بالعهود، وتحكّمها في العساكر والجنود، وفي البحور والثّغور وفي التّهائم

ص: 172

والنّجود، وأن يعدق «1» ببسطها وقلمها كلّ قطع ووصل، وكلّ فرع وأصل، وكلّ نصر ونصل، وكلّ ما يحمي سرحا، ويهمي منحا، وفي المثيرات في الإعداء على الأعداء نقعا وفي المغيرات صبحا، وفي المنع والإطلاق، وفي الإرفاد والإرفاق، وفي الخميس «2» إذا ساق، وفي السيوف إذا بلغت التراقي وقيل من راق، وفي الرّماح إذا التفّت الساق بالسّاق، وفي المعاهدات والهدن، وفي الفداء بما عرض من عرض وبالبدن «3» بالبدن، وفيما ظهر من أمور الملك وما بطن، وفي جميع ما تستدعيه بواعثه، في السرّ والعلن، وتسترعيه نوافثه، من كبت وكتب متفرّقين أو في قرن، عهدا مباركا عوذه وتمائمه، وفواتحه وخواتمه، ومناسمه ومياسمه، وشروطه ولوازمه، وعلى عاتق الملك الأعزّ نجاده وفي يد جبّار السموات قائمه، لا رادّ لحكمه ولا ناقض لبرمه، ولا داحض لما أثبتته الأقلام من مكنون علمه.

[و]«4» يزيده مرّ اللّيالي جدّة

وتقادم الأيام حسن شباب

وتلزم السّنون والأحقاب استيداعه للذراريّ والأعقاب؛ فلا سلطان ذو قدر وقدرة، ولا ذو أمر وإمرة، ولا نائب في مملكة قربت أو بعدت، ولا مقدّم جيوش أتهمت أو أنجدت؛ ولا راع ولا رعيّة، ولا ذو حكم في الأمور الشرعيّة؛ ولا قلم إنشاء ولا قلم حساب ولا ذو وأنساب ولا ذو وأسباب، إلا وكلّ داخل في قبول هذا العقد الميمون، ومتمسّك بحكم كتابه المكنون، والتسليم لنصّه الذي شهد به من الملائكة الكرام الكاتبون، وأمست بيعته بالرّضوان محفوفة، والأعداء يدعونها تضرّعا وخيفة، وليشكروا الصنيع الذي بعد أن كانت الخلفاء تسلطن الملوك قد

ص: 173

صار سلطانهم يقيم من ولاة العهد خليفة بعد خليفة.

وأمّا الوصايا فأنت يا ولدنا الملك الأشرف- أعزّك الله- بها الدّرب، ولسماع شدوها وحدوها الطّرب، الذي للّغو لا يضطرب، فعليك بتقوى الله عز وجل فإنها ملاك سدادك، وهلاك أضدادك، وبها يراش جناح نجاحك، ويحسن اقتداء اقتداحك؛ فاجعلها دفين جوانح تأميلك ووعيك، ونصب عيني أمرك ونهيك؛ والشرع الشريف فهو قانون الحق المتّبع، ومأمون الأمر المستمع، وعليه مدار إيعاء كلّ إيعاز، وبه يتمسّك من أشار وامتاز، وهو جنّة والباطل نار: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ

«1» ؛ فلا تخرج في كلّ حال عن لوازمه وشروطه، ولا تنكب عن معلّقه ومنوطه. والعدل فهو مثمّر غروس الأموال، ومعمّر بيوت الرّجاء والرّجال، وبه تزكو الأعمار والأعمال؛ فاجعله جامع أطراف مراسمك؛ وأفضل أيّام مواسمك؛ وسم به فعلك، وسمّ به فرضك ونفلك، ولا تفرد به فلانا دون فلان، ولا مكانا دون مكان، واقرنه بالفضل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ

«2» . وأحسن التخويل، وأجمل التّنويل، وكثّر لمن حولك التموين والتّمويل، وضاعف الخير في كلّ مضاف لمقامك، ومستضيف بإنعامك، حتى لا تعدم في كلّ مكان وكلّ زمان ضيافة الخليل؛ والثّغور فهي للممالك مباسمها، وللمسالك مناسمها؛ فاجعل نواجذها تفترّ عن حسن ثنايا الصّون، ومراشفها شنبة «3» الشّفاه بحسن العون؛ ومنها، بما يحمي السّرح منها، وأعنها، بما يدفع المكاره عنها، فإنها للنصر مقاعد، وبها حفظ البلاد من كلّ مارّ من الأعداء مارد؛ وأمراء الجيوش فهم السّور الواقي بين يدي كلّ سور، وما منهم إلا كلّ بطل بالنصر مشهور، كما سيفه مشهور، وهم ذخائر الملوك، وجواهر السّلوك، وأخاير الأكابر الذين خلصوا من الشكوك؛ وما منهم إلا من له خدمات سلفت، وحقوق عرفت،

ص: 174

ومواتّ «1» على استلزام الرّعاية للعهود وقفت؛ فكن لجنودهم متحبّبا، ولمرابعهم مخصبا، ولمصالحهم مرتّبا، ولآرائهم مستصوبا، ولاعتضادهم مستصحبا، وفي حمدهم مطنبا، وفي شكرهم مسهبا، والأولياء المنصوريّون الذين هم كالأولاد، ولهم سوابق أمتّ «2» من سوابق الإيجاد؛ وهم من علمت استكانة من قربنا، ومكانة من قلبنا، وهم المساهمون فيما ناب، وما برحوا للدولة الظّفر والناب، فأسهم لكلّ منهم من احترامك نصيبا، وأدم لهم ارتياحك، وألن جماحك؛ وقوّهم بسلاحك، تجد منهم ضروبا، وترى كلّا منهم في أعدائك ضروبا.

وكما أنا نوصيك بجيوش الإسلام، كذا نوصيك بالجيش الذي له الجوار المنشآت في البحر كالأعلام؛ فهو جيش الأمواه والأمواج المضاف إلى الأفواج من جيش الفجاج؛ وهو الجيش السّليمانيّ في إسراع السير، وما سمّيت شوانيه «3» غربانا إلا ليجتمع بها لنا ما اجتمع لسليمان صلى الله عليه وسلم من تسخير الريح والطّير؛ وهي من الديار المصرية على ثبج «4» البحر الأسوار، فإن قذفت قذفت الرعب في قلوب الأعداء وإن أقلعت قلعت منهم الآثار، فلا تخله من تجهيز جيشه، وسكّن طيش البحر بطيشه، فيصبح لك جيشان كلّ منهما ذو كرّ وفرّ، هذا في برّ بحر وهذا ببحر برّ؛ وبيوت العبادات فهي التي إلى مصلّى سميّك «خليل» الله تنتهي محاريبها، وبها لنا ولك وللمسلمين سرى الدّعوات وتأويبها؛ فوفّها نصيبها المفروض غير منقوص، ومر برفعها وذكر اسم الله تعالى [فيها]«5» للأمر المنصوص؛ وأخواتها من بيوت الأموال الواجدات «6» الواجبات، من حيث إنها كلّها بيوت الله عز وجل: هذه

ص: 175

للصّلاة وهذه للصّلات، وهذه كهذه في رفع المنار وجمع المبار؛ وإذا كانت تلك مما أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فهذه ترفع ويذكر فيها اسمه حتى على الدّرهم والدّينار؛ فاصرف إليها اجتهادك فيما يعود بالتثمير، كما يعود على تلك بالتّنوير، وعلى هذه بإشحانها «1» بأنواع الصّروف، كإشحان «2» تلك باستواء الصّفوف، فإنها إذا أصبحت مصونة، أجملت بحمد الله المعونة، وكفلت بالمؤونة وبالزيادة على المؤونة، فتكمّل هذه لكل ولي دنياه كما كمّلت تلك [لكلّ] وليّ دينه؛ وحدود الله فلا يتعدّاها أحد، ولا يرأف فيها ولد بوالد ولا والد بولد؛ فأقمها وقم في أمرها حتى تنضبط أتمّ الضبط، ولا تجعل يد الفتك مغلولة إلى عنقها ولا تبسطها كلّ البسط؛ فلكلّ من الجنايات والقصاص شرط شرطه الله وحدّ حدّه فلا يتجاوز أحد ذلك الحدّ ولا يخرج عن ذلك الشرط، والجهاد فهو الدّيدن المألوف من حيث نشأ نشأ ونشأتك

