المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب سجود السهو - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيْقِ

- ‌أولًا: أهمِّيَّةُ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ

- ‌1 - فِي بَيَانِ فَضْلِ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةَ الْفِقْهِ يُحَتِّمُهَا الإِيْمَانُ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةِ الْفِقهِ يُحَتِّمُهَا الْعَمَلُ:

- ‌ثَانِيًا: أَهَمِّيَّةُ كِتَابُ (عُجَالَةُ المُحْتَاجِ إِلَى تَوْجِيهِ المِنْهَاجِ)

- ‌1 - فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ الكِتَابِ:

- ‌2 - نَبْذَةٌ عَنْ كِتَابِ (مِنْهَاجُ الطَّالِبِيْنَ):

- ‌3 - فِي بَيَانِ عَمَلِي فِي الْكِتَابِ:

- ‌ثَالِثاً: فِي بَيَانِ أحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ الْفَقِيْهِ

- ‌1 - فِي بَيَانِ الاِسْمِ وَالنَّسَبِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ شُيُوخِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ:

- ‌4 - فِي بَيَانِ أَحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ مَعَ الْحَيَاةِ:

- ‌5 - فِي بَيَانِ آرَاءِ الْعُلَمَاءِ فِي ابْنِ المُلَقِّنِ:

- ‌6 - فِي بَيَانِ مَنْهَجِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ فِي الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ:

- ‌خُطْبَةُ الإِمَامِ النَّوَوِيِّ

- ‌شَرْحُ غرِيبِ الْخُطْبَةِ

- ‌كِتَابُ الطَهَارَةِ

- ‌ باب المياه والاجتهاد والأوانى

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الحَدَثِ

- ‌بَابُ الوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الخُفِّ

- ‌بَابُ الغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بِابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيْدَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ تَارِكِ الصّلَاةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيْوَانِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ

- ‌بَابُ مَن تلزَمُهُ الزكاةُ وَمَا تجِبُ فيهِ

الفصل: ‌باب سجود السهو

للنهي أيضًا، والمعنى فيه ما تحت مصلاه من النجاسة أو لحرمة الموتى كما دل عليه كلام القاضي، قال ابن الرفعة: ولا فرق في الكراهة بين أن يصلي على القبر أو بجانبه (492)، قال: ومنه يوخذ كراهة الصلاة بجانب النجاسة وخلفها؛ وفيما ذكره نظر، واحترز بالطاهرة عن المنبوشة فلا تصح عليها بدون حائل، فإن شك فالأظهر الصحة تغليبًا للأصل.

‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

بَابٌ: أي هذا باب، سُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ، أما طلب فعله فللأحاديث الآتية، وأما عدم وجوبه فلأنه لا ينوب عن الفرض، عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ، أَوْ فِعْلَ مَنْهِيِّ عَنْهُ، أي في الصلاة بالشرط الآتي لا لغير الصلاة من العبادات، ولا لكل مأمور به ومنهى عنه فيها على الإطلاق، وبقي سبب ثالث وهو إيقاع بعض الفرض مع التردد في وجوبه. ولا فرق في مشروعية السجود بين صلاة الفرض والنفل على الأظهر.

فَالأَوَّلُ: إِنْ كاَنَ رُكْنًا وَجَبَ تَدَارُكُهُ، أي ولا يكفى السجود عنه؛ لأن حقيقة الصلاة لا توجد إلا به، وَقَدْ يُشْرَعُ السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّرْتِيبِ، أي فيما إذا ترك ركنًا ساهيًا، أَوْ بَعْضًا وَهُوَ الْقُنُوتُ، أي جميعه، وكذا بعضه؛ ويستثنى قنوت النازلة، وَقِيامُهُ، وَالتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ، أي ولو في النفل كما سبق، أَوْ قُعُودُهُ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ فِي الأَظْهَرِ،

(492) لحديث أنس رضي الله عنه قال: وَإِنَّهُ- أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: [يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بحَائِطِكُمْ هَذَا]. قَالُواْ: لَا وَاللهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَاّ إِلَى اللهِ. فَقَالَ أَنَسُ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ؛ فَأَمَرَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الصلاة: كتاب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية: الحديث (428).

