الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْفَرَائِضِ
الْفَرَائِضُ: جَمْعُ فَرِيضَةٍ فَعِلْيَةٍ مِنَ الْفَرْضِ؛ وَهُوَ التَّقْدِيرُ أَو الْجَزَاءُ أَو الْوُجُوبُ وَالالْتِزَامُ، أَقْوَالٌ. واشتهرتِ الأخبارُ بالحَثِّ على تَعَلُّمِهَا، منها:[تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ وَهِيَ نِصْفُ العِلْمِ وَأَوَّلُ مَا يُنزَعُ مِنَ الأُمَّةِ](230). قال القاضي حسين وغيره: وعلم الفرائض يحتاج إلى ثلاثة علوم: علم الفتوى؛ وعلم الأنساب؛ وعلم الحساب. وفِي الأصل هنا فواتح مهمة فراجعها.
يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤنَةِ تَجْهِيزِهِ، أي بالمعروف، لأنه محتاجٌ إليها. وإنما
(230) * عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: [تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوْهُ النَّاسَ؛ وَتَعَلَّمُوا الْفَرائِضَ وَعلِّمُوْهَا النَّاسَ؛ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبوْضٌ، وَإِنَّ العِلْمَ سَيُنْقَصُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفصِلُ بَينَهُمَا]. رواه النسائي في السنن الكبرى: كتاب الفرائض: باب الأمر بتعليم الفرائض: الحديث (6305/ 1).
والحاكم في المستدرك: كتاب الفرائض: الحديث (7950/ 3)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله علَّة. ووافقه الذهبي.
* رواه الترمذي في الجامع: كتاب الفرائض: الحديث (2091) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال: هذا حديث فيه اضطراب. وضعف حديث ابن مسعود.
* قال الهيثمي في مجمع الزوائد: كتاب الفرائض: ج 4 ص 224: رواه أبو يعلى والبزار وفي إسناده من لم أعرفه. وقال: عن أبي بكرة رضي الله عنه: الحديث
…
رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن عقبة السدوسي وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم، وفيه مجهول.
يدفع إلى الوارث ما يَسْتَغْنِي عنه الْمُوَرِّثُ؛ فال الاستاذ أبو منصور: ومؤنةُ التجهيز على حسبِ العرفِ في يسارهِ وإعسارهِ، ولا اعتبارَ بما كان عليه لِبَاسُهُ في حياته من إسرافهِ وتقتيرهِ، قُلْتُ: وكذا يبدأ أيضًا بِمُؤْنَةِ تجهيز من عليه مؤنته، نصَّ عليه وتابعوهُ، ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ، أي ويبدأ بِدَينِ الله تعالى كالزكاة والحج قبل دَينِ الآدميِّ، ثُمَّ وَصَايَاهُ، بالإجماع (231)، وشَذَّ ابنُ حزمٍ الظاهرى حيثُ قال: يقدَّمُ دَينُ الله ثم دَينُ الآدمي ثم مؤنة التحهيز. مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، بالإجماع، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَينَ الْوَرَثَةِ، أي كما سيأتي؛ وهو إجماع. وأما ابنُ حزمٍ الظاهري فنقل عن طائفةٍ من السلف: أنَّ مَن ماتَ ولم يُوْصِ، ففرضٌ عليه أنْ يتصدَّقَ بما يتيسَّرُ؛ وعن جمهورهم أنه إذا قُسِّم الميراث، فحضر القسمة قرابةٌ أو يتيم أو مسكين ففرضَ أنْ يعطى ما تطيبُ به النفس من غير إجحافٍ بالورثةِ لقوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ
…
} الآية، والجمهورُ على خلاف ما ذكره فيها (232).
(231) * عن علي رضي الله عنه؛ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدَّينِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الوصايا: الحديث (12828) ونقل قول الشافعي: (لَا يُثْبِتُ أهلُ الحديثِ مِثلَهُ).
* وفي رواية الترمذي بزيادة: (وَأَنْتُمْ تُقِرُّوْنَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّينِ). رواه الترمذي في الجامع: كتاب الوصايا: الحديث (2122) وقال: والعملُ على هذا عند عامَّة أهلِ العِلمِ أنّهُ يُبْدَأُ بالدَّينِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ.
* قال الحاكم في المستدرك: الحديث (7967/ 20): هذا حديث رواه الناس عن أبي إسحاق والحارث بن عبد الله على طريق، لذلك لم يخرحه الشيخان، وقد صححت هذه الفتوى عن زيد بن ثابت.
* أما الإجماع؛ جاء عن ابن عباس رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَيفَ تَأْمُرُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ؛ واللهُ عز وجل يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَقَال: (كَيفَ تَقْرَؤُوْنَ الدَّينَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ؛ أَو الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّينِ؟ ) قَال: الْوَصِيَّةُ قَبْلَ الدَّينِ. قَال: (فَبِأَيِّهِمَا تَبْدَءُوْنَ؟ ) قَالُوا: بِالدَّينِ. قَال: (فَهُوَ كَذَلِكَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (12831) وفال: قال الشافعي: يعني أن التقديم جائز.
(232)
* النساء / 8. =
قُلْتُ: فَإِنْ تَعَلَّقَ بعَينِ التِّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ؛ وَالْجَانِي؛ وَالْمرْهُونِ؛ وَالْمَبِيعِ إِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قُدِّمَ عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ، وَاللهُ أعْلَمُ، تقديمًا لحقِّ صاحب التعلق على حقِّهِ كما في حقِّ الحياةِ، وكذا يقدم العاملُ في القراض إذا مات المالك قبل القسمة وإلَّا يتأمنُ مالُ الكابة إذا كان باقيًا، وسكنى المعتدَّة عن الوفاة بالحمل؛ كما سيأتي في بابه؛ وغير ذلك مما أوضحته في الأصل فراجعه منه. وَمَسْأَلَةُ الزَّكَاةِ لَا حَاجَةَ إِلَى اسْتِثْنَائِهَا؛ لأنَّ الأصحَّ تعلقها بالمال تعلقَ الشَّرِكَةِ فلا تكونُ تَرِكَةً.
وَأَسْبَابُ الإِرْثِ أَرْبَعَةٌ: قَرَابَةٌ؛ ونَكَاحٌ، بنص القرآن (233)، وذكر القاضي أبو
= * قال ابن حزم رحمه الله برأي ابن عباس أن الآية يُعمل بها، وأنها ليست منسوخة. ينظر: المحلى: أحكام المواريث: ج 9 ص 311.
* عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (أنَّ ناسًا يقولون: إن هذه الآية نُسِخَتْ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} لَا وَاللهِ مَا نُسِخَتْ، ولكنهَا مِمَّا تهاوَنَ الناسُ بِهَا، وهما واليانِ: والٍ يرث، فذلك الذي يرزقُ، ووالٍ ليس بوارثٍ، فذاك الذي يقولُ قولًا معروفًا: إنه مالُ يتامى ومَا لِي فيهِ شيء). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوصايا: باب قول الله عز وجل {وَإِذَا حَضَرَ} : الحديث (2759): الأثر (4576). والبيهقي في السنن الكبرى: الأثر (12821).
(233)
قال الله عز وجل: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ (176)} [النساء: 176]. وقوله عز وجل: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)} [النساء: 7]. وقوله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَينِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَينٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)} [النساء: 11].
الطيب في آخر فرائِضِهِ: أنه إذا اشترى أباهُ في مرضِ موتِهِ عُتِقَ عليه ولا يرثُهُ، وأنه لو خلفَ أخًا فأقرَّ بابنٍ صغيرٍ لأخيه لم يثبت نسبه، وإذا اعتق جاريةً مرضه؛ وتزوَّج بها ثم مات؛ لم ترثه؛ لأن إثبات الإرث يؤدي إلى إسقاطهِ، والمسألة الثانية سلفت في الإقرار بالخلاف فيها، وَوَلاءٌ، بِالسُّنَّة، فَيَرِثُ المُعْتِقُ الْعَتِيقَ، بالإجماع لأنه عليه الصلاة والسلام ورث بنت حمزة من مولى لها (234)، وَلَا عَكْسَ، أي أنَّ العتيق لا يرثُ المعتقَ وما خالفه مُأَوَّلٌ، وَالرَّابِعُ: الإِسْلَامُ، فَتُصْرَفُ التّرِكَة لِبَيتِ الْمَالِ إِرْثًا إِذَا لَمْ يَكُن وَارِثٌ بِالأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ، كما يتحمل عنه الدِّيَةَ.
فَائِدَةٌ: فِي سنن أبي داود وغيره من حديث عائشة أنَّ مَوْلَّى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَّ مِن عِذْقِ نَخْلَةٍ فَمَاتَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: [هَلْ لَهُ مِنْ نَسَبٍ أوْ رَحِمٍ؟ ] قالوا: لا. قال: [أَعْطوْا مِيرَاثَهُ بَعْضَ أَهْلِ قَرْيَتِهِ]. قال الترمذي: حسن (235)، ونصَّ
(234) * عن عبد اللهِ بن شدادٍ بن الهَادِ؛ (أنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ غُلامًا لَهَا؛ فَتُوُفِّيَ؛ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَابْنَةَ حَمزَةَ؛ فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ لَهَا النِّصْفَ وَلابْنَتِهِ النِّصْفَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الفرائض: باب الميراث بالولاء: الحديث (12642).
* وعنه قال: (مَاتَ مَوْلًى لإِبْنَةِ حَمْزَةَ، وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَابْنَةَ حَمْزَةَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإِبْنَتِه النِّصْفَ، وَلابْنَةِ حَمْزَةَ النِّصْفَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (12643).
* قال البيهقي: وكذلك رواية عن سَلَمَةَ بن كهيل والشعبي عن عبد الله بن شداد. وابن شداد أخو بنت حمزة من الرضاعة، والحديث منقطع. وقد قيل: عن الشعبي عن عبد الله بن شداد عن أبيه وليس بمحفوظ. رواه ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن ابنة حمزة، وكلُّ هولاء الرواة عن عبد الله بن شداد أجمعوا على أنَّ ابنةَ حمزة هي المعتقةُ.
(235)
* رواه أبو داود في السنن: كتاب الفرائض: باب في ذوي الأرحام: الحديث (2902). وابن ماجه في السنن: كتاب الفرائض: باب ميراث الولاء: الحديث (2733). والإمام أحمد في المسند: ج 6 ص 137 و 181. والنسائي في السنن الكبرى: كتاب الفرائض: توريث ذوي الأرحام: الحديث (3/ 6393). =
الشافعيُّ رحمه الله في الوصية باب الولاء من الأُمِّ على أنه يصرف إلى أهل بلدهِ الذي ماتَ فِيهِمْ؛ فاستفدْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
وَالْمُجْمَعُ عَلَى إِرْثِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ عَشْرَةٌ: الابْنُ؛ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَالأَبُ؛ وَأَبُوهُ وَإنْ عَلا؛ وَالأَخُ؛ وَابْنُهُ إلَّا مِنَ الأُمِّ؛ وَالْعَمُّ إلا لِلأُمِّ؛ وَكَذَا ابْنُه، أي ابنُ العم للأَبَوين أو للأبِ إلّا للأُمّ؛ وَالزَّوْجُ؛ وَالْمُعْتِقُ. وَمِنَ النِّسَاءِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ؛ وَبِنْتُ الابْنِ وَإِنْ سَفَلَ؛ وَالأُمُّ؛ وَالْجَدَّةُ؛ وَالأُخْتُ؛ وَالزَّوْجَةُ؛ وَالْمُعْتِقَةُ، هذا منه مُغْنٍ عن التوجيهِ حيثُ نُقِلَ الإجماعُ في ذلك، وهو كما ذكره. والألف واللام في الرجال والنساء للجنسِ، ليشمل الأطفال من الذكور والإناث. وقوله (وَإِنْ عَلَا) إعلم: أن الفقهاء شبَّهوا عمود النسب بالشئ المدلى من علوٍ، فأصل كل إنسان أَعْلَا منهُ وفرعه أسفل منه، وإن كان مقتضى تشبيههم بالشجرة، أن يكون أصله أسفل منه وفرعه أعلى؛ كما في الشجرة. فيقال في أصله وإن سفل وفي فرعه وإن علا. وقوله (وَبِنْتُ الابْنِ وَإِنْ سَفَلَ) كذا صوابُهُ، وكذا هو بخط مؤلفه؛ فإن بنتَ بنتِ الابنِ لا ترث. وقوله (وَالزَّوْجَةُ) هي لغة قليلة تحسن هنا للفرقِ بينها وبين الزوج، ثم لا يخفى أن الأنبياء لا يُوَرَّثُوْنَ فليس الكلام فيهم (236).
= * رواه الترمذي في الجامع: كتاب الفرائض: باب ما جاء في الذي يموت وليس له وارث: الحديث (2105)، وقال: هذا حديث حسن.
(236)
أَنَّ الأَنبِيَاء لَا يُوَرَّثُونَ:
* عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه؛ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَيهِ؟ فقَال لَهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: [لَا نُوَرَّثْ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ]. رواه الإمام أحمد في المسند: ج 1 ص 6 و 9. والبخاري في الصحيح: كتاب الخمس: باب فرض الخمس: الحديث (3092). ومسلم في الصحيح: كتاب الجهاد: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث: الحديث (52 و 54/ 1759).
* وعنه قال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [لَا نُوَرَّثْ، مَا تَرَكنا صَدَقَةٌ؛ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَال لَيسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأْكَلِ]. رواه الإمام =
فَلَو اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ؛ وَرِثَ الأَبُ وَالابْنُ وَالزَّوْجُ فَقَطْ، لأنهم لا يحجبون بخلاف البقية، أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ؛ فَالْبِنْتُ؛ وَبِنْتُ الابْنِ؛ وَالأُمُّ؛ وَالأُخْتُ لِلأَبَوَينِ؛ وَالزَّوْجَةُ. أَو الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنَ الصِّنْفَينِ؛ فَالأَبَوَانِ؛ وَالإِبْنُ وَالْبِنْتُ؛ وَأَحَدُ الزَّوْجَينِ، لا يحجبهم من عداهم، ويستحيل اجتماع جميع الوارثين من الرجال والنساء؛ لأن منهم الزوج والزوجة ولا يجتمعان.
وَلَوْ فُقِدُوا كُلُّهُمْ! فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ: أنَّهُ لَا يُوَرَّثُ ذَوُو الأرْحَامِ، لأنه عليه الصلاة والسلام سُئِلَ عَنْ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالةِ فَقَال:[لَا مِيرَاثَ لَهُمَا] صحح الحاكم إسناده (237). وحديث [إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ فَلَا وَصِيَّةَ
= أحمد في المسند: ج 1 ص 4 و 6 و 9 و 10. والبخاري في الصحيح: كتاب المغازي: باب حديث بني النضير: الحديث (4035). ومسلم في الصحيح: كتاب الجهاد: الحديث (53/ 1759).
* عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لَا تَقْتسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةُ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ، رواه البخاري في الصحيح: كتاب الفرائض: باب قول النبي لا نورث: الحديث (6729).
(237)
* عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: أقْبَلَ رَسُوْلُ اللهِ عَلَى حِمَارٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَقَال: يَا رَسُوْلَ اللهِ رَجُلٌ تَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالتَهُ لا وَارِثَ لَهُ غَيرُهُمَا؛ قَال: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ؛ فَقَال: [اللَّهُمَّ رَجُلٌ تَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالتَهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيرُهُمَا؟ ] ثُمَّ قَالَ: [أينَ السَّائِلُ؟ ] قَال: هَا أَنَا ذَا. قال: [لَا مِيرَاثَ لَهُمَا]. رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الفرائض: الحديث (7669/ 49)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد؛ فإن عبد الله بن جعفر المديني وإن شهد عليه ابنه بسوء الحفظ، فليس ممن يترك حديثه.
* قال الحاكم: وله شاهد. من حديث الحارث بن عبد الله؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: [حَدَّثَنِي جبرِيلُ أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا]. الشاهد الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: فَأوْحَى اللهُ إِلَيهِ أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا. ثم قال الحاكم: فقد صحَّ حديث عبد الله بن جعفر بهذه الشواهد ولم يخرجاه.
