المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب المياه والاجتهاد والأوانى - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيْقِ

- ‌أولًا: أهمِّيَّةُ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ

- ‌1 - فِي بَيَانِ فَضْلِ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةَ الْفِقْهِ يُحَتِّمُهَا الإِيْمَانُ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةِ الْفِقهِ يُحَتِّمُهَا الْعَمَلُ:

- ‌ثَانِيًا: أَهَمِّيَّةُ كِتَابُ (عُجَالَةُ المُحْتَاجِ إِلَى تَوْجِيهِ المِنْهَاجِ)

- ‌1 - فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ الكِتَابِ:

- ‌2 - نَبْذَةٌ عَنْ كِتَابِ (مِنْهَاجُ الطَّالِبِيْنَ):

- ‌3 - فِي بَيَانِ عَمَلِي فِي الْكِتَابِ:

- ‌ثَالِثاً: فِي بَيَانِ أحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ الْفَقِيْهِ

- ‌1 - فِي بَيَانِ الاِسْمِ وَالنَّسَبِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ شُيُوخِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ:

- ‌4 - فِي بَيَانِ أَحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ مَعَ الْحَيَاةِ:

- ‌5 - فِي بَيَانِ آرَاءِ الْعُلَمَاءِ فِي ابْنِ المُلَقِّنِ:

- ‌6 - فِي بَيَانِ مَنْهَجِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ فِي الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ:

- ‌خُطْبَةُ الإِمَامِ النَّوَوِيِّ

- ‌شَرْحُ غرِيبِ الْخُطْبَةِ

- ‌كِتَابُ الطَهَارَةِ

- ‌ باب المياه والاجتهاد والأوانى

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الحَدَثِ

- ‌بَابُ الوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الخُفِّ

- ‌بَابُ الغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بِابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيْدَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ تَارِكِ الصّلَاةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيْوَانِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ

- ‌بَابُ مَن تلزَمُهُ الزكاةُ وَمَا تجِبُ فيهِ

الفصل: ‌ باب المياه والاجتهاد والأوانى

‌كِتَابُ الطَهَارَةِ

اَلْكِتَابُ: أَصله الجمعُ، وَالطَّهَارَةُ: في اللغة النَّظَافَةُ، وفي الشرع فِعْلُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ (77)، وكان ينبغي للمصنف أن يقول بعد ذلك‌

‌ باب المياه والاجتهاد والأوانى

، لأن الطهارة عامة وأراد نوعًا منها كما ترجم لغيره من الأنواع.

بَابُ الْمِيَاهِ وَالاِجْتِهَادِ وَالأَوَانِي

قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (78)، بدأ بها للتبرك وللمناسبة، وعادة اَلْمُحَرَّر تبعًا للشافعي افتتاح الأبواب بآية أو خبر وحذف ذلك المصنف.

يُشْتَرَطُ لِدَفْعِ الْحَدَثِ، وَالنَّجَسِ مَاءٌ مُطْلَقٌ، للإجماع في الحدث كما نقله ابن

(77) الطَّهَارَةُ في اللغة: النظافة والنزاهة عن الأدناس، وفي اصطلاح الفقهاء: هي رَفْعُ حَدَثٍ وَإِزَالةُ نَجَسٍ أو ما في معناهما، وعلى صورتهما: والقول: في معناهما: أي التيمم والأغسال المسنونة كالجمعة، وتجديد الوضوء وغيرها من السنن لا الابتداء؛ فالابتداء هو المراد برفع حدث وإزالة نجس- قاله النووي في الدقائق: ص 31، وفي المجموع شرح المهذب: ج 1 ص 79.

(78)

الفرقان / 48. قال الشافعي رحمه الله: فَكَانَ بَيِّنًا عِنْدَمَا خُوطِبَ بِهَذِهِ الآيةِ؛ أَنَّ غَسْلَهُمْ؛ إِنَّما يَكُونُ بِالْمَاءِ، ثم أبانَ في هذه الآية، أنَّ الغَسْلَ بالماء وكان معقولًا عند مَن خوطب بالآية، أن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين، وذكر الماء عامًا. الأُم: خ 1 ص 3.

