المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الجمعة - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيْقِ

- ‌أولًا: أهمِّيَّةُ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ

- ‌1 - فِي بَيَانِ فَضْلِ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةَ الْفِقْهِ يُحَتِّمُهَا الإِيْمَانُ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةِ الْفِقهِ يُحَتِّمُهَا الْعَمَلُ:

- ‌ثَانِيًا: أَهَمِّيَّةُ كِتَابُ (عُجَالَةُ المُحْتَاجِ إِلَى تَوْجِيهِ المِنْهَاجِ)

- ‌1 - فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ الكِتَابِ:

- ‌2 - نَبْذَةٌ عَنْ كِتَابِ (مِنْهَاجُ الطَّالِبِيْنَ):

- ‌3 - فِي بَيَانِ عَمَلِي فِي الْكِتَابِ:

- ‌ثَالِثاً: فِي بَيَانِ أحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ الْفَقِيْهِ

- ‌1 - فِي بَيَانِ الاِسْمِ وَالنَّسَبِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ شُيُوخِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ:

- ‌4 - فِي بَيَانِ أَحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ مَعَ الْحَيَاةِ:

- ‌5 - فِي بَيَانِ آرَاءِ الْعُلَمَاءِ فِي ابْنِ المُلَقِّنِ:

- ‌6 - فِي بَيَانِ مَنْهَجِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ فِي الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ:

- ‌خُطْبَةُ الإِمَامِ النَّوَوِيِّ

- ‌شَرْحُ غرِيبِ الْخُطْبَةِ

- ‌كِتَابُ الطَهَارَةِ

- ‌ باب المياه والاجتهاد والأوانى

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الحَدَثِ

- ‌بَابُ الوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الخُفِّ

- ‌بَابُ الغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بِابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيْدَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ تَارِكِ الصّلَاةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيْوَانِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ

- ‌بَابُ مَن تلزَمُهُ الزكاةُ وَمَا تجِبُ فيهِ

الفصل: ‌باب صلاة الجمعة

‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

اَلْجُمُعَةُ: هِىَ بِضَمِّ الْمِيْمِ وَفَتْحِهَا وَإِسْكَانِهَا، وَحُكِيَ كَسْرُهَا أَيْضاً، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لاِجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا، وَفِي فَضَائِلِ الأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِىِّ مِنْ حَدِيْثِ أَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ مَرْفُوعاً:[إِنُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيُّامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَهُ، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ منْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى](658).

إِنَّمَا تَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، أي من الأعذار المرخصة لترك الجماعة، فلا جمعة على صبي ومجنون كغيرها من الصلوات وأَوْلى؛ ولا رقيق؛ لأنه ينقطع عن خدمة مولاه، ولا امرأة بالإجماع، ولا مسافر لاشتغاله به، ولا مريض ونحوه للمشقة (659).

(658) عن أبي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ؛ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ؛ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللهِ. وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ. فِيْهِ خَمْسُ خِلَالٍ: خَلَقَ اللهُ فِيْهِ آدَمَ. وَأَهْبَطَ الله فِيْهِ آدَمَ إِلى الأَرْضِ. وَفِيْهِ تَوَفَّى اللهُ آدَمَ. وَفِيْهَ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ الله فِيْهَا الْعَبْدُ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَاماً. وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، رواه ابن ماجه في السنن: كتاب إقامة الصلاة: باب فضل الجمعة: الحديث (1084)، وإسناده حسن. والطبراني في الكبير: الحديث (4511).

(659)

أَدِلَّةُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ:

• قوله: إنما تتعين الجمعة على كُلِّ مُكّلَّفٍ، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة / 9]؛ ولحديث حفصة رضى الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ] رواه النسائي في السنن: باب التشديد في التخلف عن الجمعة: ج 3 ص 89 وإسناده على شرط الصحيح. وفي رواية: [عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاحُ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب في الغسل يوم الجمعة: الحديث (432) وإسناده صحيح.

وابن الجارود في المنتقى: كتاب الصلاة: الحديث (287). =

ص: 356

وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَغْدُورٍ بِمُرَخَّصِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، للحديث السالف في تركِ الجماعة، وَالْمُكَاتَبِ، لأنه عبدٌ (•) ما بقي عليه درهم، وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لأَنَّ رِقَّ الْبَعْضِ يَمْنَعُ من الكمالِ والاستقلال كرق الكل، والثاني: إن كان بينه وبين سَيِّدِهِ مُهايأَةٌ وصادف يوم الجمعة نوبته لزمته لفراغه حينئذٍ.

وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ صَحَّتْ جُمْعَتُهُ، بالإجماع، وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنَ الْجَامِعِ إلّا الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ، أي مَنْ بِهِ عُذْرٌ أُلْحِقَ بِهِ؛ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ إِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ، لأَنَّ التَّرَخُّصَ فِي حَقِّهِمْ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ؛ فإذا حَضَرُوا وتَحَمَّلُوهَا فلَا وجهَ لِلاِنْصِرَافِ، إِلَاّ أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بانْتِظَارِهِ، قُلْتُ: وإذا أقيمت لزمتهم كما قاله الإمام أيضًا، قُلْتُ: ويستثنى أيضًا الأَعمى الذي لا يجد قائداً إذا حضر، فإنها تلزمه بلا خوف لانتفاء

• أمَّا قولُه: حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيْمٍ بِلَا مَرَضٍ؛ لحديث طارق بن شهاب قال: [الْجُمُعَةُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَاّ أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ؛ أَوِ امْرَأَةٌ؛ أَوْ صَبِيٌّ؛ أَوْ مَرِيْضٌ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب الجمعة على المملوك والمرأة: الحديث (1067).

وقال: طارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع منه شيئاً. قلت: قال ابن حجر رأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه مرسلاً. ينظر: تهذيب التهذيب: الترجمة (3080) فالحديث صحيح. ورواه الحاكم موصولاً عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث: في المستدرك: كتاب الجمعة: الحديث (1062/ 37)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

• أمَّا المسافرُ، فإن له رخصة في ترك الجمعة، فلحديث تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ أَوْ مُسَافِرٍ] رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجمعه: الحديث (5731)، وعن جابر رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَاّ عَلَى مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنْهَا بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللهُ عَنْهُ، وَالله غَنِيٌّ حَمِيْدٌ] رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (5732)، وقال: ورواه سعيد بن أبي مريم عن ابن لَهِيْعَةَ فزاد فيهم: [أَوِ امْرَأَةً]. وفي الأثر عن عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه؛ رَأَى رَجُلاً قَدْ عَقَلَ رَاحِلَتَهُ؛ قَالَ: مَا يَحْبِسُكَ؟ قَالَ: الْجُمُعَةُ! قَالَ: إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ مُسَافِراً، فَاذْهَبْ. رواه البيهقي: الأثر (5736).

(•) في هامش نسخة (3): في نسخة - أى ينقل منها - قِن بدل عَبْد.

ص: 357

المشقة كما ذكره في شرح المهذب والتصحيح، وأهل السواد إذا صلَّوا العيد لهم الانصراف على الأصح.

وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إِنْ وَجَدَا مَرْكَباً وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ، لانتفاء الضرر، وَأَعْمَى يَجِدُ قَائِداً، لانتفائه أيضاً والحالة هذه، وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إِنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ عَالٍ فِي هُدُوٍّ مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا، لقوله صلى الله عليه وسلم:[اَلْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ] رواه أبو داود وذكر له البيهقي شاهداً (660)، والمعتبرُ سماع من أصغى إليه ولم يكن أصم ولا جاوز سمعه حد العادة، فإذا سمع ذلك بعض أهل القرية وجب على جميع أهلها، وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ، خوف تفويته، روى البيهقي في كتاب فضائل الأوقات عن الأوزاعي قال: كان عندنا رجلٌ صيَّادٌ يسافرُ يوم الجمعة يصطاد ولا ينتظر الجمعة فخرج يوماً فخسف ببغلته فلم يبق منها إلاّ أُذنها، وروينا عن مجاهد: أن قوماً سافروا يوم الجمعة حين زوال الشمس فاضطرم عليهم خباؤهم من غير أن يروا ناراً (661).

