الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ" الأحاديث صحيحة في الحث على ذلك، وَحَذَفْتُ دُعَاءَ الأعْضَاءِ إِذْ لَا أَصْلَ لَهُ، قلت: لا بل له طرق ضعيفة وفضائل الأعمال يتسامح فيها، وهي موضحة في تخريجي لأحاديث الرافعى والوسيط (172).
بَابُ مَسْحِ الخُفِّ
يَجُوزُ فِي الْوُضُوءِ، أي بدلًا عن الغسل (173)، لِلْمُقِيمِ يَوْماَ وَلَيْلَة، وَللْمُسَافِرِ، أي سفر القصر، ثَلَاثَةً بِلَيَالِيهَا، لحديث عليّ في ذلك أخرجه مسلم (174) وهذا في السَّليمِ، أما دائمُ الحدث؛ فإنه يمسح لما يحل لو بقي طهره؛ وهو فرضٌ ونوافلٌ، مِنَ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسٍ؛ لأنها عبادةْ موقتةْ؛ فكان ابتداءُ وَقْتِهَا من حين جواز فعلها كالصلاة، ولو تَوَضَّأَ بعدَ حدثه؛ وغسل رجليه في الخف، ثم أحدث فابتداءُ المدةِ مِن حين الحدث الأَوَّلِ؛ كما اقتضاه كلامه (175)، وبه صرَّح الشيخ أبو علي في شرح
(172) البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير للإمام أبي القاسم الرافعى: ج 1 ص 161 - 163. قاله محقق كتاب التحفة.
(173)
لأحاديث، منها، حديث جرير البجلى: عَنْ هَمَّام؛ قَالَ: [بَالَ جُريْرٌ؛ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ: تَفْعَلُ هَذَا! قَالَ: نَعَمْ، رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ
وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ]. وفي رواية أخرى،! [قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ؛ قَالَ: وَمَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الصلاة: باب الصلاة في الخفاف: الحديث (202). ومسلم في الصحيح: كتاب الطهارة: باب المسح على الخفين: الحديث (72/ 272).
(174)
صحيح مسلم: كتاب الطهارة: في باب التوقيت في المسح على الخفين: الحديث (85/ 276). عن شريح بن هانئ، قال: أتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسَحِ عَلَى الْخُفِّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِب، فَسَلْهُ! فَإنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلْنَاهُ: فَقَالَ: [جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ].
(175)
ولحديث صفوان بن عَسَّالٍ، قالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، [أَمَرَنَا أَنْ =
الفروع، فَإِنْ مَسَحَ حَضرَاً، ثُمَّ سَافَرَ؛ أَوْ عَكَسَ، أي مسح سفراً، ثم أقام، لَمْ يَسْتَوْفِ مُدَّةَ سَفَرٍ، تغليباً للحضر.
وَشَرْطُهُ أَنْ يُلْبَسَ بَعْدَ كَمَالِ طُهْرٍ، لحديث أبي بكرة [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيْمِ يَوْماً وَلَيْلَةَ إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا] قال. البخاري: حسن (176)، والمتيمم لا لفقد الماء، يمسح لما يحل لو بقى طهره، سَاتِراً مَحَلَّ فَرْضِهِ، أي من كل الجوانب لا من الأعلى، ويُجْزِئُ الشَّفَّافُ كالزُّجاج بخلاف رؤية المبيع من ورائه، طَاهِراً، لأن الخف بدل عن الرِّجْلِ، يُمْكِنُ تِبَاعُ الْمَشْيِ فِيهِ لِتَرَدُّدٍ؛ مُسَافِرٍ لِحَاجَاتِهِ، لأن غيره لا تدعُ الحاجة إليه؛ فلم تتناوله الرخصة، قِيلَ: وَحَلَالاً، لأن الرخص لا تناط بالمعاصي، والأصح: أنه لا يشترط، لأن المعصية لا تختص باللبس فلم تمنع الصحة، كالذبح بسكين مغصوبة.
