الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
الأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قَبْلَ الإِجْمَاعِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ
…
} الآية (579) فَأمَرَ بِهَا فِي الْخَوْفِ، فَفِي الأَمْنِ أوْلَى؛ وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الأَخْبَارِ.
هِيَ، أَيِ الْجَمَاعَةُ، فِي الْفَرَائِضِ غَيْرَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، لأنها فضيلة في الصَّلاة لا تبطل بتركها فلم تجب كالتكبيرات، أما الجمعة فلا تَصُحُّ بدونها، وخرج بالفرائض النوافل، وقد تقدم في الباب قبله ما تُسَنُّ فيه الجماعة منه وما لا تُسَنُّ، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما [صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً] وفيها من حديث أبي هريرة:[بِخَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً](580)، وجه الدلالة منه لما نحن فيه، أن تفضيل فعل على آخر يشعر بجوازهما،
(580)
* عن عبدِاللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: [صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً] رواه البُخاريّ في الصَّحيح: كتاب الأذان: باب فضل صلاة
الجماعة: الحديث (645). ومسلم في الصَّحيح: كتاب المساجد: الحديث =
وفي الجمع بين هاتين الروايتين وجوه كثيرة وصلتها في شرح العمدة إلى ثلاثة عشرة وجهاً بحمد الله، وأغربها أن الاختلاف بحسب قرب المسجد وبعده، ومنها أن الأولى للصلاة الجهرية؛ والثانية للسرية؛ لأنها تنقص عن الجهرية بسماع قراءة الإمام والتأمين لتأمينه.
وَقِيلَ: فَرْضُ كِفايَةٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَّةٍ وَلَا بَدْوِ لَا تُقَامُ فِيْهِمُ
الصَّلَاةُ إِلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةِ] رواه أبو داود والنَّسائيُّ وصححه ابن حبان والحاكم (581)، لِلرّجَالِ، أي فالنساء ليست في حَقِّهِنَّ فرض كفاية ولا عين، نعم تُسَنُّ لَهُنَّ.
فَتَجِبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشَّعَارُ فِي الْقَرْيَةِ، أيْ أَوِ البلدة، فيكفى في القرية الصغيرة إقامتها في موضع واحد، وفي البلد الكبير إقامتها في محال، ولا يسقط بفعلها في البيوت في الأصح، ولو أظهرها طوائف وتخلف عنها الجمهور حصلت، وأقل جماعة يسقط بها الفرض عن الباقين ثلاثة أو اثنان، فيه وجهان، أظهرهما الثَّاني، فَإِنِ امْتَنَعُواْ كُلْهُم قُوتِلُواْ، لأنَّ هذا شأن فروض الكفايات إذا عطلت، والمقاتلُ لهم الإمامُ
= (249 و 250/ 650).
* عن أبي سعيد الْخُدرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْريْنَ دَرَجَةَ] رواه البُخاريّ في الصَّحيح: الحديث (646).
* عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[صَلَاةُ الرَّجُل فِي الْجَمَاعَةِ تَضْعُفُ عَلَى صَلاِتهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوْقِهِ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ ضِعْفاً] رواه البُخاريّ في الصَّحيح:
الحديث (647). ومسلم في الصَّحيح: الحديث (245/ 649) بلفظ: [بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِيْنَ جُزْءاً] و [دَرَجَةً]: الحديث (246).
(581)
رواه أبو داود في السنن: كتاب الصَّلاة: باب في التشديد في ترك الجماعة: الحديث (547). والنَّسائيُّ في السنن: باب التشديد في ترك الجماعة: ج 2 ص 106 - 107.
والحاكم في المستدرك: كتاب الصَّلاة: الحديث (900/ 227) وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ الإسناد ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي. وفي كتاب التفسير: الحديث (3796/ 933). وابن حبان في الإحسان: باب فرض الجماعة: ذكر استحواذ الشَّيطان: الحديث (2098).
أو نَائِبُهُ دون آحاد النَّاس، أما إذا قلنا إنَّها سُنَّةٌ فلا على الأصح، ووجه مقابله أن في ذلك إماتتها وهو قوي.
وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنّسَاءِ تَأَكُّدَهُ لِلرَّجَالِ فِي الأَصَحِّ، لقوله تعالى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (582) فلا يُكرهُ لهن ترك الجماعة بخلاف الرجال مع قولنا بأنها سُنَّةٌ في حقهم، والثاني: يتأكد لهن أيضاً لعموم الأخبار، وذكر الروياني الخلاف في قدر الفريضة. قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ، أي في الأم، أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةِ، لما سلف، وَقِيلَ: فَرْضُ عَيْنِ، وَالله أَعْلَمُ، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:[لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ أمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حِزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأْحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ](583)، وأعلم أنَّه يستثنى من كلام المصنف أمور:
* أحدها: المسافُر، فإنَّه سُنَّة في حقه قطعًا؛ قاله الإمام؛ لكن نَصَّ الشَّافعي في الأم يرُدُّهُ.
* ثانيها: الْقَضَاءُ، فإنها سُنَّة فيه قطعًا، بل قال الرافعي: لا تشرع فيه الجماعة؛ وحديث الوادي يَرُدُّهُ (584).
(582) البقرة / 228.
(583)
رواه البُخاريّ في الصَّحيح: كتاب الأذان: الحديث (644) وله ألفاظ في الصَّحيح: الحديث (657) وغيره. ومسلم في الصَّحيح: كتاب المساجد: الحديث (252/ 651) واللفظ له.
(584)
هو حديث محمود بن الرَّبيع الأنصاري: أَنَّ عُتْبَانَ بْنَ مَالِكَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً مِنَ الأَنْصَارِ؛ أتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، وَإِذَا كَانَ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ، وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّىَ بِهِمْ. وَدِدْتُ أَنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَأْتِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي حَتَّى أَتَّخِذَهُ مُصَلَّى، قَالَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:[سَأَفْعَلُ] قَالَ عُتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ حيْنَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَذِنْتُ لَهُ؛ فَلَمْ يَجْلِسْ حِيْنَ =
* ثالثها: الْمَنْذُورَةُ، بل لا يشرع فيها الجماعة.
* رابعها: الْعَبْدُ، فإن للسيد منعه من حضورها إلَّا أن لا يكون معه شغل ويقصد تفويت الفضيلة عليه كما قاله القاضي.
* خامسها: العُراةُ، فإن الجديد أن الجماعة أفضل في حقهم، كما حكاه الرافعي وغيره، وقال المصنف في الروضة: المختار ما حكاه المحققون عن الجديد، أن الجماعة والانفراد في حقهم سواء.
فَرْعٌ: آكدُ الجماعةِ بعد الجمعة الصبح ثم العشاء ثم العصر.
وَفِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ أَفْضَلُ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [صَلَّواْ أَيَّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ،
فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ] متَّفقٌ عليهْ (585)، نعم لو كان إذا صَلَّى في بيته صَلَّى في جماعة، وإذا صَلَّى في المسجد صَلَّى وحده، فصلاته في بيته أفضل، أما المرأة فجماعتها في بيتها أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم:[وَبُيُوتُهُن خَيْرْ لَهُنَّ] رواه أبو داود وصححه الحاكم (586)، وما كان من بيتها أسترّ فهو أفضل أيضاً، فَإِنْ حَضَرْنَ
دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ:[أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّىَ مِنْ بَيْتِكَ؟ ] قَالَ: فَأشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ
الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَكَبَّرَ فَقُمْنَا وَرَاءَه فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. قَالَ: وَحَبَسنَاهُ عَلَى خَزِيْرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ]. رواه البُخاريّ في الصَّحيح: كتاب الصَّلاة: باب المساجد في
البيوت: الحديث (425) وفيه تفصيل، وابن حبان في الإحسان: الحديث (2072).
(585)
رواه البُخاريّ في الصَّحيح: كتاب الأذان: باب صلاة الليل: الحديث (731). ومسلم في الصَّحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب استحباب صلاة النافلة في بيته: الحديث (213/ 781).
(586)
عن ابن عمر رضى الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصَّلاة: باب ما جاء في خروج
النساء إلى المساجد: الحديث (567). والحاكم في المستدرك: كتاب الصَّلاة: ومن كتاب الإمامة وصلاة الجماعة: الحديث (755/ 82) وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، فقد اِحْتَجا جميعاً بالعوام بن حوشب، وقد صحّ سماع حبيب من ابن =
الْمَسْجِدَ كُرِهَ لِمُشْتَهَاةٍ وَلِشَابَّةٍ لا لغيرهما عند أمن الفتنة، وإذا استأذنت زوجاً أو ولياً كُره إذنُهُ حيث يكرهُ لَها، وإلا نُدِبَ؛ وإذا أرادتهُ كُرِهَ الطيبُ وَفَاخِرُ الثَّيَابِ (587).
وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[إِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاُتَهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كثرَ فَهُوَ أحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى] رواه أبو داود وصححه ابن حبان (588).
إِلَّا لِبِدْعَةِ إِمَامِهِ، أي كالمعتزلي وغيره وكذا لو كان حنفيّاً (589).
عمر ولم يخرجا فيه الزيادة: [وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ]، ووافقه الذهبي.
(587)
* لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ عن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: [إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْنَعْهَا] رواه البُخاريّ في الصَّحيح: كتاب الأذان: باب استئذان المرأة
زوجَها بالخروج إلى المسجد: الحديث (873). ولفظ مسلم: [إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُم امْرَأتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا] في الصَّحيح: كتاب الصَّلاة: باب خروج النساء إلى المساجد: الحديث (134/ 422).
* قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُنَّ الطَّيْبُ وَفَاخِرُ الثيَابِ؛ لحديث بسر بن سعيد أن زينب الثقفية - امرأة عبد الله بن عمر- كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّه قال: [إذَا شَهِدَتْ اِحْدَاكُن العِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ] وفي لفظ: [فَلَا تَمَسُّ طِيْباً] رواهما مسلم في الصَّحيح: الحديث (141 و 142/ 443).
(588)
رواه أبو داود في السنن: كتاب الصَّلاة: باب في فضل صلاة الجماعة: الحديث (554)
عن أُبَيَّ بْنِ كَعْبٍ. والنسائى في السنن: باب الجماعة إذا كانوا اثنين: ج 2 ص 104 - 105. وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب الإمامة والجماعة: فصل في فضل الجماعة: الحديث (2054).
(589)
مَبحَثٌ: كُلًّ مُسْلِمٍ أَهْلً لِلإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ:
* لا خفاء أن أهل البدع؛ من حيث هي؛ يعلم النابه المتشرع ذمَّها؛ لأنَّ الأخذ بها انحراف عن الاستقامة الي أمر الإسلام بها؛ وَحِيْدَةٌ عن التوبة التى هدى الله بها نَبِيَّهُ؛ قال الله تعال: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا} [هود: 112].
ومما لا شك فيه أن الإصرار على الخطأ بعد معرفته أو الاهتداء إلى سبله، نوع من الدخول في العماية والهوى لا محالة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وليس أمر البدع يطلق على كُلِّ فَهْمٍ مخالف أو رَأْيٍ مقابل لا يتفق والقول المعين. وليس حال المبتدع يطلق على كل سلوك لا يعرفه عامة النَّاس أو تصرَّف كان الأولى غيره. وإنَّما مرجع معرفة البدع والحكم على المبتدع مقياس الشريعة، وبالنظر والتفكر بميزان أحكامها. واتخاذ الموقف في النصح للمبتدع أو هجرانه أو معاقبته بما ينسجم ومفاهيم الأمر الجامع، وهو كل أمر من الإسلام لا يعرف فيه مخالف ولا يتأتى إلى حكمه خلاف من الدين. فَإذَا اخْتَرَعَ الْمَرء فِي الدِّينِ مَا لَيسَ مِنْهُ؛ كأن خالف ما يعرف من الدين بالضروَرة؛ أو قال برأي ممَّا لا يتأتى به إدراك محتمل، وأسَّسَ فكرهُ على غير أسَاسِ الدين في الإيمان، وأقام فهمه على غير أصول الفقه المعتبرة من غير تأويل، فهو قد أتى ببدعة يحاسب عليها أو يحتاج إلى نصح لتحسين أمره في شأنها.
* ومنذ قرون صار حال النَّاس إلى فوضى في الحكم، واضطراب في القياس، وجهل عام بأصول الإسلام، وضعف شديد في فهم الإسلام أصاب أذهان عامة النَّاس؛ بل خاصتهم. وصار يطلق على كل مخالف لرأي عند البعض، أو مخالف لأمر معهود عند العامة، أنَّه محدث أو نسب إلى تيار فكري معين أو اتجاه سياسي وصار أمره إلى شبهة مبهمة وخطر لا يعرف. واتخذت منه مواقف العداوة والهجران، أو الإهمال وغلق الآذان عن سماع حقه أو باطله؛ ونسى الكثيرون أن الدين النصيحة.
في كتاب الاعتصام؛ قال الشاطبي: حكى الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ حاله مع أهل زمانه فقال: (عجبت من حالي في سفرى وحضرى مع الأقربين مني والأبعدين؛ والعارفين والمنكرين؛ فإنى وجدت. بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها مرافقاً أو مخالفاً؛ دعانى إلى متابعة ما
يقوله، وتصديق قوله والشهادة له. فإن صدقته فيما يقول وأجزتُ له ذلك- كما يفعل أهل هذا الزمان- سَمانِى مُوَافقاً؛ وإن وقف في حرف من قوله أو شيء من فعله، سَمَّانِى مُخَالِفاً، وإن ذكرت في واحد منها أن كتاب الله والسُّنة بخلاف ذلك وارد، سَمَّانِي خَارِجِياً، وإن قرأت عليه حديثاً في التوحيد سَمَّانى مُشَبهاً، وإن كان في الرؤية سَمَّانِي سَالِمِيَاً، وإن كان في الإيمان سَمَّانِي مُرْجِئِياً، وإن كان في الأعمال، سَمَّانِي قَدَرِيّاً، وإن كان في المعرفة سَمَّانِي كَرَامِيّاً، وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر، سَمَّانِي نَاصِبيّاً، وإن كان في فضائل أهل البيت، سَمَّاني رَافضِيّاً، وإن سكت عن تفسير آيه أوَ حديث فلم أجب فيهما إلَّا بهما =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سَمَّانِي ظَاهِرِيّاً، وإن أجبت بغيرهما سَمَّانِي بَاطِنِيّاً، وإن أجبت بتأويل سَمَّانِي أَشْعَرِياً، وإن جحدتهما سَمَّاني مُعتزِلياً، وإن كان في السنن مثل القراءة سَمَّانِي شفْعَوياً، وإن كان في القنوت سَمَّانِي حَنَفِياً، وإن كان في القرآن، سَمَّانِي حَنْبلِياً، وإن ذكرت رُجحَان ما ذهب إليه كل واحد إليه من الأخبار- إذ ليس في الحكم والحديث محاباة- قالوا: طَعَنَ في تزكِيَتِهِمْ. ثم أعجبُ من ذلك أنهم يسمونني فيما يقرؤون على من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشتهون من هذه الأسامى، ومهما وافقت بعضهم عادانى غيرهم، وإن داهنت جماعتهم أسخطت الله تبارك وتعالى، ولن يغنوا عني من الله شيئاً، وإنى مستمسك بالكتاب والسَّنَّة، وأستغفر الله الذي لا إله إلَّا هو، الغفور الرحيم).
* وبعد: فإنَّه ليس من الصَّحيح أن نطلق على المتأول في أمر فكرى متعلق بالعقيدة، أو المخالف للبعض فيما يعرفه من الفقه، أنَّه جاء بأمر بدعي أو أنَّه صار مبتدعاً.
ويجب على الفقيه أن يتعامل موضوعياً مع الرأى المقابل أو المخالف، في أمر من أمور المعتقد والدين أو أمر من أمور الفقه في العبادات والأعمال. سيما أن أحوال النَّاس في سلامة إسلامهم إلى أصناف:
° مرتد عن الإسلام كافر لا محالة.
° جريء على الدين متقول لا يرجع عن خطئه.
° متأول في رأى على سبيل الاجتهاد أو التقليد.
° سالم الإسلام في المعتقد والأمور الجامعة.
ولكل صنف من هذه الأصناف حكمه حين التعامل معه في أمور الحياة؛ ومنها أمر موضوع بحثنا إمامة الصَّلاة.