ص: 63

المنذر، وللنص في النجس وهو الأمر بصب ذنوب من ماءٍ على بول الأعرابى في المسجد (79). قلتُ: ويشترط الماء أيضًا في طهارة دائم الحدث والمسنونات، وَهُوَ، أي الماء المطلق، مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءِ بِلَا قَيْدِ، أي بخلاف ماء الورد ونحوه، فإنه لا يذكر إلّا مقيدًا (80)، فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنَى عَنْهُ كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إِطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ غَيْرُ طَهُورِ، قُلْتُ: ويستثنى من المستغنى عنه المتغير باللح المائي، فإنه لا يضر على الأصح، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الاِسْمَ، وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمَكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلُبِ، أي متصل به

لعسر الاحتراز، وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ، لتعذره، وَكَذَا مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ كَعُودٍ وَدُهْنٍ، أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِيهِ فِي الأَظْهَرِ، لأنه لا يزول به إطلاق اسم الماء، والثاني: يضر، لتغيره بمستغنى عنه. أما التراب الذي هو مع الماء؛ فلا يضر قطعًا (81).

(79) الحديث؛ عن عُتبة بن مسعود؛ أنَّ أبا هريرة قال: قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَتَنَاوَلَهُ الناسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبي صلى الله عليه وسلم:[دَعُوُه؛ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ- أو ذَنُوبًا مِنْ مَاءِ- فَإِنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ]. أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الوضوء: باب صَبِّ الماء على البول: الحديث (220) والحديث (221) عن أنس بن مالك. ومسلم في الصحيح: كتاب الطهارة: باب وجوب غسل البول: عن أنس بن مالك: الحديث (100/ 285). وأبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب الأرض يصيبها البول: الحديث (380). ورواه الترمذى؛ وابن ماجه، والدارمى، وغيرهم.

(80)

قلتُ، يريد بقوله (بِلَا قَيْدٍ) أي غير مطلق؛ لأن من القيود ما يبقى عليه إطلاق اسم الماء، كماء البئر مثلًا؛ فما أُضيف إلى إطلاق اسم الماء، ويخرجه عن قيده كماء الورد، وما هو صفة له؛ كماءٍ دافق، أو ما جاء بلام عهد كقوله عليه الصلاة والسلام:[نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ] يريد به المني؛ وهو واضح. فكان الأَولى أن يقول: الماءُ غيرُ المطلقِ، وغيرُ المطلقِ هو الذي مقيد بقيّدٍ لازم يخرجه عن الإطلاق في الاسم. والله أعلم.

(81)

قال الشافعي رضي الله عنه: ظَاهِرُ القُرْآنِ، يَدُلُّ عَلَى أنَّ كُلَّ مَاءٍ طَاهِرٌ مَاءِ بَحْرٍ وَغَيْرِهِ، وقَدْ رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يوافق ظاهر القرآن في إسناده مَنْ لا أعرفه؛ الأم: ج 1 ص 3. قلتُ: الحديث، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنِّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عَطِشْنَا، أفَنَتَوَضَّأُ بماء البحر؟ فقال رسول الله: [هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ]. في معرفة=

ص: 64

فَرْعٌ: المتغير بالمني ليس بطهور في الأصح.

وَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ، خوف البرص، وقيل: تعبدًا، والمختار أنه لا يكره، وقال العجليُّ: الأَوْلى تركه، وإنما يكره بقطر حار في وقت حار في إناء منطع إلّا الذهب والفضة ومنهم من أجراها فيهما، حكاه ابن الصلاح في مشكله عن الجويني فاستفدْهُ، والأصح: أن القصد لا يشترط فيه، وقد يجب استعماله إذا يجد غيره، والظاهر: أن تأخير الوضوء به عن أَوَّل الوقت ليتيقّن غيره آخر أفضل (82)، والمشمّس في الحياض

السنن والآثار: ج 1 ص 132 الحديث (2): قال البيهقي- أحمد بن الحسين بن علي البيهقي: وإنما لم يخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين، لاختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة. ولذلك قال الشافعي: في إسناده مَن لا أعرفه. وقال في السنن: إلا أن الذي أقام إسناده ثقة وأودَعَه مالك بن أنس (الموطأ) وأخرجه أبو داود (في السنن) السنن الكبرى للبيهقي: ج 1 ص 6: الحديث (2). قلتُ: قال أبو عيسى الترمذي: سألت مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هو حديث صحيح. ينظر أيضًا: سنن الترمذي: الحديث (69) وسنن أبي داود: الحديث (83) وموطأ الإمام مالك: الحديث (12): ج 1 ص 22.

(82)

يحتج العلماء في هذه المسألة بثلاثة أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الأوَّلُ: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: [لَا تَغْتَسِلُواْ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، فَإِنِّهُ يُوْرِثُ البَرَصَ]. وَالثَّانِي: عن جابر عن عمر أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس؛ وقال: [إِنْهُ يُوْرِثُ البَرَصَ].

