المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ الصَّلَاةُ أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ (281). الْمَكْتوبَاتُ خَمْسٌ، بالإجماع - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيْقِ

- ‌أولًا: أهمِّيَّةُ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ

- ‌1 - فِي بَيَانِ فَضْلِ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةَ الْفِقْهِ يُحَتِّمُهَا الإِيْمَانُ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةِ الْفِقهِ يُحَتِّمُهَا الْعَمَلُ:

- ‌ثَانِيًا: أَهَمِّيَّةُ كِتَابُ (عُجَالَةُ المُحْتَاجِ إِلَى تَوْجِيهِ المِنْهَاجِ)

- ‌1 - فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ الكِتَابِ:

- ‌2 - نَبْذَةٌ عَنْ كِتَابِ (مِنْهَاجُ الطَّالِبِيْنَ):

- ‌3 - فِي بَيَانِ عَمَلِي فِي الْكِتَابِ:

- ‌ثَالِثاً: فِي بَيَانِ أحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ الْفَقِيْهِ

- ‌1 - فِي بَيَانِ الاِسْمِ وَالنَّسَبِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ شُيُوخِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ:

- ‌4 - فِي بَيَانِ أَحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ مَعَ الْحَيَاةِ:

- ‌5 - فِي بَيَانِ آرَاءِ الْعُلَمَاءِ فِي ابْنِ المُلَقِّنِ:

- ‌6 - فِي بَيَانِ مَنْهَجِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ فِي الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ:

- ‌خُطْبَةُ الإِمَامِ النَّوَوِيِّ

- ‌شَرْحُ غرِيبِ الْخُطْبَةِ

- ‌كِتَابُ الطَهَارَةِ

- ‌ باب المياه والاجتهاد والأوانى

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الحَدَثِ

- ‌بَابُ الوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الخُفِّ

- ‌بَابُ الغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بِابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيْدَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ تَارِكِ الصّلَاةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيْوَانِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ

- ‌بَابُ مَن تلزَمُهُ الزكاةُ وَمَا تجِبُ فيهِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ الصَّلَاةُ أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ (281). الْمَكْتوبَاتُ خَمْسٌ، بالإجماع

‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

الصَّلَاةُ أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ (281).

الْمَكْتوبَاتُ خَمْسٌ، بالإجماع ولم يصرح المصنف بأعدادها إلاّ أنَّه يؤخذ من مسائل ذكرها متفرقة (282).

(281) الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ وَالتَّبْرِيْكُ وَالتَّمْجِيْدُ؛ قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبه / 103]. وهي في الشرع: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة وتشتمل الدعاء فسميت به تغليبًا والله أعلم.

(282)

لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء / 103] أي مُنَجَّمًا، تُؤَدُّونَهَا في أَنْجُمِهَا، والمعنى عند أهل اللغة: مَفْرُوضٌ لِوَقْتٍ بِعَيْنِهِ. أخرج ابن جرير الطبري رحمه الله بسنده عن زيد بن أسلم قال: مُنَجَّمًا، كلما مضى نجم جاء نجم أخر؛ يقول: كما مضى وقت جاء وقت أخر؛ النص (8213)، وعن ابن مسعود: إن للصلاة وقتًا كوقت الحج. النص (8212). أما الأمر بها خمسًا فلحديث طلحة بن عبيد الله يقول: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدِ، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:[خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الإيمان: باب الزكاة في الإسلام: الحديث (46). ومسلم في الصحيح: كتاب الإيمان: بيان الصلوات: الحديث (8/ 11). ولحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: [أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ] رواه النسائي في السنن: كتاب الزكاة: باب وجوب الزكاة: ج 5 ص 3. أما أوقاتها منجمًا في اليوم والليلة فلقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم / 17 - 18] وذلك في جوابات ابن عباس رضي الله عنهما لمسائل نافع بن الأزرق عن الصلوات الخمس في القرآن، قال: نعم =

ص: 160

الظُّهْرُ، أي صلاة الظهر، وَأَوَّلُ وَقْتِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ، بزيادة الظل بعد استوائها؛ أو وجد وقته إن لم يكن عند الاستواء ظل، وذلك يتصور في بعض البلاد كمكة وصنعاء اليمن في أطول أيام السنة بالإجماع، وَآخِرُهُ مَصِيرُ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، لحديث جبريل المشهور (283)، سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، أي الموجود عنده، وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ العَصْرِ، وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبِ الشَّمْسُ] رواه ابن أبي شيبة وإسناده في مسلم (284)، وَالاخْتِيَارُ أَنْ لَاّ تُؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ، أي بعد ظل الاستواء لحديث جبريل المشهور، ويسمى مختارًا لما فيه من الرجحان، وقال صاحب الاقليد: لاختيار جبريل إيَّاهُ.

{سُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} قال: صلاة المغرب {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} صلاة الصبح {وَعَشِيًّا} قال: صلاة العصر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر، ثم قرأ {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور / 58]. رواه ابن جرير الطبري في التفسير: النصوص (21261).

(283)

هو حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أَمَّنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الأُوْلَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى

الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ. ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ. وَصَلَّ المَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلُهُ، لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثَمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ أَسْفَرَتِ الأَرْضُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد؛ هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ] رواه الترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: الحديث (149) وإسناده صحيح؛ وهو أصح حديث في المواقيت؛ قاله البخاري كما نقله عن الترمذي.

(284)

لفظ الحديث كما في مصنف ابن أبي شيبة وصحيح مسلم: عن عبد الله بن عمرو؛ أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: [إِذَا صَلّيْتُمُ الْفَجْرَ؛ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الأَوَّلِ، ثُمَّ

إذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ؛ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْعَصْرُ. فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؛ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ؛ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ].

ص: 161

وَالْمَغْرِبُ بِالْغُرُوبِ، بالإجماع، وَيَبْقَى حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[وَقْتُ الْمَغْرِبِ إِلَى أَنْ تَذْهَبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ]. رواه ابن خزيمة في صحيحه وقال: تَفَرَّدَ بها محمد بن يزيد إن كانت حُفِظَتْ عنه (285)، واحترز المصنف بالأحمر عن الأصفر والأبيض، وَفِي الجَدِيدِ يَنْقَضِي بِمُضِيِّ قَدْرِ وُضُوءٍ، أي وكذا تيمم أو غسل أو طهارة خَبَثٍ، وَسَتَرَ عَوْرَةٍ، وكذا تعمم وتقمص وارتداء، وَأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، وَخَمْسَ رَكْعَاتٍ، لأنه عليه الصلاة والسلام صلاّها في اليومين في

حديث جبريل في وقت واحد بخلاف غيرها. ولو عبر بالطهارة بدل الوضوء لكان أعم لما ذكرته، وجواز جمع المغرب والعشاء تقديمًا إنما ساغ؛ لأن الوقت المذكور يسع ذلك؛ خُصُوصًا إذا كانت الشرائط عند الوقت مجتمعة فيه. فإن فرض ضيقه عنهما لأجل اشتغاله بالأسباب؛ امتنع الجمعُ لفوات شرطه وهو وقوع الصلاتين في وقت إحداهما، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ، أي على هذا القول، وَمَدَّ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يَقْرَأُ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما، رواه الحاكم وصححه (286)، والثاني: لا يجوز مدها كغيرها، لكن الصحيح جواز مد الصلاة ولو خرج الوقت من غير كراهة، قُلْتُ: القَدِيمُ أَظْهَرُ. وَالله أَعْلَمُ، للأحاديث الصحيحة، فيه وعلق الشافعي رضي الله عنه في الإملاء وهو من الجديد القول به

على ثبوت الحديث، وقد ثبت فيه أحاديث ولله الحمد (287).

(285) صحيح ابن خزيمة: ج 1 ص 183، أما مُحَمَّد بن يزيد الواسطى، أبو يزيد يروي عن اسماعيل بن أبي خالد وسفيان بن حسين وغيرهما، وعنه أحمد وابن معين وآخرون ثقة مات سنه (190) تسعين ومائة، ترجمته في التهذيب: الرقم (6661).

(286)

لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه[أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلَيْهِمَا]. رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين: الحديَث (866/ 193).

وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن لم يكن فيه إرسال. وقال الذهبي: فيه انقطاع. ثم قلتُ: لا يضره لأن مروان بن الحكم معروف في سنده، وهو غير متهم في الحديث.

ثم أن عروة لقي زيدًا فأخبره كما نقله ابن حجر عن الطحاوي: ينظر الفتح: ج 2 ص 314.

(287)

عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: [مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ =

ص: 162

وَالْعِشَاءُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ، بالإجماع والمراد به الأحمر لرواية ابن خزيمة السالفة، وَيَبْقَى إِلَى الْفَجْرِ، الصادق قياسًا على العصر، وَالاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، لأنه عليه الصلاة والسلام صلاّها في اليوم الثانى كذلك، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفِهِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمُ السِّوَاكَ مَعَ الْوُضُوءِ وَلأخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ] رواه الحاكم وصححه (288). وكلام المصنف في شرح المهذب يقتضي أن الأكثرين على هذا القول، وبه صرَّح سليم في الفروع، ولهذا قال في شرح مسلم: أنه الأصح (289)، وقال البيهقى في خلافياته: إنه الصحيح في المذهب.