ولا يشترط في الإمامة للصلاة؛ إلَّا أن يكون الإمام مسلماً مؤهلاً لأداء أركانها وهيئاتها بشروطها وواجباتها؛ كما جاء في الحديث عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ؛ فَإِنْ كَانُواْ فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ فَأَعْلَمُهُمْ بالسُّنَّةِ؛ فَإِنْ كَانُواْ فِي السُّنَّةِ سَوَاءٌ فَأقْدَمُهُمْ هِجْرَةً؛ فَإِنْ كَانُواْ فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءٌ فَأَقْدَمُهُمْ سِنّاً وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإذْنِهِ] [مسلم: (290/ 673). ولهذا فكل مسلم تتوفر فيه أدنى هذه الصفات أهل للإمامة، والأعلى منها أفضلية له في أن ينال أجر الإمامة وشرفها بما حازوه من صفات شرعية. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أما إمامة الكافر، فإنَّها لا تصح؛ فلا تصح إمامة الكافر النصراني واليهودي والمجوسي، وكذا إمامة المرتد عن الإسلام؛ فلا تصح إمامة الحلولي والشيوعي والعلماني ومن أنكر الإسلام أو أنكر ما يعرف من الإسلام بالضرورة، لأنَّه ممَّا لا تأويل فيه ولا يصح إسلام المرء والجهل معه فيه. وما عدا الكافر والمرتد فإمامته صحيحة والصلاة خلفه صحيحة.
* أما المبتدع؛ فإنَّه ينظر فيه؛ فإن كانت بدعته تُكَفرُ، أى يكون بسببها كافراً، كمن يقول: إن الله حلَّ في سيدنا علي كرم الله وجهه؛ أو يزعم أنَّه يأتيه وحيَّ أو يلهم بوحي قلبه، فإن إمامة مثل هذا لمن يعرف به كإمامة الكافر، لا تصح؛ وعليه أحكام ما جاء في الأصل من الإعادة، لأنَّ هؤلاء كفار ولو ادعوا الإسلام.
أما المبتدع الذي لا يكفر ببدعته؛ فهو أحد اثنين؛ جريءٌ على الدين متقول لما لا يملك القول فيه، أو متأول في رأى على سبيل الاجتهاد وله أهليته أو مقلد.
أما الجريء على الدين المتقول لما لا يملك أهليته في القول، فهو على ضربين، الأول: الذي تأثر بالرأي العام الفاسد الشائع في أجواء الأمة، نتيجة تأثير أفكار الحضارة الرأسمالية ومفاهيمها، وغيرها من الأفكار الفاسدة قديماً وحديثاً. فيأخذ بمفاهيم المادية في الرزق والأجل وتحكيم العقل في الشرع ومقياس النفعية وغيرها على جهل وغباوة، فينصح، فيدرك خطأه فيرجع. أو أنَّه لا يدرك، فإن رجع فقد كفانا شأنه، وإن لم يرجع ولم يدرك على غباوته وجهله، فإنَّه ما دام مقراً بالإسلام من غير جحود يعرف عنه؛ فإنَّه من المسلمين وحسبه ذلك. وأمَّا إذا أدرك وانتبه؛ ولكن أصر على ذلك؛ فهو الضرب الثَّاني؛ فيأخذ صفة الجاحد المصر على بدعته، فإنَّه لا يصلع للإمامة، لأنَّ إسلامه غير سالم؛ ومع أنَّه يتمسك بالإسلام اسماً، ولكنه يعامل معاملة المرتد عن الإسلام حكمًا، وإن لم يقم عليه
الحد؛ لأنَّ لا حد إلَّا في دار الإسلام؛ والاستتابة من ضرورات الحكم قبل إقامة الحد. والله أعلم؛ فمثل هذا لا تصح الصَّلاة وراءه اختيارًا.
° أما الدليل على أن إمامة الجرئ على الدين المتقول المصر على خطئه في أمر يخرجه من الإسلام، ويجعله في مناط يستحق الاستتابة وإلا أقيم عليه حد المرتد عن دينه في دار الإسلام؛ قوله تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ؛ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة / 217]. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام / 159]. والذي يفرق الدين ويفارقه دون أن يأخذ حكم المرتد، قلنا الظاهر منه وتكره الصلاة وراءه اختيارًا، على أنَّه يعتقد بأمور لم تأت بدليل بل ولا شبهة دليل، فضلًا عن أنَّه متقول بها من غير علم ولا أهلية عالم.
• أما إذا كان هذا الجريء الذي لا يُرضى في دينه ومعتقده من أهل السلطان والقوة ويجبر النَّاس على الصلاة وراءه، فإن في الصلاة وراءه نظر.
• إن الأصل أن لا يصلي وراءه لما جاء عن عليٍّ رضي الله عنه مرفوعًا: [لا يَؤُمَّنكُمْ ذُو جُرْأَةٍ فِي دِيْنِهِ] وعن جابر رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [وَلَا يَؤُمُّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا؛ إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ، فَيَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ]. رواه ابن أبي ماجه في الرقم (1081). والبيهقي في السنن الكبرى (5233)، وقال: هذا حديث إسناده ضعيف ويروى من وجه أخر ضعيف عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من قوله، وهو مذهب الفقهاء السبعة من التابعين فمن بعدهم.
• أما صفة إمارة هؤلاء السلاطين؛ فيما جاء عن جابر رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عجرة رضي الله عنه: [أَعَاذَكَ الله يَا كَعْبَ بْنَ عجرة مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ! ] قالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ: [أُمَرَاءٌ يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي؛ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُوْلَئِكَ لَيْسُواْ مِنِّى، وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَا يَردُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ عَلَى كَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأوْلَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَيَرَدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ] رواه التِّرْمِذِيّ في الجامع: الحديث (614). والنَّسائيّ: كتاب البيعة: ج 7 ص 160.
• وبما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءٌ يُؤَخِّرُونَ الصُّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيْتِهَا، وَيُحْدِثُونَ الْبِدْعَةَ] فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ؟ قَالَ: [تَسْأَلُنِي ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كَيْفَ تَصْنَعُ! لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى الله]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (5415).
• أما الصلاة وراء هؤلاء أمراء الجور؛ فإنَّها سبحة أو نافلة؛ عن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَهِ: [كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءً يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ ] أَوْ قَالَ: [يُمِيْتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ ] قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: [صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ] مسلم: (238/ 648). عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال؟ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= [كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَتَتْ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءٌ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ وَقْتِهَا؟ ] قُلْتُ: فَمَا تَأَمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: [صَلِّ الصَّلَاةَ لِمِيْقَاتِهَا، وَاجْعَلْ صَلَاتَكَ مَعَهُمْ سُبْحَةً]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: (4517).
• أما إمامة السلطان الكافر في الصلاة، فقطعًا لا تصح، قولًا واحدًا. ومن فعل وراءه مقهورًا فعليه الإعادة لا محالة لما هو معروف بالضرورة من الدين.
• أما المتأول في رأي يتعلق بأفكار العقيدة وأصول الدين على سبيل الاجتهاد أو التقليد؛ ولا يخرجه تأويله عن الإِسلام، كمن يقول: بخلق القرآن؛ وهم المعتزلة أو من يقول: لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة، ولا يحكم على أحد من المسلمين بشيء بل يرجئون الحكم إلى يوم القيامة؛ وهم المرجئة، والشيعة والخوارج وغيرهم، ممن تأَوَّل النصوص الشرعية على وجه حمله عليه وتكونت لديه فكرة منه. فإن إمامتهم صحيحة لأنهم مسلمون، ويقتدى بهم كما يقتدى بسائر المسلمين، ولا يكره الاقتداء بهم مطلقًا. لأن جميع المسلمين يصلحون أن يكونوا أئمة لبعضهم ما داموا يتصفون بالإسلام، فاختلاف المسلمين في بعض الأفكار المتعلقة بالعقيدة كالشيعة والسنة والخوارج وغيرهم. واختلاف المسلمين لها بعض الأحكام الشرعية التي لها شبهة دليل كالشافعية والحنفية والمالكية لا يطعن في إمامة بعضهم لبعض، ولا يجعل من صلاة المسلم خلف المسلم الذي يخالفه في العقائد التي لا تكفر، أو يخالفه في الأحكام التي لها شبهة دليل، صلاةً غير صحيحة؛ أو صلاة مكروهة.
أما موضوع جواز الصلاة خلف من يخالف المقتدي في العقيدة وعدم كراهتها فظاهر، لأنه اقتداء مسلم بمسلم. وأما موضوع جواز الصلاة خلف من يخالف المقتدي في أحكام الصلاة وغيرها فلان الأحكام التي يقلدها الإمام أو المأموم استنبطها الإمام والمأموم كلها أحكام شرعية، ولو اختلفت حتَّى لو تناقضت لأن كلًا منها مستند إلى نص يغلب على ظن من استنبطه أنَّه دليل هذا الحكم. ولذلك
فهو حكم شرعي في حق الإمام وعنده. وحكم شرعي عند المأموم في حق الإمام.
فمثلًا: أن الشيعة يرون أن الواجب هو مسح الرجلين لا غسلهما، وأهل السنّة يرون أن الواجب هو غسل الرجلين إلى الكعبين ولا يجزئ مسحهما، وأنه لو بقي منهما محل أصبع صغير لم يغسل لم يصح الوضوء. وعلى هذا فالسنّي إذا مسح رجليه لم يصح وضوؤه وبالتالي لا تصح صلاته بهذا الوضوء، هذا حكم الله في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حقه. بخلاف الشيعي فهو يرى أن وضوءه بالمسح يصح، وصلاته بهذا الوضوء تصح، وهذا هو حكم الله في حقه. وكلا الرأيين حكم شرعى مع تناقضهما؛ لأن كل واحد منهما يستند إلى دليل شرعي. فإذا رأى رجل سني رجلًا شيعيًا يتوضأ أمامه، ورآه أنَّه مسح رجليه ولم يغسلهما، وتقدم هذا الشيعي للصلاة إمامًا في النَّاس، فإنَّه يجوز للسني أن يقتدى به في هذه الحالة؛ لأن الشيعي يتبع حكمًا شرعيًا عند الشيعة في نظر السني. فهو يقتدي بمن صحت صلاته عند نفسه، وصحت صلاته عند من يعتبر ما اتبعه الشيعي حكمًا شرعيًا استنبط باجتهاد صحيح، وإن رآه غلطًا. لأن للشيعى شبهة الدليل عند السنّي، فالشيعة يستندون إلى أن كلمة {وَأَرْجُلَكُمْ} في الآية مجرورة عطفًا على رؤوسكم {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} وأن الله جعل الأعضاء قسمين فجعل اثنين مغسولين هما الوجه
واليدان إلى المرفقين، واثنين ممسوحين هما الرأس والرجلان إل الكعبين. ويستندون إلى ما روي عن رفاعة في حديث المسيء صلاته قال له النبي صلى الله عليه وسلم[إِنَّهَا لا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ الله تَعَالَى فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ] وإلى ما روي عن علي رضي الله عنه أنَّه توضأ فأخذ حفنة من ماء فرش على رجله اليمنى وفيها نعله، ثم فتلها بها، ثم صنع باليسرى كذلك، ولأنه عضو يسقط في التيمم فكان فرضه المسح. فهذه الشبهة من الدليل فيها أمكانية وجود هذا اللهمَّ لغة وشرعًا من النصوص، ولذلك كان استنباط المسح استنباطًا
شرعيًا وما توصل إليه حكم شرعي في حقِّ مستنبطه عنده وعند كل مسلم قَلَّدَهُ.
وكذلك فإن الحنفية يرون أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء والشافعية يرون أن لمس المرأة ينقض الوضوء وعلى هذا فالشافعي إذا لمس المرأة انتقض وضوؤه فلا يجوز له أن يصلي بهذا الوضوء ولو صلَّى به لم تصح صلاته. والحنفي إذا لمس المرأة لم ينتقض وضوؤه، ويجوز له أن يصلّي بهذا الوضوء بعد اللمس وتصح منه الصلاة. فإذا رأى رجل شافعي رجلًا حنفيًا لمس امرأة وبعد لمسها تقدم للصلاة
إمامًا في النَّاس، فإنَّه يجوز للشافعي أن يقتدي في هذه الحالة بهذا الرَّجل الحنفي، لأن الحنفي اتبع حكمًا شرعيًا عند الحنفية من وجهة نظر الشَّافعيّ المذهب، فهو يقتدى بمن صحت صلاته عند نفسه، وصحت صلاته عند من يعتبر ما اتبعه الحنفي حكمًا شرعيًا استنبط باجتهاد صحيح، وإن رأه غلط؛ لأن للحنفي شبهة الدليل عند الشَّافعيّ. فالحنفية يستندون ال أن المراد من قوله {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} في=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الآية أو جامعتم، بدليل أول الآية، فالله يقول {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء / 43] فنهاهم الله عن قربان الصلاة وهم سكارى ونهاهم عن قربانها وهم جنب، ثم ذكر مثالًا مما يوجب الوضوء وهو {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} وذكر كذلك مثالًا مما يوجب الغسل وهو {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وبين أنَّه إذا حصل ذلك ولم يوجد الماء يتيمم فاقد الماء لرفع الحدث الأصغر، ولرفع الحدث الأكبر، أي يسد التيمم مسد الوضوء والغسل، وعلى ذلك يكون المعنى المراد في هذه الآية من {أَوْ لَامَسْتُمُ} الجماع وليس اللمس باليد، ويستندون إلى حديث حبيب بن ثابت عن عروة [أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأ] [1] وإلى حديث عائشة قالت: افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم في الفراش فقمت أطلبه فوقعت يدي على أخمص قدميه فلما فرغ
من صلاته قال: [أتَاكِ شَيْطَانُكِ][2] ولو انتقض وضوؤه لقطع الصلاة. وإلى حديث عائشة في الصحيحين [أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَهَا فَقَبَضَتْهَا] وفي رواية [فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ][3]. فهذه الشبهة من الدليل فيها أمكانية وجود هذا الفهم لغة وشرعًا من النصوص. ولذلك كان استنباط أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء استنباطًا شرعيًا، وما توصل إليه حكم شرعي في حق مستنبطه عندهُ وعندَ كل مسلم قَلَّدَهُ.
وعلى ذلك كان الإقتداء به صحيحًا والصلاة صحيحة ولذلك يحوز للسنّي أن يقتدى بالشيعى مهما خالفه في الأفكار والأحكام، ويجوز للشيعى أن يقتدي بالسنِّي مهما خالفه في الأفكار والأحكام، كما يجوز للشافعي أن يقتدي بالحنفى مهما خالفه في الأحكام، ويجوز للحنفي أن يقتدي بالشافعي مهما خالفه في الأحكام ما دام السبب في البحث والدافع له الإيمان بالعقيدة الإسلامية.
[1]
الحديث عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة. قال البيهقي: أما إنَّ سُفيانَ الثَّوريّ كان أعلمَ الناسِ بهذا؛ زعَمَ أنَّ حبيبًا لم يسمَعْ من عُروةَ شيئًا. وقال بسندهِ عن عليِّ بن الْمَدِيْنِيِّ قال: سمعتُ يحيى وذُكِرَ عندهُ حديث الأَعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة: تُصَلِّي وَإِن قَطَرَ الدَّمُ =
أَوْ تَعَطَّلِ مَسْجِدٍ قَرِيبٍ لِغَيْبَتِهِ، أي لكرنه إمامًا أو يحضر النَّاس بحضوره فقليل الجمع أَوْلَى.
فَرْعٌ: لو كانت جماعة بيته أكثر من جماعة المسجد، قال الماوردي: فالمسجدُ أوْلَى، وقال أبو الطِّيب: بَيْتُهُ أوْلى.
وَإدْرَاكُ تَكْبيِرَةُ الإِحْرَامِ فَضِيلَةٌ، لما ورد في ذلك من الْحَثِّ (590)، وَإنَّمَا تَحْصُلُ
= عَلَى الْحَصِيْرِ؛ وَفِي الْقُبْلَةِ، قال يحيى: إِحْكِ عَنِّي، إِنَّهُمَا شِبْهُ لَا شَيْءَ.
إنتهى من قول البيهقي. قُلْتُ؛ وكان الأمر عند هؤلاء الرواة مختلطٌ فسدَ ضبطُهُ أو ضعفت الهمَّةُ عنه. وقال البيهقي أَيضًا: ورويَ عن الثوريِّ أنَّه قالَ: ما حَدَّثَنَا حبيبُ إلَّا عن عُرْوَةَ المُزَنِيِّ، يعني لم يُحَدِّثهُمْ عن عُروة بن الزبيرِ بشيء. وقال: عروةُ المزنيُّ مجهولٌ. إنتهى. نقلت من السنن الكبرى للببهقى: كتاب الطهارة: الحديث (614). وقول أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب الوضوء من القُبْلَةِ: الحديث (180).
[2]
حديث عائشة صحيح في رواياته؛ ولكن قوله: [أتَاكِ شَيْطَانُكِ] غير مذكور في الروايات المشهورة. وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى: كتاب صفة الصلاة: باب في ضم العقبين في الصلاة: الحديث (2778) بلفظ [يَا عَائِشَةُ، أَخَذَكِ شَيْطَانُكِ] فَقُلْتُ: أَمَا لَكَ شَيْطَانٌ؟ فَقَالَ: [مَا مِنْ آدمِيٍّ
إِلَّا لَهُ شَيْطَانٌ] فَقُلْتُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: [وَأَنَا؛ وَلَكنِّي دَعَوْتُ الله عَلَيْهِ؛ فَأسْلَمَ]. وفي رواية حديث عائشة: [فَوَقَعَتْ يدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ]: رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب ما يقال في الركوع والسجود: الحديث (222/ 486). وأبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب الدعاء في الركوع والسجود: الحديث (879) وفيه: [وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ؛ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ؛ أَنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ].