«3» وفي ظهور الخيل، فمل على الأعداء كلّ الميل، وصبّحهم من فتكاتك بالويل بعد الويل، وارمهم بكلّ شمّريّ «4» قد شمّر من يده عن الساعد ومن رمحه عن الساق ومن جواده الذّيل، واذهب لهم من كلّ ذلك مذهب، وأنر بنجوم الخرصان «5» كلّ غيّ وغيهب، وتكثّر في غزوهم من الليل بكلّ أدهم، ومن الشّفق، بكلّ أحمر وأشقر، ومن الأصيل بكلّ أصفر، ومن الصبح بكلّ أشهب، واستنهب أعمارهم واجعلها آخر ما يسلب وأوّل ما ينهب؛ ونرجو أن يكون الله قد خبأ لك من الفتوحات ما يستنجزها لك صادق وعده، وأن ينصر بك جيوش الإسلام، في كلّ إنجاد وإتهام، وما النّصر إلّا من عنده؛ وبيت الله المحجوج من كلّ فجّ، المقصود من كلّ نهج، فسيّر سبيله، ووسّع [له]«6» الخير وأحسن تسبيله، وأوصل من برّك

ص: 176

لكلّ من الحرمين ما هو له، لتصبح ربوعه بذلك مأهولة، واحمه ممّن يريد فيه بإلحاد بظلم، وطهّره من مكس وغرم: ليعود نفعك على البادي والعاكف، ويصبح واديه وناديه مستغنيين بذلك عن السّحاب الواكف «1» ؛ والرعايا فهم للعدل زروع، وللاستثمار فروع، ولا ستلزام العمارة شروع؛ فمتى جادهم غيث أعجب الزّرّاع نباتهم، ونمت بالصّلاح أقواتهم، وصلحت بالنّماء أوقاتهم، وكثرت للجنود مستغلّاتهم، وتوفّرت زكواتهم وتنوّرت مشكاتهم، والله يضاعف لمن يشاء.

هذا عهدنا للسيد الأجلّ، الملك، الأشرف، صلاح الدنيا والدين، فخر الملوك والسلاطين، خليل أمير المؤمنين، أعزّ الله تعالى ببقائه الدّين؛ فليكن بعروته متمسّكا، وبنفحته متمسّكا، وليتقلّد سيف هذا التقليد، ويفتح مغلق كلّ فتح منه بخير إقليد؛ وها نحن قد كثّرنا لديه جواهره فدونه ما يشاء تحليته من تتويج مفرق وتختيم أنامل وتسوير زند وتطويق جيد، ففي كلّ ذلك تبجيل وتمجيد؛ والله تعالى يجعل استخلافه هذا للمتقين إماما، وللدّين قواما، وللمجاهدين اعتصاما، وللمعتدين انفصاما، ويطفيء بمياه سيوفه نار كلّ خطب حتى يصبح كما أصبحت نار سميّه صلى الله عليه وسلم بردا وسلاما؛ إن شاء الله تعالى.

وعلى ذلك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، عن المنصور «قلاوون» المتقدّم ذكره، عهد ولده الملك الصالح «علاء الدين علي» وهذه نسخته «2» :

الحمد لله الذي شرّف سرير الملك منه بعليّه، وحاطه منه بوصيّه؛ وعضّد منصوره بولاية عهد صالحه، وأسمى حاتم جوده بمكارم حازها بسبق عديّه، وأبهج

ص: 177

خير الآباء من خير الابناء بمن سموّ أبيه منه بشريف الخلق وأبيّه، وغذّى روضه بمتابعة وسميّه «1» وبمسارعة وليّه.

نحمده على نعمه التي جمعت إلى الزّهر الثّمر، وداركت بالبحر وباركت في النّهر، وأجملت المبتدأ وأحسنت الخبر، وجمعت في لذاذة الأوقات وطيبها بين رونق الآصال ورقّة البكر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نلبس الألسنة منها في كلّ ساعة [ثوبا]«2» جديدا، ونتفيّأ منها ظلّا مديدا، ونستقرب من الآمال ما يراه سوانا بعيدا؛ ونصلّي على سيدنا محمد الذي طهّر الله به هذه الأمّة من الأدناس، وجعلها بهدايته زاكية الغراس؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من فهم حسن استخلافه بالأمر له بالصّلاة بالناس «3» ، ومنهم من بنى الله به قواعد الدّين وجعلها موطّدة الإساس «4» ومنهم من جهّز جيش العسرة «5» وواسى بماله حين الضرّاء والباس، ومنهم من قال عنه صلى الله عليه وسلم:«لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله» «6» فحسن الالتماس بذلك والاقتباس، وزاد في شرفه بأن طهّر أهل بيته وأذهب عنهم الأرجاس، صلاة لا تزال تتردّد تردّد الأنفاس، ولا تبرح في الآناء حسنة الإيناس.