(660) رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحدث (1056)، وقال: روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو، ولم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة. إ. هـ.

وذكر البيهقي له شاهداً في السنن الكبرى: الحديث (5682) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقال: هكذا ذكره الدارقطني رحمه الله في كتابه بهذا الإسناد مرفوعًا. ورويَ عن حجاج بن أرطأةَ عن عمرو كذلك مرفوعًا. إنتهى. قُلْتُ: إسناده مرفوعًا حسن إن شاء الله.

(661)

هذا كلام فيه نظر، وما ينبغي أن يدخل في كتب الفقه، ثم أنه ليس دليلاً على المسألة.

والدليل للمسألة قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعه / 9] والنهي عن تركها للهو أو تجارة، لقوله تعالى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة / 11]، فإذا حان الأذان بحصول وقته، فدخل وجب الأداء إلا من استثناء أمر به الشارع أو رخص لفضيلته كالجهاد. وترك الواجب يوقع المكلف في الإثم، فإذا سافر وقع في المحظور. وليس بالضرورة أن يقع بضرر مادي أو تقع عليه مصيبة خسف أو زلزال أو قذف. والله أعلم.

ص: 358

إِلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ الْجُمُعَةُ فِي طَرِيقِهِ أَوْ يَتَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنِ الرُّفْقَةِ، لانتفائه في الأُولى، والتضرر في الثانية، وَقَبْلَ الزَّوَالِ كَبَعْدِهِ فِي الْجَدِيدِ، لأن الجمعة مضافة إلى اليوم، ولهذا يجب السعي على بعيد الدَّار قبل الوقت، والقديم ونصَّ عليه في حرملةَ أيضاً: أنه لا يَحْرم إذا لم يدخل وقت الوجوب، وهو الزوال؛ كما إذا باع النصاب قبل تمام الحول، إِنْ كَان سَفَراً مُبَاحاً، أي على الجديد ومقابله في السفر المباح،

وَإِنْ كَانَ طَاعَةً، أي واجبة أو مستحبة، جَازَ، أى قطعاً. قُلْتُ: الأًصَحُّ أَنَّ الطَّاعَةَ كَالْمُبَاحِ، وَالله أَعْلَمُ، أي فيجري الخلاف فيه، أما بعد الزوال فيمنع منهما، وإن كان وقع في الْمُحَرَّرِ ما يوهم إجراء الخلاف فيه أيضاً.

وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيهِمْ؛ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِمْ فِي الأَصَحِّ، لعموم الترغيبات الواردة في الجماعة، والثاني: لا، لأن الجماعة في هذا اليوم شعار الجمعة والخلاف في المعذورين في البلد، أما لو كانوا في غيرها فالجماعة تستحب في ظهرهم إِجماعاً، وَيُخْفُونَهَا إِنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ، لئلا يتهموا في الدِّيْنِ وينسبوا إلى ترك الجماعة بها، فإن كان العذر ظاهراً فلا يستحب الإخفاء لانتفاء التهمة حينئذ.

وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ، أي كالعيد يرجو العتق، والمريض يتوقع الخفة، تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إِلَى الْيَأْسِ مِنَ الْجُمُعَةِ، لاحتمال تمكنه منها، ويحصل اليأس برفع الإمام رأسَهُ من الركوع الثاني على الصحيح، وَلِغَيْرِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ تَعْجِيلُهَا، محافظة على فضيلة أوَّل الوقت.

وَلِصِحَّتِهَا مَعَ شَرْطِ غَيْرِهَا شُرُوطٌ: • أَحَدُهَا: وَقْتُ الظُّهْرِ، لأنهما فَرْضَا وقتٍ واحدٍ فلم يختلف وقتهما كصلاة الحضر وصلاة السفر، وادعى ابن التلمساني في كلامه على مطالبة الإِمام بالكفارة والنذر: أنه لا خلاف أن للإمام تعيين وقت إقامة الجمعة، وإن كان موسَّعاً وهو غريباً (662)، فَلَا تُقْضَى جُمُعَةً، أى بل ظهراً

(662) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِيْنَ تَمِيْلُ الشَّمْسُ) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: باب وقت الجمعة: الحديث (904). وفي =

ص: 359

بالإجماع، فَلَوْ ضَاقَ عَنْهَا، أي بأن لم يبق من الوقت مما يسع خطبتين يقتصر فيهما على ما لا بد منه، صَلَّوْا ظُهْراً، كما إذا فات شرط القصر يرجع إلى الإتمام، وَلَوْ خَرَجَ، أي الوقت، وَهُمْ فِيهَا وَجَبَ الظُّهْرُ بِنَاءً، إلحاقاً للدوام بالابتداء، وَفِي قَوْلٍ اسْتِئنَافاً، بناءً على أنها صلاةٌ مستقلةٌ وهذا البناء يقتضي تصحيح هذا فتأمله،

وَالْمَسْبُوقُ كَغَيرِهِ، أي إذا خرج الوقت بعد أن قام إلى تدارك الثانية، وَقِيلَ يُتِمُّهَا جُمُعَةً، لأنها تابعة لجمعة صحيحة وهى جمعة الإِمام، والناس بخلاف ما إذا خرج الوقت قبل سلام الإمام.

• الثَّانِي: أَنْ تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبِنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ، للاتباع، ولو انهدمت قرية فأقاموا على بنائها جَمَّعُواْ نصَّ عليه وتابعوه (663)، وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ الصَّحْرَاءَ أَبَداً، أي فلزموا موضعاً صيفاً وشتاءً، فَلَا جُمُعَةَ فِي الأَظْهَرِ، لأن قبائل العرب كانوا مقيمين حول المدينة وما كانوا يصلونها، ولا أمرهم الشارع بها، وهذا لأنهم على هيئة المستوفزين وليست لهم أبنية المستوطنين (664).

= الباب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وسلمة بن الأكوع أخرجهما مسلم في كتاب

الجمعة: باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس: الحديث (28/ 858) و (3/ 860).

(663)

• لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ - بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ الْبَحْرَيْنِ)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: باب الجمعه في القرى والمدن: الحديث (892).

• وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة: (أَنّهُمْ كَتَبُواْ إِلَى عُمَرَ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ، فَكَتَبَ: [جَمِّعُواْ حَيْثُ كُنْتُمْ]) رواه في الكتاب الْمُصَنِّفِ: كتاب الصلاة: باب من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها: النص (5068) وإسناده صحيح.

• وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عَدي بن عَدي: (أَيَّمَا أَهْلُ مِصْرٍ لَيْسُواْ بِأَهْلِ عَمُودٍ يَنْتَقِلُونَ، فَأَمِّرْ عَلَيْهِمْ أَمِيْراً يُجَمِّعُ بِهِمْ) النص (5069) من الكتاب المصنف.

(664)

أما غير المستوفزين؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُجَمِّعُونَ؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ (أَنَّهُ كَانَ =

ص: 360

• الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةً فِي بَلْدَتِهَا، لأنه لو جاز تعددها لجاز في مسجد العشائر، وذلك لا يجوز بالإجماع فكذا هنا، إِلَّا إِذَا كَبُرَتْ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانِ، وَقِيلَ: لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ، وَقِيلَ: إِنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شَقَّيْهَا كَانَا كَبَلَدَينِ، وَقِيلَ: إِنْ كَاَنَتْ قُرًى فَاتَّصَلَتْ تَعَدَّدَتِ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا، أى في الابتداء، وأعلم أن سبب هذا الاختلاف؛ أن الشافعي رضي الله عنه دخل بغداد وهُم يقيمون الجمعة في موضعين، وقيل: ثلاثة؛ فلم ينكر، فاختلف أصحابنا في سببه على

أوجه أصحها أن سببه الأول من هذه الأوجه، وقيل: إن المسألة اجتهادية وليس للمجتهد أن ينكر على المجتهدين، أو لم يقدر على الإنكار، وقيل: سببه الثالث، وقيل: الرابع.

فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ، أي من حيث لا يجوز التعدد، فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ، لاجتماع الشرائط فيها، واللاحقة باطلة، لا تقدم من أنه لا مزيد على جمعة واحدة، وَفِي قَوْلٍ: إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ، لأنَّ في تصحيح الأُولى افتياتاً عليه أي فَوْتاً، يقال أفتأت عليه بكذا أي فاتَّه به، والمراد به الإمام الأعظم أو خليفته في الإمامة أو الراتب من جهته كما ذكره الجيلي، وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ، لأن به الانعقاد فَأَيَّتُهَا أَحْرَمَ بِهَا أوَّلاً فهي الصحيحة، والأصح أن الاعتبار بآخر التكبير لا بأوله، وَقِيلَ: التَّحَلُّلِ، لأن الصحيحة إذا وقع التحلل عنها أمن عروض الفساد لها،

= يَرَى أَهْلَ الْمِيَاهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِيْنَةِ يُجَمِّعُونَ فَلَا يَعِيْبُ عَلَيْهِمْ) قال ابن حجر: أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح. وهو عند ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف عن مالك: النص (5071) بلفظ: (كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمِيَاهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِيْنَةِ يُجَمِّعُونَ). وأخرج البيهقى عن الوليد بن مسلمة قال: سألتُ اللِّيْثَ بْنَ سَعْدٍ فقال: (كُلُّ مَدِيْنَةِ أَوْ قَرْيَةٍ فِيْهَا جَمَاعَةٌ وَعَلَيْهِمْ أَمِيْرٌ أُمِرُواْ بِالْجُمُعَةِ فَلْيُجَمِّعْ بِهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَ الإسْكَنْدَرِيَّةِ وَمَدَائِنَ مِصْرَ وَسَوَاحِلَهَا كَانُواْ يُجَمِّعُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنَ

الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّان رضي الله عنهما، وَفِيْهَا رِجَالٌ مِنَ الصَّحَابَةِ) في السنن الكبرى: كتاب الجمعة: النص (5710). والأصل في الجمعة في القرى حديث ابن عباس في فعل أهل جواثى. والله أعلم.

ص: 361

بخلاف ما قبل التحلل فكان الاعتبار به أَولى، وَقِيلَ: بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ، نظراً إلى أن الخطبتين بمثابة ركعتين.

فَلَوْ وَقَعَتَا مَعاً أَوْ شَكَّ، اَسْتُؤْنِفَتِ الْجُمُعَةُ، أي إن اتسع الوقت لأن الأصل عدم جمعة مجزية، وَإِنْ سَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ صَلَّوْا ظُهْراً، لأن الجمعة صحَّتْ فلا يجوز عقد جمعة أخرى بعدها، وَفِي قَوْلٍ جُمُعَةً، لأن الأُولى لم تحصل بها البراءة فهى كجمعة فاسدة لفواتِ بعض شروطها وأركانها.

• الرَّابِعُ: الْجَمَاعَةُ، لاجتماع من يعتد به في الإجماع، وَشَرْطُهَا كَغَيْرِهَا، أي من الصلوات، وَحُضُورُ السُّلْطَانِ وَإِذْنُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا على الجديد، وَأَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ، لأنه أقل عدد ثبت فيه التوقيف (665)، مُكَلْفاً؛ حُرّاً؛ ذَكَراً، لأن أضدادهم لا تجب عليهم لنقصهم فلا تنعقد بهم، ولا ينتقض هذا بالمريض لأنها لم تجب عليه رفقاً به، مُسْتَوْطِناً لَا يَظْعَنُ شِتَاءً وَلَا صَيْفاً إِلاً لِحَاجَةٍ، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يجمع بحجة الوداع لعدم الاستيطان (666)، وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى،

(665) لحديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك؛ وكانَ قَائِدَ أَبِيْهِ بَعْدَمَا ذَهَبَ بَصَرُهُ، عَنْ أَبِيْهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إذَا سَمِعْتَ النَّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِى هَزْمِ النَّبِيْتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيْعٍ يُقَالُ لَهُ الْخَضَمَاتُ، قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ. رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب الجمعة في القرى: الحديث (1069). وابن ماجه في السنن: كتاب إقامة الصلاة: الحديث (1082). والحاكم في المستدرك: الحديث (1039/ 14)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. قال البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (5703 و 5704): هذا حديث حسن الإسناد

صحيح.

(666)

لحديث جعفر بن محمد بن علي بن حسين؛ عن أبيه، قال: دَخَلَ عَلَى جابر بن عبد الله، فَذَكَرَ الحديث الطويل فِي الْحَجِّ وفيه:(ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ؛ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى يَعْنِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ؛ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (147/ 1218). وأبو داود في =

ص: 362

لكمالهم، وإنما لم تجب عليهم تخفيفاً، ووجه المنع القياس على العبد؛ وهو قولٌ لا وجه كما حكاه في الروضة تبعاً للرافعي، وَأَنَّ الإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ، لإطلاق الأخبار، والثاني: يشترط لما روى أنه صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بالمدينة ولم يُجْمِع بأقل من أربعين، قال الرافعي: وهذا يُشعر بزيادته على الأربعين، وَلَوِ انْفَضَّ الأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ لَمْ يُحْسَبِ الْمَفْعُولُ فِي غَيْبَتِهِمْ، لأن مقصود الخطبة الاستماع والمراد بالأربعين العدد المعتبر وقد تقدم أن الإمام لا يشترط زيادته على الأربعين، وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إِنْ عَادُواْ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، كما يجوز البناء إذا سلّم ثم تذكر قبل طول الفصل، وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إِنِ انْفَضُّواْ بَيْنَهُمَا، أي وعادوا قبل طول الفصل، فَإِنْ عَادُواْ، أي في المسألتين، بَعْدَ طُولِهِ وَجَبَ الاِسْتِئْنَافُ فِي الأَظْهَرِ، والخلاف مبنيٌّ على وجوب الموالاة في الخطبة، وَجْهُ الوجوبِ إتِّباع الأَوَّلِيْنَ، ووجهُ مقابلهِ أنَّ غرضَ الوعظِ والتذكيرِ يَحصلُ مع تفريق الكلمات.

فَرْعٌ: الاعتبار في طول الفصل وقصره بالعرف.

وَإِنِ انْفَضُّواْ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، أي الجمعة ويتمها ظهراً؛ لأن العدد شرط في الابتداء فيكون شرطاً في سائر الأجزاء كالوقت، وَفِي قَوْلٍ لَا، إِنْ بَقِيَ اثْنَانِ، لأن الثلاثة جمع كالأربعين، ولأنه يفتقر في الدوام ما لا يفتقر في الابتداء (667).

السنن: كتاب المناسك: باب صفة حجه النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (1905). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجمعه: باب الإمام يمر بموضع لا تقام فيه الجمعة مسافراً:

الحديث (5721)، وقال قبله: وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا يوْمَئِذٍ ظُهْراً لَا جُمُعَةً.

(667)

لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أقْبَلَتْ عِيْرٌ تَحْمِلُ طَعَاماً؛ فَالْتَفَتُواْ إِلَيْهَا؛ حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَاّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} . رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: باب إذا نَفَرَ النَّاسُ عن الإمام في صلاة الجمعة فصلاة الإمام وَمَنْ بَقِيَ جائزة: الحديث (936).