وَالثْالِثُ: ما يروى مرفوعًا: [لَا تَفْعَلِي يَا حُمَرَاءُ، فَإِنَّهُ يُوْرِثُ الْبَرَصَ].

أَمَّا النَّصُّ الأَوَّلُ: رواه الدراقطني في السنن بسند صحيح: ج 1 ص 39. وفي تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج؛ قال ابن الملقن: إسناده صحيح. وكذلك قال الزيلعى في نصب الراية لأحاديث الهداية: ج 1 ص 102: قال: وَيُرَدُّ قول مَن أعلَّهُ بإسماعيل بن عياش؛ لأن رواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيحةٌ. أما مَن أعلَّهُ بحسان بن أزْهَر؛ وعدَّهُ مجهولًا، فليس كذلك، لأن ابن حبان روى الحديث في الثقات في ترجمة حسان بن أزهر. إنتهى. قلتُ: وذكره ابن حجر في التلخيص ولم يعلَّه بشيء. ينظر تلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني: ج 1 ص 34. فالنص الأول صحيح الإسناد وموقوف على عمر رضي الله عنه.

أَمَّا النَّصُّ الثَّانِي: عن جابر عن عمر برواية الشافعي عن إبراهيم بن يحيى عن صَدَقَة بن عبد الملك، فهو ضعيف لضعف صدقة. قال الزيلعى في نصب الراية: قال البيهقي في =

ص: 65

والبرك غير مكروه بالاتفاق، وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ، أي في الحدث، قِيلَ: وَنَفْلِهَا غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ، لتأَدِّي الفرض به، وقيل: العبادة، والقديم: أنه طهور لاقتضاء لفظة طهور التكرار كالقُتول ونحوه، وقوله (قِيْلَ: وَنَفْلِهَا) أي غير طهور لِتَأَدِّي العبادة به، والأصح: المنع؛ لعدم تأدي الفرض به، ويوخذ من قوله (غَيْرُ طَهُورٍ) أنه لا يستعمل في الخبث وهو الأصح، فَإِنْ جُمِعَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الأَصَحِّ، كالنجسَ وأَوْلى (83)، والثَّانِي: لا، لأن وصف الاستعمال لا يزول (84).

سننه باب زكاة العسل: ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما؛ قلت: ينظر السنن الكبرى للبيهقي: كتاب الزكاة، باب ما ورد في العسل: الحديث (م [7548]) وهو صدقة بن عبد الله السمين. ويعضده النص الأول. وكلاهما ليس بحجة على الأحكام الشرعية ما لم يأخذا حكم الرفع.

أَمَّا النَّصُّ الثَّالِثُ: فنصه عن عائشة رضي الله عنه؛ قالت: أسخنت ماءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الشمس ليغتسل به، فقال لي: الحديث. قال الزيلعى في نصب الراية: فله خمس طرق

أربع منها موضوعة والخامس لا يصح: ينظر منه: ج 1 ص 102. قال ابن الملقن في التحفة: وتركت الحديث السائر لضعفه بل لوضعه أي حديث [لَا تَفْعَلِي يَا حُمْيَراءُ].

ينظر: ج 1 ص 141 النص (9).

فالنص الأول صحيح موقوف على عمر رضي الله عنه ويحمل على الكراهة التنزيهية؛ وهي غير

الكراهة الشرعية. وهي كراهة من أجل الصحة والطِب، قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أكره

الماء المشمس إلا من جهة الطب: الأُم: ج 1 ص 3.

(83)

أي المستعمل أوْلى من النجس، إذا بلغ قلَّتين فإنه طهور لا محالة، لأن النحاسة أشد من الاستعمال؛ والماء المنجس لو جمع حتى بلغ قلتين؛ تغير به، صار طهورًا لا محالة؛ فالمستعمل أولى منه في ذلك.

(84)

لم يُعهد عن الصحابة رضي الله عنه، أنهم كانوا يجمعون الماء المستعمل، لأغراض التطهر، ولأغراض الشرب، لأنه مستقذرٌ. ولكن جاء في الصحيحين استعماله من حديث مرض جابر رضي الله عنه، إذ عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفيه: [أَنْهُ صلى الله عليه وسلم عَادَ جَابِرًا فِي مَرَضِهِ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ وُضُوئِهِ]. وكان الصحابة مع قلة مياههم لم يجمعوا المياه المستعملة للاستعمال ثانيًا، بل انتقلوا إلى التيمم. أما حديث مرض حابر فإنه مخرَّج في الصحيح: عن مُحّمَّد بن المنكدر قال: سمعتُ جابرًا رضي الله عنه قال: [دخل عَلَيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض، فدعا بِوَضوءٍ =

