الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ عَكْسُهُ كَفَى الغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَب، وَالله أَعْلَمُ، لأنهما طهارتان فتداخلتا كغسل الجنابة والحيض، وقيل: لا يكفي؛ بل لا بد من الوضوء لاختلاف موجبهما.
بَابُ النَّجَاسَةِ
النَّجِسُ في اللغة: القَذَرُ، وفي الشرع: مَا فَضَّلَهُ المصنف بزيادة ذكرتها في الشرح (205)، وعدَّها المصنفُ ليعلم منه بقاء ما عداها على الأصل وهو الطهارة؛ فقال: هِيَ كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ، أما الْخَمْرُ فهو إجماع، وغيره من الْمُسْكِرِ كهو بجامع التنفير عن السُّكْرِ، وخرج بالمائع الْبَنْجُ وغيره من الْحَشِيْشِ الْمُسْكِرِ؛ فإنه حرامٌ ليس بنجسٍ (206)؛ لكن يرد عليه الخمرة إذا انعقدت وهي مسكرة؛ فإن حكم التنجيس باقٍ، ونقل عن بعض العلماء المتأخرين: أن في نجاسة الحشيشة ثلاُثة أَوْجُهٍ في مذهب أحمد وغيره، أصحها: نجاستها، ثالثها: ينجس مائعها دون يابسها ولم أرَ ذلك عندنا.
وَكَلْبٍ، للأمر به بإراقة ما ولغ فيه (207)، وَخِنْزِيرٍ، لقوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ
(205)(النَّجْسُ) ن ج س: بالفتح؛ وبالكسر؛ وبالتحريك؛ النَّجَسُ، والنَّجِسُ، في اللغة ضدُّ الطاهر أو القَذَرُ. والنَّجَاسَةُ: القَذَارَةُ. كان الأَوْلى أن يقول: باب إزالة النجاسة. قال ابن الملقن في العمدة شرح المنهاج: النجاسة في الشرع: كل عين حرم تناولها على الإطلاق مع إمكانه: مخطوط. وقال غيره: كل عين حُرِّمَ تناولها على الإطلاق في حال الاختيار مع إمكان التناول وسهولة التمييز لا لحرمتها ولا لضررها ولا لاستقذارها.
قاله صاحب بداية المحتاج إلى شرح المنهاج: ج 1 ورفة (15) مخطوط.
(206)
* الْبِنْجُ: ب ن ج: بِالكَسْرِ: الأصلُ: وَبالْفَتْحِ لُغَةٌ بِسَمَرْقَنْدَ. نَبْتٌ مُسْتَنْبَتٌ غَيْرُ حَشِيْشِ
الْحَرَافِيْشِ. مُخَّبِّطٌ لِلْعَقْلِ؛ مُجَنِّنٌ؛ مُسَكَّنٌ لأَوْجَاعِ الأَوْرَامِ وَالْبُثُورِ وَوَجَعِ الأُذُنِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الأَوْجَاعِ. وَبَنَّجَهُ: أَطْعَمَهُ إِيَّاهُ.
* في دقائق المنهاج: ص 36؛ قال النووي: قول المنهاج: كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ. ليحترز عن الْبَنْجِ وغيرهِ من الحشيش الْمُسْكِرِ، فإنهُ حرامٌ ليس بنجسٍ. إنتهى.
(207)
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، =
خِنْزِيْرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} (208)، وَفَرْعِهِمَا، أي وهو ما تَوَلَّدَ من كلب وخنزير؛ وكذا ما تَوَلَّدَ من أحدهما مع حيوان طاهر؛ لأنه مخلوق من نجس فكان مثله.
وَمَيْتَةِ غَيْر الآدَمِيِّ، وَالسَّمَكِ، وَالْجَرَادِ، بالاجماع، وطهارة ميتة الآدمى دليلها قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (209) وصح من حديث ابن عباس: [لَا تُنَجِّسُواْ مَوْتَاكُمْ، فَإِنَّ الْمُسلِمَ لَا يَنْجِسُ حَيِّاً وَلَا مَيِّتاً](210) وطهارة ميتة السمك والجراد إجماع.
وَدَمٍ، أى المسفوح ليخرج الكَبِدُ والطّحَالِ والباقي على اللحم وعظامه (211)،
= فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الطهارة: باب حكم ولوغ الكلب: الحديث (89/ 279).
(208)
البقرة / 173.
(209)
الاسراء / 70.
