المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب سجود التلاوة والشكر - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيْقِ

- ‌أولًا: أهمِّيَّةُ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ

- ‌1 - فِي بَيَانِ فَضْلِ دِرَاسَةِ الْفِقْهِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةَ الْفِقْهِ يُحَتِّمُهَا الإِيْمَانُ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ أَنَّ دِرَاسَةِ الْفِقهِ يُحَتِّمُهَا الْعَمَلُ:

- ‌ثَانِيًا: أَهَمِّيَّةُ كِتَابُ (عُجَالَةُ المُحْتَاجِ إِلَى تَوْجِيهِ المِنْهَاجِ)

- ‌1 - فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ الكِتَابِ:

- ‌2 - نَبْذَةٌ عَنْ كِتَابِ (مِنْهَاجُ الطَّالِبِيْنَ):

- ‌3 - فِي بَيَانِ عَمَلِي فِي الْكِتَابِ:

- ‌ثَالِثاً: فِي بَيَانِ أحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ الْفَقِيْهِ

- ‌1 - فِي بَيَانِ الاِسْمِ وَالنَّسَبِ:

- ‌2 - فِي بَيَانِ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ:

- ‌3 - فِي بَيَانِ شُيُوخِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ:

- ‌4 - فِي بَيَانِ أَحْوَالِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ مَعَ الْحَيَاةِ:

- ‌5 - فِي بَيَانِ آرَاءِ الْعُلَمَاءِ فِي ابْنِ المُلَقِّنِ:

- ‌6 - فِي بَيَانِ مَنْهَجِ ابْنِ الْمُلَقَّنِ فِي الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ:

- ‌خُطْبَةُ الإِمَامِ النَّوَوِيِّ

- ‌شَرْحُ غرِيبِ الْخُطْبَةِ

- ‌كِتَابُ الطَهَارَةِ

- ‌ باب المياه والاجتهاد والأوانى

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الحَدَثِ

- ‌بَابُ الوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الخُفِّ

- ‌بَابُ الغُسْلِ

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بِابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيْدَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ تَارِكِ الصّلَاةِ

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْحَيْوَانِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ

- ‌بَابُ مَن تلزَمُهُ الزكاةُ وَمَا تجِبُ فيهِ

الفصل: ‌باب سجود التلاوة والشكر

وإن قصر، فَلَا عَلَى النَّصِّ، لأنهُ عليه الصلاة والسلام [صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ] ، متفق عليه (502)، وقيل: نعم؛ لأن السلام وجد في وقته وهو فرض فلا يعود إلى سُنَّةٌ، وِإذَا سَجَدَ، أي هنا أو في طول الفصل على القديم، صَارَ عَائِدًا إِلَى الصَّلاةِ فِي الأَصَحِّ؛ لأن محل السجود قبل السلام، والثاني: لا؛ لأن التحلل حصل بالسلام بدليل أنَّه لا تجب اعادته.

وَلَوْ سَهَا إِمَامُ الْجُمُعَةِ وَسَجَدُواْ فَبَانَ فَوْتُهَا أَتَمُّواْ ظُهْرًا، لما سيأتي في بابه، وَسَجَدُوا؛ لأن محله آخر الصلاة، وقد تبيَّن أنَّ الْمَأْتِيَّ به ليس في آخرها، وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ سَجَدَ فِي الأَصَحِّ، لأنه زاد سجدتين سهوًا، والثاني: لا، لأن سجود السهو يجبر كل خلل في الصلاة فيجبر نفسه كما يجبر غيره، وصار كالشاة من أربعين تزكي نفسها وغيرها.

‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

بَابٌ: أي باب سجود التلاوة والشكر، تُسَنُّ سَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ: أما مطلوبيتها فإجماع، وأما عدم الوجوب فلقول عمر:(إِنَّ الله لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ)(503)، ولا يقوم الركوع مقام هذه السجدة عندنا خلافًا للخطابي، وَهُنَّ فِي الْجَدِيدِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ: مِنْهَا سَجْدَتَا (اَلْحَجَّ)، لحديث عمرو بن العاص أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم[أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ

(502) تقدم لها الرقم (373).

(503)

عن ربيعة بن عبد الله قال: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرأَ بِهَا؛ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ؛ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَد أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رضي الله عنه. وزاد نافع عن ابن عمر رضي الله عنه:[إِنَّ الله لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب سجود القرآن: باب من رأى أن الله لم يوجب السجود: الحديث (1077).