* قال الذهبي في التلخيص: الأول (أي حديث الوارث بن عبد الله) فيه الشاذكوني، =
لِوَارِثٍ] (238) فيه إشارة إلى أن من ذكره الله في كتابه هو الوارث وليس هؤلاء منهم، وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ، أي، بَلْ، يُجْعَلُ، الْمَالُ لِبَيتِ الْمَالِ، كما سبق، لأن الله تعالى جعل للأخ الكل، حيث جعل للأخت النصف، وفي الرَّدِّ رَفُعَ الْفَرْقُ، وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ، أي من كبار أصحابنا، إِذَا لَمْ يَنْتظِمْ أمْرُ بَيتِ المَالِ، أي بأنْ لم يكُنْ إمامٌ عادلٌ، أو كان ولم تَجْتَمِعْ فيه شروطُ الإمامةِ، أو مات الإمام وكان الناس في فترةٍ، كما صرَّح به الشيخ نصر وغيره، بِالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ، لأنَّ المال مصروفٌ إليهم أو إلى بيت المالِ بالإتفاقِ، فإذا تعذرت إحدى الجهتين تَعَيَّنَتِ الأُخرى، قال في الروضة: وهو الأصح أو الصحيح عند الأكثرين من محققي أصحابنا؛ وقال ابن الصلاح في فتاويه: إِنْ كَانَ ذَوُوْ الرحمِ مِمَّن يَسْتَحِقُّ في بيتِ المالِ مِثْلَ هذا القَدْر صُرِفَ إليهم، وإلَّا فيصرفه بعضُ الثِّقات إلى وجوهِ المصالح، وإن كان هناكَ بيتُ مالٍ على الوجه المشروع؛ حمل إليه، وهو جمعٌ بين الطريقين. وقولُ المصنِّفِ بالردِّ فيه إعمالُ المصدرِ مُعَرَّفًا؛ ورفعُ ما فَضَلَ به وفيهِ ضعفٌ، غَيرَ الزَّوْجَينِ، أي فإنه لا يُردُّ عليهما؛ لأنه ليس ثمة قرابة، وهذه من زيادات المصنف على الْمُحَرَّرِ ولا بُدَّ منها، ومحله إذا لم يكونا من ذوي الأَرْحَامِ فَاعْلَمْهُ، مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ، أي بنسبة فروضهم، فإن كان من يرد عليه صنفًا واحدًا كالبنت والأخت! أخِذَ الفرضُ والباقي بالردِّ، أو جماعة فبالتسوية؛ أو صنفين فأكثر رُد الباقي بنسبة سِهَامِهِمْ.
* وهو مرسل. والثاني، فيه ضرار وهو هالك.
* قال ابن النحوي رحمه الله في التحفة: قلتُ: لا أعلم أحدًا احتج بعبد الله هذا.
قلتُ: فالحديث ضعيف ليس بحجة.
(238)
عن ابن عيَّاشٍ عن شُرَحْبيلَ بن مسلمٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا أمَامَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: [إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب في تضمين العارية: الحديث (3565) وفيه: [وَلَا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيئًا مِنْ بَيتِهَا إلَّا بإذْنِ زوْجِهَا]. ورواه الترمذي في الجامع: كتاب الوصايا: الحديث (2120)، وقال: حديث حسن صحيح.
مِثَالُهُ: زوجٌ وبنتٌ وأمُّ؛ هي من اثني عشر؛ سُدُسُهَا اثنان فَرْضَ الأُم؛ ونصفها سِتَّةٌ فرضُ البنت؛ ورُبُعُهَا ثلاثة فرضُ الزَّوجِ، ويبقى سهمٌ يُرَدُّ على الأُم والبِنْتِ بنسبة فَرْضِهِمَا ثلاثةُ أربَاعِهِ للبنت والرُّبُعُ للأُمِّ. ولو لم يكن إلا الأُمُّ والبنتُ؛ فبالباقي بينهما أثلاثًا كذلك.
فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا، أي أصحاب الفروض، صُرِفَ إِلَى ذَوي الأَرْحَامِ، لأن القرابة المفيدة لاستحقاق الفرض أقوى؛ فقدموا عليهم، قاله القاضي؛ والتوريثُ بالرحم توريث بِالْعُصُوْبَةِ، بدليلِ أنَّهُ يُراعي فيه القُرب، ويفضَّل فيه الذكر على الأنثى. ويجوز المنفرد منهم جميع (•) المال؛ وهذه علامات الإرث بالتعصيب.
فَرْعٌ: إذا قلنا بالصرف إلى ذوي الأرحام، فلا يختص به فقراؤهم على الأصحِّ. والأشبهُ عند الرافعي أنَّه شيء مصلحي لا إرث. والأصح عند المصنف أنَّه إرث. وفي كيفية توريثهم مذهبان؛ إحدهما: مذهب أهل التنزيل وصححه في الروضة، ومعناه أنَّا ننزل كلَّ فرعٍ بمثابةِ أصلهِ، والثاني: مذهب أهل القرابة؛ وهو توريث الأقرب إلى الميت فالأقرب كالعصبات.
وَهُمْ مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ مِنَ الأقَارِبِ، وَهُمْ عَشْرَةُ أَصْنَافٍ: أَبُو الأمِّ، وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَينِ؛ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ وَبَنَاتُ الأخوَةِ؛ وَأوْلَادُ الأخَوَاتِ؛ وَبَنُو الإخْوَةِ لِلأُمِّ؛ وَالْعَمُّ لِلأُمِّ؛ وَبَنَاتُ الأعْمَامِ؛ وَالْعَمَّاتُ؛ وَالأَخْوَالُ؛ وَالْخَالَاتُ؛ وَالْمُدْلُونَ بِهِمْ، أي من الأولادِ وَالْعَمَّاتِ مرفوعٌ وكذا الخَالاتِ.
فَصْلٌ: الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالى سِتَّةٌ، أي وهي النِّصْفُ، وَنِصْفُهُ، وَنِصْفُ نِصْفِهِ، وَالثُّلُثَانِ، وَنِصْفُهُمَا، وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا. واحترز بقوله (في كِتَابِ اللهِ تَعَالى) عن ثلث ما بقيَ في مسائلِ الجدِّ، إذا كان معهُ ذو فرض في بعض الأحوال كما سيأتي، فإنه لم يرد به كتابٌ ولا سُنَّة. ومعنى كونها مقدَّرة: أنَّه لا يُزاد عليها؛
(•) في النسخة (1): جمع.
وقد لا يُنْقَصُ عنها؛ وقد يُنقص بسبب الْعَوْلِ. وبدأَ المصنفُ والأصحابُ بالنصف، وبدأ بعضُ القدماءِ مِنْهُمْ بِالثُّلُثَينِ؛ وهو أحسنُ اقتداءًا بالقرآن.
1.
النِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ: زَوْجٌ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا، وَلَا وَلَدَ ابْنٍ، أي وإنْ سَفَلَ لقوله تعالى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} (239) وولدُ الولدِ كالولدِ بالإجماع إلَّا من شَذَّ، واحترزَ بولدِ الابنِ عن ولد البنت، فإنه من ذوي الأرحام كما سَلَفَ وَبِنْتٌ، لقوله تعالى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} (240) للإجماع، أوْ بِنْتُ ابْنٍ بالإجماع على أنها قائمة مقامها، أوْ أخْتٌ لأبَوَينِ أَوْ لأَبٍ، لإطلاق قوله تعالى {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} (241)، مُنْفَرِدَاتٍ، أي فإنِ اجْتَمَعْنَ مَعَ غَيرهِنَّ فَسَيَأْتِي.
2.
وَالرُّبْعُ فَرْضُ زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، أي منهُ أو من غيرِهِ لقوله تعالى {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ} (234) وولدُ الابنِ كالابنِ كما سَلَفَ، وولدُ البنتِ لا يردُّهها مِن الرُّبْع إلى الثُّمُنِ؛ كما لا يحجب الزوجُ من النصف إلى الرُّبْع وهو إجماعٌ، وَزَوْجَةٌ لَيسَ لِزَوْجِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا، لقوله تعالى {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} (234).
3.
وَالثُّمُنُ فَرضُهَا مَعَ أَحَدِهِمَا، للآية المذكورة (242).
فَرْعٌ: للزوجتين والثلاث والأربع ما للواحدة من الرُّبْعِ أو الثُّمُنِ بالإجماع.
(239) النساء / 12.
(240)
النساء / 11.
(241)
النساء / 176.
(242)
فَائِدَةٌ: قال الخفاف من أصحابنا في كتاب الخصال: لا يرث من الزوجات أكثرُ من الأربعِ؛ إلا في ثلاثة أحوال؛ أن يكون مريضًا، فيطلِّقُ أربع زوحاتٍ ويتزوج بأربعٍ؛ أي على قول من يورث البائن إذ ذاك، أو بكونِهِ مُشركًا أسْلَمَ وعنده أكثر من أربع زوجاتٍ ولم يَخْتَرْ مِنْهُنَّ، أو يطلق إحدى زوجاته ثلاثًا ولم يعرف المطلقة منهن، قال: وقد قيل في مجوسي تزوج ثمان زوجات، ولا نَسَبَ بَينَهُنَّ إِنَّهُنَّ يَرِثْنَ، قلتُ: وهذه خرَّجها ابن القاص كما رأيته في تلخيصه.
4.
وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ بِنْتَينِ فَصَاعِدًا، لإجماع الصحابة (243)، قبل مخالفة ابن عباس في ذلك؛ والفقهاء بعده أيضًا، وقيل: إنه رجع عنه، وَبِنْتَي ابْنٍ فَأَكْثَرَ، للإجماع، وَأخْتَينِ أَوْ أَكْثَرَ لأَبَوَينِ أوْ لأَبٍ، لإطلاق قوله تعالى {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} (234) نزلت في جابر وكان له أخوات (244)؛ فدلَّ على أن المراد بالآية الاثنتان فصاعدًا.
(243) قُلْتُ: بل لحديث حابر بن عبد الله؛ قَال: جَاءَتِ امْرَأةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيهَا مِنْ سَعْدٍ إلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوْهُمَا مَعَكَ يوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالهُمَا فَلَمْ يَدَع لَهُمَا مَالًا، وَلَا تُنْكَحَانِ إلا وَلَهُمَا مَالٌ، قَال:[يَقْضِي الله في ذَلِكَ] فَنَزَلَتْ آيةُ الْمِيرَاثِ، فَبَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَمِّهِمَا؛ فَقَال:[أَعْطِ ابْنَتَي سَعْدِ الثُّلُثَينِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثَّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الفرائض: باب ما جاء في ميراث الصلب: الحديث (2981).
والترمذي في الجامع: كتاب الفرائض: الحديث (2092)، وقال: هذا حديث صحيح.
(244)
عن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَال: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُول: (جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُوْدُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلْ؛ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوْئِهِ؛ فَعَقَلْتُ. فَقُلْتُ: يا رَسُوْلَ اللهِ لِمَنِ الْمِيرَاثُ؛ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالةٌ؟ فَنَزَلَتْ آيةُ الْفَرَائِضِ). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوضوء: باب صبِّ النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه على مغمي عليه: الحديث (194). وكتاب التفسير: باب {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} : الحديث (4577). وكتاب المرض: باب عبادة المغمي عليه: الحديث (5651) والحديث (5676) وكتاب الفرائض: الحديث (6723). وباب ميراث الأخوات: الحديث (6743). ومسلم في الصحيح: كتاب الفرائض: باب ميراث الكلالة: الحديث (5/ 1616).
5.
وَالثُّلُثُ فَرْضُ أم لَيسَ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ، وَلَا وَلَدُ ابْنِ، وَلَا اثْنَانِ مِنَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ، أي سواء كانا من الأبوين أو من أحدهما لقوله تعالى {وَلِأَبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
…
} إلى قوله {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (245) وولدُ الابن غير مذكور في الآية ولكنه قائم مقامه، وَفَرْضُ اثْنَينِ فَأَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ الأُمِّ، لقوله تعالى {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
…
الآية} وهذه الآية نزلت في أولاد الأم بدليل قراءة سعد بن أبي وقاص وابن مسعود أي: وله أخ أو أُخْتٌ من أمٍّ (246). قال القاضي حسين: وهذا مما نسخ تلاوته وبقي حكمهُ، وقال الماوردي والرافعي في كتاب السرقة: القِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ في وُجُوْبِ الْعَمَلِ. نقله الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي؛ وخالف المصنف في شرح مسلم، فقال: مَذْهَبُنَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ لَا يَكُوْنُ لَهَا حُكْمُ الْخَبَرِ (247)، وَقَد يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَ الإِخْوَةِ،
(246)
النساء / 12: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} . عن القاسم بن عبد الله بن ربيعة بن قانف: أَنَّ سَعْدًا كَانَ يَقْرَؤُهَا {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} مِنْ أُمٍّ. رواه البيهقي في السنن الكرى: كتاب الفرائض: الأثر (21577). قُلْتُ: وقوله (يقرؤها) لَيسَ بِمَعْنَى يَتْلُوْهَا عَلَى مَا شَاعَ فِي الْعُرْفِ بِأنَّ الْقِرَاءَةَ بِمَعْنَى التِّلَاوَة، بَل يَقْرَؤُهَا هُنَا بِمَعْنَى يَفْهَمُهَا، فَالْمَعْنَى مِنْ بَابِ الرَّأْي الاجْتِهَادِيِّ فِي تَفْسِيرِ دَلالةِ نَصِّ القُرْآنِ فَيُلَاحَظُ.
(247)
* في شرح صحيح مسلم: كتاب النكاح: باب نكاح المتعة: الحديث (11/ 1404): ج (9 - 10) ص 189؛ قال الإمام النووي: (قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] وفي قراءة ابن مسعود: [فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أجَلٍ])؛ ثم قال: (وقراءة ابن مسعود هذه شاذة؛ لا يحتج بها قرآنًا ولا خبرًا؛ =
أي كما سيأتي بيانُهُ.
6.
وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ أَبٍ وَجَدٍّ لِمَيِّتهِمَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، أما الأب فلقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} (248) والمرادُ بالولد الأبنُ، وألحقنا به ابْنَهُ كما سَلَفَ. وأما الجدُّ فلإطلاق الآية مع الاجماع، وَأمِّ لِمَيِّتِها وَلَدٌ أوْ وَلَدُ ابْنِ أوْ اثنان مِنْ إِخوَةٍ وَأَخَوَاتٍ وَجَدَّةٍ، لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (241).
قال الزمخشري: ولفظ الأخوة هنا يتناول الأخَوَينِ، لأنَّ المقصودَ بِهِا الجمعيَّةُ المطلقةُ من غير كميةٍ. وأما الاكتفاءُ بالاثنين (•) في حجبها إلى السُدُسِ؛ فهو إجماع إلَّا من شذَّ، إذا اجتمع معها الولدُ وولدُ الابْنِ واثنان من الأخوةِ ومن الأخواتِ؛ فالظاهرُ كما قال صاحب المطلب: أنَّ الَّذي ردَّها من الثُلُثِ إلى السُدسِ الولدُ لقوَّتهِ ولا يقومُ أولادُ الأخوة مقام الأخوة في الحجب المذكور كما ستعلمهُ. وَلِجَدَّةٍ للاتباع كما صححهُ الترمذيُّ وغيره (249)، وَلبِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتِ صُلْبِ، لقضائه صلى الله عليه وسلم
= ولا يلزم العمل بها). انتهى.
* ومفهوم ذلك عنده؛ جاء في كتاب الرضاع: باب التحريم بخمس رضعات: الحديث (24/ 1452): ج (9 - 10) ص 283؛ قال: (لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد؛ وإذا لم يثبت قرآنًا؛ لم يثبت بخبر الواحد عن النيي صلى الله عليه وسلم؛ لأن خبر الواحد إذا توجه إليه قادح يُوْقَفُ العمل به، وهذا إذا لم يجيء إلا بآحاد مع أن العادة مجيئه متواترًا؛ توجب ريبة. والله أعلم).
(248)
النساء / 11.
(•) في النسختين: (1 و 2): بالإناث. وهو تصحيف. وأثبتنا (بالإثنين) كما هو في النسخة (3).
(249)
* عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَينٍ؛ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَال: إِنَّ ابْنِي مَاتَ فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ؟ قال: [لَكَ السُّدُسُ] فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ؛ فَقَال: [لَكَ سُدُسٌ آخَرُ] فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ قَال: [إِنَّ السُّدُسَ الآخرَ طُعْمَةٌ]. رواه الترمذي في الجامع: كتاب الفرائض: باب ما جاء في ميراث الجد: الحديث (2099)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود في السنن: كتاب الفرائض: الحديث (2896). والنسائي =
بذلك كما قال ابن مسعود ردًّا على أبي موسى حيث أسقطها مع البنت والأخت، رواه البخاري (250)، وكذا أسقطهما سلمان بن ربيعه أيضًا، وشذَّت فرقةٌ من المعتزلة وبعضُ الشيعة. فقالوا: النصفُ للبنت فرضًا والآخر ردًّا؛ لأنها أقربُ إلى الميتِ حكاهُ ابن عبد البر، وَلأُخْتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لأبٍ مَعَ أُخْتٍ لأبَوَينِ، كما في البنات وبنات الابن، وَلوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الأُمِّ، لقوله تعالى: {وَلَهُ أَخٌ
…
} الآية (251). وقد سلف الكلامُ عليها.
