الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخبث؛ فإن لم يَطهر المحل فهي نجسة؛ لأنها بعض المنفصل وهو نجس، والثاني: أنها نجسة لانتقال المانع إليها، والثالث: أنها طاهرة كما قَبْلَ وروده، ثم هذا كله إذا لم يَزِدِ الوزن فإن زاد أي بعد اعتبار القدر الذي يأخذه المحل من الماء فالأصح القطع بالنجاسة.
وَلَوْ نَجُسَ مَائِعٌ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ، إذ لا يمكن انفصال النجاسة عنه (230)، وَقِيلَ: يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ، قياسًا على الثوب النجس.
بَابُ التَّيَمُّمِ
التَّيَمُّمِ: هو في اللغة الْقَصْدُ؛ وفي الشَّرْعِ: إِيْصَالُ التُّرَابِ إِلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْن بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، قَالَ ابْنُ حَبِيْبٍ: نَزَلَ فَرْضُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سَنَةَ سِتٍّ، وَهُوَ رُخْصَةٌ؛ وقيل: عَزِيْمَةٌ، وقيل: إِنْ تَيَمَّمَ لِعِدَمِ المَاءِ فَعَزِيْمَةٌ أَوْ لِعُذْرٍ فَرُخْصَةٌ (231).
(230) لحديث ميمونة رضي الله عنها؛ أن فأرة وقعت في سمن؛ فماتت؛ فسُئل رسول النبي صلى الله عليه وسلم عنها؛ فقال: [أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوضوء: باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء: الحديث (235) و (236) وفي باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب: الحديث (5538 و 5539 و 5540) ثم قال: رواه أبو هريرة: وحديث أبي هريرة: بلفظ: [أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الفَأَرَةِ تَكُونُ فِي السَّمْنِ؛ فَقَالَ: إِذَا كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الأطعمة: باب في الفأرة تقع في السمن: الحديث (3842).
وصححه ابن حبان في الموارد: الحديث (1364).
(231)
التَّيَمُّمُ في اللغة القَصْدُ؛ قال الله عز وجل: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُون} [البقرة / 267]
وتيمَّمْتُ الشيء قصدته، وتيممت الصعيد تعمدته؛ قال ابن السكيت: قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوْا صَعِيدًا طَيِبًا} [النساء / 43] أي اقصدوا؛ ثم كثر استعمالهم لهذه الكلمة حتَّى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب. وقال ابن الأنبارى: في قولهم: (قَدْ تَيَمَّمَ الرَّجُلُ) ومعناه مسح التراب على وجهه ويديه. قال القرطبي: وهذا هو التيمم =
يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ، بالإِجماع، وَالْجُنُبُ، لقصة عَمَّارِ التي في الصحيح (232)، والحائض والنفساء في معناه، وكذا المأمور بغسل مسنون وكذا المَيِّتُ يُوَمَّمُ، والمأمور بوضوء مستحب يظهر استحباب التيمم له، ولا يقاس على تجديد الوضوء.
لأَسْبَابٍ أَحَدُهَا: فَقْدُ الْمَاءِ، لقوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (233) قال الرافعي: والمبيح هو العجز (234) فقط، نعم له أسباب، قال: ويكفي في ذلك الظَّنُّ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ؛ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ، لأن طلب ما عُلم عدمُهُ عبثٌ، وَإِنْ تَوَهَّمَهُ؛ طَلَبَهُ، أي وجوبًا، والمقيم في الطلب كالمسافر وإن اختلفا في كيفيته، والنَّفيد إنما أتى به للغالب، مِنْ رَحْلِهِ، أي وهو منزله، وَرُفْقَتِهِ، وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ إِنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ، من الأرض فينظر الجهات الأربع، فَإنِ احْتَاجَ إِلَى تَرَدُّدٍ، أي بأن كان هناك وهدة أو حبل ونحوهما، تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ، أي القدر الَّذي يصل إليه نظره
= الشرعى؛ إذا كان المقصود به القُربة. ويممت المريض، فتيمم للصلاة. ينظر: الجامع لأحكام القرأن: ج 5 ص 231 - 232. وفتح الباري شرح صحيح البخاري: ج 1 ص 569. أما فرضه فمختلف فيه، وربما كان بعد سنة ست، وفيه تفصيل يطول الوقوف عنده وليس بمراد هنا.
(232)
عن عمار بن ياسر رضي الله عنه؛ قال: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةِ؛ فَأَجْنَبْتُ؛ وَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ؛ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: [إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدِكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَربَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحِ الشِّمَالَ عَلَى اليَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهِهِ. وفي رواية: وَضَرَبَ بيَدَيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفيِّهِ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب التيمم: باب التيمم ضربة: الحديث (347) والحديث (338). ومسلم في الصحيح: باب التيمم: الحديث (110/ 368) والحديث (111/ 368).
(233)
النساء / 43؛ أو آية التيمم: المائدة / 6: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
(234)
يراد بالعجز؛ العجز عن استعمال الماء وهو موجود، وللعجز أسباب. كما في الذي شُجَّ رأسه في حديث ابن عباس وسيأتي إن شاء الله.