[3]
رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب الصلاة: باب هل يغمز الرَّجل امرأته عند السجود؟ الحديث (519).
(590)
لحديث أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ صَلَّى أَرْبَعِيّنَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ، يُدْرِكُ التَّكْبِيْرَةَ الأُوْلَى، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ] رواه=
بالإِشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إِمَامِهِ، أي من غير وسوسة ظاهرة فَإِنْ أَخَّرَ لَمْ يُدْرِكْهَا، وَقِيلَ: بإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ؛ لأنه محل التكبيرة الأولى، وَقِيلَ: بِأَوَّلِ رُكُوعٍ، لأَنَّهُ مُعْظَمُهَا، وبهِ جَزَمَ القفال في فتاويه واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ](591)، وَالصَّحِيحُ إِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ، أي وإن لم يجلس معه؛ لأنه قد أدرك معه مَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ، وهو النِيَّةُ، وتكبيرةُ الإِحْرَامِ، والثاني: لا يُدرك إلَّا بركعة إذ دُونَها لا يُحْسَبُ من صلاتهِ، نعم لو اقتدى مَن يُصَلِّي الفرض بِمَنْ يُصَلِّي على الجنازة لا تنعقد صلاتهُ بالجماعة على الصحيح، كما ذكره في آخر الباب، وكذا لو اقتدى به وهو لها سجود التلاوة.
وَلْيُخَفِّفِ الإِمَامُ مَعَ فِعْلِ الأَبْعَاضِ وَالْهَيئَاتِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ
فَلْيُخَفِّفْ] متفق عليه (592)، إِلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ، أي فإنَّه لا يُكره
= التِّرْمِذِيّ في الجامع: أبواب الصلاة: ما جاء في فضل التكبيرة الأولى: الحديث (241) وفيه نظر؛ قال ابن الملقن رحمه الله في تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج: النص (508)؛ قلتُ: هذا من باب الفضائلِ فَيُتَسَامَحُ فيه. إهـ.
(591)
الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [مَنْ أَدْرَكَ رَكعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أدْرَكَ الصَّلَاةَ] رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب مواقيت الصلاة: باب من أدرك من الصلاة ركعة: الحديث (580). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب من أدرك الركعة: الحديث (161/ 607). وفي لفظ عند مسلم: [فَقَدْ أدْرَكَ الصَّلَاةَ كُلَّهَا]: الحديث (162). ومفهومه ما نقله ابن حجر قال: عن الثَّوريّ وزفر: إذا كَبَّرَ قَبْلَ أن يرفع الإمام رأسه أدرك إِنْ وضع يديه على ركبتيه قَبْلَ رَفع الإمام، وعن أبي العالية: إذا أدرك السجود أكمل بقية الركعة معهم، ثم يقومُ فيركع فقط وتجزيه. إهـ. فتح الباري شرح صحيح البُخَارِيّ: شرح الحديث (580). والسجدة هي الركعة، لما جاء عن أم المومنين عائشة رضي الله عنها [وَالسَّجْدَةُ إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَةُ] رواه مسلم لها الصحيح: الحديث (164/ 609)
(592)
الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [إِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنهُمُ الضَّعِيْفَ وَالسَّقِيّمَ وَالكَبِيرَ. وَإِذَا صلى أحَدُكُمْ لِنَفسِهِ فَليُطَوِّلْ مَا شَاءَ] رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (703). ومسلم في الصحيح: =
التطويل حينئذ لانتفاء العلَّة، وعبارة الروضة لا بأس به، وحكى الدَّارميّ وجهين في استحباب التطويل والحالة هذه، وحكى أَيضًا وجهين فيمن صلى منفردًا لنفسه هل التطويل أفضل، وَيُكْرَهُ التَّطوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ، للإضرار بالمأمومين وللتقصير بالتأخير، وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ أَوِ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ بِدَاخِلٍ لَمْ يُكْرَهِ انْتِظَارُهُ فِي الأَظْهَرِ، ليدرك الأولُ الركعةَ، والثاني فضلَ الجماعةِ، والثالث: يكره لما فيه من الإضرار بالمأمومين، فإن كان خارج المسجد فلا ينتظره قطعًا، وهو يخرج بقوله:
داخل (593)، إِنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ، أى فإن بالغ كُره قطعًا، وَلَمْ يُفْرِقْ بِيْنَ الدَّاخِلِينَ، أي بل يقصد به التقرب إلى الله تعالى لا التودد إلى الداخل. قُلْتُ: الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ أَفْضَلُ، وَالله أَعْلَمُ، لما سبق، قال في شرح المهذب: وهو الأصح عند الأكثرين، وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا، أى في غير الركوع والتشهد الآخر لعدم الحاجة إليه، قال في شرح المهذب: بل يُكره، قال: وإذا انتظر وطَوَّلَ لا تبطلُ، قُلْتُ: يستثنى منه الاعتدال لما تقرر في موضعه.
وَيُسَنُّ لِلمُصَلِّي وَحْدَهُ وَكَذَا جَمَاعَةً فِي الأَصَحِّ إِعَادَتُهَا مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا، لعموم قوله-صلى الله عليه وسلم:[إِذَا صَلَّيْتمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ فَإنهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ] قاله لرجلين لم يُصليا معه صلاةَ الصُّبح، وإنما صلياها في رحلهما، صححه التِّرْمِذِيّ والحاكم (594)، والثاني: لا يُسَنُّ فيما إذا صلى جماعة، ونقله القرطبي
= كتاب الصلاة: الحديث (183/ 467) وفيه: [إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ].
(593)
لحديث أبي مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطيلُ بِنَا فلَان فِيْهَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَيتُهُ غَضِبَ في مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ. ثُمَّ قَالَ: [يَا أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِيّنَ، فَمَنْ أمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيّفَ وَالْكَبِيّرَ وَذَا الْحَاجَةِ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (704). ومسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (182/ 466).
(594)
عن جابرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأسْوَدِ العَامِرِيّ عَنْ أبِيهِ؛ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَجَّتَهُ، فَصَلَّيتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَانْحَرَفَ، إِذَا هُوَ=
في تفسيره عن الشَّافعيّ لحصول فضيلة الجماعة فلا معنى للإعادة بخلاف المنفرد (595)، وهذا إذا كان الوقت باقيًا، فأما بعد فواته فلا يُستحب قطعًا، قاله صاحب المعين، ويلزم على هذا عدم استحباب إعادة المغرب تفريعًا على الجديد المشهور في وقتها، وسواء وقت الكراهة وغيره، على الأصح، نعم في الدارقطني عن ابن عمر رفعه، [مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فَلْيُصَلِّ إِلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ] أُعِلَّ بالوقف، وقال عبد الحق: الذي وصله ثِقَة (596). وفي التِّرْمِذِيّ عن الشَّافعيّ أنَّه إذا أعاد المغرب شفعها بركعة (597) وهو نَصٌّ غريبٌ، وهو في الجديد كما بَيَّنَهُ في آخر جامعه، وأطلق
= برَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ! فَقَالَ: [عَلَيَّ بِهِمَا] فَجِيْءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ:[مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ ] فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّينَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ:[فَلَا تَفْعَلَا؛ إِذَا صَلَّيتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أتَيْتُمَا مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ؛ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب فيمن صلى في منزله: الحديث (575). والترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما جاء في الرَّجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة: الحديث (219) واللفظ له.
وقال: حديث يزيد بن الأسود حديث حسن صحيح. والحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (892/ 219) وصحَّحه، ووافقه الذهبي.
(595)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: تفسر الآية 43 من سورة البقرة: المسألة الخامسة عشرة: ج 1 ص 351.
(596)
أخرج الإمام مالك في الموطأ عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان يقول: (مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوِ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الإِمَامِ؛ فَلَا يَعُدْ لَهُمَا) رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب صلاة الجماعة، باب إعادة الصلاة مع الإمام: ج 1 ص 133: الحديث (12) من الباب، وقال: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الإِمَامِ مَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ. إِلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ إِذَا أَعَادَهَا كَانَتْ شَفْعًا. إهـ. ومع أن إسناده صحيح، لكنه موقوف على ابن عمر رضي الله عنهما؛ ويرده حديث يزيد بن الأسود العامري وقد تقدم.
(597)
قال الترمذي: قالوا: (إذا صلى الرَّجل وحده ثم أدرك الجماعة فإنَّه يُعيد الصلاة كلها في الجماعة، وإذا صلى الرجل المغرب وحده ثم أدرك الجماعة، قالوا: فإنَّه يصليها معهم ويشفع بركعة، والتي صلى وحده هي المكتوبة عندهم) في الجامع الصحيح: =
المصنف الإعادة، ومراده بها الاداء لا المصطلح عليه في الأصول، ويستثنى مما نحن فيه صلاة الجنازة، فإن من صلاها لا يعيد على الصحيح كما ذكره في بابهِ.
فَرْعٌ: وَيُسَنُّ للمصلي وحده إعادتُها مع مُنْفَرِدٍ أَيضًا.
وَفَرْضُهُ الأُوْلَى فِي الْجَدِيدِ، لسقوط الخَطَّاب بها، والقديم أنَّه إحداهما لا بعينها والله تعالى يحتسب بما شاء منهما، وربما قيل: يحتسب بأكملهما (598)، وَالأَصَحُّ، أي على الجديد أن فرضه الأولى (599)، أَنّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ؛ لأنه إنما اسْتُحِبَّتِ
= أبواب الصلاة: في تعليقه على الحديث (219): ج 1 ص 427.
(598)
لِقَوْل ابْنِ عُمَرَ لِلرَّجُلِ الَّذِي سَألَهُ فَقَالَ: إِنّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ أَدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الإِمَامِ، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتيِ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَوَ ذَلِكَ إِلَيْكَ؟ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ! . رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب صلاة الجماعة: باب إعادة الصلاة مع الإمام: الحديث (9) من الباب.
(599)
للنص من حديث يزيد بن الأسود العامري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ] وقد تقدم. ولحديث يزيد بن عامر، قال: جِئْتُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ، فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَرَأَى يَزِيْدَ جَالِسًا؛ فَقَالَ: [أَلَمْ تُسْلِمْ يَا يِزِيْدُ؟ ] قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ:[فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ؟ ] قَالَ: إِنِّى كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأنَا أَحْسَبُ أَنْ قَدْ صَلَّيتُمْ. فَقَالَ: [إِذَا جِئْتَ إلَى الصَّلَاةِ، فَوَجَدْتَ النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ، تَكُنْ لَكَ نَافِلَةً وَهَذِهِ مَكْتُوْبَةً] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة: الحديث (577) والحديث إسناده حسن. قال ابن الملقن في التحفة: رواه أبو داود بإسناد كل رجاله ثقات حتَّى نوح بن صعصعة، فإن ابن حبان ذكره في الثِّقات وإن جهله ابن القطَّان، لكن قال البيهقي؛ ما مضى أشهر وأكثر. قاله في التحفة: الحديث (516). ونقل عبد الله بن
سعاف اللحياني تخريج الألباني للحديث فقال: وذكره الألباني في ضعيف الجامع الصغير: 1/ 168 - 169 وقال: ضعيف. ثم ذكره في المشكاة: 1/ 363 - 364 وقال: إسناده صحيح وصححه جماعة ذكرتهم في صحيح السنن (490). وظني - أي عبد الله =
الإعادةُ جماعةً ليحصُلَ لَهُ ثوابُ الجماعة في فرض وقته حتَّى يكون بمنزلة من صلَّاها جماعة من الأَول فهو للتقدير مصلٍّ أولًا، والثاني: يتخير بينه وبين أن يطلق النية: وَالْوَجْهُ كما قال الإمامُ أن ينوي الظهر أو العصر، ولا يتعرض للفرضية؛ لأن الأمر مع اعتقاد وقوع خلافه محال، وأجاب القاضي عن الأدلة بأن المقدور وقوعه أولًا إنما هو صفة الجماعة فقط وحينئذ فتتعين الثَّانية نفلًا (600).
وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا، يعني الجماعة، وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ، لتأكدها، إِلَّا بِعُذْرٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ سَمِعَ النِّدَاء فَلَمْ يَأْتِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ] رواه ابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم (601)، عَامٍّ كَمَطَرٍ، لحديث ابن عباس فيه في الصحيحين (602)،
= بن سعاف يقول- أن الأخير وهم من المطابع. والله أعلم. إهـ. من تعليقه على تحفة المحتاج لابن الملقن: ج 1 ص 443 في الهامش (2). فقلت: والراجح قول ابن الملقن رحمه الله، مع أن الحديث غير مشهور، إلَّا أنَّه يوجد ما يعضده من الشواهد. والله أعلم.
(600)
إذا ترجَّح حديث يزيد بن عامر في صحته، وهو كذلك إن شاء الله تعالى ثم حديث يزيد بن الأسود العامري، فإن الأصل كما جاء في النصين ولا تكلف. والنيه معقودة على أن المكلف صَلَّى الفرضَ في رحلهِ أو بيتهِ، وأدرك الجماعة فكانت صلاته مع الجماعة نافلةً لَهُ. والله أعلم.
(601)
رواه ابن ماجه في السنن: كتاب المساجد والجماعات: باب التغليظ في التخلف عن الجماعة: الحديث (793) عن ابن عباس رضي الله عنهما. وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب فرض الجماعة: ذكر الخير الدال على أن هذا الأمر حتم لا ندب: الحديث (2061) والحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (894/ 221) وذكر له شواهد وألفاظ؛ وصححه ووافقه الذهبي.
(602)
الحديث عن عبد الله بن الحارث قال: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمِ ذِي رَدْغٍ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ [حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ] قَالَ:(قُلْ [الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ] فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، كَأَنَّهُمْ أنْكَرُوا، فَقَالَ: كَأَنَّكُمْ أنْكَرْتُمْ هَذَا! إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي - يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا عَزْمَةٌ، وَإِنِّى كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ) وفي لفظ: (كَرِهْتُ أَنْ أُوْثِّمَكُمْ، فَتَجِيْئُونَ تَدُوسُونَ الطِّيْنَ إِلَى رُكَبِكُمْ) رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب الأذان: باب هل يصلي الإمام بمن حضر؟ : الحديث (668) وأطرافه في (616) =
والثلج إن بَلُّ الثوب عذر أيضاً، أوْ رِيحٍ عَاصِفٍ بِاللَّيْلِ، لما فيه من المشقة، وَكَذَا وَحَلٌ شَدِيدٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لأنه أشق من المطر (603)، والثاني: أنه ليس بعذر لأنه يمكنه التحرز عنه بالخفاف والأحذية ونحوهما، وأطلق في تحقيقه الوحل ولم يخصه بالشديد، أَوْ خَاصُّ كَمَرَضٍ، لأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض ترك الصلاة بالناس أياماً كثيرةً، والمعتبرُ فيه مشقة الماشي في المطر، وَحَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ، لأنهما في المشقة كالمطر وعدهما في الروضة من الأعذار العامة، وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَينِ وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامِ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ]، رواه مسلم (604)، كما تقدم في أخر شروط الصلاة، وَخَوْفِ ظَالِمٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ مُعْسِرٍ، لعظم مشقتها، وقوله (غَرِيْمٍ مُعْسِرٍ) هو بإضافة غريم إلى معسر، قُلْتُ: وهو ظاهر فيما إذا لم يكن بَيِّنَةً على إعساره أو كانت؛ وَعَسُرَ الإِثْبَاتُ، وَعُقُوبَةِ يُرْجَى تَرْكُهَا إِنْ تَغَيَّبَ أيَّاماً، أي كالقصاص؛ لأنه يشرع العفو عنه، أما إذا لم يُرْجَ كالسرقة والزنا؛ فلا، وَعَرِيٍّ، أي وإن وجد ما يستر عورته، لأن عليه مشقة في تبدله بالمشي في غر ثوب يليق به، وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرِ مَعَ رُفْقَةِ تَرْحَلُ، للمشقة في التخلف عنهم للجماعة، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثَّوْمَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ]، رواه مسلم (605)،
و(901). ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (26/ 699).
(603)
لحديث مالك عن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذْنَ بِالصَّلَاةِ -فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدِ وَرِيْحٍ- ثُمَّ قَالَ: أَلَا صَلَّواْ فِي الرَّحَالِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ الْمُوَذَنَ -إِذَا كَانَتْ
لَيْلَةً ذَاتَ بَرْدٍ وَمَطَرٍ- يَقُولُ: [أَلَا صَلَّواْ فِي الرَّحَالِ]. رواه البخارى في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (666). ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (22/ 697).