ص: 66

وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ بِمُلَاقَاتِ نَجِسٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتيْنِ لَمْ

يَحْمِلِ الْخَبَثَ] صححه الحفاظ (85)، فَإنْ غَيَّرَهُ، أي حِسّاً أو تقديرًا، فَنَجِسٌ، بالإجماع، فإن تغير بعضه فظاهر المذهب نجاسة الجميع، والأصح عند المحققين تنجس المتغير فقط، ويصير مع الباقى كنجاسة جامدة فيه، فإن كان دون قلتين فنجس وإلّا فطاهر، فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَاءٍ طَهَرَ، لزوال علة النجاسة (86)، وفي الأول

فَتَوَضَأَ؛ ثُمَّ نَضَحَ عَلَيَّ مِن وَضُوئِهِ؛ فَأَفَقْتُ! فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّمَا لِي أَخَوَاتٌ، فَنَزَلَتْ آيةُ الفَرَائِضِ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الفرائض: باب ميراث الأخوات: الحديث (6743) ومسلم في الصحيح: كتاب الفرائض: باب ميراث الكلالة: الحديث (7/ 6161).

(85)

الحديث عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الماء يكونُ بأرض الفلاة، وما ينوبه من السباع والدواب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلِّتَينِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ] حديث إسناده صحيح. أما قوله: صححه الحفاظ: قال رحمه الله في التحفة: ج 1 الحديث (10): رواه الأربعة؛ وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن منده؛ والطحاوي والحاكم. قلت: أما الأربعة: ففي سنن أبي داود: الحديث (63) وسنن الترمذي: الحديث (67) وسنن النسائى: ج 1 ص 175، وسنن ابن ماجه: الحديث (517). ومستدرك الحاكم: الحديث (458)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا جميعًا بحميع رواته، ولم يخرجاه.

(86)

تغيُّرُ الماء من مباحث المناط، وليس من مباحث العِلَّة. وتحقيق المناط من ضرورات التفكير

الادراكي- أي الاستنباطي- عند الفقيه، لأنها مباحث تُكَوِّن ملكة الفقه في إنزال دلالة الخطاب الشرعي على واقعه، أو دلالة الحكم الشرعي بوصفه مفهومًا في حيز الممارسة والعمل في الحكم والقضاء أو الطاعة بقصد العبادة. وهذه أمورٌ ينبغي الالتفات إليها من طلاب العلم، فتجد الأمام الشافعي رحمه الله في مباحثه، ومنها هذا المبحث الموسوم (الماء الذي ينجس والذي لا ينجس) في كتابه الأُم: تتجلى عنده الصورة بوضوح، لأنه يتعامل مع الواقع بدلالة التفسير الموضوعى للنص اللغوي والنص الشرعى ثم مراد الناس في أعرافهم، وقصد الفقهاء من مباحثهم. فيرجى الانتباه، فما لم يتعامل طالب العلم مع الواقع لتفسير دلالة الخطاب لا تتكون لديه ملكة الإدراك الفقهي. وهكذا تَرِدُ

المسائل من مباحث الفقه في التمييز بين الدلائل الشرعية على الواقع، والناحية الموضوعية في بحثها بقصد الفهم والعمل؛ والإدراك التمييز، والإدراك الفقهي تمييز لدلالة الخطاب =

ص: 67

وجهٌ، والخلاف راجع إلى أن الزائل العائد؛ كالذي لم يزل؛ أو كالذي ما لم يعد، وفيه صور ذكر المصنف بعضها في الكتاب مفرقًا، أَوْ بِمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ؛ فَلَا، لأن الظاهر أنهما ستراهُ، وجزم القفال في فتاويه بعودها فيما إذا زال بالعود ونحوه، وَكَذَا تُرَابٌ وَجِصٌّ فِي الأَظْهَرِ، لأنهما مكدران فيستتر التغيير، والثاني: يطهر لزوال التغيير، ومحلُّ الخلاف في حال الكدورة دون الصفاء، وَدُونَهُمَا يَنْجُسُ بالْمُلَاقَاةِ، لمفهوم الحديث السَّالف، فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِمَاءٍ وَلَا تَغَيُّرَ بِهِ؛ فَطَهُورٌ، لأن الغلبة دافعة للنجاسة، وقوله (بِالْمَاءِ) يخرج المائعات (•)، فَلَوْ كُوثِرَ بِإِيْرَادِ طَهُورٍ فَلَمْ يَبْلَغْهُمَا؛ لَمْ يَطْهُرْ، لأنه ماء قليل وفيه نجاسة، وَقيلَ: طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ، لأنه نجس وردَ عليه الماء فطهَّرَهُ كالثوب النجس.