لو لم يتردد، وقد ضبطه الإمام بحد الغوث؛ لأن إلزامه التردد فوق ذلك إضرار به، وضابط المصنف يخالفه؛ فإنه أزيد منه في المسافة بكثير، وقال المصنف في شرح المهذب: أطلق الشافعي وغيره إنه لا يجب التردد، فَاِنْ لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ، لحصول العجز وهذا إجماع، فَلَوْ مَكَثَ مَوْضِعَهُ، أي ولم يحدث ما يوهم ماء، فَالأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ لِمَا يَطْرَأُ، أي مما يوجب التيمم من حدث وفريضة أخرى ونحوهما كما في إعادة الاجتهاد في القِبلة، والثاني؛ لا؛ لأنه لو كان ثَم ماء لظفر به بالطلب الأول؛ فإِن فارق موضعه أعاد الطلب قطعًا، فَلَوْ عَلِمَ مَاءً يَصِلُهُ الْمُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ، أي كالاحتطاب ونحوه، وَجَبَ قَصْدُهُ، لانتفاء المشقة وهذا حَدُّ القرب، وهو فوق حد الغوث الذي يقصد عند التوهم، وقال مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: ولعله يقرب من نصف فرسخ، إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، أي من نفسه أو غيره، اللهم إلّا أن يكون قدرًا يجب احتماله في تحصيل الماء ثمنًا أو أجرة، نقله في شرح المهذب عن الأصحاب، وكذا إذا خاف فوت وقت أو رفقة وغير المال مما هو منتفع به كالكلب، وفي إلحاقه
به نظر، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ تَيَمَّمَ، أي بأن يكون بعيداً لا يناله في الوقت؛ لأنه فاقد في الحال، فلو ألزمناه انتظاره لما ساغ التيمم أصلًا، قال الرافعي: والأشبه بكلامهم أن الاعتبار في هذه المسافة من أول وقت الصلاة الحاضرة لو كان نازلًا في ذلك الموضع وهو مقتضى كلام المصنف أيضًا، وقال المصنف في الروضة: الظاهر من عباراتهم؛ أن الاعتبار بوقت الطب وهو ظاهر النص، وَلَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ، فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، ليأتى بالصلاة بالوضوء؛ لأنه الأصل والأكمل، أَوْ ظَنَّهُ، أي تَرَجَّحَ عنده وجوده آخره، فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أفْضَلُ في الأَظهَرِ، أي إذا أراد الاقتصار على صلاة واحدة ترجيحًا للفضيلة المتيقنة؛ وهي التعجيل على الوضوء المظنون (235)،
(235) لحديث ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أيُّ العمل أفضلُ؟ قال: [الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا] رواه الحاكم في المستدرك: أول كتاب الصلاة: باب في المواقيت: الحديث (674/ 1 و 2/ 675) وقال: فقد صحَّت هذه اللفظة باتفاق بندار بن بشار
والحسن بن مكرم على روايتهما عن عثمان بن عمر، وهو صحيح على شرط الشيخين =
والثاني: التأخر أَوْلى لما سلف، أما لو صلّى أَوَّل الوقت بالتيمم ثم آخره بالوضوء، قال الإمام: فهو النهاية في إحراز الفضيلة، ولو ترجح العدم على الوجود فالتقديم أفضل قطعًا، وكذا إذا استوى الطرفان.
وَلَوْ وَجَدَ مَاءَ لَا يَكْفِيهِ؛ فَالأَظْهَرُ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ، لقدرته على البعض كما يغسل الجريح من بدنه ما صح (236)، والثاني: لا يجب؛ كما لا يعتق المكفِّر بعض رقبةٍ، وَيَكُونُ، أي استعماله، قَبْلَ التَّيَمُّمِ، لئلا يتيمم مع وجود الماء (237)، ثم هذا إذا صلح للغسل؛ فإن لم يجد المحدث إلّا ثلجًا أو بردًا لا يقدر على إذابته، لم يجب استعماله في الرأس على المذهب، ولو لم يجد ترابًا يكفيه استعمل الناقص، وقيل: القولان.
= ولم يخرجاه، وله شواهد؛ ووافقه الذهبي في التلخيص: على شرطهما. ورواه الحاكم بسند آخر، في الحديث (676/ 3) وقال: قد روى هذا الحديث جماعة عن شعبة ولم يذكر هذه اللفظة غير حجاج بن الشاعر عن علي بن حفص وحجاج حافظ ثقة، وقد احتج مسلم بعلي بن حفص المدايني. ووافقه الذهبي على كل قوله. وفي الباب أحاديث عن ابن عمر وأم فروة وفيه انظر. وأخرج حديث ابن مسعود الدارقطني في السنن: ج 1 ص 246، وإسناده صحيح.
(236)
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُواْ مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثَرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الفضائل: باب توقيره صلى الله عليه وسلم: الحديث (130/ 1337). والبيهقى في السنن الكبرى: الحديث (1060). وأصله في البخاري: كتاب الاعتصام بالسُّنَّة: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحديث (7288).
(237)
لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه؛ قال: كُنَّا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصَلَّى بالناس؛ فلما انفتل من صلاته؛ إذا هو رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ! فقال:[مَا مَنَعَكَ يَا فُلَان أَنْ تُصَلِّي مَعَ الْقَوْمِ؟ ] فقال: يا رسول الله! أَصَابتني جَنَابة ولا ماء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [عَلَيِّكَ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ] رواه البخاري في الصحيح:
الحديث (334). ومسلم في الصحيح: الحديث (682). والنسائي: ج 1 ص 171.
وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، أي وهو قيمته في موضعه وزمانه (238)، وكذا إذا فقد التراب ووجده يباع بثمن مثله؛ كما رأيته في فتاوى الحناطي، إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ، أي إلى ثمن الماء، لِدَيْنِ مُسْتَغْرِقِ، أَوْ مُؤْنَةِ سَفَرِهِ، أي المذكور في الحج ذهابًا وإيابًا، أَوْ نَفَقَةِ حَيْوَانٍ مُحْتَرَمٍ، أي من مسلم أو ذمي وبهيمة وسائر ما لا يباح قتله؛ لأن هذه الأمور لا بد لها بخلاف الماء، وهل يعتبر هنا المسكن والخادم؟ فيه نظر.
وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ أَوْ أُعِيرَ دَلْوًا وَجَبَ القُبُولُ فِي الأَصَحِّ، لخفة الْمِنَّة فيه لجري العادة به، والثاني: لا يجب قبول الماء كالثمن ولا قبول العارية إذا زادت قيمة المستعار على ثمن الماء؛ لأنه قد يتلف فيضمنها.
وَلَوْ وُهِبَ ثَمَنَهُ فَلَا، بالإجماع لما فيه من عظم الْمِنَّةِ (239)، وَلَوْ نَسِيَهُ فِي رَحْلِهِ أَوْ أَضَلَّهُ فِيهِ، أي طلبه فيه، فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ الطَّلَبِ، أي فيهما، فَتَيَمَّمَ قَضَى فِي الأَظْهَرِ، أما في الأَولِ: فكما لو نسي الرقبة فصام، وأما في الثانية: فلندوره، والثاني: لا قضاء لعدم التقصير، وَلَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فِي رِحَالِ فَلَا يَقْضِي، لأن خفاء الماء فيها أغلب.
