الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحرم على الأصح اتخاذ خلاخل كثيرة وأساور لِيُلْبَس الواحد بعد الواحد، والمبالغة فِي السرف تَبِعَ فِي اعتبارها الْمُحَرَّر، والذى فِي الروضة تبعاً للشرح اعتبار السرف من غير قيد المبالغة، وَكَذَا إِسْرَافُهُ فِي آلَةِ الْحَرْبِ، أي فإنه يحرم على الأصح.
وَجَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ، أي لكل أحد إكراماً له، والثاني: لا كالأواني، وَكَذَا لِلْمَرْأَةِ تَحْلِيَتُهُ بِذَهَبٍ، كالحلية، والثاني: يجوز له أيضاً تعظيماً للقرآن، والثالث: لا مطلقاً لنهى ورد فيه، والرابع: يجوز تحلية نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه، أما تحلية غلافه بالذهب فحرام قطعًا، لأنه ليس حلية للمصحف وخرج بالمصحف سائر الكتب، وأشار الغزالي إلى مجئ وجه فيها.
وَشَرْطُ زَكاَةِ النَّقْدِ الْحَوُلُ، كما فِي المواشى (936)، وَلَا زَكاَةَ فِي سَائِرِ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ، لأنه لم يَرِدْ فيه نَصٌّ، وَالأَصْلُ أَنْ لَا زَكَاةَ حَتَّى يَرِدَ النَّصُّ.
بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ
الْمَعْدِنُ: بكسر الدال مَا عُدِنَ فِيْهِ شَىْءٌ مِنْ جَوَاهِرِ الأَرْضِ أَيْ أَقَامَ. والرِّكَازُ: بِكَسْرِ الرَّاءِ، لأَنَّهُ رَكْزٌ فِي الأَرْضِ أيْ أَقَرَّ أَوْ لاخْتِفَائِهِ. وَالتِّجَارَةُ: عِبَارَةٌ عَنْ تَقْلِيْبِ الْمَالِ وَتَصْرِيْفِهِ لِطَلَبِ النَّمَاءِ، والأصلُ فِي الباب ما سيأتي من الأدلة.
مَنِ اسْتَخْرَجَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً مِنْ مَعْدِنٍ، أى من أرض مباحة أو مملوكة له؛ وهو من أهل الزكاة، لَزِمَهُ رُبْعُ عُشْرِهِ، لعموم الأخبار فِي الذهب والفضة وفي المستدرك مصححًا [أنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ مِنَ الْمَعَادِنِ االْقَبَليَّةِ الصَّدَقَةَ](937)، وَفِي قَوْلٍ الْخُمُسُ،
(936) لحديث علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوُلُ] وقد تقدم فِي الرقم (915).
(937)
عن حارث بن بلال بن الحارث؛ عن أبيه: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ مِنَ الْمَعَادِنِ الْقَبَليَّةِ الصَّدَقَةَ؛ فَإِنَّهُ قَطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيْقَ أَجْمَعَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه؛ قَالَ =
قياسًا على الرِّكَازِ لجامع الاختفاء فِي الأرض، وَفِي قَوْلٍ إِنْ حَصَلَ بِتَعَبٍ، أي كحفر، فَرُبْعُ عُشْرِهِ، وَإِلَاّ فَخُمْسُهُ، كزكاة الزرع، وَرُبَّمَا فُهِمَ مِنَ الْمُهَذَّبِ أن هذا الخلاف على قولنا لا يعتبر الحول، وإلاّ فيجب ربع العشر قطعاً، وخرج بالذهب والفضة غيرهما؛ فإنه لا زكاة فيه.
وَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ لَا الْحَوْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا، لأن النصاب إنما اعتبر ليبلغ المال مبلغاً يحتمل المواساة، والحول إنما اعتبر لتنمية المال، والمستخرج من المعدِن نما فِي نفسه، ولهذا اعتبرنا النصاب فِي الثمار والزروع ولم نعتبر الحول، وفي النصاب قول أنه لا يشترط، لأنه مال يجب تخميسه فلا يعتبر فيه النصاب كالفيء والغنيمة، وفي الحول قول: أنه يشترط كما فِي غير المعدن، وللحديث المشهور (938)، والأول يحمله على غير المعدن.
وَيُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ إِنْ تَتَابَعَ الْعَمَلُ، كما يُضَمُّ ما يتلاحق من الثمار، ولا يشترط بقاءُ الأول على ملكه، وَلَا يُشْتَرَطُ اتّصَالُ النَّيْلِ عَلَى الْجَدِيدِ، لأن العادة تفرّقه، والقديم: أنه إن طال زمن قطع النَّيْلِ فلا ضم كما لو قطع العمل وكحمل سنتين، ومحل الخلاف إذا لم نعتبر الحول، وإلاّ ضُمَّ قطعاً قاله فِي الْمُعِيْنِ، وَإِذَا قَطَعَ الْعَمَلَ بِعُذْرٍ ضُمَّ، لأنه عاكف على العمل متى ارتفع العذر، وَإِلَاّ، أي وإن انقطع
لِبِلَالٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقْطِعْكَ لِتَحْتَجِزَهُ عَنِ النَّاسِ. لَمْ يُقْطِعْكَ إِلَّا لِتَعْمَلَ، قَالَ: فَأَقْطَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ الْعَقِيْقَ). رواه الحاكم فى المستدرك: كتاب الزكاة: الحديث (1467/ 41)، وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. والبيهقى فِي السنن الكبرى: كتاب الزكاة: الحديث (7730)، وقال: ليس هذا مما يُثْبتُهُ أهلُ الحديث روايةً، ولو أثبتوهُ؛ لم يكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا إقطاعه. فَأمَّا الزكاةُ فتؤخذُ فِي المعادِن دُونَ الخمس، فليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه.
ينظر: كتاب الأم للشافعي: كتاب الزكاة: باب زكاة المعادن: ج 2 ص 43.
(938)
لحديث على رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ] وقد تقدم فِي الرقم (915).
بغير عذر، فَلَا، لإعراضه ثم بين معنى انقطاع الضم فقال: فَلَا يَضُمُّ الأَوَّلَ إِلَى الثَّانِيِ، أى فِي وجوب حق المعدن، وَيَضُمُّ الثَّانِي إِلَى الأَوَّلِ كَمَا يَضُمُّهُ إِلَى مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمَعَدِنِ فِي إِكْمَالِ النِّصَابِ، أي حتى يخرج حصة الموجود من المعدن الآن، وإن كان دون النصاب، لأن الذي وجده الآن لا يشترط فيه الحول، والذي عنده يشترط فيه، والمجموع نصاب فيعطي كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَهُ.
وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، لقوله صلى الله عليه وسلم ذلك، متفق عليه (939)، وخالف المعدن من
حيث أنه لا مؤنة فِي تحصيله أو مؤنته قليلة فكثر واجبه، ومؤنة المعدن تكثر فقلَّ واجبه كالمعشرات.
يُصْرَفُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لأنه حق واجب مستفاد من الأرض؛ فأشبه الواجب فِي الزرع؛ وَرُجِّحَ فِي شرح المهذب، وأصل الروضة القطع به، والثاني: أنه يصرف إلى أهل الخمس المذكورين فِي آية الفيء؛ لأنه مال جاهلي حصل الظفر به من غير ايجاف خيل ولا ركاب؛ فكان كالفيء، فعلى هذا لا يحتاج إلى نية، لأنه خرج عن القربة، نَصَّ عليه فِي الأُمِّ.
وَشَرْطُهُ: النِّصَابُ، وَالنْقْدُ، أي المضروب وغيره، عَلَى الْمَذْهَبِ، لأنه مستفاد من الأرض فاختص بما تجب فيه الزكاة كالمعدن، فلوكان عنده ما يكمل به النصاب فكنظيره من المعدن، والقول الثاني: لا يشترطان، لإطلاق الحديث، وهو قول جمهور أهل العلم كما حكاه ابن المنذر، والطريق الثاني: القطع بالأول، وَحُمِلَ النْصُّ على الاستحبابِ، للخروج من الخلاف، ووقع فِي أصل الروضة تصحيح هذه
الطريقة فاجتنبه، لَا الْحَوْلُ، بالإجماع ويخالف المعدن على رأي للمشقة فيه، وَهُوَ، يعني الرِّكَازُ، الْمَوْجُودُ الْجَاهِلِيُّ، أى دفين الجاهلية والمراد بها ما قبل الإسلام، فَإِنْ
(939) لحديث أبى هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [وَفِى الرِّكَاز الْخُمْسُ]. رواه البخاري فِي الصحيح: كتاب الزكاة: باب فِي الركاز الخمس: الحديث (1499).