وَيُسْتَثْنَى مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ فَلَا تُنَجِّسُ مَائِعًا، أي ماء وغيره إذا يكثر ولم تغيره ولم تطرح (•)، عَلَى الْمَشْهُورِ، للمشقة وعسر الاحتراز (87)، والثَّانِى: تنجسه قياسًا على سائر الميتات، وَكَذَا في قَوْلٍ: نَجِسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ، لعسر الاحتراز

الفقهي على الواقع، بطريقة فهم الواقع وفهم الواجب في الواقع.

(•) في نسخة (3): مُخْرِجٌ للمائعات.

(•) في نسخة (3): إذا لم تكثر وتغيره ولم تطرح.

(87)

قال الشافعي رضي الله عنه: فأمَّا ما كان مِمَّا لا نفس له سائلة مثل الذباب والخنافس وما أشبهها؛ ففيه قولان: أحدهما: أنَّ ما مات من هذا في ماء قليل، أو كثير لم ينجسه. ومَن قال هذا؛ قال: فإن قال قائل! هذه ميتة؛ فكيف زعمت أنها لا تنجس؟ قيل: لا تُغَيِّرُ الماء بحالٍ؛ ولا نَفْسَ لها؛ فإن قال: فهل من دلالة على ما وصفت؟ قيل: نعم؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالذباب يقع في الماء أن يغمس فيه؛ وكذلك أمر به في الطعام؛ وقد يموت بالغمس وهو لا يأمر بغمسه في الماء والطعام، وهو ينجسه لو مات فيه، لأن ذلك عمد إفسادهما. والقول الثانى: أنه إذا مات فيما ينجس نجس، لأنه محرمٌ، وقد يأمر بغمسه للداء الذي فيه، والأغلب أنه لا يموت، وأحب أن كل ما كان حرامًا أن يؤكل، فوقع في الماء؛ فلم يمت حتى أُخرج منه، لم ينجسه، وإن مات فيه نجسه وذلك مثل الخنفساء والجعل والذباب والبرغوث والقملة وما كان في هذا المعنى. الأُم: ج 1 ص 5.

ص: 68

أيضًا. قُلْتُ: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَالله أَعْلَمُ (88)، ووجه مقابله القياسُ على غيرها من النجاسات، قُلْتُ: ويستثنى أيضًا مسائل أخرى مذكورة في الشرح.

وَالْجَارِي كَرَاكِدٍ، أي فالقليل منه ينجس بالملاقاة لضعفه، وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَنْجُسُ بِلَا تَغَيُّرٍ، إعطاء له حكم الكثير.

وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ بَغْدَادِيِّ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتيْنِ مِنْ قُلَالِ

هَجْرٍ لَمْ يُنْجِسْهُ شَئٌ] (89) وهما بالأرطال ما ذكره المصنف، وقيل: ستمائة؛ وقيل:

(88) قال في بداية: المحتاج إلى شرح المنهاج: على المشهور للمشَقِّةِ وعُسْرِ الاحتِرَاز. والثاني: تنجسه كسائر الْمَيْتَاتِ النجسةِ، ومحل الأول: إذا لم تُغَيِّرهُ. فإن غيَّرَتهُ، نَجَّسَتْهُ على الأصح؛ عند المصنف، ومحله أيضًا؛ إذا لم يُطرحُ، فإن طُرِحَ قَصْدًا، لم يُعْفَ عَنْهُ، كما جزم به في الشرح الصغير، وكذا في قولٍ نجس لا يدركه طَرفٌ لِقِلَّتِهِ كَنُقْطَةِ بولٍ وما تعلق برجلِ ذبابةٍ من نجاسة لعسر الاحتراز، قلت: ذا القول الأظهر لما ذكرناه، وجه مقابله القياس على سائر النجاسات: مخطوط: ج 1 ورقة / 4. يوجد منه الجزء الأول فقط في مكتبة أوقاف نينوى. والدافع للمصنف في تأليفه بداية المحتاج، متابعة ابن الملقن على عجالته وتصويب بعض الآراء.