ص: 255

أي وهو أنه مستحب فيه، سَجَدَ، أما التشهد الأول فنصًا (493) والباقى قياسًا، ولأن هذه الأمور من الشعائر الظاهرة المخصوصة بالصلاة، واحترز بالمخصوصة عن تكبيرات العيد، فإنه لا يسجد لها، لأنها تُشرعُ في غير الصلاة، ويتصور السجود للقيام خاصة والقعود خاصة بما إذا كان لا يحسن التشهد ولا القنوت فإنه يستحب له أن يقف ويقعد بقدرهما، وَقِيلَ: إِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَلَا، يسجد لتقصيره، والأصح: نَعَمْ؛ لأن الْجَبْرَ حينئذ أهم. قُلْتُ: وَكَذا الصَّلَاةُ عَلَى الآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا، وَالله

أَعْلَمُ، أي حيث قلنا: إنها سُنَّةٌ وذلك في التشهد الأخير على الأصح؛ وفي الأول على وجه، قُلْتُ: ويضم إلى ذلك أيضًا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، ويتصور السجود

لترك الصلاة على الآل بما إذا كان مأمومًا وتحقق ترك إمامه لذلك، وَلَا تُجْبْرُ سَائِرُ السُّنَنِ، أي باقيها لعدم النفل وهو باب توقيف، ولم يرد إلا فِي بعض الأبعاض؛ فقسنا باقيها عليه لتأكده وبقى ما عداها على الأصل.

وَالثَّانِي: أي وهو فعل المنهي عنه، إِنْ لَمْ يَبْطُلْ عَمْدُهُ كَالإِلْتِفَاتِ وَالْخُطْوَتَيْنِ لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ، لعدم النقل، وَإِلَاّ، أي إن أبطل عمده الصلاة كالكلام والركوع الزائد، سَجَدَ إِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ، لأنه صلى الله عليه وسلم[صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ]، متفق عليه (494)، واحترز بقوله (إِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ) عن كثير الفعل والأكل والكلام

(493) لحديث المغيرة بن شعبة؛ عن زياد بن علامة قال: صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةٍ؛ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ! فَقُلْنَا: سُبْحَانَ اللهِ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَمَضَى، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ.

رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب من نسي أن يتشهد وهو جالس: الحديث (1037). والترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيًا: الحديث (364) وقال: حسن صحيح. وفي رواية عند الترمذي: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَسَلَّمَ. الحديث (365).

(494)

الحديث عن عبد الله بن مسعود؛ رواه البخاري في الصحيح: كتاب الصلاة: باب التوجه نحو القبلة: الحديث (404). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب سجدة السهو: الحديث (93/ 572).

ص: 256

فإن الصلاة تبطل بعمدها، وكذا بسهوها على الأصح، فلا سجود وهذا معنى قوله بعد ذلك: كَكَلَامٍ كَثِيرٍ فِي الأَصَحِّ، والخلاف عائد إلى التمثيل لما يبطل سهوه وهو الكلام الكثير لا إلى قوله سجد، قُلْتُ: وإذا تنفل على الدابة وَحَوَّلَهَا عن صوب مقصده سهوًا، وعاد على الفور لا تبطل صلاته فلا يسجد له على ما صححه المصنف في شرح المهذب، فتستثنى هذه الصورة من كلامه.

وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيِر يُبْطِلُ عَمْدُهُ فِي الأَصَحِّ، لأنه يخلُّ بالموالاة وسواء طوَّله بسكوت أو قنوت في غير موضعه أو ذكر آخر، والثاني: أنه لا يبطل عمده وبه صح الحديث في مسلم (495)، فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، لإخلاله بصورة الصلاة، فَالاِعْتِدالُ قَصِيرٌ، أي بالنسبة إلى غير القنوت وصلاة التسبيح، وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الأَصَحِّ، لأن المقصود الفصل، والثاني: أنه رُكْنٌ طَوِيْلٌ وصححه المصنف فِي شرح المهذب، وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًا كَفَاتِحَةٍ فِي رُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الأَصَحِّ، لأنه لا يخل بصورتها، والثاني: تبطل كما لو كرر ركنًا فعليًا، والفرق لائح؛ ويستثنى من القولي نقل السَّلام فإنه مبطل، وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِي الأَصَحِّ، لإخلاله بصورتها، والثاني: لا؛ كسائر ما لا يبطل عمده، والعمد كَالسَّهْوِ، كما صرح به في شرح المهذب خلاف لما اقتضاه ايراده هنا، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ

الصُّوْرَةُ مِنْ قَوْلِنَا: المتقدم: مَا لَا يَبْطُلُ عَمْدُهُ، لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ، قُلْتُ: ويستثنى أيضًا ما إذا قنت قبل الركوع فإن عمده لا يبطل مع أن سهوه يقتضي السجود كما ذكره في الروضة، وكذا إذا فرقهم أربع فرق في صلاة الخوف فإنه جائز كما ذكره في بابه، ويسجد للسهو للمخالفة بالانتظار في غير موضعه كما ذكره في الروضة

(495) الحديث عن أنس قال: مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ أَحَدٍ أَوْجَزَ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَامٍ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَارِبَةً، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مَدَّ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ:[سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ] قَامَ حَتَّى نَقُولُ قَدْ أُوْهِمَ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولُ: قَدْ أُوْهِمَ. رواه البخاري في الصحيح: باب اعتدال أركان الصلاة: الحديث (196/ 473).

ص: 257

أيضًا، وكذا إذا ترك التشهد الأول ناسيًا وتذكره بعدما صار إلى القيام أقرب فإنه يعود إليه ويسجد كما سيأتى.

وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ، أى إما مع نسيان القعود أو مع الإتيان به، فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، لأنه تلبس بفرض فلا يقطعه بِسُنَّةٍ، فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ، أي عامدًا، بَطَلَتْ، لأنه زاد قعودًا عمدًا، أَوْ نَاسِيًا فَلَا، لرفع القلم عنه، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، لأنه زاد جلوسًا في غير موضعه، أَوْ جَاهِلًا فَكَذَا فِي الأَصَحِّ، لأنه مما يخفى على العوام، والثاني: أنها تبطل، لتقصيرهم بترك التعلم (496)، وَلِلْمَأْمُومِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إِمَامِهِ فِي الأَصَحِّ، أي فيما إذا قعد الإمام للتشهد، وقام المأموم ناسيًا أو نهضا، ثم تذكر الإمام فعاد قبل الانتصاب وانتصب المأموم؛ لأن المتابعة فرض، فرجوعه رجوع إلى فرضٍ لا إلى سُنَّةٍ، والثاني: يحرم العود كما يحرم على المنفرد. قُلْتُ: الأَصَحُّ وُجُوبُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأن متابعة الإمام آكد (497)، وَلَوْ تَذَكَّرَ، أي التشهد الأول، قَبْلَ انْتِصَابِهِ عَادَ لِلتَّشَهُّدِ، لأنه لم يتلبس بفرض، والمراد بالانتصاب الاعتدال والاستواء، وَيَسْجُدُ إِنْ كاَنَ صَارَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ، أي منه إلى القعود لأنه أتى بفعل غَيَّرَ نَظْمَ الصَّلَاةِ، ولو أتى به عمدًا في غير موضعه بطلت صلاته، فإن كان إلى

(496) لحديث المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا قَامَ الإِمَامُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ؛ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِي قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، فَإِنِ اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ وَيَسْجُد سَجْدَتَيِ

السَّهْوِ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (1036) وقال: وليس في كتابي عن جابر الجعفى إلا هذا الحديث. وقال ابن الملقن في التحفة: وفي إسناده جابر الجعفى وهو شيعى غالي، وثقه شعبه والثوري، وأطلق الترك عليه النسائي: الحديث (402). قُلْتُ: والحديث ليس في عقيدته الطائفية، وإنما هو في الأحكام الفروعية. ففي جابر هذا مقال ينظر، وعلى ما يبدو في أنه يؤخذ بحديثه. واللهِ أعلم.