وَالصُّبْحُ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ، بالإجماع، وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْؤُهُ مُعْتَرِضَاً بِالأُفُقِ، أي لا الفجر الأول الكاذب الذى يطلع مستطيلًا كذنب السرحان وهو الذئب ثم يسودّ، وَيَبْقَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ

= الْمُفَصَّلِ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِطُوْلى الطُّوْلَيَيْنِ] قال ابن مليكة: طُولَى الطُّوْلَيَيْنِ الأعرافُ والمائدةُ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب القراءة في المغرب: الحديث (764).

(288)

رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الطهارة: الحديث (516/ 71) وقال: صحيح على شرطهما جميعًا وليس له علَّة.

(289)

في شرح حديث عبدالله بن عمرو أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات فقال: [وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الأَوَّلِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ

الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ؛ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَيَسْقُطُ قَرْنُهَا الأَوَّلُ؛ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ] الحديث (174/ 612) من كتاب المساجد. قال النووي في الشرح: ج 2 ص 117: (معناه وقت لأدائها اختيارًا، أما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني لحديث أبي قتادة الذى ذكره مسلم بعد هذا في باب من نسي صلاة أو نام عنها:[إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيْطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيْطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى تَجِىْءَ الصَّلَاةُ الأُخْرَى]. قال الاصطخري: إذا ذهب نصف الليل صارت قضاءً ودليل

الجمهور حديث قتادة والله أعلم) ينظر: الحديث (311/ 680) باب قضاء الصلاة الفائتة: ج 5 ص 191.

ص: 163

تَطْلُع الشَّمْسُ، رواه مسلم (290)، وَالاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنِ الإِسْفَارِ، لأنه صلى الله عليه وسلم صلاها في اليوم الثانى كذلك.

فَرْعٌ: إِذَا وَقَعَ يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ فليقدر له قدره، كما أمر به الشارع عند خروج الدجال رواه مسلم (291).

قُلْتُ: يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ المَغْرِبِ عِشَاءً، وَالعِشَاءُ عَتَمَةً، لثبوت النهي عن ذلك في حديث مسلم (292)، وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يكرهه متفق

(290) عن عبد الله بن عمرو بن العاص: رواه مسلم في الصحيح: الحديث (173/ 612): ج 5 ص 115.

(291)

هو حديث النَّوَاس بن سمعان قال: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ؛ فَقَالَ: [إِنَّهُ خَارِجُ خُلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِيْنًا وَعَاثَ شِمَالًا؛ يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُواْ] قُلْنَا: يَا رَسُولَ

اللهِ! مَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؛ قَالَ: [أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرِ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ! ] قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ! أتَكْفِيْنَا صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: [لَا؛ اقدِرُوا لَهُ قَدْرَهُ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الفتن وأشراط الساعة: الحديث (110/ 2937) وأبو داود في السنن: كتاب الملاحم: الحديث (4321).

(292)

عن عبد الله بن عمر قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الأعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، أَلَا إِنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يَعْتِمُونَ] وفي لفظ [فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللهِ الِعِشَاءَ

وَإِنَّهَا تَعْتُمُ بِحِلَابِ الإِبِلِ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (228 و 229/ 644). وقال النووي في الشرح: (معناه أن الأعراب يسمون العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل، أى يؤخرونه إلى شدة الظلام، وإنما اسمها في كتاب الله العشاء في قوله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور / 58] فينبغى لكم أن تسموها العشاء؛ وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تسميتها بالعتمة كحديث [لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ لأَتَوْهُمَا حَبْوًا] وغير ذلك، والجواب عنه من وجهين: أحدهما: أنه استعمل لبيان الجواز وأن النهي عن العتمة للتنزيه لا للتحريم. والثاني: يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء فخوطب بما يعرفه واستعمل لفظ العتمة لأنه أشهر عند العرب) ج 5 ص 148. فالكراهة من هذا الوجه في الاستدلال كراهة تنزيه، فلاحظ.

ص: 164

عليه (293)، والمعنى فيه مخافة استمراره إلى خروج الوقت، ولهذا قال ابن الصلاح: إن هذه الكراهة تعم سائر الصلوات، ولا تبعد الكراهة أيضًا قبل دخول الوقت للمعنى المذكور، وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يكرهه أيضًا، متفق عليه (294)، والمعنى فيه مع ما سلف أن الله تعالى قد جعل الليل سكنًا وهذا يخرجه عن ذلك، إِلاّ فِي خَيْرٍ، وَالله أَعْلَمُ، أى كمذاكرة العلم ونحوه؛ لأنه مصلحة ناجزة (295)، واستثنى في الروضة مع ذلك ما إذا كان معذورًا وهو ظاهر.

فَصْلٌ: وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لأَوَّلِ الوَقْتِ، أي إذا تيقنه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سئل: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قال: [الصَّلَاةُ لأَوَّلِ وَقْتِهَا] صححه ابن خزيمة والحاكم، وهو في لفظ الصحيحين لفظ [الصَّلَاةُ لِوَقَتِهَا](296)، وفي صحيح ابن

(293) سيأتي إن شاء الله في الرقم الذي يليه.

(294)

لحديث أبي بَرْزَةَ: [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا] رواه البخاري في الصحيح: كتاب مواقيت الصلاة: باب ما يُكره من النوم قبل

العِشاء: الحديث (568). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (235/ 647 وما بعده).

(295)

لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: [كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُنَا عَامَّةَ لَيْلِهِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ لَا يَقومُ إِلَاّ لِعَظِيْمِ صَلَاةٍ] رواه الحاكم في المستدرك: كتاب التفسير: تفسير سورة طه: الحديث (3432/ 569) وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.

ووافقه الذهبي في التلخيص. وقال الهيثمي: رواه البزار وأحمد والطبراني في الكبير وإسناده صحيح: قاله في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج 1 ص 191: باب الحديث عن بني إسرائيل.

(296)

رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (680/ 70) ولفظ [الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا]: الحديث (674/ 1 و 675/ 2) وقال: على شرطهما. ووافقه الذهبى.

وينظر: التعليق (148) وقد تقدم. أما لفظ: [الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا] فرواه البخاري في الصحيح: كتاب مواقيت الصلاة: باب فضل الصلاة لوقتها: الحديث (527) بلفظ [عَلَى وَقْتِهَا] والحديث (2782) والحديث (5970) و (7534). ومسلم في الصحيح: كتاب الإيمان: الحديث (137/ 85) واللفظ له.

ص: 165

حبان من حديث أبى مسعود [أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالغَلَسِ حَتَّى مَاتَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ] وهذا الحديث رواه أبو داود أيضاً وقال الخطابي: صحيح الإسناد (297).

وَأعْلَمْ: أنه إنما يجوز التأخير عن أول الوقت بشرط العزم على الفعل في أثنائه على الأصح، ويستثنى من استحباب تعجيل الصلاة لأول الوقت الإبراد بالظهر كما سيأتي، والمقيمُ بِمِنَى للرمي، فإنه يستحب له تأخير الظهر عنه، وكذا المسافر إذا كان سائراً وقت الأُولى، فإن التأخير أفضل كما ذكره في بابه، ومن يدافعه الحدث، أو حضره طعام يتوق إليه وغيره مما يأتي في الجماعة، وغير ذلك مما ذكرته في الأصل، والْمُحْرِمُ إذا خاف فوت الحج يؤخرها عن الوقت كما سيأتي في صلاة الخوف.

وَفِي قَوْلٍ تَأْخِيرُ العِشَاَءِ أَفْضَلُ، أي ما لم يجاوز وقت الاختيار للحديث السالف.

وَيُسَنُّ الإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [أَبْرِدُوا بِالظُّهرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ

مِنْ فِيحِ جَهَنَّمَ] رواه البخاري (298). وخرج بالظهر الجمعة فإنه لا يبرد بها في الأصح. والأذان أيضاً وحديث أنس في البخاري شاهد للإبراد بالجمعة وقد صححه العجلي (299)، وَالأصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍ، لأن الأمر هين في غيرها. والثاني: لا

(297) الحديث عن أبى مسعود الأنصاري؛ قالَ: [وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَس، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلاُتهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيس حَتَّى مَاتَ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب في المواقيت: الحديث (394). وفي معالم السنن للخطابي: الرقم (370) وقال: وهذه الزيادة في قصة الاسفار عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة.

(298)

رواه البخاري في الصحيح بسنده عن أبى سعيد في كتاب المواقيت: الحديث (538).

(299)

حديث أنس رضي الله عنه رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: باب إذا اشْتَدَّ الْحَرُّ يوم الجمعة: الحديث (906) ولفظه عن خالد بن دينار قال: سمعت أنس بن مالك يقول: =

ص: 166

يختص؛ لأن التأذي بإشراق الشمس حاصل في البلاد المعتدلة أيضًا، وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ، أي ويمشون إليه في الشمس؛ لأن من صلى منفردًا أو بيته قريب من المسجد ليس فيه كثير مشقة، والثاني: لا يختص بذلك لظاهر الحديث (300)، والمنفرد إذا قصد الصلاة في المسجد يبرد كما أشعر به كلام الرافعي؛ والخلاف فيمن قربت منازلهم. وفي جمع لا يأتيهم غيرهم قولان! لا وجهان! كما اقتضاه لفظ المصنف، والمراد بالمسجد موضع الإجتماع للصلاة.

وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتَهِ فِي الوَقْتِ، فَالأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ رَكْعَةٌ فَالجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَاّ فَقَضَاءٌ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[مَنْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ](301)، والثاني: الجميع قضاءٌ اعتبارًا بآخر الصلاة؛ والثالث: وقع ما في الوقت أداء وما بعده قضاء، قال الشيخ أبو حامد: وهو قول عامة أصحابنا؛ والرابع: إن أخَّرَ بعذر، وأدرك ركعة فأداءٌ وإلاّ فلا، حكاه الماوردي.

وَمَنْ جَهِلَ الوَقْتَ اجْتَهَدَ، أي وجوباً، بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ، أى كعمل صنعة (302)،

[كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ] يعني الجمعة. إنتهى. وحكاه معلقًا مبينًا سبب الورود، فقال بسنده عن خالد بن دينار قال: صَلَّى بِنَا أَمِيْرُ الْجُمُعَةِ، ثم قال لأنس رضي الله عنه: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلَّي الظُّهْرَ؟ .

(300)

الحديث عن أَبِي ذَرِّ رضي الله عنه قال: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ فَقَالَ: [أَبْرِدْ أَبْرِدْ] أو قال: [انْتَظِرْ انْتَظِرْ] وقال: [شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ؛ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ] حتى رأينا فيء التلول. رواه البخاري في الصحيح: كتاب مواقيت الصلاة: الحديث (535). وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وأنس رضي الله عنهم جميعًا.

(301)

رواه البخاري في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: كتاب مواقيت الصلاة: باب من أدرك من الصلاة ركعة: الحديث (580). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: باب من أدرك ركعة من الصلاة: الحديث (161 و 162/ 607).

(302)

الْوِرْدُ أو مطالعة درس فقه أو قراءة قرآن. وعمل صنعة وصوت ديك مُحَرَّبٍ. وغالبًا في عصرنا ما يستغنى عنه بالمنبه الآلي الذى يرفع به الأذان إلى مسافات. وإن كان بعيدًا عن المدن أو في أماكن يُحجر فيها عليه، فإنه يجتهد في تخمين الوقت.

ص: 167

فَإِنْ تَيَقَّنَ صَلَاتَهُ قَبْلَ الوَقْتِ، أي بعد أن اجتهد وصلى، قَضَى فِي الأَظْهَرِ، لفوات شرطها وهو الوقت، والثاني: لا قضاء اعتباراً بما ظنه، أما إذا كان الوقت باقياً فتجب الإعادة قطعاً، وَإِلاّ فَلَا، وإن لم يتيقن أن صلاته وقعت قبل الوقت؛ بأن لم يتبين الحال؛ أو تبين وقوعها في الوقت أو بعده فلا قضاء عليه.

فَائِدَةٌ: تَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ؛ بَابٌ المسافر يصلى وهو يشك في الوقت؛ ثم روى من حديث أنس قال: [كُنّا إِذَا كُنَّا مَعَهُ عليه الصلاة والسلام فِي سَفَرٍ فَقُلْنَا زَالَتِ الشَّمْسُ أَوْ لَمْ تَزُلْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ ارْتَحَلَ] ثم روى حديثاً آخر عنه بنحوه (303).

قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ في أحكامِهِ: ولا يبعد تخصيص المسافر بذلك لمشقة السفر كما خص بالقصر.

وَيُبَادِرُ بِالفَائِتِ، تعجيلاً لبراءة ذمته؛ فإن فات بعذر فعلى التراخى؛ أو بغيره فعلى الفور على الأصح فيهما، وقيل: إن غير المعذور لا يقضي، حُكِيَ عن ابن بنت الشافعي، وقَوَّاهُ الشيخ عز الدين، وصاحب الاقليد، وأَيَّدَهُ بأَنَّ تارك الأَبْعَاضِ عمدًا لا يسجد على وجه، مع أنه أحوج إلى الْجَبْرِ (304).

فَائِدَةٌ: في صحيح ابن حبان من حديث أبي قتادة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ

لَمَّا نَامُواْ عَنِ الصَّلَاةِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [صَلُّوهَا الْغَدَ لِوَقْتِهَا](305) ثم قال: ذكر

(303) سنن أبي داود: كتاب الصلاة: الحديث (1204). والحديث الآخر؛ هو: عن حمزة العائذي، قال: سمعتُ أنسَ بنَ مالكٍ يقولُ: [كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا لَمْ يَرْتَحِلْ حَتَّى يُصَلِّىَ الظُّهْرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ نِصْفُ النَّهَارِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ نِصْفُ النَّهَارِ] الحديث (1205).

(304)

لمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: [مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتَهَا، وَلَا وَقْتَ لَهَا غَيْرُهُ]. رواه أنس بن مالك. وقد مضى في التيمم: التعليق (169).

(305)

رواه ابن حبان في صحيحه؛ ينظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: ج 4 ص 148:

الحديث (2640).

ص: 168

الخبر الدال على أن الأمر الذي وصفناه إنما هو أمر فضيلة لمن أحب ذلك لا أن كل من فاتته صلاة يعيدها مرتين إذا ذكرها. والوقت الثاني من غيرها. ثم روى من حديث الحسن عن عمران رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام لما صلى بهم قلنا: يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ قال: [يَنْهَاكُمْ رَبُّكُمْ عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ](306).

قُلْتُ: وهذه مسألة نفيسة غريبة لم أرَ من صرح بها.

وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ، للاتباع؛ ولا يجب لأنه إنما كان لضرورة الوقت وقد زال؛ وَفِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام الْمُجَرَّدُ إِنَّمَا يَدُلُّ عِنْدَنَا عَلَى الإِسْتِحْبَابِ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا، خروجًا من الخلاف؛ فإن خاف فوت الحاضرة لزمه البداءة بها لئلا تصير فائتة أيضًا.

فَصْلٌ: وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الاِستِوَاءِ، للنهي عنه في الصحيح (307)، ووقت الاستواء لطيف جدًا؛ لا يتسع لصلاة؛ ولا يكاد يشعر به حتى تزول الشمس، نعم التحرم قد يمكن ايقاعه فيه فلا يصح، إِلَاّ يَوْمَ الْجُمُعَةَ، لأنه عليه الصلاة والسلام

(306) ينظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: ج 4 ص 148؛ وهو كما قال ابن الملقن؛

والحديث عن الحسن عن عمران بن حصين قال: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غُزَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسَ، فَمَا اسْتيقَظَ حَتَّى أَيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُومُ دَهِشًا فَزِعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:[اِرْكَبُوا] فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَسَارَ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَأَمَرَ بِلَالًا؛ فَأَذَّنَ، وَفَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ حَاجَاتِهِمْ، وَتَوَضَّؤُواْ، وَصَلَّوْا الرَّكْعَتَينِ، ثُمَّ أقَامَ فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ألَا نَقْضِهَا لِوَقْتِهَا مِنَ الْغَدِ؟ قَالَ: [يَنْهَاكُمْ رَبُّكُمْ عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ]: الحديث (2641).

(307)

لحديث عقبة بن نافع الجهني يقول: [ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّىَ فِيهِنَّ، أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا؛ حِينَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ؛ وَحِينَ يَقُومُ

قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ؛ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (293/ 831). وأبو داود في السنن: كتاب الجنائز: باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها: الحديث (3192).

والترمذي في الجامع: الحديث (1030) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 169

استحب التبكير إليها ثم رغب في الصلاة إلى خروج الإمام من غير تخصيص ولا استثناء (308).

وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ، أي فيما يراه الناظر، وَالعَصْرَ حَتَّى تَغْرُبَ، للنهي عنهما في الصحيح (309)، وأهمل المصنف وقتين ذكرهما الرافعي في الْمُحَرَّر، وهما حالة الطلوع والغروب لتوهم اندراجهما في قوله، وبعد الصبح وبعد العصر، وليس كذلك، فإنه إنما يتناول من صَلَاّهُمَا، والكراهةُ في هذين الوقتين، تَعُمُّ ذلك وغيره، وعدَّ الدَّارِمي الأوقات المكروهة سبعة هذه، ثم قال: وإثنان فيهما وجهان، وهما بعد طلوع الفجر إلى صلاتها وبعد الغروب إلى صلاتها، إِلَاّ لِسَبَبٍ،

(308) لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ؛ فَكَأْنَما قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّب بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأنَّمَا قَرَّب بَيْضَةً؛ فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاِئكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: باب فضل الجمعة: الحديث (881). وفي رواية مسلم: [إِذَا كَانَ يوْمُ الْجُمُعَةِ، كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلاِئِكَةً يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّل، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوا الصُّحُفَ وَجَاؤُا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، وَمَثَلُ المهجر كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كَالَّذِى يُهْدِى بَقَرَةَ، ثُمَّ كَالَّذِى يُهْدِي الكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِى يُهْدِى الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ

كَالَّذِى يُهْدِي الْبَيْضَةَ] في الصحيح: كتاب الجمعة: باب فضل التهجير يوم الجمعة: الحديث (24/ 850).