(89)

الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: [إذَا بَلَغَ الماءُ قُلِّتيْنِ مِنْ قُلالِ هَجْرٍ لَمْ يُنَجِسْهُ شَيءٌ]. قال ابن الملقن في التحفة: ج 1 ص 143 الحديث (12). رواه ابن عدي في الكامل وليس في إسناده سوى المغيرة بن صقلاب، تكلم فيه ابن عدى. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال أبو زرعة: لا بأس به. قلت: قال الزيلعي في نصب الراية: ج 1 ص 111: نقلًا عن ابن عدي قوله: مِن قُلالِ هجرٍ غير محفوظ، لا يذكر إلا في هذا الحديث من رواية المغيرة هذا. إ. هـ. وقوله: غيرُ محفوظ، يريد رواية ابن عدى عن طريق المغيرة: أيضًا عن مُحَمَّد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحديث. وقال: والمغيرة بن سقلاب يكنى (أبا بشر) منكر الحديث؛ ثم أسند إلى أبي جعفر بن نفيل، قال: والمغيرة: بن سقلاب يكنى مؤتمنًا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عدي: وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. إ. هـ. في تلخيص الحبير: ج 1 ص 30: قال ابن حجر: في كون التقييد بقُلال هجر ليس في الحديث المرفوع. وقال: إنه غير صحيح. أما عن سبب جرح ابن صقلاب. قال عنه ابن =

ص: 69

ألف، تَقْرِيبًا فِي الأَصَحِّ، أي فلا يضر نقص رطل أو رطلين ويضر نقص ما زاد، والثاني: أنه تحديد كنصاب السرقة.

وَالتَّغيُّرُ الْمُؤَثَّرُ بِطَاهِرٍ أَوْ نَجِسِ، طَعْمٌ؛ أَوْ لَوْنٌ؛ أَوْ رِيحٌ، أي ولا يشترط اجتماعها وهو في النجس إجماع، وفي الطاهر أصح الأقوال، والثانى: لا بد من تغيير الثلاثة، والثالث: يضر تغير اللون وكذا الطعم والرائحة معًا، وفي الشرح الصغير: أن اللون والطعم يضر على انفراد بخلاف الرائحة (90).

فَصْلٌ: وَلَوِ اشْتبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ اجْتَهَدَ وَتَطَهَّرَ بِمَا ظَنَّ طَهَاَرَتَهُ، كما في القبلة، وقيل: لا يجوز في الحضر، حكاه ابن كج والقفال في فتاويه؛ ويشترط بقاؤهما، فلو تلف أحدهما لم يجتهد في الباقى على ما صححه المصنف خلافًا للرافعي، ولو وقع التعارض له في خبر التنجيس، فالأصح الحكم بطهارة الإناءين.

وَقِيلَ: إِنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ؛ فَلَا، كوجود الحاكم النص (91)، والأصح: نعم، لأنه يجوز له ترك ما يتيقن طهارته والعدول إلى ما يشك فيه (92)، وهذا قول عامة

حبان في المجروحين: ج 3 ص 8: (كان ممن يخطئ ويروي عن الضعفاء والمجاهيل، فغلب على حديثه المناكير والأوهام فاستحقَّ الترك). ولهذا فالحديث غير صحيح.

(90)

يرجُح في تقرير التغيُّر المؤثر إلى حقيقة الشيء، أي إلى ما يخرجه عن طبيعته المعروفة، وترتبط بالطعم واللون والرائحة غالبًا، فهو بحث مناط بالواقع المعين فيجعله متغيرًا أو ماكثًا على أصل طبيعته، وهذا المبحث من متعلقات مناط الحكم في الواقع، وليس من أصول الاستدلال عليه لبيان قصد مراد الشارع فيه من خلال النص. فيطلق مثلًا على الماء الآسن، . مما تغير من لونه وريحه وكذا طعمه لمن ذاقه مع نفرة النفس منه فيخرج بأحد هذه الأوصاف عن إطلاق اسم الماء عليه. إلى تحمل صفة أو إضافة معينة.

الأصل في هذه المسألة الحديث عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: [الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ: ؛ إِلّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيْحِهِ وَطَعمِهِ وَلَونِهِ]. قال ابن الملقن في التحفة: رواه ابن ماجه وفي إسناده رشدين بن سعد وقد ضعفوه، ولكن قال أحمد مرةً: أرجو أنه صالح الحديث.

(91)

قلتُ: لأنه لا اجتهاد مع ورود النص، لأن النص حاكم.

