الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتظاهر بها؛ لأن مصيبة الدين أشدُّ من مصيبة الدنيا، والسجود لرؤية الكافر من باب أَوْلى فأيُّ معصية أشد من معصيته، وبه صَرَّحَ الروياني في البحر، ولو لم يرهما بل علم بوجودهما كما لو حضرا في ظلمة أو عند أعمى أو سمع صوتهما من وراء جدار، فالذي يظهر استحباب السجود أيضاً، وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي، أي تعييراً له فلعله يتوب؛ اللَّهُمَّ إلاّ أن يخاف مفسدة أو ضرراً فيخفيها كما قاله في شرح المهذب، لَا لِلْمُبْتَلَى، لئلا يتأذى به، نعم: إذا كان غير معذور كالمقطوع في السرقة أظهرها، كما قاله ابن يونس في شرحه للتعجيز، وَهِيَ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، أي المفعولة خارج الصلاة في كيفيتها وشرائطها لما سبق في تلك، وَالأَصَحُّ جَوَازُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ، أي بالإيماء بخلاف الجنازة لأنها تندر، فلا يشق النزول لها؛ ولأن حرمة الميت تقتضى النزول، واحترزت بالإيماء عما لوكان في مرقد وأتم السجود فإنه يجوز قطعاً، والأصح أن الماشي يسجد على الأرض كسجدات الصلاة، فَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةِ صَلَاةٍ جَازَ عَلَيْهَا قَطْعاً، أي بالإيماء تبعاً لها كما في سجود الصلاة، والخلاف السابق محله إذا أتى بالسجدة وحدها وهذا التفصيل لا يأتي في سجدة الشكر؛ لأنها لا تُفعل في الصلاة.
بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ
صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: النَّفْلُ لغة الزَّيَادَةُ؛ واصطلاحاً مَا عَدَا الْفَرْض، سُمِّي بذلك لزيادته عليه، قِسْمٌ لَا يُسَن جَمَاعَةً، أي لمواظبته عليه الصلاة والسلام على فعله فرادى وإن كانت الجماعة فيه جائزة من غير كراهة لحديث ابن عباس في الصحيح [أَنَّهُ تَهَجَّدَ فِي بَيْتِ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ مُقْتَدِياً بِالنبِيِّ صلى الله عليه وسلم](524)، . وَجَمَاعَةً منصوبٌ
(524) الحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: [بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِى مَيْمُونة؛ فَقَامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُصَلَّى مِنَ اللَّيْلِ؛ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ] رواه
البخاري في الصحيح: كتاب الوضوء: باب التخفيف في الوضوء: الحديث (138)، =
على التمييزِ لا الحال، فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ، أي وهي التابعة للفرائض لا المؤقتة بوقت، والحكمة في مشروعيتها تكميل ما نقص من الفرائض (525)، وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُهْرِ وَكَذَا بَعْدَهَا، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، لحديث ابن عمر، متفق عليه (526). قُلْتُ: إلاّ في حق الجامع بمزدلفة؛ فإن السُّنَّةَ ترك التنفل بعد المغرب والعشاء كما نص عليه وصح في الحديث (527)، وَقِيلَ: لَا رَاتِبَ لِلْعِشَاءِ،
وكتاب الأذان: باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام: الحديث (698) والحديث (699)، وفي كتاب الوتر: الحديث (992).
(525)
الأصل في العبادات أنها توقيفية؛ ولا محل للعقل في معرفة كنه تشريعها؛ لأنه لا إعمال للعقل فيها؛ فتأتي فرضاً أو نافلة بقصد القربة، فكلها عبادات مسنونة على جهة الوجوب أو النفل؛ وهكذا فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما النافلة بمعنى الزيادة؛ فإنه لا يراد بها إكمال نقص؛ لأنه لا نقص فيها، وإنما المراد فيها طلب زيادة ثواب بالقربة، لقوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].
وفي الحديث [أَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوْراً][البخاري: 1130]. لهذا؛ على ما يبدو لي؛ أن النوافل ليس لإكمال نقص الفرائض، لأنه لا نقص في الفرائض، وإنما هي زيادة عمل بقصد العبادة بنمط أحكامها رجاء القربة من الله عز وجل والقبول عنده. والله أعلم.
(526)
لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ [أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ. وَكاَنَ لَا يُصَلَّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلّىَ رَكْعَتَيْنِ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجمعة: الحديث (937)، وفي كتاب التهجد: باب الركعتين قبل الظهر: الحديث (1180) بلفظ: [حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ؛ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا؛ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَكَانَتْ سَاعَةً لَا يُدْخَلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا]. وفي رواية: حدثتني حفصة [أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ]. ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (87/ 723).
(527)
الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةً قَطٌ إِلَاّ لِمِيقَاتِهَا إِلَاّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ صَلَاّهُمَا بِجَمْعٍ وَصَلَاةَ الْفَجْرِ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا] رواه النسائى في السنن الصغرى: كتاب مناسك الحج: باب الوقت الذي =
لأن الركعتين بعدها يجوز أن يكونا من صلاة الليل، وروى ابن مَنْدَةَ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم فَعَلَهَا ثُمَّ قَالَ: [مَنْ صَلَّي بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكْعَاتٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ] قال ابن مندة: غريب تَفَرَّدَ به صالح ابن قطن، قُلْتُ: ولا أعلم حاله، وأما ابن الجوزي فذكره في علله من الطريق المذكورة ثم قال: وفيه مجاهيل (528). وَقِيلَ: أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، لأنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ لَا يَدَعُهَا، رواه البخاري من حديث عائشة (529).
وَقِيلَ: وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا، لقوله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّارِ]، رواه الترمذي والحاكم وصححاه (530)، وَقِيلَ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ
يُصَلَّى فيه الصبح بمزدلفة: ج 5 ص 262. وفي سنن أبي داود: الحديث (1934).
وأخرج البيهقي في المعرفة والآثار: الحديث (1645) بلفظ: [مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى صَلَاةَ قَطُّ إِلَاّ لِوَقْتِهَا إِلَاّ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ وَقْتِهَا].
(528)
* أخرجه الطبراني بسنده قال: حدثنا محمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني، حدثنا صالح بن قطن البخاري، حدثنا محمد بن عمار بن ياسر، حدثني أبي، عن جدي قال: الحديث. ينظر: المعجم الصغير للطبراني: الحديث (900) وقال: لا يروى عن عمار إلا بهذا السند، تفرد به صالح بن قطن. وفي مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج 2 ص 230: قال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة وقال: تفرد به صالح بن قطن، قلت: ولم أجد من ترجمه.