(604)
تقدم في الرقم (486).
(605)
عن جابر قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا، فَقَالَ: [مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتَنَّةِ، فَلَا يَقرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ =
وفي رواية للطبراني الفجل أيضاً (606)، ويحرم عليه الحضور والحالة هذه كما صرح به ابن المنذر في الاقناع، واحترز بالكريهة عما إذا طبخت، والمعذور يأكل هذه الأشياء للتداوي بعذر، كما صرح به ابن حبان في صحيحه (607)، وهو معدودٌ من أصحابنا، ولا يبعد أن يلتحق بما في الحديث من به بَخْرٌ أو جراحة لها رائحة كريهة، وكذا الجذامُ والبرصُ نسأَلُ اللَه العَافِيَةَ (608).
تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (72/ 564)
(606)
الحديث عْن جابر؛ أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قالَ: [مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْخَضْرَاوَاتِ: الثُّومِ، وَالْبَصَلِ، وَالْكُرَّاثِ، وَالْفِجْلِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو أدَمَ] رواه الطبرانى في المعجم الصغير: الحديث (37): ج 1 ص 45. قال الهيثمي: وفيه يحيى بن راشد البراء البصري، وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان، وقال: يخطئ ويخالف وبقية رجاله ثقات، والحديث في الصحيح خلا قوله: [وَالْفِجْلُ].
ينظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج 2 ص 17.
(607)
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها: ذكر إسقاط الحرج عن أكل ما وصفناه نيئاً مع شهوده الجماعة إذا كان معذوراً مِن علَّةٍ يُداوي بها: ج 3 ص 265: : الحديث (2092). واستدل بحديث المغيرة بن شُعْبَةَ، قَالَ: أَكَلْتُ الْثُّوْمَ ثُمَّ أَتَيْتُ مُصَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِرَكْعَةٍ، فَلَمَّا قُمْتُ أَقْضِي، وَجَدَ رِيْحَ الثَّوْمِ فَقَالَ:[مَنْ أَكَلَ مِنَ البَقْلَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا حَتَّى يَذْهَبَ رِيْحُهَا] فَقَالَ الْمُغِيْرَةُ: فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلَاةَ أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ لِي عُذْراً فَنَاوِلْنِى يَدَكَ، فَنَاوَلَنِي فَوَجَدْتُهُ وَالله سَهْلَا فَأَدْخَلْتُهَا فِي كُمِّي إِلَى صَدْرِي فَوَجَدَهُ مَعْصُوباً، فقَالَ:[إِنَّ لَكَ عُذْراً].
(608)
مَبْحَثٌ اَلْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي أَكْلِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ وَإِتْيَانِ الْمَسَاجِدِ:
إن كراهة أكل ذي ريح كريه وإتيان المساجد يتنافى والذوق؛ ويأخذ حكم الكراهة التنزيهية؛ أى الذوقية لا الشرعية، وقال بها كثير من العلماء. أما قوله (ويحرم عليه الحضور والحالة هذه كما صرَّح به ابن المنذر في الإقناع) فعلى ما يبدو لي أن هذا القول مبالغ به. وليس الأمر على هذا الوجه كما حمله المصنف تبعاً لقول ابن المنذر رحمه الله.
ثم قلتُ: إن كثيراً من الناس يظنون أن البصل والثوم شجرتان خبيثتان؛ وينكرون على من يأكل منهما ويأتي إلى المسجد؛ ظناً منهم أن الملائكة تتأذى منهما؛ وأنهما =
خبيثتان أي بمعنى أن الخبيث هو الحرام. وأمرهما ليس على هذا الوجه أيضاً؛ لأن الملائكة الذين جاء ذكرهم في الحديث هم من يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجبريل خاصة كما جاء في الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأما الخبيث الذى ورد في صفتهما من حديث رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم فهو بمعنى المستقبح ذوقاً وهو المراد فى معنى الكراهة التنزيهية، أى المستقبح ذوقاً أكلهما وإتيان المساجد أو المجالس. ولبيان التفصيل فى المسألة، تعرضنا لبحثهما على وجه يجمع النصوص في الباب ليتضح معناها للمتفقه، وبالله التوفيق:
* أما دلالة الخبيث فى النصوص الواردة فى أكل الثوم والبصل والكراث، فإنهما بما يدخل في الإرشاد إلى مفهوم الكراهة التنزيهية لفعل إتيان المساجد لمن أكل منها.
والكراهة التنزيهية هى من متعلقات الحالة النفسية للذوق أو النفع والضر الماديين.
وفي هذا المفهوم تفصيل يلاحظ:
أنه ليس بالضرورة أن معنى الخبيث هو الحرام، لا فى عرف اللغة ولا في عرف الشريعة أيضاً.
يأتى الخبيث في اللغة ليفيد معنى الردئ، ويوصف به الشئ والفعل، ويقابله الجيد؛ ويأتي بمعنى ما تنقبض به النفس، وهو ضد الطيب؛ فلا يستحسن ذوقاً؛ ولهذا تسمى الحنظل بالشجرة الخبيثة لأنها مرة المذاق وتتطير النفس من مرارتها فتنقبض ضد ما تطيب النفس من مذاقه كالتفاح مثلاً.
أما في عرف الشريعة، فإن الخبيث يأتي على معاني ثلاثة، الخبيث بمعنى الردئ الذي يقابله الجيد المستحسن بنفعه، أي يقابله الشئ النافع المفيد، وهذا من حيث واقع الشئ ما هو، ويأتى الخبيث بمعنى المستكره ذوقاً وهو ما لا تستسيغه النفس وتستقبحه بالفطرة، ويقابله الحسن المستعذب، وهذا المعنى يأتى من جهة تقرير طبع الإنسان وميل نفسه للأشياء. ويأتى الخبيث بمعنى الحرام وهو ما يترتب على فعله الإثم وبتركه يتحقق الثواب بإذن الله؛ وهذا هو المفهوم المتحقق للأشياء المحرمة شرعاً، وقد يرد الخبيث شرعاً بمعنى السم للتحذير منه؛ وهو تقرير للمعنى الأول بالنسبة لما يتحقق منه الضرر غالباً إن لم يحسن استعماله، وهذا المعنى الثالث يقابله الطيب الذي بمعنى الحلال.
* وفي المعنى الأول، قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة / 267].
وهنا الخبيث بمعنى الردئ والدون، وهو ما يقابل الجيد والمرغوب فيه والمطلوب منه. والدليل على هذا المعنى أنه المراد في النص، ما جاء عن أبي امامة بن سهل بن حنيف فى تفسير المعنى قال: هو الجُعْرور ولَوْنُ حُبيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذا في الصدقة؛ هذه رواية النسائي، وعند الدارقطني: عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقه، فجاء رجل من هذا السَّخَلِ بكبائس- قال سفيان: يعى الشَّيْصَ- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جاء بهذا؟ وكان لا يجئ أحد بشئ إلا نسب إلى الذى جاء به. فنزلت: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} . قال: ونهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة. قال الزهرى: لونين من تمر المدينة [1].
أما الجُعرور فهو ضرب ردئ من التمر يحمل رطباً صغاراً لا خير فيه. وحُبَيْق نوع ردئ من التمر منسوب إلى ابن حبيق وهو اسم رجل. والسُحَّل الرطب الذي لم يتم إدراكه وقوته.
ويعضد هذا المعنى من تفسير النص، بأن دلالة الخبيث هنا بمعنى الردئ أو الأدنى قوله تعالى:{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة / 61] وذلك عندما سأل بنو إسرائيل موسى عليه السلام أن يخرج لهم من بقولات الأرض ومنها الثوم والبصل والعدس؛ فسمى الله الأدنى بالخبيث، فيلاحظ والله أعلم.
ويأتي في سياق هذا المعنى للخبيث قوله تعالى: {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء / 2] أى لا تأكلوا من مال اليتيم الشاة السمينة وتعوضوه بالهزيلة، ولا تأخذوا الدرهم الجيد الكامل والدينار وتعطوه الذي قد هلكه الاستعمال أو زيِّف من أثره كما كان أهل الجاهلية يصنعون بأخذ الطيب والجيد من أموال اليتامى ويبدلونه بالردئ من أموالهم.
* أما المعنى الثاني للخبيث؛ وهو ما لا تستسيغه النفس وتستقبحه بالفطرة ويستكره ذوقاً، الذى يقابله الحسن ذوقاً المستعذب، وهو أيضاً ما يتقرر بالطبع الفطري للإنسان وبصفته البشرية وخواصها الشعورية فيها. قال تعالى:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف / 58]. يشيع سياق النص دلالة الارتياح واستعداد النفس لتقبل حال مستعذب في مناخ البلد الطيب، وهو ما يقابل العسر الممتنع في دلالة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= معنى (النكد) فالصورتان الحسيتان تعطيان معنى مدركاً في الذهن بالمتقابل في الطيب المستعذب بالنفس، والنكد العسر الممتنع وما تقبض النفس منه، فيكون معنى الخبيث فى سياق النص، بما لا تستسيغه النفس وتكرهه.
* أما المعنى الثالث، فهو ما يأتى بالقرينة التي تجعل الإثم على الشيء أو الفعل أو تجعل في تركه حصول الإثم واستحقاق العقوبة وفي فعله الاستحسان وحصول الأجر، فبالقرينة يصير الشئ في دائرة الطيبات أو في دائرة الخبائث، فكأن إيمان الإنسان وإسلامه لرب العالمين جعله ينصهر في الطاعات ويشمئز من المعصيه، ويستحسن ما حسَّنه الشرع وتطيب نفسه له، ويستقبح ما قبحه الشرع فتخبث نفسه له، فصرف دلالة المعنى اللغوي والمفهوم للكلمة في لسان العرب إلى مفهرم شرعي تحتمه العقيدة ويفرضه الإيمان بها. قال تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ
الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة / 100]، فالخبيث هنا الحرام والطيب الحلال لقرينة اتقوا الله في النص وحصول الفلاح للمتفكرين المستعملين عقولهم في الانصهار في الفكر والمعتقد والاتباع، فيحدث التسامي النفسي والرقة والإرهاف في حسهم وشعورهم وفكرهم في ضرورات تقصد الطاعة على البديهة من غير تكلف، والسجية من غير تنطع، والفطرة من غير عَسر ممتنع.
ومن هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف / 157] فأوجز ما يحصل في النفس من استساغة الحلال وامتناع الحرام مقروناً بدوافع التقوى ومقاصد طلب الرضوان.
* أما الخبيث بمعنى السُّم فقد جاء في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه فال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث؛ يعني السم. والمعنى واضح لأن السُّمَّ لا يصلح للتداوى إذ
يحصل به القتل، لهذا جاء في الحديث:[وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ][2]؛ فيكون الدواء الخبيث هو السم لأنه عالج به قتل نفسه. أما مجرد شرب السم فليس بحرام على الإطلاق، لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا ركَّب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع، فدخوله مع غيره في الخلطة يخرجه عن حال كونه سماً إلى حال كونه دواءً.
وبناءً على ما تقدم تظهر دلالة الخبيث في حديث البصل والثوم، بأن المراد هو المستكره ذوقاً والذى لا تستسيغه النفس، أو تتأذى منه الأنوف عند شمه. وبخاصة أن هذه المعانى جاءت في نص الأحاديث في الباب؛ إذ ورد تتأذى، أو أكرهه، وحتى =
وَحُضُورِ قَرِيبٍ مُحْتضَرٍ، لأنه يتألم بغيبته عنه أكثر مما يتألم بذهاب المال، وفي معنى القريب الزوجة والمملوك والصهر والصديق، أَوْ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهدِ، لأن حفظ الآدمي أفضل من حفظ الجماعة، وسواء خاف عليه الهلاك أم لم يخف، أَوْ يَأْنَسُ بِهِ، أي القريب مع المتعهد بخلاف الأجنبى، قُلْتُ: ومن الأعذار العامة الزلزلة، والخاصة غلبة النعاس والنوم، ومن الأعذار السمن الْمُفْرِطُ الذي يمنع المرء من حضور الجماعة قاله ابن حبان في صحيحه (609)، وذكر أصحابُنا في الْقَسْمِ أَنَّهُ لا بخرج ليلاً من عند الزوجة لصلاة الجماعة، وسائر أفعال البر لأَنَّهَا مَنْدُوبَاتٌ وَحَقُّهَا وَاجِبٌ.
يذهب ريحه، وبين معالجة الرائحة بالطبخ. فيبقى الحكم الشرعي في أكل الثوم والبصل على الإباحة الشرعية، أما فعل الذهاب إلى المسجد لمن أكل الثوم والبصل بما يظهر أثره في ريح فمه أو جسمه، فإنه يصرف إلى الكراهة التنزيهية بما لا يخرج الفعل عن حكم الأصل في الإباحة؛ لأن الكراهة التنزيهية كراهة نفسية وذوقية وهى تدخلْ في فعل خلاف الأولى من المباح. وهذه مسألة في تحقيق مفهوم الكراهة التنزيهية في أصول الفقه.
[1]
حديث أبي أمامة أخرجه أبو داود: كتاب الزكاة: باب ما لا يجوز من التمرة في الصدقه:
الحديث (1607). والنسائي: السنن: باب قوله عز وجل {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} : ج 5 ص 43 ولفظه: [فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ في الصدقه الرُّذالة]. والدارقطني: السنن: كتاب الزكاة: باب في قدر الصدقة فيما أخرجت الأرض وخرص الثمار: الحديث (11، 12، 15، 14، 13): ج 2 ص 130.
[2]
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه: أبو داود: السنن: كتاب الطب: باب الأدويه المكروهه: الحديث (3870). والترمذي: الجامع: كتاب الطب: باب ما جاء فيمن قتل نفسه بسم أو غيره: الحديث (2045). قال أبو عيسى يعني السُّم. ابن ماجه: السنن؛ كتاب الطب: باب النهي عن
الدواء الخبيث: الحديث (3459).
(609)
عن أنس بن سيرين قال: سمعت أنس بن مالك قال: (قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ؛ وَكَانَ ضَخْماً؛ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ؛ فَلَوْ أَتَيْتَ مَنْزلِي؛ فَصَلَّيْتَ فِيهِ فَأَقْتَدِي بِكَ؟ فَصَنَعَ الرَّجُلُ لَهُ طَعَاماً وَدَعَاهُ إِلَيْهِ، فَبَسَطَ لَهُ طَرَفَ حَصِيْرٍ لَهُمْ؛ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ: فَقَالَ فُلَانُ ابْنُ الجارُودِ لأَنَسٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلَاّهَا غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ) رواه ابن حبان في صحيحه، ينظر الإحسان: باب فرض الجماعة الأعذار التي تبيح تركها: ذكر العذر الرابع: وهو السمن المفرط: الحديث (2067).
فَصْلٌ: لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلاتهِ، أي كمن علم بحدثه أو كفره، لأنه لا صلاة له فكيف يقتدى به، أَوْ يَعْتَقَدُهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ أَوْ إِنَائَيْنِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ، أي بأن كانت الأواني ثلاثة مثلاً، والطاهر منها اثنان واعتقد طهارة إنائه ولم يغلب على ظنه شيء من حال الآخرين، فَالأَصَحُّ الصِّحَّةُ مَا لَمْ يَتَعَّينْ إِناءُ الإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ، أي وهو اقتداؤه بالثالث في هذه الصورة، والثاني:
لا يجوز الاقتداء بواحد من صاحبيه، لأنه متردد فى المستعمل للنجس منهما، والثالث: يصح الاقتداء بالأول إن اقتصر عليه، فإن اقتدى ثانياً لزمه إعادتهما للاشتباه، فَإِنْ ظَنَّ طَهَارَةَ إِنَاءِ غَيْرِهِ اقْتَدَى بِهِ قَطْعاً، لانتفاء المحذرر، فَلَوِ اشْتَبَهَ خَمْسَةُ فِيهَا نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةِ فَظَنَّ كُلٌّ طَهَارَةَ إِنَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، أي ولم يظن شيئاً من أحوال الأربعة، وَأَمَّ كُلُّ فِي صَلَاةِ، أي مبتدئين بالصبح مثلاً، فَفِي الأَصَحِّ، أي السابق في المسألة قبلها، يُعِيدُونَ العِشَاءِ، لأن بزعمهم تعينت النجاسة في حق إمامها، إِلَاّ إِمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ، لأن الصبح صحت له، وكذا الظهر والعصر عند أئمتها وهو متطهر بزعمه، فتعينت هذه النجاسة في حق إمام المغرب، والعبارة الشاملة أن كُلاًّ منهم يعيد ما كان مأموماً فيه أخراً، والثاني: أن كل واحد منهم يعيد الأربع الى كان مأموماً فيها.