(210)
رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الجنائز: الحديث (1422/ 158) وقال: صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: على شرطهما. قال ابن الملقن في التحفة: وقال الحافظ ضياء الدين في أحكامه: إسناده عندي على شرط الصحيح.
ورواه البخاري تعليقاً عن ابن عباس من قوله: [اَلْمُسلِمُ لَا يَنْجِسُ حيّاً وَلَا مَيَّتاً] وقال البيهقي: وهذا هو المعروف. إنتهى. قلت: ورواه ابن أبى شيبة في الكتاب المصنف: كتاب الجنائز: باب من قال: ليس على غاسل الميت غسل: النص (11134). وإسناده صحيح موقوفاً. أو كما قال الحاكم وتابعه الذهبي فيه.
(211)
لما أسنده الإمام الشافعي رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ الْمَيتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ؛ وَالدَّمَانِ] أحْسَبُهُ قال:
[الكَبِدُ وَالطِحَالِ]. كتاب الأُمَ من كتاب الصيد والذبائح: باب ذكاة الجراد والحيتان: ج 2 ص 233، وهو في مسند الأمام الشافعي: الحديث (1554). والحديث إسناده صحيح موقوف: قال ابن حجر في تلخيص الحبير: ج 1 ص 38: وكذا صحح الموقوف: أبو زرعة وأبو حاتم؛ ثم قال: نعم؛ الرواية الموقوفة التي صححها أبو حاتم وغيره، هي في حكم المرفوع؛ لأن قول الصحابي: أحل لنا، وحرم علينا كذا؛ مثل قوله: أُمرنا بكذا، ونهينا عن كذا، فيحصل الاستدلال بهذه الرواية، لأنها في معنى المرفوع والله أعلم. إنتهى.
وَقَيْحٍ، لأنه دم استحال إلى نتن، وَقَيْءٍ، كالغائط (212)، وَرَوْثِ، لأنها رجس كما صَحَّ في البخاري (213) والأنفحة في حكمه؛ فإنها لبن يستحيل في جوف السَّخْلة، لكنها طاهرة إن أخذت من مذبوحة لم تطعم غير اللبن، وَبَوْلٍ، لأنّا أُمِرْنا بالتنزه منه (214)، وَمَذِيٍّ، وَوَدِيٍّ، بالإجماع (215)، وَكَذَا مَنِيِّ غَيْرِ الآدَمِيِّ فِي الأَصَحِّ، كسائر المستحيلات.
(212) عن معدان بن طلحة عن أبى الدرداء رضي الله عنه؛ [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ] قال: فَلَقِيْتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ! فَقَالَ: صَدَقَ [أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وُضُوءَهُ]. رواه أبو داود في السنن: الحديث (2381) وإسناده صحيح إن شاء الله.
(213)
* هو حديث ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرنى أن أتيه بثلاث أحجار؛ فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجدهُ، فأخذت روثة فأتيته بها، فألقى الروثة وقال:[هَذَا رِكْسٌ]. وفي سنن الدارقطني زاد: [إِئْتِنِي بِحَجَرٍ].
رواه البخاري في الصحيح في الوضوء: باب لايستنجي بروث: الحديث (156).
وسنن الدارقطني: ج 1 ص 55.
* في دقائق المنهاج: ص 36؛ قال النووي رحمه الله: وقوله (الرَّوْثُ) أحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ: الْعَذِرَةُ؛ لأَنَّ العَذِرَةَ مُخْتَصَّةٌ بِفَضْلَةِ الآدَمِيِّ، وَالرَّوْثُ أَعَمُّ، لأَنَّهُ إِذَا عُلمَتْ نَجَاسَةُ الرَّوْثِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَلَفْ فِيْهِ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، فَالْعِذْرَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا أَوْلَى، وَلَا عَكْسَ.
(214)
لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [تَنَزَّهُواْ مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ]. رواه الدارقطني في السنن: ج 1 ص 127 وقال: المحفوظ مرسل.
قلت: وإسناده حسن.
(215)
* المذْي بإسكان الذال، ويقال بكسرها مع تشديد الياء وتخفيفها، ويقال في فعله: مَذَى، بتخفيف الذال وتشديدها، وأمذى؛ وهو ماء أبيض رقيق يخرج بلا شهوة قوية عند ثورانها؛ والودي بالدال أو الذال حكاية فيه، وهو ماءٌ ثخين كَدِرٌ يخرج عقب البول.