ص: 363

وَتَصِحُّ، أي الجمعة، خَلْفَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ فِي الأَظْهَرِ، إِذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ، أما في العبد والمسافر؛ فلأن العدد قد تم بصفة الكمال وجمعتهما صحيحة، وإن لم تلزمهما، وأما في الصبي فالقياس على سائر الفرائض، والثاني: لا تصح، لأن الإمام ليس على صفة الكمال وهو أَولى باعتبارها من غيره، فإن لم يتم العدد بهم فلا تصحِ جزماً، وَلَوْ بَانَ الإِمَامُ جُنُباً أَوْ مُحْدِثاً صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي الأَظْهَرِ إِنْ تَمَّ العَدَدُ بِغَيْرِهِ، كما في سائر الصلوات، والثاني: لا يصح، لأن الجماعه شرط في الجمعه، والجماعة تقوم بالإمام والمأموم، فإذا بان الإمام محدثاً بانَ أن لا جمعه له فلا جماعة بخلاف غيرها، وَإِلَاّ فَلَا، أي وإن لم يتم العدد بغيره لم تصح جمعتهم قطعاً، وَمَنْ لَحِقَ الإِمَامَ الْمُحْدِثَ رَاكِعاً لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، لأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع بإدراك الركوع على خلاف الحقيقة، وإنما يصار إليه إذا كان الركوع محسوباً من صلاة الإِمام ليتحمل به عن الغير، والثاني: يحسب كما لو أدرك معه ركعة، والأول فرق بأنه لا يمكن التصحيح هنا بخلاف ثمَّ فَرْعٌ: أربعون أميّون في درجة واحدة جازت جمعتهم بخلاف ما إذا كان بعضهم غير أمّي، وهذا عكس الخطبة فإنهم إن جهلوها لم تجز بخلاف ما إذا كان بعضهم يجهلها لأن الخطبة شرط لصحتها ذكره البغوي فِى فتاويه (•).

• اَلْخَامِسُ: خُطْبَتَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، للاتباع (668)، وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ:

• حَمْدُ الله تَعَالَى، للاتباع أيضاً (669).

(•) في الحاشية للنسخة (3): بلغ مقابلةً على نسخة قُرأت على المصنف وعليها خطه.

(668)

لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا).

رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: الحديث (928). وفي رواية له قال: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ قَائِماً، ثُمَّ يَقْعُدُ؛ ثُمَّ يَقُومُ؛ كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ) رواه البخاري في الصحيح: الحديث (920). ومسلم في الصحيح: كتاب الجمعة: الحديث (33/ 861).

(669)

لحديث جابر بن عبد الله يقول: (كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ الله ويثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ =

ص: 364

• وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كالأذان والصلاة، وفي دلائل النبوة للبيهقي من حديث عيسى بن ماهان عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا حكاية عن الله تعالى:[وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِمْ خُطْبَةٌ حَتَّى يَشْهَدُواْ أَنَّكَ عَبْدِي وَرَسُولِي](670) وفي السيرة في أول خطبة خطبها لَمّا قدم من الهجرة [وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ](671)، وَلَفْظُهُمَا مُتَعَيِّنٌ، اتباعاً لما درجوا عليه في الأمصار فلا يجزي الْحَمْدُ، لِلرَّحْمَنِ.

• وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى، أى والطاعة للاتباع (672)، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظّهَا عَلَى الصَّحِيحِ، لأن الغرض الوعظ والحمل على طاعة الله فيقوم مقامه أيَّ وعظٍ كان،

= يَقُولُ صبحكم ومساكم، وَيَقُولُ:[بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ]). رواه مسلم في الصحيح: كتاب الجمعة: الحديث (43 و 44/ 867).

(670)

دلائل النبوة للبيهقي: باب الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عُرِجَ به إلى السماء: ج 1 ص 402، شطر حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في هذه الآية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. والخبر بطوله رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان: النص (16622). قال "الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج 1 ص 72: رواه البزار ورجاله موثوقون إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو غيره. قلت: والقول اضطرب في عيسى بن ماهان.

(671)

في دلائل النبوة للبيهقي: باب أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة: ج 1 ص 524: عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: كَانَتْ أَوَّلَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِيْنَةِ، أَنّهُ قَامَ فِيْهِمْ فَحَمَدَ الله وَأَثْنَى عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: الخطبة

إلى قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: [فَاعْبُدُواْ الله وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً، وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُواْ الله صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابُّواْ بِروْحِ اللهِ بَيْنَكُمْ، إِنَّ الله يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ، وَالسَّلَامُ

عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ] ينظر: السيرة النبوية لابن هشام: منازل المهاجرين بالمدينة: باب أول خطبه خطبها عليه الصلاة والسلام: ج 2 ص 146 وص 147.

(672)

ينظر ما قبله.

ص: 365

والثاني: يتعين كالحمد والصلاة، قلت: ولا بد من الحث على الطاعة والمنع من المعصية.

وَهَذِهِ الثَّلَاَثُةُ أَرْكَانٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، أمَّا الْحَمْدُ ففي صحيح مسلم:[كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَحَمَدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ] الحديث (673). وأمَّا الصَّلَاةُ فلقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ومعناها إِذَا ذُكِرَ اللهُ ذُكِرَ مَعَهُ، كما ورد في الحديث صححه ابن حبان (674)، وأما الوصية بالتقوى فلأنها مقصود كل خطبة.

• وَالرَّابِعُ: قِرَاءَةُ آيَةٍ، لحديث جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال:[كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ]، رواه مسلم (675)، فِي أِحْدَاهُمَا، لإطلاق ما ذكرناه، وَقِيلَ: فِي الأُوْلَى، لأنها أحق بالتطويل، وَقِيلَ: فِيهِمَا، لأنها ركن فأشبهت الثلاثه الأول، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ، لأن مقصود الخطبة بعد ذكر الله ورسوله الوعظ.

(673) ينظر الرقم (669).

(674)

الشرح / 4.

• وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُواْ الله فِيْهِ، وَلَمْ يُصَلُّواْ عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَاّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ

شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ] رواه الترمذي في الجامع: كتاب الدعوات: باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله: الحديث (3380)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: تِرَةٌ: يعني حَسْرَةً وَنَدَامَةً. والبيهقي في السنن الكبرى: الحديث (5866).

• أَمَّا كَيْفِيَّةُ الصُّلَاةِ: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال لي كعب بن عجرة: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ. فَكَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْكَ؟ قَالَ: [قُولُواْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ] رواه ابن حبان في الإحسان: الحديث (909).

(675)

رواه مسلم في الصحيح: كتاب الجمعة: باب ذكر الخطبتين: الحديث (34/ 862).

ص: 366

• وَالْخَامِسُ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، للاتباع وكذا للمؤمنات، كما صرح به الغزالي في وسيطه والقاضي وغيرهما، فِي الثَّانِيَةِ، لأن الدعاء يليق بحالة الاختتام، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، كما في غير الخطبة وهو قول على الصواب.

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا عَرَبِيَّةً، اتباعاً لما جرى عليه رسم الناس، فإن لم يكن فيهم من يحسنها خطب بلسانه مُدَّةَ التَّعَلُّمِ، مُرَتَّبَةِ الأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الأُوْلَى، أى فيبدأ بالحمد ثم بالصلاة ثم بالوصية، وَبَعْدَ الزَّوَالِ، وَالْقِيَامُ فِيهِمَا إِنْ قَدَرَ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا، للاتباع، وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ، أي بالإمام، كَامِلِينَ، لأن مقصود الوعظ لا يحصل إلاّ بالإبلاغ، ولا يكفي أن يخطب سرّاً ورفع الصوت بقدر ما يبلِّغ، لكن لو كانوا أو

بعضهم صمّاً فالأصح عدم الاجزاء كما لو بعدوا لفوات المقصود، قُلْتُ: فعلى هذا يعتبر السماع والاستماع.

وَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الْكَلَامُ، وَيُسَنُّ الإِنْصَاتُ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على السائل عن الساعة وهو يَخْطُبُ (676)، والقديم وهو منصوص الاملاء: أنه يحرم الكلام ويجب الإنصات لقوله تعالى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ذكر في التفسير أنها وردت في الخطبة (677).

(676) لحديث أنس بن مالك يقول: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَشَارَ إِليْهِ النَّاسُ أَنِ اسْكُتْ، فَسَأَلَهُ ثَلَاثَ

مَرَّاتٍ؛ كُلُّ ذَلِكَ يُشِيْرُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الثَّالِثَةِ:[وَيْحَكَ مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: باب الإشارة بالسكوت دون التكلم به: الحديث (5930). قُلْتُ: لعله يعذر لجهله فلم ينكر عليه، فالوجوب ترك الكلام، أى فعل الإنصات؛ وترك الإنصات إثم، أما الكلام فليس بحرام من حيث هو، وإنما فعله يخرج المكلف عن فعل الإنصات ويوقعه في الإثم لأنه ترك واجباً هذا على رأى من قال بأن الإنصات واجب. ولهذا أشار الصحابة إليه بالصمت، ولم يُجِبْهُ الرسول صلى الله عليه وسلم إلا في الثالثة، وفي الروايات الأخرى أنه أجابه بعد أن انتهى من الصلاة. والله أعلم.

