المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صفة الصلاة - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيْقِ

- ‌أولًا: أهمِّيَّةُ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ

- ‌1 - فِي بَيَانِ فَضْلِ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةَ الْفِقْهِ يُحَتِّمُهَا الإِيْمَانُ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةِ الْفِقهِ يُحَتِّمُهَا الْعَمَلُ:

- ‌ثَانِيًا: أَهَمِّيَّةُ كِتَابُ (عُجَالَةُ المُحْتَاجِ إِلَى تَوْجِيهِ المِنْهَاجِ)

- ‌1 - فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ الكِتَابِ:

- ‌2 - نَبْذَةٌ عَنْ كِتَابِ (مِنْهَاجُ الطَّالِبِيْنَ):

- ‌3 - فِي بَيَانِ عَمَلِي فِي الْكِتَابِ:

- ‌ثَالِثاً: فِي بَيَانِ أحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ الْفَقِيْهِ

- ‌1 - فِي بَيَانِ الاِسْمِ وَالنَّسَبِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ شُيُوخِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ:

- ‌4 - فِي بَيَانِ أَحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ مَعَ الْحَيَاةِ:

- ‌5 - فِي بَيَانِ آرَاءِ الْعُلَمَاءِ فِي ابْنِ المُلَقِّنِ:

- ‌6 - فِي بَيَانِ مَنْهَجِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ فِي الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ:

- ‌خُطْبَةُ الإِمَامِ النَّوَوِيِّ

- ‌شَرْحُ غرِيبِ الْخُطْبَةِ

- ‌كِتَابُ الطَهَارَةِ

- ‌ باب المياه والاجتهاد والأوانى

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الحَدَثِ

- ‌بَابُ الوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الخُفِّ

- ‌بَابُ الغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بِابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيْدَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ تَارِكِ الصّلَاةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيْوَانِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ

- ‌بَابُ مَن تلزَمُهُ الزكاةُ وَمَا تجِبُ فيهِ

الفصل: ‌باب صفة الصلاة

إذا لم يتيقن الخطأ، وبه قال الأئمة الثلاثة ونقله الترمذي عن أكثر أهل العلم (351) واحترز بالتيقن عن الظن فإنه لا قضاء قطعًا، لأنَّ الإجْتِهَادَ لَا يُنفَضُ بِالاِجْتِهَادِ، والمراد باليقين هنا ما يمتنع معه الاجتهاد، فيدخل فيه خبر الثقة عن المعاينة. وقوله (قَضَى) يُشعر بأن صورة المسألة ما إذا بان بعد الوقت؛ فإن بَانَ فيه وجب قطعًا كما نقله في نظيره من الاجتهاد في وقت الصلاة والصوم، وفي كلام الرافعي في الباب ما يدل عليه، لكن في كتاب ابن القاص في دلائل القبلة ما حاصله جريان القولين مطلقًا، فَلَوْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا وَجَبَ اسْتِئنَافُهَا، أي سواء عرف الصواب معه أم لم يعرفه، وِإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ عَمِلَ بِالثَّانِي، لأنه الصواب في ظنه الناجز، وَلَا قَضَاءَ، لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالاِجْتِهَادِ فَلَا قَضَاءَ، لما قلناه.

‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

الصِّفَةُ هُنَا الْكَيْفِيَّةُ، أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ:

* الأَوَّلُ: النِّيَّةُ: لأنها واجبةٌ في بعض الصلاة وهو أولها فكانت ركنًا كالتكبير وغيره، فَإِنْ صَلَّى فَرْضًا وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ، ليمتاز عن سائر الأفعال، وَتَعْيِينُهُ، من كونه ظهرًا أو عصرًا أو غيرهما ليمتاز على سائر الصلوات، ولو عبر بقوله قصد فعلها بضمير المؤنث وتعيينها كما في الْمُحَرَّر لكان صوابًا ليعودَ الضميرُ على الصلاة، لأن الفرض ذكره بعده، وَالأَصَحُّ وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرَضِيَّةِ، لتمتاز عن صلاة الصبي

والصلاة المعادة في جماعة، والثاني: لا؛ لأن الصبي إذا صلى ثم بلغ في الوقت يجزيه

(351) في الجامع الصحيح: أبواب الصلاة: ج 2 ص 177؛ قال الترمذي: وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا. قالوا: إذا صلَّى في الْغَيْمِ لغيرِ الْقِبْلَةِ؛ ثُمَّ اسْتَبَانَ لَهُ بَعْدَمَا صَلَّى أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَإنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ. وَبِهِ يَقُولُ سفيانُ الثورىُّ، وابنُ المباركِ، وأحمد، وإسحق.

ص: 189

ما أتى به ولو كانت نيةُ الفرضيةِ مشترطةً لما أجزاهُ ذلك؛ لأنه لم يَنْوِ الفرضية. قُلْتُ: لكن صحح المصنف في التحقيق أن نية الفرضية لا تشترط في صلاة الصبي، والنذر كالفرض كما حكاه ابن الرفعة عن بعضهِم وأقره، دُونَ الإِضَافَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، لأن العبادة لا تكون إلّا لله، والثاني: تجب لتحقق معنى الإخلاص قال تعالى: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا

} الآية (352).

وَأَنَّهُ يَصِحُّ الأَدَاءُ بنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ، لأن القضاء والأداء يستعمل كل منهما بمعنى الآخر. قال تعالى: {فَإذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ

} (353) أيما أدّيتم، والثاني: يشرطان ليتميز كل منهما عن الآخر وهو قوي، قَال المصنفُ: ومرادُ الأصحاب من نوى ذلك وهو جاهل بالوقت لغيم ونحوه دون العالم بالحال، وَالنَّفْلُ ذُو الْوَقْتِ أَوِ السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ، أي من قصد الفعل والتعيين. قُلْتُ: لكن تحية المسجد يكفي فيها نية مطلق الصلاة كما قاله ابن الرفعة، ولعل مراده الاطلاق مع التقييد بعددها.

وَفِي نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ، أي كما في التعرض في الفرض للفرضية ليتميز عنها.

قُلْتُ: الصَّحِيحُ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لعدم المعنى الذي علل به الاشتراط في الفرضية، وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطلَقِ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ، لأنها أدنى درجات الصلاة، فإذا قصد الصلاة وجب أن تحصل له، وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ، بالإجماع، وَيُنْدَبُ النُّطْقُ قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ، لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ.

* الثَّانِي: تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ، بالاتفاق كما قاله الرافعي، نَعَمْ قيل: إنها شرط حكاهُ الرويانى (354)، وَيَتَعَيَّينُ عَلَى الْقَادِرِ: اللهُ أَكْبَرُ، لأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ

(352) الليل / 19.

(353)

النساء / 103.

(354)

لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: [مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ؛ وَتَحْرِيْمُهَا التَّكْبِيرُ؛ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ] وفي زيادة عند الترمذي: [وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا] وأقوى منه إسنادًا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظه.

أما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، رواه الترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما=

ص: 190

إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: [الله أَكْبَرُ] رواه ابن ماجه وإسناده صحيح (355)، فلا ينعقد بقوله الله الكبير لفوات مدلول أَفْعَلُ وهو التفضيل، ولا بقوله الرَّحْمَنُ أو الرَّحِيمُ أَكْبَرُ، والحكمة في افتتاح الصلاة به استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه لِيِمْتَلِئَ هَبْيَةً فيحضر قلبه ويخشع ولا يغيب، وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ الأِسْمَ كَالله الأَكْبَرُ، أى بل هو أبلغ في التعظيم، وَكَذَا لله الْجَلِيلُ أَكْبَرُ فِي الأَصَحِّ، كزيادة أل، والثاني: يضر لِتَغَيُّرِ النَّظْمِ، لَا أَكْبَرُ الله عَلَى الصَّحِيحِ، لأنه لا

يسمى تكبيراً بخلاف عكس السلام، والثالث: لا يضر، لأن تقديمَ الخبرِ جائزٌ.

فَرْعٌ: لو قال: والله أكبر؛ لم تصح صلاته، بخلاف والسلام عليكم في آخر الصلاة، لأنه زاد حرفاً كذا رأيته في فتاوى القفال.

فَائِدَةٌ: نقل الإمام فخر الدين في تفسيره عن اتفاق المتكلمين: أَنَّهُ مَنْ عَبَدَ وَدَعَا لأَجْلِ الْخَوْفِ مِنَ الْعِقَابِ وَالطَّمَعِ فِي الثَّوَابِ لَمْ تصح عبادته ولا دعاؤه ذكر ذلك عند قوله تعالى (356): {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (357) وجزم في أوائل تفسير الفاتحة: أنه لو قال أُصلي لثواب الله أو الهرب من عقابه فسدت صلاته.

وَمَنْ عَجَزَ، أي عن النطق بالعربية ولم يقدر على التعلم، تَرْجَمَ، أي بمدلول التكبير من أيِّ لغة شاء ولا يعدل إلى ذكر؛ لأنه ركن عجز عنه، فلا بدَّ له من بدلٍ، والترجمة أقرب إليه من غيره فتعينت، وَوَجَبَ التَّعَلْمُ إِنْ قَدَرَ، أي ولو بالسفر كسائر فروض الصلاة.

= جاء في تحريم الصلاة: الحديث (238) وقال: هذا حديث حسن، وابن ماجه في السنن: كتاب الطهارة: الحديث (276). والحاكم في المستدرك: الحديث (457/ 12) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وحديث علي رضي الله عنه، وراه الترمذي في الجامع: كتاب الطهارة: الحديث (3) وإسناده صحيح.

(355)

هو حديث أبي حميد عبدالرحمن الساعدي رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ:[الله أكْبَرُ]. رواه ابن ماجه في السنن: باب إقامة الصلاة: الحديث (803) وإسناده صحيح.

(356)

الأعراف / 55.

(357)

التفسير الكبير للإمام الرازي: ج 14 ص 134 - 135، ط 2 دار الكتب العلمية، طهران.

ص: 191

وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيهِ فِي تَكْبِيرِهِ، بالإجماع، والمراد باليدين هنا الكفان، حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، للاتباع كما أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر (358)، وَالأَصَحُّ رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ، أي مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء، والثاني: ييتدء به مع ابتدائه وينهيه مع انتهائه أيضاً، وصححه المصنف في شرح المهذب، والثالث: يرفع بلا تكبير ويكبر مع حط يديه.

وَيَجِبُ قَرْنُ النّيَّةِ بِالتَّكْبيِرَةِ، أي بجميعه وذلك بأن يستحضر جميع ما أوجبناه فيها من نية الفعل والتعيين؛ والفرض من أول التكبير إلى أخره بحيث تقارن هذه الثلاث كل حرف منه، لأن التكبير من الصلاة فلا يجوز الاتيان بشئ منه قبل تمام النية، وَقِيلَ: يَكْفِي بِأَوَّلِهِ، لأن ما بعد أول التكبير في حكم الاستدامة. واستصحاب النية في حميع دوام الصلاة لا يجب ذكراً، وهو ما رأيته في فتاوى القفال، وأجاب الأول: بأن النية شرط في الانعقاد، والانعقاد لا يحصل إلاّ بتمام التكبير، وهذا الوجه صححه الرافعي في الطلاق، وقال ابن العَرَبي المالكي: - سمعت أبا الحسن القَرُّويِّ يقول: سمعت إمامَ الحرمين يقولُ: يحضر الإنسان عند التلبس بالصلاة النية، ويُجَرَّدُ النظر في قِدَمِ الصانع وحدوث العالَم والنَّبُوَّاتِ حتى ينتهي نظره إلى نِيَّةِ الصَّلَاةِ، قال: ولا يحتاج ذلك إلى زمن طويل، بل يكون في أَوْحَى لحظة، لأنَّ تَعليمَ الجُمَلِ يفتقر إلى زمان طويل، وتذكرها يكون في لحظة.