* وهو لحديث على بن أبى طالب كرم الله وجهه، قال: كُنْتُ رَجُلاً مذَّاءً، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَألَهُ فَقَالَ:[يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ] رواه مسلم بهذا اللفظ في كتاب الحيض: الحديث (117/ 303). والبخاري في الصحيح: كتاب العلم: باب من استحيا فأمر غيره =
قُلْتُ: الأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأنه طاهر كالآدمي (216)، واستثنى صاحب الخصال من مني الآدمي منى الخادم وفيه نظر.
وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ، لأنه عُصَارَتُهُ، غَيْرَ الآدَمِيِّ، تكريماً له إذ نشوءه منه، نعم لبن الصغيرة التى لم تستكمل سن الحيض نجس وكذا لبن الرَّجُلِ. وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ، أي بنفسه أو بالأبانة، مِنَ الْحَيِّ، كإلية الشاة ونحوها، كمَيْتَتِهِ، أي طهارةً ونجاسةً بالإجماع (217)، إِلَّا شَعْرَ الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ، بالإجماع أيضاً (218)، وخرج بالمأكول
= بالسؤال: الحديث (132) وفي كتاب الوضوء: الحديث (178) وفي كتاب الغسل: الحديث (269).
(216)
* الْمَنِيُّ: وهو ماء أبيض ثخين، يتدفق في خروجه دَفْقَةً بعد دفقةٍ، ويخرج حال الشهوة، وَيتَلَذِّذُ بِخُرُوجِهِ؛ وبعقب خُروجه فتورٌ، ورائحته كرائحة طَلْعِ النَّخْلِ، قريبة من رائحة العجين.
* وهو كما قال طاهر لحديث عائشة رضى الله عنها، قالت:[كُنْتُ أَفْركُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكاً فَيُصَلِّىَ فِيهِ] بألفاظ أخرجها مسلم وأبو داود والترمذي، لم تخرج عن مقصود الباب. وفي صحيح البخاري: كتاب الوضوء: باب غسل المني وفركه: الحديث (229). ومسلم في الصحيح: كتاب الطهارة: باب حكم المني: الحديث (105/ 288). وأبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب المني يصيب الثوب: الحديث (371).
(217)
لحديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن جباب أسنمة الإبل وإليات الغنم؟ فقال: [مَا قُطِعَ مِنَ الْحَيِّ فَهُوَ مَيْتٌ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصيد: باب في صيد ما قطع منه قطعا: الحديث (2858). والترمذي في الجامع الصحيح:
كتاب الأطعمة: باب ما قطع من الحي فهو ميت: الحديث (1480) وقال: حسن غريب من حديث أبي واقد الليثي بلفظ: [مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتٌ].
وصححه الحاكم في المستدرك: كتاب الأطعمة: الحديث (150) وكتاب الذبائح: الحديث (7598). ويلاحظ أن مفهوم الإجماع هنا، ليس للاستدلال، وإنما يريد أنه قولٌ واحدٌ في المذهب.
(218)
لقوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل / 80].
غيره فإنه نجس، فلو رأى شعراً وشك هل هو من مأكول أو من غيره فالأصح من زوائد الروضة الطهارة، ومثار الخلاف أن الأصل في الأشياء الإباحة أو التحريم (219).
ونَبَّهَ بالشعر على الصوف والوبر والريش لما فيها من المنافع الظاهرة، قُلْتُ؛ ويستثنى أيضاً المسك فإنه طاهر بالإجماع، وكذا فأرته على الصحيح إِنِ انفصلت في حياة الظَّبْيَةِ.
وَلَيْسَتِ الْعَلَقَةُ، وَالْمُضْغَةُ، وَرُطُوبَةِ الْفَرْجِ بِنَجِسِ فِي الأَصَحِّ، أما العلقة والمضغة فلأنهما أصل الآدمي فأشبها المني، وأما رطوبة الفرج فقياساً على العرق، والثاني: أنها نجسة؛ ووجهه في العلقة أنه دم خارج من الرحم فأشبه الحيض، وفي المضغة ذلك أيضاً، وفي رطوبة الفرج تولدها من محل نجس، وشمل إطلاقه الفرج فرج المرأة وغيرها من الحيوان الطاهر.