(238) لما جاء في حديث عمران بن حصين؛ في حديث المرأة التي أخذوا الماء منها؛ قال: ثم قال لنا: [هَاتُواْ مَا عِنْدَكُمْ] فجعلنا لها من الكسر والتمر حتَّى صَرَّ لها صُرَّةً فقال لها: [اذْهَبي فَأَطْعِمِي هَذَا عِيَالَكِ؛ وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب مناقب: باب علامات النبوة في الإسلام: الحديث (3571). ومسلم في الصحيح: كتاب مساجد ومواضع الصلاة: باب قضاء الفائتة: الحديث (312/ 682).
والبيهقى في السنن: الحديث (126).
(239)
لما جاء في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمَرْأَةِ: [تَعْلَمِيْنَ؛ وَاللهِ إِنَّا مَا رَزَأنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الله هُوَ الَّذِي سَقَانَا]؛ وقد تقدم، وفي سياق النص دلاله واضحة على أن الأمر عادى معهود بين الناس في تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة مع المرأة في أخذ الماء وشربهم منه وقوله فيها وهي قائمة تنظر ما يَفْعَلُ بمائها، وكما سيأتى إن شاء الله.
الثَّانِي: أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ لِعَطَشِ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ مَآلاً، أي ولو في المستقبل؛ لأن الروح لا بدل لها، بخلاف الوضوء (240).
الثَّالِثُ: مَرَضٌ يَخَافُ مَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ، لعموم قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى
…
} (241) الآية، ولو خاف ولم يجد طبيبًا ثقة مسلمًا تَيَمَّمَ وأعادَ إذا وجد المخبر، قاله البغوي في فتاويه، وخالف أبو علي السبخي وأقرَّةُ في الروضة، وَكَذَا بَطْءُ الْبُرْءِ، أي طول المدة (242)، أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ في عُضْوٍ ظَاهِرٍ فِي الأَظْهَرِ، لأن ضَرَرَهُ فوق زيادة ثمن المثل، والثاني: لا، لانتفاء زيادة التلف، واحترز بالفاحش عن اليسير؛ وبالظاهر عن الفاحش الباطن؛ واستشكل ذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال: لا سيما إذا كان في جارية أو مملوك؛ فإن الخسران فيه أكثر من الخسران الحاصل من شراء الماء بزيادة على ثمن المثل حقيرة، وَالشَّيْنُ: هو الأثرُ المنكرُ من تغير لونٍ أو نحولِ وَاسْتِحْشَافٍ (•) وثغرة تبقى ولحمة تزيد، قاله الرافعي في آخر الديات، والمراد بالظاهر: هو ما يبدو عند المهنة غالبًا كالوجه واليدين، وَشِدَّةُ الْبَرْدِ
(240) لما جاء في حديث عمران بن حصين صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [اشْرَبُواْ وَاسْتَقُواْ فَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ وَشرِبَ مَنْ شَاءَ، قَالَ: وَكَانَ آخِرَ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ فَقَال: [اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيكَ]. البيهقي في السنن: الحديث (1076).
(241)
النساء / 43 والمائدة / 6.
(242)
لما جاء موقوفًا عن ابن عباس، وهو مرفوع حكمًا؛ في تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ عَلَى سَفَرٍ] قال: [إذا كان بالرجل الجراحة في سبيل الله والقروح أو الجدري فيجنب، فيخاف إن اغتسل أن يموت فليتيمم] رواه ابن الجارود في المنتقى: الحديث (129). وإسناده صحيح موقوف على ابن عباس، وهو مرفوعٌ حكمًا، فإسناده حسن كما قال الشربيني في مغني المحتاج: ج 1 ص 93. ورواه البيهقي في المعرفة والآثار: الحديث (341 و 342) وفي السنن الكبرى: الحديث (1096).
(•) الْحَشْفُ: الْخُبْزُ اليَّابِسُ؛ وَالضَّرْعُ الْبَالِي، وَالْحَشَفَةُ: محركةٌ: ما فوق الختان. وَقَرْحَةٌ تَخْرُجُ بِحَلْقِ الإِنْسَانِ وَالبَعِيْرِ. وَاسْتَحْشَفَتِ الأُذْنُ وَالضَّرْعُ: يَبِسَتْ وَتَقَلَّصَتْ. القاموس المحيط للفيروزآبادي: (ح ش ف).
كَمَرَضٍ، أي حتَّى يتيمم إذا خاف بسبب ذلك على منفعة العضو ونحوه مما سلف دون الشين الباطن أو اليسر أو خوف التألم، وشرطه أن يعجز عن ماء يسخنه ولو بأجرة (243).
وَإذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي عُضْوٍ، أي لجرح أو كسر، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَاتِرٌ وَجَبَ التَّيَمُّمُ، بدلًا عن غسل العليل، وعَرَّفَ التيمم بالألف واللام ليرد على من قال من العلماء أنَّه يُمِرُّ الترابَ على المحل المعجوز عنه (244)، وَكَذَا غَسْلُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَذْهَبِ، أي بحسب الإمكان ولو بخرقة مبلولة، والطريق الثاني؛ قولان لمن وجد بعض ما يكفيه من الماء.
وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا، أي بين الغسل والتيمم، لِلْجُنُبِ، إذ لا ترتيب في طهارته، فإن شاء تيمم قبل غسل الصحيح، وإن شاء عكس؛ والأول أَولَى لِيُذْهِبَ الماء أثَرَ
(243) لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه؛ قال: [احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ
السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ أن أَغْتَسِلَ فَأَهْلَكَ؛ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بأَصْحَابِي، فذَكَرُواْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: يَا عَمْرو أَصَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأنْتَ جُنُبٌ؟ ؛ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الإغْتِسَالِ؛ وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ الله يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا] عَلَّقَه البخاري في الصحيح: كتاب التيمم: باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض، وقوى إسناده ابن حجر العسقلاني رحمه الله في الفتح: ج 1 ص 598 وقال: هذا التعليق وصله أبو داود والحاكم. وحكى طريق إسنادهما. ورواه أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب إذا خاف الجنب: الحديث (334). والحاكم في المستدرك: كتاب الطهارة: الحديث (628/ 183) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
(244)
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي رَأْسِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَصَابَهُ الاحْتِلَامُ، فَأُمِرَ بِالاغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:[قَتَلُوهُ قَاتَلَهُمُ الله! أوَ لَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ]. رواه أبو داود في السنن:
كتاب الطهارة: باب في المجروح يتيمم: الحديث (337). وابن ماجة في السنن: كتاب الطهارة: باب في المجروح تصيبه الجنابة: الحديث (572).