الثَّالِثُ: اَلْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ، بالأجماع، وخرج بالفرض النفل، وبالقادر العاجز، وسيأتي حكمهما، وَشَرْطُهُ نَصْبُ فَقَارِهِ، أي وهو عظام الظهر أي مفاصله، لأن اسم القيام دائر معه، فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِياً، إلى قدامه، أَوْ مَائِلاً، أي إلى اليمين أو

(358) لحديث عن عبد اللَه بن عمر رضى الله عنهما قال: [رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ، فَرَفَعَ يَدَيهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلْهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ؛ وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ، وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (738). ومسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (22/ 390).

ص: 192

إلى اليسار، بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِماً لَمْ يَصِحَّ، لأنه مأمور بالقيام وهذا لا يسمى قياماً، فَإِنْ لَمْ يُطِقْ انْتِصَاباً وَصَارَ كَرَاكِعِ، أي كالمتقوس ظهره ونحوه، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ كَذَلِكَ، لأنه أقرب إلى القيام، وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إِنْ قَدَرَ، تمييزاً بينهما، ومقابله هو قولُ الإمام أنه يلزمه الصلاة قاعداً، فإذا وصل إلى الركوع لزمه الارتفاع إليه، لأن الذي أمكنه هيئة تخالف هيئة القيام، قال: وهذا ما دل عليه كلام الأئمة.

وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ دُونَ الرَّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أي لعلة بظهره تمنع الإنحناء، قَامَ وَفَعَلَهُمَا بقَدَرِ إِمْكَانِهِ، للحديث الصحيح:[وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُواْ مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ]، (359) فيحني صلبه قدر الإمكان، فإذا عجز فرقبته ورأسه، فإن عجز وأمكنه باعتماد شيء وجب وإلا أَوْمَأَ.

وَلَوْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ قَعَدَ، بالإجماع، كَيْفَ شَاءَ، لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام لعمران وكانت به بواسير:[صَلِّ قَائِماً فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ] رواه البخاري (360)، زادَ النَّسَائِيُّ [فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فمُسْتَلْقٍ لَا يُكَلَّفُ الله نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا](361)، وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ، أي وتوركه وغيرهما، فِي

(359) تقدم في الرقم (160).

(360)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب تقصير الصلاة: باب إذا لم يُطق قاعداً صَلَّىِ على جنبٍ: الحديث (1117). وسببه، عن عمران بن حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ بِى بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ:[صَلِّ ..... ] الحديث.

(361)

رواه النسائي في السنن الكبرى: كتاب قيام الليل: باب فضل صلاة القاعد على النائم: الحديث (1362). وفي السنن الصغرى: كتاب الصلاة: فضل صلاة القاعد على صلاة النائم: ج 3 ص 224. وليس فيه هذه الزيادة، ولعل هناك خطأ في العزو إلى النسائي، والله أعلم.

• رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (951 و 952). والترمذي في الجامع: كتاب الصلاة: الحديث (381 و 372). وابن ماجه في السنن: كتاب إقامة الصلاة: الحديث (1223).

• وروى الدارقطني بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: [يُصَلَّى =

ص: 193

الأَظْهَرِ، لأنه قعود العبادة فكان أولى من التربع الذي هو قعود العادة، قال الماوردي: هذا مخصوص بالرجل، وأما المرأة فالأولى لها التربع لأنه أستر لها، والثاني: أن تربعه أَوْلى لئلا يلتبس بالتشهد.

وَيُكْرَهُ الأِقْعَاءُ، للنهي عنه كما أخرجه الحاكم وصححه (362)، بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ، أي والورك أصل الفخذ، نَاصِباً رُكْبَتَيْهِ، لما فيه من التشبيه بالكلاب والقردة، ويكره أن يقعد أيضاً مادّاً رجليه.

ثُمَّ يَنْحَنِي لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ، أي من الأرض، وَالأَكْمَلُ أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ، أي لأنه سيأتى: أنَّ أقل ركوع القائم أن ينحني قدر بلوغ راحتيه ركبتيه، وأكمله تسوية ظهره وعنقه، ومن فعل الأول حاذت جبهته ما قدام ركبتيه، ومن فعل الثاني حاذت جبهته موضع سجوده، فيكون أيضاً أقل ركوع القاعد، وأكمله بأن ينتهي إلى هذه الحالة.

فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقُعُودِ صَلَّى لِجَنْبِهِ، للحديث السالف، الأَيْمَنِ، لفضله، فَاِنْ عَجَزَ فَمُسْتَلْقِياً، للحديث السالف، وَللْقَادِرِ التَّنَفُّلُ قَاعِداً، بالإجماع، وَكَذَا مُضْطَجِعاً فِى الأَصَحِّ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[وَمَنْ صَلِّى نَائِماً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ] رواه البخاري (363)، والمراد به المضطجع، والثاني: لا يجوز؛ لأنه يُذْهِبُ صُورَتَهَا لغير

= الْمَرِيضُ قَائِماً إِنِ اسْتَطَاعَ، فَاِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِداً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُوَدَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِداً صَلِّى عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ صَلَّى مُسْتَلْقِياً رِجْلَيْهِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ]، رواه الدارقطني في السنن: ج 2 ص 42 - 43 وإسناده ضعيف.

(362)

الحديث عن سُمُرة بن جندب قال: [نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ] رواه الحكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (1005/ 332): ج 1 هـ 405. وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.

(363)

وقد تقدم في الرقم (382): عن عُمران بن حصين قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ =

ص: 194

عذر. وإذا قلنا بالأول فهل يجزي الاقتصار على الايماء بالركوع والسجود أم يشترط أن يركع ويسجد ويتم كالقاعد؟ فيه وجهان؛ أصحهما الثاني. قال في شرح مسلم: وَإِذَا اضْطَجَعَ فَعَلَى يَمِيْنِهِ، فَإِنِ اضْطَجَعَ عَلَى يَسَارِهِ جَازَ، وَهُوَ خِلَافُ الأَفْضَلِ، قَالَ: فَإِنِ اسْتَلْقَى مَعَ إِمْكَانِ الإِضْطِجَاعِ لَمْ يَصِحَّ، وَقِيْلَ: الأَفْضَلُ مُسْتَلْقِياً وَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ صَحَّ، قَالَ: وَالصَّوَابُ الأَوَّلُ (364).

فَرْعٌ: أفتى بعض المتأخرين بأن عشرين ركعة من قعود أفضل من عشر من قيام لما في الأول من زيادة الركوع وغيره، ويحتمل خلافه لأنها أكمل (365).

الرَّابِعُ: القِرَاءَةُ، لما سيأتي، وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ دُعَاءُ الاِفْتِتَاحِ، أي وهو: [وَجَّهْتُ وَجْهِي

إلى آخره] للاتباع. كما أخرجه مسلم (366). ومن نقل عن

= الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ؟ فَقَالَ: [مَنْ صَلَّى قَائِماً فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِداً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِماً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِد] رواه البخاري في الصحيح: كتاب تقصير الصلاة: باب صلاة القاعد بالإيماء: الحديث (1116) وقال: نائماً عندى مضطجعاً هنا.

(364)

المنهاج شرح صحيح مسلم للنووي: كتاب المسافرين: شرح باب جواز النافلة قائماً وقاعداً: ج 5 ص 261 نهاية الباب. والمثبت في النسخة المطبوعة من شرح صحيح مسلم للنووي: (وأنه إذا اضطجع لا يصح). وعندي في جميع النسخ من العجالة لابن الملقن بدون (لا) وكما هو في المتن (وإذا اضطجع صح) فعلى الأغلب أن في النسخة المطبوعة من شرح صحيح مسلم خطأ طباعي أو سهو من المحقق. فانتبه.

(365)

لا يتفق هذا المفهوم ودلالة النص كما جاءت في حديث عمران بن حصين السابق: [وَمَنْ صَلَّى قَاعداً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ]. ثم أن خلافه أتم وأكمل في التأسي ما لم تكن علَّة من مرض. ولا يستساغ التأويل مع وجود النص.

(366)

الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ؛ قَالَ: [وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَبذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعاً، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذَّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي =

ص: 195

الشافعي وجوبه فقد غلط، كما نبّه عليه الشيخُ تَقِيُّ الدِّيْنِ في شرح العمدة، ثُمَّ التَّعَوُّذُ، لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ

} (367) أي إذا أردت القراءة، وستعرف في العيد استحباب التكبيرات بعد دعاء الافتتاح وقبل التعوذ، وفي صلاة الجماعة أنه لا يأتي بهما إلاّ إذا علم إدراك الفاتحة، وَيُسِرُّ بِهِمَا، كسائر الأذكار المستحبة، وَيَتَعَوَّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأنه قراءة جديدة يبتدي في كل ركعة، وَالأُوْلَى آكَدُ، للاتفاق عليها ولأن افتتاح القراءة في الصلاة إنما هو فيها، والطريق الثاني قولان: أحدهما هذا، والثاني: يتعوذ في الأُولى فقط، لأن القراءة في الصلاة واحدة، وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لأنه عليه الصلاة والسلام لما عَلَّمَ المسيء صلاته قال له:[إِذَا اسْتَقْبَلْتَ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ] رواه ابن حبان في صحيحه (368)، إِلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ،

= لأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ لَا يهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبِّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَاْ بِكَ وَإِلَيْك تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: الحديث (201/ 771). (389) النحل / 98.

(368)

الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: صفة الصلاة: باب ذكر البيان بأن فرض المرء في صلاته قراءة الفاتحة: الحديث (1784) بلفظ مقارب.

• هو حديث رِفَاعَةَ بْنُ رَافِعٍ: قَالَ لِلْمُسِيْء صَلَاتَهُ: [أَجَلْ، إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ الله، ثُمَّ تَشَهَّدْ وَأَقِمْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ؛ وَإِلَاّ فَاحْمَدِ الله وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ؛ ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعاً

] رواه الترمذي في الجامع الصحيح: كتاب أبواب الصلاة: باب ما جاء في وصف الصلاة: الحديث (302) وقال: حديث رفاعة حديث حسن.

• وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان عن ابن أبى أوفى قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي لَا أَسْتَطيعُ أَتعَلَّمَ الْقُرْآنَ فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: [قُلْ: سُبْحَانَ اللهِ؛ وَالْحَمْدُ اللهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ] باب صفة الصلاة: ذكر الأمر بالتسبيح: الحديث (1805 و 1806 و 1807). وإسناده صحيح.