* والحديث عنِ أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: [مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً] رواه الترمذي في الجامع: الحديث (435) وقال: حديث أبيِ هريرة حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحُباب عن عمر بن أبي خَثْعَمَ. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل- البخاري يقول: عُمر بن أبي خَثْعَمَ مُنْكَرُ الحديث. وَضَعَّفَهُ جِدّاً.
(529)
عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها: [أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب
التهجد: الحديث (1182).
(530)
عن عَنْبَسَةَ بن أبي سفيان، قال: سمعت أُختي أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: سمعت =
الْعَصْرِ، للاتباع كما رواه الترمذي وحسنه (531)، وَالْجَمِيعُ سُنَّةً، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ، يعني أن الجميع سُنَّةٌ راتبة؛ وإنما الخلاف في أنها مؤكدة أم لا؟ كذلك ذكره في الروضة وشرح المهذب، فمنهم من يقول: إن الجميع مؤكد لظاهر الأدلة السالفة، ومنهم من يقول: المؤكد هو العشرة المذكورة أولاً فقط للمواظبة عليها وما ذكره المصنف، قال الرافعي: هو معنى قول المهذب وجماعة: أدنى الكمال عشرة وأتمه ثمان عشرة، وقيل: وَرَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، للاتباع كما أخرجه ابن حبان في صحيحه (532) فاستفده، ووجه مقابله قول ابن عمر: (مَا رَأَيْتُ أَحَداً
يُصَلِّيهِمَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود بإسناد حسن (533). قُلْتُ: هُمَا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّارِ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (1269). والترمذي في
الجامع: أبواب الصلاة: الحديث (428) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. والنسائي في السنن: في قيام الليل: ج 3 ص 265 - 266. والحاكم في المستدرك: كتاب صلاة التطوع: الحديث (1175/ 25) وقال: كلا الإسنادين صحيحان على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(531)
* لحديث ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [رَحِمَ الله امْرِءاً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعاً] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (1271).
والترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: الحديث (430) وقال: هذا حديث غريب حسن.
* وِلحديث علي رضي الله عنه: [كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيِ قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ باِلتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ] رواه
أبو داود في السنن: باب الصلاة قبل العصر: الحديث (1272). والترمذي في الجامع: الحديث (429) وقال: حديث علي حديث حسن.
(532)
لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ؛ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يبْتَدِرُونَ السَّوَارِىَ يُصَلُّونَ حَتَّى يَخْرُجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم -عَلَيْهِمْ؛ وَهُمْ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؛ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَىْءٌ] رواه ابن حبان في الصحيح: ينظر الإحسان بترتيب الصحيح: باب النوافل: ذكر الإباحة للمرء أن يصلي
قبل صلاة المغرب: الحديث (2480).
(533)
الحديث: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؛ فَقَالَ: [مَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى عَهْدِ =
سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الأَمْرُ بِهِمَا، هوكما قال؛ فإنه أخرج من حديث عبد الله ابن مغفل رضي الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[صَلُّواْ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ]، قال
في الثالثة: [لِمَنْ شَاءَ] كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً (534)، والمراد بالسُّنَّةِ الطريقة اللازمة لا المعنى الاصطلاحي، والجواب عن قول ابن عمر السالف أنه نفى؛ وغيرهُ اثبت؛ خصوصاً أن من أثبت أكبر عدداً ممن نفى. ومحلُّ استحبابهما بعد دخول الوقت وقبل الشروع في الإقامةِ، وإذا قلنا باستحبابهما فَلَيْسَتَا مِن المؤكدةِ، قاله الرافعي؛ وابنُ الصلاحِ خلاف ما يَقْتَضِيهِ إِيْرَادُ الْمُصَنِّفِ؛ وَفِيِهِ نَظَر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بهما وفعلهما كما تقدم، وصح أنه كان إذا عمل عملاً أثبته، وقد حكاه الأستاذ وجهاً وإن كان غريباً، وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ، للأمر بذلك كما أخرجه مسلم (535)، وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَالله أَعْلَمُ، أي فإذا أراد الأكمل صلَّى أربعاً أو أدناه صلَّى ركعتين، وقد أفردت ذلك في تصنيف مفرد فراجعه.
وَمِنْهُ، أي من السنن، الْوِتْرُ، قال ابنُ المنذرِ: لا أعلم أحداً وافق أبا حنيفة على وجوبه حتى صاحبيه؛ وهو من الرواتب أيضاً كما يفهمه كلامه، وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[اَلْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ]، رواه مسلم (536)، وقال أبو الطيب: يُكره الإيتار
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلَّيهِمَا، وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (1284).
(534)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب التهجد: باب الصلاة قبل المغرب: الحديث (1183)، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة: الحديث (7368).
(535)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ؛ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعاً] وفي لفظ: [إِذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّواْ أَرْبَعاً] وفي زيادة على هذه الرواية: [فَإِنْ عَجَّلَ بِكَ شَيْءٌ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْنِ إِذاَ رَجَعْتَ] وفي لفظ: [مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلَّياً فَلْيُصَلِّ أَرْبَعاً] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الجمعة: باب الصلاة بعد الجمعة: الحديث (67 و 68 و 69/ 881).
(536)
الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [اَلْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ] وحديث =
بها (537)، وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشَرَةَ، وَقِيلَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، لاختلاف الرواية عن عائشة في ذلك (538)، وَلَمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةِ الْفَصْلُ، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يفصل بين الشفع والوتر بالتسليم، رواه ابن حبان (539)، وَهُوَ أَفْضَلُ، من الوصل الآتي ذكره؛ بل يكره الوصل كما جزم به صاحب اللطيف، لأن أحاديث الفصل أكثر،
ابن عمر رضي الله عنهما قال: [اَلْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ] رواهما مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب صلاة الليل: الحديث (155/ 753) والحديث (153/ 752).
(537)
الوتر بركعة على الاستحباب، وهى أقل الوتر؛ ولا وجه للكراهة فيها؛ لأنها على الندبية، إلا إذا أراد الكراهة الذوقية، أو أنه يجب الزيادة، وليس مراده الكراهة الشرعية؛ وفي مثل هذا لا أجده مستساغاً بهذا اللفظ، والله أعلم.
(538)
* الرواية الأُولى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ قالت: [مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يزيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةَ: يُصَلّي أَرْبَعاً؛ فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنهِنَّ وَطُولِهِنَّ! ! ثُمَّ يُصَلَّىَ أَرْبَعاً، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولهِنَّ! ! ؛ ثُمَّ يُصَلِّ ثَلَاثاً. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَهُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي] رواه البخاري في الصحيح: كتاب التهجد: باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل: الحديث (1147). ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب صلاة الليل وعدد الركعات: الحديث (125/ 738).