(497)

قلت: آكد للنص؛ لحديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ شَاكٍ؛ فَصَلَّى جَالِسًا وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا؛ فَأَشَارِ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُواْ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:

[إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّواْ جُلُوسًا] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (688).

ص: 258

القعود أقرب أو كانت نسبته إليهما على السواء لم يسجد؛ لأنه لا يُبطل. قُلْتُ: والأصح عند الجمهور أنه يسجد كما ذكره في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا فَعَادَ بَطَلَتْ إِنْ كاَنَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ، أي وإن عاد قبله فلا.

وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، لتلبسه بفرض، أَوْ قَبْلَهُ عَادَ، لأنه لم يتلبس به، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ، لأنه زاد ركوعًا والعمد به مبطل، وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ، أيّ مُعَيَّنٍ، سَجَدَ، لأن الأصل أنه لم يفعله، أَوِ ارْتِكَابِ مَنْهِيِّ فَلَا، لذلك أيضًا، وَلَوْ سَهَا؛ وَشَكَّ هَلْ يَسَجُدْ؟ فَلْيَسْجُدْ، لأن الأصل عدم السجود، وَلَوْ شَكَّ أَصَلِّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ أَتَى بِرَكْعَةٍ، بناء على الأصل (498)، وَسَجَدَ، للأمر به وسببه التردد، وقيل: الْجَبْرُ ولا يظهر معناه، فلو زال تردده قبل السلام وعرف أن الذي أتى بها رابعة سجد على الأول؛ لا الثاني؛ وهذا معنى قوله، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ زَائِدًا، وَلَا يَسْجُدُ لِمَا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إِذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ: شَكَّ في الثَّالِثَةِ؛ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ؟ فَتَذَكَّرَ، أى كونها ثالثة أو رابعة، فِيهَا، أي في الثالثة قبل أن يقوم إلى الرابعة، لَمْ يَسْجُدْ، لأن ما فعله على الشك لا بد منه على التقديرين إذ المسألة مفروضة، أَوْ فِي الرَّابِعَةِ سَجَدَ، لأن احتمال الزيادة وكونها خامسة كان موجودًا حين قام، ولو تذكر في قيامه أى إلى الرابعة، فيظهر أن يقال: إن صار إلى القيام أقرب سجد، وإلاّ فلا، ويحتمل أن يقال يسجد مطلقًا.

وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ، لأن الظاهر أداؤها على التمام، والثاني: يؤثر كما لو شك في الصلاة؛ وعزا القفال في فتاويه

(498) لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ؛ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكِّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؛ فَإِن كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهْ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى

إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (88/ 571).

ص: 259

هذا إلى الجديد؛ والأول إلى الإملاء، وقال: إنه يشبه القول القديم في نسيان الفاتحة، قال: وعلى الأول لو فرغ من الصلاة ثم شك في نجاسة كانت على ثوبه هل كانت معه وقت الصلاة أم لا؟ فلا قضاء، ثم محل الخلاف في الكتاب ما إذا لم يطل الفصل فإن طال فطريقان أظهرهما القطع؛ بأنه لا يؤثر لكثرة التردد والشكوك بعد طول المدة، والثاني: طرد القولين وهو مقتضى إطلاق المصنف.

وَسَهْوُهُ حَالَ قُدْوَتِهِ يَحْمِلُهُ إِمَامُهُ، كما يتحمل السورة وغيرها، ولا فرق بين القدوة الحسية والحكمية كما ستعرفه في المزحوم وصلاة الخوف، واحترز بحال القدوة عن سهوه قبل القدوة وبعدها فإنه لا يحمله، واقتضى كلامه في الروضة تبعًا للرافعي أنه يحمل الأول.

