المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الرضاع الرِّضَاعُ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِمَصَّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ اللَّبَنِ. - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٣

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌كتاب الرضاع الرِّضَاعُ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِمَصَّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ اللَّبَنِ.

‌كتاب الرضاع

الرِّضَاعُ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِمَصَّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ اللَّبَنِ. وَالأَصْلُ فِيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (123) وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: [يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (124)، وَالإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا.

إِنَّمَا يَثْبُتُ بِلَبَنِ امْرأَةٍ، أي فلا يثبت بلبن رجل وبهيمة، وخنثى مشكل إذا لم تظهر أنوثته، لأنه لم يخلق لغذاء الولد، فلم يتعلق به التحريم كسائر المائيات، وسواء الخلية والبكر وغيرهما، حَيَّةٍ، أي فلا يثبت بلبن حُلِبَ بعد موتها، واوجر الْمُرْتَضَعُ (•) أو ارتضع من ثدي ميتة، لأنه حرام غير محترم، بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِيْنَ، أي فإن لم تبلغها وظهر لها لبن فلا يثبت به التحريم، لأنها لا تحتمل الولادة واللبن فرع الولد.

وَلَوْ حَلَبَتْ، أي وهي حَيَّةٌ، فَأُوْجِرَ بَعْدَ مَوْتِهَا حَرَّمَ فِي الأَصَحِّ، لأنه انفصل عنها وهو حلال محترم، والثاني: لا، لِبُعْدِ إِثْبَاتِ الأُمومة بَعْدَ الموت.

وَلَوْ جُبِّنَ أَوْ نُزِعَ مِنْهُ زُبْدٌ حَرَّمَ، لحصول عين اللبن إلى الجوف والتغذي به، وَلَوْ خُلِطَ بِمَائِعٍ حَرَّمَ إِنْ غَلَبَ، أي على الخليط؛ لأن المغلوب كالمعدوم، فَإنْ غُلِبَ،

(123) النساء / 23.

(124)

تقدم فِي الجزء الثاني: الرقم (452).

(•) فِي نسخة (2): الْمُرْضَعُ.

ص: 1457

أي الْلَّبَنِ بِأن زالت أوصافه الثلاثة وهي الطعم واللون والرائحة، وَشَرِبَ الْكُلَّ، قِيْلَ: أَوِ الْبَعْضَ حَرَّمَ فِي الأَظْهَرِ، لوصول عينه إلى جوفه تحقيقًا فِي الأُولى دون الثانية، ووجه مقابله: استهلاكه ذكرهُ الإمام وغيره، وجزمَ به فِي الشرح الصغير، وهذا الخلاف فيما إذا لم يتحقق وصول اللبن مثل أن وقعت قطرة فِي جب ماء وَشربَ بعضه، فإن تحققنا انتشاره للخليط وحصول بعضه فِي المشروب، أو كان الباقي من المخلوط أقل من قدر اللبن ثبت التحريم قطعًا. وهل يشترط أن يكون اللبن قدرًا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد عن الخلط فيه؟ وجهان؛ أصحهما: نعم.

وَيُحَرِّمُ إِيْجَار، أي وهو صب اللبن فِي الحلق لحصول التغذية، وَكَذَا إِسْعَاطٌ، أي وهو صب اللبن فِي الأنف، عَلَى الْمَذْهَبِ، لأن الدماغ جوف التغذي كالمعدة، والطريق الثاني حكاية قولين كما فِي الحقنة، لَا حُقْنَةٌ فِي الأظْهَرِ، لانتفاء التغذية، والثاني: نعم كالسعوط.

فَرْعٌ: الأشبه أن الصب فِي الأذن كالحقنة.

وَشَرْطُهُ: رَضِيْعٌ حَيٌّ، أي فلا أثر للوصرل إلى معدة الصبي الميت لخروحه عن التغذي ونبات اللحم، لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ] رواه البيهقي، وقال: وقفُهُ، هو الصحيح، وقال الدارقطني: لم يسنده غير الهيثم بن جميل، قلتُ: هو ثقة حافظ فلا يضر (125)، وَخَمْسُ رَضَعَاتٍ، لحديث عائشة فِي ذلك فِي مسلم (126)، نعم: لو تم الحولان فِي الرضعة الأخيرة حرم على

(125) الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ رواه الدارقطني فِي السنن: كتاب الرضاع: ج 4 ص 174: الأثر (10)، وقال: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ. والبيهقي فِي السنن الكبرى: كتاب الرضاع: باب ما جاء فِي تحديد ذلك بالحولين: الأثر (16093)، وقال: هذا هو الصحيح موقوف.

(126)

عن عائشة رضي الله عنها؛ أَنَّهَا قَالَتْ: (كَانَ فِيْمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ). رواه مسلم في الصحيح: كتاب =

ص: 1458

المذهب، إذ ما يصل إلى الجوف فِي كل رضعة غير مقدر.

فَرْعٌ: (•) يعتبر انفصال كل الولد لثبوت الحرمة.

وَضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ، لأنه لا ضابط له فِي الشرع ولا فِي اللغة فيرجع فيه إليه، فَلَوْ قَطَعَ إِعْرَاضًا تَعَدَّدَ، لقضاء العرف به، وكذا قطعها هي، أَوْ لِلَّهْوٍ وَعَادَ فِي الْحَالِ أَوْ تَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيٍ إِلَى ثَدْيٍ فَلَا، لقضاء العرف به، فَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا دَفْعَةً، وَأُوْجِرَهُ خَمْسًا أَوْ عَكْسُهُ فَرَضْعَةٌ، وَفِي قَوْلٍ: خَمْسٌ، مأخذ الخلاف النظر إلى حال الانفصال من الضرع؛ أو حال الاتصال بالصبي، وَلَوْ شَكَّ: هَل خَمْسًا أَمْ أَقَلَّ؟ أَو هَل رَضَعَ فِي حَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ؟ فَلَا تَحْرِيْمَ، رجوعًا إلى الأصل، وَفِي الثَّانِيَةِ قَوْلٌ أَو وَجْهٌ، لأن الأصل بقاء المدة.

فَصْلٌ: وَتَصِيْرُ الْمُرْضِعَةُ أُمَّهُ، وَالَّذِي مِنْهُ اللَّبَنُ أَبَاهُ، وَتَسْرِي الْحُرْمَةُ إِلَى أَوْلَادِهِ، للحديث السالف:[يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ] وخرج بأولاده أصوله وأخوته وأخواته.

وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسٌ مُسْتَوْلَدَاتٌ؛ أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأُمُّ وَلَدٍ؛ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةٍ صَارَ ابْنَهُ فِي الأصَحِّ، لأن لبن الجميع منه. والثَّاني: لا يصير، لأن الأُبوَّة تابعة للأُمومة، لتحقق انفصال اللبن عنها، ولم يَحْصُلْ، فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُنَّ مَوْطُوْءَاتُ أَبِيْهِ، أي لا لكونهن أُمهات له.

وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْمُسْتَوْلَدَاتِ بَنَاتٌ؛ أَوْ أَخَوَاتٌ؛ فَلَا حُرْمَةَ فِي الأَصَحِّ، لأن الخؤولة والجدودة لا تثبتان إلَّا بتوسط، والثاني: نعم، كما فِي المستولدات، وَآباءُ الْمُرْضِعَةِ مِن نَسَبٍ؛ أَوْ رَضَاعٍ؛ أَجْدَادٌ لِلرَّضِيْعِ، وَأُمَّهَاتُهَا جَدَّاتُهُ، وَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ أوْ رَضَاعٍ إِخْوَتُهُ، وَأَخَوَاتُهُ وإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ، وَأَبُو، ذي،

الرضاع: باب التحريم بخمس رضعات: الحديث (24/ 1452).

(•) فِي النسخة (1): تَنْبِيْهٌ.

ص: 1459

اللَّبَنِ، أي المنسوب إليه اللبن، جَدُّهُ، وَأَخُوْهُ عَمُّهُ؛ وَكَذَا الْبَاقِي، أي مثل جدته وأولاد أخوته، وَاللَّبَنُ لِمَنْ نُسِبَ إِلَيْهِ وَلَدٌ نَزَلَ بِهِ بِنِكَاحٍ؛ أَوْ وَطْئِ شُبْهَةٍ، اتباعًا للرضاع بالنسب، لَا زِنًا، لأنه لا حرمة له، وَلَوْ نَفَاهُ، أي الولد، بلِعَانٍ انْتَفَى اللَّبَنُ عَنْهُ، كالنسب، ولو استلحقه بعد لحق الرضيع، وَلَوْ وُطِئَتْ مَنْكُوْحَةٌ بِشُبْهَةٍ؛ أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ بِشُبْهَةٍ؛ فَوَلَدَتْ؛ فَاللَّبَنُ لِمَنْ لَحِقَه الْوَلَدُ بِقَائِفٍ أَوْ غَيْرِهِ، لأن اللبن تابع للولد، وإنما قال: أو غيره. لأنه قد يلحق أحدهما بغير قائف لانحصار الامكان فِي حقه، وإذا لم يكن قائف فبلغ وانتسب إلى أحدهما ونحوه.

وَلَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ زَوْجٍ مَاتَ؛ أَوْ طَلَّقَ؛ وِإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، أي كعشر سنين فأكثر، أَوِ انْقَطَعَ وَعَادَ، لأنه لم يحدث ما يحال اللبن عليه، فهو على استمراره منسوب إليه، فَإِنْ نَكَحَتْ آخَرَ وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ، كالولد، وَقَبْلَهَا لِلأَوَّلِ؛ إِنْ لَمْ يَدْخُلُ وَقْتَ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي، أي سواء زاد على ما كان أم لا! انقطع ثم عاد أم لا! وَكَذَا إِنْ دَخَلَ، لأن اللبن تبع الولد وغذاؤه به، لا غذاء الحمل؛ فيتبع الولد المنفصل دون الحمل، وَفِي قَوْلٍ: لِلثَّانِي، أي إذا إنقطع مدة ثم عاد لقرب وقت الولادة بسبب ظهور اللبن فأشبه النازل بعد الولادة، وَفِي قَوْلٍ: لَهُمَا، لتقابل المعنيين، وقد ينبني القولان الأولان على مقابل الأصل والظاهر.