التراب، نصَّ عليه (245)، فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَالأصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ العَلِيلِ، رعاية للترتيب فلا ينتقل عن عضو حتَّى يكمله غسلًا وتيمُّمًا مقدمًا ما شاء، والثاني: يجب تقديم غسل الصحيح، والثالث: يتخير كالجنب، فَإِنْ جُرِحَ عُضْوَاهُ فَتَيَمُّمَانِ، لأن التيمم عن الثاني لا بد أن يكون بعد التيمم عن الأول، وإن كانَ أَي على العضو الَّذي امتنع استعمال الماء فيه ساترٌ، فَإِنْ كَانَ كَجَبِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ كمَا سَبَقَ، أي من مراعاة الترتيب في المحدث، فإن أمكن كلف الغسل خلافًا للأئمة الثلاثة، ويشترط في الساتر أن يضعه على طهر وأن لا يأخذ من الصحيح تحته إلّا القدر الذي لا بد منه للاستمساك، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ مَسْحُ كُلِّ جَبِرَتِهِ بِمَاءٍ، لأنه أبيح للعجز كالمسح في التيمم، وَقِيلَ: بَعْضَهَا، كما في مسح الخف والجبيرة إذا كانت على أعضاء التيمم لا يجب مسحها بالتراب على الأصح وإليه أشار بقوله بماء، فَإِذَا تَيَمَّمَ، أي الذي غسل الصحيح وتيمم عن الباقي (246)، لِفَرْضٍ ثَانٍ وَلَمْ يحْدِثْ لَمْ يُعِدِ الْجُنُبُ غَسْلًا، أي لأن التيمم طهارة مستقلة فلا يلزم ارتفاع حكمها اِنتقاضُ طهارة أخرى، ويُعِيدُ الْمُحْدِثُ مَا بَعْدَ
(245) لحديث عطاء قال: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ وَتَرَكَ رَأْسَهُ حَيْثُ أَصَابَهُ الجِرَاحُ، ومتصلًا عند أبي داود في السنن عن جابر ولفظه [إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أنْ يَتَيَمَّمَ
وَيَعْصُبَ أَوْ يَعْصُرَ - شك الراوى - عَلَى جُرْحِهِ خُرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ] رواه أبو داود في الطهارة: الحديث (336) وزيادته ليست قوية. أما زيادة عطاء فهي ظاهرة الانقطاع عند ابن ماجة في السنن: الحديث (572) ولكن الحاكم أوصلها من قول ابن عباس فزالت شبهة الانقطاع: الحديث (630 و 631)، قال ابن الملقن في التحفة: ورحال إسنادها كلهم ثقات.
(246)
لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في لفظ: [إِنَّ عَمْرو بْنَ العَاص كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ وَفِيهِ قَالَ: فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى بِهِم] رواه أبو داود في السنن: الحديث (334 و 335) والحاكم في المستدرك: الحديث (628) وقال: صحيح على شرط الشيخين. قال البيهقي: ويُحتمل أن يكون فعل ما نُقل في الروايتين جميعًا؛ غَسَلَ ما قدر على غسله، وتيمم للباقي. في السنن الكبرى: الحديث (1103).
عَلِيلِهِ، مراعاة للترتيب، وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفَانِ، أي الجنب الغسل؛ والمحدث الوضوء؛ لأنها طهارة مركبة من أصل وبدل، فإذا بطل البدل! بطل الأصل؛ كنزع الخف، وَقِيلَ: الْمُحْدِثُ كَجُنُبٍ، أي فلا يعيد غسلًا، ومراده على الأصح؛ لأنه قد حكى الخلاف فيه كما علمته. قُلْتُ: هَذَا الثَّالِثُ أصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ، واحترز بقوله (وَلَمْ يُحْدِثْ) عما إذا أحدث فإنه يعيد جميع ما سبق، قال أصحابنا كما نقله عنهم في شرح المهذب: وإذا أجنب صاحب الجبيرة ونحوها، لا يلزمه النزع بخلاف الخف، والفرق
عدم المشقة هناك.
فَصْلٌ: يُتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ، بجميع أنواعه لقوله تعالى:{فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} .
قال ابن عباس: هو التراب (247) طَاهِرٍ، أي فلا يجوز بتراب نجس كالماء، حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ، أي كالطين الإِرمنَي لوقوع اسم التراب عليه، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ، أي منه حتَّى لو سحق الرمل وتيمم به جاز كما قال المصنف في فتاويه؛ لأنه من طبقات الأرض والتراب جنس له، لَا بِمَعْدِنٍ وَسَحَاقَةِ خَزَفٍ، لأنه لا يسمى ترابًا ما اتُّخذ من الطين وشُوِيَ كالكيزان، وَمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ، لأن الخليط يمنع وصول التراب إلى العضو، وَقِيلَ: إِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ، كالماءِ؛ والفرق كثافته ولطافة الماء، وَلَا بِمُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيح، كالماء، والثاني: يجوز؛ لأنه لا يرفع الحديث بخلافه كذا علَّله الرافعي؛ ومقتضاه إلحاق الماء الذي استعمله دائم الحديث بالتراب؛ لأن
(247) الصَّعِيدُ: وَجْهُ الأَرْضِ؛ كان عليها تراب أم لم يكن! قاله الخليل وابن الأعرابي والزجاج كما نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 5 ص 236. وقال: إنما سُمِّيَ صعيدًا لأنه نهاية ما يُصعَدُ إليه من الأرض. وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه لا يقع الصعيد إلا على تراب ذي غبار، وهو التراب المنبت وهو الطيب كما في قوله تعالى:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذنِ رَبِّهِ} [الأعراف / 58]. وأخرج البيهقي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: الصعيد الحَرْثُ؛ حَرْثُ الأرض. في السنن الكبرى: النص [1057 و 1056]. فالصعيد الطيب هو التراب الذي يعلو وجه الأرض. ونقل
القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 5 ص 236: عن علي رضي الله عنه: هو التراب خاصة.