= في السنن الكبرى: الحديث (6337/ 5).
* عن ابْنِ بُرَيدَةَ عَنْ أبِيهِ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلجَدَّةِ السُّدُسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُوْنَهَا أمٌّ).
رواه أبو داود في السنن: الحديث (2895). والنسائي في السنن الكبرى: الحديث (6338).
* عن قُبَيصَةَ بْنَ ذُؤَيبٍ؛ قال: (جَاءَتِ الْجَدَّةُ أمُّ الأُمِّ وَأُمُّ الأَبِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالتْ: إنَّ ابْنَ ابْنِي أَو ابْنَ بِنْتِي مَات؛ وَقَدْ أُخْبِرْتُ أنَّ لِي فِي كِتَابِ اللهِ حَقًّا. فَقَال أبُو بَكْرٍ: مَا أَجِدُ لَكِ في كِتَابِ اللهِ مِنْ حَقٍّ؛ وَمَا سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى لَكِ بِشَيءٍ؛ وَسَأَسْألُ النَّاسَ. قَال: فَسَألَ؛ فَشَهِدَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعْطَاهَا السُّدُسَ. قال: وَمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمَةَ. قَال: فَأعْطَاهَا السُّدُسَ. ئُمَّ جَاءَتِ الأُخْرَى الِّتِى تُخَالِفُهَا إِلَى عُمَرَ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا. فَقَال: مَا لَكِ في كِتَابِ اللهِ شَيءٌ؛ وَلَكِنْ هُوَ ذَاكَ السُّدُسُ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ، فَهُوَ بَينَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا). رواه أبو داود في السنن: الحديث (2894). والترمذي في الجامع: الحديث (2100 و 2101). والنسائي في السنن الكبرى: الحديث (6346/ 1) وإسناده حسن.
(250)
عن هُزَيلَ بنَ شُرَحْبِيلَ يَقُوْلُ: سُئِلَ أبو مُوْسَى الأَشْعَرِيُّ عَنِ ابْنَةِ وابْنَةِ ابنٍ وَأُخْتٍ. فَقَال: لِلابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلاُخْتِ النِّصْفُ. قَال: وَائْتِ ابْنَ مَسْعُوْدٍ فَسَيُتَابِعُنِي. فَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أبِي مُوْسَى. قال: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِلابْنَةِ النِّصْفُ، وَلابْنَةِ الابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَينِ. وَمَا بَقِيَ فَلِلأُخْتِ). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الفرائض: باب ميراث ابنة ابنٍ مع ابنة: الحديث (6736) والحديث (6742). وأبو داود في السنن: الحديث (2890).
(251)
النساء / 12.
فَائِدَةٌ: كان بعضُ الفرضيين يضبط للمتعلمين عددَ مستحقِّي الفروض الستة بقوله (هبَّا دُبُز) فالهاء بخمسة؛ والباء باثنين؛ والألف بواحد؛ والدال بأربعة؛ والباء باثنين؛ والزاي بسبعة.
فَضل: * الأبُ وَالابْنُ وَالزَّوْجُ، لَا يَحْجِبُهُمْ أَحَدٌ، أي حجبُ حرمانٍ لإدلائهم بأنفسهم فَهُمْ أقربُ إلى الميت وأقوى إدلاءً.
* وَابْنُ الابْنِ، لَا يَحْجِبُهُ؛ إِلا الابْنِ أَو ابْنُ ابْنٍ أَقْرَبُ مِنْهُ، أي كإبنِ إبنٍ وإبنِ إبنِ إبنٍ كذلك أيضًا، وقد تستغرقُ الفروض كأبوين وبنتين فيسقط ابنُ الابنِ؛ وهذا ليس حجبًا.
* وَالْجَدُّ؛ لَا يَحْجِبُهُ، إلا مُتَوَسِّطٌ بَينَهُ وَبَينَ الْمَيِّتِ، أي وهو الأبُ؛ لأنَّ مَنْ أدْلَى بشخصٍ لا يرث مع وجوده إلَّا أولادُ الأُمِّ وكذلك كل جد يحجب من فوقه.
* وَالأَخُ لأبَوَينِ؛ يَحْجُبُهُ الأبُ وَالابْنُ وَابْنُ الابْنِ، وإن سَفَلَ وهذا إجماعٌ.
* وَلأَبٍ؛ يَحْجُبُهُ هَؤْلَاءِ، لأنَّهُمْ إذا حَجَبُوا الشَّقِيقَ فهو أوْلى، وَأَخٌ لأبَوَينِ، لقوتهِ بزيادةِ القرب، وقد يستغرق أصحابُ الفروضِ المال فلا يرثُ مع عدم هولاء كما إذا كان معه بنت وأخت شقيقة، وقد ذكره المصنف أخر الباب، وهذا لا يسمى حجبًا وإن سمَّاهُ الشهرزوري.
* وَلأُمٍّ؛ يَحْجُبُهُ أَبٌ وَجَدٌّ وَوَلَدٌ، أي ذكرًا كان أو أنثى، وَوَلَدٌ ابْنٍ، لقوله تعالى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ} (242) وهي ما عدا الوالد والولد لأنه عليه الصلاة والسلام سُئل عن الكلالة فقال:[أَمَا سَمِعْتَ الآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيفِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} وَالْكَلَالةُ مَنْ لَمْ يَتْرُك وَلَدًا وَلَا وَالِدًا] رواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة، ثم قال: صحيحٌ على شرط مسلم (252)، فدل على أنهم إنما يرثون عند عدمهما.
(252) رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الفرائض: الحديث (7966/ 19)، وقال: هذا =
وابْنُ الأَخِ لأَبَوَينِ؛ يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ: أَبٌ، لأنه يحجبه أبوه فهو أَوْلى، وَجَدُّ، لأنه في درجة أبيه فححبه كأبيهِ، وَابْنٌ وَابْنُهُ، لأنهما يححبان أباه فهو أَوْلى، وَأَخٌ لأَبَوَينِ، لأنه أقرب منهُ، وَلأَبٍ، كذلك أيضًا، وَلأَبٍ؛ يَحجُبُهُ هَؤْلَاءِ، وَابْنُ الأخِ لأَبَوَينِ، لقوته، وَالْعَمُّ لأَبَوَينِ؛ يَحجُبُهُ هَؤْلَاءِ، لقربهم، وَابْنُ أَخٍ لأَبٍ، لقرب درجته أيضًا، وَلأَبِ؛ يَحْجُبُهُ هَؤْلَاءِ، وَعَمٌّ لأَبَوَينِ، كما يحجب الأخُ لأبوينِ الأخَ لأبٍ، وَابْنُ عَمٍّ لأَبَوَينِ؛ يَحْجُبُهُ هَؤْلَاءِ، وَعَمٌّ لأَبَوَينِ، لأنه في درجة أبيه، وإنما قُدَّمَ عليه لزيادة قرابة الأُمِّ، وَلأَبٍ؛ يَحْجُبُهُ هَؤْلَاءِ، وَابْنُ عَمٍّ لأَبَوَينِ، لقوته، وَالْمُعْتِقُ، أي رجلًا كان أو امرأةً؛ يَحْجُبُهُ عُصْبَةُ النَّسَبِ، لأن النسب أقوى من الولاء؛ لأنه تَتَعَلَّقُ به المحرميةُ، ووجوبُ النفقةِ، وسقوطُ القصاصِ، ورَدُّ الشهادةِ ونحوها.
وَالْبنْتُ وَالأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لَا يُحْجَبْنَ، لإدلائِهِن بأنفُسِهِنَّ فهُنَّ أقربُ من غيرهِمْ، وَبِنْتُ الابْنِ يَحْجُبُهَا ابْنٌ، لأنه إما أبوها أو عمُّها وهو بمنزلة أبيها، أَوْ بِنْتَانِ، لأن الثلثين فرضُ البنات ولم يبقَ منهُ شيءٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يُعَصِّبُهَا، أي كأخٍ وابنُ ابنٍ سَافِلٍ، فإنْ كَانَ عَصَّبَهَا كما سيأتي، وَالْجَدَّةُ لِلأمِّ لَا يَحْجُبُهَا إلا الأُمُّ، لأنه ليس بينها وبين الميت إلا هي، وَللأَبِ يَحْجُبُهَا الأَبُ، لأنها تدلى به، أَو الأُمُّ، أي أنها تحجب الجدة للأب أيضًا ولا خلاف فيه كما قاله الماوردي.
فَائِدَةٌ: قال صاحبُ الخِصَالِ: لا ترثُ الجدَّةُ وابْنُهَا حيٌّ مِن ابْنِ ابْنِهَا إلا في حالةٍ واحدةٍ؛ وهي أن تكون جدَّةً من جهتين؛ فتكون أُمِّ أُمِّ أُمٍّ وهي أُمُّ أُمِّ أَبٍ فيموتُ ابنُ ابْنِهَا ويخلفُ ولدًا أو يموت ذلك الرلد وأبوهُ باقٍ فترثُ من جهة ابْنِ ابْنِهَا دُوْنَ ابْنِهَا.
وَالقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا، أي كَأُمِّ أَبٍ وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ أوْ أُمُّ أُمِّ وَأُمُّ أُمٍّ أُمٍّ فلا تَرِثُ البعدى مع وجود القربى، ولو كانت البعدى مدلية بالقربى؛
= حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الذهبي التلخيص: فيه الحماني ضعيف. اهـ. قلتُ: هو يحيى بن عبد الحميد ترجمه ابن حجر في تهذيب التهذيب: الرقم (7871).
لكن البعدى جدة من جهة أخرى؛ فلا تحجب؛ مِثَالُهُ: لزينب؛ بنتان حفصة وعمرهَ؛ ولحفصة ابنٌ ولعمرة بنتُ بنتٍ فَنَكَحَ الابْنُ بِنْتَ بِنْتِ خَالتِهِ؛ فَأتَتْ بِوَلَدٍ. قلا تسقطُ عمرةُ إلى هي أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّهَا؛ لأنها أُمُّ أَبِي الْمَوْلُوْدِ؛ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ. وقال القاضي حُسين وأبو الطيب: وليس لنا جدة ترث مع بنتها الوارثة إلا في هذه، وكذا قال صاحب الشامل: كلُّ جدة تحجب أمها إلا في هذه المسألة.
وَالقُرْبَى مِنْ جهَةِ الأُمِّ كأُمِّ أمِّ، تَحْجُبُ البُعْدَى مِنْ جِهَةِ الأبِ، كَأُمِّ أمِّ أَبٍ، كما أنَّ الأمَّ تحجبَ أمَّ الأبِ، وَالْقُربى مِنْ جِهَةِ الأبِ، أي كَأُمِّ أَبٍ، لَا تَحجُبُ الْبعْدَى، مِنْ جِهةِ الأُمِّ، أي كَأُمِّ أمِّ الأُمِّ، فِي الأظهَرِ، أي بل يشتركان في السدس؛ لأنَّ الأبَ لا يحجبُهَا، فالجدَّةُ التي تدلى به أَوْلى أن لا تحجبها. والثاني: تحجب القربى من جهةِ الأُمِّ، وأجاب الأولُ بقوَّةِ قرابَةِ الأُمِّ، ولذلك تحجبُ الأُمُّ جميع الجدَّات من الجهتين بخلاف الأبِ، وَالأختُ مِنَ الْجِهَاتِ كَالأخِ، أي فكما أنَّ الأخَ لأبوين يحجبُهُ الأبُ والابنُ وابنُ الأبنِ فكذلك الأختُ لأبوين والأخُ لأَبٍ يحجبُهُ هولاءِ وَأَخٌ لأبوينِ فكذلك الأختُ لأبِ والأخُ للأمِّ يحجبه أبٌ وجدٌّ وولدٌ وولدُ ابنٍ فكذلك الأخْتُ لأمِّ، وَالأخَوَاتُ، الْخُلَّصُ لأب؛ يَحْجُبُهُن أَيضًا أخْتَانِ لأبَوَينِ، أي كما في بنات الابن مع البنات؛ فإن كان معهن أخٌ لهُنَّ عَصَبْهُنَّ كما سيأتي، وَالمُعتِقَةُ كَالمُعتِقِ، أي في ححبها بعصباتِ النسَبِ، وَكُلُّ عَصبَةٍ يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ، لأنه إنما يأخُذُ ما فَضَلَ عَنْهُمْ وإذا انفردَ أخذَ جميعَ المالِ؛ مِثَالُهُ زوجٌ وَأُمٌّ وجَدٌّ وعَمٌّ لا شيء للعَمِّ لأنه محجوبٌ.
خَاتِمَةٌ: الحَجْبُ نوعان: حجبُ حرمان: وهو المقصودُ بهذا الفَصْلِ، وحجبُ نقصان كحجب الولدِ الزوجَ من النصفِ إلى الرُّبُع، والزَّوجَةَ مِنَ الرُّبُع إلى الثمُنِ، والأُمَّ مِنَ الثلثِ إلَى السُّدسِ.
فَصلٌ: الابنُ يَسْتَغْرِقُ الْمال، بالإجماع، وَكَذَا البَنُون، كذلك أيضًا، وَللْبِنْتِ النصْفُ وَللْبِنْتَينِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ، لا تقدَّم في الفصل قَبْلَهُ، وَلَو اجتَمَعَ بَنون وَبَنَاتٍ
فَالمَالُ لَهُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ، لقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ} (253) والمرادُ أن للابنِ سهمانِ وللبنتِ سهمٌ، وهذه على سبيل التعصيب قطعًا، والابنُ عُصبةٌ بِنَفْسِهِ، والبنتُ عُصبةٌ بالابنِ، والأخواتُ مع البناتِ عصبة مع غيره كما سيأتي، وإنما فُضِّل الذكرُ على الأنثى لأنه مختصٌّ بالنصرة وغيرها، والمرأةُ على النصف منه في الشهادة، وهي تستغني عن الإنفاق عليها من مال نفسها في معظم عُمُرِهَا بالزُّوْج.
وَأوْلادُ الابْنِ إِذَا انفَرَدُوا كأوْلادِ الصُّلْبِ، أي بلا فرق لتنزيلهم منزلتهم وهذا إجماع، فَلَو اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ، أي أولادُ الصلْبِ وأولادُ الابنِ، فَإن كَان مِنْ وَلَدِ الصلْبِ ذَكَرٌ؛ حَجَبَ أَوْلادَ الابْنِ، لقربه بالإجماع، وَإلَّا، أي وإن لم يكن ثَم ذكر من أولادِ الصُّلْبِ، فإن كَان لِلصُّلْبِ بِنتٌ، فَلَهَا النِّصفُ، لما سبق، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الابْنِ الذكُورِ أَو الذكُورِ وَالأنَاثِ، أي لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ، فَإن لم يَكنُ إِلَّا أُنثَى أَوْ إِنَاث؛ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُس، أما في الأُنثى فلما تقدم، وأما في الاناثِ فلأَنَّ البناتَ لا يستحقونَ أكثر مِنَ الثلثَينِ، فالبنت وبناتُ الابنِ أَوْلى وَتَرَجَّحَتْ بنتُ الصُّلبِ علي بناتِ الابن لقربها، ويشتركْنَ فيه كما تشتركُ الجدات في السدُسِ.
وإن كان لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا؛ أَخَذَتَا الثُّلُثَينِ، كما؛ سبق، وَالبَاقِي لِوَلَدِ الابْنِ الذُّكُورِ أَو الذُّكُورِ وَالإنَاثِ، وَلَا شَيءَ لِلإِنَاثِ الْخُلَّصِ، لأنهن إنما يأخُذْن الثُلثين، عند عدم البنات أو ما بقي من الثلثين، ولهذا سمّي ذلك السدسُ تكملة الثلثين، وادعى الماوردي الإجماع عليه، إِلَّا أَن يَكُون أَسفَلَ مِنْهُن ذَكَرٌ فَيُعَصِّبهُنَّ، لأنه لا يمكنُ إسقاطهُ لأنه عُصبة ذكر، وإذا لم يسقط؛ فكيف يجوز حرمان من فوقه؟ وكيفَ يفردُ بالميراث مع بُعْدِهِ وهُو لو كان في درجتهنَّ لم ينفرد بالميراثِ مع قربهِ؛ ولذلك لا يعصب من هي أسفل منه، ولا من هي فوقه، إذا حصل لها شيء من الثلثين كما ذكره المصنف بعدُ، ولو كان في درجتهن فيعصبهن وهو مَفْهُوْمُ مما ذكرهُ
(253) النساء / 11.