* والرواية الثانية عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ قالت: [كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُوْتِرُ بِأَرْبَع وَثَلَاثٍ، وَسِتً وَثَلَاثٍ، وَثَمَانٍ وَثَلَاثٍ، وَعَشْرٍ وَثَلَاثٍ، وَلَمْ يَكُنْ يُوْتِرُ بِأَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ؛ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ عَشْرٍ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (1362) وإسناده صحيح. وعن القاسم بن محمد قال: سمعت عائشة تقول: [كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوْتِرُ بِسَجْدَةٍ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةَ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب صلاة الليل وعدد الركعات: الحديث (128/ 738).
(539)
عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: [كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ بِتَسْلِيمٍ يُسْمِعْنَاهُ] رواه ابن حبان في الإحسان: بابا الوتر: ذكر ما يستحب
للمرء رفع الصوت بالتسليم: الحديث (2425 و 2426).
كما قاله في شرح المهذب، ولأنه أكثر عملاً إذ يزيد بالسلام ثم بالتكبير والنية وغيرها، وفي صحيح ابن حبان من حديث أبى هريرة مرفوعاً [لَا تُوْتِرُواْ بِثَلَاثٍ أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَلَا تُشَبِّهُواْ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ](540) وهو صريح في كراهية وصلِ الثلاث، وَالْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرها، متفق عليه (541) وغيره من الأحايث، أي ولمن زاد الوصل أيضاً، أَوْ تشَهُّدَيْنِ فِي الآخِرَتَيْنِ، للاتباع فيهما، كما أخرجه مسلم (542)، ولا يجوز أكثر من تشهدين على الأصح لأنه خلاف المنقول، ولا يجوز الاتيان بهما في غير الأخيرتين لأنه خلاف
المنقول أيضاً.
فَرْعٌ: يستحب لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولي {سبِّح} وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثالثة ({قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} والمعوذتين لحديث حسن فيه (543).
(540) رواه ابن حبان في الإحسان: باب الوتر: ذكر الزجر عن أن يوتر بثلاث ركعات غير مفصولة: الحديث (2420).
(541)
الحديث عن عائشة رضي الله عنها، قالت:[كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوْتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَاّ آخِرَهَا] رواه مسلم
في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: الحديث (123/ 737).
(542)
لحديث سعيد بن هشام بن عامر وحكيم بن أفلح؛ قال: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِيْنِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: [كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثَهُ الله مَا شَاءَ أَنْ
يَبعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ؛ فَيَتَسَوَّكُ؛ وَيَتَوَضأ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ؛ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلاْ فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ الله وَيَحْمدُهُ وَيَدْعُوا، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ الله وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلمُ تَسْلِيْماً يُسْمِعْنَاهُ
…
] رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب جامع صلاة الليل: الحديث (139/ 746).
(543)
عن أبي بن كعب قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِبـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فإذا سلم قال: [سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رواه ابن حبان في الإحسان: باب الوتر: ذكر ما يستحب للمرء أن يُسبِّح: الحديث (2441). وعن عائشة رضي الله عنها: [كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم =
وَوَقْتُهُ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، بالإجماع، قال المحاملي في المقنع: ووقته المختار إلى نصف الليل والباقي وقت جواز، وَقِيلَ: شَرْطُ الإيْتَارِ بِرَكْعَةِ سَبْقُ نَفْلِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، ليوتر ما قبله من السنن، والأصح المنع بل يوتر ما قبله فرضاً كان أو سُنَّةً، وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[اِجْعَلُواْ آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْراً] متفق عليه (544)، وحينئذ فإن كان له تهجد أخر الوتر إلى أن يتهجد؛ وإن لم يكن له تهجد أوتر بعد فريضة العشاء، وراتبتها كذا أطلقهُ في الروضة تبعاً للرافعي عن العراقيين، وقال فِي شرح المهذب: إن لم يكن له تهجدٌ ولكن وثق باستيقاظ آخر الليل، يستحب تأخيرهُ لأحاديث صحيحة فيه (545)، فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ لَمْ يُعِدْهُ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ] رواه أبو داود وصححه ابن حبان (546).
يَقْرَأُ
…
الحديث، وفيه: و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ]: الحديث (2439).
(544)
الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
[اِجْعَلُواْ آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوتر: باب ليجعل آخر صلاته وتراً: الحديث (998). ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب صلاة الليل مثنى:
الحديث (150 و 151/ 751).
(545)
تقدم بعض منها آنفاً؛ وعن خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةٍ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: [إِنَّ الله أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ؛ الْوِتْرُ؛ جَعَلَهُ الله لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب استحباب الوتر: الحديث (1418). والترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: ما جاء في فضل الوتر: الحديث (452). وقال: حديث غربب. وصححه الحاكم في المستدرك: الحديث (1148) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، رواته مدنيون ومصريون ولم يتركاه إلا كما قدمت لتفرد التابعي عن الصحابى. ووافقه الذهبي.
(546)
الحديث عن طلق بن علي رضي الله عنه؛ صحابي مشهور. عن قيس بن طلْق؛ قَالَ: زَارَنَا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ فِي يَوْمِ رَمَضَانَ وَأمْسَى عِنْدَنَا وَأفْطَرَ، ثُمَّ قَامَ بِنَا تِلْكَ اللْيلَةَ وَأَوْتَرَ بِنَا؛ ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، حَتَّي إِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ قَدَّمَ رَجُلاً؛ فَقَالَ: أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ، فَإِنَّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:[لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ]. رواه أبو داود =
وَقِيلَ: يُشْفِعُهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُعِيدُهُ، أي يصلي ركعة حتى يصير وتره شفعاً ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانياً اقتداء بابن عمر وغيره ويسمى هذا نقض الوتر وذكر الغزالي فِي الأحياء أنه صح النهي عن نقضه (547).
فَائِدَةٌ: قال ابن حبان في صحيحه: ذكر الأمر بركعتين بعد الوتر لمن خاف أن لا يستيقظ للتهجد وهو مسافر، ثم روى من حديث ثوبان: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سَفَرِهَ فَقَالَ: [إنَّ هَذَا السَّفَرَ جُهْدٌ وَثقلٌ فَإذَا أَوْتَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ، وَإلَاّ كَانَتَا لَهُ](548).