(309)

لحديث أبى هريرة: [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ لِبْسَتَينِ، وَعَنْ صَلَاتَيْنِ: نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ.

وَعنِ اشْتِمَالِ الصِّمَاءِ، وَعَنِ الاحتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ؛ وَعَنِ الْمُنَابَذَةِ، وَالْمُلَامَسَةِ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب مواقيت الصلاة: باب الصلاة بعد الفجر: الحديث (584). ومسلم في الصحيح بلفظ مقارب: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (285/ 825) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الحديث (286/ 862).

ص: 170

أي متقدم أو مقارن، كَفَائِتَةٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ نَسِىَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا] متفق عليه (310).

وَكُسُوفٍ، لأنها متعرضة للفوات بالإنجلاء، ولأن الأدلة الطالبة لها عامة في الأوقات؛ خاصة بتلك الصلوات؛ وأحاديث النهي بالعكس، وترجحت الأُوْلى بأنه لم يدخلها التخصيص وأحاديث النهي دخلها بالفائتة للحديث؛ وبصلاة الجنازة فإنه إجماع كما نقله ابن المنذر.

(310) • رواه البخاري في الصحيح: كتاب مواقيت الصلاة: باب من نسي صلاة فليصل: الحديث (597). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (341/ 684) وقد تقدم في أول كتاب التيمم: التعليق (169).

• ولحديث أم سلمة رضى الله عنها: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين وقال:

[شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَن الرَّكْعَتَينِ بَعْدَ الظُّهْرِ] رواه البخاري معلقًا في باب ما صلى بعد العصر من كتاب مواقيت الصلاة في صحيحه.

• وأسند عن عائشة رضى الله عنها قالت: [وَالَّذِي ذَهَبَ بهِ، مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ الله، وَكَانَ يُصَلِّى كَثِيرًا مِنْ صَلاّتهِ قَاعِدًا- تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ- وَكَانَ النْبِيُّ يُصَلِّيهُمَا، وَلَا يُصَلِّيهُمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثْقِلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحبُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ] الحديث (590).

• وحديث أم سلمة وصله البخاري عن طريق ابن عباس رضي الله عنهما عن أم سلمه: كتاب السهو: باب إذا كُلِّم وهو يصلي: الحديث (1233) و (4370).

ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (297/ 834).

• قُلْتُ: والمداومة على الركعتين بعد العصر من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، أما قضاء الفائتة من النوافل والسنن في الأوقات المنهي عنها، فهو له ولأمته، لحديث الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جَدِّهِ: أنَّهُ جَاءَ وَالنّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَصَلَّى مَعَهُ. فَلَمَّا سَلَّمَ؛ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَقَالَ لَهُ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:[مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ؟ ] فَقَالَ: لَمْ أكُن صَلِّيْتُهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَسَكتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. رواه الحاكم في المستدرك: الحديث (1017/ 344) وقال: قيس بن فهد الأنصاري صحابي والطريق إليه صحيح على شرطهما وإسناده صحيح. ووافقه الذهبي والله أعلم.

ص: 171

وَتَحِيَّةٍ، أي لا لقصدها بل لأمرٍ أخر من اعتكاف ونحوه، فإن دخل لقصد التحية فقط فيكرهُ على الأصحِّ، وَسَجْدَةِ شُكْرٍ، لفواتها بالتأخير، وفي الصحيح في توبة كعب بن مالك أنه سجد سجدة الشكر بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس (311)، قال البيهقي: وسجود التلاوة مقيس عليه.

وَإِلَاّ فِي حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! لَا تَمْنَعُواْ

أَحَداً طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، صححه الترمذي وغيره (312)، نعم قال المحاملي في المقنع: الأَولى أن لا يفعل خروجاً من الخلاف، والثاني: أنها تكره لعموم الأخبار؛ والصلاة المذكورة في هذا الحديث المراد بها ركعتي الطواف، والحديثان إذا كان كُلٌّ منهما أعم من الآخر من وجه؛ لا يقدم خصوص أحدهما على عموم الآخر إلاّ بمرجح. قُلْتُ: وحَمْلُ هذا القائل الصلاة المذكورة في هذا الحديث على ركعتي الطواف تردُّهُ رواية ابن حبان في صحيحه: [يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ إِن كَانَ إلَيْكُم مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ فَلَا أَعْرِفَنَّ احَداً مِنْكُمْ أنْ يَمْنَعَ مَنْ

(311) رواه الإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 458. وفي صحيح البخاري بلفظ: [فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ الله: قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلَعِ بِأَعْلَى صَوْتهِ: يَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَبْشِرْ.

قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فرَجٌ] في كتاب المغازي: باب حديث كعب بن مالك: الحديث (4418) قطعة منه. ومسلم في الصحيح: كتاب التوبة: باب حديث توبة كعب بن مالك: الحديث (53/ 2769).

(312)

الحديث عن جبير بن مطعم؛ رواه الترمذي في الجامع: كتاب الحج: باب ما جاء في الصلاة بعد العصر: الحديث (868)، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي في السنن: كتاب الصلاة: باب إباحة الصلاة في الساعات كلها في مكة: ج 1 ص 284.

وأبو داود في كتاب المناسك: باب الطواف بعد العصر: الحديث (1894). وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: الحديث (1551) واللفظ له.

ص: 172

يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أوْ نَهَارٍ] (313). والثالث: يباح في نفس البلد دون باقي الحرم؛ والرابع: يباح في المسجد فقط.

فَصْلٌ: إِنْمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أى فالكافر لا تجب عليه، أي لا يطالب بها في الدنيا، وإن قلنا إنهم مكلفون بالفروع لتضعيف العذاب عليهم في الدار الآخرة، بَالِغٍ عَاقِلٍ، أي فالمجنون والصبي لا تجب عليهما لقوله صلى الله عليه وسلم:[رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ؛ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ] صححه ابن حبان والحاكم (314). وفي المعرفة للبيهقي نقلاً أن الأحكام إنما صارت متعلقة بالبلوغ بعد الهجرة فاستفده، وفي معنى الجنون الإغماء وَالْبِرسْامُ (315)، طَاهِرٍ، أي فلا تجب على حَائِضٍ وَنُفَسَاءٍ، وهو إجماع.

وَلَا قَضَاءَ عَلَى الكَافِرِ، أي من كان كافرًا فأسلم؛ لأنه لم ينقل وقد يؤدى إلى التنفير (316)، إِلَاّ المُرْتَدْ، تغليظًا عليه، نعم لا تقضى المرتدة زمن الحيض ونحوه بخلاف الجنون، لأن إسقاط الصلاة عن الحائض عزيمة، والجنون رخصة، والمرتد ليس من أهلها، وَلَا الصَّبِيَّ، إذا بلغ، وكذا الصبية لانتفاء التكليف في الصبي، وَيُؤْمَرُ بِهَا

(313) رواه ابن حبان كما جاء في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: فصل في الأوقات المنهي عنها: باب ذكر الخبر الدال على أن هذا الزجر أطلق بلفظ عام مرادها خاص: الحديث (1550).

(314)

رواه أبو داود في السنن: كتاب الحدود: باب في المجنون يسرق: الحديث (4402) واللفظ له. والنسائي في السنن: كتاب الطلاق: باب لا يقع طلاقه من الأزواج: ج 6 ص 156. وابن حبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: الحديث (142) عن عائشة رضي الله عنها من طريق حماد بن سلمة، وإسناده صحيح على شرط مسلم.

الحديث (143) عن ابن عباس عن على بن أبي طالب في قصة المجنونة: الحديث (143) وإسناده صحيح على شرط الشيخين قاله الحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (949/ 276) قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

(315)

الْبِرْسَامُ بالكسر: عِلْةً يُهْذَى فِيهَا.

(316)

لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38].

ص: 173

لِسَبْعٍ، وَيُضْرَبُ عَلَيهَا لِعَشْرِ، للأمر بذلك كما صححه الترمذي وغيره (317)، ولا يقتصر في الأمر على مُجَرَّدِ صيغته، بل لا بد معه من التهديد، قاله الْمُحِبُّ الطبري، وكما يؤمر بالأداء يؤمر بالقضاء أيضاً، فإذا بلغ لم يؤمر بها، قاله الشيخ عز الدين في مختصر النهايه في باب اللعان وفيه وجه حكاه الجيلي.

وَلَا ذِى حَيْضٍ، بالإجماع كما تقدم في الحيضِ ومثلُهُ النُفَسَاءُ، أَوْ جُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ، لما سلف، وفي معناهما الْمُبَرْسَمِ وَالْمَعْتُوهِ، وخالف الصوم فيما إذا أغمي عليه جميع اليوم، لأنها قد تكثر ويشق القضاء بخلافه، نعم لو ارتد ثم جُنَّ ثم أفاق فأسلم قضى مدة الجنون وما قبلها.

فَرْعٌ: قال الروياني: يكره للحائض القضاء، ويستحب للمجنون والمغمى عليه، وقال البيضاوي من أصحابنا في الأُولى: لا يجوز.

