الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الزاي
الزاهرة
مدينة متصلة بقرطبة من البلاد الأندلسية، بناها المنصور بن أبي عامر لما استولى على دولة خليفته هشام.
قال ابن حيان: كان الخليفة الحكم وقف من الأثر على البقعة التي بنيت فيها الزاهرة، وكانت ملوك المروانية قبله تتخوف ذلك، وكان فيها اهتم بشأنها الحكم، فنظر فيا وقاس على جهاتها البقعة المدعوة بألش بفتح اللام، وهي بغربي مدينة الزهراء، ووجد انتقال الملك إليها، فأمر حاجبه أبا أحمد المصحفى بالسبق إلى بنائها، طمعاً في مزية سعدها، وألا يخرج الأمر من يد ولده، فأنفق عليها ما لا عظيماً؛ فمن الغرائب أن محمد بن أبي عامر تولى له شأنها ولا يعلم يومئذٍ به، ثم وقع إلى الحكم أن البقعة بغير ذلك الموضع، وأنها بشرقي مدينة قرطبة، فأنفذ رسوله بالوقوف عليها، فانتهى إلى منزل ابن بدر المسمى ألش مضمومة اللام؛ وأصاب هناك عجوزاً مسنة وقفته على حد الارتياد وقالت له: سمعنا قديماً أن مدينة تبنى هنا، ويكون على هذه البئر نزول ملكها، فكم سعى أمير المؤميني بالسؤال عنها، وأمر الله واقع لا محالة! فعاد الرسول بالجلية، فلم تطل المدة حتى بناها محمد بن أبي عامر، وبنيى بأرجاء تلك البئر قراره.
قال الفتح بن خاقان: لما استفحل أمره، واتقد جمره، وجل شأنه، وظهر
استبداده، وكثر حساده؛ وخاف على نفسه من الدخول إلى قصر السلطان، وخشى أن يقع بطالبه في أشطان؛ فتوثق لنفسه، وكشف له ما ستر عنه في أمسه؛ من الاعتزاز عليه، ورفض الاستناد إليه؛ وسما إلى ما سمت إليه الملوك من اختراع قصرٍ ينزل فيه، ويحله بأهله وذويه؛ ويضم إليه رياسته، ويتم به تدبيره وسياسته؛ ويجمع فيه فتيانه، وغلمانه؛ ويحشر إليه صنائعه. فارتاد موضع مدينته المعروفة بالزاهره الموصوفة بالمشيدات الباهره؛ وأقامها بطرف البلد على نهر قرطبة الأعظم، ونسق فيها كل اقتدار معجز ونظم؛ وشرع في بنائها سنة 368، فحشر إليها الصناع والفعله، وأبرزها بالذهب واللازورد متوجة منعله؛ وجلب نحوها الآلات الجليله، وسربلها بهاء يرد العيون كليله؛ وتوسع في اختصاطها، وتولع بانتشارها في البسيطة وانبساطها؛ وبالغ في رفع أسوارها، وثابر على تسوية أنجادها وأغوارها؛ فاتسعت هذه المدينة في المدة القريبة، وصار بناؤها من الأبنية الغريبة؛ وبنى معظمها في عامين. وفي سنة 370 انتقل المنصور إليها ونزلها بخاصته وعامته، وفتبوأها وشحنها بجميع أسلحته، وأمواله وأمتعته؛ وتخذفيها الدواوين للعمال، ترتفع فيها ضروب الأعمال؛ والاصطبلات لأنواع الكراع وعمل داخلها الأهراء، وأطلق بساحتها؛ ثم أقطع وزراءه وكتابه، وقواده وحجابه؛ القطائع الواسعة فابتنوا بأكنافها كبار الدور، وجليلات القصور؛ واتخذوا خلالها المستغلات المفيده، والمنازه المشيده؛ فاتسعت هذه المدينة
في المدة القريبة وقامت فيها الأسواق، وكثرت فيها الأرزاق؛ وتنافس الناس في النزول بأكنافها، والحلول بأطرافها؛ للدنو من صاحب الدولة، وتناهى الغلو في البناء حوله؛ حتى اتصلت أرباضها بأرباض قرطبة، وكان الفراغ منها في سنة 370.
وفي هذه السنة نزل فيها بخاصته، وعامته؛ وخلع الخليفة إلا من الاسم الخلافي، وصير ذلك هو الرسم العافي؛ ورتب فيها جلوس وزرائه، ورؤوس أمرائه؛ وكبت إلى الأقطار بالأندلس والعدوة في أن تحمل إلى مدينته تلك الأموال الجبايات، ويقصدها أصحاب الولايات؛ فحشد إليها الناس من جميع الأقطار، وحجر على خليفته كل تدبير؛ واتفق له ذلك بسرعة بطشه، وأقام الخليفة منذ نقل عنه الملك إلى قصر الزاهرة مهجور الفنا، محجور الغنا؛ خفى الذكر، مسدود الباب، محجوب الشخص، لا يخاف منه بأس ولا يرجى منه إنعام، وليس له إلا الرسم السلطاني في السكة والدعوة والاسم الخلافي، وأزال أطماع الناس منه، وصيرهم لا يعرفونه، واشتد ملكه منذ نزل قصر الزاهرة؛ وتوسع مع الأيام في تشييد أبنيتها، وتنجيد أفنيتها؛ حتى كملت أحسن كمال، وجاءت في نهاية الحسن والجمال؛ ومازالت هذه المدينة رائقةً متناسقة السعود، تراوحها الفتوح وتغاديها، لا توجه منها راية إلا إلى فتح، ولا يصدر عنها تدبير إلا إلا بنجح؛ إلى أن حان يومها العصيب، وقيض لها من المكروه أوفر نصيب؛ فتولت فقيده، وخلت من بهجتها كل عقيده.