الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شلب
من بلاد الأندلس، وهي قاعدة كورة أكشونبة، وهي مدينة بقبلي مدينة ياجة، ولها بسائط فسيحة، وبطائح عريضة؛ ولها جبل عظيم منيف، كثير المسارح والمياه، واكثر ما ينبت فيه شجر التفاح العجيب، يتضوع منه روائح المود.
وعليها سور حصين، ولها غلات وجنات، وشرب أهلها من واديها الجاري إليها من جهة جنوبها، وعليه أرحاء البلد، والبحر منها في الغرب على ثلاثة أميالٍ، ولها مرسىً في الوادي وبها الإنشاء، والعود بجبالها كثير، يحمل منها إلى كل الجهات؛ والمدينة في ذاتها حسنة الهيئة، بديعة البناء، مرتبة الأسواق، وأهلها وسكان قراها عرب من اليمن وغيرها، وكلامهم بالعربية الصريحة، وهم فصحاء يقولون الشعر، وهم نبلاء خاصتهم وعامتهم؛ وأهل بوادي هذه البلدة في غاية الكرم، لا يجاريهم فيه أحد. ومن شلب إلى بطليوس ثلاث مراحل، ومن شلب إلى مارتلة أربعة أيام.
وفي سنة 585 في ربيع الآخر منها، نازل ابن الرنق صاحب قلمرية وما يليها من غرب الأندلس مدينة شلب هذه، فلم يزل محاصراً لها إلى أن ضاق أهلها بالحصار، فخافوا الغلية عليهم، فصالحوهم على أن يخرجوا سالمين في أنفسهم، ويتركوا البلد بجميع ما فيه من أموالهم وأثاثهم، فأجابهم على ذلك، ووفي لهم بما صالحهم عليه، ودخلها في الموفى عشرين من رجب هذه السنة، وبلغ أمر شلب إلى صاحب المغرب والأندلس، المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، فامتعض من ذلك
وأنف منه، وكبر عليه، فاعترض جنوده، واستنفر حشوده، واستعد الأسلحة، وفرق الأموال، وخرج من مراكش قاصداً الأندلس في وسط ذي الحجة من هذه السنة، واستمر سيره إلى أن وصل إلى رباط الفتح من مدينة سلا، فأقام بها نحواً من ثلاثين يوماً إلى أن توافقت الحشود، وتكاملت القبائل، وورد عليه في أثناء مقامه برباط الفتح فتح فتح عليه في المغرب، وهنى به؛ وفيه يقول أبو بكر بن مجبر " طويل ":
قلائد فتح كان يذخرها الدهر
…
فلما أردت الغزو أبرزها النصر
القصيدة بطولها.
وتحرك المنصور من رباط الفتح في أخريات المحرم عام 586، وركب البحر من قصر مصمودة في الثاني والعشرين من ربيع الأول، فأقام بطريف إلى أن تحرك منها في غرة ربيع الآخر، وسار إلى قرطبة، وعقدت له الرايات بجامعها الأكبر؛ وفي ذلك يقول أبو بكر بن مجبر قصيدته المشهورة التي أولها " بسيط ":
بشراى هذا لواء قل ما عقدا
…
إلا وقد مده الروح الأمين بدا
وأقبل النصر لا يعدو بناحيةٍ
…
فحيما قصدت راياته قصدا
واستقبلته بتبشير الفتوح فقد
…
كادت تكون على أكتافه لبدا
إلى آخر القصيدة، وهي طويلة. ثم تحرك من إشبيلية إلى قصر أبي دانس من غرب الأندلس، فنزلوا على حكمه، فاحتملهم إلى مراكش، ورحل من قصر أبي دانس إلى حصن بلمالة، فاست سلموا ورغبوا في الأمان على أن يتركوا الحصن، ويسلموا في أنفسهم، وينصرفوا إلى بلادهم، فأجيبوا إلى ذلك، وخلى سبيلهم، فنهضوا إلى بلادهم؛