الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف القاف
قادس
جزيرة بالأندلس عند طالقة من مدن إشبيلية، وطول جزيرة قادس من القبلة إلى الجوف اثنا عشر ميلاً، وعرضها في أوسع المواضع ميل، وبها مزارع كثيرة الريع، وأكثر مواشيها المعز، وشعراؤها صنوبر ورتم؛ فإذا رعت معزهم خروب ذلك المكان عند عقدها، واسكر لبنها، وليس يكون ذلك في ألبان الضان. وقال صاحب الفلاحة النبطية: بجزيرة قادس نبات رتم إذا رعته المعز أسكر لبنها إسكاراً عظيماً؛ وأهلها يحققون هذه الخاصية.
وفي طرف الجزيرة الثاني حصن خرب أولى، بين الآثار، وبه الكنيسة المعروفة بشنت بيطر، وشجر المثنان كثير بهذه الجزيرة، وبها شجيرة تشبه فسيل النخل، لها صمغ إذا خلط بالزجاج صمغه، وصار حجراً تتخذ منه الفصوص، وبها آثار للأول كثيرة.
ومن أعجب الآثار بها الصنم المنسوب إلى هذه الجزيرة، بناه أركليش، وهو هرقلس، أصله من الروم الإغريقيين، وكان من قواد الروم وكبرائهم على زمن موسى عليه السلام؛ وقيل إنه أول معدودٍ لملوك اليونانيين، وملك أكثر الأرض، فحارب أهل المشرق وافتتح مدنهم، إلى أن وصل إلى الهند، وانصرف صادراً مفتتحاً لبلاد أولاد يافت، إلى أن انتهى إلى الأندلس؛ فلما بلغ البحر المحيط الغربي، سأل عما
وراءه فقيل إنه لا يجاوز إلا بر الأندلس فعمد إلى جزيرة قادس، فبنى بها مجدلاً عالياً منيفاً، وجعل صورة نفسه مفرغةً من نحاسٍ في أعلى المنارة، وقد قابلت المغرب، كرجلٍ متوشح برداً من منكبيه إلى أنصاف ساقيه، وقد ضم عليه وشاحه، وفي يده اليمنى مفتاح من حديد، وهو مادها نحو المغرب، وفي اليسرى صحيفة من رصاصٍ منقوشة، فيها ذكر خبره، ومعنى الذي بيده أنه افتتح ما وراءه من البلدان والمدن.
والصنم في وسط الجزيرة، وبينه وبين الحصن المذكور ستة أميال، والصنم مربع، ذرع أسفله من كل جانبٍ أربعون ذراعاً، وارتفع على قدر هذا الذرع ثم ضاق، وارتفع على قدر ذلك الذرع الثاني، ثم ضاق، وارتفع على قدر ذلك الذرع الثالث، ثم خرط البنيان من ابتداء الطبقة الرابعة، إلى أن صارت قدما الصورة على صخرةٍ واحدةٍ، قدر تربيعها في رأي العين أربع أذرع، قد تقدمت رجله اليمنى، وتأخرت اليسرى كالماشى؛ وارتفاع الصنم من الأرض إلى رأس الصورة مائة وأربع وعشرون ذراعاً، لطول الصورة من ذلك ثماني أذرع، وقيل ست؛ وقيل إن هذا الذرع بالذراع الكبير الذي هو ثلاثة أشبارٍ ونصف، وقد خرج من بين رجليه عمود نحاسٍ أو ذهبٍ صاعداً حتى علا فوق رأسه نحو ذراعين في رأي العين.
وكان يقول أهل العلم بالحدثان في سالف الأزمان: يوشك أن يقع من يد هذه الصورة أحد المفتاحين، فتكون بذلك يده تحرك الفتن بالأندلس، ثم يقع الآخر بعد فيكون حينئذٍ خراب الأندلس. فذكر جماعة أهل قادس أن أحد المفتاحين سقط سنة400، وهو في صورة المفتاح، فحمل إلى صاحب مدينة سبتة، فأمر به فوزن،
فكانت زنته ثمانية أرطال، وقيل إن الصنمو بنى لتأريخ ألفين وأربعمائة وإحدى وخمسين من وقت الطوفان، وقيل لتأريخ ألفين وأربعمائة وإحدى وخمسين من وقت آدم عليه السلام؛ والذي لا يشك فيه أنه بنى على عهد موسى عليه السلام.