حدثه باقٍ، وَهُوَ، أي التراب المستعمل، مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ، أي حالة التيمم وإن تناثر بعد ذلك، وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ، أي حالة التيمم بعد إصابته العضو، فِي الأَصَحِّ، كالمتقاطر من الماء، والثاني: لا يكون مستعملًا؛ لأن التراب يدفع بعضه بعضًا بخلاف الماء، وعُلم من كلام المصنف: أنَّه يجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد، وكذا الواحد من تراب يسير في خرقة ونحوها؛ كما يجوز الوضوء مرات من إناء واحد.
وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ، أي قصد التراب لقوله تعالى:{فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} أي اقصدوا، فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ فَرَدَّدَهُ، على أعضائه، وَنَوَى لَمْ يُجْزِئْ، لأن التراب أتاه ولم يقصده، وَلَوْ يُمِّمَ، بِإِذْنِهِ جَازَ، كالوضوء؛ بل يجب عند العذر، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عُذْرٌ، لأنه لم يات بالتراب، وأجاب الأول بإقامة نائبه مقامه، ولا بد من نية الإذن كما قاله في شرح المهذب. أما إذا يمم بغير إذنه فكتعرضه للريح.
وَأَرْكَانُهُ:
1 -
نَقْلُ التُّرَابِ، أي فلو كان على العضر تراب فردده عليه من جانب إلى جانب لم يكف، واحتجُّوا له؛ بأن القصد شرط كما تقدم؛ وإنما يكون قاصدًا إذا نقل التراب؛ قال الرافعي: وغير هذا الاستدلال أوضح منه. ومجموع ما ذكر في الكتاب من الأركان خمسة: النقل، والنية، ومسح الوجه، ومسح اليدين، والترتيب، وزاد المصنف في الروضة التراب والقصد، وقال الرافعي: إسقاطهما أوْلى، فَلَوْ نَقَلَ مِنْ وَجْهٍ إِلَى يَدٍ، أي بأن يزيل التراب الذي مسح به وجهه بخرقة ويحدث عليه ترابًا آخر (248)، أَوْ عَكَسَ كَفَى فِي الأَصَحِّ، لحصول مسمى النقل، فعلى هذا لو نقل من إحدى اليدين إلى الأخرى؛ ففيه وجهان؛ في الكفاية بلا ترجيح وجه المنع، أن اليدين
(248) لحديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ لَنَا الأرْضُ مَسْجِدًا؛ وَجُعِلَ تُرَابُهَا طَهُورًا] رواه الدارقطني في السنن: ج 1 ص 175 - 176، وأبو عوانة في صحيحه: ج 1 ص 303. ولفظه عند مسلم: [وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا
وَجُعِلَ تُرْبَتُهَا طَهُورًا]: الحديث (522).
كعضو واحدٍ، والثاني: لا يكفي؛ لأن أعضاء الوضوء كالعضو الواحد. وفي فتاوى القفال: أنه إن أخذ التراب ليمسح به وجهه فتذكر أنه مسحه؛ فلا يجوز أن يمسح بذلك التراب يديه؛ لأن القصد إلى التراب لعضو يمسح به شرط؛ بخلاف نظيره من الوضوء، وكذا لو أخذه ليديه ظاناً أنه مسح الوجه؛ ثم تذكر أنه لم يمسحه لا يجوز أن يمسح به وجهه.
2.
وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، أى وكذا نية مفتقر إليها، لَا رَفْعَ حَدَثٍ، لأنه لو رفعه لما بطل بغيره وهو الماء وَلَوْ نَوَى فَرْضَ التيَمُّمِ لَمْ يَكْفِ فِي الأَصَحِّ، لأنه طهارة ضرورة، فلا يصلح أن يكون مقصوداً، ولهذا لا يستحب تجديده، والثاني: يكفي كالوضوء، وَيَجِبُ قَرْنُهَا، أى قرن النية، بِالنَّقْلِ، أي إلى الوجه؛ لأنه أوَّل أركانه حتى لو أخذ التراب فأحدث؛ لا يستعمله؛ بخلاف الماء إذ لا نقل فيه (249).
3.
وَكَذَا اسْتِدَامَتُهَا إِلَى مَسْحِ شَىْءٍ مِنَ الْوَجْهِ عَلَى الصَّحِيحِ، لأنه المقصود، وما قبله وإن كان ركناً فليس مقصوداً في نفسه، والثاني: لا يجب ذلك؛ كما لو قارنت أول غسل الوجه في الوضوء وغربت بعده، ولو غربت فيما بينهما، فظاهر كلام المصنف عدم الاكتفاء، وهو خلاف ما ذكره أبو خلف الطبري في شرح المفتاح.
فَإِنْ نَوَى فَرْضاً وَنَفْلاً أُبِيحَا، عملاً بما نواه، ولا يشترط تعيين الفريضة على الأصح. ولهذا عبَّر بقوله فرضاً ولم يقل الفرض كما في اَلْمُحَرَّرِ، أَوْ فَرْضاً فَلَهُ
(249) لحديث أنس بن مالك أن رجلاً من الأنصار من بني عمرو بن عوف، قال: يا رسول الله، إنك رغَّبتنا في السواك؛ فهل دون ذلك من شئ؟ قال:[إِصبعاك سِوَاكٌ عِنْدَ وُضُوئِكَ؟ تَمُرُّهُمَا عَلَى أَسْنَانِكَ. إِنَّهُ لَاعَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَلَا أَجْرَ لِمَنْ لَا حِسْبَةَ لَهُ] رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (180). وفي سنده جهالة. وحكاه الرافعي في الشرح الكبير بلفظ [لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ عَمَلِهِ إِلَاّ مَا نَوَاهُ]. ينظر: تلخيص الحبير لابن حجر: ج 1 ص 159. والأصل في النية حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقد تقدم في الرقم (46).
النَّفْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأنه تبع له، ووجه المنع؛ أنه لم ينوه؛ وقيل: له ذلك بعد الفرض لا قبله، لأن التابع لا يقدم، وعبَّر بالمذهب؛ لأن النوافل المتقدمة فيها قولان، والمتأخرة تجوز قطعا؛ وقيل: على القولين، ويتلخص من مجموع ذلك ثلاثة أقوال كما ذكرته.
