الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيّاسة
بالأندلس أيضاً: بينها وبين جيان عشرون ميلاً، وكل واحدةٍ منهما تظهر من الأخرى؛
وبياسة على كديةٍ من ترابٍ، مطلةٍ على النهر الكبير المنحدر إلى قرطبة، وهي مدينة ذات أسوارٍ وأسواقٍ ومتاجر، وحولها زراعات، ومستغلات الزعفران بها كثيرة.
وفي سنة 623، ملك الروم بياسة يوم عرفة من ذي حجتها، وكان صاحب جيان إذ ذاك عبد الله بن محمد بن عمر بن عبد المؤمن، قد تغير له عبد الله العادل بن المنصور، صاحب إشبيلية، فخافه فخرج إلى بياسة ودخلها، وكلم أهلها في مساعدته وامتناعه بهم، إلى أن يأخذ لنفسه الأمان، فساعدوه على مراده، ومنعوه عن رأيه، فجهز إليه العادل العساكر، وقدم عليهم إدريس بن المنصور؛ فلما نزلوا بظاهر بياسة مكثوا عليها أياماً، والزمان شاتٍ، فلم يغنوا شيئاً؛ وأرد عبد الله صاحب بياسة تفريق ذلك الجمع بما أمكن، فداخله بأن صالحة على أن يدفع له ابناً صغيراً ليكون رهينة لديه بطاعته؛ فوجد إدريس السبيل إلى الانصراف عنه، وكان أكبر همه؛ إذ قد جهده وأصحابه شدة البرد ونزول المطر، إلى ما كانوا يخافونه من مد النهر، ووصول روم طليطلة، الذين كانوا أولياء لصاحب بياسة، وأنصاراً له؛ فخاف أن يدعو بهم، فيلبوه، إذ كان حصل من أنفسهم محلاً كثيراً لشجاعته؛ فارتحل أبو العلاء لذلك، ورأى أنه قد صنع شيئاً، وأنه قد أقام عذره فلما وصل إلى إشبيلية، استقصر فعله، واستهجن رأيه، وبقي عندهم كالخامل المتخوف.
ثم جهزوا بعده جيشاً آخر إلى بياسة، قدموا عليه عثمان بن أبي حفص، فسار حتى بلغ قبلى بياسة، خلف النهر الكبير، على خمسة أميال من بياسة، فبرز إليهم دون المائة من فرسان عبد الله صاحب بياسة، ومن الروم الذين معه؛ فلما رأوهم انهزموا، وولوا الأدبار، ولم يجتمع منهم أحد؛ وبقى صاحب بياسة ببلده، ولا أحد يرومه، إلى أن تملك قرطبة ومالقة وغيرهما؛ وكاد يستولى على الأمر لو ساعده القدر، وخرج فأوقع بأهل إشبيلية بفحص القصر سنة622، وقتل منهم نحواً من ألفي رجل، وانصرف عنها مكسوراً مفلولاً.
وقد كان أدخل الروم قصبة بياسة وأسكنهم فيها، والمسلمون معهم في سائر المدينة، وكان دفعه القصبة إليهم على سبيل الرهن في مال كان تعين لهم عليه؛ فبقوا في القصبة ساكنين، والمسلمون في البلد يداخلونهم ويعاملونهم، وهو إذ ذاك في قرطبة مقيم؛ فلما غزا إشبيلية وانصرف عنه مفلولاً مكسوراً، ثار به أهل قرطبة؛ إذ توهموا أنه يريد إدخال النصارى مدينتهم، فخرج عنهم فاراً إلى الحصن المدور فأقام هناك، وبقيت قصبة بياسة بيد الروم وغلق الرهن، وأحب أهل بياسة إخراج الروم عن قصبتهم، فداخلوا صاحب جيان عمر بن عيسى بن أبي حفص بن يحيى، وسألوه المسير إليهم في جموعه، فجاءهم بحشوده ومعه محمد بن يوسف المسكدالي، فدخلوا بياسة، وأما من كان بالقصبة من الروم فلم ينالوا شيئاً، وأما من كان منهم بالمدينة فأتى عليها القتل بعد أن أبلوا في الدفاع، إلا أنهم غلبوا بالكثرة، وبقي أهل القصبة لا يستطيع أحد الوصول إليهم لحصانتها، ولو أراد الله تعالى لوفق هذا الوالي المقام؛ فإن أهل