الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الفاء
فحص البلوط
الترجمة في حرف الباء
بالأندلس من ناحية قرطبة، منه القاضي أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي. كان متفنناً في ضروب من العلوم، وكانت له رحلة لقى فيها جماعةً من العلماء في الفقه واللغة، وكان كثير المناقب والخصال الحميدة غير مدافع، مع ثبات الجنان وجهارة الصوت وحسن الترتيل؛ وله تفسير على الكتاب العزيز.
ومما جرى له مع عبد الرحمن الناصر أمير المؤمنين أنه بنى قبةً واتخذ قراميد القبة من فضة، وبعضها مغشى بالذهب. وجعل سقفها نوعين صفراء فاقعة، وبيضاء ناصعة؛ يستلب الأبصار شعاعها؛ فجلس فيها إثر تمامها لأهل مملكته، وقال لقرابته ووزرائه مفتخراً عليهم: أرأيتم أم سمعتم ملكاً كان قبلى صنع مثل ما صنعت؟ فقالوا: لا والله يا أمير المؤمنين، وإنك لأوحد في شأنك! فبينما هم على ذلك، إذ دخل منذر بن سعيد واجماً ناكساً رأسه؛ فلما أخذ مجلسه قال له ما قال لقرابته، فأقبلت دموع القاضي تنحدر على لحيته وقال له: والله! يا أمير المؤمنين! ما ظننت أن الشيطان لعنه الله يبلغ منك هذا المبلغ، ولا أن تمكنه من قيادك هذا التمكين، مع ما آتاك الله تعالى وفضلك به على المسلمين، حتى ينزلك منازل الكافرين! فاقشعر عبد الرحمن من قوله، وقال له: انظر ما تقول! كيف أنزلني منازلهم؟ قال: نعم! أليس الله تعالى
يقول: " ولولا أن يكون الناس أمةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضةٍ ومعارج عليهم يظهرون الآيات. فوجم الخليفة عبد الرحمن ونكس رأسه ملياً، ودموعه تنحدر على لحيته خشوعاً وتذمما لما جرى، ثم أقبل على منذر بن سعيدٍ، وقال له: جزاك الله عنا وعن الدين خيراً، وكثر في الناس أمثالك! فالذي قلت، والله! والله هو الحق! وقام من مجلسه ذلك يستغفر الله تعالى، وأمر بنقض سقف القبة، وأعاده قرمداً على صفةٍ غيرها.
ومن أخباره أن الناصر لدين الله أمره بالخروج للاستقاء، فخرج واجتمع له الناس في مصلى الربض بقرطبة، بارزين إلى الله تعالى، في جمع عظيمٍ، ثم قام منذر بن سعيدٍ باكياً، خاشعاً لله تعالى، فخطب فقال: سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ ثم تاب من بعده واصلح فأنه غفور رحيم! ثم قال: " استغفروا ربكم إنه كان غفاراً "، قال: فضج الناس بالبكاء، وارتفعت أصواتهم بالاستغفار، والتضرع إلى الله تعالى بالسؤال، فما تم النهار حتى أرسل الله السماء بماءٍ منهمرٍ.
وكان رحمه الله، على متانة دينه، وجزالته في أحكامه، حسن الخلق، كثير الدعابة، ربما ارتاب بباطنه من لا يعرفه، حتى إذا رام أن يصيب من دينه ثار به ثورة الليث العادي، قيل له: إن قوماً من جيران أحد المتحاكمين من أهل ربض الرصافة، قد تألبوا معه على خصمه، وأعانوه بشهادةٍ مدخولةٍ، وهم غادرون بها عليك! وكان كثيراً