فَلَوْ ظَنَّ سَلَامَهُ فَسَلَّمَ فَبَان خِلَافُهُ سَلَّمَ مَعَهُ، لأنه لا يجوز تقديمه على سلام إمامه كما ستعرفه في بابه، وَلَا سُجُودَ، لسهوه حال القدوة، وَلَوْ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ رُكْنٍ غَيْرَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِهِ إِلَى رَكْعَتِهِ، أي ولا يجوز أن يعود إلى تداركه لما فيه من ترك المتابعة الواجبة، وَلَا يَسْجُدُ، لوجود سهوه حال القدوة أيضًا، وإنما استثنى النية وتكبيرة الإحرام لأَنَّهُ حينئذٍ ليس في صلاةٍ، وَسَهْوُهُ بَعْدَ

سَلَامِهِ لَا يَحْمِلُهُ، لانتهاء القدوة، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ بِسَلَامِ إِمَامِهِ بَنَى، أي إذا لم يطل الزمان، وَسَجَدَ، لأن سهوه بعد انتهائها، وَيَلْحَقُهُ سَهْوُ إِمَامِهِ، لأن الخلل بذلك يتطرق إلى صلاته، قُلْتُ: ويستثنى من ذلك ما إذا تبين حدث الإمام؛ فإنه لا يسجد لسهوه ولا يتحمل هو عن المأموم سهوه، وما إذا علم المأموم سبب سهوه وغلطه في ظنه فلا يوافقه إذا سجد، فَإِنْ سَجَدَ، أي في غير ما تقدم استثناؤه، لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، لأن الإمام إنما جعل ليُؤتمَّ به، وهذا السجود لسهو الإمام، وقيل: لِمُجَرَّدِ المتابعة وينبني عليهما ما إذا لم يسجد الإمام وسيأتي، وَإِلَاّ، أي وإن لم يسجد الإمام، فَيَسْجُدُ، أي المأموم، عَلَى النَّصِّ، جْبرًا للخلل، وفي قول مخرّج: لا يسجد؛ لأنه لم يسْهَ وقد عرفت مدرك الخلاف.

وَلَوِ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الأَصَحِّ، فَالصَّحِيحُ

ص: 260

أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، للمتابعة، ثُمَّ، يسجد، في آخِرِ صَلاِتِهِ؛ لأنه محل الجبر بالسجود، والثاني: لا يسجد معه؛ لأن محل السجود آخر الصلاة، وفي قول: إنه إذا سجد معه لا يسجد في آخر صلاته لأنه لم يَسْهَ، وقوله (وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الأَصَحِّ) أَي إذا سهى قبل اقتدائه؛ فالصحيح أنَّه يسجد معه للمتابعة، وقيل: لا؛ لأنه لم يحضر السهو، والأظهر أنَّه يعيدُه في آخر صلاته؛ لأنه دخل في صلاة ناقصة، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الإِمَامُ؛ سَجَدَ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى النْصِّ، أي في الصورتين بعد الاقتداء وقبله لما تقدم في المأموم الموافق، وفيه القول المخرج السالف، والخلاف يبنى على ما سبق وهو أن سجود المأموم مع الإمام هل هو لسهوه أو لمجرد المتابعة؟

وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإنْ كَثَرَ، يعني السَّهو، سَجْدَتَانِ، لأنه عليه الصلاة والسلام سلم من اثنتين وكلَّم ذا اليدين ومشى واقتصر على سجدتين (499)، وقيل: إذا سها بالزيادة والنقصان سجد أربعًا حكاه ابن عبدان في شرائط الأحكام، وقيل: يتعدد إذا تعدد سببه حكاه صاحب الوسائل وهو ابن جماعة المقدسيّ، نعم قد تتعدد صوره لا حكمًا كما سيأتي.

فَرْعٌ: لو سجد ناويًا البعض فلصاحب البحر فيه ثلاثة احتمالات، الجواز والبطلان؛ لأنه زاد سجودًا على غير المشروع، والفرق بين أن ينوي الأول فيجزي وإلا فلا.