ومسلم فِي الصحيح: كتاب الحدود: باب جرح العجماء: الحديث (45/ 1710).
وُجِدَ إِسْلَامِيٌّ، أي بأن كان عليه شيء من القرآن أو اسم ملك من ملوك الإسلام (940)، عُلِمَ مَالِكُهُ فَلَهُ، لأن مَالَ الْمُسْلِمِ لَا يُمْلَكُ بِالإسْتِيِلَاءِ عَلَيْهِ، وَإِلَاّ، أي وإن لم يعلم مالكه، فَلُقْطَةٌ، لأن الظاهر أنه لمسلم، كما لو وجده على وجه الأرض فيفعل فيه كما يفعل فيها، وَكذَا إِنْ لَمْ يُعْلَمُ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ هُوَ، المذكورين فِي آية الفيء أي كالسبائك تغليبًا للإسلام، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ، يعني الموجود الجاهلي، وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إِذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ، أي موات دار الإسلام أو دار العهد، أَوْ مِلْكٍ أَحْيَاهُ، أما الموات؛ فلأنه لا مالك له، وما لا يعرف مالكه بمنزلة ما لا مالك له، وأما المالك فلأنه بالإحياء ملك الأرض، وكذا ما فيها من الرِّكاز على الأصح (941)، فَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ فَلُقْطَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، أما فِي المسجد فكما لو وجده فِي الطريق، نقله الرافعي عن البغوي ثم ذكر على وجه البحث أنه يكون ركازاً، وأما مسألة الشارع فهو ما ذكره العراقيون والقفال؛ وقيل: وجهان، أَوْ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَلِلشَّخْصِ إِنِ ادَّعَاهُ، أي بلا يمين كالأمتعة فِي الدار، وَإِلَاّ، أي وإن لم يدَّعه، فَلِمَنْ مُلِكَ مِنْهُ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْمُحْيِي، أي فيكون له وإن لم يدَّعه؛ لأنه بالإحياء ملك ما فِي الأرض، وبالبيع لم يُزل ملكه عنه؛ لأنه
(940) قُلْتُ: ليس فِي الإسلام مَلِكٌ؛ وإنما هم أُمراء وخلفاء؛ للحديث المشهور فيه: [كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءٌ فتكثروا]. رواه مسلم فِي الصحيح: كتاب الإمارة: الحديث (44/ 1842) ولكنه لعلَّة أرادَ مُلوكَ المسلمينَ اللَّذينَ حَرَّفُوا وَغَيَّرُوا، وهم مُلوك العهدِ العاضِّ أو الجبريِّ، لحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا][ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيًّا]. والله أعلم.
(941)
لحديث عمرو بن شعبب عن أبيه عن جدِّهِ عبد الله بن عمرو: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ: [إِنْ كُنْتَ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ؛ أَوْ فِي سَبِيْلٍ مِيْتَاءٍ؛ فَعَرِّفْهُ،
وَإِنْ كُنْتَ وَجَدْتَهُ فِي خرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَة؛ أَوْ غَيْرِ سَبِيْلٍ مِيْتَاءٍ، فَفِيْهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ]. رواه الحاكم فِي المستدرك: كتاب البيوع: الحديث (2374/ 245). وإسناده صحيح.
مدفون منقول، فإن كان المحي أو من تلقى الملك عنه هالكاً فورثته قائمون مقامه، وَلَوْ تَنَازَعَهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرِ، أي فقال المشتري: هو لي وأنا دفنته؛ وقال البائع: أنا دفنته أو ملكته بالإحياء، أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ، أَوْ مَعَيِّرٌ وَمُسْتَعِيرٌ، صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينهِ، أي وهو المشتري والمستعير والمستأجر؛ لأن اليد لهم فصار كما لو وقع النزاع فِي متاع الدار.
فَصْلٌ: هذا الفصل عقده المصنف لزكاة التجارة، قال ابن المنذر: وأجمع عامة أهل العلم على وجوبها، شَرْطُ زَكَاةِ التَّجَارَةِ الْحَوْلُ، وَالنَّصَابُ، كغيرها، مُعْتَبَراً بِآخِرِ الْحَوْلِ، لأنه وقت الوجوب، وَفِي قَوْلٍ: بطَرَفَيْهِ، لأن الأول وقت الانعقاد؛ والثاني: وقت الوجوب، وَفِي قَوْلٍ: بِجَمِيعِهِ، قياساً على سائر الزكوات وهذان القولان مخرجان، فَعَلَى الأَظْهَرِ، أي والثالث أيضاً، لَوْ رُدَّ إِلَى النَّقْدِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ وَهُوَ دُونَ النَّصَابِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً؛ فَالأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيُبْتَدَأُ حَوْلُهَا مِنْ شِرَائِهَا، لتحقق النقصان حسّاً بالتنضيض، والثاني: لا ينقطع، ثم محل الخلاف مخصوص بما إذا كان النقد الذي باع به هو الذى يقوم به، فلو باع بالدراهم، والحال يقتضي التقويم بالدنانير، فهو كبيع السلعة بالسلعة، والأصح أن الحول لا ينقطع، وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ، وَقِيمَةُ الْعَرْضِ دُونَ النَّصَابِ فَالأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْتَدَأُ حَوْلٌ، وَيَبْطُلُ الأَوَّلُ، لأنه مضى ولا زكاة فيه، والثاني: لا، بل متى بلغت القيمة نصاباً تجب الزكاة ثم يبتدئ حولٌ ثانٍ، ومحل الخلاف؛ ما إذا لم يكن له ما يكمل به النصاب؛ فإن كان فلا، وَيَصِيرُ عَرْضُ التَّجَارَةِ لِلْقِنْيَةِ بِنِيَّتِهَا، أي بنية القنية بخلاف عرض القنية لا يصير للتجارة بالنية على الأصح، لأن الَأصل القنية، والتجارة هي التصرف بنيتها ولم توجد، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتَّجَارَةِ إَذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِكَسْبِهِ
بِمُعَاوَضَةٍ كَشِرَاءٍ، لانضمام قصد التجارة إلى فعلها، كما لو نرى وسار؛ يصير مسافراً، وإذا ثبت حكم التجارة لا يحتاج فِي كل معاملة إلى نية جديدة، وفى معنى الشراء لو صالح عن دين له فِي ذمة إنسان على نية عرض التجارة، وَكَذَا الْمَهْرُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ فِي الأَصَحِّ، لأنه مال مُلِكَ بمعاوضةٍ، ولهذا ثبتت الشفعة فيما مُلِكَ
بهما، ووجه مقابله أن ذلك لا يُعد تجارة؛ وصحح فِي شرح المهذب القطع بالأول، لَا بِهِبَةِ، أىِ محضة لأن التملك مجاناً لا يُعد تجارة، أما الهبة بشرط الثواب إذا قصد بذلك التجارة فإنه كالشراء، وَاحْتِطَابٍ، لما قلناه فِي الهبة، وَاسْتِرْدَادٍ بِعَيْبٍ، لأنه ليس تجارة، وَإِذَا مَلَكَهُ، أي مال التجارة، بِنَقْدِ نِصَابٍ، أيضاً أي مضروباً كان أو غير مضروب، فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ مِلْكِ النَّقْدِ، أي إذا كان الشراء بالعين، أَمَّا إذا اشترى بِنِصَابٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَّدَهُ ثَمَنَهُ؛ فينقطعُ حولُ النقد ويبتديءُ حول التجارة من حين الشراء؛ لأن النصاب لم يتعين للصرف إلى هذه الجهة كذا جزم به فِي الروضة، وقال فِي شرح الْمُهَذْبِ: لا خلاف فيه، أوْ دُونَهُ، أي أو ملكه بدون نصاب، بِعَرْضِ قِنْيَةٍ، أي كالثياب، فَمِنَ الشِّرَاءِ، لأن ما ملكه لم يكن مال زكاة، وَقِيلَ: إِنْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ سِائِمَة بنَى عَلَى حَوْلِهَا، لأن السائمة مال جارٍ فِي الحول كالنقد، والصحيح: لا بناء؛ لاختلاف الزكاتين قدراً ومتعلقاً.
وَيَضُمُ الرِّبْحَ إِلَى الأَصْلِ فِي الْحَوْلِ إِنْ لَمْ يَنِضَّ، كالنتاج، لَا إِنْ نَضَّ فِي الأَظْهَرِ، أي بجنس رأس المال؛ كعرض اشتراه بمائتين فباعه فِي أثناء الحول بثلاثمائة؛ وتم الحول وهي فِي يده، لأنه متميز بخلاف ما لم ينضَّ فإنه كائن فيه، ويخالف النتاج فإنه متولد من أصل المال وهذا من التصرف؛ فيزكي الأصلَ بحوله والربح يفرد بحول؛ فعلى هذا حولُهُ من حينِ نُضُوضِهِ؛ لأنه سبب إفراده، وقيل: من حين ظهوره؛ لأنه سبب حصوله، والثاني: أنه يُضَمُّ كالنتاج وقد سلف الْفَرْقُ، وسواء أمسك الناضَّ أو لم يمسكه فالخلاف جار على الأصح، أما إذا نضَّ من غيرِ المال؛ فهو كما لو أبدل عرضاً بعرض؛ لأنه لا يقع به التقويم، وقيل: إنه كالجنس، وجميع ما ذكرناه فيما إذا اشترى العرض بنصاب من النقد أو بعرض قيمته نصاب، فأما إذا اشتراه بمائة وباعه بعد ستة أشهر بمائتين وأمسكها إلى تمام الحول، وقلنا بالصحيح؛ وهو: أن النصاب لا يعتبر إلاّ فِي آخر الحول، وأن الربح مع النضوض لا يضم إلى الأصل فِي الحول؛ فيزكي الربح بعد ستة أشهر.
وَالأَصَحُّ: أَنَّ وَلَدَ الْعَرضِ وَثَمَرَهُ مَالُ تِجَارَةٍ، لأنهما جزؤه، والثاني: لا،
لأنهما لم يحصلا بالتجارة، فإن هذا نماءٌ وهي استنماءٌ، وَأَنَ حَوْلَهُ حَوْلُ الأَصْلِ، كنتاج السائمة، والثاني: لا، بل من انفصال الولد وظهور الثمار، والخلاف فِي ولد العرض إذا لم تنقص قيمة الأم بالولادة، فإن نقصت جُبِرَ نقصان الأُم بقيمته وفيه احتمال للإمام، وَوَاجِبُهَا رُبُعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ، أما كونه رُبُعُ عُشْرٍ فلا خلاف فيه كالنقد، نعم: من أين يُخَرَّج؟ فيه أقوال: أصحها ما ذكره؛ ولا يجوز أن يُخَرَّجَ من العرض، لأن متعلق الزكاة هو القيمة، والثاني: يُخَرَّجُ مِنْهُ، والثالث: يتخَيَّر، فَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ، قُوَّمَ بِهِ إِنْ مُلِكَ بنِصَابٍ، لأن النقدَ أقربُ القيم إليه لأنه أصله، فإن بلغ به نصاباً؛ زكَّاهُ؛ وإلاّ فلا، وَكَذَا دُونَهُ فِي الأَصَحِّ، لما قلناه، والثاني: يقوم بغالب نقد البلد، كما لو اشترى بعرض، وموضع الخلاف ما إذا لم يملك من جنس النقد الذي اشترى به ما يتم النصاب، فإن ملك فلا خلاف أن التقويم جنس ما ملك به، قاله الرافعي؛ وقال فِي الروضة: يأتى فيه قولٌ: أنه يقوَّم بغالب نقد البلد، أَوْ بِعَرْضٍ؛ فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، لأنه لما تعذر التقويم بالأصل رجع إلى نقد البلد، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وَبَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَاباً، قُوِّمَ بِهِ، فَإِنْ بَلَغَ بِهِمَا قُوِّمَ بِالأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ، كما فِي اجتماع الحقاق وبنات اللبون، وَقِيلَ: يَتَخَيرُ الْمَالِكُ، أي فيقوّم بأيهما شاء كما يخير معطي الجُبران بين الشاتين والدراهم، وصححه المصنف فِي أصل الروضة، وكلام الرافعي فِي الشرح يقتضيه، وَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ، أي بأن اشترى بمائتي درهم وعرض قنية، قَوَّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَالْبَاقِي بِالْغَالِبِ، فإن كان النقد دون النصاب عاد الوجهان، وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبْدِ التَّجَارَةِ مَعَ زَكَاتِهَا، لاختلاف السبب، وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ سَائِمَةً، فَإِنْ كَمُلَ نِصَابُ إِحْدَى الزَّكَاتَيْنِ فَقَطْ وَجَبَتْ، أي كتسعة وثلاثين من الغنم قيمتها نصاب وأربعين قيمتها دونه، أَوْ نِصَابُهُمَا فَزَكَاةُ الْعَيْنِ، تجب، فِي الْجَدِيدِ، لقوتها؛ لأنها وجبت بالنص والأجماع، ولذلك يكفر
جاحدها بخلاف زكاة التجارة فإنها مختلف فيها، والقديم تغليب زكاة التجارة لقوتها أيضاً فإنها تجب فِي كل شيء؛ وزكاة العين تختص ببعض الأعيان، ولا خلاف أنه لا يجمع بين الزكاتين والأصح طرد الخلاف، سواء اتفق وقت الوجوب
أو اختلف، فَعَلَى هَذَا، يعني الجديد، لَوْ سَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ: بِأَنِ اشْتَرَى بِمَالِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ، أي ولم يقصد القنية، فَالَأصَحُّ: وُجُوبُ زَكَاةِ التَّجَارَةِ لِتَمَامِ حَوْلهَا، كيلا يُحْبَطُ بعضُ حولها، ثُمَّ يَفْتَتِحُ حَوْلاً، أي من مُنْقَرِضِ حَوْلَها (942)، لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَداً، والثاني: تجب زكاة العين عند تمام حولها، وما سبق من حول التجارة يتعطل، والثالث: إن حول السائمة ينبي على حول التجارة كعكسه، أما إذا غلبت زكاة التجارة زكاها فِي آخر حولها جزماً.
وَإذَا قُلْنَا: عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ، أي وهو الأظهر؛ بل بالقسمة كما سيأتي فِي بابه، فَعَلَى الْمَالِكِ زَكَاةُ الْجَمِيعِ، أي رأس المال والربح؛ لأن الجميع ملكه، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حُسِبَتْ مِنَ الرَّبْحِ فِي الأَصَحِّ، كالمؤَن وأرش الجناية والفطرة، وهذا ما نص عليه فِي الأم، والثاني: أنهما من رأس المال خاصة، والثالث: زكاة الربح من الربح؛ وَزَكَاةُ الأَصْلِ مِنَ الأصْلِ؛ لأنها وجبت فيهما، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْس الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنَ الرِّبْحِ، لملكه ذلك، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ، لِتَمَكْنِهِ مِن التوصلِ، والطريق الثاني: القطع بالمنع لعدم استقرار ملكه لاستقرار الخسران، والثالثة: أنه على القولين كالمغصوب؛ لأنه غير متمكن من كمال التصرف.
فَرْعٌ: إذا أوجبنا الزكاة على العامل لم يلزمْهُ إخراجها قبل القسمة، وابتداء حول حِصَّتِهِ من الظهور؛ واذا أراد إخراجها من مال القراض استبدَّ بِهِ على الأصح فِي الجميع (•).
(942) لحديث سَمُرَةَ بن حندب رضي الله عنه؛ قال: (أَنَّ رَسُولَ اللَه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ). رواه أبو داود فِي السنن: كتاب الزكاة: باب العروض إذا كانت للتجارة: الحديث (1562). قُلْتُ: وفي إسناده نظر.
(•) فى هامش النسخة (3): بلغ مقابلةً على أصلٍ قُرِئَ على المصنفِ وعليها خَطُّهُ.