المصنفُ من باب أَوْلى، وقد يكون في هذه الحالة أخاهُنَّ أو أخًا بعضهنَّ، ويسمّى الأخ المبارك (•) وقد يكون ابنُ عَمِّهِنَّ.
وَأولادُ ابْنِ الأبنِ مَعَ أَولادِ الأبنِ كَأوْلادِ الابنِ مَعَ أَولادِ الصُّلبِ، أي في جميع ما تقدم، وَكذا سَائِرُ الْمنازِلِ، أي كبنتِ ابن وبنتِ ابنِ ابنٍ فللعليا النصف وللسفلى السدسُ، ومراده بسائر المنازل الدرجة النازلة مع العالية، وَإنمَا يُعَصِّبُ الذكَرُ النْازِلُ مَنْ في دَرَجَتِهِ، أي ومَنْ هي أسفل منهُ يسقطها كما إذا كان معه بنتُ أخ أو بنتُ ابنِ عَم فإنه ينفرد بالباقي؛ لأنها أسفلُ منهُ، ويعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ إِن لَم يَكُن لَها شَيء مِنَ الثُّلُثَينِ، أي فإذا كان، فلا تعصيبَ كبنتٍ وبنتِ ابنٍ وابنِ ابنِ ابنٍ للأولى النصفُ، وللثانية السدسُ، والباقي لَهُ، ولا تعصيب هنا؛ لأنها أخذت تكملة الثلثين ولو كان مع بنت الابن بنت ابنِ ابنٍ؛ كان الباقي بينهُ وبين بنتَ ابنِ الابنِ أثلاثًا كما تقدم، وبنتُ الابنِ غيرُ محرومةٍ، لأنها تأخذُ تكملةَ الثلثَينِ.
فَرْعٌ: ليس من الفرائض مَنْ يعصبُ أختهُ وَعَمَّتَهُ وَعَمَّةَ أبِيهِ وَجَدَّهُ وَبَنَاتَ أعْمَامِهِ وَبَنَاتَ أعْمَامِ أبِيهِ وجدِّهِ إلا المستقل من أولادِ الابنِ، نقلَهُ الرافعي عن الفرضيينَ ولم يصوِّرْهُ، وقد ذكرتُ صورتَهُ في شرح فرائِضِ الوَسِيطِ فَرَاجِعْهُ.
فَصل: الأَبُ يَرِثُ بفَرضٍ إِذَا كان مَعَهُ ابن أو ابنُ ابنٍ، أي وهُوَ السدسُ بنص القرآن كما سلف (254)، وَبتعصِيبٍ، إِذَا لَم يَكُن وَلَد وَلَا وَلَدُ ابنٍ، أي كما إذا اجتمع مع زَوْج وَأمّ أوْ جدَّةٍ فلصاحب الفرض فرضهُ؛ والباقي له بالعصوبة، أو لم يجتمع مع غيره، بأن انفرد؛ فإنه يأخذُ جميعَ المالِ بالعصوبةِ؛ لأن الله تعالى فرضَ له في حالِ وحودِ الولدِ خاصَّة، ومفهومُهُ: أنهُ لا يفرضُ له فيما عدَاهُ، وولد الولد يلحق بالولد إجماعًا.
(•) في النسخة (1): النازل.
(254)
النساء / 11: قوله عز وجل: {وَلِأَبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} .
فَرْعٌ: الأخ لأبوين يشارك الأب في هاتين الحالتين فيرث بالتعصيب تارةً وبالفرضِ تارةً أخرى في مسأله الْمُشَرَّكَةِ الآتية. وَبِهِمَا إِذَا كَان بِنْتٌ أو بِنْتُ ابنِ لَهُ السدُسُ فَرْضًا، لأن لفظ الولد المذكور في الآية يَشمَلُ الذكَرَ وَالأُنثى، وَالباقِي بَعدَ فَرضِهِمَا بِالعُصُوبَةِ، لقوله عليه الصلاة والسلام [ألحِقُوا الفَرَائِضَ بِأهلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِلأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ] متفق عليه من حديث ابن عباس (255). قُلْتُ: ويرثُ بهما في صورةٍ أُخرى ذكرتُها في الأصل مع بيان الفائدة في كون ما يأخذه بالفرض أو العصوبة؛ فَرَاجِعْهُ منهُ فإنه مِنَ الْمُهِماتِ.
وَللأمِّ الثلُثُ أو السُّدسُ في الحالينِ السابِقَينِ فِي الفُرُوضِ وَلَهَا فِي مَسألَتَي زَوْج أو زَوجَةٍ وَأبوَبنِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعدَ فَرضِ الزوج أو الزوجَةِ، أي ففي الأولى: للزوج النصفُ؛ يبقى سهم على ثلاثة لا يصح ولا يوافق، تضربُ اثنين في ثلاثةٍ تبلغُ ستة؛ للزوج ثلاثة وللأب سهمانِ وللأم سهم، وفي الثانية: للزوجة سهم، تبقى ثلاثة؛ للأب سهمان؛ وللأم سهم فهي من أربعةٍ، وإنما قال المصنف والأصحاب: ثلث ما بقي؛ ولم يقولوا: سدس المال في الأولى ورُبُعَهُ في الثانية مُحَافَظَةً عَلَى الأدَبِ في مُوَافَقَةِ لَفْظِ القُرآنِ، وقال ابنُ عباس وابن اللَّبَانِ: لها في المسألتين الثلث كاملًا عملا بظاهرِ القرآن الكريم (256)، وما جزم به المصنف: هو الذي عليه الجمهور؛ ووجَّهُوهُ بأنه شارك الأبوين ذو فرضٍ، فكان للأمِّ ثُلُثُ مَا فَضَلَ عنِ
(255) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الفرائض: باب يراث الولد من أبيه وأمه: الحديث (6732) و (6735) و (6737) وباب أبي عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج: الحديث (6746). ومسلم في الصحيح: كتاب الفرائض: كاب ألحقوا الفرائض بأهلها: الحديث (2/ 1615).
(256)
عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين؟ فقال زيد: للزوج النصف، وللأُم ثلث ما بقي، وللأب بقية المال، فقال ابن عباس:(للأم الثالث كاملًا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الفرائض: جماع أبواب المواريث: باب فرض الأم: الأثر (12560 و 12562).
الفَرض كما لو شاركتها بنتٌ، وَالجَدُّ كَالأبِ، أي في الميراث عند عدمه، وكذا عند قيام وصف به مانعٌ من الإرث، وهو كالأب أيضًا في أنه يرثُ بالفرض تارة وبالعصوبة أُخرى، وهل يجمع له بينهما؛ فيه وجهان؛ أصحهما وأشهرهما من زوائد الروضة: نعم، والثاني: لا، قال المتولي: وهو المذهب، إِلَّا أَن الأبَ يُسقِطِ الإِخْوَةَ وَالأخَواتِ، وَالجَدُّ يُقَاسِمُهُمْ إِن كَانُوا لأبَوَينِ أَوْ لأب، أي على ما سيأتي إن شاء الله، وَالأبُ يُسقِطُ أم نَفْسِهِ، لأنها تدلى به، وَلَا يُسقِطُهَا الْجَدُّ، لأنها لا تدلى به، وَالأبُ فِي زوْجٍ أَوْ زَوْجَة وَأَبَوَينِ يَرُدُّ الأم مِنَ الثلُثِ إِلَى ثُلُثِ البَاقي وَلَا يَرُدُّهَا الْجَدُّ، لأن الجد لا يساويها في الدَّرجةِ فلا يلزم تفضيله عليها بخلاف الأب.
فَرْعٌ: أبُ الجدِّ ومن فَوْقَهُ كالجدِّ في ذلك كله، لكن كلَّ واحدٍ يحجبُ أُمَّ نَفسِهِ ولا يحجبها مَن فوقه.
وَللْجَدَّةِ السُّدُسُ، لِمَا تقَدَّمَ، وَكَذَا الْجَدَّاتُ، لأنه عليه الصلاة والسلام [قَضَى لِلْجَدَّتَينِ فِي الْمِيرَاثِ بِالسُّدُسِ بَينَهُمَا] رواه الحاكم من حديث عبادة وقال: صحيح على شرط الشيخين (257)، وفي حديث آخر في مراسيل أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام [أَعْطَاهُ لِثَلاثِ جَدَّات](258). وَتَرِثُ مِنْهُن أُم الأُمِّ وَأمُّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ
(257) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: (إِن مِنْ قَضَاءِ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قَضَى لِلْجَدَّتَينِ مِنَ المِيرَاثِ بِالسَّويَّةِ). رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الفرائض: الحديث (7984/ 37)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قال الذهى في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم. والبيهقي في السنن: الحديث (12600) وقال: وإسحاق عن عبادة مرسل. في تهذيب التهذيب: الترجمة (423): قال ابن حجر: إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت؛ ويقال: ابن أخي عبادة. روى عن عبادة ولم يدركه؛ وروى عنه موسى بن عقبة ولم يرو عنه غيره. قال البخاري: أحاديثه معروفة إلا أن إسحاق لم يلق عبادة. وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة. (الكامل: 168/ 168 - ج 1 ص 340). وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال في التابعين نسبه إلى جده. إ هـ. قلتُ: له شواهد.
(258)
عن الحسن؛ (أنَّ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم وَرَّثَ ثَلاثَ جَدَّاتٍ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: =
بإنَاث خُلصٍ، أي كَأُم أُمِّ الأمِّ، وإنْ عَلَت، ولا يتصورُ أنْ يرثَ من جهةِ الأمِّ إِلَّا واحدة، وهذا مجمعٌ عليه، وَأمُّ الأبِ، بالإجماع أيضًا، وَأمُّهاتُهَا كَذَلِكَ، وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال:[أَتَتِ الجَدَّتَانِ إلَى أبِي بَكر فَأرَادَ أَنْ يَجعَلَ السُّدُس لِلتِي مِنْ قبَلِ الأمِّ؛ فَقَال رَجلٌ مِنَ الأنصَارِ: أمَّا إِنكَ تَرَكْتَ التِى إِنْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ إِيَّاهَا تَرِثُ فَجَعَلَ أبو بَكْرٍ رضي الله عنه السدُسَ بَينَهُمَا] وفيه انقطاع؛ لأن القاسم لم يدرك جدهُ، وأغرب من قال أدركه (259).
وَكَذَا أمُّ أبِي الأبِ وَأمُّ الأجدَادِ فَوقَهُ وَأمَّهَاتُهُن عَلَى الْمَشهُورِ، لأنهُنَّ جدَّات يدلين بوارث فَيَرِثنَ كأمِّ الأبِ (•) ولِمُرسل أبي داود السالف فإن إبراهيم النخعي قال: هُن جدتان (•) من قبَلِ الأب وحدة واحدة من قِبَلِ الأمِّ، والثاني: لا يرثن، لأنهن مدليات بجدٍّ فأشبَهْنَ أمَّ أبِ الأمِّ، وَضَابِطُهُ، أي ضابط الجدَّات الوارثات، كُل جَدَّة أَدلَتْ، أي وصلت، بِمَحضِ إِنَاثٍ، أي كأم (•) أمِّ الأمِّ، أو ذُكُور، أي كَامِّ أبِ الأبِ، أَو إنَاث إِلَى ذُكُورٍ ترِثُ، أي كَأمِّ أمِّ الأبِ (•)، وَمَن أدلَتْ بِذكَر بَينَ أنثَيَينِ، أي كأم أب الأم، فَلَا، أي كما لا يرث ذلك الذكر بل هما من ذوي الأرحام.
فَصْلٌ: الأخْوَةُ وَالأخَوَاتُ للأبوَينِ إِنِ انفَرَدُوْا، أي عن الأخوة للأبِ، وَرِثُوا كَأوْلادِ الصلْبِ، أي فللذكَرِ جميعُ المال وكذا للجماعة وهذا إجماع. وللأخت
= كتاب الفرائض: باب توريث ثلاث جدات: الحديث (12606) وقال: هذا مرسل؛ وهو مروي عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(259)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: باب فرض الجدة والجدتين: الأثر (12598 و 12599)، وقال: وقد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناد مرسل.
(•) في النسخة (1): الأم.
(•) في النسخة (1): جدات.
(•) في النسخة (1): كَأم الأم.
(•) في النسخة (1): كَأم أبِ الأب.
الواحدةِ النصف وللأختين فصاعدًا الثلثَانِ كما سلف، وَكَذَا إن كانُوا لأب، بالإجماع، إِلَّا في المشاركَةِ، أي بفتح الراء؛ وَهِيَ زَوْج وَأم وَوَلَدَا أمّ وَأَخ لأبوَينِ، أي فأكثرَ، فَيُشَارِكُ الأخُ وَلَدَي الأم فِي الثلُثِ، لاشتراكهم في القرابة التي ورثوا بها الفرض فأشبهَ ما لو كان أولادُ الأم بعضُهم ابن عَمٍّ فإنه يشارك بقرابةِ الأمِّ وإن سقطت عصوبته؛ والجدةُ كالأم، وَلَوْ كَان بَدَلَ الأخ أخْت لأبٍ، فرض لها النصف وعالت، ولو كانتا اثنتين فرض لهما الثلثان وأعيلت كما لو كانت أو كُنَّ أشقاء، فلو كان معها أو معهُن أخ، فقَطَ، وأسقطها وأسقطهُن لأنه لا يفرض لها ولا لهُن معهُ وهذا هو الأخُ المشؤومُ، ولو كان ولد الأم واحدًا فله السدس والباقي للعصبة من أولاد الأبوين أو لأبٍ، وما يأخذه أولادُ الأبِ في المُشَتركةِ يأخذونه بالفرض لا بالتعصيب، ولو كان بدلُ الأخ أي للأبوين أخ لأبٍ أي فأكثر سقط لأنه ليس له قرابةُ أمّ فيشارك بها، وَلَو اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ، أي أولادُ الأبوين وأولادُ الأبِ، فكاجْتِمَاع أولادِ صُلْبٍ وَأولادِ ابنِهِ، من غير فرق، فإن كان ولدُ الأبوينِ ذَكَرًا فيسقطون أولاد الأب؛ يسقطون لتَمَيُّزِ ولد الأبوين بقرابَةِ الأم؛ كما امتاز ابنُ الصُّلْبِ بقربِ الدرجةِ، أو أنثى فلها النصفُ والباقي لأولادِ الأبِ إن تَمَخَّضُوا ذكورًا أو ذكورًا وإناثًا، وإن تَمَخَّضَ إناثًا أو أنثى فقط فلها أوْ لَهُن السدس تكملة الثلثين. وإن كانَ من أولادِ الأبوين اثنان فصاعدًا أخَذَتَا الثلثين، ولا شيء لأولاد الأب إلَّا أن يكونوا ذُكورًا أو يكون معهُن من يَعْصبُهُن، إِلَّا أنَّ بَنَاتِ الابْنِ يَعصُبُهُن مَن في دَرَجَتِهِن أَو أسفَلَ، وَالأختُ لَا يُعَصبهَا إِلّا أخُوهَا، أي لا أولادَ الأخَ ولا أولادَ بني العَمِّ، فإذا خلف أختين لأبوينِ وأختًا لأبٍ وابنَ أخ لأب فللأختين الثلثانِ والباقي لابن الأخ وتسقطُ الأخت لأب لأن ابن الأخ لا يعصُبُ أخته التي في درجته فَأوْلى أنْ لا يعصبَ من فَوقَهُ، وابنُ الابنِ يُعَصِّبُ مَنْ في دَرَجَتِهِ فَجَازَ أنْ يُعَصِّبَ مَن فَوقهُ، ولأن ابنَ الابنِ يسمى ابنًا وابنُ الأخ لا يسمى أخًا، وَللوَاحِدِ مِن الأخْوَةِ أو الأخَوَاتِ لأمّ السُّدُس، وَلاثنَينِ؛ فَصَاعِدًا، الثُّلُثُ، لِمَا سَلَفَ، سوَاء ذُكُورُهُمْ وَإنَاثُهُمْ، وَالأخَوَاتُ لأبوَينِ أو لأب مَعَ البناتِ وَبَنَاتِ
الابنِ عَصَبَة كالأخْوَةِ، فَتُسقِطَ أخت لأبوَينِ مَعَ البِنْتِ الأخَوَاتِ لأبِ، كما يُسقط الأخُ للأبوين الأخَ لأبٍ، ومرادُهُ بالأخواتِ والبناتِ الجنسَ لا الجمعَ؛ فإن الأختَ الواحدةَ مع البنتِ الواحدةِ عصبةٌ، وَبَنُو الأخوَةِ، لأبوَينِ أو لأب كُل مِنهُم كَأبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانفِرَادًا، أي حتى يستغرقَ الواحدَ مِنْهُمْ والجماعةُ المال عندَ الانفرادِ. وما فَضَلَ عن أصحاب الفروض وعند الاحتماع يُسقط ابنَ الأخ من الأبِ كما يُسقط الأخَ من الأبِ مع الأخ من الأبوين، لَكِن يُخَالِفُونَهُمْ فِي أنهُمْ لَا يَرُدُّون الأمّ إِلَى السُّدُسِ، أي بخلاف الأخوة؛ لأن الله تعالى أعطاها الثلث إذا لم يكن ولد ثم قال تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (260) وهذا بخلاف ولد الولد فإنه كأبيه (•) لأن الاسم يقع على ولد الولد حقيقةً أو مجازًا، واسمُ الأخ لا يقعُ على ولده بحالٍ، وَلَا يَرِثُون مَعَ الجَدّ، أي بل يسقطون به لبعدهم، وَلَا يعصبون إخوَاتِهِمْ، لأنهن غير وارثات والأخوة لأبوين أو لأب يعصبوهن، وَيَسقُطُون فِي المُشَركَةِ، لبعدهم، وهذه المخالفة مختصة بين الأخوة لأبوين، فأما الإخوة من الأب وبنوهم فكلهم ساقطون فيها لعدم إدلائهم بالأم، قُلْتُ: ويخالفونهم في ثلاثة أشياء أُخر نبَّه عليها في الروضة؛ أحدها: الأخوة لأبوين يحجبون الأخوة لأب وأولادهم (•) لا يحجبونهم، وثانيها: الأخُ لأبٍ يحجب بني الأخ لأبوين ولا يححبهم ابنه، ثالثها: بنو الأخوة لا يرثون مع الأخوات إذا كن مع البنات عصبة، وذكر الغزالي في وسيطه أخرى: وهي أن ولدَ الأخوة لأم ذكورًا كانوا أو إناثًا لا يرثون بل هم من ذوي الأرحام ولا حاجة إلى استثنائها فإن الكلام فيمن يرث.