وَيُنْدَبُ القُنُوتُ آخِرَ وِترِهِ فِي النَّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، اقتداءاً بأبي بكر رضي الله عنه (549) وَقِيلَ: كُلِّ السَّنَةِ، لإطلاق حديث الحسن: عَلَّمَنِي جَدِّي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم
في السنن: كتاب الصلاة: باب في نقض الوتر: الحديث (1439). والترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما جاء لا وتران: الحديث (470). والنسائي في السنن: في قيام الليل: باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوترين: ج 3 ص 229 - 230.
(547)
عن عَمْرو بن مُرَّةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيْدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ: [كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يُوْتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَإِذَا قَامَ نَقَضَ وِتْرَهُ ثُمَّ صَلَّى؛ وَكَانَ خَيْراً مِنَّي وَمِنْهُمَا أَبُو بَكْرٍ يُوْتِرُ أَوَّلَ اللَّيْل وَيَشْفَعُ آخِرَهُ] رواه البيهقي في السنن الكبرى: النص (4950). (وعن أبي جَمرَةَ قاَلَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ نَقْضِ الْوِتْر، قَالَ: [إِذَا أَوْتَرْتَ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَلَا تُوْتِرْ أخِرَهُ؛ وَإِذَا أَوْتَرْتَ آخِرَهُ فَلَا توْتِرْ أَوَّلَهُ]؛ وسَأَلْتُ عائذ بن عمرو وكانَ مِنْ أصحاب رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ نَقْضِ الْوِتْرِ، فَقَالَ: [إِذَا أوْتَرْتَ أَوَّلَهُ فَلَا تُوْتِر آخِرَهُ، وَإِذَا أوْتَرْتَ آخِرَهُ فَلَا تُوْتِر أَوَّلَهُ] أخرج البخاري حديث عائذ في الصحيح) أخرجه البيهقي بسنده في السنن الكبرى: الأثر (4951). وحديث عائذ أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب المغازي: الحديث (4176).
(548)
عن ثوبان قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَر فَقَالَ: [إِنَّ هَذَا السَّفَرَ جُهْدٌ وَثقلٌ فَإِذَا أَوْتَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فَإنِ يَسْتَيْقظْ، وإِلا كَانَتَا لَهُ] رواه ابن حبان في الإحسان: فصل قيام الليل: ذكر الأمر بركعتين كما قال ابن الملقن رحمه الله: الحديث (2568).
(549)
أخرج البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب من قال لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان: الأثر (4734 وما بعده) عن أصحاب رسول لله صلى الله عليه وسلم =
كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ- أي في قنوت الوتر-: [اللَّهُمَّ اهْدِني فِيْمَنْ هَدَيْتَ
…
إلى آخره] كما تقدم في قنوت الصبح، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين (550)، وهذا الوجه قوي مختار، وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ، في لفظه ومحله والجهر به واقتضاء السجود بتركه ورفع اليد وغيره، وَيَقُولُ قَبْلَهُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ
…
إِلَى آخِرِهِ، أي وَنَسْتَهْدِيكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ إِنَّ عَذَابَكَ الْجَدَّ بِالْكُفّارِ مُلْحَقٌ، هذا ما ذكره في الْمُحَرَّرِ ورواه البيهقي بنحوه (551) وزاد في أصل الروضة، والرافعي
أن أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ أَمَّهُمْ يعني في رمضان وكان يقنت في النصف الأخير من رمضان، وفي الباب عن علي وابن عمر وأبى حليمة معاذ القارئ رضي الله عنهم جميعاً.
(550)
ينظر الرقم (310).
(551)
* عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ؛ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا
وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِم، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِيْنَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبيْلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ وَزَلْزلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِيْنَ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِيْنُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ، وَلَا نَكْفُرُكَ،
وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلَّي وَنَسْجُدُ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ الْجَدَّ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِيْنَ مُلْحَقٌ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب دعاء القنوت: الأثر (3227).
* وعن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه صَلَاةَ الصُّبْحِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ: (اللَّهُمَّ إياكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِيَّاكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِيْنَ مُلْحَقٌ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ وَلَا نَكْفُرُكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْضَعُ لَكَ وَنَخْلَعُ مَنْ يَكْفُرُكَ): الأثر (3228)، وقال: إسناده صحيح.
نقله عن أصحاب القاضي أبي الطيب وغيره: اللَّهُمَّ رَبِّ عَذِّبِ الْكَفَرَةَ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيِلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيْمَانَ وَالْحِكْمَةَ وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِكَ وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يُوفُواْ بِعَهْدِكَ الَّذِي عَاهَدْتَّهُمْ عَلَيْهِ وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ إِلَهَ الْحَقِّ وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ، قال في الروضة: ينبغي أن نقول: اَللَّهُمَّ عَذِّبِ الْكَفَرَةَ للحاجة إلى التعميم في أزماننا، وأشار بذلك إلى إدخال التتار فإنهم كانوا قد استولوا في زمانه على كثير من أقاليم المسلمين وكانوا إذ ذاك كفاراً لا كتاب لهم، وقال ابن القاضي: يزيدُ في القنوت: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}
…
إلى آخر السورة (552)، واستحسنه الروياني واستغربه المصنف في شرح المهذب وضعفه بأن المشهور كراهة القراءة في غير القيام.
قُلْتُ: الأَصَحُّ بَعْدَهُ، لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان تقديمه أولى، وما ذكره المصنف من استحباب الجمع بين القنوتين شرطه أن يكون منفرداً أو أمام قوم محصورين وإلا فيقتصر على قنوت الحسن، قاله الأصحاب.
فَائِدَةٌ: في ابن ماجة عن أبي الحسن الطنافسي: قُلْتُ لوكيع: اَقْنُتُ في الوتر بحديث ابن عباس: [رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، ربِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّاراً، لَكَ ذَكَّاراً، لَكَ رَهَّاباً، لَكَ مِطْوَاعاً، لَكَ مُخْبِتاً، إِلَيْكَ أَوَّاهاً مُنِيْباً، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاهْدِ
قَلْبِي وَاسْلُلْ سَحِيْمَةَ صَدْرِي] قال: نَعَمْ، هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة واللفظ للترمذي وقال: حسن صحيح (553).
وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي الْوِتْرِ عَقِبَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ، لنقل الخلف ذلك عن السلف، وأشار بقوله (عَقِبَ) إلى أنه لو كان له تهجد، أنه لا يوتر معهم وبه صرح في شرح المهذب، وأما وتر غير رمضان فلا يُستحب فيه الجماعة على الأصح كغيره من السنن، واقتضى كلام المصنف أنه إذا صلى التراويح فرادى لا يستحب له الجماعة في الوتر، وليس كذلك بل استحبابها فيه دائر مع استحبابها في التراويح كما ذكره في الروضة تبعاً للرافعي لا مع فعلها فيها، وَمِنْهُ، أى ومن القسم الذي لا يُسَنُّ جماعة، الضُّحَى وَأَقَلْهَا رَكْعَتَانِ، لحديث أبي هريرة:[أوْصَانِي خَلِيْلِي بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوْتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ] متفق عليه (554)، وفي كتاب العقيلي بإسناد ضعيف عن ابن مسعود [مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ [مِنْ] رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِيْهَا، بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ] (555) وروى الحاكم؛ أبو عبد الله في مصنفه في الضحى حديثاً أنه
(553) رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (1510). والترمذي في الجامع: كتاب الدعوات: الحديث (3551) واللفظ له؛ وقد ضبطناه على أصله في الجامع.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في السنن الكبرى: عمل اليوم والليلة: الحديث (10443/ 4). وابن ماجه في السنن: كتاب الدعاء: الحديث (3830). (ولفظه عند ابن عباس: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: الحديث).
(554)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الصوم: باب صيام البِيض: الحديث (1981). وفي كتاب التهجد: باب صلاة الضحى: الحديث (1178) بلفظ مقارب. ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب استحباب صلاة الضحى: الحديث (85/ 721).
وفي الباب عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
(555)
هو كما قال: وأخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود أَنَّهُ قال: [مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ
بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. رواه الترمذي في الجامع: كتاب =
[يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُوْلَى مِنْهُمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ وَالضُّحَى] وفيه مناسبة وإن كان الحديث ضعيفاً (556).
وَأَكْثَرُهَا ثْنَتَا عَشْرَةَ، ركعة لحديث [مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكعَةً بَنَى اللهُ لَهُ قَصْراً فِي الْجَنَّةِ مِنْ ذَهَبٍ] رواه الترمذي واستغربه، وأما ابن السكن فصححه (557)،
أبواب الصلاة: باب ما جاء في الركعتين بعد المغرب: الحديث (431) وقال: وفي الباب عن ابن عُمَرَ- قلت: وقد رواه في الحديث (417) وإسناده حسن- وقال: حديث ابن مسعود حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن معدان عن عاصم. قلت: عبد الملك بن الوليد بن معدان: نسب هنا إلى جده، ضعفه أبو حاتم، وقال البخاري:(فيه نظر)، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عَدي: روى أحاديث لا يتابع عليها؛ له ترجمه في تهذيب التهذيب: الرقم (4350).
(556)
مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيْحَةِ فِي اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى:
• أخرج مسلم: أن زيد بن الأرقم رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُواْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ؛ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [صَلَاةُ الأَوَّابيْنَ حِيْنَ تَرْمَضُ الْفَصْلُ] وتَرْمَضُ أَيْ تُحْرِقُ، وَالْفَصْلُ صِغَارُ الإِبِلِ، والمراد: حِيْنَ تَحْتَرِقُ أَخْفَافُ الْفِصَالِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الرَّمْلِ. وَالأَوَّابُ: الْمُطِيْعُ. رواه مسلم في الصحيح: الحديث (143/ 748).
• عن أبى هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لَا يُحَافِظُ عَلَى صَلَاةِ الضَّحَى إِلَاّ أَوَّابٌ] قال: وهي صلاة الأوابين. رواه الحاكم في المستدرك: الحديث (1182/ 32) وقال: صحيح على شرط مسلم.
• لحديث أبى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سلامي مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبيْحَةٍ صَدَقَةٌ؛ وَكُلُّّ تَحْمِيْدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيْلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيْرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالْمَعْرُوْفِ صَدَقَةٌ؛ وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ؛ يُجْزِئُ مِنْ ذَلَكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى] رواه مسلم في الصحيح: الحديث (84/ 720).
(557)
• رواه الترمذي في الجامع: كتاب أبواب الصَّلاة: باب ما جاء في صلاة الضحى: الحديث (473) عن أنس؛ وفي النسخة المطبوعة: أثبت الشيخ أحمد محمد شاكر لفظ: [مِنْ ذَهَبِ فِي الْجَنَّةِ]. وأثبتنا ما أثبته ابن الملقن رحمه الله. ولقد أشار الشيخ رحمه الله في تعليقه إلى نسخة (هـ، و، ك) بلفظ: [قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ مِنْ =
ونقل في شرح المهذب عن الأكثرين أن أكثرها ثمان وما جزم به هنا هو قول الروياني (558).
وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ، أي للداخل فيه القاصد للجلوس لقوله صلى الله عليه وسلم: [إِذَا
دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ] متفق عليه (559)، ويستثنى من ذلك الخطب عند صعوده المنبر على الأصح، ويُكره إذا دخل والإمام في مكتوبة أو والصلاة تقام أو قربت إقامتها، وكذا إذا دخل المسجد الحرام أو خاف فوات سُنَّة راتبة كما في نظرهِ من الطواف، ولو صلى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة جاز، وكانت كلها تحية، نقله في شرح المهذب عن الأصحاب، والظاهر أنه لو أحرم بهما قائماً ثم أراد القعود لإتمامهما جاز، وإن الداخل زحفًا يؤمر
ذَهَبٍ] كما هو في كتب ابن الملقن. قال الترمذي: حديث أنس حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والغريب نوع من أنواع الضعيف.
• عن أُمِّ حَبِيْبَةَ رضى الله عنها؛ قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَتَي عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ فَرِيْضَةٍ، إِلَاّ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أو إلَاّ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ] رواه مسلم في الصحيح؛ كتاب صلاة المسافرين: باب فضل السنن: الحديث (101 و 102 و 103/ 728).
(558)
لحديث أُمِّ هانيء بنت عبد المطلب رضى الله عنها؛ [أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صلى الله عليه وسلم
يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب صلاة الضحى: الحديث (1290) وإسناده على شرط مسلم إلا أن فيه عياض بن عبد الله، فيه نظر مع أن مسلم أخرج له. ورواه ابن حبان في الإحسان: فصل في صلاة الضحى: الحديث (2529). وأخرج عن عائشة رضى الله عنها؛ قالت: [دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتِي، فَصَلَّى الضُّحَى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ] رواه ابن حبان في الإحسان: الحديث (2522) وعن أنس أخرج أحمد في المسند: ج 3 ص 146 و 156. والحاكم في المستدرك: الحديث (1183).
