الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22 - باب ما جاء في فضل سلمان الفارسي
279 -
2255 - عن سلمان، قال:
كانَ أَبي من أَبناءِ الأساورةِ (1)، وكنتُ أَختلفُ إِلى الكُتّابِ، وكان معي غلامان إِذا رجعا من الكتّاب؛ دخلا على قَسٍّ (2)، فدخلت معهما فقال لهما: أَلم أَنهكما أَن تأتياني بأَحد؟!
قال: فكنتُ أَختلفُ إِليه، حتّى كنت أَحبّ إِليه منهما، فقال لي: يا سلمان! إِذا سألك أَهلُك: من حبسك؟ فقل: معلمي، وإِذا سألك معلمك: من حبسك؟ فقل: أَهلي، وقال لي: يا سلمان: إِنّي أُريد أَن أَتحولَ، [قال:] قلت: أَنا معك.
قال: فتحوّل، فأَتى قريةً فنزلها، وكانت امرأةٌ تختلفُ إِليه، فلمّا حُضِرَ، قال: يا سلمان! احتفر، قال فتحفرت؟ فاستخرجتُ جَرّةً من دراهم، قال: صُبَّها على صدري، فصببتها، فجعل يضرب بيده على صدرِه، ويقول: وَيلٌ للِقِسِّ، فماتَ.
فنفخت في بوقهم ذلك، فاجتمع القسِّيسون والرهبان فحضروه، قال: وهممت بالمالِ أَن أَحتملَه، ثمَّ إنَّ اللهَ صرفني عنه، فلمّا اجتمعَ القسِّيسون والرهبان قلت: إنّه قد تركَ مالًا، فوثبَ شبابٌ من أَهل القرية وقالوا: هذا مال أبينا، كانت سَرِيَّته تأتيه، فأخذوه.
فلما دفنوه قلت: يا معشر القسيسين! دلوني على عالم أكون معه.
(1) هم قومٌ من العجم بالبصرة نزلوها قديمًا.
(2)
(قَسٍّ)؛ هو القسيس: رئيس من رؤساء النصارى في دينهم.
قالوا: ما نعلم في الأرض أعلم من رجل كان يأتي بيت المقدس، وإن انطلقت الآن وجدت حماره على باب بيت المقدس، فانطلقت فإذا أنا بحمار، فجلست عنده حتى خرج، فقصصت عليه القصة، فقال: اجلس حتى أرجع إليك.
قال: فلم أره إلى الحول، كان لا يأتي بيت المقدس إلا في كلِّ سنة في ذلك الشهر. فلما جاء قلت: ما صنعتَ فيّ؟! قال: وإنك لها هنا بعد؟ قلت: نعم. قال: لا أعلم في الأرض أحدًا أعلم من يتيم خرج في أرض تهامة، وإن تنطلق الآن توافقه، وفيه ثلاث: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وعند غُضْروفَ كتفه اليمنى خاتم النبوة مثل بيضة لونها لون جلده، وإن انطلقت الآن وافقته.
فانطلقتُ ترفعني أرض وتخفضني أخرى، حتى أصابني قوم من الأعراب فاستعبدوني، فباعوني، حتى وقعت إلى المدينة، فسمعتهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم، وكان العيش عزيزًا، فسألت أهلي أن يهبوا لي يومًا، ففعلوا، فانطلقت فاحتطبت، فبعته بشيء يسير، ثم جئت به فوضعته بين يديه، فقال صلى الله عليه وسلم:
"ما هذا؟ ".
فقلت صدقة. فقال لأصحابه: "كلوا"، وأبى أن يأكل.
قلت: هذه واحدة.
ثم مكثت ما شاء الله، ثم استوهبت أهلي يومًا، فوهبوا لي يومًا، فانطلقت فاحتطبت، فبعته بأفضل من ذلك، فصنعت طعامًا، فأتيته فوضعته بين يديه، فقال صلى الله عليه وسلم:
"ما هذا؟ ".
قلت: هدية. فقال بيده:
"بسم الله؛ خذوا"، فأَكلَ وأَكلوا معه.
وقمتُ إِلى خلفه فوضع رداءَه؛ فإِذا خاتم النبوّة كأنّه بيضة، قلت: أَشهدُ أنّك رسول الله، قال:
"وما ذاك؟ ".
فحدثته؛ فقلت: يا رسولَ الله! القَسُّ يدخلُ الجنّة؟ فإِنّه زعمَ أَنّك نبيٌّ. قال:
"لا يدخل الجنّة إِلّا نفس مسلمة".
قلت: يا رسولَ اللهِ، أَخبرني أَنّك نبيٌّ؟! قال:
"لن يدخل الجنّة إِلّا نفسٌ مسلمة".
ضعيف بهذا السياق - "التعليقات الحسان"(7080)، "تيسير الانتفاع/ أَبو قرّة الكندي"(1).
(1) قلت: لا يعرف إلا بهذه الرواية، وأبو إسحاق - وهو السبيعي - مدلس مختلط، وقد رُوِيتْ قصة سلمان هذه من طرقِ مختلفة، وبسياقات متباينة طولًا وقصرًا ومعنىً، وتوسع الحافظ الذهبيّ في سردِها في "السير"(1/ 506 - 538)؛ سكت عن غالبها، وأَعلَّ بعضًا، وقوّى بعضًا بما لا يساعد عليه ترجمته لبعضِ رواتِها، وسكت عن رواية ابن إسحاق مع قوتها لتصريحه بالتحديث فيها؛ ولذلك كنت خرّجتها في "الصحيحة"(894)، وفيها ما يشهد لبعض ما جاء في رواية (أَبي قرّة) هذه، مثل قصته رضي الله عنه مع القسيسين، وانتقاله من واحد إِلى آخر، إِلى أن دُلَّ على النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقصة استعباده واسترقاقه، ومجيئه الى النبيَّ، وتحققه من علامات نبوتِه صلى الله عليه وسلم وإيمانه به، وفيها زيادات هامة؛ منها إعانته صلى الله عليه وسلم إيّاه على مكاتبتِه وفكِّ رقبتِه.
ولقد أَطالَ المعلقان الكلامَ في تخريج بعض تلك الروايات في خمس صفحات، دون أَن يصدروها بخلاصة تبين مرتبته - كما هي عادتهم -، يستفيدونها هم قبل قرائهم، فهل التخريج وسيلة أم =