وَالعَمُّ، لأبوينِ وَلأبٍ كأخٍ مِن الجِهَتَينِ اجتِمَاعًا، أو لأب كأخ من الجهتين اجتماعًا، وَانفِرَادًا، أي فمن انفرد منهما أخذ جميع المال، أو ما بقي بعد الفروض
(260) النساء / 11.
(•) في النسخة (1): كَابنهِ.
(•) في النسخة (1): وأولاده.
فإن اجتمعا فَالعَمُّ لأبوينِ يُسقِطُ العَمَّ لأب كأخٍ لأبوين مع الأخ لأبٍ، وَكَذَا قِياسُ بَنِي العَم، أي من الأب والأم أو من الأب، وَسَائِرُ عَصَبَةِ النَّسَبِ، يعني أن بني العَم عند عدم العَمَّ كبني الإخوة عند عَدَمِ الأخ وقوله (وَسَائِرِ عَصَبَةِ النَّسَبِ) يعني أن كلَّ ابنٍ من العصبةِ ينزلُ منزلة أبيه العاصِب فيما سبق؛ وإلّا فعند بني الأعْمَامِ لم يبقَ من عصبات النسب شيءٌ أبعدُ منهُمْ، وقد يورد عليه بنو الأخوات اللاتي هنَّ عصبات مع البنات وليس بنوهُنَّ مثلهن وهُن من عصبة النسب.
وَالْعَصَبَةُ؛ مَن لَيس لَهُ سهم مُقَدَّر مِنَ الْمُجمَع عَلَى تَورِيثهِم، فَيَرِثُ المَال أَو مَا فَضَلَ بَعدَ الفُرُوْضِ، وهذا بيان لحدِّ العاصبِ وحكمِهِ، واحترز بقوله (مِنَ المُجمَع عَلَى تَوْرِيثِهِمْ) عن ذوي الأرحام، فإن من ورثهم، لايسميهم عصبات، وإن لم يكن لهم سهم مقدر، وما ذكره لا يمشي على مذهب أهل التنزيل، فإنهم ينزلون كلا منهم منزلة من يدلي به؛ وهم ينقسمون إلى ذوي فروض وعصبات، والدليل على الحكم المذكور الحديث السالف [أَلحِقُوا الفَرَائِضَ بِأهلِهَا فَمَا بَقيَ فَهِيَ لأوْلَى رَجلٍ ذَكَرٍ](261) والجمع بين رجل وذكر تأكيد؛ لأن الرجُلَ قد يطلقُ لا في مقابلة الأنثى فأريد تحقيق أنه ليس بأنثى، وقال السهيلي: إنه تابع لأوْلَى لا لرجل، ولم يذكر المصنف ترتيب العصبات كما ذكره الرافعي وغيرُهُ؛ لأنه اكتفى بما سبق في بيان الورثة والحجب وفيهما كفاية. وقوله (مَنْ لَيس لَهُ سَهْم مُقَدَّر) أي في حال تعصيبه من جهة التعصيب ليدخل الأب والجد والأخوات مع البنات؛ لأن لهم في حالة أخرى سهمًا مقدَّرًا. وقوله (فَيَرِثُ المَال أوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الفُرُوضِ) لا ينبغي أن يحمل على الشخص، لأن الأخوات لا يرِثنَ المال جميعَهُ في حالةٍ من الأحوال، وإنما مرادُهُ أن العاصب قد يرث المال إذا انفرد، وذلك في بعض الأشخاصِ في بعض الأحوالِ، وقد يرث ما فَضَلَ في بعض الأحوال، وذلك في كل الأشخاص.
فَصلٌ: مَن لَا عَصَبَةَ لَهُ بِنَسَبٍ، وَلَهُ مُعْتِقٌ، فَمَالُهُ أو الفاضِلُ عَنِ الفُرُوضِ لَهُ
(261) تقدم في الرقم (250).
رَجُلًا كان أَو امرَأَة، لإطلاق قَوله عليه الصلاة والسلام [إِنمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ](262) ولأن الإنعام بالإعتاق موجود من الرجل والمرأة فاستويا في الإرث، وإنما تأخر الولاءُ عن النسَبِ لِقُوَّتِهِ كما تقدم عند قوله (وَالمُعتقُ يَحْجبُهُ عَصبةُ النسَبِ) والإجماعُ قائم عليه أيضًا، ويرشدُ إليه حديثُ [الْوَلاءُ لُحمَة كَلُحمَةِ النسَبِ](263) شبَّهَهُ به والمشبهُ دون المشبهِ به، فإن لَم يَكُن، فَلِعَصَبَتِهِ بِنَسَبِ المُعَصِّبِينَ بِأنفُسِهِمْ لَا لِبِنتِهِ أو أختِهِ، أي فَإن غَيرَهُم يَعْصبهُمْ، فإذا ماتَ وَلمُعتِقِهِ ابن وَبِنْتٌ فَلَا حَق للبنتِ (•) وكذا في الأخ والأخت والأب والأم لأن الولاءَ أضعفُ من النسب المتراخي، وإذا تراخى النسبُ ورث الذكور دون الإناث، ألا ترى أن بَني الأخ والعَم وبنيهِمْ يرثونَ دون أخواتِهم؛ فإذا لم ترث بنتُ الأخ وبنتُ العَم والعمةِ فَبِنْتُ المعتقِ أولى أنْ لا ترثَ لأنها أبعَدُ مِنهُن، وَترتيبهُم كترتيبِهِم فِي النسَبِ، أي فيقدم الابنُ ثم بنوهُ، ويقدَّم ابن المعتق وابنُ ابنِهِ على أبيه وجدهِ، لَكِنِ الأظْهَرُ أَن أخَا المُعتِقِ وَابنَ أخِيه يُقَدمَانِ عَلَى جَدِّهِ، لقوة الأُخوةِ، ووجهُ مقابلهِ في الأولى: القياسُ على النسبِ لاستوائهما في القربِ والعصوبة والقول الثاني في المسألة الثانية: أن الجد مقدمٌ عليه.
تَنبيهٌ: إذا كان للمعتقِ أبناء عَم أحدُهما أخ لأمِّ فالأظهرُ تقديمُهُ بخلافِ النسب، وأهمل ذلكَ المصنّفُ.
فَإن لَم يَكن لَهُ عصَبَة فَلِمُعتِقِ المُعتِقِ ثُم عَصبَتهُ كَذلكَ، أي على النسقِ المذكور في عصبات المعتق ثم لمعتقِ معتقِ المعتقِ وعلى هذا القياس، وَلَا ترِث المرأة بوَلاء إِلَّا معتقهَا، أي بفتح التاء لإطلاق الحديث السالف [إِنمَا الولاء لِمَنْ أعتَقَ] أو مُنتميًا إِلَيهِ بنَسبٍ أو وَلاءٍ، كما لو كانَ المعتقُ رجلًا.
فَصل: إِذا اجتمعَ جَدٌّ وَإخْوةٌ وأخَواتٌ لأبوَينِ أو لأب، فإن لم يكن معهم
(262) تقدم في الرَّقم (31).
(•) في النسخة (1): للميت.
(263)
رواه البيهقي في السنن: كتاب الولاء باب من أعتق مملوكًا: الحديث (22047).
ذُو فَرْضٍ فَلَهُ الأَكْثَرُ مِن ثُلُثِ الْمَالِ وَمُقَاسَمَتِهِمْ كَأَخٍ، فَإِنْ أَخَذَ الثُّلُثَ، فَالْبَاقِي لَهُمْ، أي للذكر مثل حظ الأُنثيين، لأنه لا يسقط بالأخوة، بإجماع الصحابة، وَإِنْ كان ابنُ حزم حكى سقوطه بهم عن طائفةٍ وهو شاذ؛ ولأنه لا يسقط بالأبن فبالأخ أَولى. ووجه اعتبارُ الثُّلُثِ أنَّ الجدَّ والأُمَّ إن اجتمعا أخذَ الجدُّ مِثْلَي ما تأخذُهُ الأُمُّ؛ لأنها تأخذُ الثُّلُثَ وهو يأخُذ الثلثينِ، والأخوةُ لا يُنَقِّصُوْنَ الأُمَّ عن السُّدُسِ، فوجب أن لا يُنَقِّصُوا الجدَّ عن ضعف السُّدُس، ووجه المقاسمةِ أنها فريضة جمعت أَبَ أَبٍ وولدَ أبٍ فلم يأخُذ ولدُ الأبِ بالفرض كما لو كان مع الجد أخوة لا ينتقصِ بِالأَكدَرِيَّةِ فإنه وإنْ فرضَ لها فإنها لا تأخذُ بالفرض، وقوله (وَمُقَاسَمَتِهِمْ) هو بالواو وهو الصواب، وكان المصنف كتب قبلها الفاء وكشطها فاعْلَمْهُ، وَإنْ كَانَ، أي معهم ذوا فرض كالبنت والأُمِّ والزَّوج وبنتُ الأبن والجدَّة والزَّوْجَةُ، فَلَهُ الأَكْثَرُ مِنَ سُدُسِ التِّرِكَةِ وَثُلُثِ الْبَاقِي وَالْمُقَاسَمَةِ، أما السدسُ فلأنَّ البنتينِ لا ينقصون الجد عنه فالأخوة أَوْلى، وأما ثُلُثُ الباقي فلأنه لو لم يكن صاحبُ فرضٍ لأخذَ ثلثَ جميع المال فإن كانَ قدْ خرجَ قدْرَ الفرضِ مستحقًا فيأخذ ثلثَ الباقِي، وأما المقاسمةُ فلأنه منزلٌ معهُمْ منزلةَ أخٍ، وَقَدْ لَا يَبْقَى شَيءٌ كَبِنْتَينِ وَأُمِّ وَزَوْج فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ، أي فإنها كانت عايلة بنصفِ السدسِ فَأُعِيلَت بسدسٍ آخر، وَقَدْ تَبْقَى دُونَ سُدُسٍ كَبِنْتَينِ وَزَوْج، فَيُفْرَضُ لَهُ وَتُعَالُ، أي بنصفِ سدس كما سيأتي، وَقَدْ يَبْقَى سُدُسٌ كَبِنْتَينِ وَأُمٍّ فَيَفُوزُ بِهِ الْجَدُّ، بيانُ المثالِ الأوَّل: وهو إذا كان معه بنتان وَأمٍّ أوْ جَدَّةٍ وَزَوْجٍ، فللبنتين الثلثان وللزوجِ الرُّبُعُ وللأُمِّ السُّدُسُ فتعولُ المسألةُ بنصفِ سدسٍ ثم يفرض للجَدِّ سدسٌ ويزاد في العول بِرُبُعِهَا؛ وأصلُ المسألة من اثنى عشر، وتصح من خمسة عشر، وبيانُ الثاني: وهو ما إذا خلفت المرأة زوجًا وبنتين وجدًّا وإخوة فللزوج الرُّبُعُ وللبنتين الثلثان وللجدِّ السدسُ وتعولُ بنصف سدسِ المالِ والثالثُ من ستةٍ وهو واضحٌ.
وَتَسْقُطُ الإِخْوَةُ، أي والأخواتِ، في هَذِهِ الأَحْوَالِ، لاستغراق أهل الفرض بالمال، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ إِخْوَةٌ وَأخَواتٌ، لأَبَوَينِ وَلأَبِ، فَحُكمُ الْجَدِّ مَا سَبَقَ،
أي فيكونُ لهُ الأكثرُ من ثلث المال والمقاسمةُ إذا لم يكن معهم ذو فرض، وخيرُ الأمور الثلاثةِ إن كان كما إذا لم يكن معه إلّا أحدُ الصنفين وقوله (وَلأَبِ) هو بالواو وبلا ألِف قبله بخلاف قوله أوَّل الفصل (أَوْ لأَبِ) فإنه بأوْ لأنَّ الكلام هنا فيما إذا اجتمعا معه وأوَّلًا فيما إذا كان معه أحدُهما. وهنا تقع العادة حيث قال: ويعَدُّ أوْلادُ الأَبَوَينِ عَلَيهِ أوْلادَ الأَبِ فِي الْقِسْمَةِ، أي يدخلونهم في العددِ على الجدِّ وبالعدِّ سمِّيت المعادةُ وهي مفاعلةٌ وليس العدِّ إلّا من جانب واحدٍ؛ لكن نزلَ المعدودُ عليه منزلة العادِّ أو لأنّهم جماعةٌ، فَإذَا أخَذَ الْجَدُّ حِصَّتَهُ فَإِنْ كَان فِي أَوْلادِ الأَبوَينِ ذَكَرٌ، فَالْبَاقِي لَهُمْ؛ وَيَسْقُطُ أَوْلادُ الأَبِ، وإلًا، أي وإن لم يكن فيهم ذكرٌ، فَتَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ إِلَى النصْفِ، وَالثِّنْتَانِ فَصَاعِدًا إِلَى الثُّلُثَينِ، وَلَا يَفْضُلُ عَنِ الثَّلُثَينِ شَيءٌ، وَقَدْ يَفْضُلُ عنِ النِّصْفِ فَيَكُون لأَوْلادِ الأَبِ، أمثلة ذلك:
* أختٌ لأبوين وأخٌ لأبٍ وجدُّ؛ المالُ على خمسةٍ، سهمانِ للجدِّ وسهمان ونصف للأختِ من الأبوين والباقي لولدِ الأبِ؛ لأن ولدَ الأبِ إنما يأخذ ما فَضَلَ عن حقِّ ولدِ الأبِ والأُمِّ، وطريقُ تصحيحها أن تعول المسألةُ من خمسة على عدد الرؤوس للجدِّ منها سهمانِ وللأختِ سهمٌ وللأخِ سهمان يردُّ منهما على الأُختِ تمام النصفِ وهو سهمٌ ونصفٌ يبقى في يده نصفَ سهمٍ وذلك منكسرٌ على مخرج النصف فاضربْهُ في أصلِ المسألةِ تبلغُ عشرةً منها تصحُّ للجدِّ أربعةٌ وللأختِ خمسةٌ وللأخ من الأب سهم جد وأخ لأبوين وأخٌ لأبٍ يدخلُ الثاني في القسمةِ ويأخذُ الجدَّ الثلثَ وهو والمقاسمةُ سواءٌ، والباقي للأخ الشقيق.
* جدٌّ وأخٌ شقيقٌ وأختٌ لأبٍ؛ المالُ على خمسةِ أسهمٍ؛ للجدِّ سهمانِ والباقي للأخ، ووجه القول بالمعادةِ أن الأخ لأبوين يقول للجد: أنا وأخي من الأب بالإضافة إليك سواء فأنا الذي أحجبه فأزحمك به وآخذ حصتَهُ، وهذا كما أن الإخوة يردُّون الأُمَّ من الثلثِ إلى السدسِ والأبُ يحجبُهُم ويأخذُ ما نَقْصُوا من الأُمِّ.