ص: 196

أي لأنه إذا أدرك الإمام راكعاً أدرك الركعة كما سيأتى بشرطه في الجماعة، وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا، لقوله صلى الله عليه وسلم:[إِذَ، قَرَأْتُمُ الْحَمْدَ فَاقْرَأُواْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعِ الْمَثَانِي، فَبِسْمِ اللهِ الرُّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِحْدَى آيَاتِهِ] رواه الدارقطني بإسناد كُلُّ رِجَالِهِ ثِقَاتٍ، وذكره ابن السكن في سننه الصحاح المأثورة (369)، وَتَشْدِيدَاتُهَا، أي منها أيضاً، لأن المشدد حرفان أوَّلُهما ساكن فإذا خفف أسقط أحدهما، وَلَوْ أَبْدَلَ ضَاداً بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ فِي الأَصَحِّ، كما لو أبدلَ غيرها، والثاني: يصح لعسر التمييز ومقتضى إطلاقهم الجزم بالبطلان في الأتيان بالدال المهملة عوضاً عن المعجمة في الذين فَافْهَمْهُ! وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا، لأنه مناط البلاغة والإعجاز، وَمُوَالَاتُهَا، لأنها التلاوة المعتادة فإن تركها ناسيًا فلا استئناف، فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ، أي كتسبيح لداخل ونحوه ولو كان قليلاً، قَطَعَ الْمُوَالَاةَ، للإعراض وتغيير النَظْمِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينهِ لِقِرَاءَةِ إِمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ، أي ونحوها كسؤاله لقراءة آية رحمة أو عذاب؛ وسجود لتلاوة، فَلَا فِي الأَصَحِّ، لأنه نُدِبَ إلى هذه في الصلاة لمصلحتها فالاشتغال بها عند عروض أسبابها لا يُجعل قطعاً، والثاني: تبطل كما لو فتح على غير إمامه أو أجاب المؤذن، والفتح هو تلقين الآية عند التَّوَقُّفِ فيها، قال في التَّتِمَّةِ: ولا يرد عليه ما دام يردد الآية وإنما يَرُدُّ إذا سكت، وَيَقْطَعُ، أي المولاة، السُّكُوتُ الطْوِيلُ، لإشعاره بالأعراض، قال القفال في فتاويه ومنها نقلتُ: وجاز أن يقال تبطل صلاته، أيضاً إلاّ أنه مشكل لأن قراءة غير الفاتحة في خلالها يقطعها ولا تبطل به الصلاة، وَكَذَا يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الأَصَحِّ، لاجتماع السكوت والقصد، والثاني؛ لا تبطل؛ لأن القصد وحده لا يؤثر، وكذا السكوت اليسير فكذا إذا اجتمعا.

فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ، أي ولم يمكنه التعلم ولا النظر في مصحف ولا التلقين، فَسَبْعُ

(369) رواه الدارقطني في السنن: كتاب الصلاة: باب وجوب قراءة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: الحديث (36) منه: ج 1 ص 312.

ص: 197

آياتٍ، أي ولا يترجم عنها ولا ينتقل إلى الذكر؛ لأن القرآنَ بالقرآنِ أشبهُ، وإنما أوجبناه سبع آيات لأن هذا العدد مرعيّ في الفاتحة فراعيناه في بدلها، مَتَوَالِيَةٌ، فَإِنْ عَجَزَ، عنها، فَمُتَفَرِّقَةٌ، لأن المتوالية أشبه بالفاتحة، واعتبر الإمام أن تكون مفهمة.

قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ، أي في الأُمِّ، جَوَازُ الْمُتَفَرِّقَةِ مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَالله أَعْلَمُ، كما في قضاء رمضان، فَإِنْ عَجَزَ، أي عن المتوالية المتفرقة، أَتَى بِذِكْرٍ، للأمر به كما أخرجَهُ الترمذيُّ وَحَسَّنَهُ (370)، والأصحُّ: أنه لا يتعين شيء من الذكر.

وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ عَنِ الْفَاتِحَةِ فِي الأَصَحِّ، أى سواء كان المبدل قرآناً أو ذكراً كما لا يجوز النقص عن آياتها، وحروف الفاتحة مائة وخمس وخمسون حرفاً بالبسملة إلا لمن أدغم أو قرأ مالك فإنها تنقص حرفاً وتزيد حرفاً، والثاني: يجوز كما يكفي يوم قصير عن يوم طويل، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً وَقَفَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ، لأنه كان يلزمه عند القدرة قيام وقراءة، فإذا فات أحدهما بقى الآخر.

وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ آمِينَ، للاتباع (371) واختص التأمين بالفاتحة، لأن بعضها

(370) عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فِي حَدِيْثِ الرَّجُلِ الْبَدَوِيِّ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [فَارْجِعْ فَصَلِّ، فَإنِّكَ لَمْ تُصَلِّ] فَقَالَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: فَأَرِنِي وَعَلِّمْنِي؛ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُصِيْبُ وَأُخْطِئُ؟ فَقَالَ: [أَجَلْ، إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَتَوَضَّأُ كَمَا أَمَرَكَ الله، ثُمَّ تَشَهَّدْ وَأَقِمْ، فَإِنْ كَان مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ؛ وَإِلَّا فَاحْمَدِ الله وَكَبَّرْهُ وَهَلِّلْهُ]. رواه الترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: ما جاء في وصف الصلاة: الحديث (302)، وقال: حديث رفاعة حديث حسن.

• يُعَضِّدُهُ حديث عبد الله بن أبى أوفى؛ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النْبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّي لَا أَسْتَطِيْعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآن شَيْئاً فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ؟ قَالَ: [قُلْ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا الله؛ وَالله أَكْبَرُ؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَاّ بِاللهِ]. الحديث رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب ما يجزئ الأَميَّ والأعجميَّ من القراءة: الحديث (832). والنسائي في السنن: كتاب الصلاة: ما يجزئ من القراءة لمن لا يحسن القراءة: ج 2 ص 143.

(371)

لحديث أبى هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُواْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ =

ص: 198

دعاء فاستحب أن يسأل الله إجابته، قال البيهقي في كتاب فضائل الأوقات: وروينا من حديث عائشة مرفوعاً [حَسَدَتْنَا الْيَهُودُ عَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هُدِينَا لَهَا وَضَلُّواْ عَنْهَا، وَعَلَى الْجُمُعَةِ وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الإِمَامِ آمِينَ](372)، خَفِيفَةِ الْمِيمِ بِالْمَدِّ. وَيَجُوزُ الْقَصْرُ، قُلْتُ: والإمالة والتشديد أيضاً، وآمين: اسمُ فِعْلٍ، يَعْنِي اسْتَجِبْ؛ وهي مبنية على الفتح؛ كَلَيْتَ فإن وقف عليها سكَّنَ.

وَيَؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ إِمَامِهِ، لأنه يؤمِّن لقراءته لا لتأمينه، وَيَجْهَرُ بِهِ، أي المأموم في الجهرية، فِي الأَظْهَرِ، كإمامه، والثاني: يُسِرُّ بِهِ كَسَائِرِ الأَذْكَارِ، أما المنفرد والإمام فيجهران قطعاً، ولا يعتد بخلاف فيه، والسرية يُسِرُّ فيها جميعهم كالقراءة، قال صاحب الخصال من قدماء أصحابنا: أربع خصال يجهر بها المأموم خلف إِمامِهِ: قوله آمين، وكذا القنوت في صلاة الصبح، وكذلك في التراويح وكذلك إذا فتح على إمامه.

وَتُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، للاتباع، واحزز بقوله (بَعْدَ) عَمَّا إذا قدمها عليها فإن السورة لا تحسب على المذهب المنصوص، ولو كرر الفاتحة وقلنا لا تبطل صلاته لم تحسب الثانية عن السورة كما ذكره في شرح المهذب فكان ينبغي تقييد السورة بكونها غير الفاتحة.

إِلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، أي من الرُّبَاعِيَّةِ، وكذا الثَّالِثَةِ من المغرب، فِي الأَظْهَرِ، لحديث أبي قتادة [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأَوَّلَتَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُوْرَتَيْنِ وَفِي الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ] متفق عليه (373)، والثاني: يُسَنُّ فيهما لحديث

تَأْمِيْنُهُ تَأْمِيْنَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب جهر الإمام بالتأمين: الحديث (780). وبلفظ [إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِيْنَ؛ وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِيْنَ. فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ]، باب فضل التأمين: الحديث (781) والحديث (782).

(372)

رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب التأمين: الحديث (2495).

(373)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: بابُ يَقْرَأُ في الأُخْرَيَينِ بفاتحةِ الكتابِ: =

ص: 199

أبي سعيد في ذلك أخرجه مسلم (374).

قُلْتُ: فَإِنْ سُبِقَ بِهِمَا قَرَأَهَا فِيهِمَا عَلَى النْصِّ، وَالله أَعْلَمُ، لئلا تخلو صلاته من سورة، وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ، بَلْ يَسْتَمِعُ، للنهي عنه كما أخرجه الترمذي وحسنه (375)، وقد قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ

} الآية (376)، فَإْن بَعُدَ، بحيث لم يسمع أو سمع صوتاً لا يميزه، أَوْ كَانَتْ سِرِّيَّةً قَرَأَ فِي الأَصَحِّ، لأن السكوت للسامع، والثاني: لا يقرأ لإطلاق النهي السالف، وَالصَّمَمُ كالبعد، والإسرار بالجهرية يُلحقها بالسريَّةِ كما جزم به في شرح المهذب.

وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ، وَلِلْعَصْرِ وَالعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ، وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ، لما روى أحمد والنسائي وصححه ابن حبان عن سُلَيْمَانَ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَشْبَةَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فُلَانٍ الإِمَامُ كَانَ فِي

الحديث (776) وأطرافه الحديث (759 و 762 و 778 و 779) وفيه: [وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ؛

وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُوْلَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ]. ومسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب القراءة في الظهر والعصر: الحديث (154/ 451).

(374)

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: [إِنَّ رَسُولَ، اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوْلَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً؛ وَفِي الأُخْرَيَيْنَ: قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةَ. أَوْ قَالَ: نِصْفُ ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوْلَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةِ قَدْرَ قِرَاءَةِ

خَمْسَ عَشْرَةَ؛ آيَةً، وَفِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (156 و 157/ 452).

(375)

الحديث عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ؛ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ:[إِنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَؤُنَ وَرَاءَ إِمَامِكُمْ؟ ] قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِي وَاللهِ، قَالَ:[فَلَا نَفْعَلُواْ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا] رواه الترمذي في الجامع: كتاب أبواب الصلاة: باب في القراءة خلف الإمام: الحديث (311). وقال: حديث عبادة حديث حسن.

(376)

الأعراف / 204: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .

ص: 200

الْمَدِينَةِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَكَانَ يُطِيلُ الأَوَّلَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الأُخْرَيَيْنِ، وَيَقْرَأ فِي الأَوَّلَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ، وَيَقْرَأ فِي الأَوَّلَتَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطُوالِ الْمُفَصَّلِ (377) والمفصل أوله الحجرات؛ وفيه تسعة أقوال أخرى مذكورة في الشرح، وحكى الترمذيُّ عن الشافعيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَكْرَهُ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالسُّوَرِ الطِّوَال نَحْوَ: الطُّورِ، وَالْمُرسَلَاتِ، بَلْ أَسْتَحِبُّهُ (378) وحكاه البغوي في شرح السنة أيضًا، وَلِصُبْحِ الْجُمُعَةِ فِي الأُوْلَى:{الم (1) تَنْزِيلُ. . .} وَفِي الثانِيَةِ: {هَلْ أَتَى. . .} أيِ بكمالهما لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة بهما، متفق عليه (379).