بِخِلَافِ السُّكْرِ، لتعديه به، فإن لم يعلم بحاله أو أكره أو شربه لحاجة فلا قضاء عليه، وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الأسْبَابُ، أي الكفر الأصلى؛ والصبي؛ والجنون وما في معناه والحيض، وَبَقِيَ مِنَ الوَقْتِ تَكْبِيرَة وَجَبَتِ الصَّلَاةُ، لأن ما يتعلق به الايجاب يحصل بِجُزْءٍ كالمسافر إذا اقتدى بمقيم في جُزْءٍ من صلاته يلزمه الإتمام.

وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ رَكعَةٌ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ

(317) • الحديث عن عبد الملك بن الرَّبِيع بنِ سَبَرَةَ عن أبيهِ عن جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [عَلِّمُواْ الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ] رواه الترمذي في الجامع: كتاب أبواب الصلاة: الحديث (407) وقال: حديث سبرة بن معبد الجهني حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وعليه العملُ عند أهل العلم وبه يقولُ أحمدُ وإسحاقُ، وقالَا: مَا تَرَكَ الْغُلَامُ بَعْدَ الْعَشْرِ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ.

• أما متى يؤمر بالصلاة، فذاك عندما يميز ما ينفعه مما يضره، لحديث عند أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[إِذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ] الحديث (497). وفي المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر: باب متى يؤمر الصبي بالصلاة: الحديث (348).

ص: 174

الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ] متفق عليه (318)، وَالأَظْهَرُ وُجُوبُ الظُهْرِ، بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ آخِرَ العَصْرِ، وَالمَغْرِبِ آخِرَ العِشَاءِ، لاشتراكهما في الوقت في حال العذر ففي حال الضرورة أَوْلى، والثاني: لا يجب الظهر مع العصر إلاّ بإدراك أربع رَكَعَاتٍ زائدة على ما يجب به العصر، ولا المغرب إلاّ بإدراك ثلاث ركعات زائدة على ما يجب به العشاء، ولابد في ايجاب الصلاتين من زوال المانع مدة تسعهما معًا وكذا الواحدة، وخرج من كلام المصنف الصلاة التي لا تجمع مع ما قبلها وهي الصبح والظهر والمغرب، فإنه إذا زال العذر في أخرها وجبت فقط لانتفاء العلة السابقة وهو الاشتراك في الوقت.

وَلَوْ بَلَغَ فِيهَا، أي بالسن، أَتَمَّهَا، أى وجوبًا لأنه مأمور مضروب على الترك، وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، لأنه أدى الواجب بشرطه، والثاني: يستحب الإتمام وتجب الإعادة؛ لأنه لم يَنْوِ الفرضَ، أَوْ بَعْدَهَا، أي بلغ بعدها في الوقت، إما بالسن أو بالأحتلام، فَلَا إِعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ، كالأمَة إذا صَلَّتْ مكشوفة الرأس ثم عتقت، والثاني: تجب الإعادة؛ لأن المؤدى في الصغر واقع حال النقصان فكما لو حجَّ ثم

بلغ، وأجاب الأول: بأن الصبي غير مأمور به؛ وغير مضروب عليه بخلاف الصلاة، ولأنه لما كان وجوبه مرة في العمر اشترطنا وقوعه في حال الكمال بخلافها، وَلَوْ حَاضَتْ أوْ جُنَّ أَوَّلَ الوَقتِ وَجَبَتْ تِلْكَ إِنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الفَرْضِ، لتمكنه منه، وَإلَاّ، أي وإن لم يدرك قدر الفرض، فَلَا، لعدم التمكن.

فَصْلٌ: الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ سُنَّةٌ، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر بهما في حديث الأعرابي مع ذكره الوضوء والاستقبال وأركان الصلاة، كذا ادّعاه المصنف في شرح المهذب، لكن الإقامة ثابتة فيه في رواية أبي داود (319)، ولأنهما للإعلام بالصلاة

(318) رواه البخاري في الصحيح: كتاب مواقيت الصلاة: باب من أدرك مِن الفجر ركعة: الحديث (579). ومسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (163/ 608).

(319)

• عن مالك بن الحويرث؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لصاحب له: [إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ =

ص: 175

فلم يَجِبَا لقوله صلى الله عليه وسلم[الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ] حيث شَرَّعَ ذلك (320).

وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، لأنهما من شعائر الإسلام فصارا كَرَدِّ السَّلَامِ (321)،

فَأَذَّنَا؛ ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (589).

• قُلْتُ: الأذان والإقامة للإعلام أو منع الإغارة، وليس هما بحتم على الفرد أو الجماعة أو الإمام؛ أما للإعلام فلحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه:[أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدلِفَةِ، وَلَمْ يُنَادِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَاّ بِإِقَامَةِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلَا عَلَى إِثرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحج: باب مَن جمع بينهما ولم يتطوع: الحديث (1673).

• أما الأذان لمنع الإغارة فلما جاء عن ابنِ الزُّوبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ: أُؤَذِّنُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: لِمَنْ تُوَذِّنُ؟ لِلغَارَةِ! رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب جماع أبواب الأذان: باب قول من اقتصر على الإقامة في السفر: الحديث (1984) ولما جاء عن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ فِي الصَّلَاةِ، إِلَاّ فِي الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ فِيهَا؛ وَيَقُولُ: إِنَّمَا الأَذَانُ لِلإِمَامِ الَّذِي يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ.

رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (1983)، أيَ لَيس لإمام جماعة المصلين، وإنما لإمام جماعة المسلمين، الذي يظهر به سلطان المسلمين وتقوى به شوكتهم.

(320)

لمثل صلاة العيدين والكسوف والجنائز ومثلها، لا للسنن الأخرى؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: لَمَّا انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُوْدِىَ: [أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ] رواه البخاري في كتاب الكسوف: باب النداء بالصلاة جامعة: الحديث (1045). ومسلم في الصحيح: كتاب الكسوف: الحديث (20/ 910).

(321)

قُلْتُ: ليس في الشعيرة ذاتها، أنها فرض كفاية، فلها حكم واحد فقط، فالأذان والإقامة على الندبية وجهًا واحدًا؛ أما فرض الكفاية في هذه الشعيرة فهو الإظهار، أى إظهار الشعيرة فرض كفاية لا الشعيرة، وهذا الإظهار من مهمات الإمام الذي يجتمع عليه الناس، وهذا الرأى، على ما يبدو لي أنه صواب، أي رأى المالكية في إظهار الشعيرة للأفراد، وكما تقدم في بيان ابن عمر رضي الله عنهما في التعليق (السابق)، قال الشاطبي في الموافقات: (إذا كان الفعل مندوباً بالجزء كان واجبًا بالكل؛ كالأذان في المساجد الجوامع وغيرها؛ . . . فإنها مندوب إليها بالجزء. ولو فُرِضَ تركها جُمْلَةً لَجُرِّرحَ التَّاركُ لها. ألا ترى أن في الأذان إظهارًا لشعائر الإسلام؟ ولذلك يستحق أهل المصر القتال =

ص: 176

والخلاف في المؤدات الواحدة كما نبه عليه صاحب الْمُعِيْنِ.

وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِمَكْتُوبَة، لأنه لم يرد في غيرها، وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحوِهِ، أي من النوافل التي شرعت فيها الجماعة كالكسوف والاستسقاء والتراويح لا الجنازة في الأصح: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، للفرق بين الفرائض والنوافل (322).

وَالْجَدِيدُ: نَدْبُهُ، يعيى الأذان، لِلْمُنْفَرِدِ، لأنه لا يسمع مدى صوته جِنٌّ ولا إِنْسٌ إلَاّ شَهِدَ لَهُ يومَ القيامةِ كما رواه البخاري (323)، والقديم: أنَّهُ لا يُندب له، لأن المقصود من الأذان إلابلاغ والإعلام وهذا لا ينتظم في المنفرد، أما الإقامة فالأصح القطع بندبيتها، وصحح في أصل الروضة أيضاً طريقةً بندبية الأذان.

وَيَرْفَعُ، أى المنفرد، صَوْتَهُ إِلَاّ بِمَسْجِدٍ. وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ، أي وانصرفوا كما قاله الرافعي، فإن الأَولى أن لا يرفع؛ لئلا يتوهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى لا سيما في يوم الغيم، وكان المراد بالمسجد موضع الصلاة؛ وإلَاّ فالتعليل المذكور شامل له ولغيره (324)، نعم: في اشتراط وقوع الجماعة نظر لحصول الإيهام على أهل

إذا تركوه) الموافقات في أصول الشريعة: القسم الثاني: المسألة الثانية: فصل: ج 1 ص 133. فالشيء أو الفعل إذا نظرت إليه بنفسه له حكمه، وإذا نظرت إليه بحسب الأمور الخارجه عنه، فيكون الحكم للحال التي هو فيها وليس له بحسبه، فيلاحظ.

لأنها من مسائل الأصول بل من دقائق أصول الفقه.

(322)

لما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الرقم (316).

(323)

لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: [إِنِّي أرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ إِلَاّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب رفع الصوت بالنِّداء: الحديث (609).

(324)

لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَطِيَّةٍ بِجَبَل يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ الله عز وجل: أنْظُرُواْ إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ يَخَافُ مِنِّي، فَقَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأدْخَلْتُهُ الْجَنّةَ] =

ص: 177

البلد، نعم هو أخف.

وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ، لأنها لاستفتاح الصلاة وهو موجود، وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الجَدِيدِ، لزوال الوقت، قُلْتُ: القَدِيمُ أَظْهَرُ، وَالله أَعْلَمُ. لثبوته في الصحيح (325)، فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الأُوْلَى، أى قطعًا، وفيه وجه في كتاب ابن كج وفي الأُوْلى الخلاف.

فَائِدَةٌ: لنا مؤداة لا يؤذن لها، وهي ما إذا كان عليه فائتة وقدمها؛ ففي الأذان لها الخلاف المذكور، ولايؤذن للحاضرة على المذهب إلاّ أن يؤخرها ويطول الفصل، فإنه يؤذن لها قطعًا.

وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الإِقَامَةُ، لأنها لاستفتاح الصلاة، لَا الأَذَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لأنه إعلام، والمرأة لا ترفع صوتها، والثاني: يستحبان اقتداءٌ بعائشة، والثالث: لا يستحبان، وقوله (لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ) المنفردة لذلك، إذا استحببنا الأذان للمنفرد قاله الرافعي، والخنثى كالمرأة (326).

وَالأَذَانُ مَثْنَى وَالإِقَامَةُ فُرَادَى، أي معظمها، إِلَاّ لَفْظُ الإِقَامَةِ، لحديث أنس

رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب الأذان في السفر: الحديث (1203).

والنسائي في السنن: كتاب الأذان: باب الأذان لمن يصلي وحده: ج 2 ص 20. ابن حبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب الأذان: باب ذكر الإخبار عما يستحب للمرء من المواظبة على التأذين: الحديث (1658).

(325)

لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال في آخره: [إِنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَمْسُ، فَسَارُواْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رُسُولُ اللَهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساجد: الحديث (311/ 681).

(326)

خبر عائشة رضي الله عنها: [أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ؛ وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ]

رواه البيهقي في السنن: كتاب الصلاة: باب جماع أبواب الأذان: الحديث (1961).

والحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (731/ 58).

ص: 178

[أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ] متفق عليه (327)، والمعنى في تثنية لفظ الإقامة كونها مصرحة بالمقصود، وَيُسَنُّ إِدْرَاجُهَا وَتَرْتِيلُهُ، للأمر بذلك كما أخرجه الحاكم (328)، وَالإِدْرَاجُ: هُوَ الإِتْيَانُ بِالْكَلِمَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ وَالتَّرْتِيْلُ: التَّأَنِّي، وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ، لثبوته في حديث أبي محذورة (329): وهو ذكر الشهادتين سِرّاً قبل

(327) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب الأذان مثنى مثنى: الحديث (605 و 606) وباب الإقامة واحدة إلا من قوله [قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ]: الحديث (607).

ومسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (2 و 5/ 378) ولفظه: [أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفِعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ؛ إِلَاّ الإِقَامَةَ]. والنسائي في السنن: كتاب الأذان: باب تثنية الأذان: ج 2 ص 3. وابن حبان في الإحسان: الحديث (1674) بلفظ: [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِلَالاً أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ].

(328)

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَال: [إِذَا أَذِّنْتَ فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِكَ؛ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ؛ وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ] رواه الحاكم في المستدرك:

كتاب الصلاة: الحديث (732/ 59) وقال: هذا الحديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد والباقون شيوخ البصرة، وهذه سنة غربية لا أعرف لها سندًا غير هذا ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك.

وله إسناد عند الترمذي في الجامع: كتاب أبواب الصلاة: باب ما جاء في الترسل في الأذان: الحديث (195) وقال: حديث جابر هذا لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث عبد المنعم، وهو إسناد مجهول، فإسناده عند الترمذي كله ضعيف.

(329)

عن أبى محذورة: [أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَرَ نَحْواً مِنْ عشرين رَجُلاً فأَذَّنُوا؛ فَأَعْجَبَهُ صَوتُ أبي مَحْذُورةٍ، فَعَلَّمَهُ الأذَان] رواه الدَّارمي في السنن: كتاب الصَّلاة: باب

الترجيع في الأذان: الحديث (1196) وفي لفظ [أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الأَذان تِسْعَ عَشْرة كَلِمَةً، والإِقامةَ سَبْعَ عَشَرَةَ كَلِمةً] الحديث (1197) ورواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب صفة الأذان: الحديث (6/ 379) وله قصة عند النسائي في السنن: كتاب الأذان: باب خفض الصوت في الترجيع في الأذان: ج 2 ص 4 والقصة في ص 5 منه، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب ذكر الترجيع بالأذان: الحديث (1678).

ص: 179

الجهر قاله الرافعي؛ وكلامه يقتضي أنه أسم للمجموع من السِرِّ والجَهْرِ، وتبعه في الروضة، لكنه صرح في شرح المهذب والتحقيق والدقائق والتحرير أَنَّهُ اسْمِّ للأوَّلِ، وفي شرح مسلم أَنَّهُ اسْمٌ لِلثّانِي (330).

فَائِدَةٌ: الحكمة في اختصاص الترجيع بالشهادتين تَذَكُّر إخفائهما في أوَّل الإسلام؛ ثم ظهورهما ففي ذلك نعمة ظاهرة.

وَالتَّثْوِيبُ فِي الصُّبْح، لثبوته في خبر أبي محذورة كما صححه ابن حبان (331) وهو أن يقول في الأذان بعد الحَيْعَلَةَ (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) مرتين أي اليقظة للصلاة خير من النوم أو الراحة التي تعتاضونها في الآجل خير من النوم.

فَرْعٌ: يُثَوِّبُ في الأول والثاني كما صححه في التَّحْقِيْقِ.

وَأَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا لِلْقِبْلَةِ، لاستمرار الخلق عليهما، ويُسن الالتفات في الحيعلتين الأُولى بكمالها يميناً والثانية بكمالها شمالاً بعنقه لا بصدره، وَيُشْتَرَطُ تَرْتِيبُهُ وَمُوَالَاتُهُ، لأن تركهما يوهم اللعب ويخل بالاعلام، وَفِي قَوْلٍ لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ، كسائر الأذكار المطلوبة، والراجح أنه يضر بخلاف الكلام في الخطبة؛ لأن كلماتها غير متعينة وكلماته متعينة، فَيُعَدُّ قَاطعُهُ مُعْرِضاً عنه، وفي اشتراط النية في الاذان وجهان حكاهما الروياني قبل صلاة المسافر من بحره.

وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ: الإِسْلَامُ، أي فلا يصح أذان الكافر لأنه عبادة، وَالتَّمْيِيزُ، أي فلا يصح أذان من لا تمييز له لأن كلامه لغو، وَالذُّكُورَةُ، أي فلا يصح أذان المرأة للرجال كإمامتها بهم، وينبغي أن يصح أذانها للمحارم.

(330) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الححاج للإمام النووي: ج 3 ص 323 شرح الحديث (6/ 379) وهو قوله في الدقائق ص 42؛ التَّرْجيعُ: أن يأتي بالشهادتين مرتين سرًا قبل قولهما جهرًا.

(331)

الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب الأذان: ذكر البيان بأن المؤذن إذا رجع في أذانه يجب أن يخفض صوته بالشهادتين: الحديث (1680).

ص: 180

وَيُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ، لأنه دعاءٌ وذكرٌ، وَللْجُنُبِ أَشَدُّ، لأنها أَغْلَظُ. قُلْتُ: والحائض أغلظ من الجنب؛ لأن حدثها أغلظُ من حدثه، وَالإِقَامَةُ أَغْلَظُ، لقربها من الصلاة.

وَيُسَنُّ صَيِّتٌ، أي شديد الصوت ورفيعه لأنه أبلغ في الأعلام، حَسَنُ الصَّوْتِ، لأنه أبعث على الأجابة (332)، عَدْلٌ، ليصدق في الوقت؛ ويغض بصره عن عورة من يعلوه.

وَالإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ، أي من الأذان والإقامة، فِي الأَصَحِّ، لأنها أشق، ولمواظبة الشارع والخلفاء الراشدين عليها، ولأن القيام بالشئ أَوْلَى من الدعاء إليه وهو قائم بفرض الكفاية على ما صححه المصنف في بابه فيكون راجحًا على الأذان إذ هو سنة على الصحيح. قُلْتُ: الأَصَحُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، لدعائه له عليه الصلاة والسلام بالمغفرة وللإمام بالإرشاد، وهو قول أكثر الأصحاب، واستنبط ابن حبان في صحيحه من قوله عليه الصلاة والسلام:[مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ](333) أن المؤذن يكون له مثل أجر من صلّى بأذانه. قُلْتُ: ونصَّ الشافعىُّ رضي الله عنه في الأُمِّ على أنَّه إذا قام بحقوق الإمامة كانت أفضل.