فَرْعٌ: لو تيمم لجنازة فَكَنِيَّةِ نفل؛ لأنها تسقط بفعل غيره، وقيل: كفرض، وهذا وارد على المصنف. إلاّ أن يراد بالفرض الفرض على الأعيان لا على الكفاية.
أَوْ نَفْلاً أَوِالصَّلَاةَ؛ تنَفَّلَ لَا الْفَرْضَ عَلَى الْمَذْهَبِ، أما في الأُولى: فلأن الفرض هو الأصلُ؛ والنَّفل تبعٌ فلا يجعل المتبوع تابعاً، وأما في الثانية: فكما لو نوى الصلاة مطلقاً، ووحه مقابله في الأول: القياس على الوضوء. وفي الثانية: أن الصلاة أسم جنس يتناول الفرض والنفل جميعاً وهو قوي لأنَّ الْمُفْرَدَ الْمُحَلَّى بِأَلْ لِلْعُمُومِ. قال الماوردي: ولا يستبيح الطواف في الثانية. وفيه نظر للمصنف والصحيح في الأولى طريقة القولين. وأما في الثانية فعبارته في أصل الروضة: أن له حكم التيمم للنفل على الأصح.
4.
وَمَسْحُ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ، للآية (250) ولا بد فيهما من التعميم وليتفطَّن إلى القدر الذي أقبل من أنفه على شفته فإنه من الوجه؛ قُلْتُ: والذي يظهر من حيث السنة عدم وجوب الترتيب، فإن في صحيح البخاري من حديث عمار التصريح بمسح الكف قبل الوجه (251)، وأشار بقوله:(ثُمَّ)؛ إلى الترتيب بينهما وهو ركن
(250) قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].
(251)
عن أبي مُوسَى الأشعريِّ رضي الله عنه؛ أنَّ عَمَّارَ قَالَ لِعُمَر رَضىَ الله عَنْهُمَا: بَعَثنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:[إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا] فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أو ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُم
مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ
…
رواه البخاري في الصحيح: كتاب التيمم: باب التيمم ضربة: الحديث (347). وفيه أيضاً زيادة يعلى بن عبيد: وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفِّيْهِ وَاحِدَةً. وفي هذه الرواية للبخاري أقوال للعلماء، ينظر مناقشتها أو الإشارة إليها بما جاء في فتح =
كما في الوضوء، مَعَ مِرْفَقَيْهِ، لأنه بدل الوضوء. قُلْتُ: والذي يظهر من حيث السنة الصحيحة الاقتصار على الكوعين (252).
وَلَا يَجِبُ إيْصَالُهُ مَنْبَتَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، أى بخلاف الوضوء لعسره، وَلَا تَرْتِيبَ فِي نَقْلِهِ فِي الأَصَحِّ، فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ، أي دفعة واحدة، وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ جَازَ، أي وكذا لو ضرب اليمين قبل اليسار ثم مسح بيساره وجهه وبيمينه يساره، لأن الفرض الأصلي المسحُ، والأخذُ وسيلة، والثاني: يشترط كالمسح.
وَتُنْدَبُ التَّسْمِيَةُ، كالوضوء، وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرَبتَيْنِ، لتكررهما في الأخبار (253). قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَالله أَعْلَمُ، قُلْتُ: لكن يرده حديث عمار الثابث في الصحيح، والضرب ليس بِمُتَعَيِّن، ولهذا يكفي التَّمَعُّكُ.
وَيُقَدِّمُ يَمِينَهُ وَأَعْلَى وَجْهِهِ، كما في الوضوء، وَيُخَفْفُ الْغُبَارُ، أي ينفخه إن كان كثيراً بحيث لا يبقى إلاّ قدر الحاجة للاتباع (254)؛ قال في الأُم: والأحب أن لا
الباري شرح صحيح البخاري: ج 1 ص 600 وما بعدها.
(252)
الكُوعُ: العظم الذى في مَفْصِل الكفِّ؛ يلى الإبهام، وأما الذي يلي الخِنْصَر، فَكُرْسُوعٌ بضم الكاف. تقدمت الإشارة إليه في الرقم (149)، أما الاقتصار عليها في السُّنَّة الصحيحة، فلما جاء في الأحاديث بلفظ:[فَضَرَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بيَدِهِ عَلَى الأرْضِ؛ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ] رواه البخاري: الحديث (343) وفي لفظ: [تَمَعَّكْتُ فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يَكْفِيكَ الْوَجْهُ والكَفَّانِ] رواه البخاري: الحديث (341). فيستفاد من هذا اللفظ؛ أن ما زاد على الكفين ليس بفرض. ولا يقاس التيمم في هذا على الوضوء، لأن القياس لا يقابل النص وقد وُجد، فلا قياس.
(253)
لحديث ابن عمر موقوفاً مرفوعاً: [التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ؛ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَينِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ] رواه الدارقطني في السنن: ج 1 ص 180 - 181، والحاكم في المستدرك: كتاب الطهارة: الحديث (634/ 189).
(254)
لحديث عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا في سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ؛ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فذكرتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: [كَانَ =
يمسح التراب من الأعضاء حتى يفرغ من الصلاة.
وَمُوَالَاةُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ، أي فالقديم اشتراطها، والجديد منعه، لأن كلاً منهما طهارة عن حدث. قُلْتُ: وَكَذَا الْغُسْلُ، أي فيأتي الخلاف فيها لما ذكرناه من كونه طهارة.
وَيُنْدَبُ تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلاً، أَي في أول الضرب؛ لأنه أبلغ في إثارة الغبار وهو مستحب في الضربتين، وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، ليبلغ التراب محله أما في الاولى فمندوب ليكون مسح جميع الوجه باليد اتباعاً للسنة.