• اَلْخَامِسُ: الرُّكُوعُ، بالإجماع، وَأَقَلُّهُ، أي في حق القائم، أَنْ يَنْحَنِي قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ، أى لو أراد وضعهما عليهما، وهذا بالانحناء لا بالإنخناس مع اعتدال خلقته، لأنه بدون ذلك لا يسمى ركوعاً والراحة الكف، بِطَمَأْنِينَةٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته [ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً] متفق عليه (380)، بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ

(377) مسند الإمام أحمد: ج 2 ص 300. والنسائى في السنن: باب القراءة في المغرب ج 2 ص 167. وابن حبان في الإحسان: باب ذكر الإباحة أن يقتصر على قصار المفصل: الحديث (1834) وإسناده صحيح.

(378)

نَقَلَ الترمذي قالَ: قالَ الشَّافِعِىُّ: وَذُكِرَ عَنْ مَالكٍ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقْرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بالسُّوَرِ الطِّوَالِ؛ نَحْوَ الطُّورِ وَالْمُرْسَلَاتِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أكْرَهُ ذَلِكَ، بَلْ أَسْتَحِبُّ أَنْ يُقْرَأَ بِهَذِهِ السُّوَرِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. ينظر: الجامع الصحيح للترمذي: أبواب الصلاة: الحديث (308): ج 2 ص 113.

(379)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: باب ما يُقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة:

الحديث (891). وكتاب سجود القرآن: باب سجدة تنزيل السجدة: الحديث (1068). ومسلم في الصحيح: كتاب الجمعة: باب ما يقرأ في الجمعة: الحديث (64/ 879).

(380)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب وجوب القراءة: الحديث (757): عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ؛ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى؛ فَسَلَّمَ =

ص: 201

رَفْعُهُ عَنْ هَوْيِهِ، أي ولا يقوم زيادة الهوي مقام الطمأنينة؛ وَلَا يَقْصُدُ بِهِ غَيرَهُ، فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعاً لَمْ يَكْفِ، لأنّ قصده غير صارف، وَأَكْمَلُهُ تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ، أى كصفيحة للاتباع كما أخرجه مسلم (381)، وَنَصْبُ سَاقَيْهِ، أي إلى الحقوِ ولا يثني ركبتيه لأنه أعون، وَأَخْذُ رُكْبَتَيهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِقَةُ أَصَابِعِهِ، للاتباع ولأنه أعون، لِلْقِبْلَةِ، لأنها أشرف الجهات، وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هَوْيِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ

كَإِحْرَامِهِ وَيَقُولُ: سُبْحَان رَبِّيَ الْعَظِيمِ، للاتباع في كل ذلك، قال الماوردي في الإقناع: وأدناه مرة وأكمله سبع مرات فإنه صح عنه (382)، ثَلَاثًا، للاتباع كما أخرجه أبو داود (383)، وَلَا يَزِيدُ الإِمَامُ، أي على الثلاثة تخفيفًا على القوم إلَاّ إذا

عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ وَقَالَ: [ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ] فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:[ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ](ثَلَاثاً) فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي؟ فَقَالَ:[إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا؛ ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا] وفي لفظ: [ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِي قَائِمًا] كتاب الاستئذان: باب من ردَّ فقال: عليك السلام: الحديث (625). ومسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب وجوب قراءة الفاتحة: الحديث (45/ 397).

(381)

في صفه ركوع الرسول صلى الله عليه وسلم قالت عائشة: [وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يَشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبُهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب ما يجمع صفة الصلاة: الحديث (240/ 498) يُشْخِصُ: يرفع، وَيُصَوِّبُهُ: يخفض أو يُنزل رأسه إلى الأسفل.

(382)

الإقناع لأبى الحسن على بن مُحَمَّد الماوردى: كتاب الصلاة: باب صفة الصلاة: ص 39: تحقيق خضر مُحَمَّد خضر.

(383)

لحديث عون بن عبدالله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ. وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أدْنَاهُ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب مقدار الركوع والسجود: الحديث (886). وقال: هذا مرسل: عون لم يدرك عبدالله.

ص: 202

انحصروا ررضوا، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ:[اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا اسْتَقَلَّتْ بهِ قَدَمِي] للاتباع، كما أخرجه مسلم إلى قوله وَعَصَبِي، زاد ابن حبان:[وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ](384).

فَائِدَةٌ: إنما وجبت القراءة في القيام، والتشهد في الجلوس، ولم يجب التسبيح في الركوع والسجود، لأن القيام والقعود يلتبس بالعادة فوجب فيهما ليتميزا عنها بخلاف الركوع والسجود.

• اَلسَّادِسُ: اَلاِعْتِدَالُ قَائِمًا، أي على الحالة التي كان عليها قبل الركوع لقصة المسئ صلاته المتفق عليها، وفي النافلة وجه أنه لا يجب الاعتدال فيها، حكاه في التتمة وأجراه القفال في فتاويه في الجلسة بين السجدتين وبناه على جواز الايماء في النافلة مع القدرة، وصحح الجواز، وغيره صحح المنع، كما سلف، مُطْمَئِنًا، لأنه ركن كالقيام، وَلَا يَقْصِدُ، به، غَيْرَهُ، لأنه صارف، فَلَوْ رَفَعَ فَزِعاً مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ.

وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ قَائِلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِذَا انْتَصَبَ قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ. وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ: أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، للاتباع في ذلك كله فإنه صَحَّ (385).

وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ في اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ، لأنهُ عليه الصلاة والسلام مَا زَالَ

(384) رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب الدعاء في صلاة الليل: الحديث (201/ 771). والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب صفة الصلاة: ذكر الإباحة للمرء أن يفوض الأشياء كلها إلى بارئه: الحديث (1898): ج 3 ص 178.

(385)

رواه مسلم بألفاظه في الصحيح عن ابن أبي أوفى: كتاب الصلاة: باب ما يقولُ إذا رفع رأسه من الركوع: الحديث (202/ 476).

ص: 203

يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، صححه غير واحد من الحفاظ كما قاله ابن الصلاح، قال البيهقى: ورواة القنوت بعد الركوع أكثر واحفظ (386)، وَهُوَ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ. . . إِلَى آخِرِهِ، كما أخرجه البيهقي من حديث ابن عباس وحسنه الترمذي من حديث الحسن لكنه في قنوت الوتر (387)، وظاهر كلام المصنف

(386) • لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [مَا زَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا] رواه أحمد في المسند: ج 3 ص 162. والدارقطني في السنن: ج 2 ص 39: الحديث (9 و 10). وجاء من طرق بألفاظ أخرى غالبها ضعيف، وبهذا اللفظ قال الهيثمى: رواه أحمد والبزار بنحوه ورجاله موثوقون. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج 2 ص 139.

• ينظر السنن الكبرى للبيهقي: كتاب الصلاة: باب الدليل على أنه لم يترك أصل القنوت في صلاة الصبح، إنما ترك الدعاء لقوم أو على قوم أخرين بأسمائهم وقبائلهم. الحديث (3188)، والحديث (1389)، وقال: قال أبو عبد الله: هذا إسناد صحيحٌ سَنَدُهُ؛ ثِقَةٌ رُوَاتُهُ.

(387)

• أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: جماع أبواب صفة الصلاة: الحديث (3225) وأشعرَ تخريجه للحديث في القنوت بجودة الإسناد، ثم قال: فَصَحَّ بِهَذاَ كُلِّهِ أَنَّ تَعْلِيمَهُ هذا الدُّعَاءَ وَقَعَ لِقُنُوتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ.

ينظر: السنن الكبرى: ج 3 ص 53. طبعة دار الفكر. وينظر قول ابن الصلاح في تحفة المحتاج لابن الملقن: ج 1 ص 304. ولقد وقع الخلاف فيه من جهة الإسناد بابن هرمز، إذ قال ابن حجر: وعبد الرحمن بن هرمز يحتاج إلى الكشف عن حاله. ثم قال عن حديث الحسن الذي سيأتي: والأول أقوى: ينظر تلخيص الحبير: ج 1 ص 264.

• أما الحديث عن الحسن بن علي رضى الله عنهما؛ قال: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم

كلمات أقولهن في الوتر: [اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ؛ وَبَارِكْ لِى فِيمَا أعْطيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقضَى عَلَيْكَ؛ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ] رواه الترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما جاء القنوت في الوتر: الحديث (464) وقال: هذا حديث حسن.

ص: 204

أنه يأتي بالقنوت عقب ذكر الاعتدال بكماله، وفي التهذيب عن الشافعي ما يشهد له، لكن ظاهر عبارة المختصر أنه لا يزيد على قوله: ربنا لك الحمد، لئلا يطول الاعتدال، وَالإِمَامُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لأن البيهقي رواه من حديث ابن عباس بلفظ الجمع بإسناد جيد وقال صلى الله عليه وسلم:[لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخَصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَانَهُمْ] رواه الترمذي وحسنه (388) ومقتضى هذا الحديث عموم ذلك في سائر أدعية الصلاة وعليه نص الشافعي كما نقله ابن المنذر، ثم خالفه في دعاء الاستفتاح، وكذا قاله القفال في فتاويه، ومقتضى الحديث الأول أن يقول بين السجدتين: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، فإن قال: اغْفِرْ لِي فلا بأس لحديث دعاء الاستفتاح. قُلْتُ: وقد يقال في الفرق بين القنوت وبين غيره أن الكل يأتون بالدعاء بخلاف القنوت.

وَالصَّحِيحُ سَنُّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِهِ، لثبوتها في النسائي في قنوت الوتر في حديث الحسن (389)، وغلط المتولي حيث قال:

(388) رواه الترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما جاء في كراهية أن يخصَّ الإمام نفسه بالدعاء: الحديث (357) وقال: حسن. من حديث ثوبان رضي الله عنه. ولفظ ابن عباس في الدعاء: [اللَّهُمَّ اهْدِنَا] وقد تقدم في التعليق السابق كما عند البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (3225).

(389)

• لحديث الحسن بن علي رضى الله عنهما قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ، قَالَ:[قُلْ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي. . . . تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ؛ وَصَلَّى الله عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ] رواه النسائي في السنن: كتاب قيام الليل: باب الدعاء في الوتر: ج 3 ص 248. وإسناده صحيح.

• ثم لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [أتَانِي جِبْرِيلٌ، فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي وَرَبّكَ يَقُولُ لَكَ: كَيْفَ رَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ؟ قَالَ: اللهُ أعْلَمُ! قَالَ: إِذَا ذُكِرْتُ

ذُكِرْتُ مَعِي] رواه ابن حبان في الإحسان بترتيب الصحيح: باب ذكر الأخبار عن إباحة تعداد النعم للمنعم: الحديث (3373) ورواه ابن جرير الطبري في التفسير: سورة الشرح: آية 4: الحديث (29068) بلفظ: [أتَانِي جِبْرِيلٌ، فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي =

ص: 205

إن الصلاة لم ترِدْ بها السُّنَّةُ، والثاني: لا يجوز، فإن فعلها بطلت صلاته، لأنه نقل ركناً إلى غيره، وهذا الوجه واه جداً.