ص: 263

سَجْدَتَانِ]، رواه أبو داود والحاكم (504) وعدها في الحديث خمس عشر لأجل {ص} فإن السجود مشروع لها بالشرط الآتي، ومواضع السجدات معروف (505)؛ واختلف في ثلاثة منها كما ذكرته في الشَّرْحِ، وأهملتُ رابعًا وهو ما ذكره ابن التين في شرح البخاري أن سجدة في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (506) هي عند قوله: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ

(504) رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب تفريع أبواب السجود: الحديث (1401).

والحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (811/ 138) وقال: هذا حديث رواته مصريون قد احتج الشيخان بأكثرهم وليس في عدد سجود القرآن أتم منه ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.

(505)

1. الأعراف / 206: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ

يَسْجُدُونَ}. 2. والرعد / 18: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}. 3. والنحل / 49 - 50: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ، يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}. 4. والإسراء / 107: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدً}.5. ومريم / 58: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}. 6. والحج / 18: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ

يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. 7. والحج / 77: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. 8. والفرقان / 60: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}. 9. والنمل / 25 - 26: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}.10. والسجدة / 15: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.11. وفصلت / 37: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. 12. والنجم / 62: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُو}. 13. والإنشقاق / 21: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}. 14. والعلق / 19 {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}.

(506)

الانشقاق / 1.

ص: 264

الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (507) أواخر السورة، وحكاه ابن الحاجب في مختصره أَيضًا فقال: والانشقاق آخرها، وقيل:{لَا يَسْجُدُونَ} وزاد موضعًا خامسًا فقال {ص} و {أناب} (508)، وقيل:{مئاب} (509)، وعن النقاش أن عند أبي حنيفة ويَمان بن رِئاب سجدة عند قوله:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} (510) وهذا غريب وقد حكاه القرطبي أَيضًا (511)، والقديم أنها إحدى عشرة بإسقاط سجدات المفصل لحديث فيه ضعيف (512)، لَا {ص} ، بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ، أي لله تعالى على قبول توبة داود عليه السلام، لحديث ابن عباس [سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا] رواه النسائي (513)، ويقوي إرساله بقول رَاوِيْهِ في البخاري (514).

تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ؛ لأنهُ عليه الصلاة والسلام سَجَدَهَا مَرَّةً عَلَى الْمِنْبَرِ

(507) الانشقاق / 21.

(508)

ص / 24. قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}.

(509)

ص / 25. قوله تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}.

(510)

الحجر / 98.

(511)

الجامع لأحكام القرآن للقرطبى: ج 10 ص 63.

(512)

هو حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: [لَمْ يَسْجُدْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ بَعْدَمَا تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ] وفي لفظ: [سَجَدَ فِي النَّجْمِ وَهُوَ

بِمَكَّةَ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ترَكَهَا] ومدار الحديث على الحارث بن عبيد أبي قدامة الأيادي البَصْرِيّ وقد ضعفه يحيى بن معين وحدَّثَ عنه عبد الرَّحْمَن بن مهدي؛ قاله البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (3804 و 3805).

(513)

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال:

[سَجَدَهَا دَاوُودُ تَوْبَةً وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا] رواه النسائي في السنن: باب سجود القرآن: ج 2 ص 159 وإسناده صحيح.

(514)

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [ص لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا] رواه البخاري في الصحيح: كتاب سجود القرآن:

باب سجدة ص: الحديث (1069).

ص: 265

كما رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم (515)، ويدخل في إطلاق المصنف مشروعية السجود لها في الطواف وهو الظاهر وإن لم أرَ من صرح به، وَتَحْرُمُ فِيهَا عَلَى الأَصَحِّ، كغيرها من سجود الشكر، فعلى هذا إن فعله عامدًا عالمًا بالتحريم بطلت، أو ناسيًا أو جاهلًا فلا يسجد للسهو، والثاني: لا يحرم؛ لأن سببها التلاوة بخلاف غيرها من سجود الشكر (516).

وَتُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ، للاتباع، نعم: لا سجود لقراءة الجنب والسكران كما قاله القاضي في فتاويه، وإذا سجد المستمع مع القارئ فلا يرتبط به ولا ينوي الاقتداء وله الرفع من السجود قبله، قاله في الروضة، وحاصل كلام القاضي: أنَّه لا يجب، ولكن يجوز، وَتَتَأكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارئِ، أي وإن كان أصل الاستحباب لا يتوقف على سجوده على الأصح. قُلْتُ: وَتُسَنُّ لِلسَّامِعِ، وَالله أَعلَمُ، أي وهو الذي لم يستمع بل سمع من غير قصد إلَّا أنَّه لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع، أما

أصل الاستحباب فلقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (517) دخل

(515) حديث أبي سعيد الخُدرِي رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ص وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا آخَرَ قَرَأهَا، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَهيَّأ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:[إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيَّ، وَلَكِنْ رَأَيْتُكُمْ تَهيَّأْتُمْ لِلسُّجُودِ] فَنَزَلَ وَسَجَدَهَا. رواه أبو داود في السنن: الحديث (1410).

والبيهقي في السنن الكبرى: الحديث (2844) وقال: هذا الحديث حسن الإسناد صحيح. والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: باب ذكر ما يستحب للمرء أن يسجد: ج 4 ص 188: الحديث (2754). والحاكم في المستدرك: كتاب الجمعة: الحديث (1052/ 27) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(516)

على ما يبدو لي أَنَّ الأَوْلَى بعبارته أن تكون على النحو الآتي:

تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، عند تلاوة آيتها لأنه عليه الصلاة والسلام سجدها

، وَتَحْرُمُ فِيهَا، أي تبطلها كغيرها من سجود الشكر، عَلَى الأَصَحِّ، لمن فعله عامدًا عالمًا بالتحريم. أما الجاهل والناسي فلا تبطل صلاته لعذره، ولا يسجد للسهو لعذره أَيضًا.

(517)

الانشقاق / 21.

ص: 266

فيه السامع والمستمع ومن لم يَسْمَع أَيضًا وإن تناوله الإطلاق أَيضًا فهو خارج بالاتفاق، وإن عَلِمَ ذلك برؤية الساجدين ونحوه، وأما عدم التأكيد فلقول ابن عباس [اَلسَّجْدَةُ لِمَنِ اسْتَمَعَ لَهَا] رواه البيهقي وعَلَّقَهُ البخاري عن عثمان وعمران (518).

وَإِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ، أي في محل القراءة، سَجَدَ الإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ، أي سجد كل منهما لقراءة نفسه كما سبق؛ ولا يسجدان لقراءة غيرهما؛ لأنه يكره لهما الاصغاء لها، أما إذا قرأها في الركوع أو السجود فلا يسجد بخلاف ما إذا قرأها قبل الفاتحة، ويستثنى صلاة الجنازة؛ فلا يسجد فيها قطعًا إذا قرأ آية سجدة فيها ولا بعدها على الأصح، وَالْمَأْمُومُ لِسَجْدَةِ إِمَامِهِ، أي فقط فلو سجد لقراءة نفسه أو غيره أو لقراءة إمامه كغيره لكن عند سجوده بطلت صلاته للمخالفة، فَإِنْ سَجَدَ إِمَامُهُ فَتَخَلَّفَ أَوِ انْعَكَسَ، أي بأن سجد هو دُون إمامه، بَطَلَتْ؛ صَلاتُهُ، لما فيه من المخالفة، وقيل: لا تبطل في الثَّانية حكاه مجلي وقد فهم من كلام المصنف: أنَّه لا يكره للإمام قراءة آية سجدة وهو كذلك، وقد صح ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام في السِّرية (519).

(518) رواه البيهقي عن ابن عباس بلفظ: [إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ جَلَسَ لَهَا] في السنن الكبرى:

الأثر (3874)، ومرسلًا عن سعيد بن المسَّيب قال:[إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا]: الأثر (3875)، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه:[إِنَّمَا السَّجْدَةُ- عَلَى مَنْ جَلَسَ لَهَا وَأَنْصَتَ]

ولفظ عثمان كما في تعليق البخاري: [إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا]. وأثر عمران، قيل له: الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا؟ قال: أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا؟ كأنه لا يوجبه عليه. قال ابن حجر؛ أثر عثمان وصله عبد الرَّزّاق بسنده عن ابن المسيِّب، وابن أبي شيبة بسنده أَيضًا، والطريقان صحيحان. وأثر عمران بن حصين إسناده صحيح.

ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب سجود القرآن: باب من رأى أن الله لم يوجب السجود: شرح الحديث (1077).