وبعد، فإنّ خير من شرّفت مراتب السلطنة بحلوله، وفوّفت ملابس التحكيم بقبوله، ومن تزهى مطالع الملك بإشراقه، وتتبادر الممالك مذعنة لاستحقاقه، ومن يزدهي ملك منصوره- نصره الله بولده ووليّ عهده مكنة- بانيه، ومن يتشرّف إيوان عظمته: إن غاب والده في مصلحة الإسلام فهو صدره وإن حضر فهو ثانيه، ومن يتجمّل غاب الإيالة منه بخير شبل كفل ليثا، ويتكفّل غوث الأمّة بخير وابل

ص: 178

خلف غيثا؛ ومن ألهم الأخلاق الملوكيّة وأوتي حكمها صبيّا، ومن خصّصته الأدعية الشريفة بصالحها ولم يكن بدعائها شقيّا، ومن رفعت به هضبة الملك حتى أمسى مكانها عليّا؛ ومن هو أحقّ بأن ينجب الأمل وينجح، وأولى بأن يتلى له:

اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ

«1» ، ومن هو بكلّ خير ملي، ومن إذا فوّضت إليه أمور المسلمين كان أشرف من لأمورهم يلي، ومن يتحقّق من والده الماضي الغرار، ومن اسمه العالي المنار، أن لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.

ولما كان المقام العالي، الولديّ، السلطانيّ، الملكيّ، الصالحيّ، العلائيّ- عضّد الله به الدّين، وجمع إذعان كلّ مؤمن على إيجاب طاعته لمباشرة أمور المسلمين، حتى يصبح وهو صالح المؤمنين- هو المرجوّ لتدبير هذه الأمور، والمأمول لصلاح البلاد والثّغور «2» والمدّخر في النصر لشفاء ما في الصّدور، والذي تشهد الفراسة لأبيه وله بالتحكم: أو ليس الحاكم أبو عليّ هو المنصور؟؛ فلذلك اقتضت الرحمة والشفقة على الأمّة أن ينصب لهم وليّ عهد يتمسّكون من الفضل بعروة كرمه، ويسعون بعد الطواف بكعبة أبيه لحرمه، ويقتطفون أزاهر العدل وثمار الجود من كلمه وقلمه، وتستسعد الأمة منه بالملك الصالح الذي تقسم الأنوار لجبينه وتقسّم المبارّ من كراماته وكرمه.

فلذلك خرج الأمر العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، المنصوريّ، السيفيّ- أخدمه الله القدر، ولا زالت الممالك تتباهى منه ومن وليّ عهده بالشمس والقمر- أن يفوّض إليه ولاية العهد وكفالة السلطنة المعظّمة، ولاية تامّة عامّة شاملة كاملة، شريفة منيفة، عطوفة رؤوفة، في سائر أقاليم الممالك «3»

ص: 179

وعساكرها وجندها، وعربها وتركمانها وأكرادها ونوّابها وولاتها، وأكابرها وأصاغرها ورعاياها ورعاتها وحكّامها وقضاتها، وسارحها وسانحها، بالديار المصرية ثغورها وأقاليمها وبلادها، وما احتوت عليه، والمملكة الحجازيّة، وما احتوت عليه، ومملكة النّوبة، وما احتوت عليه، والفتوحات الصفدية والفتوحات الإسلاميّة الساحلية وما احتوت عليه، والممالك الشاميّة وحصونها، وقلاعها ومدنها، وأقاليمها وبلادها، والمملكة الحمصيّة، والمملكة الحصنية الأكراديّة والجبلية وفتوحاتها، والمملكة الحلبية وثغورها وبلادها، وما احتوت عليه، والمملكة الفراتيّة، وما احتوت عليه، وسائر القلاع الإسلامية برّا وبحرا، وسهلا ووعرا، شاما ومصرا، يمنا وحجازا، شرقا وغربا، بعدا وقربا، وأن تلقى إليه مقاليد الأمور في هذه الممالك الشريفة، وأن تستخلفه سلطنة والده- خلد الله دولته- لتشاهد الأمة منه في وقت واحد سلطانا وخليفة، ولاية واستخلافا تسندهما الرّواة، وتترنّم بهما الحداة، وتعيهما الأسماع وتنطق بهما الأفواه، تفويضا يعلن لكافةّ الأمم، ولكلّ ربّ سيف وقلم، ولكل ذي علم وعلم، بما قاله صلى الله عليه وسلم لسميّه رضي الله عنه حين أولاه من الفخار ما أولاه:«من كنت مولاه فعليّ مولاه» «1» فلا ملك إقليم إلّا وهذا الخطاب يصله ويوصّله، ولا زعيم جيش إلا وهذا التفويض يسعه ويشمله، ولا إقليم إلّا وكلّ من به يقبّله ويقبله، ويتمثّل بين يديه ويمتثله، ولا منبر إلّا وخطيبه يتلو فرقان هذا التقديم ويرتّله.

