الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف السين
سرقسطة
في شرق الأندلس، وهي المدينة البيضاء.
وهي قاعدة من قواعد الأندلس، كبيرة القطر، آهلة، ممتدة الأطناب، واسعة الشوارع، حسنة الديار والمساكن، متصلة الجنات والبساتين، ولها سور حجارةٍ حصين، وهي على ضفة نهرٍ كبيرٍ، يأتي بعضه من بلاد الروم، وبعضه من جبال قلعة أيوب ومن غير ذلك؛ فتجتمع مواد هذه الأنهار كلها فوق مدينة تطيلة، ثم تنصب إلى مدينة سرقسطة؛ ومدينة سرقسطة هي المدينة البيضاء، وسميت بذلك لكثرة جصها وجيارها؛ ومن خواصها أنها لا تدخلها حية ألبتة، وإن جلبت إليها ماتت؛ فمن الناس من يزعم أن فيها طلسما لذلك، ومنهم من يقول إن أكثر بنيانها من الرخام الذي هو صنف من الملح الدراني؛ ومن خاصيتها ألا تدخل الحناش موضعاً يكون فيه، وكذا بأقاليم عدة.
ولسرقسطة جسر عظيم يجاز عليه إلى المدينة، ولها أسوار منيعة، ومبانٍ رفيعة.
واسمها مشتق من اسم قيصر، وهو الذي بناها، وذكر أنها بنيت على مثل الصليب وجعل لها أربعة أبواب: باب إذا طلعت الشمس من أقصى المطالع في القيظ قابلته عند بزوغها، فإذا غربت قابلت الباب الذي بإزائه من الجانب الغربي، وباب إذا
طلعت الشمس من أقصى مطالعها في الشتاء قابلته عند بزوغها وهو الباب القبلي؛ وإذا غربت قابلت الباب الذي بإزائه من الجانب الغربي.
وهذه المدينة على خمسة أنهار. وسرقسطة واسعة الخطة لا تعرف بالأندلس مدينة تشبهها، وقيل تعرف بالبيضاء لأن أسوارها القديمة من حجر الرخام الأبيض؛ وكان الذي بنى المسجد الجامع بسرقسطة ووضع محرابه حنش بن عبد الله الصنعاني، فلما زيد فيها، هدم الحائط القبلي، غير المحراب، فإنه احتفر من جوانبه حتى انتهى إلى قواعده، فأعملت الحيلة في حمله على الخشب وجره إلى الموضع الذي هو فيه اليوم، فتصدع وبنى عليه وحواليه البناء الذي هو باقٍ إلى الآن؛ وتوفي حنش هذا وعلى بن رباح اللخمى، وهما من جلة التابعين، بمدينة سرقسطة، وقبراهما معروفان بمقبرة باب القبلة، وكان بعض من مضى من الملوك أراد أن يتخذ عليها مشهداً، ويبنى فوقها مصنعاً، فلما اعتزم ذلك أتته امرأة معروفة بالصلاح والأمانة، موسومة بالعدالة، فأخبرته أنها رأتهما فيما يرى النائم. وأخبراها أنهما يكرهان أن يبنى على قبرهما شيء. فرجع عن ذلك الأمر الذي كان هم به.
ومدينة سرقسطة أطيب البلدان بقعةً، وأكثرها ثمرة، لكثرة الفواكه في بساتينهم، حتى لا يقوم ثمنها بمؤنة نقلها لرخصها. فيتخذونها سرجيناً يدمنون به أرضهم؛ وربما بيع فيها وسق القارب من التفاح بما تباع به الأرطال اليسيرة في غيرها.
ومما خصت به سرقسطة معدن الملح الدراني، الذي لا يوجد مثله في مكان ولا يعدل به.
وأخذ النصارى سرقسطة من يد المسلمين سنة 512، بعد أن حاصروها تسعة أشهرٍ،