كَسُجُودِ الصَّلَاةِ، أي في الأركان والشرائط والمستحبات، وَالجَدِيدُ أَنَّ مَحَلَّهُ

(499) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلَّى بنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَي العَشِيّ إِمَّا الظُّهْرَ وَإِمَّا العَصْرَ؛ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ؛ ثُمَّ أَتَى جَذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَاسْتَنَدَ إلَيْهَا مُغْضِبًا؛ وَخَرَجَ سُرْعَانُ النَّاسِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أقَصُرَتِ الصَّلَاة أَمْ نَسِيتَ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمِينًا وَشِمالًا؛ فَقَالَ:[مَا يَقُولُ ذُو الْيَديْنِ؟ ] فَقَالُوا: صَدَقَ لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَينِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلِّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ ثُمَّ

كَبَّرَ وَرَفَعَ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الصلاة: باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره: الحديث (482).

ص: 261

بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ، لأنه آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم، والقديمُ: أنهُ إنْ سهَا بزيادةٍ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ أو نقصَ فقبلَهُ، وفي ثالث: يتخيرُ بينهما، ونقل البيهقي في المعرفة أنَّه الأشبه، قال: ثم احتاط بعض أصحابنا ففعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو قاله في كل واقعة

رويت عنه (500)، وحكاه الحازمي في ناسخه ومنسوخه عن سليمان بن داود الهاشمي من أصحاب الشافعي (501) وحكى المصنف في تحقيقه طريقة قاطعة بالأول وزاد على ذلك فصححها وحكى فيه قولًا رابعًا أنَّه بعد السلام مطلقًا وهو غريب، والخلاف في الإجزاء، وقيل: في الأفضل، وقوله:(بَيْنَ تَشَهُّدِهِ) أي مع الركن الذي بعده وهو الصلاة على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وكذا المستحبات كالصلاة على الآل والأدعية.

فَرْعٌ: لو اقتدى بمن يَرَى سُجُودَ السُّهْوِ بعد السلام، قال الدارميُّ: فإِنْ سَبَقَهُ ببعضها أخرج نفسه وتمم لنفسه وسجد، وإلّا فأوجه أحدها: يخرج نفسه ويسجد، وثانيها: يتبعه في السجود بعد السلام، وثالثها: لا يسلم إذا سلم الإمام، بل يصبر فإذا سجدَ سَجَدَ معهُ ثم يسلِّمُ.

فَإِنْ سَلْمَ عَمْدًا فَاتَ فِي الأَصَحِّ، أي تفريِعًا على الجديد لقطعهِ الصَّلَاةَ بِالسَّلَامِ، والثاني: لا، إن قربَ الفصل، أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ فَاتَ فِي الْجَدِيدِ، لفوات محله وتعذر البناء، والقديم: لا؛ لأنه جُبْرانٌ فلم يسقط بالتطاول كجبران الحج، وَإِلَّا، أي

(500) معرفة السنن والآثار عن الإمام أبي عبد الله محمَّد بن إدريس الشَّافعيّ: كتاب الصلاة: باب العمل في السهو: النص (1138): ج 2 ص 173. ونص العبارة كما في المطبوع: (الأحاديث في السجود قبل السلام وبعده قولًا وفعلًا ثابتة وتقديم بعضها على بعض غير معلوم برواية موصولة صحيحة فالأشبه جواز الأمرين، ثم احتاط بعضهم ففعل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قاله في كل واقعة رويت عنه. وبالله التوفيق).

(501)

الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحافظ محمَّد بن موسى الحازمى: باب سجود السهو بعد السلام والاختلاف فيه: الجزء الرابع: ص 88. ونص عبارته: (وكلُّ سهوٍ يدخل عليه سوى ما ذكرناه، يسجد قبل السلام سوى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب أَحْمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي من أصحاب الشَّافعيّ وأبو خثمة).

ص: 262