(559)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب التهجد: باب ما جاء في التطوع: الحديث (1163)،
وفي كتاب الصلاة: الحديث (444) بلفظ مقارب. ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب استحباب تحية المسجد: الحديث (69/ 714).
بالتحية (560)، وأنه لو دخل وسمع آية سجدة أو انتهى إليها وسجدها فاتت التحية.
فَائِدَةٌ: التحيات أربع: تحية المسجد بالصلاة، والبيت بالطواف، والحرم بالإحرام، ومنى بالرمي، قُلْتُ: وتحيَّةُ اللقاء بالسلام.
وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ، أي وإن لم ينوها معه لأن المقصود بالتحية أن لا تُنْتَهَكَ حرمة المسجد بالجلوس بغير صلاة وقد حصل ذلك، لَا بِرَكْعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، للحديث السالف، والثاني: تحصل بها لحصول الإكرام. قُلْتُ: وَكَذَا الْجَنَازَةُ، وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، أي لا تحصل التحية بها على الصحيح لما ذكرناه في الركعة، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّوِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ فِي الأَصَحِّ، وَالله أَعْلَمُ، لتجدد السبب، والثاني: لا؛ للمشقة، فإن طال الفصل تكرر الأمر بهما قطعًا لزوال المشقة، وهذا بخلاف نظير إحرام الْحَطَّابِيْنَ وغيرهم كما سيأتى، وما سبق في سجدة التلاوة، وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ، لأنهما تابعان له، نعم؛ الاختيار تقديم المقدمة، وَلَوْ فَاتَ النَّفْلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الأَظْهَرِ، للاتباع في قضاء سُنَّةِ الظهر
والفجر فيقضى أبدًا (561)، وقيل: مؤقتاً، والثاني: لا يقضى كغير المؤقت، والثالث:
(560) لحديث أبى قتادة؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [أُعْطُواْ الْمَسَاجِدَ حَقِّهَا] قِيْلَ: وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: [رَكْعَتَان قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ] رواه ابن أبى شيبة في المصنف: الرقم (3422). ثم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: [فَقُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ] الرقم (4323). ورواه ابن
حبان في الإحسان: باب ما جاء في الطاعات: الحديث (362).
(561)
• أَمَّا قَضَاءُ سُنَّةِ الظُّهْرِ، فلحديث أُمِّ سَلَمَةَ رضى الله عنها؛ [أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عَنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، شَغَلَهُ عَنهُمَا نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ] رواه البخاري بقصته في الصحيح: كتاب السهو: الحديث (1233)، وفي كتاب المغازي: الحديث (4370). ومسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب معرفة الركعتين: الحديث (297/ 834).
• أَمَّا قَضَاءُ سُنَّةِ الْفَجْرِ؛ فلحديث أبى هريرة رضي الله عنه؛ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [مَنْ =
يقضى ما استقل كالعيد والضحى، دون الرواتب، واحترز بالمؤقتة عما يفعل لسبب عارض كالكسوف وتحية المسجد فلا مدخل للقضاء فيه، ووقع في الروضة تبعًا للرافعي: عَدُّ الاستسقاء من ذلك وليس يجيد، لأنها لا تفوت بالسقيا، كما ستعرفه في بابه.
وَقِسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةً كَالْعِيدِ؛ وَالْكُسُوفِ؛ وَالاِسْتِسْقَاءِ، لما ستعلمه في أبوابها، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً، لتأكدها بمشروعية الجماعة فيها، لَكِنِ الأَصَحُّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ، لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها دون التراويح، كما قاله الرافعي، والثاني: أن التراويح أفضل منها إذا قلنا الجماعة تُسَنُّ فيها، كما سيأتي لشبهها بالعيد حينئذ، أما إذا قلنا الانفراد أفضل، فالراتبة أفضل منها قطعًا، وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ، بإجماع الصحابة كما نقله صاحب الشامل، وإنما صلاّها صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فرادى لخشية الافتراض، أى لخشية تَوَهُّمِهِ، وقد زال ذلك المعني، ونقله البيهقي في كتاب فضائل الأوقات عن أكثر الصحابة أيضًا، قال: وفي حديث أبى ذر
مرفوعًا: [إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَتْ لَهُ بَقِيَّةُ لَيْلَتِهِ](562) وكان عليٌّ رضي الله عنه يجعل للرجال إمامًا، وللنساء إمامًا، وجعل عرفجة الثقفي إمام النساء (563)،
لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّيْهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ] رواه الترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: الحديث (423) وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد روى عن ابن عمر أنه فعله، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم. وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال: ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث عن هَمَّام بهذا الإسناد نحو هذا إلا عَمْرو بن عاصم الكِلَابِيَّ. إهـ.
قُلْتُ: هو ثقة حافظ، فانفراده بالرواية لا يضر. له ترجمة في تهذيب التهذيب: الرقم (5223) وليس عليه مَطْعَنٌ. ورواه الحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (1015/ 342) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وواففه الذهبي.
(562)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب من زعم أنها بالجماعة أفضل: الحديث (4714).
(563)
عَنْ عَرْفَجَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ بِنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَأْمُرُ النَّاسَ بِقِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، =
والثاني: أن الانفراد فيها أفضل كسائر النوافل، والثالث: إن كان حافظاً للقرآن، آمناً من الكسل، ولم تختلْ الجماعة بتخلفه، فالانفراد أفضل وإلا فالجماعة، وعَبَّرَ في البحر عن الشرط الثاني بقوله: وأن يصلي في بيته أطول من صلاة الإمام، ونقل ابن عبد البر عن الشافعي: أن الانفراد في البيت أفضل، وعن المزني وغيره: أن الجماعة فيها في المسجد أفضل، ونقل الترمذي عن الشافعي أخباراً: أن يصلي وحده إذا كان قارئاً، وتبعه البغوي، وهذه المسألة أصل الأُولى، كما عرفته فلو قدمها كان أحسن،
واعلم: أن المصنف رحمه الله لم يتعرض لأصل استحباب التراويح، ولا لكيفيتها، ولا لوقتها وكل ذلك موضح في الأصل، فراجعه. ومما لم أذكره فيه ما حكاه الروياني عن القديم: أنه لا حصر للتراويح، وهو غريب، وقال في الحلية: أقلها عشرون ركعة، وقال أبو الحسن الجوزي: عدد الركعات في شهر رمضان لا حد له عند الشافعي، وقال البيهقي في كتابه فضائل الأوقات: ذكر ما روى في عدد ركعات القيام في شهر رمضان: في عهد عمر رضي الله عنه وبعده، ثم روى من طريق مالك عن
السَّائِبِ بْنِ يَزِيْدٍ: [أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أُبَيّاً وَتَمِيْماً الدَّارِيَّ بِأَنْ يَقُوْمَا بِإحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِيْنَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُوْلِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَاّ فِي بُزُوْغ الْفَجْرِ] قال البيهقي: كذا في هذه الرواية (564)، وهي موافقة لرواية عائشة رضي الله عنها في عدد قيامه في شهر رمضان وفي غيره [وَكَأَنَّ عُمَرَ أمَرَ بِهَذَا الْعَدَدِ زَمَاناً ثُمَّ كَانُواْ يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِهِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَكَانُواْ يَقْرَءُونَ بِالْمِئِيْنِ، وَكَانُواْ يَتَوَكَّوُنَ عَلَى عِصِيِّهِمْ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ مِنْ شِدَّةِ الْقِيَامِ] رواه السائب
ابن يزيد أيضاً (565)، ورواه يزيد بن رَوْمَانَ عن عمر مرسلاً، وروينا عن شُتَيْرِ بنِ شَكَل وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ [كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَيُصَلِّيَ
وَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إِمَامًا، وَللنِّسَاءِ إِمَامًا، قال عرفجة: فَكُنْتُ أَنَا إِمَامَ النِّسَاءِ. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: باب قيام شهر رمضان: الأثر (4710).