وَلَوِ اقْتَدَى شَافِعِيُّ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ أَوِ افْتصَدَ فَالأَصَحُّ الصَّحَّةُ فِي الْفَصْدِ دُونَ الْمَسً اعْتِبَاراً بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي، لأنه محدث في اعتقاده في المس دون الفصد، والثاني: عَكْسُهُ؛ لأن صلاته والحالة هذه صحيحة في نفسه وخطؤه عندنا غير مقطوع به، وقال الأودنيُّ والحليميُّ واستحسنه الرافعي: إذا أَمَّ ولي الأمر أو نائبه فترك البسملة والمأموم يرى وجوبها صحت صلاته خلفه عالماً كان أم عامياً وليس
له المفارقة لما فيه من الفتنة (610)، وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ، أي في حال قدرته؛ لأنه
(610) مَبْحَثٌ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ تَصِحُّ خَلْفَ الإِمَامِ مَا دَامَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ:
* صلاة الإمام في الجماعة صحيحة ما دام متلبساً بحكم شرعي فى حقه وإن خالف =
متبنى المأموم، كأن يكون الإمام حنفياً والمأموم شافعياً، أو العكس؛ فليس الجامع من أمر الصلاة بينهما ما ينقض بناء الصلاة بالوصف التعبدي وطريقته الشرعية.
ولا اعتبار لنيه المقتدي، لأن الأصل في فعل المكلف التقيد بالحكم الشرعي بقصد العبادة على سبيل القربة. وكل منهما -أي الإمام والمأموم- ملتزم بالحكم الشرعي الذى غلب على ظنه من أدلته الشرعية أو باعتبار مرجعيته فى التقليد.
لهذا لا يرد اعتبار اختلافهما في المس وعلاقته في نقض الوضوء، ولا الفصل وغيرهما من المسائل الخلافية. فلا ينظر إلى فعل المقابل باعتبار نية الناظر، وإنما ينظر إلى فعله باعتبار أنه متقيد بحكم الله في حقه على ما وسعه اجتهاده في المسألة أو اجتهاد من قلده فيها، لأن الأصل في اعتباراتنا العملية الأحكام الشرعية وطرائقها، لا المتبنى عندنا من الأمور الخلافية.
*ـ أما أن المأموم لا يفارق الإمام خوف الفتنه، فهذا بعيد، لأنه لا فتنة والإمام يؤدى الصلاة بشروطها وأركانها وفق متبناه الفقهي؛ أما أنه إذا أحدث في الصلاة ما لا يعرف فيها، كأن صلاها من غير ركوع أو سجود، أو أنه صلى الظهر ثلاثاً، أو إنه اتجه إلى غير القبلة، أو أنه لا يركع أو لا يسجد، فإن صلاته ومن معه باطلة لا محالة. فليس الموضوع موضوع مفارقة أو عدمها، وإنما هو يصلي بطريقته لا بهدي سيدنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأيُّ فتنة أكبر من ذلك.
* أما إذا كان الإمام متغلباً أو من البغاة على الإمام الذى ترضاه الأمة وهو كان ولي أمرها بالبيعة، فإن المتغلب ينظر هو ومن يوليه على الناس في إمامة الصلاة، فإن أحسن فللرعية، وإن أساء لا يشاركونه في إساءته. أخرج البخارى عن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيّ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنَ عَفْانَ رضي الله عنه وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: إِنَّكَ إمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى، وَيُصَلِّي بِنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ. فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ؛ وَإِذَا أَسَاؤُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ. رواه البخارى في الصحيح: كتاب الأذان: إمامة المفتون والمبتدع: الحديث (695).
* عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءٌ
يُؤَخَّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ أَوْ يُمِيْتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ ] قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرَنِي؟ قَالَ: [صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب كراهيه تأخير الصلاة: الحديث (238/ 648).
وأبو داود في السنن: الحديث (431). والترمذي في الجامع: الحديث (176). =
تابع لغيره وهذا إجماع، وَلَا بِمَنْ تلْزَمُهُ إِعَادَةٌ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ، أي وكذا من لم يجد ماءً ولا تراباً، وَلَا قَارئ بِأُمِّيَّ فِي الْجَدِيدِ، لأنه بصدد أن يتحمل عن المأموم القراءة لو أدركه راكعاً، والأُمِّيُّ ليس من أهل التحمُّل، والقديمُ يَصحُّ في السَّريُّةِ دون الجهريَّةِ، بناء على أن المأمومَ يقرأ في السريَّة، والصحيحُ طردُ الخلافِ مطلقاً سواء علم بحاله في الابتداءِ أو جهل، وَهُوَ، يعني الأُميُّ، مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ، ونبه بذلك على من لا يحسنها بطريق الأولى، وَمِنْهُ، أي من الأمي، أَرَتٌّ، أي بالتاء المثنات فوق المشددة، يُدْغِمُ فِي غَيْرِ مُوضِعِهِ وَأَلْثَغٌ؛ يُبَدِّلُ حَرْفاً أَيْ بِحَرْفٍ، كسين بثاء فيقول المثتقيم أو الراء بالغَين فيقول غيغ المغضوب، قال صاحب البيان أنشدي بعض شيوخي:
وَأَلْثَغٍ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ
…
فَقَالِ لِي إِثْمِي مُردَاثُ
فَعُدْتُ مِنْ لَثْغَتِهِ أَلْثَغاً
…
فَقُلْتُ أَيْنَ الْكَاثُ وَالطَّاثُ
* وعن عبادة بن الصَّامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِنَّهَا سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ تَشْغُلُهُمْ أَشْيَاءُ عَنِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا، فَصَلُّواْ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا]
فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ الله، أصُلى مَعَهُمْ؟ قَالَ:[نَعَمْ إِنْ شِئْتَ] رواه أبو داود في السنن: الحديث (433). وفي لفظ ابن مسعود رضي الله عنه: [صَلِّ الصَّلَاةَ لِمِيْقَاتِهَا، وَاجْعَلْ صَلَاتَكَ مَعَهُمْ سُبْحَةً] رواه أبو داود في السنن: الحديث (432) إسناده حسن. وفي حديث قبيصة بن وقاص: [فَصَلُّواْ مَعَهُمْ مَا صَلُّوا الْقِبْلَةَ] رواه أبو داود في السنن: الحديث (434).
* عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [سَيَأْتِي أَقْوَامٌ أَوْ يَكُونُ أَقْوَامٌ؛ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ، فَإِنْ أَتَمُّواْ فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ نَقَصُواْ فَعَلَيْهِمْ وَلَكُمْ] رواه ابن حبان في الإحسان: ذكَر أخبار عما يجب على المرء من الاقتداء بصلاة إمامه وإن كان مقصراً؛ الحديث (2225). وفي صحيح البخاري: باب إذا لم يتم الإمام: الحديث (694). وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال؛ ولكن حديث ابن حبان يشهد له. قاله ابن حجر في الفتح.
بناء على ما تقدم، فإن صلاة المأموم تصح وراء الإمام ما دام من أهل القبلة، وإن كان مبتدعاً أو مفتوناً، فالصلاة صحيحة للمأموم وعلى الإمام بدعتهُ وفتنتهُ، والله أعلم.
وأراد أن اسمه مرداس، وأراد الكأس والطاس، وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ، أي اقتداء الأمي بمثله لاستوائهما في النقصان وفيه نظر إذ لا ضرورة إليه، وَتُكْرَهُ بِالتَّمْتَامِ وَالفَأْفَاءِ، لزيادتهما على الكلمة ما ليس منها، والتمتامُ مَنْ يُكَرَّرُ التَّاءَ، والفأفاءُ بهمزتين وبالمد مَنْ يُكَرِّرُ الْفَاءَ، وَاللَّاحِنِ، أي الذى لا يغير المعنى لأنه خطأ في الإعراب كرفع هاء اسم الله، فَإِنْ غَيْرَ مَعْنَى كَأَنْعَمْتُ بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التِّعَلُّمُ، لأنه ليس بقرآن، فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إِمْكَانِ تَعَلَّمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَأُمِّيٍّ، أي فتصح صلاته في نفسه خاصة، وَإِلَاّ، أي وإن كان في غيرها، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ، لأن ترك السورة لا يبطل الصلاة فلا يمنع الاقتداء.
وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجُلِ وَلَا خُنْثَى بِامْرَأَةِ وَلَا خُنْثَى، أما امتناع قدوة الرجل بالمرأةِ فهو مذهبُ الفقهاءِ السَّبْعَةِ فَمَنْ بعدهم، وأما امتناع قدوة الخنثى بالمرأة فلجواز أن يكون رجلاً، وأما امتناع قدوة الرجل بالخنثى فلجواز أن يكون أنثى، وأما امتناع قدوة الخنثى بالخنثى فلجواز أن يكون المأموم رجلاً والإمام امرأةً، ولا يخفى أن المراد بالخنثى المشكل، ولو عُبِّرَ بقوله ذكر بدل رجل لكان أَوْلى، لأن الصبي في هذا كالبالغ نصَّ عليه في الأم، ولفظ الرجل مختص بالبالغ، ويجوز اقتداءُ النِّسْوَةِ بالخنثى اتفاقاً خلافاً لمالك، ونقله القرطبي عن أكثر الفقهاءِ (611).
وَتَصِحُّ، القدوة، لِلْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ، أي الذي لا يجب عليه القضاءُ؛ لأنه أتى عن طهارته ببدل، وَبِمَاسِحِ الْخُفِّ، لأنها مُغْنِيَةٌ عن القضاء، وَلِلْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ، للاتباع متفق عليه (612)، وَالْمُضْطَجِعِ، أي يصح اقتداءُ كُلٍّ من القائم والقاعد
(611) الجامع لأحكام القرأن: ج 1 ص 354. قُلْتُ: والبيهقي في السنن الكبري: كتاب الصلاة: باب لا يأتم رجل بامرأة.
(612)
لحديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت: [إنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ - أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ- لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَأهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ
لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، قَالَ: أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى =
بالمضطجع بالقياس على القائم بالقاعد، وَلِلْكَامِلِ، أي الْبَالِغ الْحُرِّ، بِالصَّبِيِّ، أي المميز، لأن عمرو بن سلمة كان يَؤُمُّ قومه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست أو سبع رواه البخاري (613)، وروى البزار بإسناد حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا سَافَرتُمْ فَلْيَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ وَإِنْ كَانَ أصْغَرَكُمْ، وَإِذَا أَمَّكُمْ فَهُوَ أَمِيْرُكُمْ] ثم قال: لا أعلمه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية أبي هريرة
بهذا الإسناد (614)، وفي فضائل الأوقات للبيهقي من حديث الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قالت عائشة: [كُنَّا نَأْخُذُ الصِّبْيَانَ مِنَ الكُتَّابِ لِيَقُومُواْ بِنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَنَعْمَلُ لَهُمُ الْقَليَّةَ وَالْخُشْكَنَانَجُ](615)، وَالْعَبْدِ، أي يصح اقتداءُ الْكَامِلِ
جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى وَهُوَ يَأَتَمُّ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ] هذا النص من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (687) ومن رواية عروة عن عائشة رضى الله عنها قال عروة: [فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اِسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرِ يُصُلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ يَصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ]: الحديث (683). ومسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب استخلاف الإمام: الحديث (90/ 418).
(613)
لحديث عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ الْجَرْمِيُّ، قَالَ: كَانَ يَمُرُّ عَلَيْنَا الرُّكْبَانُ فَنَتَعَلَّمُ مِنْهُمُ القُرْآنَ، فَأَتَى أَبِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:[لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا] فَجَاءَ أَبِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: [لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا]؛ فَنَظَرُواْ فَكُنْتُ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا، فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأنَا ابْنُ ثَمَانِي سِنِيْنَ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب المغازي: باب مقام النبي بمكة: الحديث (4302) وفيه: [وَأَنَاْ ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِيْنَ]. وأبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (858). والنسائى في السنن: باب إمامة الغلام قبل أن يحتلم: ج 2 ص 80 واللفظ له.
(614)
قال ابن حجر الهيثمي: رواه البزار وإسناده حسن. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج 2 ص 64؛ باب الإمامة. وفي الجزء الخامس ص 255، حكاه بلفظ:[فَيَكُونُ أَمِيْرُكُمْ] بدل [فَهُوَ أَمِيْرُكُمْ] وقال: رواه البزار وفيه من لم أعرفه.
(615)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب من زعم أنها بالجماعة أفضل: =
بِالْعَبْدِ، لأن عائشة كان يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا رواه البخاري أيضًا (616)، وَالأَعْمَى وَالْبَصِيرُ سَوَاءٌ عَلَى النَّصِّ، أي في الأُمِّ وغيره؛ لأن في الأعمى الخشوع وفي البصير اجتنابُ النجاسة التي هي شرطٌ للصحة، وفي وجه أن الأعمى أوْلى مُراعاةً للمعنى الأَول، وَوَجْهٌ آخَر أَنُّ البصيرَ أَوْلى للثاني وهو قويٌ، وَالأَصَحُّ صِحَّةُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ؛ وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ، كما يجوز قطعًا بمن استنجى بالأحجار وبمن على ثوبه أو بدنه نجاسة معفو عنها، والثاني: لا يصح لجهلها النجاسة، وصلاتهما صحيحة في نفسهما للضرورة، وأما المتحيرة فلا يصح الاقتداء بها، لأن الأصح وجوب القضاء عليها.
فَرْعٌ: لا تصح صلاة المتحيرة خلف مثلها على الصحيح، في الروضة في كتاب الحيض.
وَلَوْ بَانَ إِمَامُهُ امْرَأَةً، أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا، أي كذمي، قِيلَ: أَوْ مَخْفِيًا، أي كزنديق، وَجَبَتِ الإِعَادَةُ، لأن على الأنوثة والكفر المعلن أمارة، فهو مُقَصِّرٌ بترك البحث عنهما، وأما في الكفر المخفي فَلِتَبّيُّنِ نَقْصِهِ، لَا جُنُبًا، وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ، إذ لا أمارة عليهما فلا تقصير، وهذا في غير الجمعة، أما فيها، فسيأتي في بابه، فإن كانت ظاهرةً فيجبُ الإِعادةُ، وخالفَ في التحقيق فصحح عدمَها. قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: إِنَّ مُخْفِيَّ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ، وَاللهٌ أَعْلَمُ، فتجب إعادة صلاة المؤتم به لنقصه بالكفر، لأنه ليس من أهل الصلاة بخلاف المؤمن
الأثر (4718). والخشكنانج نوع من الكعك يُتخذ من الدقيق.
(616)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب إمامة العبد والمولى؛ ولم يوصله. ولفظه: [وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمَّهَا عَبْدُهَا ذكوانُ فِي الْمُصْحَفِ]، قال ابن حجر في الشرح: وصله أبو داود في كتاب المصاحف (مخطوط) من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمَّهَا غُلَامُهَا ذكوان فِي الْمُصْحَفِ. ووصله ابن أبي شيبة بسنده عن عائشة: أَنَّهَا أَعْتَقَتْ؛ غُلَامًا لَهَا عَنْ دبر، فَكَانَ يَؤُمُّهَا في رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ. إهـ.
وأسنده البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: الأثر (5223) والأثر (5224).
المحدث، قال في الروضة: ومع ذلك فالأقوى دليلًا أن القضاء لا يجب.
وَالأُمِّيُّ كَالْمَرْأَةِ فِي الأَصَحِّ، أي فيعيد إذا بَانَ أُميًا، والجامع النقص، والثاني: أنَّه كما لو بَانَ جنبًا، والفرق على الأول: أنَّ الحدثَ ليس نقصًا في حقه بخلاف الأُمِّيَّةِ، وَلَوِ اقْتَدَى بِخُنْثَى، أي في ظنه، فَبَانَ رَجُلًا، أي بعد الفراغ منها أو في أثنائها، لَمْ يَسْقُطِ الْقَضَاءُ فِي الأَظْهَرِ، لأنه كان ممنوعًا من الاقتداء به، وَنِيَّتُهُ غَيْرُ جَازِمَةٍ، والثاني: يسقطُ لأنه ظهر كونه رجلًا.
وَالْعَدْلُ أَوْلَى مِنَ الْفَاسِقِ، أي بالإمامة من الفاسق؛ لأنه يخاف منه أن لا يحافظ على الشروط، وَالأصَحُّ أَنَّ الأَفْقَهَ، أي وهو الَّذي لا يحفظ من القرآن غير الفاتحة، أَوْلَى مِنَ الأَقْرَإِ، أي وهو الَّذي يقرأ القرآن كله وهو قليل الفقه، لأن حاجة الصلاة إلى الفقه أهم، وهذا ما نَصَّ عليه، والثانى: أن الأقرأ أَوْلى لقوله صلى الله عليه وسلم: [وَأَحَقُّهُمْ بِالِإِمَامَةِ أقرَؤُهُمْ] رواه مسلم (617)، والجواب أن الصدر الأول كانوا يتفقهون مع القراءة فلا يوجد غالبًا قارئ إلا وهو فقيه، وَالأوْرَعِ، أي والأصح أن الأفقه أَوْلى من الأورع لما قدمناه من أن حاجة الصلاة إلى الفقه أهم، والثاني: أنَّ الأورعَ مُقَدَّمٌ
لأنه أكرم على الله، وحَدُّ الْوَرَعِ اجتنابُ الشبهاتِ والاشتهارُ بِالعبادةِ.