فَصْلٌ: وَلَا يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ، إي إلَاّ بالغسل؛ لأنه شُرِعَ لأزالة ما طرأ على العين، ولا بالإستحالة؛ لأن العين باقية وإنما تغيرت صفتها، إِلَاّ خَمْرٌ تخَلَّلَتْ، أي بنفسها ولم يقع عين فيها بالإجماع، وَكَذَا إِن نُقِلَتْ مِنْ شمْسِ إِلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ فِي الأَصَحِّ، لخلوها عن النجس، والثاني: لا يطهر، لأنه معالجة كالإلقَاءِ، فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْح شَيْءٍ، أي كملح ونحوه (220)، فَلَا، لتحريم التخليل، وخرج بذكر الخمر
(219) قُلْتُ: إذا كان الأمر متعلق بالأشياء، فالقاعدة:(أَنَّ الأصْلَ فِي الأَشْيَاءِ جَوَازُ الإِنْتِفَاعِ بِهَا مَا لَمْ يَرِدْ دَلِيْلُ الْمَنْعِ) فهي على الإباحة حين التعامل معها، وأصل الأفعال المتعلقة بها على البراءة الأصلية من جواز الانتفاع بها حتى يرد دليل المنع. أما الأفعال، وهي متعلق الحركة، فالقاعدة:(أَنَّ الأَصْلَ فِي الأَفْعَالِ التَّقَيُّدَ بِالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى قَصْدِ مُرَادِ الشَّارِعِ وَبِقَصْدِ التَّعَبُّدِ للهِ وَالْقُرْبَةِ مِنَ اللهِ عز وجل. اقتضى التنويه لطفاً. وقد فصلنا القول فيها في كتابنا (مدخل إلى دراسة العلوم الشرعية) فراجعهُ.
(220)
* لحديث أنس رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الخمر تُتَّخَذُ خَلاً؟ فَقَالَ: [لَا]. رواه =
النبيذ، فإنه لا يطهر وإن تخلل بنفسه؛ قاله القاضي أبو الطيب؛ وفيه نظر (221).
وَجِلْدٌ نَجُسَ بِالْمَوْتِ فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ ظَاهِرُهُ، لقوله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ
طَهُرَ] رواه مسلم (222). أما النجس في حالة الحياة فلا يطهر ظاهره بالدباغ، وَكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لعموم الخبر المذكور وغيره (223)، والثاني: أنه يطهر ظاهره دون باطنه، لأن الدواء لا يصيبه، وهو ضعيف؛ لأن خاصيته تصل بواسطة الماء وهو رطوبة الجلد. قُلْتُ: ويستثنى مع الخمر والجلد دَمُ الظَّبْيَة إذا استحال مسكاً، والبيضة المدرة التي صارت دماً إذا استحالت فرخاً وقد استثناهما الرافعي.
= مسلم في الصحيح: كتاب الأشربة: ياب تحريم تخليل الخمر: الحديث (11/ 1983).
والترمذي في الجامع الصحيح: كتاب البيوع: باب النهي عن أن تتخذ الخمر خلاً: الحديث (1294) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
* ولحديث أنس أيضاً: أن أبا طلحه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً؛ قال:
[أَهْرِقْهَا]. قال: أفلا أجعلها خلًا؟ قال: [لَا]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الأشربه: باب ما جاء في الخمر تخلل: الحديث (3675). والترمذي في الجامع الصحيح: الحديث (1293)، وأخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال: باب ما يجوز لأهل الذمة أن يحدثوا في الأرض العنوة: الحديث (283) ص 135.
(221)
قلت: لَعَلَّهُ لما تقدم من الحديث عن أنس رضي الله عنه، ثم لما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله:[وَلَا يَحِلُّ خَلٍّ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ؛ حَتَّى يكُونَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَفْسَدَهَا]. أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال: الفقرة (288) ص 137؛ ولفظ: [لَا تَأْكُلْ خَلاً مِنْ خَمْرٍ
أُفْسِدَتْ حَتَّى يَبْدَأَ الله بِفَسَادِهَا].
(222)
الإهاب هو الجلد؛ وهو الجلد قبل الدباغ أيضاً. والحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحديث. رواه مسلم في كتاب الحيض: الحديث (105/ 366).
وأبو داود في السنن: كتاب اللباس: باب في أهب الميتة: الحديث (4123).
(223)
لحديث ميمونة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى شاة ميتة: [لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا] فقالوا: إنها ميتة؟ فقال: [يُطَهِّرُهَا الماءُ والقَرَظُ] والقَرَظ بفتح القاف
والراء: ورق السلم. رواه أبو داود في السنن: كتاب اللباس: باب في أهب الميتة: الحديث (4126). والنسائي في السنن: باب ما يدبغ به جلود الميتة: ج 7 ص 174.
وإسناده صحيح.
وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ بِحِرِيفٍ، أي بكسر الحاء كشب ونحوه، والفضول هي المعفنة للجلد، وضابط نزعها منه أن تطيب رائحته بحيث لو نقع في الماء لم يعد إليه الفساد والنَّتَنُ، لَا شَمْسٍ وَتُرَابٍ، أي وإن جف الجلد وطابت رائحته لبقاء الفضلات وإنما جمدت، وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَثْنَائِهِ فِي الأَصَحِّ، تغليباً لمعنى الإحالة، والثاني: يجب تغليباً لمعنى الإزالة.
وَالْمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ نَجُسٍ، أى فلا بد من غسله لإزالة بقايا الأدوية المتنجسة أو النجسة، وَمَا نَجُسَ بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ غُسِلَ سَبْعاً إِحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم[طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ] رواه مسلم (224)، وفي رواية للدَّارقطني [إِحْدَاهُنَّ بِالبَطْحَاءِ](225)، وعرقه وسائر أجزائه وفضلائه كلعابه وأَوْلى؛ لأن فمه أطيب من غيره، ونص الشافعي في البويطي أنه يتعين التراب في الأُوْلَى والأخرى وهو غريب قوي، وقوله (بِتُرَابِ) أي مع التراب فلا بد من مزجه بماء، ولو جرى الماء عليه سبع مرات كفى، قلت: ولو ولغ كلب في الإناء أو كلاب مرات فثلاثة أوجه، الصحيح: يكفيه للجميع سبعٌ، والثاني: يجب لكل
واحدة سبع، والثالث: لكل كلب سبع وكذا لو حركه في الراكد الكثير، وَالأَظْهَرُ: تَعَيِينُ التُّرَابِ، للخبر، والثاني: لا كالدباغ.
وَأَنَّ الْخِنْزِيرَ كَكَلْبٍ، لنجاسة عينه بل أَوْلَى مِنْهُ لحرمة اقتنائه، والثاني: يكفي غسله مرة واحدة بلا تراب كسائر النجاسات، وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ، وَلَا مَمْزُوجٌ بِمَائِعٍ فِي الأَصَحِّ، مثار الخلاف أن الأمر بالتراب تعبداً؛ ومُعَلَّلٌ بالاستظهار والجمع بين نوعي طهورٍ، وتستثنى الارض الترابية، فإنه يجب غسلها سبعاً ولا يجب تعفيرها على الأصح؛ لأنه لا معنى للتعفير بالتراب.
(224) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الطهارة: باب حكم ولوغ الكلب: الحديث (91/ 279).
(225)
رواه الدارقطني في السنن: ج 1 ص 65: وفال فيه: الجارود هو ابن أبي يزيد؛ متروكٌ. قال
ابن حجر: وإسناده ضعيف فيه الجارود بن يزيد وهو متروك: تلخيص الحبير: ج 1 ص 52.
وَمَا تنَجَّسَ بِبَوْلِ صَبِيِّ لَمْ يَطْعَمْ غَيْرَ لَبَنٍ نُضِحَ، لأنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَضَحَهُ فِي حِجْرِهِ وَلَم يَغْسِلهُ، متفق عليه (226)، وَأمَرَ بِالغَسْلِ مِنْ بَوْلِ الجَارِيَةِ كما حسنه البخاري (227)، والسر في ذلك أن الله تعالى لما خلق أدم خلقت حواء من ضلعه فصار بول الغلام من الماء والطين وصار بول الجارية من اللحم والدم، قاله إمامنا كما أفاده ابن ماجه فِي سننه وهو غريب (228)، وعنه أيضاً أن الرضاع بعد الحولين بمنزلة الطعام والشراب وهو ظاهر، وقوله (لَمْ يَطْعَمْ) أي لم يستقل بجعل الطعام في فيه أو لم يأكل غيره، فيه ثلاثة أراء أوضحتها فِي الأصل، والنُّضْحُ: إصابة
(226) لحديث أُمِّ قيس بنت محصن؛ [أنَّها أتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٌ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبهِ، فَدَعَا بماءِ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوضوء: باب بول الصبيان: الحديث (223). ومسلم في الصحيح: كتاب الطهارة: باب حكم بول الطفل.
(227)
في حديث أبي السمح قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بحسن أو حسين، فبال على صدره؛ فجئت أغسله، فقال:[يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الغُلَامِ].
رواه أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب بول الصبي يصيب الثوب: الحديث (376). والنسائي في السنن: كتاب الطهارة: ج 1 ص 158. قال الحافظ بن حجر في تلخيص الحبير: ج 1 ص 50: قال البخارى: حديث حسن. وقال في الفتح: ج 1 ص 432: شرح الحديث (222): وفي الفرق (أى بين بول الجارية وبول الصبي) أحاديث ليست على شرط المصنف (أي البخاري) وحكاها ومنها حديث أبي السمح.