وَرَفْعِ يَدَيْهِ، للاتباع كما أخرجه البيهقي (390)، والثاني: لا، قياساً على سائر الأدعية في الصلاة، وَلَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ، قال البيهقي: لست أحفظ فيه عن السلف شيئاً، والثاني: نعم لحديث واه مطلق لا مقيد بالقنوت (391)، وَأَنَّ الإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ، للاتباع كما أخرجه البخاري (392) لكن دون جهر القراءة كما صرح به الماوردي،

وَرَبّكَ يَقُولُ: كَيْفَ رَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ؟ قَالَ: اللهُ أعْلَمُ! قَالَ: إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي] وإسناده صحيح.

(390)

• عن أنس بن مالك في قِصَّةِ الْقُرَّاءِ وَقَتْلِهِمْ، قَالَ: فَقَالَ لِي أنَسٌ: لَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ، رَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، يَعْنِي الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: جماع أبواب صفة الصلاة: الحديث (3229). وفيه علي بن صقر السكري؛ قال ابن حجر عنه في لسان الميزان: قال الدارقطني: ليس بالقوي: ج 4 ص 235.

• الأولى بابن الملقن أن يقول للاتباع كما أخرجه الإمام أحمد في المسند؛ وطبقته أعلى وهو نفس سند البيهقي وليس فيه علي بن صقر: ينظر مسند الإمام أحمد: ج 3 ص 137.

(391)

عن مُحَمَّد بن كعب القرظي؛ حدثنى عبدالله بن عباس: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [لَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ؛ مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنظُرُ فِي النَّارِ، سَلُواْ الله

بِبُطُونِ أكُفِّكُمْ؛ وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا، فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُواْ بِهَا وُجُوهَكُمْ] قال أبو داود: روى هذا الحديث من غير وجه عن مُحَمَّد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضًا. ينظر: سنن أبى داود: كتاب الصلاة: الحديث (1485).

(392)

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأَحَدٍ؛ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ؛ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ: اللَّهُمَّ اُنْجُ الْوَلِيدَ بنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَياشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ

وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَر، وَاجْعَلْهَا سِنِيْنَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ. يَجْهَرُ بِذَلِكَ] رواه البخاري في =

ص: 206

والثاني: لا، كسائر الادعية المشروعة في الصلاة، أما المنفرد فيُسِرُ قطعًا، وَأَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ لِلدُّعَاءِ وَيَقُولُ الثَّنَاءَ، أي أو يسكت لكن دون جهر الإمام قاله الماوردي، أما التأمين فللاتباع كما صححه الحاكم (393)، وأما الباقى فهو ثناء وذكر لا يليق فيه التأمين فاستحب موافقته، والثاني: أنه يؤمن في الكل، والثالث: أنه يوافقه في الكل كالاستعاذة، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ قَنَتَ، هما الوجهان في قراءة السورة له والحالة هذه. قُلْتُ: وكذا لو سمع صوتًا مجردًا ولم يَفْهَمْهُ.

وَيَشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ، لأحاديث بئر معونة فِي الصحيح، لَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ، لأنه عليه الصلاة والسلام ترك القنوت وهذا بخلاف الصبح لشرفها، والثاني: يشرع مطلقًا، والثالث: لا مطلقًا، وهو منابذ للسُنِّة والخلاف في الجواز قاله الرافعي، وقال المصنف في الاستحباب، وخرج بذكر المكتوبات غيرها كالعيد والاستسقاء.

• السَّابِعُ: السُّجُودُ، بالإجماع، وَأَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَاّةُ، لأنه يسمى سجودًا (394)، ولا يضر نبات الشعر على جبهته بخلاف نباته على الناصية لأن ما نبت على الجبهة مثل بشرته؛ قاله البغوي في فتاويه، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلِ بِهِ جَازَ إِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، أي كطرف ذيله وكُمه الطويل (395) كما مثله في الْمُحَرَّر

الصحيح: كتاب التفسير: سورة 3: الحديث (4560).

(393)

عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: [قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا مَتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا قَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ،

صَلَّى الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سَلِيمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ] رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (820/ 147) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه بهذا اللفظ. ووافقه الذهبي.

(394)

لحديث خباب بن الأرت قال: [شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ فِي الرَّمْضَاءَ فَلَمْ يُشَكِّنَا] رواه مسلم في الصحيح: الحديث (189/ 619).

(395)

لحديث أنس بن مالك قال: [كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ =

ص: 207

لأنه كالمتصل، أما المنفصل فيجوز قطعًا، والمتصل الذي يتحرك بحركته لا يجوز قطعًا، ولو كان بيده عودًا ونحوه فسجد عليه جاز، كما قاله في شرح المهذب في الكلام على تقليب ورق المصحف.

وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فِي الأَظْهَرِ، لأنه لو وجب وضعها لوجب الإيماء بها عند العجز كالجبهة. قُلْتُ: الأَظْهَرُ وُجُوبُهُ، وَالله أَعْلَمُ، لقوله صلى الله عليه وسلم[أُمِرْتُ أَنْ أسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ] متفق عليه (396) وأشار في الأم إلى ترجيحه.

وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ، لقصة المسيء صلاته المتفق عليها، وَيَنَالَ مَسْجَدَهُ ثِقْلُ رَأْسِهِ، لقوله صلى الله عليه وسلم لِلثَّقَفِىِّ السَّائِلِ:[وَإِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ؛ وَلَا تَنْقُرُ نقراً] رواه ابن حبان (397)، وينالُ معناهُ يُصِيبُ ويحصل؛ الْمَسْجَدُ بفتح الجيم وكسرها،

يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ] رواه مسلم في الصحيح: الحديث (191/ 620).

(396)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب السجود على الأنف: الحديث (812) وفيه: [وَلَا نَكْفِتَ الثِيَابَ وَالشَّعَرَ]. ومسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب أعضاء السجود: الحديث (240/ 490).

(397)

• الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب صفة الصلاة: ذكر وصف بعض السجود والركوع للمصلي: الحديث (1884) حزء من حديث طويل.

• عزاه ابن حجر في التلخيص إلى الطبراني أيضاً، وقال: وقد بَيَّضَ المنذري في كلامه على هذا الحديث في تخريج أحاديث المهذب، وقال النووي: لا يعرف، وذكره في الخلاصة في فصل الضعيف. إهـ. تلخيص الحبير: ج 1 ص 268: الرقم (46). والحديث إسناده ضعيف لعللٍ فيه.

• والأَولى أن يستدل بحديث ابن عباس رضى الله عنهما يقول: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ من أمر الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: [خَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ] يعني إسباغ الوضوء، وكان فيما قال له:[إِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ يَدَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ] وقال الهاشمي مرة: [إِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الأَرْضِ حَتَّى تَجِدَ =

ص: 208

والْمَسْجَدُ هنا منصوبٌ والثقلُ فاعلٌ.

وَأَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ، لما سبق في الركوع والرفع منه، فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ وَجَبَ الْعَوْدُ إِلَى الإِعْتِدَالِ، أي ليسجد منه لأنه لا بد من نية أو فعل ولم يوجد واحد منهما، وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ فِي الأَصَحِّ، للاتباع؛ كما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان (398)، والثاني: يجوز أن تستوي أسافله وأعاليه، وأما إذا كانت أعاليه أعلى فلا يصح قطعًا، لعدم اسم السجود، كما لو أكب على وجهه وَمَدَّ رِجْلَيْهِ، نعم إن كان به علة لا يمكنه السجود إلا ممدود الرجلين أجزأه، ذكره المتولي وأقره في شرح المهذب.

وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ لِهَوْيِهِ بِلَا رَفْعٍ وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ، للاتباع، والمراد باليد هنا الكف، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، للاتباع (399)، وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى ثَلاثًا، وَيَزِيدُ

حَجْمَ الأَرْضِ] رواه الإمام أحمد في المسند: ج 1 ص 287 وإسناده جيد مع أن فيه صاع مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، إلا أن عقبة بن موسى سمع منه قبل أن يختلط. ولهذا حسنه البخاري (كما نقل ابن حجر في التلخيص: ج 1 ص 105) والترمذي في الجامع؛ أبواب الطهارة: الحديث (39). وفي سنن ابن ماجه: الحديث (447).

(398)

• لحديث عمرو بن عبدالله السبيعي قال: ، وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عازبٍ السُّجُودَ [فَوَضَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَمَدَ رُكْبَتَيْهِ وَرَفَعَ عَجِيْزَتَهُ] وقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ. رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب صفة السجود: الحديث (896). والنسائي في السنن: باب صفة السجود: ج 2 ص 212.

• ولفظه عند ابن حبان عن أياد بن لقيط عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ وَانْتَصِبْ] الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: الحديث (1913).

(399)

• لحديث وائل بن حجر قال: [رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب

كيف يضع ركبتيه قبل يديه: الحديث (838). والترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود: الحديث (268) =

ص: 209

الْمُنْفَرِدُ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللهُ أحْسَنُ الْخَالِقِينَ، للاتباع (400) وزاد في الروضة: بحوله وقوته قبل تبارك الله، واحترز بالمنفرد عن الإمام وقد سبق حكمه، وَيَضَعُ يَدَيْهِ، في السجود، حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، أي مقابلهما (401)، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ، وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، للاتباع (402)، وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ،

وقال: هذا حديث حسن غريب. ثم قال: والعمل عليه عند أهل العلم.

• ولحديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ فَيَبْرُكُ فِي صَلَاتِهِ بُرْكَ الْجَمَلِ] رواه الترمذي في الجامع: الحديث (269) وقال: حديث غريب.

(400)

لحديث ابن مسعود وعقبة بن عامر: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: [سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثلاثًا، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثلاثًا]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (886 و 870). ثم لحديث على كرم الله وجهه كان يقول: الحديث. رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (201/ 771).

(401)

لحديث عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حميد وأبو أُسيد وسهل بن سعد ومُحَمَّد بن سلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بصلاةِ رسولِ اللهِ

صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ بعضَ هَذَا، قالي: ثُمَّ رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا وَوَتَّرَ يَدَيْهِ فَتَجَافَى عَنْ جَنْبَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ سَجَدَ- فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَانِبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ، حَتَّى فَرَغَ. رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (734).

(402)

• أمَّا يَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً، فلحديث وائل بن حجر رضي الله عنه[أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَكَعَ فَرَّجَ بَيْنَ أصَابِعِهِ، وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أصَابِعَهُ]. رواه ابن حبان:

الحديث (1917) وإسناده صحيح.

• وأمَّا أَنَّهَا لِلْقِبْلَةِ، فلحديث البراء قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ أَصَابِعَهُ قَبْلَ الْقِبْلَةِ فَتَفَاجَ- أي مفتوحة-. والحديث فيه نظر: ينظر نصب الراية للزيلعى: ج 1 ص 374.