وَيُقَدَّمُ الأَفْقَهُ وَالأَقْرَأُ عَلَى الأَسَنِّ النَّسِيبِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُواْ فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُواْ فِي السُّنَّةِ سَوَاءً
(617) * الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا كَانُواْ ثلَاثَةٌ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب من أحق بالإمامة: الحديث (289/ 672). والنسائي في السنن: باب اجتماع القوم في موضع هم فيه: ج 2 ص 77.
* قلتُ: يستعمل لفظ القارئ بما شاع في العصور المتأخرة، من أنَّه الحافظ للقرآن، والأقرأ هو الأكثر حفظًا، والذي يبدو في أن القارئ في عصر الصحابة هو الحافظ للقرآن العالم بأحكامه وأفكاره البصير بتدبير الحال في نسق أوامره ونواهيه، ولهذا كان يطلق على مصعب بن عمير رضي الله عنه (المقرئ)، والله أعلم.
فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُواْ فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سلمًا] وفي لفظ [سِنًّا] و [لَا يَؤُمُّنُّ الرُّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذنِهِ] رواه مسلم (618)، وَالْجَدِيدُ: تَقْدِيمُ الأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ، لحديث مالك بنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكبَرُكُمْ] متفق عليه (619)، والقديم عكسه للحديث المرسل [قَدِّمُواْ قُرَيْشًا] رواه ابن أبي شيبة بِإسنادٍ صحيح (620)، والسِّنُّ المشار إليه هو الحاصل في الإسلام لا الشيخوخة، والمراد بِالنَّسَبِ نسب قريش، وكذا غيره كنسب الكُفَاةِ؛ ولم يذكر المصنف وطائفه الهجرة وهي مقدمة على السن والنسب في الجديد، فَإِنِ اسْتَوَيَا، أي في الصفات المذكورة، فَبِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، أي عن الأوساخ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ، وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا، أي مما يشبهها من الفضائل، لأنها تفضي إلى استمالة القلوب، وكثرة الجمع، وَيُقَدَّمُ حسنُ الصورة بعد حسن الصوت؛ فإن استويا في كل ذلك أَقْرِعَ، وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ، أي ملك العين، أَوْ نَحْوِهِ، أي كالإِجارة، أَوْلَى، أي إذا وجدت فيه شروط الإمامة للحديث السالف [ولا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ]، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا، أي للتقدم، فَلَهُ التَّقْدِيمُ، لأنه تصرف في ملكه، وَيُقَدَّمُ، السيد، عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ، لأن العبد والدار له، لَا مُكَاتَبِهِ فِي مِلْكِهِ، أي في ملك المكاتب لأنه المالك، وَالأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي، لأنه المستحق للمنافع، والثاني:
(618) رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب من أحق بالإمامة: الحديث (290 و 291/ 673). والترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: الحديث (235)، وقال: حديث حسن صحيح.
(619)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ: الحديث (628). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (292/ 674).
(620)
الحديث عن سهل بن أبي حثمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[تَعَلَّمُواْ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا تُعَلّمُوهَا، وقَدِّمُواْ قرَيْشًا وَلَا تُوَخِّرُوها، فَإنَّ لِلْقُرَشِيِّ قُوَّةَ الرَّجْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ].
أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف: كتاب الفضائل: باب ما ذكر في فضل قريش: النص (32376) من ج 6 ص 405.
المكرى؛ لأنه المستحق للرقبة، وهذا الوجه نسبه الرافعي إلى رواية الروياني، ونوزِعَ فيه، وقيل: إنه لم يوجد في كتبه، وَالْمُعيِرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، لملكه الرقبة واستحقاقه الرجوع في المنفعة، والثاني: المستعير؛ لأن السكنى له في الحال، وَالْوَالِي في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى مِنَ الأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ، للحديث السالف، وَنَبَّهَ بالوالي على من فوقه من سلطان وحاكم وخليفة وَيَقَدَّمُ الأَعْلَى فَالأَعْلَى.
فَرْعٌ: باني المسجد لا يكون أَحَقَّ بالإمامة والتأذين فيه، وهو وغيره سواء خلافًا لأبي حنيفة.
فَصْلٌ: لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى إِمَامِهِ فِي الْمَوقِفِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بَطَلَتْ فِي الْجَدِيدِ، كما لو تقدم في الأفعال، والقديم: لا تبطل مع الكراهة، كما لو وقف خلف الصفِّ وَحْدَهُ، فلأنه ليس في ذلك إلا المخالفة في الموقف فأشبه ما لو وقف على يساره، وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ، أي قطعًا، نعم يكره، وينْدَبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلًا، استعمالًا للأدب، وَالإِعْتِبَارُ بِالعَقِبِ، أي في التقديم والمساواة، فإن المأموم قد يكون أطول فيتقدم رأسه عند السجود والقدم والأصابع قد تكون أطول فلذلك وقع الاعتبار بالْعَقِبِ.
فَرْعٌ: لو كان يصلى قاعدًا فالاعتبار بالتقدم لمحل القعود وهو الإلية، أو نائمًا فالاعتبار بِالْجَنْبِ.
وَيَسْتَدِيرُونْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، ليحصل الاستقبال للجميع، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الإِمَامِ فِي الأَصَحِّ، لأنه لا يظهر به مخالفة منكرة، ولهذا قطع الجمهور، والثاني: يضر، أما لو كان أقرب إليها من جهة الإمام، فإنه على القولين الجديد والقديم وقد سلفا.
فَرْعٌ: لَوْ صَلَّى الإمامُ في نفس الركن الَّذي فيه الحجر الأسود مثلًا، فالظاهر أن جهة الإمام ما حاذاها بدنه من ناحيتي الركن مع الركن وهو ما بين الركن الشامي واليمانى.
وَكَذَا لَوْ وَقَفَا فِي الكَعْبَةِ، وَاخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُمَا، أي بأن كان المأمومُ أقربَ إلى
الجدارِ الَّذي توجه إليه من الإمام إلى ما تَوَجَّهَ إليه، وَفَرَّعْنَا على الجديد، فالأصح أنَّه لا يضر، لأن اختلاف الجهة أعظم من تفاوت المسافة، والثاني: يضر كما لو اتحدت الجهةُ.
وَيَقِفُ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ، أي رجلًا كان أو صبيًا (621)، فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ، للاتباع (622)، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ، أي إن كان خلفهما ضيقًا لتعينه طريقًا لتحصيل السُّنَّةِ، أَوْ يَتَأَخْرَانِ، أي إن كان خلفهما واسعًا، وَهُوَ، أي تَأَخُّرُهُمَا، أَفْضَلُ، لأن الإمامَ متبوعٌ فلا ينتقل من مكانه، وهذا في القيام، أما إذا لحق الثاني في التشهد أو السجود فلا تقدم ولا تأخر حتَّى يقوموا، ونَبَّهَ المصنف بقوله (ثُمَّ يَتَقَدَّمُ
…
)
إلى آخره، على أن التقدم والتأخر لا يكونا إلا بعد إحرام المأموم الثاني، وَلَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ أوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ صَفًّا خَلْفَهُ، للاتباع (623).
فَرْعٌ: لو كانوا عراةً بصراءَ اكتَنَفَاهُ.
وَكَذَا امَرَأَةً أَوْ نِسْوَةٌ، أي فإن الواحدة تقف خلف الإمام، وكذا النسوة
(621) لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ؛ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوضوء: باب التخفيف في الوضوء: الحديث (138).
(622)
لحديث جابر بن عبد الله قال: (قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بيَدِي حَتَّى أَدَارَنِي عَنْ يَمِيْنِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْر فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ بِأيْدِينَا جَمِيْعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الزهد والرقائق:
الحديث (3010) وهو بعض حديث طويل. ورواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب إذا كان الثوب ضيقًا: الحديث (634).
(623)
لحديث مالك بن أنس (أَنَّ جَدَّتَهُ مليكة دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتهُ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: [قُومُواْ فَأُصَلِّىَ لَكُمْ] قَالَ أَنَسُ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيْرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَلَّيْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا. فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ) رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (266/ 658).
أيضًا (624)، فإن اجتمع عدد من الذكور والأناث، فَيَقِفُ خَلْفَهُ الرِّجَالُ، كما ذكره المصنف لقوله صلى الله عليه وسلم:[لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُوْلُواْ الأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ] رواه مسلم (625)، وأولو الأحلام والنهى البالغون العقلاء، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، لأنهم دون الرجال في الفضيلة، قال الدارمي في استدراكه: وهذا إذا كان الرجال أفضل أو تساووا، فإن كان الصبيان أفضل قدموا، ثُمَّ النِّسَاءُ، لحديث فيه في البيهقي (626) والخناثى يتقدمن على النساء، وَتَقِفُ إِمَامَتُهُنَّ وَسَطَهُنَّ، لأنه أستر لها (627).
(624) لحديث ابن عباس رضى الله عنهما، قال:(صَلِّيْتُ إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَائِشَةُ خَلْفَنَا تُصَلِّي مَعَنَا، وَأَنَا إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُصَلِّي مَعَهُ) رواه النسائي في السنن: باب موقف الإمام إذا كان معه صبي وامرأة: ج 2 ص 86.
(625)
* الحديث عن أبي مسعود قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلَاةِ؛ وَيَقُولُ: [لَا تَخْتَلِفُواْ فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ؛ لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُوْلُوْا الأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُوْنَهُمْ؛ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ] رواه مسلم فِي الصحيح: كتاب الصلاة: باب تسوية الصفوف وإقامتها: الحديث (122/ 432). والنسائي في السنن: مَن يلي الإمام ثم الَّذي يليه: ج 2 ص 87.
* وعن أنس رضي الله عنه؛ قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، لِيَأخُذُواْ عَنْهُ) رواه ابن ماجة في السنن: كتاب إقامة الصلاة: الحديث (977).
والحاكم في المستدرك: الحديث (975/ 122) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب فضل الصحابة: الحديث (7214) ولفظه: (لِيَحْفَظُواْ عَنْهُ).
(626)
عن أبي مالك الأشعري؛ قال: [كَانَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَلِيْهِ فِي الصَّلَاةِ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ النِّسَاءُ] رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب الرجال يأتمون بالرجال: الحديث (5268) وقال: والأول أقوى والله أعلم. وأراد بالأول، حديث أبي داود، عن عبد الرحمن بن غنم؛ قال: قال أبو مالك الأشعرى: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَفَّ الرَّجَالَ، وَصَفَّ خَلْفَهُمُ الغُلْمَانَ؛ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ) رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب مقام الصبيان من الصف: الحديث (677) وإسناده حسن. ورواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (5267).
(627)
* لحديث أبي حازم عن رَائِطَةَ الْحَنَفيةِ: [أَنَّ عَائِشَةَ أَمَّتْ نِسْوَةً فِي الْمَكْتُوبَةِ، =
وَيُكْرَهُ وُقُوفُ الْمَأمُومِ فَرْدًا، بَلْ يَدْخُلُ الصَّفَّ إِنْ وَجَدَ سَعَة، أي فرجة، وَإِلَّا فَلْيَجُرَّ شَخْصًا بَعْدَ الإحْرَامِ وَلْيُسَاعِدْهُ الْمَجْرُورُ، لتحصل له فضيلة الصف وليخرج من الخلاف (628)، قال في الكفاية: ولا يجوز له الجذب قبله لئلا يخرجه عن الصف
فَأَمَّتْهُنَّ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا]، وعن عطاء عن عائشة رضى الله عنها:[أنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيْمُ وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ؛ وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ]. ثم لحديث عَمَّار الدُّهُنِيِّ عن امرأةٍ مِنْ قومهِ يقالُ لها حُجَيْرَةُ عن أُمِّ سَلَمَةَ [أَنَّهَا أَمَّتْهُنَّ، فَقَامَتْ وَسَطًا]، وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:[تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ].
* روى هذه الآثار البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب المرأة تؤم النساء فتقوم وسطهن: الرقم (5456 - 5459) وقال: وقد روينا فيه حديثًا مسندًا في باب الأذان، وفيه ضعف. إنتهى. وأسانيد هذه الآثار صحيحة.
* أما الحديث الضعيف، هو ما جاء عن أسماء رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ وَلَا تَقَدَمَهُنَّ امْرَأَةٌ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ] رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الأَذان: الحديث (1960) وأعلَّهُ بالحَكَم بن عبد الله الأَيْلِيِّ، وهو ضعيف جدًّا.
(628)
مَبْحَثٌ: صَلَاةُ الْمُنفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ:
* لحديث وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ رضي الله عنه؛ [أَنَّ رَجُلًا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعِيِّدَ الصَّلَاةَ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب الرجل
يصلي وحده خلف الصف: الحديث (682). والترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: الحديث (230) وقال: حسن. واختلف القول فيه: وخلاصته: أن إسناده صحيح. قلتُ: وكأنهُ أمَرَهُ بالإعادة زَجْرًا له وتنبيهًا. وكما سيأتى.
* أما الخلاف الموجود في المسألة، فيدور في كيفيه معالجة حال المنفرد خلف الصف نفسه. وفيه حديث ضعيف رواه البيهقي في السنن الكبرى: الرقم (5313) عن وَابِصَةَ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصُّفُوفِ وَحْدَهُ فَقَالَ: "أَيُّهَا الْمُصَلِّي وَحْدَهُ؛ ألَا وَصَلْتَ إِلَى الصَّفِّ أوْ جَرَرْتَ إِلَيْكَ رَجُلًا فَقَامَ مَعَكَ، أعِدِ الصَّلَاةَ]. وقال: تفرد به السري بن إسماعيل وهو ضعيف. ثم قال البيهقي: ورواه أبو داود في المراسيل؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلْيَخْتلِجْ إِلَيْهِ رَجُلًا مِنَ الصَّفِّ فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَم أَجْرَ الْمُخْتَلِجِ]، وإسناده منقطع. =
لا إلى الصف، والنصُّ في البويطى؛ أنَّه يقفُ منفردًا ولا يجذب إلى نفسه أحدًا.
وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ، أي علم المأموم، بِانْتِقَالَاتِ الِإمَامِ، بالإجماع، ثم بيَّن مَا يَحْصُلُ بِهِ العلم فقال: بِأَنْ يَرَاهُ أوْ بَعْضَ صَفّ أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا، أي وإن لَمْ يُصَلِّ مع الإمام، وَإذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الاِقْتَدَاءُ وِإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ، بالإجماع، وحكم المساجد المتلاصقة المتنافذة كمسجد على الأصح، وَلَوْ كَانَا بِفَضَاءٍ شُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمَائَةِ ذِرَاعٍ، لقرب ذلك وبعد ما وراءه
في العادة، تَقْرِيبًا، لما ذكرناه، وَقِيلَ: تَحْدِيدًا، وهو غلط كما قاله الماوردى وهذا الوجه لأبي إسحق المروزي، وظاهره أنَّه لا يُغْتَفَرُ ما نَقَصَ عن ذلك وإن قل (•)، ولكن في الاستذكار عنه اغتفار ذراعين ونحوهما، فَلَوْ تَلَاحَقَ شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ اعْتُبِرَتِ الْمَسَافَةُ، أي المذكورة، بَيْنَ الأَخِيرِ وَالأَوَّلِ، أي لا بين الأخير والإمام على الأصح، وَسَوَاءٌ، أي فيما ذكرنا، الْفَضَاءُ الْمَمْلُوكُ، وَالْوَقْفُ، وَالْمُبَعَّضُ، أي
الذي بعضُه ملكًا وبعضُه وقفًا، وَلَا يَضُرُّ الشَّارِعُ الْمَطْرُوقُ وَالنَّهْرُ الْمُحْوِجُ إِلَى سِبَاحَةٍ، أي يحول بينِ الإمام والمأموم وبين الصفين، عَلَى الصَّحِيح، لأن ذلك ليس بحائل، والثاني: يضر، ووجهه في الشارع وقوع الحيلولة عن الإطلاع على أحوال الإمام فتعسر المتابعة، فَإِنْ كَانَا فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصُفِّةٍ، أَوْ بَيْتٍ فَطَرِيقَانِ،
* أما قوله بكراهة صلاة المنفرد خلف الصف، وليس ببطلانها، فلحديث أنس رضي الله عنه
قال: [صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَيَتِيْمٌ عِنْدَنَا وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا] وقد تقدم عزوه إلى مظانه. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى؛ الحديث (5322). والله أعلم.
