الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين؛ وباب من الأبواب التي يدخل منها إلى أرض المشركين، وهي قديمة أزلية على نهر تاجه. وهي في الجزء الثالث من قسمة قسطنطين.
وهي مدينة كبيرة، وقلعتها أرفع القلاع حصناً، ومدينتها أشرف البلاد حسناً، وهو بلد واسع الساحة، كثير المنافع، به أسواق وديار حسنة؛ ولها على نهر تاجه أرحاء كثيرة، ولها عمل واسع، ومزارعها زاكية؛ وبينها وبين
طليطلة
سبعون ميلا.
طلمنكة
مدينة بثغر الأندلس، بناها الأمير محمد بن عبد الرحمن؛ منها أحمد بن محمد بن عبد الله بن لب بن يحيى المعافرى الطلمنكى المقرى؛ وبينها وبين وادي الحجارة عشرون ميلاً.
طلياطة
بالأندلس، بينها وبين إشبيلية محلة من عشرين ميلاً، ومن طلياطة إلى لبلة محلة مثلها.
وفي جمادى الأولى من سنة 622كانت الوقيعة على أهل إشبيلية بفحص طلياطة، فأغار الروم الغربيون على تلك الجهة، وغنموا ما وجدوا، وساقوا ما أصابوا، والعادل صاحب المغرب يومئذٍ بإشبيلية، ووزيره أبو زيد بن وجان، ومعهما أهل الدولة وأشياخ الأمر، ولا غناء لديهم، ولا مدفع عندهم، إذ كان الأمر قد أدبر ورونق الدولة قد
تغير. ومن نزلت به من الناس مصيبة أو أغير له على سرحٍ لم يرج مغيثاً ولا يجد نصيراً؛ وكان خبر هؤلاء الروم بلغ إشبيلية قبل ذلك بأيام، واجتمع جمع كثير من العامة في المسجد الجامع، فلما فرغ من صلاة الجمعة قاموا فصاحوا بالسلطان يحملونه على الخروج؛ فلما كان يوم السبت خرج المنادي ينادي الناس بالخروج، فأخذوا في ذلك وتجهزوا، وخرج بعضهم في ذلك اليوم، ولما كان يوم الأحد جد بالناس، فخرجوا على كل صعب وذلول، كبارهم وصغارهم، بسلاح وبغير سلاح كما يخرخون إلى نزههم في البساتين والجنات، فتكامل بعضهم في جهة طلياطة يوم الأحد، ولم يخرج معهم من الخيل إلا دون المائة؛ والروم في عددٍ ضخمٍ، عليهم الدروع، وبأيديهم السلحة، وأكثر جميع المسلمين بغير سلاح إلا ما لا قدرة له، وإنما هم أهل الأسواق والباعة؛ وكان في من خرج من الجند أبو محمد عبد الله بن أبي بكر بن يزيد، وهو أعلم بالحرب من هؤلاء الرعاع والغوغاء الذين لا يعقلون، فصاحوا به أن يسير إلى لقاء العدو، فأبى عليهم ونهاهم وحذرهم؛ فأبوا عليه إلا اللقاء، وسبوه، وآذوه بالقول؛ فزهمهم وانصرف عنهم، هو ومن كان معه من الخيل، إذ رأوا ما لم يروه، وعاينوا ما لم يعاينوه، وأبصروا ما لا طاقة لهم به؛ فلما رأى الروم ذلك مالوا على أولئك العامة، فلما رأوهم مستقبلين لهم أخذوا في الفرار، فوقع القتل بهم، فأفنى منهم بالقتل وأسر منهم كثير، وأفلت كثير؛ وكان الناس بعد يختلفون في مقدار من أتى القتل عليه من أهل إشبيلية والأسر، فمقلل ومكثر، فالمكثر يقول بلغوا عشرين ألفاً، وقيل دون ذلك، فالله أعلم. وخرج العادل من إشبيلية متوجهاً إلى حضرة مراكش في ذي القعدة من هذه السنة، وهي سنة 622.
طليطلة
بالأندلس، بينها وبين البرج المعروف بوادي الحجارة خمسة وستون ميلاً، وهي مركز لجميع بلاد الأندلس، لأن منها إلى قرطبة تسع مراحل، ومنها إلى بلنسية تسع مراحل أيضاً، ومنها إلى المرية في البحر الشأمى تسع مراحل أيضاً.