وَالْجَدُّ مَعَ أَخَوَاتٍ كَأخٍ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ، كما لا يفرض لهن مع الأخ،
ولا تعال المسألة من أجلهن وإن كان قد يفرض للجد كما سلف، وتعال المسألة، لأنه صاحبُ فرضٍ بالجدودة فيرجع إليه للضرورة.
إِلَّا فِي الأَكْدَرِيَّةِ (264): وَهيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأخْتٌ لأَبَوَينِ أَوْ لأَب، فَلِلزَّوْج نِصْفٌ وَللأُمِّ ثُلُثٌ، لعدم من يحجبها عنه، وَللْجَدِّ سُدُس، لذلك أيضًا، وَلِلأُخْتِ نِصْفٌ، لعدم من يسقطها ومن يعصبها فإن الجدَّ لو عَصَبَها نقص حقُّهُ فتعين الفرضُ لَهَا، فَتَعُولُ، أي إلى تسعةٍ، ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْجَدُّ وَالأُخْتُ نَصِيبَهُمَا أَثْلاثًا؛ لَهُ الثُّلُثَانِ، لأنه لا يمكن أن تفوزَ بالنصف لئلا يُفَضِّلُهَا على الجدِّ وتصح من سبعة وعشرين، لأن أصلها من ستة وعالت إلى تسعة ونصيب الجدِّ والأختِ منها أربعةٌ لا تنقسم على ثلاثةٍ فانكسر على مخرج الثلث، فاضرب ثلاثة في تسعة تبلغ سبعًا وعشرين للزوج تسعةٌ وللأمِّ ستةٌ وللجدِّ ثمانيةٌ وللأختِ أربعةٌ. وفي تسمية هذه المسألة بالأكدرية سبعة أقوالٍ موضحةٌ بالأصل مع فوائدَ أُخَرَ فراجِعْها منهُ.
فَصْلٌ: لَا يتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ، لقوله عليه الصلاة والسلام [لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ] متفق عليه (265). وعن الإمام أحمد أنَّ اختلاف الدِّينِ لا يمنعُ الإرث بالولاء ونقلَهُ القاضي عبد الوهاب المالكى عن الشافعيِّ لكني رأيتُ في الأُم خلافَهُ.
وَلَا يَرِثُ مُرْتَدٌّ، لأنه لا سبيل إلى أنْ يرثَ من مرتدٍّ مِثْلِهِ لما سيأتي، ولا مسلمٌ للخبر السابق ولا كافرٌ أصليُّ؛ لأنه لا يقر على دِينِهِ وذاك يُقرُّ عليه فكانت المنافاة
(264) سمِّيت بالأكدرية؛ لنسبتها إلى أكدر، وهو اسم السائل عنها، المسؤول أو الزوج، أو بلد الميتة، أو لأنها كدرت على زيد مذهبه، لأنه لا يفرض للأخت مع الجد ولا يعيل مسائل الجد، وهنا فرضَ وأعال، وعلى هذا فينبغى تسميتها مكدرة أو أكدرية، وقيل: لأن زيدًا كدَّر على الأخت ميراثها لأنه أعطاها النصف ثم استرجعه. وقيل غير ذلك.
قاله الشربيني في مغني المحتاج.
(265)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الفرائض: باب لا يرث المسلم الكافر: الحديث (6764). ومسلم في الصحيح: كتاب الفرئض: الحديث (1/ 1614).
بينهما ثابتة فبطل إرثه، وَلَا يُوَرَّثُ، أي بل ماله فَيءٌ سواء كسبَهُ في الإسلام أو في الردَّةٍ؛ ارتدَّ في الصحة أو في المرضِ وقصد منع وارثه والدليلُ عليه فيما اكتسب في الردة أو الصحة الإجماع. وفي الباقى القياس عليهما وللإمام احتمالٌ في توريث المرتدِّ مِن المرتدِّ.
فَرْعٌ: الزنديقُ كالمرتدِّ، وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلْتُهُمَا، أي كاليهودي والنصراني والمجوسي وعبدةِ الأوثان لأنَّ جميعَ المِلَلِ في البُطلانِ كالْمِلةِ الواحدةِ قال تعالى:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (266) وقال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلا الضَّلَالُ} (267). فأشعرَ بأنَّ الكفرَ كلَّهُ مِلّةٌ واحدةٌ، وفي قولٍ أو وجهٍ لا يرثُ ملَّةٌ منهم أُخْرَى بناءً على أنَّ للكفرِ مِلَلٌ، لَكِنِ الْمَشْهُورُ أَنّهُ لا تَوَارُثَ بَينَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ، لانقطاع الموالاة بينهما، وصحَّحَ في أصل الروضة القطع به؛ والثاني: أنهما يتوارثان لشمول الكفر.
فَرْعٌ: لا توارث أيضًا بين حربيين في دارين بينهما حرب؛ قاله المصنف في كلامه على التنبيه.
فَرْعٌ: روي عن الإمام الحارث بن أسد المحاسبي؛ أنه وَرَثَ من أبيه مالًا كثيرًا فلم يأخذْ منهُ شيئًا مع احتياجهِ إلى دانقِ فضَّةٍ؛ لأن أباه كان واقفيًّا أي قدريًّا وهذا منه بناء على التكفيرِ.
فَرْعٌ: المعاهدُ المستأمنُ كالذميِّ على الأصحِّ وقيل كالحربيِّ.
وَلَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ، لقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ} (268) فإنَّ اللَّامَ فيه للتمليكِ والعبدُ لا يَمْلِكُ وإن قيل: يملكُ فهو ملكٌ ضعيفٌ ولا يورث أيضًا كذلك. وفي المبعض وجهٌ: أنه يرث بقدر ما فيه من الْحُرِّيَّة وهو ضعيفٌ؛ لأنه لو ورث لكان بعضُ المالِ لمالكِ الباقي وهو أجنبيٌّ عن
(266) الكافرون / 6.
(267)
يونس / 32.
(268)
النساء / 11.
الميت، وَالْجَدِيدُ: أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يُوَرَّثُ، لأنه تامُّ الملك فيرثُهُ قريُبهُ أو معتقهُ أو زوجتُهُ، وفي القدرِ الموروثِ وجهان؛ أصحُّهُما: جميعُ ما ملكَهُ بنصف الحُرِّ، والقديمُ: أنه لا يورث كما لا يرث وهو الأقيس، فماله لمالك الباقي على الأصحِّ، وَلَا قَاتِلٌ، لأحاديث واردة في الباب كلها متكلم فيها (269)، لكن المعنى أنّا لو ورثناه لم نأمن من داعرٍ مستعجلٍ الإرث أن يقتل مورثه فاقتضت المصلحة حرمانه، ولأنَّ القتلَ قطعُ الموالاةِ وهي سببُ الإرثِ، وقد وقع ذلك في شرع من قبلنا أيضًا وهو في العمد إجماع، وَقِيلَ: إِن لَمْ يُضْمَنْ، أي كقتله قصاصًا أو حدًّا، وَرِثَ، لأنه قتل بحقّ فأشبهَ قتلَ الإمامِ له في الحدِّ، واختارَهُ الرويانيُّ، وقوله (يُضْمَنُ) هو بضمِّ أوَّله
(269) * عن إسماعيل بن عياش عن ابن جرير ويحيى بن سعيد وذكر آخرًا ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ قال: قَال رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [لَيسَ لِلْقَاتِلِ مِنَ الْمِيرَاثِ شَيءٌ]. رواه النسائي في السنن الكبرى: الحديث (12490)، قال: وَالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاح.
* عن عمرو بن شعيب أن عمر قال: قَال رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: [لَيسَ لِقَاتِل شَيْءٌ]. رواه النسائي في الكبرى: الحديث (6368/ 2). والبيهقي في السنن الكبرى: الحديث (12489) عنه عن أبيه عن جده قال: قَال رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [لَيسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ؛ يَرِثُهُ أقْرَبُ النَّاسِ إِلَيهِ، وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيئًا].
والدارقطني في السنن: كتاب الفرائض والسير: الحديث (83 و 84) من الباب. من رواية سعيد بن المسيب عن عمر؛ وقد تكلم في سماع سعيد منه. وحديث عمرو بن شعيب عن عمر منقطع، لأنه لم يسمع من عمر.
* عن ابن عباس مرفوعًا: [لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيئًا]. رواه الدارقطني في السنن: كتاب الفرائض: الحديث (84) منه. وإسناده ضعيف.
* عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لَيسَ لِقَاتِل مِيراث] و [الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ]. رواه الدارقطني في السنن: الحديث (85 و 86) من كتاب الفرائض. والترمذي في الجامع: كتاب الفرائض: باب ما جاء في إبطال ميراث القاتل: الحديث (2109)، وقال: هذا حديث لا يصحُّ ولا يُعْرَفُ إلا من هذا الوجه.
* قال الترمذي: والعملُ على هذا عِنْدَ أهلِ العلمِ؛ أنَّ القاتلَ لا يرثُ كان القتلُ عَمْدًا أو خَطَأً. وقال بعضهم: إذا كان القتلُ خطأً فإنهُ يرثُ، وهو قولُ مالكٍ.
ليدخلَ فيه القاتل خطأً فإنَّ العاقلَةَ تُضَمِّنُهُ.
فَرْعٌ: قد يرث المقتولُ من قاتلِهِ بأنْ جرحَ مورثَهُ ثم ماتَ قبل موتِ المجروحِ ثم ماتَ المجروحُ من تلكَ الجراحة.
وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ، أي وكذا بحرقٍ، أوْ هَدْمٍ، أَوْ فِي غُربةٍ، أي وكذا إذا وجدا قتيلين في معركةٍ، مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا لَمْ يَتَوَارَثَا، وَمَالُ كُلِّ لِبِاقِي وَرَثَتِهِ، لأنّا لا نتيقنُ استحقاقَ وأحدٍ منهما، ولأنّا إن ورثنا أحدهما فقطْ فهُو تَحَكُّمٌ، وإن ورثنا كلًّا من صاحبه تيقنا الخطأَ، واعلم أن هذه المسألة لها خمسةُ أحوالٍ: إحداها: أن يُعلمَ سبقُ موته بعينِهِ؛ وحكمُهُ ظاهرٌ، ثانيها: أن يُعلم اللَّاحقُ ولا يعلم السابقُ، ثالثها: أن يُعلم وقوعُ الموتين معًا، رابعها: أن لا يُعلم شيئًا ففي هذه الصور الثلاث لا إرثَ كما ذكرهُ المصنّفُ، والثانية والرابعة تدخلان في قوله (أَوْ جُهِلَ أسْبَقُهُمَا)، خامسها: أن يُعلم سبقُ موته ثم يلتبسُ فيوقف الميراث حتى يتبينَ، أو يصطلحا، لأن التذكر غيرُ ميؤوسٍ منه. وهذه الأحوالُ الخمس تفرض فيما إذا وقعت جمعتان في بلدٍ واحدٍ كما سلف في بابه؛ ونكاحان من وليَّين على امرأةٍ، وكذا في مبايعة إمامَين كما سيأتي في بابه.
تَنْبِيهٌ: مجموعُ ما ذكرَهُ المصنِّفُ من موانع الإرث أربعة: اختلافُ دِينٍ؛ وَرِقٌّ؛ وَقَتْلٌ؛ وَاسْتِبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ. ومن موانعه أيضًا الدَّوْرُ: وهو أنْ يَلْزَمَ من توريِثهِ عَدَمُهُ؛ كما إذا أقرَّ الأخُ بابن لأخيهِ المِّيتِ؛ فإَّنهُ يثبت نسبُهُ ولا إرثَ لَهُ، وقد قدمه المصنف في آخر كتاب الإقرار كما سلف؛ وله صورٌ أخرى أيضًا ومنها: إحرامُ الوارثِ في الصيدِ خاصة فإنه يَمْنَعُ من إرثهِ على وجهٍ، ومنها: حبسُ الزَّوْج زَوْجَتَهُ عندَهُ لا لغرضٍ بل ليرثها إذا ماتت على وجهٍ. وأهملهَا؛ لأن الأصحَّ خلافُهُ. ومنها: كونُ الميتِ نبيًّا؛ لأن الأنبياءَ لا يورثون وأهمله لأنه أمر انقضى، وعدَّ الغزاليُّ من الموانع: اللِّعَانُ: فإنَّهُ يقطعُ ميراثَ الولدِ؛ قال: وكأنَّ هذا ليسَ مانعًا بل هو دافعٌ للنَّسَبِ إلا أنه يقتصرُ على الأبِ ومن يدلي به، أما الأُمُّ فهو يَرِثُهَا وهي تَرِثُ الْوَلَدَ.
فَصْلٌ: وَمَنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ، تُرِكَ مَالُهُ حَتى تَقُومَ بَيِّنَة بِمَوْتِهِ، أَو تَمْضيَ مُدَّة يَغْلِبُ عَلَى الظنِّ أَنْهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا؛ فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي ويحْكُمُ بِمَوْتهِ، ثُمَّ يُعْطِي مَالهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقتَ الْحُكْمِ، أي بموتِهِ ولا يورَثُ من ماتَ قبيل الحكم وَلَو بلحظةٍ لجواز أن يكونَ موتُ المفقود بين موته وبين حكم الحاكمِ، كذا جزَم به الرافعيُّ وغيره وفي البسيط: إذا حكم بموته قسِّمت تركتهُ بين ورثتِهِ الأحياءُ قبيل الحكم وهو ظاهز؟ فإن حكمَهُ بالموت يقتضي تقدمُهُ على الحكم والإرثُ مرتبٌ على الموتِ فيبنغي أن يكون قُبَيْلَهُ. والمدةُ المذكورةُ غيرُ مُقَدَّرَةً عند الجمهور، وقيل: مُقَدَّرَةٌ بسبعين سنةً، وقيل: مائة وعشرين فإنه العمرُ الطبيعيُّ عند الأطباء حكاهُ صاحبُ البيانِ، وَلَوْ مَاتَ مَن يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وَقَفْنَا حِصَّتَهُ وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالأَسْوَإ، أي فمَنْ سقطَ منهم بالمفقود لا يعطى شيئًا حتى يُتَبَيَّنَ حالُهُ، ومن ينقص حقه لحياته يقدر في حقه حياته، ومن ينقص في حقه بموته يقدر في حقه موته، وما لا يختلف نصيبه بحياته وموتهُ يعطى نصيبَهُ، وأمثلة ذلك موضحة في الأصل ومنها: زوجٌ مفقود وأختانِ لأبٍ وعَمٍّ حاضرون إن كان حيًّا فللأختين أربعة من سبعة ولا شيء للعمِّ، وإن كان ميتًا فلهما اثنانِ من ثلاثةٍ والباقي للعَمِّ فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّهِمْ حياتَهُ.
فَصْلٌ: وَلَوْ خَلْفَ حَمْلًا يَرِثُ أَوْ قَدْ يَرِثُ، أي خلف حملًا لو كان منفصلًا لكان وارثًا مطلقًا أو على تقدير إما بالذكورة كحملِ امرأةِ الأخِ والجدِّ؛ وإما بالأُنوثَةِ كما لو ماتَ عن زوج وأختٍ لأبوينِ وحملٍ من الأبِ، عُمِلَ بِالأحْوَطِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيرِهِ، أي كما سيأتي، فَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَرِثَ، لثبوت نسبهِ، وَإلَّا، أي وإن انفصلَ حيًّا لوقت لا يُعْلَمُ وجودُهُ عند الموت، فَلَا، لإنتفاء نسبِهِ وكذا إذا انفصلَ ميِّتًا؛ فإنه كالعدم سواءً تحركَ بنفسهِ في البَطْنِ أمِ انفصلَ بنفسهِ أو بجنايةِ جانٍ.
فَرْعٌ: تشترط الحياة عند تمام الانفصال.
بيَانُهُ إِن لَم يَكُنْ وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ، أَوْ كَان مَن قَدْ يَحْجُبُهُ؛ وُقِفَ الْمَالُ،
وَإنْ كَان مَنْ لَا يَحْجُبُهُ، وَلَهُ مُقَدَّرٌ أُعْطِيَهُ عَائِلًا، إِن أَمْكَنَ عَوْل كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَينِ؛ لَهَا ثُمُنٌ؛ وَلَهُمَا سُدُسَان عَايِلاتٌ، أي لاحتمال أن الحمل بنتان، وقوله (عَايِلاتٌ) هو بالمثناة فوق يعني الثُّمُنَ وَالسُّدُسَينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ؛ كَأَوْلادٍ لَم يُعْطَوْا، بناء على أن أقصى عدد الحمل لاضبط له؛ لأنه وحد خمسة في بطن وإثنا عشر في بطن وأربعون في بطن، وَقِيلَ: أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَة فَيُعْطَوْن الْيَقِينَ، قال الإمامُ: وكان شيخي يقول: إنه المذهب. فعلى الأول لو خلف ابنا وأُمَّ ولدٍ حاملًا لم يصرف إلى الابن شيء؛ ولو خلف ابنًا وزوجةً حاملًا فلها الثُّمُنُ ولا يدفع إلى الابنِ شيء، وعلى الثاني: له الخمس أو خمس الباقي على تقدير إرثهم أنهم أربعة ذكور.