* أما تفسير أمر الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل أن يعيد صلاته، فأسند البيهقي الأثر فيه عن المغيرة عن إبراهيم: فِي الرَّجُلِ يُصَلِّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَقَالَ: صَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَيسَ لَهُ تَضْعِيْفٌ. قَالَ (الشيخ) يُريْدُ لَا يَكُونُ تَضْعِيْفُ الأَجْر بِالْجَمَاعَةِ، وَكَأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَى فَضْلَ الْجَمَاعَةِ، وَأمَرَهُ بِالإِعَادَةِ لِتَحْصَلَ لَهُ زِيَادَةٌ، وَلَا يَعُودُ إِلى تَرْكِ السُّنَّةِ. والله أعلمُ. إنتهى. من السنن الكبرى: الأثر (5316).
(•) في النسخة (1): أنَّه لا يغتفر غير ذلك وإن قل. وفي النسخة (2): ما زاد على ذلك وإن قل. وأثبتنا ما دُوِّنَ في النسخة (3).
أَصَحُّهُمَا إِنْ كَانَ بِنَاءُ الْمَأَمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَجَبَ اتِّصَالُ صَفًّ مِنْ أَحَدِ الْبِنَاءَيْنِ بِالآخَرِ، لأن اختلاف البناء يوجب كونهما متفرقين فلا بد من رابطة يحصل بها الاتصال.
وَلَا تَضُرُّ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ وَاقِفًا فِي الأَصَحِّ، لأنه معدود صفًا واحدًا، والثاني: يضر ولا وجه له، وجعله في الروضة وجهًا ضعيفًا وهو الصواب، وَإِنْ كَانَ خَلْفَ بِنَاءِ الِأمَامِ فَالصَّحِيحُ صِحَّةُ الْقُدْوَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، أي تقريبًا، لأن بهذا المقدار يحصل به الاتصال العرفي، والثاني: لا يصح الاقتداء، لأن اختلاف البناء يوجب الافتراق، وإنما جوزنا في اليمين واليسار لأن
الاتصال المحسوس بتواصل المناكب فيه ممكن، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ إِلَّا الْقُرْبُ كَالْفَضَاءِ، أي فيصح اقتداء المأموم بإمامه ما لم يزد ما بينه وبين آخر الصف على ثلاثمئة ذراع كما سبق، إِنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ أَوْ حَالَ بَابٌ نَافِذٌ، أي فوقف بحذائه صف أو رجل، وقوله أو حال صوابه أو كان، فإن النافذ ليس بحائل، فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَا الرُّؤْيَةَ، أي كالشباك، فَوَجْهَانِ، أحدهما الصحة لوجود القرب
والمشاهدة، وأصحهما في أصل الروضة البطلان، لوجود الحائل، وهذا أول موضعين في الكتاب بلا تصحيح، والآخر باقي في النفقات إن شاء الله تعالى، ولا يرد ما ذكره في الدعاوى في تعارض البيتين، فإنه تفريع على ضعيف، أَوْ جِدَارٌ بَطَلَتْ بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَيْنِ، لمنعه الاستطراق والمشاهدة. قُلْتُ: الطَّرِيقُ الثَّانِي أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ، تبع فيه معظم العراقيين والأُوْلى طريقة المراوزة، قال الرافعي: وهي الأَولى.
وِإذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ آخَرَ، أي إما بشرط الاتصال على الطريقة الأُولى أو دونه على الثانية، صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ، تبعًا له وهم معه كالمأمومين حتَّى يشترط تقدم إحرامه عليهم، وَلَوْ وَقَفَ في عُلُوٍّ وَإمَامُهُ فِي سُفْلٍ؛ أَوْ عَكْسُهُ؛ شُرِطَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ بَعْضَ بَدَنِهِ، أي بأن يحاذي رأس الأسفل قدم الأعلى، والاعتبار بمعتدل القامة، وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوَاتٍ وَإِمَامُهُ فِي
مَسْجِدٍ، فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ فَالشَّرْطُ التَّقَارُبُ، أي وهو ثلاثمائة ذراع على ما مر، مُعْتَبَراً مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ، لأن المسجد مبنيٌّ للصلاة؛ فلا يدخل في الحدِّ الفاصل، وَقِيلَ: مِنْ آخِرِ صَفٍّ، لأنهُ المتبوعٌ؛ فإن لم يكن فيه إلاّ الإمام فمن موقفه، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ أَوْ، فيه، بَابٌ مُغْلَقٌ مَنَعَ، لعدم الاتصال، وَكَذَا الْبَابُ الْمَردُودُ وَالشُّبَّاكُ فِي الأَصَحِّ، لحصول الحائل من وجه، وجانب المنع أَوْلى بالتغليب، والثاني:
لا يمنعان لحصول الاتصال من وجه.
قُلْتُ: يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إِمَامِهِ؛ وَعَكْسُهُ، أما الثاني: فللنهي عنه كما أخرجهُ أبو داود والحاكم (629)، وأما الأول: فيوخذ من باب أَوْلى، إِلَّا لِحَاجَةٍ فَيُسْتَحَبُّ؛ ، أي كتعليم المأمومين أفعال الصلاة، فإنه يستحب أن يقف على موضع عال كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن سعد فِي الصحيحين (630)، وكارتفاع المأموم لأجل تبيلغه تكبيرات انتقالات إمامه ليحصل هذا المقصود.
(629) الحديث عن هُمام؛ (أَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ النْاسَ بالْمَدَائِنِ عَلَى دُكَّان، فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ بِقَمِيْصِهِ فَحَبَذَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَدْ ذَكَرْتُ حِيْنَ مَدَدْتَنِي) رواه إبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (597). والحاكم في المستدرك: الحديث (760/ 87) بلفظ: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ) والحديث (761/ 88) بلفظ: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَقُومَ الإِمَامُ فَوْق وَيَبْقَي النَّاسُ خَلْفَهُ). وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. قُلْتُ: حَبَذَ الشَّيْءَ مِثْلُ جَذَبَهُ، مقلوبٌ منه؛ وبابه ضربَ.
(630)
حديثُ سهل بن سعد، قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلَّي عَلَيْهَا- أَيْ عَلَى الْمِنبَرِ- وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا؛ ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ. ثُمَّ عَادَ. فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:[أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّواْ، وَيتَعَلْمُواْ صَلَاتِي] رواه البخارى في الصحيح: كتاب الجمعة: باب الخطبة على المنبر: الحديث (917)، وبلفظ آخر مقارب في كتاب الصلاة: باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب: الحدث (377). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب جواز الخطوة أو الخطوتين في الصلاة: الحديث (44/ 544).
وَلَا يَقُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الإِقَامَةِ، أي وإن كان شيخاً؛ لأن الإقامة بجملتها إعلام، وإنما يثبت حكمها في الإجابة إلى المدعو بعد التمام؛ لأنه قبل التمام مشغول بالإجابة.
وَلَا يَبْتَدِئُ نَفْلاً بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا، أي تحية كانت أو غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا
أُقِيْمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ] رواه مسلم (631)، وفي معنى الشروع قرب إقامتها، فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَتَمَّهُ إِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لإمكان إحراز الفضيلتين فلا يفوِّتُ إحداهما، أما لو خشي فوتها، أقتصر على ما أمكن منها، ليدرك فضيلة الجماعة، فإنها صفة فرض، أو فرض على رأيٍ، فكانت أَوْلى من النفل، وظاهر كلام المصنف أنه متى أمكنه إدراك تكبيره قبل سلامه أتَمَّ النافلة،
وبه صَرَّحَ الشيخ أبو حامد وآخرون.
فَصْلٌ: شَرْطُ الْقُدْوَةِ: أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ مَعَ التَّكْبِيرِ الإِقْتِدَاءَ أَوِ الْجَمَاعَةَ، أي أو الإتمام؛ لأن التبعية عمل فافتقرت إلى النية للحديث الصحيح (632)، واقترانها بالنية كسائر ما ينويه من صفات الصلاة، وسيأتي فيما إذا أحرم منفرداً ثم نوى القدوة في خلال صلاته، إن الأظهر الجواز، فعلم من هذا، أن نية الاقتداء لا تجب مع التكبير، إلاّ فيما إذا أحرمَ لأدراك جماعة من أول الصلاة.
وَالْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ، أي في وجوب النية المذكورة لتعلق صلاته بصلاة الإمام، والثاني: لا، لأنها لا تصح إلاّ بجماعة فلم يحتج إليها وهو قوي، فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتاَبَعَهُ فِي الأَفْعَالِ بَطَلَتْ صَلَاتَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، لأنه ارتبط بمن ليس
(631) رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن: الحديث (63/ 710) عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (1266). والترمذي في الجامع: الحديث (421) وقال: حديث حسن. وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: الحديث (2190)، وفي الحديث (2187) بلفظ:[إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذنُ فِي الِإقَامَةِ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَة].
(632)
حديث: [إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنيَّاتِ] ينظر: الرقم (125).
بإمام، فأشبه الارتباط بغير المصلي، والثاني: لا، لأنه أتى بالأركان على وجهها، نعم هو منفرد، وهذا كله إذا انتظر أفعاله وطال انتظاره، فإن كان يسيراً فلا يبطل قطعاً، وكذا إذا اتفق انقضاء فعله مع انقضاء فعله، وهذا يخرج بقوله تابع.
وَلَا يَجِبُ تَعْيِينَ الإِمَامِ، أي بل تكفي نية الاقتداء بالحاضر، لأن مقصود الجماعة لا يختلف بذلك، فَإِنْ عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ، أي بأن نوى الاقتداء بزيد فبان عمرواً، بَطَلَتْ، لأنه ربط، صَلَاتَهُ، بمن لم ينوِ بالائتمام به فإن انضم إلى ذلك الإشارة فالأرجح من زوائد الروضة الصحة.
وَلَا يُشْتَرَطُ لِلإِمَامِ نِيَّةُ الإِمَامَةِ، لأنه مستقل بنفسه بخلاف المأموم فإنه تابع، بَلْ تُسْتَحَبُّ، خروجاً من خلاف أحمد فإنه يوجبها في رواية ليحصل له ثوابُ الجماعة.
فَرْعٌ: إذا نواها في أثناء الصلاة نال ثواب الإمامة من حين النية، ذكره العجلي.
فَإِنْ أَخْطَأَ، أي الإمام، فِي تعْيِينِ تَابِعِهِ، أي بأن نوى الإمامة بزيد فبان عمرواً، لَمْ يَضُرَّ، لأن خطأه لا يزيد على تركها، وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمُؤَدَّي بِالْقَاضِي، وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَفِي الظُّهْرِ بِالْعَصْرِ وَبِالعُكُوسِ، أي ولا يضر اختلاف النيات، وقد اجتمعت الصحابة على صحة الفرض خلف النفل كما حكاه الماوردي (633)، وَكَذَا
(633) • الشاهد لذلك ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه؛ قال: [كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَؤُمَّ قَوْمَهُ؛ فَصَلَّى الْعِشَاءَ
…
] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (700 و 701). ومسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب القراءة في العشاء: الحديث (178/ 465).
• وفي رواية للإمام الشافعي رحمه الله في الأُم: ج 1 ص 173 بلفظ؛ [كَانَ مُعَاذُ يُصَلَّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمَّ يَنْطَلِقُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيْهَا لَهُمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَهِيَ لَهُمْ مَكْتُوبَةٌ] وفي لفظ: [وَهِيَ لَهُ نَافِلَةٌ]. وهذه الزيادة صحيحة.
• قال ابن شاهين: وَأَمَّا حَدِيْثُ مَعَاذَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلَّي فَرِيْضَةً مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَأْتي قَوْمَهُ، وَكَانَ إِمَامَهُمْ فَيُصَلَّي بِهِمْ، فَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً وَلَهُمْ فَرِيْضَةً؛ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ لِلْحَدِيثِ أَنَّهُ حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ؛ ينظر: ناسخ الحديث ومنسوخه =
الظُّهْرُ بِالصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَهُوَ كَالْمَسْبُوقِ، أي فإذا سَلَّمَ الإمام، قام وأتَمَّ صلاته، وَلَا تَضُرُّ مُتَابَعَةُ الإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ وَالْجُلُوسِ الأَخِيرِ فِي الْمَغْرِبِ، كالمسبوق، وَلَهُ فِرَاقُهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِهِمَا، أي وإن كان الاستمرار أفضل.
وَيَجُوزُ الصُّبْحُ خَلْفَ الظُّهْرِ فِي الأَظْهَرِ، كعكسه، والثاني: لا؛ لأنه يدخل في الصلاة بِنَّيةِ مُفارقةِ الإمام، وللأوَّلِ أن يجيب بأنها مفارقة بعذر، وقطع أهل العراق بالأول وصححها في الروضة تبعاً للرافعي وضعف طريقة القولين، فَإِذَا قَامَ لِلثَّالِثَةِ فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَسَلَّمَ، لأنه مفارق بعذر، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلَّمَ مَعَهُ. قُلْتُ: انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأن في المفارقة قطع القدوة وسيأتي الخلاف في
جوازها، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقُنُوتُ فِي الثَّانِيَةِ، أي بأن وقف الإمام يسيراً، قَنَتَ وَإِلَاّ تَرَكَهُ، أي ولا شيء عليه لمتابعة الإمام، وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ، أى وهو كقطع القدوة لعذر فتركه أفضل، فإن لم ينوِ المفارقة وَهَوَى إِمَامُهُ إلى السجود وقنت هو، بطلت صلاته للمخالفة، كما لو ترك التشهد فقعد هو لأجله؛ كذا رأيته في فتاوى القفال.
فَإِنِ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ جَنَازَةِ لَمْ يَصِحَّ، أى الاقتداء والحالة هذه، عَلَى الصَّحِيحِ، لتعذر المتابعة مع المخالفة في الأفعال، والثاني: يصح لأمكانها في البعض، ويراعى ترتيب نفسه، وإذا خالف إن شاء انتظر وإن شاء فارق ولا يتابعه.
فَصْلٌ: تَجِبُ مُتَابَعَةُ الإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [لَا تُبَادِرُواْ الإِمَامَ،
إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُواْ وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُواْ]، رواه مسلم (634)، بِأَنْ يَتَأَخْرَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ عَنِ
للحافظ عمر بن شاهين: ص 250، طبعة مكتبة المنار.
• وقال ابن حجر: عن جابر في حديث الباب زاد: [هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيْضَةٌ] وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح: ينظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: شرح الحديث: ج 2 ص 249. وفيه فصل في حسم القول في الحديث.
(634)
الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا يَقُولُ: [لَا تُبَادِرُواْ الإِمَامَ، =
ابْتِدَائِهِ وَيَتَقَدَّمَ عَلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ، ظاهر هذا أنه أراد بيان المتابعة الواجبة لكنه ذكر بعد ذلك، فَإِنْ قَارَنَهُ لَمْ يَضُرَّ إِلَّا تَكْبِيرَةَ إِحْرَامٍ، وظاهره أنه أراد المستحبة لا الواجبة، واحترز بالأفعال عن الأقوال، وسيذكرها بعد، وقال في شرح المهذب: إنه يتابعه في الأقوال، فيتأخر ابتداؤه عن أول ابتداء الإمام، إلاّ في التأمين فيستحب المفارفة، فإن قارنه لم يضر، أي لكن يُكره وتفوت به فضيلة الجماعة، لأنه مأمور بالمتابعة لا المفارقة إلاّ تكبيرة الإحرام، أي فإنه يضر مقارنة المأموم الإمام فيها للحديث السالف (635)، وفيه وجه حكاه الحناطي في فتاويه ومنها نقلته وعزاه إلى فتاوى القفال، وقوله (قَارَنَهُ) هو الصواب خلاف قول الْمُحَرَّرِ ساوقه، لأن الْمُسَاوَقَةَ في اللغة: مَجِيْءُ وَاحِدٍ بَعْدَ آخَرٍ، وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ، بلا عذر كما قيده في الروضة
إِذَا كَبَّرَ فَكَبَّرُواْ؛ وَإِذَا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُواْ: آمِيْن. وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُواْ. وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ فقُولُواْ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ]، رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره: الحديث (87/ 415).
(635)
بَعْضُ أَحَادِيْثِ وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الإِمَامِ:
• لحديث أبي هريرة السابق في الرقم (634) وفيه زيادة عند مسلم؛ قال: وزاد [وَلَا تَرْفَعُواْ قَبْلَهُ]: الحديث (87/ 415).
• ولحديث أنس رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ؛ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: [أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ؛ وَلَا
بِالسُّجُودِ؛ وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بالإِنْصِرَافِ، فَإنَّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي] ثُمَّ قَال:[وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيْلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيْراً] قَالُواْ: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: [رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (112/ 426). والمراد بالانصراف: السَّلَامُ.