فَصْلٌ: وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةِ بَطَلَ، بالإجماع وتوهم الماء كوجدانه، واحترز بقوله:(لِفَقْدِ مَاءٍ) عما إذا تيمم لمرض ونحوه فإنه لا أثر لوجوده، إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ كَعَطَشٍ، لأن وجوده والحالةُ هذه كالعدم، ومن ذلك ما إذا سمع شخصاً يقول: عندي ماء أَوْدَعنيه فلان! بخلاف ما إذا قال أودعنى فلان ماءً، أَوْ فِي صَلَاةِ لَا تَسْقُطُ بِهِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ، أي في الحال؛ لأنه لا بد من الإعادة فلا وجه للبقاء فيها. والثاني: أنها لا تبطل محافظة على حرمتها، ويعيدها وهو وجهٌ لا قولٌ، فيجب أن يقول: على الصحيح بَدَلَ المشهور، وَإِنْ أَسْقَطَهَا فَلَا، أي إلى أن يسلم لتلبسه بالمقصود، وَقِيلَ: يَبْطُلُ النَّفْلُ، لأن حرمته قاصرة عن الفرض؛ لأنه لا يلزم بالشروع، والأصح المنع كالفرض.
فَرْعٌ: يَمَّمَ الْمَيِّتَ وَصَلَّى عَلَيْهِ؛ ثم وجد الماء! وجب غسله والصلاة عليه؛ سواء كان في أثناء الصلاة أو بعدها، أفتى به البغوي وفيه احتمال له.
يَكْفِيكَ هَكَذَا] فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بكَفَّيْهِ الأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب التيمم: باب المتيمم هل ينفخ فيهما؟ : الحديث (338) وفي لفظ: ثُمَّ أَذْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَسَحَ بهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ: الحديث (339) كناية عن النفخ التخفيف. وجاء الحديث عند مسلم أن التعليم وقع بالقول عن شعبة ولفظهم: [ثُمَّ تَنْفُخُ ثُمَّ تَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحيض والتيمم: الحديث (112/ 368).
وَالأَصَحُّ أَنَّ قَطْعَهَا، أي قطع الفريضة، لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ، ليخرج من خلاف من أوجبه، ولأنه انتقال إلى الأفضل؛ وهذا إن وسع الوقت؛ فإن ضاق حرم الخروج، والثاني: يحرم الخروج لأنه إبطال للعمل، وَأَنَّ الْمُتَنَفِّلَ لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَينِ، لأنه عرف الشرع فيها فالزايد كنافلة مستأنفه، إِلَاّ مَنْ نَوَى عَدَداً فَيُتِمُّهُ، لأن إحرامه انعقد كذلك فأشبه المكتوبة، والثاني: له أن يزيد ما شاء.
فَرْعٌ: لو نوى ركعة لم يزد عليها قاله الرافعي أيضاً.
فَرْعٌ: لو رآه بعد قيامه لثالثة أتمها قاله القاضي أبو الطيب والروياني.
فَرْعٌ: لو تيممت الحائض ثم رأت الماء ففى وطئها وجهان عن الدارمي.
فَصْلٌ: وَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ، لأنه طهارة ضرورة (255)؛ والطواف كالصلاة وكذا لا يجمع بين الجمعة وخطبتها، فلو قال المصنف: ولا يؤدي لكان أعم، ويتَنَفَّلُ مَا شَاءَ، لأنه غير محصور فخف أمره، ويؤخذ من ذلك أن من صلى فرضا بالتيمم له إعادته به، لأن الأُولى هي الفرض، كما سيأتي في موضعه، وبه صرَّح الخفاف من أصحابنا في كتابه الخصال، وَفَرَضَهُ في المتيمم المسافر، وَالنَّذْر كَفَرْضٍ فِي الأَظْهَرِ، للزومه، والثاني: لا إذ وجوبه لعارض فلا يلحق بالفرض الأصلي، وَالأَصَحُّ صِحَّةُ جَنَائِزَ مَعَ فَرْضٍ، لأنها ليست من جنس فرائض الأعيان،
(255) لخبر نافع عن ابن عمر: [تَيَمَّمْ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ لَمْ تُحْدِثْ، رواه البيهقي في السنن: باب التيمم لكل فريضة: النص (1084) وقال: إسناده صحيح، وقد رُوي عن علي وعن عمرو بن العاص وعن ابن عباس. وأُسند عن علي رضي الله عنه قال: [يتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ]: النص (1085) وحديث عمرو بن العاص عن قتادة: أن عمرو بن العاص كان يُحْدِثُ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّماً؛ وكان قتادة يأخذ به: النص (1086) وهو مرسل.
وقول ابن عباس: [مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُصَلِّىَ الرَّجُلُ بِالتَّيَمُّمِ إِلَاّ صَلَاةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ الأُخْرَى، : النص (1087) وإسناده ضعيف. وحديث عمرو بن العاص أخرجه الدارقطني: ج 1 ص 184 وكذا حديث علي وابن عمر، وإسناد حديث ابن عمر صحيح.
والثاني: لا، كما لا يصليها قاعداً على الصحيح، والثالث: إن تعينت فكالفرائض وإلا فكالنوافل، وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ إِحْدَى الْخَمْسِ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ لَهُنَّ، لأن الفرض واحد وما عداه وسيلة، والثاني: يجب لكل واحدة تيمم، لأن فعل الجميع واجب فيطلب لكل واحدة واحد، وِإِنْ نَسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ، أي كظهر وعصر، صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمٍ، أي فيصلي الخمس بخمس تيممات، وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالأَوَّلِ أَرْبَعاً وَلاءً، أي كالصبح والظهر والعصر والمغرب، وَبِالثَّانِي أَرْبَعاً لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا،
أي كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، فيخرج عما عليه بيقين؛ لأنه أدَّى الصبح بتيمم والعشاء بتيمم، وكلٌّ من الظهر والعصر والمغرب بتيممين، والوجه الثاني: أن يصلى مرتين بكلٍّ يتيمم الخمس، ووصفه في الروضة بالشذوذ خلاف ما اقتضاه إيراده هنا، وقوله ولاءً لم أَرَ لاشتراطه معنى، أَوْ مُتَّفِقَتَيْنِ، أي كظهرين ونحوها، صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ، هذا هو الأصح، وقيل: يلزمه عشر تيممات.
فَصْلٌ: وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ لِعْلِهِ، لأنه طهارةُ ضرورة، ولا ضرورةَ قبل دخول الوقت، والمنذور المتعلق بوقت معين كالفرض قاله في التتمة، قال في الكفاية: ويظهر تخريجه على القاعدة المعروفة، وَكَذَا النَّفْلُ الْمُؤَقَّتُ فِي الأَصَحِّ، كالفرض، والثاني: يجوز قبل وقته؛ لأن أمر النوافل أوسع، واحترز بالوقت عن المطلق فإنه يتيمم له كل وقت إلاّ وقت الكراهة في الأصح.