وطليطلة عظيمة القطر، كثيرة البشر، وهي كانت دار الملك بالأندلس حين دخلها طارق؛ وهي حصينة، لها أسوار حسنة، وقصبة حصينة، وهي أزلية من بناء العمالقة، وهي على ضفة النهر الكبير، وقل ما يرى مثلها إتقاناً وشماخة بنيانٍ، وهي عالية الذرى، حسنة البقعة، ولها قنطرة من عجائب البنيان، وهي قوس واحدة، والماء يدخل تحتها بعنفٍ وشدة جرىٍ، ومع آخر القنطرة ناعورة، وارتفاعها في الجو تسعون ذراعاً، وهي تصعد الماء إلى أعلى القنطرة، ويجري الماء على ظهرها فيدخل المدينة.
وكانت طليطلة دار مملكة الروم، وكان بطليطلة بيت مغلق متحامى الفتح على الأيام، عليه عدة من الأقفال، يلزمه قوم من ثقات القوط قد وكلوا به لئلا يفتح، قد عهد الأول في ذلك إلى الآخر، فلما قعد لذريق ملكاً أتاه أولئك الموكلون بالبيت يسألونه أن يقفل على الباب فقال: لا أفعل حتى أعلم ما فيه ولا بد لي من فتحه! فقالوا: أيها الملك إنه لم يفعل هذا أحد قبلك! فلم يلتفت إليهم ومضى إلى البيت، فأعظمت ذلك العجم، وضرع إليه أكابرهم، فلم يفعل وظن أنه بيت مالٍ قد احترمته الملوك؛
ففض الأقفال عنه، ودخل، فأصابه فارغاً لا شيء فيه إلا تابوتاً عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضاً فارغاً ليس فيه إلا شقة مدرجة صورت فيها العرب، عليهم العمائم وتحتهم الخيل العراب، متقلدى السيوف، متنكبى القسى، رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها أسطر مكتوبة بالعجمية فقرئت فإذا فيها: إذ كسرت الأقفال عن هذا البيت، وفتح هذا التابوت، وظهر ما فيه من هذه الصور، فإن هذه الأمة المصورة في هذه الشقة تدخل الأندلس فتغلب عليها وتملكها! فوجم لذريق وندم على ما فعل، وعظم غمه وغم العجم بذلك، وأمر برد الأقفال، وإقرار الحراس، وأخذ في تدبير ملكه، وذهل عما أنذر به، إلى أن كان من أمر يليان عامل لذريق على سبتة وأمر ابنته في الخبر المشهور ما سبب إثارة عزمه على إدخاله العرب إلى الأندلس، إلى أن كان ذلك وسبب الل فتحها بسبب ذلك، وما بعد ذلك يذكر في غير هذا المكان.
ووجد أهل الإسلام فيها ذخائر عند افتتاح الأندلس، كادت تفوق الوصف كثرةً؛ فمنها مائة وسبعون تاجاً مرصعة بالدر، وأصناف الحجارة الثمينة، ووجد فيها ألف سيف مجوهر ملوكى، ووجد بها من الدر والياقوت أكيالاً وأوساقاً، ومن آنية الذهب والفضة وأنواعها مالا يحيط به وصف، ووجد بها مائدة سليمان بن داوود، وكانت فيما يذكر من زمردة، وهذه المائدة اليوم في مدينة رومية.
وزعم رواة العجم أنها لم تكن لسليمان، وإنما أصلها أن العجم، في أيام ملكهم، كان أهل الحسبة في دينهم، إذا مات أحدهم أوصى بمالٍ للكنائس، فإذا اجتمع عندهم ذلك
المال صاغوا منه آلات من الموائد والكراسي وغيرها، من الذهب والفضة، يحمل الشمامعة والقسوس فوقها مصاحف الأناجيل إذا أبرزت في أيام المناسك، ويضعونها على المذابح في الأعياد للمباهاة بزينتها، فكانت تلك المائدة بطليطلة مما ضيع في هذه السبيل، وبالغت الأملاك في تحسينها، يزيد الآخر منهم فيها على الأول، حتى برزت على جميع ما اتخذ من تلك الآلات؛ وطار الذكر بها كل مطار. وكانت مصوغةً من خالص الذهب، مرصعةً بفاخر الدر والياقوت والزبرجد، لم تر الأعين مثلها، فولع في تحسينها من أحل دار المملكة. وأنه لا ينبغي أن يكون بموضع آلة جمالٍ أو متاع مباهاةٍ إلا دون ما يكون فيها؛ وكانت توضع على مذبح كنيسة طليطلة فأصابها المسلمون هناك. وقصة اتصالها إلى سليمان بن عبد الملك ومنازعة موسى بن نصير وطارق مولاه في رحلتهما مشهورة.
قال ابن حيان: ومضى طارق خلف فرار أهل طليطلة، فسلك إلى وادي الحجارة، ثم استقبل الجبل فقطعه، فبلغ مدينة المائدة؛ والمائدة خضراء من زبرجدة، حافاتها منها، وأرجلها؛ وكان لها ثلاثمائة وخمسة وستون رجلاً، فأحرزها عنده.