• ولحديث الْبَرَاءِ؛ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: [سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ] لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِداً، ثُمَّ نَقَعُ سُجُوداً بَعْدَهُ. رواه
البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب متى يسجد مَن خلف الإمام: الحديث (690) وفي لفظ: [حَتَّى يَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ]: الحديث (811): ومسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (97/ 474).
تبعاً للرافعي، بِأَنْ فَرَغَ الإِمَامُ مِنْهُ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ فِي الأَصَحَّ، لأنه مخالفة يسيرة، والثاني: تبطل، وعلَّلَهُ الرافعي بالمخالفة، أَوْ بِرُكْنَينِ بِأَنْ فَرَغَ، الإمام، مِنْهُمَا وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا، فَإنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، أي بأن ركع الإمام وهو في قراءة السورة فاشتغل بإتمامها، بَطَلَتْ، لكثرة المخالفة، وَإِنْ كَانَ بِأَنْ أَسْرَعَ، أي الإمام، قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إِتْمَامِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فَقِيلَ يَتْبَعُهُ وَتَسْقُطُ الْبَقِيَّةُ، أي حتى لو اشتغل بإتمامها كان مشتغلاً بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَالصَّحيِحُ يُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أرْكَانِ مَقْصُودَةٍ، وَهِيَ الطَّوِيلَةُ، احترز بالطويلة عن القصيرة كالاعتدال والجلوس بين السجدتين على ما قدمته في بابه وما سواهما طويل، والطويل مقصود في نفسهِ، وكذا القصير على الأصح في الشرح الصغير، ونقله في أصل الروضة عن الأكثرين، والثاني: لا، لأن الغرضَ منه الفصل فهو تابع لغيره، وبه جزم المصنف تبعاَ لِلْمُحَرَّرِ إذا علمت ذلك، فإذا ركع الإمام وأدركه المأموم فيه، فليس متخلفاً بركن فلا تبطل صلاته قطعاً، فلو اعتدل الإمام والمأموم بعد في القيام ففى بطلان صلاته وجهان، أصحهما من زوائد الروضة: لا، فإن هوى إلى السجود بطلت على المذهب في التحقيق، فإن سجد بطلت قطعاً كما قاله الرافعي، نعم يجئ فيه وجه، إذا قلنا أن السجدتين ركنٌ واحد، فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ، أي من ثلاثة أركان مقصودة، فَقِيلَ يُفَارِقُهُ، لعذر المواففة، وَالأَصَحُّ يَتْبَعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ، بَعْدَ سَلَامِ
الإِمَامِ، كالمسبوق.
وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِشَغْلِهِ بِدُعَاءِ الإِفْتِتَاحِ فَمَعْذُورٌ، كما في بطئ القراءة، وفي فتاوى القفال إجراء الأوجه الثلاثة الآتية في المسبوق فيه، فقيل له: هنا أدرك محل البناء بخلاف المسبوق، فقال: وإن كان كذلك إلاّ أنه ليس بفرض، قال: وعندي أنه لا فرقَ بين الركعة الأُوْلى والثانية، إذ لا فرق بين مَنْ أحرم مع الإمام وبين مَنْ أحرم بعده، وفيما ذكره نظر، هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُوَافِقِ، فَاَمَّا مَسْبُوقٌ رَكَعَ الإِمَامُ فِي فَاتِحَتِهِ، فَالأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالاِفْتِتَاحِ وَالتَّعَوِّذِ تَرَكَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ، لأنه لم يدرك إلاّ ما يقرأ فيه بعض الفاتحة فلا يلزمه فوق ذلك، كما
أنه إذا لم يدرك شيئاً من القيام لا يلزمه شيء من الفاتحة، وَإِلَاّ، أي وإن اشتغل بالافتتاح والتعوذ، لَزِمَهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِ، لتقصيره بالعدول من فريضة إلى غيرها، والثاني: أنه يُتم الفاتحة لأنه أدركَ القيام الذي هو محلها، والثالث: أنه يسقط عنه ما بقي من الفاتحة ويركع معه، وصححه الفارقي وأفسد ما صححه المصنف، قال: وتتصور المسألة إذا غلب على ظن المأموم أنه يدرك الإمام راكعاً أو رافعاً، فأما إذا
غلب على ظنه أنه لا يدركه إلاّ ساجداً فلا خلف أنه يشتغل بمتابعته ولا يقرأ.
فَرْعٌ: إذا قلنا بالأصح فتخلف ليتم الفاتحة كان تخلفاً بعذر، كما جزم به في الروضة تبعاً للرافعي. فإن رفعَ الإمامُ رأسهُ من الركوع قبل ركوعه؛ فاتته الركعة!
كما صرح به الغزالي في وسيطه تبعاً للإمام، وكذا تفوته أيضاً إذا قلنا بالوجه الثالث، أما إذا قلنا بالوجه الثانى؛ فلا، وإن لم يلحق الإمام إلاّ بعد ثلاثة أركان كما صرح به ابن الصلاح في مشكله وعلله بعذره وعدم تقصيره، وقال: إنه من المعلوم المسطور.
فَرْعٌ: المنتظر سكتة الإمام ليقرأ فيها ثم ركع الإمام عقب فاتحته، فيه نظر للفطن لا يخفى.
وَلَا يَشْتَغِلُ الْمَسْبُوقُ بِسُنَّةِ بَعْدَ التَّحَرُّمِ بِلْ بِالْفَاتِحَةِ، أى ويخففها، لأن الاهتمام بشأن الفرض أَوْلى، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ إِدْرَاكَهَا، حِيَازَةً لِفَضِيْلَةِ السُّنَّةِ، وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ ترَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ شَكَّ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا، لفوات محل القراءة، بَلْ يُصَلِّي رَكْعَةَ بَعْدَ سَلَامِ الإِمَامِ، فَلَوْ عَلِمَ أَوْ شَكَّ، أي تركها، وَقَدْ رَكَعَ الإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ قَرَأَهَا، لبقاء محلها، وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْوٍ، كما ذكرناه، وَقِيلَ: يَرْكَعُ وَيَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلَامِ الإِمَامِ، لأَجْلِ المتابعة، وَلَوْ سَبَقَ إِمَامَهُ بالتَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ، لما سبق فيما إذا قارنه فيه، أَوْ بِالْفَاتِحَةِ أَوِ التَّشَهُّدِ لَمْ يَضُرَّهُ وَيُجْزِئُهُ، لأنه لا تظهر به المخالفة، وَقِيلَ: تَجِبُ إِعَادَتُهُ، أي مع قراءة الإمام أو بعدها.
وَلَوْ تَقَدَّمَ بِفِعْلٍ كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إِنْ كَانَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ، أي إذا كان عامداً
عالماً بالتحريم لفحش المخالفة، وَاِلَاّ فَلَا، أي وإن كان التقدم بركن فلا تبطل، لأنها مخالفة يسيرة مع كونه مرتكب الحرام، فيندبُ العود إن كان عامداً، أو يُخَيَّرُ بينَه وبين الدوام إن كان ساهياً، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِرُكْنٍ، أي عند العمد، سواء أتَمَّ أم لم يُتم، لأن التقدم يناقض الاقتداء بخلاف التخلف.
فَائِدَةٌ: سُئِلَ الحناطيُّ عن رجل أحرم بالقوم ثم أعاد التكبير خفية لنفسه بِنِيَّةِ الْفَائِتَةِ، ولم يشعر القوم بذلك بعد أن كبروا، فقال: تصح صلاة المأمومين في أصح الوجهين (636).
فَصْلٌ: خَرَجَ الإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ، أي بحدث وغيره، انْقَطَعَتِ الْقُدْوَةُ، لزوال الرابطة، ورأيت في فتاوى القفال، أن كل موضع بطلت صلاة الإمام خرج المأموم من صلاته وإن لم ينوِ مفارقته، وكل موضع خرج من إمامته لم تبطل، كما إذا تغير اجتهادُه في القبلة فلا بد من نية المفارقة، وكما لو اقتدى الإمام بآخر، وجوزناه، هذا لفظه والأول لا يُسَلِّم له، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقَطَعَهَا الْمأْمُومُ جَازَ، أي مع الكراهة
(636) تَنْبِيْةٌ: ما تقدم من متن المصنف رحمه الله وتفسير الشارح رحمه الله، يدخل تحت باب تحقيق مفاهيم أحكام الصلاة، شروطها وأركانها والواجب فيها، والاجتناب عن ما يفسد أمرها فيبطلها أو يُكره فيها، وهو ما يحتاج الانتباه من المكلف حين العبادة بتقصد الأمر فيها والاجتناب عن النهي قصداً على أوجه أحكامهما في أحكام الوضع أو أحكام التكليف. ثم الأصل في هذه الدقة والانتباه إليها الأمر الشرعي بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها؛ لقوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [لبمؤمنون / 1 - 2] ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ثم انصرف- أي خرج بالسلام- فقال: [يَا فُلَانُ أَلَا تَحْسِنُ صَلَاتَكَ، أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى! كَيْفَ يُصَلَّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلَّي لِنَفْسِهِ، إِنِّي وَاللهِ لأُبْصِرُ مَنْ
وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها: الحديث (108/ 423). والنسائي في السنن: باب الركوع دون الصف: ج 2 ص 119. ولحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أَقِيْمُواْ الرَّكُوعَ وَالسُّجُودَ] رواه مسلم في الصحيح: الحديث (110/ 425).
لأن الجماعة سُنَّةٌ والتطوعات لا تلزم بالشروع، وَفِي قَوْلٍ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بعُذْرٍ يُرَخَّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، لأن فيه إبطالاً للجماعة، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (637)، وأما في العذر فجائز قطعاً، لأن الفرقة الأولى فارقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة ذات الرقاع بعدما صلَّى بهم ركعة (638).
وَمِنَ العُذْرِ تَطْوِيلُ الإِمَامِ، أى والمأموم لا يصبر لضعف أو شغل (639)، أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ، أي وقنوت، ومن الأعذار ما إذا رأى على ثوب إمامه نجاسة كما قاله القفال في فتاويه.
وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِداً ثُمَّ نَوَى الْقُدْوَةَ فِي خِلَالِ صَلَاتَهِ جَازَ فِي الأَظْهَرِ، أي كما يجوز أن يصلى منفرداً ثم يقتدي به جماعة، نعم يكره، والثاني: لا؛ لأنَّ تحريمه سبق تحريم الإمام فلم يجز كما لو حضر معه من أول صلاته فكبَّر قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى، أى لا يشترط على الجواز الاتفاق في الركعة، بل لو اختلفا وَكَانَ
(637) مُحَمَّد / 33: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} .
(638)
عن صالح بن خوات عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ؛ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ صَلَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةً وَجَاهَ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِالَّذِيْنَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ
قَائِماً وَأَتَمُّواْ لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُواْ، فَصَفُّواْ وجاه الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِساً وَاتَمُّواْ لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (310/ 842).
(639)
لحديث جابر بن عبدالله قال: صَلَّى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الأَنْصَارِيُّ الْعِشَاءَ لأَصْحَابِهِ، فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ! فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا؛ فَصَلَّى. فَأْخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ! دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَ مُعَاذُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: [أَتُرِيْدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّاناً يَا مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأْ بِ {الشَّمْسِ} وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}]،
رواه بهذا اللفظ مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب القراءة في العشاء: الحديث (179/ 465). والبخاري في الصحيح: الحديث (705). وكان للرجل عذر في ترك الجماعة؛ أنه كانت له نَوَاضحُ، وعلى ما يبدو أنه متوجه إلى عمل، والنواضح ما استعمل من الإبل في سقي النَّخل والزرع. والله أعلم.
الإِمام في ركعة والمأموم في أخرى متقدماً أو متأخراً جاز، ثُمَّ يَتْبَعُهُ قَائِماً كَانَ أَوْ قَاعِداً، أي عند الاختلاف فيقوم في موضع قيامه ويقعد في موضع قعوده، فَإِنْ فَرَغَ الإِمَامُ أَوَّلاً فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ، أى فيقوم ويتم صلاته، أَوْ هُوَ، متقدم، فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ، لأن المفارقة بالعذر، والانتظار به جائزان، نعم؛ لا يتابعه؛ فإن تابعه بطلت صلاته، وأمّا الأفضل من هذين الأمرين لم يذكره الرافعي هنا، والظاهر أنه ما سلف يأتى فيه، نعم في ابن يونس وجه أن يسلّم ولا ينتظر.
وَمَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّواْ وَمَا فَاتَكُمْ
فَأَتِمُّواْ]، متفق عليه (640)، وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد أوله، ورواية القضاء المرادُ بها الأَدَاءُ لقوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (641)، فَيُعِيدُ فِي الْبَاقِي الْقُنُوتَ، لأن محل القنوت آخر الصلاة وفي الإعادة إشعار بأنه يستحب أن يقنت معه، وهو كذلك على المشهور، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْمَغْرِبِ تَشَهَّدَ فِي ثَانِيَتِهِ، لأنه محل التشهُّدِ الأوَّل، وهذا إحماع مناف من المخالف، وهو حجة لنا على أن ما يدركه أول صلاته، وَإِنْ اَدْرَكَهُ رَاكِعاً، أي ركوعاً محسوباً للإمام، أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، لقوله
صلى الله عليه وسلم: [مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيْمَ الإِمَامُ صُلْبَهُ] صححه ابن حبان في غير صحيحه (642).
(640) لحديث أبى هريرة قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [إِذَا أقِيْمَتِ الصَّلَاةُ؛ فَلَا تَأْتُوْهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوْهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمُ السَّكِيْنَةُ؛ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّواْ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّواْ]، رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة؛ باب المشي إلى الجمعة: الحديث (908). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة: الحديث (151/ 602).
(641)
(642)
قال ابن الملقن في تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج: الحديث (570): وأما ابن حبان فإنه صحح هذا الحديث في كتابه: (وَصْفُ الصَّلَاةِ بِالسُّنَّةَ). قُلْتُ: والحديث رواه الدارقطني في السنن: كتاب الصلاة: باب من أدرك الإمام قبلَ إقامة صلبه: الحديث (1) =
قُلْتُ: بِشَرْطِ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، وَالله أَعْلَمُ، للحديث المذكور، فإن لم يكن الركوع محسوبًا فقد ذكره المصنف في الجمعة وسيأتي، ويستثنى الركوع الثاني في صلاة الكسوف كما ذكره في بابه.
وَلَوْ شَكَّ فِي إِدْرَاكِ حَدِّ الإِجْزَاءِ، أي المذكور، لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ فِي الأَظْهَرِ، مثار الخلاف تقابل الأصلين، وهما بقاؤه في الركوع وعدم الإدراك، وأختلف كلام المصنف في ايراد هذا الخلاف، فصحح هنا طريقة القولين، وصحح في الروضة طريقة الوجهين، وصحح في شرح المهذب طريقة جازمه بالإدراك والله أعلم.
وَيُكَبِّرُ، أي المسبوق المدرك في الركوع، لِلإِحْرَامِ، أي قائمًا، ثُمَّ لِلرُّكُوعِ، لأنه محسوب له، فَإِنْ نَوَاهُمَا بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَنْعَقِدْ، للتشريك، وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ نَفْلًا، كما لو أخرج خمسة دراهم ونوى بها الزكاة والتطوع، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا شَيْئًا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ، مثار الخلاف تعارض قريني البداءة والهوى، ولا يخفى أنَّه إذا نوى بهذه التكبيرة التحرم فقط؛ أنها تنعقد؛ أو الهوي فقط فلا.
وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي اعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ انْتَقَلَ مَعَهُ مُكبِّرًا، أي وإن لم يكن محسوبًا له موافقةً لإِمَامِهِ، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْبِيحَاِت، لذلك أَيضًا، والثاني: لا، لأنه ليس موضعه في حقه، وجزم الماوردي: بأنه يلزمه أن يتشهد معه؛ لأنه بالإحرام لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ، وأَنَّ مَنْ أدْرَكَهُ فِي سَجْدَةٍ، أي أُوْلى أو ثانية، لَمْ يُكَبِّرْ لِلإِنْتِقَالِ، إليها؛ لأنه غير محسوب له، ولا موافقة للإمام في انتقاله إليها بخلاف الركوع، نعم يُكَبِّرُ بعد ذلك إذا انتقل مع الإمام من السجود أو غيره موافقة للإمام،
منه: ج 1 ص 346 - 347. وإسناده ضعيف. قال محمَّد شمس الحق في التعليق المغني: فيه يحيى بن حميد عن قرة بن عبد الرَّحْمَن. يحيى بن حميد، قال البُخَارِيّ: لا يتابع في حديثه، وضعفه الدارقطني. قرة بن عبد الرَّحْمَن أخرج له مسلم في الشواهد، وقال الجوزجاني: سمعت أَحْمد يقول: منكر الحديث جدًا، وقال: يحيى ضعيف الحديث.