فَرْعٌ: الجنازة كالنفل قاله الرافعي وكلام المصنف يوهم الحاقها بالفرض.
فَصْلٌ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَاباً لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ، لأنه مأمور بها بالطهارة؛ فإذا عجز عنها أتى بما يقدر عليه كما لو عجز عن ستر العورة، وَيُعِيدَ، أي يقضي؛ لأنه عذر نادر غير متصل (256)، وفي القديم ثلاثة أقوال؛ أحدها:
(256) شمل إطلاق الفرض الفائتة، ووقتها بالتذكُّر؛ لخبر الصحيحين: عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. لَا كَفَّارَةَ لَهَا
إِلَاّ ذَلِكَ] قال قتادة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} . رواه مسلم في الصحيح: كتاب =
أن الصلاة تندب وتجب الإعادة، والثاني: أنها تحرم وتجب الإعادة، والثالث: أنها تجب ولا إعادة وهو قوى (257)، واحترز بالفرض عن النفل، وكذا مس المصحف وحمله، وكذا الصلاة إذا تركها في تلك الحالة بغير عذر لا يجوز له أن يصليها ثم يقضيها على الصواب لعدم الفائدة، وقوله: ويعيد أي إذا قدر على ماء أو تراب في موضع يسقط القضاء ولإ فلا فائدة في الإعادة، ومراده بالإعادة القضاء كما عبّر به في اَلْمُحَرَّر لا الإصطلاح الأصولي، قال القفال في فتاويه: وإذا صلى فاقد الطهورين على جنازة عليه أن يعيدها.
وَيَقْضِيَ الْمُقِيمُ الْمُتَيمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ، لأنه عذرٌ نادر، قُلْتُ: إلاّ إذا أقام في مفازة أو موضع يعدم فيه الماء غالباً فلا إعادة، لَا الْمُسَافِرُ، لأن ففد الماء يعم فيه (258)، إِلَاّ الْعاصِيَ بِسَفَرِهِ فِي الأَصَحِّ، لأنه رخصة وليس هو من أهلها، والثاني: لا يقضى لأنه عزيمة، قلت: ويستثنى أيضاً ما إذا دخل في طريقه قرية وعُدم الماء وتيمم فإنه
المساجد: الحديث (314 و 315 و 316/ 684)، والبخاري في الصحيح: كتاب مواقيت الصلاة: باب مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا: الحديث (598).
(257)
لحديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه سيأتى في الرقم الذي يليه (254).
(258)
لحديث عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ؛ فَتَيَمَّمَا صَعِيداً طَيِّباً، فَصَلَّيَا. ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ! فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ، وَلَمْ يُعِدْ الآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم،
فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلِّذِي لَمْ يُعِدْ:[أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ الصَّلَاةُ] وَقَالَ لِلْذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: [لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب في المتيمم يجد الماء بعد الصلاة: الحديث (338) وقال: ذكر أبى سعيد الخدري في هذا الحديث غير محفوظ. وهو مرسل. والنسائي في السنن: ج 1 ص 213 مسنداً ومرسلاً بإسقاط أبى سعيد. والحاكم في المستدرك: الحديث (632/ 187) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فإن عبد الله بن نافع ثقة. وقد وصل هذا الإسناد عن
الليث، وقد أرسله غيره. وقال الذهبي في التلخيص موافقاً: على شرطهما وابن نافع ثقة تفرد بوصله.
يعيد في الأصح لندوره؛ قال الأصحاب: وضابط الإعادة لفقد الماء إن كان في موضع يندر فيه العدم أعاد، وإلا فلا، وقولهم يقضي الحاضر لا المسافر مرادهم الغالب من حالهما.
فَرْعٌ: الجمعة لا قضاء لها فلا يبعد فعلها وقضاء الظهر، ولا يدخل ذلك في عبارة المصنف؛ لأنه لا قضاء لها.
وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ قَضَى فِي الأَظْهَرِ، لِنُدْرَةِ فَقْدِ مَاءٍ يُسَخّنُهُ بهِ وما يدفؤه بَعُدَ، والثاني: لا يقضي، والثالث: يقضي الحاضر لا المسافر؛ قال الرافعي: المشهور القطع بالوجوب في حق الحاضر، وقال في شرح المهذب: إن الجمهور قد قطعوا به في كل الطرق، أَوْ لِمَرَضٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ مُطْلَقاً، أَوْ فِي عُضْوٍ وَلَا سَاتِرَ فَلَا، لأنه عذر عام؛ وسواء كان ذلك في الحضر أو في السفر، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ، أي فإنه يقضى؛ لأن العجز عن إزالته بماء مسخن ونحوه نادر؛ قال في الدقائق: ولفظةُ كثير مما زِدْتُها على اَلْمُحَرَّر ولا بد منها (259)، قُلْتُ: لا، لما ستعرفه في شروط الصلاة من أن الراجح أنه كَالْبَثَرَاتِ؛ ومقتضاه العفو عن الكثير أيضاً، وَإِنْ كَانَ سَاتِرٌ لَمْ يَقْضِ فِي الأَظْهَرِ إِنْ وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ، أي إذا كان على غير محل التيمم، لأن المسح على الخف يغنى عن القضاء فلا ضرورة إليه، فالمسح على الجبيرة أَوْلَى، والثاني: يجب القضاء؛ لأنه عذر نادر غير دائم، فإن كانت الجبيرة على محله فيقضى قطعاً لنقصان البدل والمبدل له جميعاً، فَإِنْ وُضِعَ عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ نَزْعُهُ، أي ولا يجوز المسح إن أمكن؛ لأنه مسح على ساتر فاشترط فيه الوضع على طهر كالخف، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ، لفوات شرط الوضع على الطهارة، والثاني: لا؛ لمكان العذر.
(259) في النسخة المطبوعة من الدقائق؛ قال الإمام النووي: لفظةُ (كثير) زيادة للمنهج لا بد منها. دقائق المنهاج: ص 39.