(92)

على ما يبدو لي، أنه لا يصح العدول إلى ما يشك فيه وترك ما يتيقن طهارته؛ وكما =

ص: 70

الأصحاب كما في البيان وغيره، ووقع في تعليق الشيخ أبي حامد: أن قول عامتهم الأول، نعم؛ لو خشي من الطاهر ضررًا كالشمس مثلاً، فيبني على جواز التيمم، أنه إن أبحناه له اجتهد (93)، وإلّا فعلى الوجهين؛ قاله صاحب المُعين من متأخرى فقهاء اليمن، وَالأعْمَى كَبَصِيرٍ في الأَظْهَرِ، كما يتحرى في الأوقات، والثاني: لا كالقبلة.

أَوْ مَاءٌ وَبَولٌ لَمْ يَجْتَهِدْ عَلَى الصَّحِيحِ، لأن البولَ لا أصلَ لطهارته، بَلْ يُخْلَطَانِ، أي أو يريقهما، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، لئلا يتيمم ومعه ماء طاهر بيقين، والثاني: يجتهد، لأن الماء كالبول بعد تنجيسه، أَوْ مَاءُ وَرْدٍ تَوَضَّأَ بِكُلِّ مَرّةً؛ أي ليتيقن استعمال الطهور، ولا يجتهد لأنه لا أصل له في التطهير، ويندفع تردده في النية بأن يأخذ غرفة من كما منهما وَيَستَعْمِلُهُمَا في وجهه دفعة واحدة ناوياً في تلك الحالة.

وَقِيلَ: لَهُ الاِجْتِهَادُ، كالماء الطهور مع المتنجس، وِإذَا اسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ أرَاقَ الآخَرَ، أي ندبًا، فَإنْ تَرَكَهُ وَتَغَيَّرَ ظَنَّهُ، أى ظن طهارة الثاني، لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي عَلَى النَّصِّ، لئلا يؤدي إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وقال ابن سريح: يعملُ به كالقبلة، وهذا حكم جديد فلا نقض إذاً، ولهذا لا تعاد الصلاة الأُولى، بَلْ يَتَيَمَّمُ؛ لأنه ممنوع من استعماله، بِلَا إِعَادَةٍ فِي الأَصَحِّ؛ أي للصلاة الثانية؛ لأنه يتيمم لها وليس معه ماء طاهر بيقين، والثاني: يعيد، لأن معه ماء طاهر بحكم الاجتهاد. ومحل الخلاف إذا لم

سيأتى في قول أبي حامد رحمه الله؛ أما حال الصحابة رضوان الله عليهم؛ كان بعضهم يسمع من بعضٍ مع قدرته على الْمُتَيَقِّنِ؛ وهو سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فليس هذا بحجة على مثل المسألة، لأن ذلك موضوع آخر ليس فيه علَّة ولا نص، فضلاً عن أصله اليقين؛ لأنَّه لا يعرف الكذب عندهم أو التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يقول.

(93)

* عن الحسن بن علي رضي الله عنهما؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: [دَعْ مَا يُرِيِبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيْبُكَ؟ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأنِيْنَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيْبَةٌ]. رواه الإمام أحمد في المسند: الرقم (1723 و 1727): ج 1 ص 200. والترمذى في الجامع الصحيح: كتاب صفة القيامة: الحديث (2518)، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي في السنن: كتاب الأشربة: باب الحث على ترك الشبهات: ج 8 ص 327.

* وأخرجه الإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 112 و 153 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 71

يكن بقىَ من الأول بقية، وإلَّا فيعيد على الأصح، ومحل الخلاف في الإعادة للمسافر، أما الحاضر فيعيد قطعاً، نبَّه عليه صاحب المعين.

وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِهِ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ، كالعبد والمرأة والأعمى، لا كافرٍ وصبيّ ومجنون وفاسقٍ، وَبَيَّنَ السَّبَبَ؛ أي سواء كان عامياً، أَوْ كَانَ فَقِيهاً، مخالفاً أو كان فقيهاً، مُوَافِقاً، أى وإن لم يبين السبب، اِعْتَمَدَهُ؛ لأنَّه غلب على ظنه تنجيسه فيجب عليه الاجتناب عند اليقين والاجتهاد عند عدمه، واحترز بالفقيه عن العامي؛ وبالموافق عن المخالف في المذهب، ولو قال مَنْ هو أهل للتعديل: أخبرني بذلك عدل، فيشبه أن يؤخذ به كما قاله الرافعي في شرح المسند.

فَصْلٌ: وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ، بالإجماع، نعم المتخذ من عظام الميتة وجلودها قبل الدباغ يكره استعماله فقط كما ذكره في الروضة من زوائده، هذا في ما يسع أكثر من قلتين؛ وإلّا فينجس، إِلَّا ذَهَباً وَفِضَّةً فَيَحْرُمُ؛ أي استعماله بالإجماع أيضاً، وسواء الرجل والمرأة والصغير والكبير، فيحرم على الولي سقيُ الصبيِّ بإناء ذهب أو فضة، وَكَذَا اتِّخَاذُهُ فِي الأصَحِّ، حسماً للباب، والثاني: لا؛ لأن النهي إنما ورد في الاستعمال دون الاتخاذ (94).