وَشَرْطُهُ الْوَقْتُ، لأنه إنما يراد للإعلام بدخول الوقت؛ فلا يجوز قبله، وذلك إجماع في غير الصبح، إِلَاّ الصُّبْحَ، للاتباع، فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، لأنّ معظمه قد ذهب

(332) لما جاء في حديث عبد الله بن زيد قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرتُه بما رأيتُ، فقال:[إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ إنْ شاءَ اللهِ، فَقُم مَعَ بِلالٍ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأيْتَ، فَلِيُؤَذِّن بِهِ، فَإنّهُ أنْدَى صَوْتًا منك] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب كيف الأذان: الحديث (499). ولفظ الترمذي: [فَقُمْ مع بلالٍ، فَإنَّهُ أَنْدَى وَأَمَدُّ صَوتًا مِنْكَ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا قِيلَ لَكَ، وَلِيُنَادِ بِذَلِكَ] الجامع الصحيح: أبواب الصلاة: باب ما جاء في بدء الأذان: الحديث (189) وقال الترمذي: حديث عبد الله بن زيد حسن صحيح.

(333)

الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب الأذان: ذكر الخبر الدال على أنَّ المؤذنَ يكون له كأجرِ مَنْ صلّى بأذانِهِ: الحديث (1666).

ص: 181

وقرب الأذان من الوقت فهو منسوب إلى الصبح، ولهذا يقال فيه عند التحية صباحٌ مباركٌ (334). قُلْتُ: والظاهر من حيث الدليل أنَّه يؤذن قُبَيْلَ طلوع الفجر، وصحح الرافعي في شرحيه وجهًا آخر، وهو أنَّه يؤذن في الشتاء لسُبعٍ يبقى من الليل وفي الصيف لنصف سُبْعٍ يبقى، وَعبَّرَ عنه في الْمُحَرَّر بقوله في أخر الليل فغيرهُ المصنف إلى نصف الليل، وقال: إنها أوضح، وقيل: بعد ثلثي الليل كذا حكاه المصنف في الإذكار وهو غريب، والذي حكاه في غيره أنَّه بعد وقت العشاء المختار وهو ثلث

الليل في قول، ونصفه في قول.

وَيُسَنُّ مُؤَذْنَانِ لِلمَسْجِدِ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَآخَرُ بَعْدَهُ، كما في مسجده صلى الله عليه وسلم فإن أُحْتَيجَ إلى أكثر رُتِّبَ قَدْرَ الحاجة، ونقل الترمذي عن الشافعي أنَّه إذا أذن أولًا أجزاه ولا يعيد (335).

وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُواْ مِثْلَ مَا يَقُولُ

الْمُؤَذِّنُ] (336) ويستحب ذلك في الإقامة أيضًا، إِلَّا فِي حَيْعَلَتَيْهِ، فَيَقُولُ: لَاحَوْلَ وَلَا

(334) عن عُمران بن حُصَيْن قال: كُنَّا نَقُولُ في الجاهلية: [أَنْعَمَ الله بِكَ عَيْنًا، وأَنْعِمَ صَبَاحًا، فَلَمَّا كَانَ الِإسلام نُهِيْنَا عَنْ ذلِكَ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الأدب: باب في الرجل يقول: أنعم الله بك: الحديث (5227) قال ابن حجر في الفتح: ج 11 ص 5: رجاله ثِقات ولكنه منقطع. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال: (فَغَيَّرَ اللهُ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ).

(335)

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "أُحِبُّ أن يُقتصر في المؤَذنين على اثنين، لأنَّا إنما حفظنا أنَّه أُذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان، ولا يضيق أن يؤذن أكثر من اثنين، فإن اقتصر في الأذان على واحد أجزأه) الأُم: ج 1 ص 83: باب عدد المؤذنين. وقول الترمذي في الجامع الصحيح: أبواب الصلاة: الحديث (203): ج 1 ص 393: قال: فقال بعضُ أهل العلم: إذا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بالليل أجزأهُ ولا يُعِيدُ. وهو قول: مالك، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحق.

(336)

الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب ما يقولُ إذا سمع المنادي: الحديث (611). ورواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: =

ص: 182

قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، لثبوته كذلك في صحيح مسلم (337) وهو مبين لإطلاق الحديث الَّذي قبله. قُلْتُ: وَإِلَّا فِي التَّثْوِيبِ، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَالله أَعْلَمُ، لأنه مناسب، وَادَّعَى ابنُ الرِّفْعَةِ وُرُودَ الخبرِ بهِ وهو عجيبٌ غريبٌ؛ ، والظاهر عندى أنَّه يقول كما يقول. وَلكُلِّ، أي ويُسَنُّ لكل من السامع والمؤذِّن، أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[ثُمَّ صَلُّواْ عَلَيَّ فَإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةَ صَلَّى الله عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا] رواه مسلم (338). قُلْتُ: ويستحب السلام عليه أيضًا لأنه يكرهُ إفراد الصلاة دونه، ثُمَّ يقول: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ] رواه البخاري (339).

= باب استحباب قول مثل قول المؤذن: الحديث (10/ 383) ولفظه: [إِذًا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُواْ مِثْلَ مَا يَقُولُ]. واللفظ الذي أتى به المصنف رحمه الله: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: رواه مسلم: الحديث (11/ 384).

(337)

الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: [إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللهُ

أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ؛ فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكَبْرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ؛ قَالَ: أَشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؛ قَالَ: أشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ؛ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوْةَ إلَّا بِاللهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ؛ قالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوْةَ إلَّا بِاللهِ. ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ؛ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ؛ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ مُخلِصًا مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ، رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب ما يقول إذا سمع المنادي: الحديث (12/ 385).

(338)

الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ؛ فَقُولُواُ مِثْلَ مَا يَقُولُ. ثُمَّ صَلَّواْ عَلَيَّ؛ فَإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً؛ صَلَّى الله عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا؛ ثُمَّ سَلُواْ الله لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعْبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ. فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب ماذا يقول: الحديث (11/ 384).

(339)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: باب الدُّعاء عند النِّداء: الحديث (614). =

ص: 183

فَرْعٌ: يُستحب الدعاء بين الأذان والإِقامة؛ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ؛ كَمَا حَسَّنَهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ (340).

فَصْلٌ: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ لِصَلَاةِ الْقَادِرِ، أي على الاستقبال لقوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطر الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (341)، أي نحوه، والاستقبال لا يجب في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها، وأجمعوا أنَّه لا بد منه، وقيل: إنه ركن، والاستقبال الواجب معتبر بالصدر لا بالوجه (342)، واحترز بالقادر عن المريض الذي لا يجد من يوجهه إلى القبلة والمربوط على خشبة والغريق، إِلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ، أي فإنه لا يشترط لا في الفرض ولا في النفل لما سيأتي في بابه. فإن المصنف أعادها هناك، نعم لو أَمِنَ وهو راكب؛ يشترط في البناء أن لا يستدبر القبلة فإن استدبرها بطلت أتفاقًا

= عن جابر بن عبد الله. وفي رواية لابن حبان في الإحسان بلفظ: [وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ] بالتعريف: في باب الأذان: ذكر إيجاب الشفاعة يوم القيامة: الحديث (1687).

(340)

الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [اَلدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ] رواه الترمذي في الجامع: كتاب أبواب الصلاة: باب ما جاء في الدعاء لا يُرد: الحديث (212). وقال: حديث أنس حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقول ابن الملقن رحمه الله: وحسَّنه الترمذي، قُلْتُ: هو كما في النسخة التي لديه على ما يبدو، لأن الشيخ مُحَمَّد أحمد شاكر زاد عليها [صحيح] في تحقيقه وشرحه على الجامع من نسخة أخرى. فيكون الترمذي قد حسنه وصححه. والحديث إسناده صحيح كما قال الشيخ مُحَمَّد رحمه الله في تعليقاته وتحقيقاته.

(341)

البقرة / 144 و 149 و 150.

(342)

* لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته: [إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ؛ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ؛ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: الحديث (46/ 397).

* ولحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تَخْفِرُواْ الله في ذِمَّتِهِ] رواه البخاري: الحديث (391).

ص: 184

كما نقله في الروضة، وَنَفْلِ السَّفَرِ، للاتباع (343)، فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ رَاكِبًا، بالنص (344)، وَمَاشِيًا، بالقياس؛ ولأنه أشق، واحترز بالمسافر عن الحاضر. ويشترط أن لا يكون السفر معصية؛ وأن يكون له مقصد معلوم (345).

وَلَا يُشَتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لعموم الحاجة، والثاني: يشترط كالقصر، والفرق أن النفل أخف ولهذا جاز فعلها قاعدًا في الحضر مع القدرة على القيام، فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ فِي مَرْقَدٍ، وَإِتْمَامُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَزِمَهُ، لِيُسْرِ ذلك عليه، وَإِلَّا، أي وإن لم يمكِنْهُ ذلك، فَالأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ سَهُلَ الإِسْتِقْبَالُ، أي المعهود وهو استقبال الراكب، وَجَبَ، أي بأن تكون واقفةً وأمكنَ انحرافه عليها،

وَإِلَّا فَلَا، أي بأن كانت مقطورةً أو صعبةَ الإدارةِ، والثاني: يجب مطلقًا ليكون الابتداء على صفة الكمال، والثالث: لا يجب مطلقًا، كما في دوام الصلاة.