(677)

الأعراف / 204: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} . قال الإِمام ابن جرير الطبري رحمه الله: (اختلف أَهْلُ التأويل في الحال التي أمر الله =

ص: 367

قُلْتُ: الأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالله أَعْلَمُ، لأن المقصود الوعظ وهو حاصل ولم يرد نص في اشتراط الترتيب، وَالأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ، للاتباع، ولها أثر ظاهر في استمالة القلوب، والثاني: لا، لأن غرض الوعظ والتذكير يحصل مع تفريق الكلمات وقد سبق هذا قريباً أيضاً، وَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَالسَّتْرُ، للاتباع (678)، والثاني: لا، كاستقبال القبلة.

= بالاستماع لقارئ القرآن إذا قرأ، والإنصات له، فقال بعضهم: ذلك حال كون المصلي في الصلاة خلف إمامٍ يَأْتَمُّ بِهِ، وهو يسمع قراءة الإِمام عليه أن يسمع لقراءته.

وقالوا: في ذلك أنزلت هذه الآية)، ثم ذكره قال ذلك في آثاره من (12099 - 12119). ثم قال:(وقال آخرون: بل عُني بهذه الآية الأمر بالإنصات للإمام في الخطبة إذا قرئ القرآن في الخطبة) ثم ذكر الأثر عن مجاهد قال: (الإنصات للإمام يوم الجمعة): الأثر (12120)، ثم قال:(وقال آخرون: عُني بذلك: الإنصات في الصلاة وفي الخطبة) عن عطاء قال: (وجب الصموت في اثنتين: عند الرجل يقرأ القرآن وهو يصلي، وعند الإِمام وهو يخطب): الأثر (12122)، وعن الحسن قال:(في الصلاة المكتوبة وعند الذكر): الأثر (12123)، ثم قال أبو جعفر الطبرى رحمه الله:(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: أُمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإِمام، وكان مَن خلفه ممن يَأْتَمُّ به يسمعه، وفي الخطبة) وقال: (وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إِذَا قَرَأَ الإِمَامُ فَأَنْصِتُواْ] وإجماع الجميع على أن مَن سَمِعَ خطبة الإِمام ممن عليه جمعة، الاستماع والإنصات لها، مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّهُ لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والإنصات لسامعه من قارئه إلا في هاتين الحالتين على اختلاف في أحدهما، وهى حالة أن يكون خلف الإِمام مُؤْتَمُّ به). ينظر: جامع البيان في تفسير القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري: ج 6 ص 215 - 221. أما الحديث [إِذَا قَرَأَ الإِمَامُ فَأَنْصِتُواْ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (63/ 404).

(678)

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى إِلَى الْجُمُعَةِ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَى] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الجمعة: باب فضل من استمع وأنصت: الحديث (26 و 27/ 857). وأبو داود في السنن: كتاب الصلاة: =

ص: 368

وَتُسَنُّ عَلَى مِنْبَرٍ، للاتباع، أَوْ مُرْتَفَعٍ، لقيامه مقامه في تحصيل الإبلاغ (679)، وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيهِمْ إِذَا صَعَدَ، وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَيَجْلِسَ ثُمَّ يُؤَذَّنُ، للاتباع (680)، وَأَنْ تَكُونَ بَلِيغَةً، أى فصيحة لأنها أوقع في القلوب من

= باب فضل الجمعة الحديث (1050). ولحديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي

صلى الله عليه وسلم: [لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيْبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَاّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: الحديث (883).

(679)

• أما المنبر فلحديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَدُنَ، قَالَ لَهُ تَمِيْمٌ الدَّارِيّ: أَلَا أَتَّخِذُ لَكَ مِنْبَراً يَا رَسُولَ اللهِ يَجْمَعُ، أَوْ يَحْمِلُ عِظَامَكَ؟ قَالَ لَهُ:[بَلَى] فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَراً مِرْقَاتَيْنِ. رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب في اتخاذ المنبر: الحديث (1081).

• وأما المرتفع، فلحديث جابر رضي الله عنه قال:(كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إلَيْهِ. النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ، حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: باب الخطبة على المنبر: الحديث (917).

ولحديث ابن عمر: (أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ حَنَّ الْجِذْعُ، حَتَّى أَتَاهُ فَالْتَزَمَهُ، فَسَكَنَ) رواه الترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما جاء في الخطبة: الحديث، (505)، وقال: حسن غريب صحيح.

(680)

• أَمَّا أَنّهُ يُسَلِّمُ على مَنْ عِنْدَ المنبرِ، فلحديث جابر رضي الله عنه؛ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَعَدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ) رواه ابن ماجه في السنن: كتاب إقامة الصلاة: باب ما جاء في الخطبة: الحديث (1109) وفيه ابن لَهِيْعَةَ.

• أَمَّا أَنَّه يُقبلُ عليهم، فلحديث ابن عمر وهو شاهد لحديث جابر، عن نافع عن ابن عمر، قال:(كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَنَا مِن مِنْبَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْجُلُوسِ، فَإِذَا صَعَدَ الْمِنْبَرَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بوَجْهِهِ؛ ثُمَّ سَلَّمَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجمعة: باب الإِمام يُسلَّم: الحديث (5838)، وقال: تفرد به عيسى بن عبدا لله الأنصاري، وقال: قال أبو سعد: قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ: عامَّةُ ما يرويه لا يُتَابَعُ عليهِ. إهـ. قال الهيثمي: ورواه الطبراني في الأوسط

وفيه عيسى بن عبد الله الأنصاري وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات. إهـ. =

ص: 369

الكلام المبتذل (681)، مَفْهُومَةً قَصِيرَةً، لأن الغريب الذي لا يفهم لا يؤثر؛ قصيره لقوله صلى الله عليه وسلم:[فَأَطِيْلُواْ الصَّلَاةَ وَاقْصُرُواْ الْخُطْبَةَ] رواه مسلم (682)، وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِيناً وَشِمَالاً في شَيْءٍ مِنْهَا، أي بل يُقبل عليهم فِى جميعها، وَيعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصاً وَنَحْوِهِ، لأنه عليه الصلاة والسلام خطَبَ على قوس أو عصا، رواه أبو داود، وروى أنه اعتمد على سيف، ويكون ذلك بيده اليسرى (683)، وَيَكُونُ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا، أي

= مجمع الزوائد: باب سلام الخطيب: ج 2 ص 184.

• أَمَّا أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يُؤَذَّنُ، فلحديث السائب بن يزيد؛ (أَنَّ الأَذَانَ الأَوَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلَ حِيْنَ يَجْلِسُ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: باب التأذين عند الخطبة: الحديث (916).

(681)

اَلْبَلَاغَةُ: هي الكلام لمقتضى الحال، بقصد الغاية وتحقيق المطلوب؛ ولحديث جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال:(كُنْتُ أُصَلِّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَوَاتِ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْداً وَخُطْبَتُهُ قَصْداً) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الجمعة: باب تخفيف الخطبة: الحديث (41/ 866)، وفي رواية بزيادة:(يَقْرَأُ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ) رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (1101) وفي لفظ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُطِيْلُ الْمَوْعِظَةَ يَوْمَ الْجُمُعَهِ، إِنَّمَا هِيَ كَلِمَاتٌ يَسِيْرَةٌ) رواه أبو داود في السنن: الحديث (1107). والبيهقي في السنن الكبرى: الحديث (5857).