• أمُّا أنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ، فلحديث أبى حميد في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم قال:[وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَىْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ] تقدم من =

ص: 210

لأنه أستر لها (403)، وَالْخُنْثَى، لأنه أحوط وهذه المسألة من زياداته على الْمُحَرَّر وشرحي الرافعي.

• الثَّامِنُ: اَلْجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنًا، لقصة المسئ صلاته، ونفي الإمام الطمأنينة في قضيته غلط فهي ثابتة في الصحيحين، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ، لما سبق في الرفع من الركوع وغيره، وَأَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الاِعْتِدَالُ؛ لأنهما ركنان قصيران، كما سيأتي في أثناء باب سجود السهو، فإن المصنف أعادها هناك مبسوطة.

وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، للاتباع (404)، قال الجويني في التبصرة: ولا يجوز أن يُقعى هنا إقعاء الكلب فيجلس على عقبه وقدماه منتصبتان، وَاضِعًا يَدَيهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ؛ لأنه أسهل، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ، أي إلى القبلة كما في التشهد، قَائِلاً: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي، للاتباع (405)، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالأُوْلَى، أي في الأقل والأكمل، والحكمة في تكرار السجود دون غيره أنه أبلغ في التواضع وشكرًا لإجابة دعائه في الأولى.

رواية أبي داود: الحديث (735) ولحديث ميمونة رضي الله عنها قالت: [إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَجَدَ لَوْ شَاءَتْ بَهِيْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ]. رواه أبو داود في السنن: الحديث (898) ولأحاديث أخرى في الباب.

(403)

لحديث زيد بن أبي حبيب: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلَّيَانِ، فَقَالَ:[إِذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ] رواه أبو داود في المراسيل. ورواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب ما يستحب للمرأة من ترك التجافي: الحديث (3285) وله شواهد من أثار التابعين وموقوفات الصحابة رضي الله عنهم جميعًا: قال إبراهيم النخعي: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تُؤْمَرُ إذَا سَجَدَتْ أَنْ تُلْزِقَ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا كَيْلاً تَرْتَفِعَ عَجيزَتُهَا وَلَا تُجَافِي كَمَا يُجَافِي الرَّجُلُ. وَعَنْ عَلِيُّ رضي الله عنه قَالَ: إِذَا سَجَدَتِ الْمَرْأَةُ فَلْتَضُمَّ فَخِذَيْهَا.

(404)

لحدث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: "ثُمَّ هَوَى سَاجِداً ثُمَّ قَالَ: الله أكبرُ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ] رواه الترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: الحديث (304).

(405)

لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي

] رواه أبو داود في السنن: الحديث (850) وإسناده صحيح.

ص: 211

وَالْمَشْهُورُ سَنُّ جَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا، للاتباع كما أخرجه البخاري (406)، والثاني: لا يُسَنُّ وهو بعيد، وشَمِلَ قوله (كُلِّ رَكْعَةٍ) الفرضَ والنفلَ، وقوله (يَقُومُ عَنْهَا) شمل الأُولى والثالثة، وما إذا صلى ركعات بتشهدٍ فإنه يجلس للاستراحة في كل ركعة منها؛ لأنها إذا ثبتت في الأوتار فمحل التشهد أولى، قاله البغوي في فتاويه، وخرج بيقوم عنها المصلي مضطجعًا وقاعدًا.

• التَّاسِعُ وَالعْاشِرُ وَالْحَادِي عَشَرَ: التَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إِنْ عَقَّبَهُمَا سَلَامٌ رُكْنَانِ، أما التشهد فلقول ابن مسعود [كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدَ السَّلَامُ عَلَى اللهِ قَبْلَ عِبَادِهِ] الحديث رواه الدارقطني والبيهقي وقالا: إسناده صحيح (407)، وأما القعود فلأنه محل لذكر واجب فكان كالقيام، وكل من أوجب التشهد أوجب القعود له، والمراد بالتشهد هو التحيات

إلى قوله: وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وسُّمِّيَ تشهدًا؛ لأن فيه الشهادتين من باب تسمية الكل باسم الجزء، وَإِلَاّ، أي وإن لم يعقبهما سلام، فَسُنَّتَانِ؛ لأنه

(406) لحديث مالك بن حويرث الليثى: [أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلَّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ، لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِي قَاعِدًا] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (823) ولحديث أيوب عن أبي قلابة مُفَسِّرًا الأَوَّلَ قالَ: جَاءَنَا مالكُ بن الحويرث فَصَلَّى بنا في مسجدنا هذا، فقالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي: قال أيوب: فقلت لأبي قلابة: وكيف كانت صلاته؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا -يعني عمرو بن سلمة- قال أيوب: وكان ذلك الشيخ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب كيف يعتمد على الأرض: الحديث (824).

(407)

رواه الدارقطني في السنن: باب صفة الجلوس للتشهد: الحديث (4): ج 1 ص 350.

وقال: هذا إسناد صحيح. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: جماع أبواب صفة الصلاة: الحديث (2882 و 2883) وإسناده صحيح.

ص: 212

- صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين ولم يجلس فلما قضى صلاته سجد سجدتين، متفق عليه (408)، فلو كان واجبًا لفعله ولم يقتصر على السجود.

وَكَيْفَ قَعَدَ، أي في النوعين، جَازَ، بالإجماع، وَيُسَنُّ فِي الأَوَّلِ الاِفْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبٍ يُسْرَاهُ، أي بعد أن يضجعها بحيث يلي ظهرها الأرض، كما صرح به في الْمُحَرَّر، وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ، أي القدم اليمنى، وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ، وَفِي الآخِرِ التَّوَرُّكُ، وَهُوَ كَالاِفْتِرَاشِ لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالأَرْضِ، للاتباع كما أخرجه البخاري (409)، وإنما خولف بين التشهدين، لأنه أقرب إلى عدم أشتباه عدد الركعات، ولأن المسبوق إذا رآه علم في أىِّ التشهدين هو، ولأنه في الأول مستوفز للحركة بخلاف الأخير، وَالأَصَحُّ يَفْتَرِشُ الْمَسْبُوقُ وَالسَّاهِي؛ لأنه ليس آخر صلاتهما، والثاني: يَتَوَرَّكَانِ، أمَّا الأَوَّلُ فلمتابعة الإمام، والثاني: فلأنه قعود لآخر صلاته.

وَيضَعُ فِيهِمَا، أي في التشهد الأول والأخير، يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتَهِ، أي

(408) لحديث عبد الله بن بُحَيْنَةَ: [أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوْلَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ! فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ؛ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ

جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلَّمَ، ثُمّ سَلَّمَ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب من لم يرَ التشهُّدَ: الحديث (829). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب السهو في الصلاة: الحديث (85 و 86/ 570).

(409)

عن عمرو بن مُحَمَّد بن عطاء: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَر مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَذَكَرْنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو حُمَيْدِ السَّاعِدِيُّ: أَنَاْ كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ؛ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ؛ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضهمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِع رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإذَا جَلَسَ في الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مِقْعَدَتِهِ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (828).

ص: 213

بحيث تُسامت رؤوسها الركبة للاتباع، مَنْشُورَةَ الأَصَابِعِ بِلَا ضَمِّ، بل مفرجة تفريجًا مقتصداً. قُلْتُ: الأَصَحُّ الضَّمُّ، وَالله أَعْلَمُ؛ لأن نشرها يزيل الإبهام عن القبلة.

وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ، أي بعد وضعها على فخذ اليمنى، الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصَرَ، وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الأَظْهَرِ، للاتباع كما رواه مسلم (410)، والثاني: أنه يُحَلِّقُ بين الإبهام والوسطى للاتباع أيضًا، كما رواه أبو داود (411)، وفي كيفية التحليق وجهان أصحهما أنه يحلق بينهما برأسيهما، والثاني: يضع أنملة الوسطى بين عقدتي الإبهام، وَيُرْسِلُ الْمُسَبِّحَةَ، أي في كل التشهد، للاتباع، وَيَرْفَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا الله،

للاتباع أيضًا، ويكون قصده بها التوحيد والاثبات والحكمة في ذلك هو إشارة إلى أن المعبود سبحانه وتعالى واحد ليجمع في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد، وأما الرفع عند الهمزة فلأنه حال إثبات الوحدانية لله تعالى، والحكمة في اختصاص السبابة بذلك، أن لها أتصالاً بنياط القلب فكأنها سبب لحضوره.

وَلَا يُحَرِّكُهَا، للاتباع كما أخرجه أبو داود (412)، نعم روى البيهقي فعله وقال: لعل المراد الإشارة (413)، وأما القرطبي فقال: أكثر العلماء من أصحاب مالك،

(410) عن ابن عمر رضي الله عنهما: [أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَعَدَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَعَقَدَ ثَلَاثَةً

وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (115/ 580).

(411)

لحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: [كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَسَاقِهِ؛ وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى؛ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِإِصْبِعِهِ -أَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ-]. وَفِي لَفْظٍ: [لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب الإشارة في التشهد: الحديث (988 و 990).

(412)

رواه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: أَنَّهُ ذَكَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: [كَانَ يُشِيرُ يِإِصْبِعِهِ إِذَا دَعَا وَلَا يُحَرِّكُهَا]. رواه أبو داود في السنن: الحديث (989).

(413)

روى البيهقي فعله عن وائل بن حُجْرٍ قال: قُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ =

ص: 214

وغيرهم على التحريك إلَّا أنهم اختلفوا في الموالاة بالتحريك على قولين (414)، وَالأَظْهَرُ: ضَمُّ الإِبْهَامِ إِلَيْهَا، أي إلى المسبِّحة، كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في مسلم (415) فيجعل الإبهام مقبوضه تحت المسبِّحة، والمشهور عند أهل الحساب تسمية ذلك بتسعة وخمسين، والثاني: يرسلها أيضًا مع طول المسبِّحة، وقيل يضعها على اصبعه الوسطى كأنه عاقد ثلاثة وعشرين لحديث ابن الزبير في ذلك عند مسلم (416).

وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، لحديث [أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ. فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلاِتنَا؟ قَالَ: قُولُواْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ

]، الحديث رواه ابن حبان والحاكم في

الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ: [ثُمَّ قَعَدَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ حَدَّ مَرْفِقِهِ الأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ قَبَضَ ثَلَاثَةً مِنْ أَصَابِعِهِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً، ثُمَّ رَفَعَ إِصْبَعَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا] انتهى. ثم قال البيهقي: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بالتَّحْرِيكِ الإِشَارَةُ بِهَا لَا تَكْرِيرُ تَحْرِيكِهَا فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالله أَعْلَمُ. ينظر: السنن الكبرى: كتاب الصلاة: جماع أبواب الصلاة: باب من روى أنه أشار بها ولم يحركها: الحديث (2845).