وقال موسى بن شخيص يعنى هذا الصنم طويل:
ورجراجة الأرداف موارة الخطا
…
تهادى وليست من حسان الأوانس
إلى أن ترى الشخص الملعلع موفياً
…
على الصنم الموفى على بحر قادس
ولما نزلنا تحته قال صاحبى
…
أعاجيب رومٍ أم أعاجيب فارس
فقلنا له خفض سؤالك والتمس
…
نجاتك من مرسى البحار الكوائس
وكانوا يتحدثون أن المتوسطة من البحر الغربي، الذي كان يسمونه ببلايه، لم تسلك قط إلى وقت سقوط ذلك المفتاح حتى سقط المفتاح؛ فمن حينئذٍ سلك الناس في البحر إلى سلا وإلى السوس وإلى غيرهما، وكان هذا مستفيضاً عندهم.
وذكر بعض المؤلفين لغرائب الحدثان، أن صنم قادس موضوع على بلاد الأندلس، فجعل رأسه لطليطلة، وصدره لقرطبة، وكذلك أعضاؤه، قسمها عضواً عضواً على بلاد الأندلس، فمتى أصاب عضواً من هذه الأعضاء آفة حلت بذلك القطر الذي من قسيمته آفة.
وفي بعض التصانيف: إذا هدم صنم قادس استولى النصارى على بلاد الأندلس؛ فنظروا فإذا الوقت الذي هدمه أبو الحسن على بن عيسى بن ميمون فيه دخل النصارى قرطبة وملكوها. قال المخبر: وكانت إشبيلية تحت الذمة لأن مرقيش النصارى
المعروف بالسليطين، لما استحوذ عليها أقر أبا زكرياء يحيى بن علي بن تايشا على ما كان بأيدي الملثمين منها ومن غيرها، وكان حكم السليطين فافذاً فيها؛ ولقد وقع سنة 540 تنازع بين رجلين من المرابطين في إنزال جنان بقرية من قرى إشبيلية؛ فادعاه أحدهما بإنزال ابن غانية له فيه، وأتى بظهيرٍ؛ وادعاه الآخر بظهير السليطين؛ وحكم بينهما وإلى إشبيلية تحت نظر يحيى بن علي؛ وكان هذا الملثم قد كتب له به السليطين بطليطلة حين سفر إليه رسولاً عن يحيى بن على.
وكان هدم على بن عيسى لهذا الصنم لأنه خيل إليه أنه على كنوزٍ ضخمةٍ، وأن داخله محشو تبراً، فدعا له الرجال والبناة وأخذوا في قطع حجرٍ منه، وكلما قطعوا حجراً ادعموا مكانه بدعامةٍ من خشب، حتى وقف ذلك الجرم العظيم على الدعائم؛ ثم رموا إلى الخشب النار، بعد ما ملأوا الخلل الذي بين الخشب حطباً، فسقط جميعة وكانت له وهلة عظيمة، واستخرج الرصاص المعقود بالحجارة، والنحاس الذي كان منه الصنم، وكان مذهباً؛ وبدت في يديه من مطلبه الخيبة. وكان يقال إن الذي يهدم صنم قادس يموت مقتولاً؛ وكذلك كان.
ويزعم أهل جزيرة قادس أنهم لن يزالوا يسمعون أن الراكب في هذا البحر إن ألج فيه وغاب عنه صنم قادس، بدا له صنم ثانٍ مثله، فإذا وصلوا إليه وجاوزوه حتى يغيب عليه، بدا له صنم ثالث، فإذا تجاوزوا سبعة أصنامٍ صاروا في بلاد الهند؛ وهذا مستفيض عندهم، معروف جارٍ على ألسنتهم، لم يزل يأخذه آخرهم عن أولهم. قالوا: ولما أحكم أركليش هذه الآثار عمد إلى بلاد البربر؛ فعمد إلى مدينة سبتة من الزقاق الخارج من