وبطليطلة بساتين محدقة، وأنهار مخترقة، ودواليب دائرة، وجنات يانعة، وفواكه عديمة المثل؛ ولها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة، وقلاع منيعة؛ وعلى بعد منها في جهة الشمال، الجبل العظيم المعروف بالشارات، فيه من البقر والغنم الشئ الكثير، الذي يتجهز به الجلابون إلى سائر البلاد؛ ولا يوجد شئ من أبقاره وأغنامه إلا في
غاية من السمن، ولا يوجد مهزولاً ألبتة، ويضرب به المثل في ذلك في جميع الأقطار بالأندلس؛ وعلى مقربة من طليطلة قرية تسمى بمغام، وجبالها وترابها الطين المأكول يتجهز به منها إلى مصر والشأم والعراق. وليس على قرار الأرض مثله في لذة أكله، وتنظيف غسل الشعر به؛ وفي جبل طليطلة معادن الحديد والنحاس.
وزعموا أن اسم طليطلة باللطينى تولاظو معناه فرح ساكنوها، يريدون لحصانتها ومنعتها؛ وفي كتاب الحدثان كان يقال: طليطلة الأطلال، بنيت على الهرج والقتال؛ إذا وادعوا الشرك، لم يقم لهم سوقة ولا ملك؛ على يدي أهلها يظهر الفساد، ويخرج الناس من تلك البلاد.
ومدينة طليطلة قاعدة القوط ودار مملكتهم، منها كانوا يغزون عدوهم، وإليها كان يجتمع جيوشهم، وهي إحدى القواعد الأربع، إلا أنها أقدمهن؛ ألفتها القياصرة مبنيةً، وهي أول الإقليم الخامس من السبعة الأقاليم التي هي ربع معمور الأرض، وإليها ينتهي حد الأندلس، ويبتدئ بعدها الذكر للأندلس الأقصى، أوفت على نهر تاجه، وبها كانت القنطرة التي يعجز الواصفوان عن وصفها، وكان خرابها أيام الإمام محمد.
ومن خواص طليطلة أن حنطها لا تسوس على مر السنين، يتوارثها الخلف عن السلف، وزعفران طليطلة هو الذي يعم البلاد، ويتجهز به إلى الآفاق؛ وكذلك الصبغ السماوي.
وأول من نزل طليطلة من ملوك الأندلس لوبيان، وهو الذي بنى مدينة رقابل،
وهي على مقربة من طليطلة، وسماها باسم ولده؛ ومنها ولى الأساقفة على الكور، وبها مجتمعهم للمشورة، وكان عددهم ثمانين أسقفاً لثمانين مدينة من حوز الأندلس، كجليقية وطر كونه وقرطباجنة، وكانت قبل ولايته فرقاً، فائتلف أمر الناس وانقطع الخلاف، وأحبه الخاص والعام؛ وهو الذي بنى الكنائس الجليلة، والمعالم الرفيعة، وبنى الكنيسة المعروفة بالمردقة، واسمه مزبور على بابها، وهي بين حاضره إلبيرة ووادي آش.
وبطليطلة ألفيت ذخائر الملوك، وعلى مقربة من طليطلة قرية قنيشرة، وهي حارتان فيهما عينا ماء، إذ نضبت أحداهما جرت الأخرى، هذا دأبهاما كل عامٍ، وهما يتعاقبان لا يجريان في زمانٍ واحدٍ، وغربيها على نحو عشرين ميلاً منها تمثالان عظيمان على صورة طورين قد نحتا من حجرٍ صلدٍ. وذكر بعض المؤرخين أن طارقاً لما غزا طليطلة اعترض جنده وهو راكب أحدهما. قالوا: لمامضى طارق بن زياد إلى طليطلة دار مملكة القوط ألفاها خاليةً، وقد فر أهلها عنها، فضم إليها اليهود وخلى بها رجالاً من أصحابه، ومضى خلف فرار أهل طليطلة، فسلك إلى وادي الحجارة، ومنه اقتحم ارض جليقية فخر بها ودوخ الجهة، ثم انصرف إلى طليطلة، وذلك في سنة 93 من الهجرة.
وفي سنة 450 نتجت بغلة بطليطلة فلواً في صور مهرٍ، وكانت بغلة كميتا لبعض السقائين، فتشاءم به النصارى، ولم يزالوا يختلونه حتى عقروه؛ وبقلة العهن من جوفي طليطلة على خمسة وعشرين ميلاً منها بئر لا يعرف فيها قط علق، فنبشت في بعض السنين ليكثر ماؤها، فكثر العلق فيها كثرةً مفرطةً، فنظروا فيما