وَلَا يُجْزِىُ مَنْسُوجٍ لَا يَمْنَعُ مَاءً، أي لعدم صفاقته، فِي الأَصَحِّ، لأنه لا يعد حائلاً، والثاني: يُجْزِئُ؛ كخف انثقبت ظهارته في موضع وبطانته في موضع آخر،
لا نَنْزِعَهُ ثَلَاثَاً؛ إِلاْ مِنْ جَنَابَةٍ؛ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ]. رواه النسائي في السنن: كتاب الطهارة: باب الوضوء من الغائط: ج 1 ص 98. والترمذي في الجامع: كتاب الطهارة: باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم: الحديث (96) وقال: حسن صحيح.
قلت: قال الخطابي في المعالم: كلمة (لكن) موضوعة للاستدراك؛ أي في اللغه وضرورة الكلام.
(176)
رواه ابن حبان في صحيحه: ج 2 ص 309: الحديث (1321). والبيهقى في السنن الكبرى: كتاب الطهارة: باب رخصة المسح: الحديث (1381) والحديث (1382) وقال: هكذا رواه مسدد؛ إلى قوله: وكذلك رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عن عبد الوهاب؛ إلا أن الربيع شكَّ في قوله: إذا تطهَّر فلبس خفيه، فجعل من الشافعي؛ وهو في الحديث. قال ابن الملقن في التحفة: رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وقال الشافعي: إسناده صحيح، وقال البخاري: حسن. ونقل ابن جحر في تلخيص الحبير: ج 1 ص 166: قال: ونقل البيهقى أن الشافعي صححه في سنن حرملة: ينظر: معرفة السنن والآثار: ج 1 ص 342: باب وقت المسح: الحديث (427).
ولا يضر نفوذ الماء من مواضع الخرز؛ قاله القاضي حسين وغيره، وَلَا جُرْمُوقَان فِي الأَظْهَرِ، لأنه ساتر لممسوح فلم يقم في إسقاط الفرض مقام الممسوح كالعمامة (177)، والثاني: يجوز؛ لأن الحاجة تدعو إليه لدفع البرد والوحل، ومحل الخلاف ما إذا كانا قويين، فإن كان الأعلى ضعيفاً فقط جاز المسح عليه إذا وصل البلل إليه لا بقصد الأعلى فقط.
وَيَجُوزُ مَشْقُوقُ قَدَمٍ شُدَّ، أي بالشَّرْجِ وهي العِرا، فِي الأَصَحِّ، لحصول الستر به، وتيسر المشي فيه، والثاني: لا يجوز؛ كما لَوْ لَفَّ على رجله قطعة جلدة وشدها.
ويُسَنُّ مَسْحُ أَعْلَاهُ، أي ظاهر أعلاه، وَأَسْفَلِهِ، للاتباع كما أخرجه أبو داود (178)، ويسن مسح العقب أيضًا، خُطُوطاً، للاتباع كما أخرجه الطبراني؛ وقال: تفرَّد به بقية (179).
(177) الْجُرْمُوقُ: بضم الجيم والميم؛ فارسى معرب؛ وهو يُلْبَسُ فُوْقَ الخُفِّ؛ والجِرمَاقُ - بالكسر - ما عُصِبَ به القوس من العَقَب. وكِسَاءٌ جِرْمِقِيّ؛ بالكسر. والجرامقة: قومٌ من العجم بالْمَوْصِلِ في أوائل الإسلامِ؛ الواحد؛ جَرْمَقَانِيٌّ. هذا في اللغة. أما في اصطلاح الفقهاء وعرفهم، فهو خفٌّ فوق خفٍّ وإن لم يكن واسعاً لتعلق الحكم به. فَثَنَّى فقال:(جُرْمُوقَانِ) وهما خفٌّ فوق خفٍّ؛ كلٌّ منهما صالح للمسح عليه، فلا يصح الاقتصار على الأعلى منهما في الأظهر، لأن الرخصة وردت في الخفِّ لعموم الحاجة إليه، ولا تعم الحاجة إلى الجرموق. ينظر: القاموس المحيط للفيروزآبادي مادة (الجرامقة).