وأسنده البخاري في التاريخ الكبير: كتاب الكنى: باب الواحد: الرقم (354): ج 8 ص 40 جزء من التاريخ الكبير وملحق به.
(228)
الحديث لأبى اليمان المصريُّ؛ قال: (سَأَلْتُ الشَّافِعِي عَنْ حَدِيْثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[يُرَشُّ مِنْ
بَوْلِ الغُلَامِ، ويغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ] وَالْمَاءَانِ جَمِيْعاً وَاحِدٌ. قَالَ: لأَنَّ بَوْلَ الغُلَامِ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّيْنِ، وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّمِ. ثُمَّ قَالَ لِي: فَهِمْتَ؟ أَوْ قَالَ: لَقِنْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنَّ الله تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ آدَمَ خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ ضِلْعِهِ الْقَصِيْرِ. فَصَارَ بَوْلُ الْغُلَامِ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّيْنِ، وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ مِنَ اللِّحْمِ وَالدَّمِ. قَالَ، قَالَ لِي: فَهِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لِى: نَفَعَكَ الله بِه). أخرجه ابن ماجه في السنن من كتاب الطهارة: باب ما جاء في بول الصبى: الحديث (525).
الماء جميع موضع البول وكذا غلبته على الأصح، ولا يشترط أن ينزل عنه، والغسل يشترط أن يغمره وينزل عنه.
وَمَا تَنَجَّسَ بِغَيْرِهِمَا، أي بغير نجاسة الكلب والخنزير وبول الصبى، إِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنٌ، أي بأن كانت حكمية وهي التي لا تشاهد لها عين ولا يحس لها طعم ولا لون ولا رائحة، والعينية نقيض ذلك، كَفَى جَرْيُ الْمَاءِ، أي بنفسه وغيره إذ ليس ثَمَّ ما يزال (229)، وَإِنْ كَانَتْ، أي عينِيُّة، وَجَبَ، أي بعد زوال عينها، إِزَالَةُ الطَّعْمِ، لأن بقاءه يدل على بقائها، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِ أَوْ رِيحٍ عَسُرَ زَوَالُهُ للضرورة، فإن سهل ضر البقاء، لأنهما يدلان على بقاء العين، وَفِي الرِّيحِ قَوْلٌ، لأن بقاءه يدل على بقاء العين فصار كالطعم، وهذا في رائحة تدرك عند شم الثوب دون ما يدرك بالهواء قاله في البسيط، قُلْتُ: وفي اللون وجه أشار إليه في اَلْمُحَرَّر وحذفه المصنف، قُلْتُ: فَإِنْ بَقِيَا مَعاً ضَرَّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَالله؛ أَعْلَمُ، لقوة دلالتهما على بقاء العين، والثاني: لا، لاِعْتبارِهما منفردين فكذا مجتمعين وهو ضعيف كما صرح به المصنف، لأن الأصل أن الأثر يضر مطلقاً؛ خولف في الواحد للمشقة.
وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ، أي على المتنجس لقوة الوارد فإنه عامل والقوة للعامل، فإن عكس والماء قليل بلا تغير؛ فلا يطهر لضعفه، لَا الْعَصْرُ فِي الأَصَحِّ، الخلاف مبني على طهارة الغسالة، وَالأَظْهَرُ طَهَارَةُ غُسَالَةٍ، أي قليلة في واجب، تَنْفَصِلُ بِلَا تَغَيُّرٍ وَقَدْ طَهَرَ الْمَحَلُّ، لأن البلل الباقى على الْمَحل هو بعض المنفصل؛ فلو كان المنفصل نجساً لكان المحل كذلك؛ فيكون المنفصل طاهراً غير طهور؛ لأنه مستعمل في
(229) لحديث خولة بنت يسار أتَتِ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني ليس لي إلا ثوب واحدٌ، وأنا أحيض فيه؛ فكيف أصنع؟ قال:[إِذَا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ ثُمَّ صَلِّي فِيهِ] قالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: [يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلَا يُضُرُكِ أَثَرُهُ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الطهارة: باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها: الحديث (365) وأخرجه أحمد في المسند: ج 2 ص 380 وإسناده صحيح مع أنه من طريق ابن لهيعه، لأنها من رواية ابن وهب.