(519)

لحديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ قَرَأَ {تنزيل} السَّجْدَة] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: الحديث (807). والحاكم في المستدرك: الحديث (806/ 133) بلفظ: [أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

صلى الظهرَ فَظَنَنْا أَنَّهُ قَرَأَ {تَنْزِيلُ} السَّجْدَة] وقال: هذا حديث صحيح على شرط =

ص: 267

وَمَنْ سَجَدَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، أي أراد السجود، نَوَى، للحديث المشهور، وَكَبَّرَ لِلإِحْرَامِ، للاتباع كما أخرجه أبو داود بإسناد حسن (520)، رَافِعًا يَدَيهِ، أي كما في تكبيرة الإحرام، ولا يستحب أن يقوم ثم يكبر على الأصوب في الروضة، ثُمَّ لِلْهَوِيِّ بِلَا رَفْع وَسَجَدَ كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَرَفَعَ مُكبِّرًا وَسَلَّمَ، أي بعد القعود، وكل ذلك كما في الصلاة، وقوله (كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ) أي في جميع ما سبق هناك، ويؤخذ منه الاقتصار على سجدة واحدة لأن التقدير سجدة كسجدة الصلاة، وَتَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ

شَرْطٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لما سبق، والمراد بالشرط هنا ما لا بد منه، والثاني: أنها سُنَّة وهو المنصوص، وصححه الغزالي؛ لأن سجود التلاوة ليس صلاة بانفراده حتَّى يكون له تحرّم، ولهذا قال أبو جعفر الترمذي: لا تشرع فيه هذه التكبيرة أصلًا، وَكَذَا السَّلَامُ فِي الأَظْهَرِ، قياسًا على التحرّم، والثاني: أنَّه لا يشترط كما لا يشترط ذلك إذا سجد في الصلاة، والأصح من زوائد الروضة: أنَّه لا يستحب التشهد، وسكتَ المصنفُ عن النية؛ والمعروف وجوبها، ونقل الرافعي عن الوسيط: أنها لا تجب؛ ثم

قال: وهو متأيدٌ بقول الشَّافعيّ، وأقله سجدة بلا شروع ولا سلام، وحكاه في النهاية وجهًا، وقال: كَانَ شَيْخِي لا يَذكُرُ غَيْرَهُ وَنَصُّ الشَّافِعِي يُوَافِقُهُ.

وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ، أي كالطهارة وغيرها؛ لأنها صلاة في الحقيقة، كذا علله صاحب المهذب والبحر، ويشترط أَيضًا دخول وقت السجود بأن يكون قد قرأ

الشيخين ولم يخرجاه أو هو سُنْةٌ صحيحة غريية أن الإمام يسجد فيما يُسِرُّ بالقراءة مثل سجوده فيما يعلن. ووافقه الذهبي.

(520)

لحديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: [كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا] رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب: الحديث (1413) وقال: قال عبد الرَّزّاق: وكان الثَّوريّ يعجبه هذا الحديث. وقال أبو داود: يعجبه لأنه كبَّر. ورواه الحاكم في المستدرك: الحديث (808/ 135) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وسجود الصَّحَابَة لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة سُنْة عزيزة. ووافقه الذهبي في التلخيص.

ص: 268

الآية أو سمعها، فلو سجد قبل الانتهاء إلى آخر آية السجدة، ولو بحرف واحد، لم يجز؛ صَرَّحَ به في شرح المهذب، ومقتضاه أن سماع الآية بكاملها شرط في القراءة حتَّى لا يكفي سماع كلمة السجدة فتنبه له. قُلْتُ: ويشترط أيضًا الكف عن المفسدات كالكلام والأكل والفعل فإن المصنف لم يعدّها هناك من الشروط.

وَمَنْ سَجَدَ فِيهَا، أي في الصلاة، كَبَّرَ لِلْهَوّي وَللرَّفْعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، أي فيهما معًا كما في صلب الصلاة. قُلْتُ: وَلَا يَجْلِسُ لِلاِسْتِرَاحَةِ، وَالله أَعْلَمُ؛ لأنه زيادة في الصلاة لم يرد فعلها، وَيقُولُ: سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، للاتباع إلاّ أنى لم أرَ في روايته لفظة و (صوَّره) ولهذا حذفها المصنف في تحقيقه، قال الغزالي رحمه الله تعالى: يدعو في سجوده بما يليق بالآية التي قرأها وهو حسن، ونحى نحوه صاحب البحر، وقال المصنف في تحقيقه يسبّح ويدعو كغيرها ويزيد:[سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ اللَّهُمَّ أُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أجْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقبَّلْهَا مِنّي كَمَا تَقبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدْ] وهذا الدعاء رواه التِّرْمِذِيّ وحسنه الحاكم وصححه (521).

وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي مَجْلِسَيْنِ سَجَدَ لِكُلِّ، لتجدد السبب بعد توفية الأول ما يقتضيه، وَكَذَا الْمَجْلِسُ فِي الَأصَحِّ، لما ذكرناه، والثاني: يكفيه الأولى كما لو كررها قبل أن يسجد للأولى، والثالث: إن طال الفصل سجد لكل مرة وإلا فلا، وَرَكْعَةٌ كَمَجْلِسٍ، أي وإن طالت، وَرَكعَتَانِ كَمَجْلِسَيْنِ، أي وإن قصرتا نظرًا إلى الاسم،

(521) رواه التِّرْمِذِيّ في الجامع: أبواب الصلاة: باب ما يقول في سجود القرآن: الحديث (579) عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال التِّرْمِذِيّ: وفي الباب عن أبي سعيد، وهذا حديث حسن غريب من حديث ابن عباس، لا نعرف إلَّا من هذا الوجه. ورواه الحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: باب التأمين: الحديث (799/ 126) وقال: هذا حديث صحيح رواته مكيون لم يذكر واحد منهم بجرح، وهو من شرط الصحيح ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص وقال: صحيح، ما في رواته مجروح.

ص: 269

فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ وَطَالَ الْفَضْلُ لَمْ يَسْجُدْ، أي لا أداء؛ لأنه من توابع القراءة، ولا قضاء على الأظهر؛ لأنه ذو سبب عارض فلم يُقْضَ كالخسوف، وسواء كان التأخير لعذر أو غيره كما اقتضاه إطلاق المصنف.

فَصْلٌ: وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ، أي حتَّى لو فعلها فيها بطلت صلاته؛ لأن سببها ليس له تعلق بالصلاة بخلاف سجدة التلاوة، وَتُسَنُّ لِهُجُومِ نِعْمَةٍ، أي لحدوث ولدٍ أو مالٍ وجاهٍ ونصرٍ على الأعداء، كما مثله في البحر، ومثل ذلك قدوم الغائب وشفاء المريض (522)، أَوِ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ، أي لنجاته مما ظن وقوعه به كالهدم والغرق وغيرهما (523)، وكذا حدوث مطر عند قحط وزواله عند خوف التأذي به لعدة أحاديث في ذلك، ذكرتها في الأصل، واحترز بهجوم النعمة عن استمرارها فإنَّها لا تُسَنُّ، أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلَى، أي في بدنه أو غيره شكرًا لله على سلامته، أَوْ عَاصٍ،

(522) لحديث أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْع بن الْحَارِث رضي الله عنه؛ [أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرٌ فَسُرَّ بهِ؛ خَرَّ سَاجِدًا للهِ تَعَالَى] رواه أبو داود في السنن: كتاب الجهاد: باب في سجود الشكر: الحديث (2774). والتِّرمذيّ في الجامع: كتاب السير: باب في سجدة الشكر:

الحديث (1578) وقال: هذا حديث حسن غريب. مع أن الحديث من رواية بكار بن عبد العزيز، إلَّا أنَّه لكثرة شواهده، ولأن القول فيه يكاد يكون ليس بالقوي، فإن الحديث إسناده حسن. أو كما أخرجه الحاكم في المستدرك: كتاب الصلاة: الحديث (1025/ 352) وقال: هذا حديث صحيح، وإن لم يخرجاه، فإن بكار بن عبد العزيز: صدوق عند الأئمة، وإنما لم يخرجاه لشرطهما. وليس لعبد العزيز بن أبي بكرة رواة غير ابنه، فقال: صالح الحديث. ووافقه الذهب في التلخيص، وقال: صحيح، وبكار صدوق، وللخبر شواهد.

(523)

أو كما في حديث كعب بن مالك والمخلفين معه، وفي رواية الحاكم:[أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تيْبَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابهِ أَنْ يُصَلِّىَ رَكْعَتَينِ أَوْ سَجْدَتَينِ]

في المستدرك: كتاب معرفة الصَّحَابَة: ذكر مناقب كعب: الحديث (5862/ 1460) وليس إسناده بذاك. ولكن في الصحيحين: في حديث توبة كعب؛ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَتهُ الْبِشَارَةُ خَرَّ سَاجِدًا. رواه البخاري في الصحيح؛ كتاب المغازي: باب حديث كعب بن مالك: الحديث (4418). ومسلم لها الصحيح: كتاب التوبة: الحديث (53/ 2769).

ص: 270