فَصْلٌ: وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إِن لَمْ يَخْتَلِفْ إِرْثُهُ، أي بالذكورة والأنوثة، كَوَلَدِ أُمِّ وَمُعْتِقٍ فَذَاكَ، أي فلا إشكال في توريثه لأنَّ ولدَ الأُمِّ له فرضٌ مخصوصٌ ذكرًا كان أو أنثى، والمعتِقُ عَصَبَةً ذكرًا كانَ أو أُنثَى، والخنوثة إنما تمنع من الصرف حيث يمنع الشك في الذكورة أو الأنوثة، وخرج بالمشكل الواضح، وَإِلَّا، أي وإن اختلفَ إرثُهُ، فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ في حَقِّهِ؛ وَحَقِّ غَيرِهِ، ويوقَفُ الْمُشكُوكُ فِيهِ حَتّى يَتَبَيَّنَ، لوجوب العمل باليقين وطرح المشكوك فيه، مثاله؛ كما ذكره الرافعي في الْمُحَرَّر: ولدٌ خُنثى وأخٌ، يصرفُ إلى الولد النصفُ ويوقفُ الباقي. وكذاُ خنثى وعمٌّ وبنتٌ للولدين؛ الثلثان بالسوية ويوقفُ البقيَّةُ بينَ الْخُنثى والعَمِّ. زوجٌ وأبٌ وولدٌ خُنْثَى، للزَّوجِ الرُّبُعُ وللأبِ السُّدُسُ وللولدِ النصفُ ويوقفُ الباقي بينَهُ وبينَ الأبِ.
فَرعٌ: لو مات الخنثى في مدة التوقف؛ فالأظهرُ أنه لا بُدَّ من الاصطلاح، وفي قول: إنَّهُ يردُّ إلى ورثَةِ الْمَيِّتِ الأَوَّلِ.
فَائِدَةٌ: الخنثى ضربان، أشهرهما: مَا لَهُ فَرجُ الرِّجَالِ وَفَرْجُ النِّسَاءِ، والثاني: إنه الذي له ثقبةٌ لا تَشْبَهُ واحدًا منهما مأخوذٌ من قولهم تَخَنَّثَ الطَّعَامُ أو الشَّرَابُ إذا اشتَبَهَ أَمْرُهُ فَلَمْ يخلص طَعْمَهُ المقصود وشاركَ طَعْمَ غيرِهِ.
فَصْلٌ: وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ؛ أَو ابْنِ عَمٍّ
وَرِثَ بِهِمَا، أي فيأخذُ النصفَ بالزوحية والآخر ببنوةِ العَمِّ، أو بكونه معتقًا، لأنهُ وارثٌ بسببين مختلفين فأشبَهَ ما لو كانِت القرابتان في شخصين.
قُلْتُ: فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاح الْمَجُوسِ أَو الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ، أي بأن وطءَ ابنته فأولدَها بنتًا، ثم ماتت العليا فقد خلَّفَتْ أُخْتًا من أب وبنتًا، وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ، أي فقط لقوتها، وَقِيلَ: بِهِمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأنهما سببان يورث بكل واحدٍ عند الانفرادِ، فإذا اجتمعا لم يسقط أحدُهما الآخرَ، كابنِ عَمٍّ هُو أخٌ لأُمٍّ.
وَلَو اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ، وَزَادَ أَحَدُهمَا بِقَرَابَةٍ أُخْرَى، كَابْنَي عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لأُمٍّ، فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَينَهُمَا، أي بالعصوبة لما تقدم، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ، فَلَهَا نِصْفٌ، وَالْبَاقِي بَينَهُمَا سَوَاءٌ، لأن أُخُوَّةَ الأُمِّ سَقَطَت بِالْبِنْتِ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ الأَخُ، لأنَّ البنتَ مُنِعَتْ من الأخذ بقرابةِ الأُمِّ، فإذا لم يأخذ بها رجحت عصوبته كالأخ لأبوينِ مع الأخ لأبٍ، وَصُورَتُهُ: ابْنَي عَمٍّ، أحدُهُما أخٌ لأُمٍّ، أن يتعاقب آخران على امرأةٍ، ويلدُ لكلِّ واحدٍ منهما ابنًا، ولأحدهما ابنٌ من غيرِها؛ فابناهُ أبناءُ عمٍّ للآخر؛ وأحدُهُما أخُوهُ لأُمِّهِ.
فَصْلٌ: وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَرِثَ بَأَقْوَاهُمَا فَقَطْ، لما تقدم، وَالْقُوَّةُ؛ بِأَنْ تحْجُبَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى، أَو لَا تَحْجُبُ، أَوْ تَكُون أَقَلَّ حَجْبًا، فَالأَوَّلُ: كبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لأُمٍّ؟ بأَن يَطَأَ مَجُوسِي أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَهٍ أُمَّهُ فَتَلِدُ بِنْتًا، فَالأُخُوَّةُ سَاقِطَةٌ بالْبِنْتِيَّةِ، وَالثَّانِي: كَأُمِّ هِيَ أخْتٌ لأَبٍ بِأَن يَطَأَ بِنْتَهُ فَتَلِدُ بنتًا، وَالثَّالِثُ: كَأُمِّ أُمٍّ هيَ أَخْتٌ، لأبٍ، بِأَن يَطَأَ هَذِهِ الْبِنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدُ وَلَدًا فَالأُوْلَى أُمُّ أُمِّهِ، أي أُمُّ أُمِّ الْوَلَدِ، وَأُخْتُهُ، أي لأبيهِ؛ ويكون الإرث في الثانية بالأُمُومَةِ أو الْجُدُودَةِ دُونَ الأُخُوَّةِ لأُمٍّ، لأنَّ الأُمَّ لا تحجب، وَأُمُّ الأُمِّ لا يحجبُها إلا الأمُّ، وأمَّا الأُخْتُ فيحجبها جماعةٌ كما سلف، ولا يرثون بالزوجية قطعًا لبطلانها كذا إدعاه الرافعيُّ والمصنِّفُ هنا؛ لكنهما حكيا عن البغوي وجهًا في كتاب النِّكَاحِ: أنَّ منهم من بَنى التوارث على الخلاف في صِحَّةِ أنكحتِهم، واعلمْ أنَّ عبارة المصنف المذكورة هنا يدخلُ فيها
ما زادَهُ قَبْلُ من قوله (قُلْتُ: فَلَوْ وُجِدَ) إل آخره؛ لأنَّ الذكورة هنا قاعدةٌ عامَّةٌ وذلك من بعضِ أمْثِلَتِهَا، نعَمْ: أفادَ وجهًا ليس في المُحَرَّر بقوله: قَبِلَ بِهِمَا.
فَصْلٌ: إِنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ عَصَبَاتٍ قُسِّمَ الْمَالُ بِالسَّويَّةِ؛ إِنْ تَمَحَّضُوا ذُكُورًا، أي كثلاثِ بنينَ مثلًا، أَوْ إِنَاثًا، كأرْبَع نِسْوَةٍ أعْتَقْنَ عَبْدًا بالسويَّةِ بينهنَّ؛ فإنْ تفاوَتَ الملك؛ فالظاهرُ تفاوُتُ الإرثِ بحسبِهِ، وَإِنِ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ قُدِّرَ كُلُّ ذَكَرٍ أنْثَيَينِ، حذرًا مِن الكسر وأعطينا كلَّ ذكرٍ سهمين وكُل أُنْثَى سهمًا، وَعَدَدُ رُؤوسِ الْمَقْسُومِ عَلَيهِم أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، أي فإذا خلفَ ابنينِ وبنتينِ فأصلُ المسألةِ من ستَّةٍ، وهكذا، وَإِنْ كانَ فِيهِمْ ذُو فرْضٍ أَوْ ذُوَا فرضَينِ مُتَمَاثِلَينِ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ مَخرَجِ ذَلِكَ الكَسْرِ، مثالُ الأوَّل: زوجٌ وأخٌ؛ المسألة من اثنين، ومثالُ الثَّاني: زوجٌ وأختٌ للزوج النصفُ وللأختِ النصفُ فهي أيضًا من اثنين، واستغرقا جيع المال ولا نظيرَ لها، وقد يكون الفرضانِ غير متماثلَينِ ولكنهما متماثلا المخرج؛ كأختين لأبوينِ لهما الثلثانِ، وأختين لأُمٍّ لَهُمَا الثلثُ، ومخرجهما من ثلاثة، لأن الثلثين ضعفُ الثلاثة.
واعْلَم: أنَّ الْمَخْرَجَ هُوَ أوَّلُ عَدَدٍ يَصِحُّ مِنْهُ الْكَسْرُ، وهو أصلُ المسألةِ، والكسرُ هو الْجُزْءُ، وهو ما دُونَ الواحدِ، فَمَخرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ، وَالثُّلُثِ ثَلاثَةٌ، وَالرُّبُع أَرْبعَةٌ، وَالسُّدُسِ سِتّةٌ، وَالثُّمُنِ ثَمَانِيَةٌ، لأنها مشتقَّةٌ من أسماءِ الأعدادِ لفظًا. ومعنى وَالثُّلثِ: واحدٌ من ثلاثةٍ، وَالرُّبُع: واحدٌ من أربعةٍ، وَالسُّدُسِ: واحدٌ من ستَّةٍ، وَالثُّمُنِ: واحدٌ من ثمانيةٍ؛ إلا في النصف فإنه لم يشتق من اسم العدد، ومقتضاه أن يشتق من لفظ اثنين ولو اشتق لقيل له ثُنِيَ بضم أوله كما قيل في غيره، وإنما اشْتُقَّ من النصفِ وهو التّنَاصُفُ؛ يعني أنَّ المقتسمينَ قد تَنَاصَفَا وَأُنْصِفَا بالسويَّةِ بينهما، وأقلُّ. عددٍ له نصفٌ صحيحٌ هو الاثنانِ، وأقلُّ عددٍ له ثلثٌ صحيحٌ ثلاثةٌ، وأقلُّ عددٍ له ربعٌ صحيحٌ أربعةٌ، وَإنْ كَان فَرضَان مُخْتَلِفَا الْمَخْرَج، فَإنْ تَدَاخَلَ مَخْرَجَاهُمَا فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أكْثُرُهُمَا كَسُدُسٍ وَثُلُثٍ، أي كما إذا خلف أخوينِ لأُمٍّ وأُمًّا؛ فلِلأُمِّ السدسُ وهي من ستةٍ، وللأخوين في الأُمِّ الثلثُ وهو من ثلاثةٍ، والثلاثة داخلةٌ في الستةِ، وأصلُ المسألةِ أكثرُ العددين، وهو ستةٌ، وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي
الآخَرِ، وَالحَاصِلُ أَصلُ الْمَسْأَلَةِ؛ كَسُدُسٍ وَثُمُنِ فَالأَصْلُ أَربعَةٌ وَعِشْرُون، أي كما إذا خلف ابنًا وزَوْجَة وجدَّةَ، فللزَّوجَةِ الثُّمُنُ ومخرجه من ثمانية، وللجدة السُّدسُ، ومخرجه من ستة وبينهما توافق بالنصف فيرد أحدَهما إلى النصف، ويضربه في العددِ الآخرِ يبلغُ أربعةً وعشرينَ، فهو أصلُ المسألةِ، وإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ كُلٌّ في كُلٍّ، وَالْحَاصِلُ الأَصْلُ كَثُلُثِ وَرُبُع، فَالأَصْلُ اثْنَا عَشَرَ، أي كما إذا خلفَ أُمًّا وزوجَةً، للأُمِّ الثلث وهو من ثلاثٍ وللزَّوْجَةِ الرُّبْعُ، وهو من أربعةٍ، والأربعةُ والثلاثةُ متباينان، فتضرب ثلاثةٌ في أربعةٍ فتبلغ إثنا عشر فهو أصلُ المسألةِ، فَالأَصْلُ سَبْعَةٌ: اثْنَانِ، وَثَلَاثَةٌ؛ وَأَرْبَعَةٌ، وسِتَّةٌ، وَثَمَانِيَةٌ، وَاثْنَا عَشَرَ؛ وَأَربعَةٌ وَعِشْرُون، وهذا ما عليه الجمهورُ أنَّ الأصول سبعةٌ، لأنها إلى وردت في الكتاب، ومِن المتأخرين مَن يقول الأصولُ تسعةٌ بزيادة ثمانية عشر وستة وثلاثين على قولِ زيد بن ثابت في الجدِّ والأخوة حيث كان ثلث الباقي بعد الفروض خيرًا له واختاره في الروضة، وَالْذِي يَعُولُ مِنْهَا، أي من هذه الأصول ثلاثةٌ أي وهي ستة واثنا عشر وأربعة وعشرون لإمكان اجتماع فروض يزيدُ عليها بخلاف الباقي فإنها لا تعول كما أوضحته في الأصل.
السِّتَّةُ إِلَى سبعَةٍ كَزَوْج وَأُخْتَينِ، أي بسدسها، وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ كَهُمْ وَأُمِّ، أي بثلثها، وَإِلَى تِسْعَةٍ كَهُمْ وَأَخٍ لأُمٍ، أي بأن يزاد عليها سهم له، وَإِلَى عَشْرَةٍ كَهُمْ وَآخَرَ لأُمٍّ، بأن يزاد عليها سهم له وتسمى أُمُّهُ أُمُّ الفروخ بالخاء المعجمة، وقيل بالجيم لكثرة سهامها العائلة فيها والشريحيةِ أيضًا لوقوعها في زمن القاضي شريح وقضائِهِ فيها بذلك. فتلخص أنَّ السِّتَّةَ تعول أربع مرات، ثم أنها متى عالت إلى أكثر من سبعةٍ لا يكون الميت فيها إلا امرأةٌ.
وَالاثْنَى عَشَرَ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَينِ، أي بنصف سدسها، وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَأَخٍ لأُمِّ، أي ربعها، وإِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ، أي، كَهُمْ وَآخَرَ لأُمٍّ، قُلْتُ: وكذا هؤلاء وأُمٌّ وَجَدَّةٌ. فتلخص أنها تعول إلى ثلاث مراتٍ بالإفراد دون الإشفاع، لأنه لا بد فيها من ربع وهو وتر ولا وتر معه أيضًا فتشفعه.
وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، أي فقط، كَبِنْتَينِ وَأبَوَينِ وَزَوْجَةٍ، أي بثمنها وهذه المسألة تسمى المِنْبَرِيَّةَ لأنَّ عليًّا رضي الله عنه سُئل عنها وهو على المنبر فقال ارتجالًا: صَارَ ثَمَنُهَا تِسْعًا (270)، وذلك لأن ثلاثة من سبعة وعشرين تسْعٌ في الحقيقة ولا يكون هذا العول، إلا والميت رجلٌ، بل لا تكون المسألة من أربعة وعشرين إلا وهو رجلٌ، ثمْ اعْلَمْ أنَّ العَوْلَ: عِبَارَةٌ عَنْ رَفْع الحِسَابِ، ومعناهُ؛ أنَّا نَرْفَعُ سِهَامَ الْمَسأَلَةِ عَن سِهَامِ ذَوي الْفُرُوْضِ لَيَدْخُلَ النَّقْصُ عَنْ كُلٍّ بَقَدَرِ فَرْضِهِ، وأشار به ابن عباس في زمن عمر بن الخطاب ثم أظهر خلافه بعد ولم يأخذ بقوله إلا قليل (271).
(270) قال ابن حجر: المنبرية؛ سئل عنها علي وهو على المنبر؛ وهي: زوجة وأبوان وبنتان. فقال مرتجلًا: (صار ثمنها تسعًا). رواه أبو عبيد والبيهقي. وليس عندهما أن ذلك كان على المنبر، وقد ذكره الطحاوي من رواية الحارث عن علي، فذكر فيه المنبر. انتهى. ينظر: تلخيص الحبير: كتاب الفرائض: آخر الباب: ج 3 ص 102. وينظر: السنن الكبرى للبيهقي: كتاب الفرائض: باب العَوْلِ في الفرائض: الأثر (12714).