(682)

لحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه؛ عن أبي وائل، قال: خَطَبَنَا عَمَّارٌ رضي الله عنه؛ فَأَبْلَغَ وَأَوْجَزَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [إِنَّ طُوْلَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ. فَأَطِيْلُواْ الصَّلَاةَ وَأَقْصُرُواْ الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً] رواه مسلم في الصحيح: كتاب

الجمعة: الحديث (47/ 869).

(683)

لحديث الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيِّ قال: أَقَمْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّاماً شَهِدْنَا فِيْهَا الْجُمُعَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَكَّأُ عَلَى قَوْسٍ أَوْ قَالَ عَلَى عَصَى، فَحَمَدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، بكَلِمَاتٍ خَفِيْفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ:[أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيْقُواْ]

أو [إِنَّكُمْ لَنْ تَفْعَلُواْ كُلَّمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُواْ وَقَارِبُواْ وَأَبْشِرُواْ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب الرجل يخطب على قوس: الحديث (1096). والبيهقي في السنن الكبرى: الحديث (5846)، وقال: وكذلك رواه سعيد بن منصور وغيره =

ص: 370

بين الخطبتين، نَحْوَ سُورَةِ الإِخْلَاصِ، وَإذَا فَرَغَ فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ فِي الِإقَامَةِ وَبَادَرَ الإِمَامُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ، والمعنى فيه المبالغة في تحقيق الموالاة، وَيقْرَأُ فِي الأُوْلَى الْجُمُعَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ، للاتباع (684)، وصح في الأُولى بـ {سَبِّحِ} وفي الثانية {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} وفي سنن النسائي:(أنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيْرٍ؛ مَاذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى أثَرِ سُوْرَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (685)، جَهْراً، بالإجماع.

فَائِدَةٌ: روى المنذري في جزء جَمَعَهُ في ما جاء في غفران ما تقدم من الذنوب وما تأخر من حديث أنس رفعه: [مَنْ قَرَأَ إِذَا سَلَّمَ الاِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أنْ يَثْنِي رِجْلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَقُلْ هُوَ اللُّه أَحَدٌ وَالْمُعَوَذَتَيْنِ سَبْعاً سَبْعاً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَأُعْطِيَ مِنَ الأجْرِ بِعَدَدِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولهِ](686)، وروى ابن السني عن حديث عائشة رفعته:[مَنْ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قُلْ هُوَ اللُّه أَحَدٌ وَالْمُعَوَّذَتَيْنِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعَاذَهُ اللُّه بِهَا مِنَ السُّوْءِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى].

فَصْلٌ: يُسَنُّ الْغُسْلُ لِحَاضِرِهَا، لقوله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغتسِلْ] رواه ابن حبان والحاكم (687)، وإنما لم نُوْجِبْهُ لقوله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ

عن شهاب بن خراش. وإسناده حسن.

(684)

لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، (أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِيْنَ) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الجمعه: باب ما يقرأ في يوم

الجمعة: الحديث (64/ 879). ومثله عن أبى هريرة: الحديث (61/ 877).

(685)

رواه النسائي في السنن: باب القراءة في صلاة الجمعة: ج 3 ص 111 - 112. وفي السنن الكبرى للنسائي: كتاب الجمعة: باب القراءة في صلاة الجمعة: الحديث (1737/ 4) وإسناده صحيح. وفي صحيح مسلم: الحديث (62 و 63/ 878).

(686)

ينظر: إتحاف السادة المتقين للزبيدى: ج 3 ص 271.

(687)

رواه ابن حبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب غسل الجمعة: الحديث (1223). ولم أجده بهذا اللفظ عند الحاكم في المستدرك. والله أعلم.

ص: 371

تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ] صححهما أبو حاتم (688)، وَقِيلَ: لِكُلِّ أَحَدٍ، أي وإن لم يحضر كيوم العيد، وَوَقْتُهُ مِنَ الْفَجْرِ، لأن الأخبار علقته باليوم لقوله عليه السلام:[مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَهً] الحديث (689)، وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذِهَابِهِ أَفْضَلُ، لأنه أبلغ في المقصود، فَإنْ عَجَزَ، أي عن الماء بأن توضأ ثم عدمه أو كان جريحاً في غير أعضاء وضوئه، تَيَمَّمَ فِي الأصَحِّ، لأن الشرع أقامه عند العجز مقامه، والثاني: لا، لأن المقصود التنظيف وقطع

الروائح الكريهة، والتيمم لا يفيده وهو احتمال للإمام وفيه ضعف، لأن الوضوء أيضاً شرع للوضاءة وبالنظافة على ما اشعر به اسمه ويقوم التيمم مقامه، كذلك هنا، وَمِنَ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْعِيِدِ، وستأتي الدلالة عليه في بابه، وَالْكُسُوفِ وَالاِسْتِسْقَاءِ، لأن كلاً منهما صلاة يشرع لها الاجتماع فسُنَّ الغسل كغسل الجمعة.

وَلِغَاسِلِ الْمَيِّتِ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فَلْيَغْتَسِلْ] رواه الترمذي وحَسَّنَهُ (690) وخالف المزنى، وقوَّاه المصنف في شرح المهذب، وَالْمَجْنُونِ،

(688) لم أجده في صحيح ابن حبان (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان). وهو بهذا اللفظ أخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء والشعبي وإبراهيم أنهم قالوا: النص. وأخرجه بلفظ [فَذَلِكَ أفْضَلُ] عن الحسن عن سَمُرَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحديث. أخرجهما ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف: كتاب الطهارة: باب من قال الوضوء يجزء من الغسل: النص (5023) والحديث (5026). وإسناده صحيح. وفي جامع الترمذي: الحديث (497) بلفظ: [مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالغُسْلُ أفْضَلُ]، وقال: حديث حسن.

(689)

رواه البخاري في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الجمعة: باب فضل الجمعة: الحديث (881). والترمذي في الجامع: كتاب أبواب الصلاة: باب في التبكير إلى الجمعة: الحديث (499).

(690)

رواه الترمذي في الجامع: كتاب الجنائز: باب ما جاء في الغسل: الحديث (993) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[مِنْ غُسْلِهِ الْغُسْلُ. وَمِنْ حَمْلِهِ الْوُضُوءُ] يعني الميت.

وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن وقد رويَ عن أبي هريرة موقوفًا.=

ص: 372

وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَا، لثبوته في الإغماء (691)، والجنون من باب أَوْلى لأن قلَّ مَنْ جُنَّ إلَاّ وَأَنْزَلَ، وَالْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ، أي بعده تعظيماً للإسلام، وقد أمر به عليه الصلاة والسلام قيس بن عاصم وغيره (692)، وإنما لم يجب لأن جماعة أسلموا فلم يأمرهم به صلى الله عليه وسلم (693)، ثم هذا إذا لم يجنب في حال كفره، وإلاّ فالأصح أن يلزمه، ولو اغتسل في كفره، وَأَغْسَالُ الْحَجِّ، لما سيأتي في بابه إن شاء الله.

فَرْعٌ: ينوي بهذه الأغسال أسبابها إلاّ الإغتسال من الجنون فإنه ينوي الجنابة والمغمى عليه، كذا نقل عن صاحب الفروع وفيه نظر.

وَآكَدُهَا غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ ثُمَّ الْجُمُعَةُ، لأن غسل الميت عنده واجب على المشهور، والغسل من غسل الميت اشْتَهَرَ الْخِلَافُ فيه، وَعَكْسُهُ الْقَدِيمُ، أى فقال:

واللفظ لابن حبان كما جاء في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب نواقض الوضوء: ذكر الأمر بالوضوء من حمل الميت: الحديث (1185).

(691)

لحديث عائشة رضى الله عنها عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: [أَصَلّى النَّاسُ؟ ] قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. قَالَ:[ضَعُواْ لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ] قَالَتْ: فَفَعَلْنَا. فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:[أَصَلِّى النَّاسُ؟ ] قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:[ضَعُواْ لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ]

ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (681).

(692)

عن قيس بن عاصم؛ قال: (أَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيْدُ الإِسْلَامَ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ). رواه أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب الرجل يسلم فيؤمر بالغسل:

الحديث (355). والترمذي في الجامع: كتاب أبواب الصلاة: الحديث (605).

وقال: حديث حسن.

(693)

عن عُثَيْم بنِ كُلَيْب، عَن أبيهِ، عن جَدِّهِ؟ أنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قَدْ أسْلَمْتُ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ] يَقُولُ: احْلِقْ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي آخَرُ، أَنَّ النَّبيَّ قَالَ لآخَرَ مَعَهُ:[أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: الحديث (356). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجهارة: باب الكافر يسلم فيغتسل: الحديث (834).

ص: 373

إن غسل الجمعة آكد منه، لأن الأخبار فيه أصح وأثبت. قُلْتُ: اَلْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ الأَكْثَرُونَ، وَأحَادِيثُهُ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاللُّه أَعْلَمُ، قُلْتُ: في هذه الدعوة أعني أنه ليس للجديد حديث وقفة عظيمة تتضح لك بمراجعة الشرح وتصحيح الترمذي وابن حبان وابن السكن، لحديث أبي هريرة فيه (694). وابن خزيمة والحاكم والبيهقي، لحديث عائشة فيه (695).

وَيُسَنُّ التَّبْكِيرُ إِلَيْهَا، للحديث السالف، ويستثنى الإمام من ذلك، مَاشِياً بِسَكِينَةٍ، أي إن لم يضق الوقت للحث عليها، وخالف الماوردي فقال في إقناعه: يمشي إليها بسكينة وإن خاف الفوات (696)، وَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورِهِ بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ، لقوله عليه الصلاة والسلام: [فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمَدُ

إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ] رواه مسلم (697) وفي الصحيحين [وَأَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا

(694) ينظر الرقم (678).

(695)

عن عبدالله بن الزبير، عن عائشة رضى الله عنها؛ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ؛ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَمِنَ الْحِجَامَةِ، وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ) رواه

أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب في الغسل يوم الجمعة: الحديث (348).

والحاكم في المستدرك: كتاب الطهارة: الحديث (582/ 137)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي قال: رواه نعيم عنها، على شرط البخاري ومسلم. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الطهارة: باب الغسل من غسل الميت: الحديث (1470).

(696)

الإقناع لأبى الحسن على بن محمد الماوردي: كتاب الصلاة: باب هيئات الجمعة: ص 52؛ قال: (أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْهَا بِالسَّكِيْنَةِ وَالوقارِ غَيْرَ مُسْرِعٍ وَإنْ خَافَ الْفَوَاتَ، وَلَا يَتَكَلْمَ بِهُجْرٍ، وَلْيَكُنْ تَالِياً الْقُرْآنَ). والأصل في ذلك حديث أبي قتادة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا أتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِيْنَةِ؛ فَمَا أدْرَكْتُمْ فَصَلُّواْ وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّواْ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب قول الرجل: فاتتنا الصلاة: الحديث (635).

(697)

رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب استحباب اتيان الصلاة بوقار وسكينة:

الحديث (152/ 602).

ص: 374

دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ] (698) وفي التنزيل {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ

} (699)، وَلَا يَتَخَطَّى، للنهي عنه، نعم إن كان إماماً أو بين يديه فرجة فإنه لا كراهة، ويستثنى من الثانية ما إذا زاد التخطي على صفين كما نص عليه في الأم (700)، وَأَنْ يَتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَطِيبٍ وَإِزَالَةِ الظُّفْرِ، أي إن طال لأحاديث في ذلك (701)، وَالرِّيحِ، أي الكريهة لئلا يؤذي الناس. قُلْتُ: وَأَنْ يَقْرَأَ الْكَهْفَ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، للحث عليه (702)، وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ، رجاء أن يصادف ساعة الإجابة،

(698) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الصلاة: باب الصلاة في مسجد السوق: الحديث (477).

ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب فضل صلاة الجماعة: الحديث (272/ 649).

(699)

النور / 36: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} .

(700)

لحديث عبدالله بن بُسر رضي الله عنه؛ قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [اِجْلِسْ فَقَدْ أذَيْتَ]. رواه أبو داود في السنن: باب تخطي رقاب الناس: الحديث (1118). والنسائي في السنن: باب النهي عن تخطي رقاب الناس: ج 3 ص 103.

(701)

لحديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيْبٍ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ،

فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَاَ كَتَبَ الله لَهُ، ثُمْ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ صَلاِتهِ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا] رواه أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب في الغسل يوم الجمعة: الحديث (343). ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه، (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ) رواه البزار في كشف الأستار في كتاب الجمعة؛ ونسبه الهيثمى فقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط؛ وفيه إبراهيم بن قدامة، قال البزار: ليس بحجة إذا انفرد بحديث، وقد تفرد بهذا، قلت: ذكره ابن حبان في الثقات. إهـ. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: باب الأخذ من الشعر والظفر يوم الجمعة: ج 2 ص 170.

(702)

لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّوْرِ مَا بَيْنَ الْجُمْعَتَيْنِ] رواه الحاكم في المستدرك: كتاب التفسير: تفسير سورة الكهف: الحديث (3392/ 529)، وقال: هذا حديث صحيح=

ص: 375

وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، للأمر بالاكثار منها كما صححه الحاكم وغيره (703)، وفي مقدم فضائل الأوقات للبيهقي من حديث أبي عميس عن عون بن عبدالله عن أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها قالت:[مَنْ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَقُلْ هُوَ اللُّه أَحَدٌ وَالْمُعَوَّذَتَيْنِ سَبْعَ مَرَّاتٍ حُفِظَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى]، وفي رواية:[مَنْ قَرَأَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ](704).

وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ، أي من تلزمه، التَّشَاغُلُ بالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، أي كالصنائع وكل ما يشغل عن السعي إليها، بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الأَذَانِ بَينَ يَدَيِّ الْخَطِيبِ، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (705) ولو تبايع رجلان أحدهما تلزمه، والآخر لا تلزمه، حرم عليهما على الأصح، وخرج بقوله (بَيْنَ يَدَيِّ الْخَطِيْبِ) النداء الأول، فَإِنْ بَاعَ صَحَّ، لأن النهى لمعنى خارج عن العقد فلم يمنع الصحة كما في الصلاة في الدار المغصوبة،

الإسناد ولم يخرجاه.

(703)

لحديث أوس بن أوس الثقفي؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ مِنْ أفْضَلِ أيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ فِيْهِ خُلِقَ أَدَمُ وَفِيْهِ قُبِضَ، وَفِيْهِ النَّفْخَةُ؛ وَفِيْهِ الصًّعْقَةُ، فَأَكْثِرُواْ عَلَيَّ مِنَ

الصَّلَاةِ فِيْهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوْضَةٌ عَلَيَّ] قَالُواْ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ قَالَ: [إِنَّ الله عز وجل قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ] رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الجمعة: الحديث (1029/ 4)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي قال: على شرط البخاري. ورواه أبو داود في السنن: الحديث (1047). والنسائي في السنن: باب إكثار الصلاة على النبي يوم الجمعة: ج 3 ص 91.

(704)

قال النووى في الأذكار: وروينا في كتاب ابن السني عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ قَرَأَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

] ينظر: كتاب الأذكار للنووي: الأذكار في صلوات مخصوصة: باب الأذكار المستحبة يوم الجمعة: ص 154. وحكاه السيوطي في الدر المنثور في التفسير المأثور: تفسير سورة الاخلاص: ج 8 ص 674.

(705)

الجمعة / 9.

ص: 376

وَيُكْرَهُ قَبْلَ الأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأنه دخل وقت وجوب الجمعة، أما قبل الزوال فلا يكره بحال.

فَائِدَةٌ: في فضائل الأوقات للبيهقي من حديث عمر رفعه: [إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ عِنْدَ اللهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ] وفيه عن سهل بن سعد رفعه: [إِنَّ لَكُمْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، فَالْحَجَّةُ الْهَجِيْرُ لِلْجُمُعَةِ وَالْعُمْرَةُ انْتِظَارُ الْعَصْرِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ](706) ثم قال: هذا حديثان غريبان، فنسأل الله استعمالهما، وفي الدعوات للمستغفري عن عراك بن مالك؛ أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف في باب المسجد فقال: اللَّهُمَّ أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ وَصَلَّيْتَ فَرِيْضَتَكَ وَانْتَشَرْتُ لِمَا أَمَرْتَنِي فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِيْنَ.