(564)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: الأثر (4721).
(565)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الصلاة: الأثر (4722).
خَمْسَ تَرْوِيْحَاتِ عِشْرِيْنَ رَكْعَةً] (566)، وروينا عن أبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ:[دَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رضي الله عنه بِثَلَاثِ قُرَّاءٍ، فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَأَمَرَ أَسْرَعَهُمْ قِرَاءَةً أَنْ يَقْرَأَ لِلنَّاسِ فِي رَمَضَانَ ثَلَاثِيْنَ آيَةً، وَأَمَرَ أَوْسَطَهُمْ أَنْ يَقْرَأَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَأَمَرَ أَبْطَأَهُمْ أَنْ يَقْرَأَ عِشْرِيْنَ آيةً](567)، وروى مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج أَنَّهُ [كَانَ الْقَارِئُ يَقُومُ بِسُوْرَةِ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي اثْنَتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ](568).
وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ، أى لا لأعداده، ولا لعدد ركعات الواحدة منه فالصلاة خير موضوع، فمن شاء استقل ومن شاء استكثر، فإن نوى ركعة أو أكثر جاز، وإن لم ينوِ شيئًا صح، وصلى ما شاء على الأصح، فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، كما في الفرائض الرباعية، وكذا في كل ثلاث وكل أربع، قاله في التحقيق، ولوكان العدد وتراً فلا بد من التشهد أخراً، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لأن له أن يصلي ركعه ويتحلل منها، وإذا جاز له ذلك جاز له القيام إلى أخرى. قُلْتُ: الصَّحِيحُ مَنعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأنا لا نجد في الفرائض صلاة على هذه الصورة.
فَرْعٌ: إذا صلى بتشهد واحد قرأ السورة في الركعات كلها، وإن صلى بتشهدين ففى القراءة فيما بعد التشهد الأول القولان في الفرائض.
وِإذَا نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ بِشَرْطِ تَغَيِرَ النَّيِّةِ قَبْلَهُمَا، أي قبل الزيادة والنقصان لأنه لا حصر للنفل المطلق كما سلف، وكذا لو نوى ركعة فله أن يزيد بهذا الشرط ولا يدخل في كلامه، لأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ مِنَ الْعَدَدِ وَإِنَّمَا هُوَ مَبْدَؤُهُ، وَإِلَاّ، أي وإن لم يغير النية قبلهما، فَتَبْطُلُ، لأن الذي أحدثه لم تشمله نيته، فَلَوْ
(566) رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (4724) والمرسل الأثر (4723).
(567)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: باب قدر قراءتهم في قيام شهر رمضان: الأثر (4729) وقال: وهكذا رواه الثوري عن عاصم.
(568)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: باب قدر قراءتهم في قيام شهر رمضان: الأثر (4730)
نَوَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إِلَى ثَالِثَةِ سَهْوًا فَالأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إِنْ شَاءَ، أي إن يشأ الزيادة لأن القيام إليها لم يكن معتدًا به فأشبه القاصر إذا قام سهوًا، ثم نوى الإتمام فإنه يلزمه القعود على الصحيح، ثم يسجد للسهو في آخر صلاته، والثاني: لا يحتاج إلى القعود؛ لأن القيام في النافلة ليس بشرط.
قُلْتُ: نَفْلُ اللَّيْلِ، أي المطلق، أَفْضَلُ، من نفل النهار المطلق لقوله صلى الله عليه وسلم: [أفْضَلُ
الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيْضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ] رواه مسلم (569) وفيه أيضًا [أَنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهُ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلَاّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ](570) ولأن الليل محل الغفلة، وَأَوْسَطُهُ أفْضَلُ، إذا قسمه أثلاثًا؛ لأن الغفلة فيه أكثر وأفضل منه السدس الرابع والخامس، ثبت في الصحيحين في حق داود (571) ولأن النوم فيه على التهجد أكثر مما سبق فيكون أنشط له، ثُمَّ آخِرُهُ، أى أفضل من الثلث الأول ومن النصف الأول أيضًا؛ لأن الله تعالى حَثَّ على الاستغفار بالأسحار
(569) عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحْرِّمُ؛ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيْضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصيام: باب فضل صوم محرم: الحديث (202/ 1163). وأبو داود في السنن:
الحديث (2429). وروى الترمذي في الجامع شطرًا منه: الحديث (740) وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن.
(570)
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ يرفعه قال: سُئِلَ! أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوْبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: [أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوْبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ] رواه مسلم في الصحيح: كتاب الصيام: الحديث (203/ 1163).
(571)
عن عبد اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [أحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السلام؛ وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ؛ كَانَ يَنَامُ
نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وُيُفْطِرُ يَوْمًا] رواه البخاري في الصحيح: كتاب التهجد: باب من نام عن السحر: الحديث (1131). ومسلم في الصحيح: كتاب الصيام: الحديث (189/ 1159).
فهو محل الرحمة والمغفرة ولهذا قال تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} (572) وسببه أن أهل المعاصي تنتهى معصيتهم غالباً قبل السحر، وَأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، أي ليلاً كان أو نهارًا لقوله صلى الله عليه وسلم:[صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَّى مَثْنَّى] صححه البخاري وابن حبان وغيرهما (573).
وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ، بالإجماع واستنبط أبو الوليد النيسابوري من قوله تعالى: {وَمِنْ
(572) القمر / 34، ولحديث أبي هريرة وأبي سعيد رضى الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[إِنَّ الله عز وجل يُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِىَ شَطْرُ اللَّيْلٍ الأَوَّلَ ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِى يَقُولُ: هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَحَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ ]
رواه النسائي في السنن الكبرى: كتاب عمل اليوم والليلة: الحديث (10316). قال ابن الملقن في التحفة: قال القرطبي في شرح الأسماء: صححه عبد الحق.
(573)
• رواه أبوداود في السنن: كتاب الصلاة: باب في صلاة النهار: الحديث (1295).
والترمذي في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى: الحديث (597) وقال: اختلف أصحابُ شعبة في حديث ابن عمر: فرفعه بعضهم وأوقفه بعضهم. والنسائي في السنن: كتاب قيام الليل: باب كيف صلاة الليل: ج 3 ص 227؛ وقال: هذا حديث عندي خَطَأَ والله أعلم.
• قُلْتُ: والحديث ليس خطأً. أخرج البيهقي بسنده إلى عمد بن سليمان بن فارس؛ قال: سُئِلَ أَبُّو عَبْدِ الله- يعني البخاري- عَنْ حَدِيثِ يَعْلَى، أَصَحِيْحٌ هُوَ؛ فَقَالَ: نَعَمْ، قال أبو عبد الله: وقال سعيد بن جبير: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُصَلِّى أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ إِلَاّ المَكْتُوبَةَ. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي: كتاب الصلاة: باب صلاة الليل والنهار مثنى: الأثر (4679)؛ وأخرجه بأسانيد عديدة صحاح.
• ثم قُلْتُ: وله قرينة تعضده من حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى؛ تَشْهَدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَخْشَعُ؛ وَتَضَرَّعُ؛ وَتَذَرَّعُ- رَفْعُ الذِّرَاعَيْنِ-؛ وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ؛ يَقُولُ: تَرْفَعُهُمَا إِلَى رَبِّكَ، مُسْتَقْبِلاً بِبُطُونِهِمَا وَجْهَكَ؛ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ؛ يَا رَبِّ؛ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ كَذَا وَكَذَا] ولفظ ابن المبارك [وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ] رواه الترمذي: الحديث (385) وإسناده صحيح. وإطلاق الصلاة مثنى مثنى من غير قيد يفيد العموم وشمول الليل والنهار. والله أعلم.
اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (574) أن المتهجدَ يشفعُ في أهل بيته، والْهُجُودُ لُغَةً: النَّوْمُ؛ واصطلاحاً: صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ، وقال الماوردى: هو من الأضداد؛ يقال: تَهَجَّدَ؛ إِذَا سَهِرَ؛ وَتَهَجَّدَ؛ إِذَا نَامَ.
وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِماً؛ لأنَّه مضر للعين ولسائر البدن كما قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عمر: [وَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً] الحديث في الصحيحين (575) وهو ظاهر ممن يجد به مشقة يخشى بسببها محذوراً وإلا فهو مستحب لاسيما التلذذ بمناجاة ربه، ومن يشق عليه ولا يخاف به محذوراً لم يكره له ورفقه بنفسه أولى (576)، واحترز بقوله (دَائِماً) عن إحياء بعض الليالي كالعشر الأخير وليلتي العيد، وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ
(574) الإسراء / 79. قال الراغب في المفردات: الْهُجُودُ: النَّوْمُ. وَالْهَاجِدُ: النَّائِمُ. وَهَجَّدْتُهُ؛ فَتَهَجَّدَ: أَزَلْتُ هُجُودَهُ، نَحْوَ حَرَّضْتُهُ. ومعناه: أَيْقَظْتُهُ فَتَيَقَّظَ؛ وقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} أي تَيَقَّظْ بالْقُرْآنِ. وَذَلِكَ حَثٌّ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ. وَالْمُتَهَجِّدُ: الْمُصَلِّي لَيْلاً. إ. هـ. وفي قول الحجاج بن عمرو رضي الله عنه: (بِحَسْبِ أَحَدِكُمْ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلَّي حَتَّى يُصْبِحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ. إِنَّمَا التَّهَجُّدُ الْمَرْءُ يُصَلَّي الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ ثُمَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقدِهِ. وَتِلْكَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) رواه الطّبرانيّ في المعجم الكبير: ج 3 ص 225: النص (3216) وإسناده فيه نظر. ولكنه من حيث الدلالة على معنى التهجد يحتج به في اللغة أو تقرير المصطلح، لأنَّه ينقل مفهومًا عند القوم واصطلاحاً لهم.
(575)
عن عبد الله بن عَمرو رضي الله عنه قال؛ قال لِي رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يَا عَبدَاللهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنْكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ ] فَقُلتُ: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: [فَلَا تَفْعَل! صُمْ وَأفْطِر، وَقُمْ وَنَمْ، فَإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنْ لِعَيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنْ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً؛ وَإِنْ لِزَوَرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً] رواه البُخاريّ في الصَّحيح: كُتاب الصوم: الحديث (1975). ومسلم في الصَّحيح: كتاب الصيام: الحديث (193/ 1159).
(576)
قُلْتُ: الأولى أتباع إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمر رضى الله عنهما؛ وليس في دلاله النص ما يشير إلى العلة، وإنَّما هي مناطات أحكام تنظيم حياة الإنسان في العيش بأنماط العبادة والمعاملات، والتأهيل بإمكانات الجسد وحسن العلاقات؛ والله أعلم.
الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ، للنهي عنه كما أخرجه مسلم (577)، وَتَرْكُ تَهَجُّدِ اِعْتَادَهُ، وَالله أَعْلَمُ، لقوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو رضي الله عنهما [لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْل ثُمَّ تَرَكَهُ] متفق عليه (578).
(577) عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لَا تَخْتَصُّواْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخْتَصُّواْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامِ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ] رواه مسلم في الصَّحيح: كتاب الصيام: الحديث (148/ 1144).
والحاكم في المستدرك: كتاب صلاة التطوع: الحديث (1172/ 22) بلفظ: [لَا تَخُصُّواْ] وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبى.
(578)
رواه البخاري في الصَّحيح: كتاب التهجد: الحديث (1152) بلفظ: [وَلَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانِ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ]. ومسلم في الصَّحيح: كتاب الصيام: الحديث (185/ 1159).