وَيَخْتَصُّ، أي وجوب الاستقبال، بِالتَّحَرُّمِ، لأنه حال العقد (346)، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي السَّلَامِ أَيْضًا، لأنه أحد طرفي الصلاة؛ والأصح: المنع كما في سائر الأركان، قال ابن الصباغ: والقياس أنَّه مهما دام واقفًا فلا يصلى إلَّا إلى القبلة، فإذا أراد السير انحرف إلى طريقه، وَيَحْرُمُ انْحِرَافُهُ عَنْ طَرِيقِهِ، لأنهُ بَدَلٌ عَنِ الْقِبْلَةِ، إِلَّا

(343) لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: [كَانَ النَّبِيُّ يُصَلِّى عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَإِذَا أرَادَ الْفَرِيضَةَ؛ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الصلاة: باب التوجه نحو القبلة: الحديث (400) وله ألفاظ أخرى: ينظر (1094 و 1099 و 4140).

(344)

لحديث أنس رضي الله عنه: [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ؛ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب التطوع على الراحلة: الحديث (1225) وإسناده حسن.

(345)

لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: [رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ يُصَلِّى عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ

مُتَوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ] رواه أبو داود في السنن: الحديث (1226).

(346)

لحديث أنس رضي الله عنه: [أَنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ؛ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ]. تقدم في الرقم (268).

ص: 185

إِلَى الْقِبْلَةِ، لأنَّهَا الأَصْلُ، وَيُومِئُ بِرُكُوعِهِ، للاتباع (347)، وَسُجُودِهِ أَخْفَضُ، تمييزًا بينهما، وَالَأظْهَرُ أَنَّ الْمَاشِيَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ، لسهولة ذلك عليه، وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا وَفِي إِحْرَامِهِ، وَلَا يَمْشِي إِلَّا في قِيَامِهِ وَتَشَهُّدِهِ، لطولهما، والثاني: لا يمشى إلَّا في القيام، والثالث: لا يشترط اللبث بالأرض في شيء، ويومئ بالركوع والسجود كالراكب.

فَرْعٌ: يمشي في حالة اعتداله دون جلوسه بين السجدتين، لأن قيامه غيرُ جائزٍ، قاله البغوي وغيره كما نقله عنهم في الكفاية.

وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا عَلَى دَابَّةٍ وَاسْتَقْبَلَ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ، أي بأن كان هو في هودج ونحوه، وَهِيَ وَاقِفَةٌ جَازَ، كالسفينة، وقيل: لا يصح، ونقله في البيان عن نصه في الأم، ولا يشترط أن تكون معقولة، وإن أوهمه لفظ الْمُحَرَّر والتهذيب، أَوْ سَائِرَةٌ فَلَا، لأنها لا تُعَدُّ قرارًا في هذه الحالة، ولأن سيرها منسوبٌ إليه بدليل جواز الطواف عليها.

وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، أي فرضًا أو نفلًا، وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ عَلَى سَطْحِهَا مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ، أي فيما إذا كان الباب مفتوحًا، جَازَ، لأنه في كل ذلك متوجه إلى جزء من البيت (348).

(347) لحديث سعيد بن سيار قال: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ سَعِيْدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ لَحِقْتُهُ؛ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرتُ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: ألَيْسَتْ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ. قَالَ: [فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوتر: باب ليجعل آخر صلاته وترًا: الحديث (999). والطريقة في ذلك كما جاء عن نافع عن ابن عمر قال: [كَانَ النَّبيُّ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُؤْمِئُ إِيْمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الفَرَائِضَ، ويُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ]

رواه البخاري: الحديث (1000).

(348)

والقول بالجزء على قدر ثلثي ذراع لما جاء في الحديث عن موسى بن طلحة عن أبيه =

ص: 186

وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ، أي بمعاينة، حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ وَالإِجْتِهَادُ، كَالْقَادِرِ عَلَى العَمَلِ بِالنَّصِّ، نعم: الحاضرُ بمكة إذا حال بينه وبين الكعبة حائل أصلى أو طارئ فيجتهد للمشقة في تكليف الْمُعَايَنَةِ، وَإِلَّا، أي وإن لم يمكنه علم القبلة، أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةِ، أي كامرأةٍ وعبدٍ لا فاسق وصبي، يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ، أي ولا يجتهد كما في الوقت (349)، فَإِنْ فَقَدَ، أي الثقة المخبر عن علم، وَأَمْكَنَ الاِجْتِهَادُ، أي بأن كان بصيرًا، حَرُمَ التَّقْلِيدُ، لأن المجتهدَ لايقلدُ بل يجتهدُ بالأدلةِ وهيَ كثيرة، وأضْعَفُها الرياح لاختلافها وأقواها القطب، ولابن سراقة العامري من أصحابنا فيها مصنف مفرد وكذا لابن القاص، فَإِنْ تَحَيَّرَ، لغيم أو ظلمة أو تعارض أدلة، لَمْ يُقَلِّدْ فِي الأَظْهَرِ، لأنه مجتهد، والتحير عارض قد يزول عن قرب، وَصَلَّى كَيْفَ كَانَ، لحرمة الوقت (350)، وَيَقْضِي، لأنه عذرٌ نادرٌ، والقول الثاني: يقلد كالأعمى بجامع العجز.

= قال: كُنَّا نُصَلِّي وَالدَّوَابُ تَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ فَقَالَ:[مِثْلُ مُؤَخِرَةِ الرَّحْلِ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ] وفي لفظ: [إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِي مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ] رواهما مسلم في الصحيح: كتاب الصلاة: باب سترة المصلي: الحديث (242 و 241/ 499).

(349)

لحديث ابن عمر رضى الله عنهما قال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَال وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَة، فَأَغْلَقُواْ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَتَحُواْ؛ كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ

بلَالًا؛ فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى رُسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: [رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ عَنْ يَسَارِكَ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ] رواه البخاري في

الصلاة: باب قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيْمَ مُصَلَّى} [البقرة / 125]: الحديث (397). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب استحباب دخول الكعبة للحاج: الحديث (388 و 391/ 388).

(350)

* لحديث عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِر بنِ رَبِيعَةَ عَن أبيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي لَيلَةٍ مُظْلِمَةٍ؛ فَلَمْ نَدْرَ أَيْنَ الْقِبْلَةُ؛ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حِيَالَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ {فَأَيْنَمَا تُولُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة / 115]. قال أبو عيسى:

هَذا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَاّ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ السَّمَّانِ. في الجامع الصحيح: أبواب الصلاة: بابُ مَا جَاءَ في الرَّجُلِ يُصَلِّي لِغَيرِ الْقِبْلَةِ: الحديث (345). =

ص: 187

وَيَجِبُ تَجْدِيدُ الاِجْتِهَادِ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَحْضُرُ عَلَى الصَّحِيحِ، كالحاكم إذا حكم في واقعة بالاجتهاد ثم وقعت مرة أخرى على الأصح إذا لم يكن ذاكرًا للدليل الأول، فإن كان ذاكرًا كفى قطعا كما قاله في الروضة من زوائده في القضاء، والثاني: لا يجب، إذ الأصل بقاء الظن الأول، وقوله (تَحْضُرُ) احترز به عن النافلة؛ فإنه لا يحتاج إلى تجديد الاجتهاد لها قطعًا.

فَرْعٌ: إعادة التقليد في حق المقلد كالاجتهاد؛ ذكره في الكفاية.

وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الاِجْتِهَادِ وَتَعَلُّمِ الأَدِلَّةِ كَأَعْمَى قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا، أي بالأدلة كالعامي في الأحكام، لأن أدلة القبلة تتعلق بالبصير، فالواجب التقليد، واحترز بالثقة عن الكافر والصبي، وَإِنْ قَدَرَ، أي على تعلم الأدلة، فَالأَصَحُّ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ، لإمكانه لِتَعَلُّمِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَيَحْرُمُ التَّقْلِيدُ، والثاني: أن يعلم أن أدلة القبلة فرض كفاية كالعلم بأحكام الشريعة، والثالث: أنَّه فرضُ كفاية للمقيم وفرض عين للمسافر وصححه المصنف في شرح المهذب واختاره في الروضة.

وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ فَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ قَضَى فِي الأَظْهَرِ، كما ينقض الحاكم اجتهاده إذا خالف النص، والثاني: لا؛ لأنها جهة يجوز الصلاة إليها بالاجتهاد فأشبه

= * ثُمَّ قَالَ: وَأَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانِ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا، وَقَالُواْ: إِذَا صَلَّى فِي الْغَيْمِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ اسْتَبَانَ لَهُ بَعْدَ مَا صَلَّى أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ. إنتهى.

* قال الشَّيْخُ أَحْمَد مُحَمَّد شَاكر رحمه الله: وبذلك يظهر أن الحديث معروف من غير حديث أشعث، ولعل الترمذي لم يطلع على رواية: عمرو بن قيس وأشعث السمان إنما تُكلم فيه من قِبَلِ حفظه؛ وهو صَدُوقٌ، والحديث حسنُ الإِسنادِ؛ لأن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب ضَعَّفُوهُ مِنْ قِبْلِ حفظهِ، وقد روى عنه مالك وشعبة مع تشددهما في الشيوخ. وقد جاء نحو هذا الحديث عن جابر بن عبد الله. وإسناده ضعيف ولكنه يصلح شاهدًا، فعلم منه أن له أصلًا معروفًا. إنتهى. النقل بتصرف. ينظر: تعليقات الشيخ أحمد مُحَمَّد شاكر على الحديث في الجامع الصحيح للترمذي: ج 2 ص 176 - 177.

ص: 188