(271)
عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود؛ قال: دَخَلْتُ أنَا وَزُفَرُ بْنُ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَمَا ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَتَذَاكَرْنَا فَرَائِضَ المِيرَاثِ، فَقَال:(تَرَوْنَ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا، لَمْ يُحْصِ فِىِ مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا، إِذَا ذَهَبَ نِصْف وَنِصْف، فَأينَ مَوْضِعُ الثَّلُثِ) فَقَال لَهُ زُفَرٌ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَنْ أَوَّلُ منْ أَعَال الْفَرَائِضَ، قَال:(عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه) قَال: وَلمَ، قَال:(لَمَّا تَدَافَعْتْ عَلَيهِ وَرَكِبَ بَعْضُهَا بَعْضًا، قَال: وَاللهِ مَا أَدْرِي ما كَيفَ أَصْنَعُ بِكُمْ، وَاللهِ مَا أَدْرِي أَيُّكُمْ قَدَّمَ اللهُ وَلَا أَيُّكُمْ أَخَّرَ، قَال: وَمَا أَجِدُ فِي هَذَا الْمَالِ شَيئًا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ أَقْسِمَهُ عَلَيكُمْ بالْحِصَصِ) ثُمَّ قَال ابْنُ عباس: (وَأيمْ اللهِ لَوْ قُدِّمَ مَنْ قَدَّمَ الله، وَأُخِّرَ مَنْ أخَّرَ الله مَا عَالت فَرِيضَةٌ، فَتِلْكَ الَّتِي قَدَّمَ الله، وَتِلْكَ فَرِيضَةُ الزَّوْجِ لَهُ النِّصْفُ، فَإنْ زَال فَإِلَى الرُّبُعِ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَالْمَرْأَةُ لَهَا الرُّبُعُ، فَإِنْ زَالتْ عَنْهُ صَارَتْ إِلَى الثَّمُنِ لَا تَنْقُصُ مِنْهُ، وَالأَخَوَاتُ لَهُنَّ الثُّلثَان وَالْوَاحِدَةُ لَهَا النِّصْفُ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيهِنَّ الْبَنَاتُ كَانَ لَهُنَّ مَا بَقِيَ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخَّرَ الله، فَلَوْ أُعْطِيَ مَنْ قَدَّمَ الله فَرِيضَةً كَامِلَةَ، ثُمَّ قُسِمَ مَا يَبْقَى بَينَ مَنْ أخَّرَ الله بِالْحِصَصِ مَا عَالتْ فَرِيضَةٌ)، فَقَال لَهُ زُفَرٌ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُشِيرَ بِهَذَا الرَّأْيِ عَلَى عُمَرَ، فَقَال:(هِبْتُهُ وَاللهِ). قَال ابْنُ إسْحَاق: قَال لِيَ الزُّهْرِيُّ: وَأَيمُ اللهِ لَوْلَا أنْ تَقَدَّمَهُ إِمَامُ هُدًى كَانَ أَمْرُهُ عَلى الوَرَع، مَا اخْتَلفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ العِلمِ. رواه =
وَإِذَا تَمَاثَلَ الْعَدَدَانِ فَذَاكَ، أي أمرُهُ ظاهرٌ كثلاثةٍ وثلاثةِ وعَشَرَةٍ وَعَشَرَةٍ، فإنك تسقطُ أحدَهُما وتكتفي بالآخرِ، وَإنِ اخْتَلَفَا، وَفَنِيَ الأَكْثَرُ بِالأَقَلِّ مَرَّتَينِ فَأَكْثَرَ، فَمُتَدَاخِلَانِ كَثَلَاثَةٍ مَعَ سِتَّةٍ أَوْ تِسْعَةٍ، أي أو خمسةٍ وعشرةٍ كما ذكره في الْمُحَرَّر فإن السِّتَّةَ تُفنى بإسقاط الثلاثةِ مرتينِ، والتسعةُ تُفنى بإسقاط الثلاثة منها ثلاث مرَّاتٍ فإنها ثلثها، والعشرةُ تُفنى بإسقاط الخمسةِ مرتينِ لأنها نِصْفُهَا، وكذا الاثنينِ مع الثمانية تُفنى بإسقاط الاثنينِ منها أربعَ مراتٍ فإنها رُبُعُهَا، ومعنى التَّدَاخُلِ: أَنُّ الأَقَلَّ دَاخِلٌ في الأَكْثَرِ، والأكثرُ مدخولٌ فيه، والمتداخلُ أنك تكتفي بالأكثرِ وتجعله أصل المسألة.
وَإِنْ لَمْ يُفْنِهِمَا إلا عَدَدٌ ثَالِثٌ فَمُتَوَافِقَانِ بِجُزْئِهِ كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ بِالنِّصْفِ، لأنك إذا سلطت الأربعة على الستة تبقى من الستة اثنان سلطها على الأربعة مرتين تفنى بهما، فقد حصل الإِفناء بإثنين وهو عدد غير الستة والأربعة فهما متوافقان بجزء ذلك العدد وهو النصف.
وَإِنْ لَمْ يُفْنِهِمَا إلا وَاحِدٌ تَبَايَنَا كَثَلَاثَةٍ وَأَرْبعَةٍ، لأنك إذا سلطت الثلاثة على الأربعة تفنى به، وحكمُ المتباين أنك تضرب أحدَ العددين في الآخر فانحصَرَ حينئذ نسبةَ كُلّ عددين في هذه الأربعة، التَّمَاثُلُ؛ وَالتَّدَاخُلُ؛ وَالتَّوَافُقُ؛ وَالتَّبَايُنُ، وَالْمُتَدَاخِلَانِ مُتَوَافِقَانِ، أي بأجزاء ما في العدد الأقل من الآحاد، ولذلك يفتي الأكثرُ به. مثالهُ: الخمسة تفني العشرةَ فهما متوافقان بالأحماس، وَلَا عَكْسَ، أي فالثلاثةُ مع الستةِ تسمى متوافقةٌ ومتداخلةٌ والأربعة مع الستة متواففةٌ لا متداخلةٌ.
فَرْعٌ: إِذَا عَرَفْتَ أَصْلَهَا، أي المسألة، وَانْقَسَمَتِ السِّهَامُ عَلَيهِمْ، أي على المستحقين، لَذَاكَ، أي فلا حاجة إلى ضرب، كَزَوْجَةٍ وثلاثة أخوة، وَإِنِ انْكسَرَتْ عَلَى صِنْفٍ، قُوبِلَتْ بِعَدَدِهِ، أي قوبلت سهامه بعدد رؤوسه، فَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ
= البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الفرائض: جماع أبواب الجد: باب العَوْل في الفرائض: الأثر (12716).
عَدَدُهُ فِي المَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا إِنْ عَالتْ، مثالُهُ كما فِي الْمُحَرَّرِ: زوجٌ وأَخَوَانِ هي من اثنين؛ للزوج واحدٌ يبقى واحدٌ لا يصحُّ عليهما ولا موافقةً تضربُ عددَهما فِي أصل المسألة تبلغ أربعة منها تصح، وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وفْقَ عَدَدِهِ فِيهَا، فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ، مثالُهُ كما فِي الْمُحَرَّرِ: أم وأربعَةُ أَعْمَامٍ هي من ثلاثة، للأم واحدٌ يبقى اثنان؛ لا يصحُّ عليهم، لكن يبقى توافق عددُهُم بالنصف، فيضرب وَفْقَ عَدَدِهِمْ فِي أصلِ المسألة تبلغُ سِتَّةٌ؛ منها تصحُّ.
واعلم أن الضربَ عند أهل الحسابِ تضعيفُ أحدِ العددين بِقَدَرِ ما فِي الآخر من آحادٍ، والواحدُ ليس بعددٍ وإنما هو ابتداءُ العدد، وإِنِ انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفَينِ قُوبِلَتْ سِهَامُ كُلِّ صِنْفٍ بِعَدَدِهِ، فَإِنْ تَوَافَقَا رَدَّ الصِّنْفُ إِلَى وَفْقِهِ، أي رَدَّ رُؤُوْسَ كلَّ صنفٍ إلى جزءِ الوَفْقِ، وَإِلَّا، أي وإن لم يكن بين السهام والرؤوس موافقة فِي واحدٍ من الصنفينِ، تُرِكَ، أي عددُ كلِّ فريقٍ بحاله، فإنَّ الوَفْقَ فِي أحد الصنفين، فيرد رؤوسه إلى جزء الوفق ويترك رؤوس الآخر بحالها، فهذه ثلاثةُ أحوال، لأنه إما أن يكون بين عدد كل فريق وسهامه موافقة بجزء أم لا، أو بيّن أحدهما دون الآخر، وفي كلٍّ منهما أربعُ مسائلَ، لأن عدد الفريقين فيها إما أن يكون متماثلين أو متداخلين أو متواففين أو متباينين كما سيذكره المصنِّفُ على الأثر، ومجموع ذلك اثنا عشر مسألة، ثُمَّ إِنْ تَمَاثَلَ عَدَدُ الرُّؤوسِ، أي فِي هذه الأحوال، ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا، وَإِنْ تَدَاخَلَا ضُرِبَ أَكْثَرُهُمَا، أي فِي أصل المسألة أيضًا بعولها، وَإنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ، ثُمَّ الحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ، أي بعولها، وَإنْ تَبَايَنَا، ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي الآخَرِ؛ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ فِيهِ، ومن أمثلة الحال الأوَّل: أُمٌّ وستَّةُ إخوةٍ لأُمٍّ واثنا عشرَ أُخْتًا لأَبٍ من ستة وتعول إلى سبعةٍ؛ للأخوة سهمان يوافقان عددهم بالنصف فترد عددهم إلى ثلاثة، والأخوات أربعة توافق عددهن بالنصف والربع فرد عددهن إلى ثلاثة ردًّا لأقلِّ عدد الوفقين فتماثل العددان المردودان. ومن أمثلة الثانية: وهي قوله (وَإِلَّا تُرِكَ) ثلاثُ بناتٍ وثلاثةُ أخوةٍ. ومن أمثلة الثالثة: أربعةُ بناتٍ وأربعُ أخوةٍ يردُّ
عددُهُم إلى اثنين، ويتداخل العددان وبقية الأمثلة موضحة فِي الأصل.
ويقَاسُ عَلَى هَذَا؛ الانْكِسَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ وَأَرْبَعَةٍ، أي فينظر فِي سهام كل صنف وعدد رؤوسهم، فحيث وجدنا الموافقة رددنا الرؤوس إلى جزء الوُفْقِ وحيثُ لم نجد نفيناهُ بحالِهِ، ثم يجئُ فِي عدد الأصناف من الأحوال السابقة فِي النظر إلى التماثل والتداخل والتوافق والتباين، وَلَا يَزِيدُ الانْكِسَارُ عَلَى ذَلِكَ، أي على أربعةِ أصنافٍ، لأن الوارثين فِي الفريضة الواحدة لا يزيدونَ على خمسةِ أصنافٍ، كما تقدم فِي أول الكتاب عند اجتماع مَن يَرِثُ من الرجال والنساءِ، ولا بد من صحة نصيبِ أحدِ الأصنافِ عليه، لأن أحدَ الأصنافِ الخمسةِ، الزوجُ والأبوانِ والواحدُ يصحُّ عليهِ نصيبُهُ قطعًا فلزم الْحَصْرَ.
فَإِذَا أَرَدْتَ، أي بعد فراغك من تصحيح المسألة، مَعْرِفَةَ نَصِيبَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ مَبْلَغِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَاضرِبْ نَصِيبَهُ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ضَرَبْتَهُ فِيهَا، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُهُ، ثُمَّ تُقَسِّمُهُ عَلَى عَدَدِ الصِّنفِ، مثالهُ كما فِي المُحَرَّرِ: جدَّتان وثلاث أخواتٍ لأبٍ وعمٍّ وهي من ستة، وتبلغُ بالضربِ ستةٌ وثلاثون للجدَّتين من أصل المسألة سهمٌ مضروبٌ فيما ضربنا فيه المسألة تكون ستةٌ للأخواتِ أربعةٌ مضروبةٌ فِي ستةٍ تبلغُ أربعةَ وعشرينَ وهذا أشهرُ الطرقِ وأخَفُّهَا معرفة فِي ذلك.
فَرْعٌ: أي فِي المناسخات. واشتقاتها من النَّسْخ، لأن المال تَنَاسَخَتْهُ الأيدي وانْتَسَخَ. تصحيحُ مسألة الميت الأولِ بموتِ الثَّاني بعدَهُ.
مَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ، فَمَاتَ أَحَدُهُم قَبلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَرِثِ الثَّانِي غَيرُ البَاقِينَ، وَكَان إِرْثُهُمْ مِنهُ كَإِرثهِمْ مِنَ الأَوَّلِ؛ جُعِلَ كَأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ، وَقُسِّمَ بَينَ الْبَاقِينَ كَإِخْوَةِ وَأَخَواتٍ أَوْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ مَاتَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبَاقِينَ، أي وكذا إذا ماتت عن زوجٍ وَأُمٍّ وأخواتٍ مختلفاتِ الآباءِ، ثم نكح الزوجُ إحداهُنَّ فماتتْ عن الباقين.
وَمَن لَمْ يَنْحَصِرْ إِرْثُهُ فِي الْبَاقِينَ، أي إِمَّا لأنَّ الوارثَ غيرُهُم أو لأنَّ غيرَهُم يَشْرُكُهُمْ، أَو انْحَصَرَ وَاخْتَلَفَ قَدْرُ الاسْتِحْقَاقِ فَصَحَّحْ مَسْأَلَةِ الأَوَّلِ، ثُمَّ مَسْأَلَةِ
الثَّانِي، ثُمَّ إِنْ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي مِنْ مَسْأَلَةِ الأوَّل عَلَى مَسْأَلَةِ فَذَاكَ، وَإِلَّا، أي وإن لم ينقسم، فَإِنْ كَان بَينَهُمَا مُوَافَقَةٌ ضُرِبَ وَفْقُ مَسْأَلَتِهِ فِي مَسْأَلَةِ الأَوَّلِ وَإِلَّا كُلُّهَا فِيهَا؛ فَمَا بَلَغَ صَحَّتَا مِنْهُ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيءٌ مِنَ الأُوْلَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَ فِيهَا، وَمَن لَهُ شَيءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي نَصِيبِ الثَّانِي مِنَ الأُوْلَى أَوْ فِي وَفْقِهِ إِنْ كَان بَينَ مَسْأَلَته وَنَصِيبهِ وَفْقٌ، المثالُ كما ذكره فِي الْمُحَرَّرِ: زوجٌ وأُختانِ لأبٍ ماتتْ إِحْدَاهُمَا عن الأُخرى وعن بِنْتِ الأُولى من سبعةٍ، والثانية من اثنين ونصيبُ الأخت الميتة من الأُولى اثنان، وقد ذكرتُ ذلك من المثل فِي الأصل فراجعه منه، وقوله (فَإِنْ لَمْ يَرِثِ الثَّانِي غَيرُ الْبَاقِينَ) إلى قوله (كَإِخْوَةٍ وَأخَوَاتٍ أوْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ) كذا صوَّرَهُ فِي صراثِ العَصَبَةِ وَيُتَصَوَّرُ أيضًا فِي الميراث بالفرض وبهما كما أوضحتُهُ فِي الأصل فسارع إليه ترشد إن شاء اللهُ تعالى وبالله التوفيق، وقوله (وَإِلَّا كُلُّهَا) حذف الفاء من (كُلُّهَا) ضرورة. إنما حدفَ فعلٌ مدلولٌ عليه بما تقدم، أي وإلَّا ضربَ كُلّها فيها. ومثله جائز من غير ضرورة.
وبالله التوفيق. وصلى الله على سيدنا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين ثم يليه الجزء الثاني من كتاب الوصايا (•).
(•) وفي النسخة الثانية: وبالله التوفيق، يتلوه الجزء الثاني: أوله كتاب الوصايا، نجز هذا الجزء بحمد الله وعونه، وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، غفر الله لكاتبه ولوالدبه ولقارئه وللناظر فيه ولجميع المسلمين والمؤمنين.
وفي النسخة الثالثة: كتب الناسخ يقول: وكان الفراغ من هذا الكتاب المبارك في اليوم السادس من جمادى الأولى من شهرر سنة ثمانين وثماني مائة على مالكه العبد الفقير المعترف بتقصيره الراجي عفو ربه اللطيف الخبير
…
بن أحمد بن محمد بن عمر ال .... بلدًا؛ الشافعي مذهبًا غفر الله له ولوالديه، ولمن دعى له بالتوبة والمغفرة ورزقة الله الثَّبات عند الممات والمسلمين أجمعين. آمين والحمد لله وحده. وقال:
كَتَبْتُكَ يَا كِتَابِي وَلَسْتُ أَدْرِي
…
إِذَا مَا مِتُّ مَنْ يَقْرَاكَ بَعْدِي
وصلى الله على سيدنا مُحَمَّدٍ وآله وصحبه وسلم ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين.