الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثله؛ وإنما أشار إليه المقرّ الشهابيّ بن فضل الله رحمه الله في «التعريف» حيث قال: وأما ما يكتب للملوك عن الملوك، مثل ولاة العهود والمنفردين بصغار البلدان فإنه لا تستفتح عهودهم إلا بالخطب. وذلك أنّ حماة كانت في زمنه بأيدي بني أيّوب على ما تقدّم ذكره، ولذلك قال في «مسالك الأبصار» : ومما في حدود هذه المملكة ممن له اسم سلطان حاكم وملك متصرّف صاحب حماة.
الوجه الثاني
(في بيان ما يكتب في العهد؛ وهو على ضربين)
الضرب الأوّل
(ما يكتب في الطرّة، وهو تلخيص ما يشتمل عليه العهد) وهذه نسخة عهد كتب بها المقرّ الشهابيّ بن فضل الله عن الملك الناصر «محمد بن قلاوون» للملك الأفضل «محمد ابن المؤيّد عماد الدين إسماعيل» بسلطنة حماة أيضا، في رابع صفر سنة اثنتين «1» وثلاثين وسبعمائة. وهو آخر من ملكها من بني أيّوب، وهي:
الحمد لله الذي أقرّبنا الملك في أهلّة أهله، وتدارك مصاب ملك لولا ولده الأفضل لم يكن له شبيه في فضله، ووهب بنا بيت السلطنة من أبقى البقايا ما يلحق به كلّ فرع بأصله، ويظهر به رونق السيف في نصله.
نحمده على ما أفاض بمواهبنا من النّعم الغزار، وأدخل في طاعتنا الشريفة من ملوك الأقطار، وزاد عطايانا فأضحت وهي ممالك وأقاليم وأمصار، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة أفلح من مات من ملوك الإسلام عليها،
وحرّض بها في الجهاد على الشّهادة حتى وصل إليها، ومدّ يده لمبايعتنا على إعلائها فسابقت الثّريّا ببسط يديها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي شرّف من تسمّى باسمه أو متّ بالقربى إلى نسبه، وصرّف في الأرض من تمسّك من رعاية الأمّة بسببه، وأكرم به كريم كلّ قوم وجعل كلمة الفخار كلمة باقية في عقبه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما ناح الحمام لحزنه ثم غنّى من طربه، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإنّنا- ولله الحمد- ممّن نحفظ بإحساننا كلّ وديعة، ونتقبّل لمن أقبل من الملوك على سؤال صدقاتنا الشريفة كلّ ذريعة، ونتكفّل لمن مات على ولائنا بما لو رآه في ولده لسرّه ما جرى، وعلم أنّ هذا الذي كان يتمنّى أن يعيش حتى يبصر هذا اليوم ويرى؛ وكان السلطان الملك المؤيّد عماد الدين- قدّس الله روحه- هو بقيّة بيته الشريف، وآخر من حلّ من ملوكهم في ذروة عزّه المنيف ولم يزل في طاعتنا الشريفة على ما كان من الحسنى عليه، ومن المحاسن التي لقي الله بها ونور إيمانه يسعى بين يديه؛ فوهبنا له من المملكة الحمويّة المحروسة ما كان قد طال عليه سالف الأمد، ورسمنا له بها عطيّة باقية للوالد والولد، فلمّا قارب انقضاء أجله، وأشرف على ما قدّمه إلى الله وإلينا من صالح عمله، لم يشغله ما به عن مطالعة أبوابنا الشريفة والتّذكار بولده، وتقاضي صدقاتنا العميمة بما كان ينتظره قمره المنير لفرقده، وورد من جهة ولده المقام الشريف، العالي، الولديّ، السلطانيّ، الملكيّ، الأفضليّ، الناصريّ،- أعزّ الله أنصاره- ما أزعج القلوب بمصابه في أبيه، وأجرى العيون على من لا نقع له على شبيه، فوجدنا من الحزن عليه ما أبكى كلّ سيف دما، وأنّ كل رمح يقرع سنّه ندما، وتأسّفنا على ملك كاد يكون من الملائك، وأخ كريم أو أعزّ من ذلك، وسلطان عظيم طالما ظهر شنب «1» بوارقه في ثغور الممالك، وقمنا من الحزن في مشاركة أهله بالمندوب، ثم قلنا: لكم في ولده العوض ولا ينكر لكم الصّبر يا آل أيّوب.
فاقتضت مراسمنا المطاعة أن نرقّيه إلى مقامنا العالي، ونعقد له من ألوية الملك ما تهتزّ به أطراف العوالي، ونركبه من شعار السلطنة بما تتجمّل به مواكبه، وتمتدّ به عصائبه، وتميس من العجب وتمتدّ رقابها بالرّقبة السلطانية جنائبه، تنزيها لخواطركم الكريمة علينا عن قول ليت، وتنويها بقدر بيتكم الذي رفع لكم إسماعيل به قواعد البيت: لما نعلمه من المقام العالي الملكيّ الأفضليّ الناصريّ- أمتع الله ببقائه- من المناقب التي استحقّ بها أن يكون له عليكم الملك، والعزائم التي قلّد بها من الممالك ما تجول به الجياد وتجري به الفلك، مع ماله من الكرم الذي هو أوفى من العهاد بعهده، والفضل الذي اتّصل به ميراث الأفضليّة عن جدّه، والجود الذي جرى البحر معه فاحمرّت من الخجل صفحة خدّه، والوصف الذي لم يرض بالجوزاء واسطة لعقده، والعدل الذي أشبه فيه أباه فما ظلم، والعلم الذي ما خلا به بابه من طلب: إمّا لهدى وإمّا لكرم، ولم يخرج من كفالة والده إلّا إلى كفالتنا التي أظلّته بسحبها، وحلّت سماء مملكته بشهبها، وخاطبناه كما كنّا نخاطب والده- رحمه الله بالمقام الشريف، وأجريناه في ألقابه مجرى الولد زيادة له في التشريف، وصرّفنا أمره في كل ما كان لملوك أهله فيه تصريف، وسنرشده إلى أوضح طريقة، ويقوم مقام أبيه أو ليس «الناصر» هو أبو الأفضل حقيقة، ورسمنا بطلبه إلى [ما]«1» بين أيدينا الشريفة لنجدّد له في نظرنا الشريف ما يتضاعف به سعوده، ويزداد صعوده، ويتماثل في هذا البيت الشاهنشاهيّ أبناؤه وآباؤه وجدوده: لتعمل معه صدقاتنا الشريفة ما هو به جدير، وترفعه إلى أعزّ مكان من صهوة المنبر والسّرير، وتكاثر به كلّ سلطان وما هو إلّا جحفل يسير، لتشيّد به أركان هذا البيت الكريم، وتحيا عظامه وهي في اللّحود عظم رميم، وتعرف الناس أن عنايتنا الشريفة بهم تزيد على ما عهدوه لجدّهم القديم من سميّنا الملك الناصر القديم، فخرجت المراسيم الشريفة، العالية، المولويّة، السلطانية، الملكية، الناصريّة: لا زالت الملوك تتقلّد مننها في أعناقها، ولا
برحت الممالك من بعض مواهبها وإطلاقها، أن يقلّد هذا السلطان الملك الأفضل- أدام الله نصره- من المملكة الحموية وبلادها، وأمرائها وأجنادها، وعربها وتركمانها وأكرادها، وقضاياها وقضاتها، ورعاياها ورعاتها، وأهل حواضرها وبواديها، وعمرانها وبراريها، جميع ما كان والده- رحمه الله يتقلّده، وبسيفه وقلمه يجريه ويجرّده: من كلّ قليل وكثير، وجليل وحقير، وفي كل مأمور به وأمير، يتصرّف في ذلك جميعه، ويقطع إقطاعاتها بمناشيره ويولّي وظائفها بتواقيعه، وينظر فيها وفي أهلها بما يعلم أنّ له ولهم فيه صلاحا، ويقيم من هيبة سلطانه ما يغنيه أن يعمل أسنّة ويجرّد صفاحا.
وليحكم فيها وفيمن هو فيها بعدله، ويجمع قلوب أهلها على ولائه كما كانوا عليه لأبيه من قبله، وليكن هو وجنوده وعساكره أقرب في النّهوض إلى مصالح الإسلام من رجع نفسه، وأمضى في العزائم مما يشتبه بها «1» من سيفه وقبسه.
وأما بقيّة ما يملى من الوصايا، أو يدلّ عليه من كرم السّجايا، فهو- بحمد الله تعالى- غريزة في طباعه، ممتزج به من زمان رضاعه؛ وإنما نذكّره ببعض ما به يتبرك، ونحضّه على اتّباع أبيه فإنها الغاية التي لا تدرك؛ والشرع الشريف أهمّ ما يشغل به جميع أوقاته، وتقوى الله فما ينتصر الملك إلا بتقاته، والفكرة في مصالح البلاد والرعايا فإنها مادّة نفقاته، واستكثار الجنود فإنهم حصنه المنيع في ملاقاته، ومبادرة كلّ مهم في أوّل ميقاته، وولايات الأعمال لا يعتمد فيها إلّا على ثقاته، وإقامة الحدود حتّى لا ينصت في تركها إلى رقي رقاته، ورعاية من له على سلفه خدمة سابقة، واستجلاب الأدعية الصالحة لنا وله فإنها للسهام مسابقة؛ وليمض في الأمور عزمه فإنه مذرّب «2» ، ويبسط العدل والإحسان فإنه بهما إلينا يتقرّب، وليأخذ بقلوب الرعايا فإنها تتقلّب، وليكرم وفادة الوفود ليقف بهم- لنجاح