وأمّا الوصايا فقد لقّنّا ولدنا ووليّ عهدنا ما انطبع في صفاء ذهنه، وسرت تغذيته في نماء غصنه؛ ولابدّ من لوامع للتبرّك بها في هذا التقليد الشريف تنير، وجوامع تعتزّ لخير بها «2» حيث يصير، وودائع ينبّئك عنها ولدنا- أعزنا الله ببقائه- ولا ينبّئك مثل خبير: فاتّق الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، وانصر

ص: 180

الشرع فإنّك إذا نصرته ينصرك الله على أعداء الدّين وعداك، واقض بالعدل مخاطبا ومكاتبا حتى يستبق إلى الإيعاز به لسانك ويمناك، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر عالما أنه ليس يخاطب غدا بين يدي الله عن ذلك سوانا وسواك، وانه نفسك عن الهوى حتى لا يراك الله حيث نهاك، وحط الرعيّة، ومر النّوّاب بحملهم على القضايا الشرعية، وأقم الحدود، وجنّد الجنود، وابعثها برّا وبحرا من الغزو إلى كلّ مقام محمود، واحفظ الثّغور، ولا حظ الأمور، وازدد بالاسترشاد بآرائنا نورا على نور؛ وأمراء الإسلام الأكابر وزعماؤه، فهم بالجهاد والذّبّ عن العباد أصفياء الله وأحبّاؤه؛ فضاعف لهم الحرمة والإحسان، واعلم أنّ الله اصطفانا على العالمين وإلّا فالقوم إخوان، لا سيّما أولو السعي الناجح، والرأي الراجح، ومن إذا فخروا بنسبة صالحية قيل لهم: نعم السّلف الصالح، فشاورهم في الأمر، وحاورهم في مهمّات الأمور في كلّ سرّ وجهر، وكذلك غيرهم من أكابر الأمراء الذين هم من تحايا الدّول، وذخائر الملوك الأول؛ أجرهم في هذا المجرى، واشرح لهم بالإحسان صدرا؛ وجيوش الإسلام هم البنان والبنيان، فوال إليهم الامتنان، واجعل محبّتك في قلوبهم بإحسانك إليهم حسنة المربى، وطاعتك في عقائدهم قد شغفها حبّا: ليصبحوا بحسن نظرك إليهم طوعا، وليحصّل كلّ جيش منهم من التقرّب إليك بالمناصحة نوعا، والبلاد وأهلها فهم عندك الوديعة فاجعل أوامرك [لهم]«1» بصيرة وسميعة.

وأما غير ذلك من الوصايا، فسنخوّلك منها بما ينشأ معك توءما، ونلقّنك من آياتها محكما فمحكما، والله تعالى ينمّي هلالك حتى يوصّله إلى درجة الإبدار، ويغذّي غصنك حتّى نراه قد أينع بأحسن الأزهار وأينع الثّمار، ويرزقك سعادة سلطاننا الذي نعتّ بنعته تبرّكا، ويلهمك الاعتضاد بشيعته، والاستنان بسنّته، حتى تصبح كتمسّكنا بذلك متمسّكا، ويجعل الرعية بك في أمن وأمان حتى لا تخشى سوءا ولا تخاف دركا، والاعتماد على الخط الشريف- أعلاه الله تعالى- أعلاه إن شاء الله تعالى.

ص: 181