(414)

في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: تفسير الآية {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]: المسألة الموفية الثلاثين: ج 1 ص 361؛ قال القرطبي: (إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُواْ فِي الْمُوَالَاهُ بِالتَّحْرِيْكِ عَلَى قَولَيْنِ؛ تَأَوَّلَ مَنْ وَالَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يُذَكِّرُ بِمُوَالَاةِ الْحُضُورِ فِي الصَّلَاةِ، وَبأَنَّهَا مُقْمِعَةٌ وَمُدْفِعَةٌ لِلشَّيْطَانِ عَلَى مَا رَوَى سُفْيَانُ. وَمَنْ لَمْ يُوَالِ رَأَى تَحْرِيْكَهَا عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِكَلِمَتَي الشَّهَادَةِ. وَتَأَوَّلَ فِي الْحَرَكَةِ كَأَنْهَا نُطْقٌ بِتِلْكَ الْجَارِحَةِ بِالتَّوْحِيْدِ، وَالله أَعْلَمُ).

(415)

تقدم في التعليق (333).

(416)

عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال: [كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذاَ قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِإصْبِعِهِ

السَّبَّابَةِ وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبِعِهِ الْوُسْطَى، يُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ] رواه مسلم في الصحيح: الحديث (113/ 579).

ص: 215

صحيحيهما (417)، وَالأَظْهَرُ سَنُّهَا فِي الأَوَّلِ؛ لأنها تجب في الأخير فَسُنَّت في الأول كالتشهد، والثاني: لا؛ لبنائه على التخفيف، وَلَا تُسَنُّ عَلَى الآلِ فِي الأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ، لما ذكرناه، والثاني: نعم كالصلاة، وهو القوي عندي لصحة الأحاديث به، وآله هم بنو هاشم وبنو المطلب على الأصح، وَتُسَنُّ فِي الآخِرِ. وَقِيلَ: تَجِبُ، لظاهر الأحاديث.

وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ، أي وهو رواية ابن عباس في مسلم التي اختارها إمامنا الشافعي، وَأَقَلهُ: التَّحِيَّاتُ للهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إلَاّ الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ لأنه يؤدي معنى حديث ابن عباس (418). وَقِيلَ: يَحْذِفُ وَبَرَكَاتُهُ وَالصَّالِحِينَ، وَيقُولُ: وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُهُ. قُلْتُ: الأَصَحُّ وَأَنَ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ،

يعني بإسقاط أشهد، وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَالله أَعْلَمُ، مراده بذلك حديث أبي موسى الأشعري فإن فيه وأن مُحَمَّدًا عبدهُ ورسولهُ (419). فمراده إسقاط لفظة

(417) الحديث عن كعب بن عجرة قال: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ

اللهِ! قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ:[فَقُولُواْ: اللَّهُم صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ باَرِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، رواه ابن حبان في الإحسان: ذكر الأمر بالصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم: الحديث (1961). وفي المستدرك بلفظ: [كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ][كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبرَاهِيمَ] رواه الحاكم في المستدرك: كتاب معرفة الصحابة: الحديث (4710/ 308)

(418)

رواية ابن عباس قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّوْرَةَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَكَانَ يَقُولُ: [التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَيِّبَاتُ للهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيَّهَا

النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ؛ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب التشهد: الحديث (60/ 403).

(419)

رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (62/ 404) وفيه: [السَّلَامُ عَلَيْنَا =

ص: 216

أشهد فقط، نعم في رواية لأبي داود وبعض نسخ مسلم وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وقوله (وَقِيْلَ يَحْذِفُ

) إلى آخره، مراده أن كل كلمة من هذه الكلمات الثلاث أسقطها مُسقط لا أن شخصًا واحدًا أسقط الجميع، وأسقط ابن خيران في لطيفه قوله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، أما في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فلأن اسم الصلاة حاصل بذلك، وأما قوله (وَآلِهِ) أي وأقلُّ الصلاة على آله ما ذكر، إذا قلنا بوجوبه على ما سلف، وفي سنن النسائي من حديث زيد ابن خارجه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [صَلُّواْ عَلَيَّ وَاجْتَهِدُواْ فِي الدُّعَاءِ وَقُولُواْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ](420) وفيه دلالة على الاكتفاء بهذا القدر في الصلاة عليه وعلى آله فإن الظاهر أن قوله قولوا إلى آخره تفسير لما أمرهم به قبل الدعاء ويحتمل أن يكون إشارة إلى ختم الدعاء بذلك.

وَالزِّيَادَةُ إِلَى (حَمِيدٌ مَجِيدٌ) سُنَّةٌ فِي الآخِرِ، للأمر به كما هو مخرج في الصحيح، ودليل عدم وجوبها فيه وعدم استحبابها في الأول الإجماع، لكن فيه قول حكاه الدارمي، وَكَذَا الدُّعَاءُ بَعْدَهُ، أي بعد التشهد الأخير فإنه مسنون أيضًا لقوله صلى الله عليه وسلم:[ثُمُّ لِيَتَخَّيْر مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ] رواه مسلم (421)، وسواء في الدعاء الديني أو الدنيوي، أما الأول فيكره فيه طلباً للتخفيف.

فَائِدَةٌ: روى المستغفري في دعواته عن أبي هريرة مرفوعًا: [مَا مِنْ دُعَاءٍ أَحَبُّ

وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ؛ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ] من رواية أبي موسى الأشعرى. وأبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب التشهد: الحديث (972).

(420)

رواه النسائي في السنن: كتاب السهو: باب نوع أخر: ج 3 ص 49. وفي السنن الكبرى: كتاب صفة الصلاة: باب نوع آخر: الحديث (1215/ 3) وإسناده صحيح.

وفي كتاب عمل اليوم والليله: كيف الصلاة على النبي: الحديث (9881/ 7).

(421)

في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (55 و 56 و 57/ 402).

ص: 217

إِلَى اللهِ عز وجل مِنْ قَوْلِ الْعَبْدِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّة مُحَمَّدٍ رَحْمَةً عَامَّةً] (422) وعن أبي برزة [أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، فَقَالَ: وَيْحَكَ لَوْ عَمَّمْتَ لاسْتُجيبَ لَكَ] وعن عمرو بن شعيب [أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام خَرَجَ مِنَ الصَّلَاةِ وَعُمَرُ يَدْعُو فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَضَرَبَ مَنْكِبَهُ ثُمَّ قَالَ: عَمِّمْ فِي دُعَائِكَ فَإِنَّ بَيْنَ دُعَاءِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ].

وَمَأْثُورُهُ، أي منقولة، أَفْضَلُ، لتنصيص الشارع عليه كما في كل دعاء، وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ

إِلَى آخِرِهِ، للاتباع كما أخرجه مسلم (423).

وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ، أي الدعاء، عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تبع لهما، وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُمَا، أي عن التشهد والدعاء، تَرْجَمَ، لأنه لا إعجاز فيهما كما سبق في تكبيرة الإحرام، وَيُتَرْجِمُ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ العَاجِزُ، ليحوز فضلهما، لَا الْقَادِرُ فِي الأَصَحِّ، قياسًا على الواجب كالتكبير والتشهد؛ ولأنه لا ضرورة إليه في حقه، والثاني: يجوز مطلقًا، أما العاجز فلما ذكرناه، وأما القادر فقياساً على الدعاء خارج الصلاة، والجامع عدم الوجوب، والثالث: لا مطلقًا لعدم الضرورة إليه، والخلاف المذكور محله في المأثور فليس للمصلي أن يخترع دعوة ويدعو بها بالعجمية.

• الثَّانِي عَشَرَ: السَّلَامُ، بالاتفاق كما قاله الرافعي؛ نعم حكي مجلّي وجهاً أنه شرط ويجب ايقاعه في حال القعود، وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، للاتباع، وَالأَصَحُّ جَوَازُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، إقامة للتنوين مقام الألف واللام كما في التشهد. قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يُجَزِّئُهُ، وَالله أَعْلَمُ؛ لأنه لم ينقل بخلاف التشهد والتنوين يضاد

(422) ينظر: الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمي: ص 46، حكاه وسكت عنه.

(423)

رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (201/ 771) عن علي بن أبي طالب؛ وفيه: [

وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِني، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ] إنتهى.

ص: 218

الألف واللام ولذلك لا يجتمعان لأن الألف واللام للتعريف وهو للتنكير، قُلْتُ: الأول منصوص أيضًا حكاه الجرجاني وغيره، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ، كسائر العبادات، والثاني: تجب قياسًا على أولها، وَأَكْمَلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ مَرَّتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا مُلْتَفِتًا فِي الأُوْلَى حَتَّي يُرَى خَدُّهُ الأَيْمَنُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الأَيْسَرُ، للاتباع كما أخرجه الدارقطني وصحح إسناده (424)، نَاوِيًا السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينهِ وَيَسَارِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وِإِنْسٍ وَجِنٍّ، أي على المسلمين من الصنفين، وَيَنْوِي الإِمَامُ السَّلَامَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ وَهُمُ الرَّدَّ عَلَيْهِ، للاتباع (425).

• الثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الأَرْكَانِ، كما ذكرنا، بالأجماع، نَعَمْ: النية والتكبير لا ترتيب بينهما، ومن المعلوم أنهما بعد القيام، والترتيب في السنن شرط في الاعتداد بها، ونص الشافعي كما نقله صاحب الشفاء على أنه يجب الترتيب بين التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجزم به البغوي في فتاويه، وقال الحليميُّ: هو كبعض التشهد حتى يجوز فيه التقديم والتأخير، وارتضاه الرافعي في شرح المسند.

فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا، بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطُلَتْ صَلَاتُهُ، بالأجماع لتلاعبه، نَعَمْ: لو قدَّم الركن القوليّ على فعلىّ كتقديم التشهد على السجود أو على قوليّ كتقدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على التشهد لم يضر، إلاّ أنه لا يعتد بالذى قدمه بل الذي يعيده.

(424) الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قَالَ: [كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلَّمُ عَنْ يَمِينهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ خَدِّهِ] رواه الدارقطني في السنن: باب ذكر ما يخرج من الصلاة به: ج 1 ص 356، وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: الحديث (1987).

(425)

لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ: [كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ] رواه الترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما جاء في الأربع قبلَ العصر: الحديث (429) وقال: حديث عليِّ حديثٌ حسنٌ.

ص: 219

وَإْنْ سَهَا فَمَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ، لوقوعه في غير محله، فَإِنْ تَذَكِّرَ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ فَعَلَهُ وإلَّا تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ، لوقوعه في موضعه، وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ؛ لأن كل ما يفعله قبل وقته كالمعدوم، هذا كله إذا عرف عين المتروك وموضعه، فإن لم يعرف أخذ بأدنى الممكن وأتى بالباقي، وفي الأحوال كلها يسجد للسهو، إلاّ إذا وجب الاستئناف بأن ترك ركنًا وأشكل عليه، وجوز أن تكون النية أو تكبيرة الإحرام، وإلاّ إذا كان المتروك هو السلام، فإنه إذا تذكر قبل طول الفصل سَلَّمَ ولا حاجة إلى سجود السهو.

فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنَ الأَخِيرَةِ سَجَدَهَا وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ، لأنه وقع بعد متروك فلم يُعْتَدّ به، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ رَكْعَةً؛ لأن الركعة الناقصة ملفَّقةٌ بالركعة التي بعدها، وَكَذَا إِنْ شَكَّ فِيهِمَا، أي في كونها من الأخيرة أو من غيرها فإنه يجعلها من غير الأخيرة ويلزمه ركعة أخذًا بالأحوط.

وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ تَرْكَ سَجْدَةٍ، فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ سَجَدَ، أي من قيام؛ لأن ذلك الجلوس فاصل، وَقِيلَ: إِنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الاِسْتِرَاحَةِ لَمْ يَكْفِهِ، لقصده السُّنْةَ فلا ينوب عن الفرض، والأصح الاكتفاء كما لو جلس في التشهد الأخير وهو يظنه الأول، وَإِلَاّ، أي وإن لم يجلس بعد سجدته، فَلْيَجْلِسُ مُطْمَئِنّاً ثُمَّ يَسْجُدُ؛ لأن الجلوس ركن فلا بد منه، وَقِيلَ: يَسْجُدُ فَقَطْ؛ لأن الفصل حصل بالقيام، وأجاب الأول: بأن الفصل وإن كان هو المقصود، لكن على هيأة الجلوس فلا يقوم القيام مقامه كما لا يقوم مقام الجلوس التشهد.

وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةِ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ، أما في الأولى فلأن الأسوأ تقدير سجدة من الركعة الأولى، وسجدة من الثالثة، فتنجبر الركعة الأُولى بسجدة من الثانية، ويلغى باقيها، وتنجبر الثالثةُ بسجدة من الرابعةِ ويلغى باقيها، وتصير الثالثةُ ثانيةً، وأما في الثانية وهي ترك الثلاث، فلأنك إذا قدرت ما ذكرناه في السجدتين، وقدرت معه ترك سجدة أخرى

ص: 220

من أي ركعة شئت؛ لم يختلف الحكم. قال الدارمي في استذكاره: وهذا إذا لم يترك من كل ركعة إلا سجدة، فإن كان قد ترك الجلوس بين السجدات، فمنهم من قال: هي كما مضى؛ وهذا على الوجه الذي يقول ليس الجلوس مقصودًا، ومنهم من قال: لا يصح إلا الركعة الأُولى بسجدة؛ لأنه لم يجلس في شيء من الركعات، قال: والأول أصح.

أَوْ أَرْبَعٍ، جهل موضعها، فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، لاحتمال أن يكون قد ترك سجدتين من ركعة وسجدتين من ركعتين غير متواليتين كسجدتين من الأُولى وسجدة من الثانية وسجدة من الرابعة، أَوْ خَمْسِ أَوْ سِتٍّ فَثَلَاثٌ، لإحتمال ترك واحدة من الأُولى، وسجدتين من الثانية، وكذا من الثالثة، وكذا لو قدرنا ثنتين من الأولى وثنتين من الثَّانية وواحدة من الثالثة، هذا كله في الخمس، وأما في الست؛

فلأنك إذا قدرت ما ذكرناه في الخمس وقدرت معه ترك سجدة أخرى مما شئت من الركعات التي بقيت منها سجدة أو سجدتان لم يختلف الحكم، أَوْ سَبْعٍ فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ؛ لأن الحاصل له ركعة إلا سجدة، وإذا ترك ثماني سجدات فسجدتان ثم ثلاث، ويتصور ذلك بترك طمأنينة وسجود على عمامة ونحوها.

قُلْتُ: يُسَنُّ إِدَامَةُ نَظَرِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، أي في جميع صلاته لأنه أشرف من غيره وأسهل وأقرب إلى الخشوع (426)، قُلْتُ: إلا في التشهد؛ فإن السُّنَّة أن لا يجاوز بصره إشارته فيه بالمسِّبحة لحديث صحيح فيه أخرجه أبو داود (427)، ويدخل في إطلاق المصنف الأعمى والمصلي في ظلمة وفيهما نظر، ومن صلى في المسجد الحرام استحب له أن يشاهد الكعبة قاله الماوردي والروياني في البحر في كتاب النذر.

(426) قُلْتُ: لحديث ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى صَلَاتِهِ؛ لَمْ يَنْظُرْ إِلَّا إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ. قال ابن الملقن في التحفة: رواه ابن عدي

-أَي في الكامل- وقال: فيه علي بن أبي على القرشي وهو مجهول. منكر الحديث.

(427)

هو حديث عبد الله بن الزبير وقد تقدم في الرقم (334).

ص: 221

وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ؛ لأنه خلاف ما يقتضيه استرسال الطبعة، وفيهما نظر، فيكون تكلفًا مُذْهِبًا للخشوع. وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ؛ لأنه لم يصح فيه نهي (428)، إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا؛ لأنه سبب لحضور القلب، فإن خاف على نفسه أو غيره من عدو ونحوه فيكره أو يحرم في بعضها.

وَالْخُشُوعُ، بالإجماع، ونقل أبو عبد الله بن خفيف قولًا: إن ذهاب الخشوع يبطل الصلاة وهو غريب جدًا، نعم هو وجه للقاضي حسين وأبي زيد المروزي.

قال المحب الطبري: وإذا قلنا به فمحله في بعض الصلاة لا في جميعها.

فَرْعٌ: العبث في الصلاة مكروه، وقيل: حرام، ولو سقط رداؤه أو طرف عمامته كره له تسويته إلَّا لضرورة قاله في الإحياء.

وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ، أي تأملها، قال تعالى:{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (429) وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (430) ولأن مقصودة موقوف على ذلك، وَالذّكْرِ، قياسًا عليها، وَدُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطٍ؛ لأن الله تعالى قد ذم تارك ذلك فقال:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} (431)، وَفَرَاغِ قَلْبٍ، أَي من شواغل الدنيا لأن ذلك قد يستمر معه في الصلاة، والمحسوب له منها ما عقل عليه.

وَجَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ، لما روى ابن خزيمة عن وائل بن حُجْرِ قال: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ (432) وللبزار: عِنْدَ صَدْرِهِ، وَكَأَنَّ المراد آخر الصدر. وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ،

(428) أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما رفعه: [إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ] قال ابن الملقن في التحفة: رواه ابن عدي -أي في الكامل- في ترجمة مصعب بن سعيد المصيصي، وقال: يحدث عن الثقات بالمناكير، ويصحف عليهم.

فالحديث لم يصح.

(429)

ص / 29.

(430)

النساء / 82 ومُحَمَّد / 24.

(431)

النساء / 142.

(432)

أصل الحديث موجود عند مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب وضع يده اليمنى: =

ص: 222

للأمر به في الصحيح (433)، وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنَ السُّجُودِ وُالقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ، لأنه أعون له.

وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الأُوْلَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الأَصَحِّ، لحديث أبي قتادة في الصحيح (434)، والثاني: أنه لا يطولها. قال في الروضة: وهو الراجح عند الجمهور، قُلْتُ: ويستثنى من محل الخلاف تطويل الأُولى من صلاة الكسوف وصبح الجمعة، والثانية إذا قرأ في العيد والجمعة {يُسَبِّحُ} و {هَلْ أَتَاكَ} ويخفف في صلاة الخوف ذات الرقاع في الأولى ويستحب للطائفتين التَّخفيف فيما يبدون به، نقله في الروضة

هناك عن الأصحاب، وَالذِّكْرُ بَعْدَهَا، للاتباع كما صح في عدة أحاديث (435)، قال

الحديث (54/ 401)؛ ونصه؛ [أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، كَبَّرَ حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى؛ فَلَمَّا أَرَادَ أَن يَرْكَعَ، أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا ثُمَّ كَبَّرَ] وليس فيه هذه الزيادة [عَلَى صَدْرِهِ] أو [عِنْدَ صَدْرِهِ] والحديث بهذه الزيادة من رواية مؤمل بن إسماعيل العدوى مولى آل الخَطَّاب وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صدوق، شديد في السنة، كثر الخطأ. وقال البُخَارِيّ: منكر الحديث. وقال مُحمَّد بن نصر المروزي: المؤمل إذا انفرد بحديث وجب التوقف ويثبت فيه؛ لأنه كان سيء الحفظ كثير الغلط. ينظر

ترجمته في تهذيب التهذيب: الرقم (7311).

(433)

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: [أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُواْ الدُّعَاءَ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (215/ 482). ولحديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: افْتَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ؛ فَتَحَسَّسْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَإذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجدٌ يَقُولُ:[سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ] فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنِّي لَفِي شَأْنٍ وَأَنْتَ لَفِي آخَر.

رواه مسلم في الصحيح: الحديث (221/ 485).

(434)

حديث أبي قتادة: [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُطَوَّلُ الرَّكْعَةَ الأُوْلَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (154/ 451).

(435)

لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: [كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ]. رواه مسلم في الصحيح: الحديث (120/ 583). وحديث ثوبان قال: كَانَ =

ص: 223

في الروضة: والسُّنَّةُ أن يُكثر منه، قُلْتُ: ويستحب الدعاء أَيضًا ويُسِرُّ بهما إلاّ أن يكون إمامًا يريد التعليم.

وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ لأن مواضع السجود تشهد له فاستحب تكثيرها قاله البغوي وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} (436) إن المؤمن إذا مات بكت عليه مُصَلَّاهُ من الأرض ومصعد عمله من السماء. وهذه العلَّة التى سبقت تقتضى أن ينتقل أَيضًا إلى الفرض من موضع نفله المتقدم وأن ينتقل لكل النوافل، وَأَفْضَلُهُ إِلَى بَيْتِهِ، للأمر به في الصحيحين (437)، نعم

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاِتهِ؛ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: [اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ] قَالَ: كَيْفَ الإِسْتِغْفَارُ؟ قَالَ؛ تَقُولُ: أسْتَغْفِرُ الله أسْتَغْفِرُ الله. رواه مسلم في الصحيح: الحديث (135/ 591). وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها: الحديث (136/ 592) والمغيرة بن شعبة: الحديث (137/ 593) وعبد الله بن الزبير: الحديث (139/ 594) وغيرهم رضي الله عن الصحابة أجمعين.

(436)

الدخان / 29. وعن سعيد بن جُبير، أن ابن عباس قال: (نَعَمْ إِنهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ إلَّا لَهُ بَابٌ فِي السَّمَاءِ مِنْهُ يَنْزِلُ رِزْقُهُ، وَفِيهِ يَصْعَدُ عَمَلُهُ، فَإذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ فَأُغْلِقَ بَابُهُ مِنَ السَّمَاءِ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ فِيهِ عَمَلُهُ؛ وَيَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، بَكَى عَلَيْهِ. وَإِذَا فَقَدَهُ مُصَلَّاهُ مِنَ الأرْضِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّى فِيهَا؛ وَيَذكُرُ الله فِيهَا؛ بَكَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكْنْ لَهُمْ فِي الَأرْضِ آثَارٌ صَالِحَةٌ، فَلَمْ تبْكِ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ): رواه ابن جرير الطبري في بيانه: الحديث (24074) وأخرج عن قتادة قال بِقَاعُ

الْمُؤمِنِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّى عَلَيْهَا مِنَ الأَرْضِ تَبْكِي عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ، وَبِقَاعُهُ مِنَ السَّمَاءِ الَّتِي كَانَ يُرْفَعُ فِيهَا عَمَلُهُ: النص (24081).

(437)

. لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: [اِجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (432) وكتاب التهجد: الحديث (1187). ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (208/ 777).

• ولحديث زيد بن ثابت أن رسول اللَه صلى الله عليه وسلم قال: [فَصَلَّوا أيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَل الصَّلاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ] رواه البخاري في الصحيح: =

ص: 224