(178)
عن المغيرة بن شعبة؛ قال: [وَضَّأْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوك، فَمَسَحَ أَعْلَى الخُفِّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا] سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب كيف المسح: الحديث (165)؛ قال
أبو داود: وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء.
(179)
الحديث عن جابر؛ قال: مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ يَتَوَضَّأُ، وهو يغسل خُفَّيْهِ، فنخسهُ بيدهِ؛ وقال:[إِنَّمَا أُمِرْنَا بِهَذَا] ثم أراه بيده من مقدم الخفين إلى أصل الساق وفَرَّجَ بين
أصابعه! قال ابن الملقن: رواه الطبراني، وقال: تفرد به بَقِيَّة. ثم قال: قلت: وهو ثقة أخرج له مسلم لكنه يدلس. وأخرجه ابن حجر في المطالب العالية بلفظ: فقال بيده هكذا؛ [إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْمَسْحِ] وفرَّج بين أصابع كفيه على خفيه. وأشار (لإسحاق) =
وَيَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ، لأن المسح ورد مطلقاً ولم يصح في تقديره شئ؛ فتعين الاكتفاء بما ينطلق عليه الأسم، ولو غسله أجزاه على الأصح، نعم يُكْرَهُ، يُحَاذِي الْفَرْضَ، أي من الظاهر، لأنه بدل عنه، إِلَاّ أَسْفَلَ الرّجْلِ وَعَقِبَهَا فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ، لأن الباب باب اتباع، ولم يؤثر فيه الاقتصار على الأسفل، وقيل: بالإجزاء فيهما قطعاً، لأنهما محاذيان محل الفرض، فَأَشبها المحاذي لمشط الرجل، ورجح الرافعي في الأُولى طريقة القولين، وحكى في الثانية ثلاثة طرق، وعبارة أصل الروضة: لا يجزئ على المذهب، وقيل: العَقِبُ أَوْلَى بالجواز من الأسفل، وقيل: أولى بالمنع.
قُلْتُ: حَرْفُهُ كَأَسْفَلِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لاشتراكهما في عدم الرؤية غالباً؛ قاله البغوي وغيره، لكن مقتضى كلام الرافعى وغيره أنه كأعلاه.
وَلَا مَسْحَ لِشَاكٍّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ، رجوعاً إلى الأصل، فَإِنْ أَجْنَبَ وَجَبَ تَجْدِيدُ لُبْسٍ، أي بعد الغسل إن أراد المسح لأمر الشارع به كما صححه الترمذي (180)،
وَمَنْ نَزَعَ وَهُوَ بِطُهْر الْمَسْحِ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، لأن الأصلَ غسلهما؛ والمسحُ بدلٌ، فإذا زال؛ وجب الرجوع إلى الأصل، وَفِي قَوْلٍ: يَتَوَضَّأُ، لأنها عبادة بطل بعضها فبطل كلها كالصلاة، وقيل: لا يستأنف؛ ولا يغسل رجليه، بل يصلي؛ حكاه الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني وجهاً في مصنف له في أصول الفقه؛ وهو غريب نقلاً مختاراً دليلاً.
أى إسحاق بن راهويه في المسند: ج 1 ص 30: الحديث (98) من باب المسح على الحفين.
أما بَقِيَّة فهو بن الوليد بن صائد الكلاعي، قال ابن المبارك: كان صدوقاً، ولكن كان يكتب عمن أقبل وأدبر، وسُئل يحيى بن معين عنه فقال: إذا حدَّث عن ثقات مثل صفوان بن عمرو وغيره فاقبلوه، أما إذا حدَّث عن أولئك المجهولين فلا، ثم قال ابن حجر: وروى له مسلم حديثاً واحداً شاهداً متنه: [مَن دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ وَنَحْوه فَلْيُجِبْ]. ينظر: ترجمته في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلانى: ج 1 ص 495 - 497: الرقم (779).
(180)
لحديث صفوان بن عسَّال الذى تقدم أول الباب. تقدم في الرقم (175).