وَيَحِلُّ الْمُمَوَّهُ، الذي لا يحصل منه شيء بالعرض على النار، فِي الأَصَحِّ، لاستهلاكه، والثاني: لا؛ للخيلاء، وَالنَّفِيسُ، معطوف على المموه أي يحل النفيس، كَيَاقُوتٍ فِي الأَظْهَرِ؛ لأنه لا يعرفه إلّا الخواص فلا خيلاء، والثاني: يحرم؛ لأنه أعظم في السرف من الذهب والفضة، وَمَا ضُبِّبَ بِذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ ضَبَّة كَبيرَةً لِزِينَةٍ

(94) عن حذيفة بن اليمان قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تَلْبَسُوا الحَريرَ ولا الدِيباَجَ، ولا تَشْرَبُوا في أنيةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وَلَا تَأكُلوا فِي صِحَافِها، فإنَّها لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي

الآخِرَةِ". رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأطعمة: باب الأكل في إناء مفضض: الحديث (5426). ومسلم في الصحيح: كتاب اللباس والزينة: باب تحريم الذهب والفضة: الحديث (4/ 2067). والسنن الكبرى للبيهقي: الحديث (100).

ص: 72

حَرُمَ، لوجود الكبر في العين والخيلاء، أَوْ صَغِيرَةً بِقَدَرِ الْحَاجَةِ فَلَا، لظهور قصد الحاجة ولا يكره أيضاً، أَوْ صَغِيرَةً لِزِينَةٍ، أَوْ كَبِيرَةً لِحَاجَةٍ جَازَ فِي الأَصَحِّ، للصغر وظهور الحاجة، ومثار الخلاف أن المبيح مجموع الصغر والحاجة أو أحدهما، ولو كانت الضبة بعضها للحاجة (95)؛ وبعضها للزينة، حرمت أيضاً، وإن كان مقدار الزينة صغيرًا كما أَفْهَمَ كلام اَلْمُحَرَّر، والضَّبَّةُ: قطعةٌ من الذَّهب والفضة تُسَمَّرُ في الإناء ونحوه، والمراد بالحاجة غرضُ الإصلاح دون التزيين، ويرجع في الصغر والكبر

إلى العرف على الأصح، وَضَبَّةُ مَوْضِعِ الاِسْتِعْمَالِ كَغَيْرِهِ فِي الأَصَحِّ لأنَّ الاستعمال منسوب إلى الإناء كله لأنَّه يقع به، الثَّاني: أنها إن كانت في موضع الاستعمال، فإنَّه يحرم؛ لأنَّه يقع به الاستعمال؛ وإلّا فلا. قُلْتُ: اَلْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ ضَبَّةِ الذَّهَبِ مُطْلَقاً، وَالله أَعْلَمُ، لأنَّ باب الفضة أوسع بخلافه؛ بدليل اتخاذ الخواتيم.

فَرْعٌ: لو نصب فاهُ لميزابِ الكعبة المفضض مثلاً؛ فهل يحرم؟ أو يفرق بين القرب والبعد؛ كما في نظيره في المبخرةِ! فيه نظرٌ واحتمالٌ.

(95) * عن عاصم الأحول، قال:(رَأَيْتُ قَدَحَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ، فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ. قال أنسٌ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا). صحيح البخاري: كتاب الأشربة: باب الشرب في قدح النبي

صلى الله عليه وسلم وآنيته: الحديث (5638). عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: [أَنَّ قَدَحَ النبي صلى الله عليه وسلم اِنْكَسَرَ فاتخذَ مَكانَ الشَّعَب سِلْسِلَةً مِن فِضَّةٍ. قال عاصم: رَأَيْتُ القَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ] صحيح البخاري: كتاب فرض الخمس: باب ما ذُكِرَ من درع النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (3109).

* ثم أخرج النسائي في السنن: كتاب الزينة: باب حلية السيف: ج 8 ص 219: عن أبي أمامة بن سهل قال: [كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ فِضَّةٍ]- وبألفاظ عن أنس وعن سعيد بن أبي الحسن- وينظر: السنن الكبرى للنسائي: كتاب الزينة: باب حلية السيف: الحديث (9813 - 9815).

ص: 73