فَصْلٌ: مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ، أي المحسوب للإمام لا كالمحدث كما سلف، أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فَيُصَلَّيَ بَعْدَ سَلَامِ الإِمَامِ رَكْعَةً، لقوله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى] رواه الحاكم، وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين (707)، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَهُ فَاتَتْهُ، لمفهوم الحديث المذكور، فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِهِ ظُهْراً أَرْبَعاً، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ، أي هذا المدرك بعد ركوع الثانية، يَنْوِي فِي اقْتِدَائِهِ الْجُمُعَةَ، موافقة للإمام، والثاني: الظهر، لأنها التي تحصل له، وَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ مِنَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا، أي من الصلوات، بِحَدَثٍ، أي تعمده أو سبقه، أوْ غَيْرِهِ، أي كرُعاف وبلا سبب أيضاً، جَازَ الاِسْتِخْلَافُ فِي الأَظْهَرِ، لأن عمر رضي الله عنه استخلف في صلاته كما رواه البيهقي (708)، والثاني: المنع، لأنها صلاة واحدة فلا تجوز

(706) رواه البيهقى في السنن الكبرى: كتاب الجمعة: باب ما روى في انتظار الصلاة: الحديث (6044) عن سهل بن سعد الساعدي، وقال: وروى ذلك عن أبي مَعْشَرٍ عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً، وفيهما جميعاً ضَعْفٌ.

(707)

الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الجمعة: الحديث (1079/ 54)، وقال ما أثبته ابن الملقن رحمه الله، ووافقه الذهبي عليه فقال: صحيح.

(708)

رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب الصلاة بإمامين: الأثر (5358) =

ص: 377

بإمامين، كما لا يجوز الاقتداء بهما معاً.

فَرْعٌ: لو لم يستخلف في الجمعة وجب على القوم في الأُولى دون الثانية.

وَلَا يَسْتَخْلِفُ لِلْجُمُعَةِ إِلَاّ مُقْتَدِياً بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ، لأنه لا يجوز افتتاح جمعة بعد جمعة، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَلَا الرَّكْعَةَ الأُوْلَى فِي الأَصَحِّ فِيهِمَا، أما الاولى فوجه الاشتراط فيها القياس على ما إذا استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم فإنه لا يجوز، ووجه عدمه أنه بالإقتداء صار في حكم من سمع الخطبة، وأما الثانية: فوجه الاشتراط بناء على أنه غير مدرك الجمعة، ووجه عدمه أن الخليفة

الذي كان مقتدياً بالإمام بمثابة الإمام، وقوله: على الأصح صحيح في الأُوْلى دون الثانية فَصَوَابُهُ: التعبير فيها بالأظهر كما ذكره في أصل الروضة وغيرها، ثُمَّ إِنْ كاَنَ أَدْرَكَ الأُوْلَى تَمَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَإلَّا فَتَتِمْ لَهُمْ دُونَهُ فِي الأَصَحِّ، لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة كاملة فيتمها ظهراً، والثاني: تتم له جمعة أيضاً، ونقله العمراني والمتولي عن أكثر الأصحاب لأنه صلّى ركعة من الجمعة في جماعة فتتم الجمعة كما لو صلّى ركعة منها مأموماً، وَيُرَاعِي الْمَسْبُوقُ نَظْمَ الْمُسْتَخْلَفِ، فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً تَشَهَّدَ وَأَشَارَ إِلَيْهِمْ لِيُفَارِقُوهُ أَوْ يَنْتَظِرُواْ، لأنه قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ اسْتِئْنَافُ نِيَّةِ الْقُدْوَةِ فِي الأَصَحِّ، لأن الغرض من الإستخلاف إِدَامَةُ الْجَمَاعَةِ التي كانت وتنزيل الخليفة منزلة الأول، والثاني: يلزمهم استئنافها لأنهم بعد خروج الإمام من الصلاة قد انفردوا، ألا ترى أنهم يسجدون لسهوهم في تلك الحالة.

فَصْلٌ: وَمَنْ زُوحِمَ عَنِ السُّجُودِ فَأَمْكَنَهُ عَلَى إِنْسَانٍ فَعَلَ، لقول ابن عمر رضي الله عنه:(إِذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيْهِ)(709) ولا نعرف له مخالفاً، ولا بُدَّ من رعاية هَيْئَةِ السَّاجِدِيْنَ وإلّا فلا يفعله، وحكم ظهر البهيمةِ كَالإِنْسَانِ قاله الشيخُ

وكذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ الأثر (5359).

(709)

رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجمعة: باب الرجل يسجد على ظهر مَن بين يديه في الزحام: الأثر (5727 و 5728).

ص: 378

نصر، وَإِلَّا، أي إذا لم يمكنه السجود، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ، وَلَا يُومِئُ بِهِ، لقدرته عليه ونُدور هذا القدر وعدم دوامه، والثاني: أنه يومئُ بالسجودِ أقصى ما يمكنه لمكان العذر، والثالث: يتخير بينهما، ثُمَّ إِنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ رُكُوعِ إِمَامِهِ، أي في الثانية، سَجَدَ، تداركاً له عند زوال العذر، فَإِنْ رَفَعَ وَالإِمَامُ قَائِمٌ قَرَأَ، جرياً على متابعتهِ وتخلفه بعذر، فإن رفع الإمام قَبْلَ أن يُتِمَّ الفاتحةَ؛ فالأصح أنه يتابعه ويترك القراءة، أَوْ وَالإِمَامُ رَاكِعٌ فَالأَصَحُّ يَرْكَعُ وَهُوَ كَمَسْبُوقٍ، لأنه لم يدرك محلها فسقطت عنه، والثاني: يلزمه قراءتها ويسعى وراء الإمام وهو متخلف بعذر؛ لأنه مُؤْتَمُّ بالإمام في حال قراءته فلزمته بخلاف المسبوق، فَإِنْ كَانَ إِمَامُهُ فَرَغَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً بَعْدَهُ، لأَنَّهُ فاتتهُ ركعة كالمسبوق، وَإِنْ كَانَ سَلَّمَ فَاتَتِ الْجُمُعَةُ، لأنه لم يدرك معه ركعة، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ حَتَّى رَكَعَ الإِمَامُ، أي في الثانية، فَفِي قَوْلٍ يُرَاعِي نَظْمَ نَفْسِهِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُواْ](710) وقد سجد الإمام في الأُوْلى فيسجد هو امتثالاً للأمر، وَالأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ، لأن متابعةَ الإمامِ آكدُ، ولهذا يتبعه المسبوق إذا أدركه راكعاً ويترك القراءة والقيام، وُيحْسَبُ رُكُوعُهُ الأَوَّلُ فِي الأَصَحِّ، لأنه أتى به وقت الاعتداد بالركوع، وركوعه الثاني إنما كان للمتابعة، والثاني: بحسب الثاني لتعقبه السجود، فَرَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الأُوْلَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ، وَيُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ فِي الأَصَحِّ، لإطلاق الحديث السالف:[مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى](711)، والثاني: لا، لنقصانها، فَلَوْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ عَالِماً بِأَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ، أى تفريعاً على

الأظهر، بَطَلَتْ صَلَاتَهُ، لأنه سجد في موضع الركوع عالماً بتحريمه، وَإِنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ لَمْ يُحْسَبْ سُجُودُهُ الأَوَّلُ، لأنه أتى به في غير موضعه، ولا تبطل به صلاته، لقيام العذر به، فَإِذَا سَجَدَ ثَانِياً حُسِبَ، قاله جماعةٌ، واستشكله الرافعي وأشار إليه في

(•) في النسحة (2) و (3): يَرْعَى.

(710)

تقدم في الرقم (557 و 558).

(711)

تقدم في الرقم (707).

ص: 379