فَصْلٌ: تَحْتَه صَغِيْرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّةُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، أي منهما، فإن الصغيرة صارت بنت الكبيرة فِي رضاعها إيَّاها، وبنت الزوجة حرام عليه، وأخته بإرضاع من أمه، وبنت أخته بإرضاع أخته، وَلِلصَغِيْرَةِ نِصْفُ مَهْرِهَا، أي المسمى إن كان صحيحًا، ونصف مَهْرِ المثل إن كان فاسدًا، لأنه فراق حصل قبل الدخول لا بسببها، وَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ، لتفويتها نصف البُضع، وَفِي قَوْلٍ: كُلُّهُ، لأنه قيمة البضع، وإتلاف الشيء المتقوم يُوجِبُ قيمته.

فَرْعٌ: لم يتعرض المصنف لمهر الكبيرة، وحكمه إن كانت مدخولًا بها، فلها المهر؛ وإلَّا فلا.

ص: 1460

وَلَوْ رَضَعَتْ مِن نَائِمَةٍ فَلَا غُرْمَ، أي عليها؛ لأنها لم تصنع شيئًا، وكذا لو كانت مستيقظة ساكتة على الأصح فِي الروضة، وَلَا مَهْرَ لِلْمُرْتَضِعَةِ، لأن الانفساخ حصل بفعلها وذلك يسقط المهر قبل الدخول.

وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ كَبِيرَةٌ؛ وَصَغِيْرَةٌ؛ فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْكَبِيْرَةِ الصَّغِيرَةَ؛ انْفَسَخَتِ الصَّغِيْرَةُ، لأنها صارت أختًا للكبيرة ولا سبيل للجمع بين الأختين، وَكَذَا الْكبِيْرَةُ فِي الأَظْهَرِ، لأنهما صارتا أختين فأشبه كما لو أرضعتهما معًا، والثاني: يختص الاندفاع بالصغيرة؛ لأن الجمع بها حصل؛ فأشبه ما لو نكح أختًا على أخت، فإن البطلان يختص بالثانية، ونسب الماوردي هذا إلى الجديد، والأول إلى القديم.

وَلَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءِ مِنْهُمَا، إي من غير جمع، وَحُكْمُ مَهْرِ الصَّغِيْرَةِ، أي على الزوج، وَتغْرِيْمِهِ الْمُرْضِعَةَ مَا سَبَقَ، أي فِي إرضاع أمَّه ونحوها للصغيرة، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إِن لَمْ تَكُنْ موْطُوءَة، فإن كَانَتْ مَؤطُؤءَةَ؛ فَلَهُ عَلَى المُرضِعَةِ مَهرُ مِثْلٍ فِي الأَظْهَرِ، كما لو شهدوا على الطلاق بعد الدخول ثم رجعوا، يغرمون مهر المثل، والثاني: لا غرم عليها، لأن البضع بعد الدخول لا يتقوم للزوج، بدليل ما لو ارتدت فأضْرَّت، لا غرم عليها.

فَرْعٌ: على الزوج مهرها المسمى كما صرح به فِي المحرر.

وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ الْكَبِيْرَةِ الصَّغِيرَةَ حَرُمَتِ الْكَبِيْرَةُ أَبَدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إِنْ كَانَتِ الْكَبِيْرَةُ مَوْطُوْءَةً، لكونها ربيبته.

فَصْلٌ: وَلَوْ كَان تَحْتَهُ صَغِيْرَةٌ فَطَلَّقَهَا فأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ، أي فتحرم عليه، ولا نظر فِي ذلك إلى التقدم والتأخر؛ وقد دخلت تحت أمهات النساء.

وَلَوْ نَكَحَتْ مُطَلَّقَتُهُ صَغِيْرًا وَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنهِ حَرُمَتْ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَالصَغِيْرِ أَبَدًا، أما على المطلِّق، فمن جهة أنها زوجة الصغير وقد صار ابنًا له، وأما على الصغير فمن جهة أنها أمه وزوجة أبيه.

ص: 1461

وَلَوْ زَوَّجَ أمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيْرَ فَأرضَعَتْهُ لَبَنَ السيدِ حَرُمَتْ عَلَيهِ، أي لأنها أمه وموطوءة أبيه، وَعَلَى السيِّدِ، لأنها زوجة أبنه، وهذه المسألة مبنية على إجبار العبد الصغير، وقد سلف في النكاح أن الأظهر أنه لا يجبر العبد مطلقًا، وَلَو أرْضَعَتْ مَوْطُؤءَتهُ الأمَةُ صَغِيْرَةَ تَحتَهُ بِلَبَنِهِ أَوْ لبنِ غيرِهِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ، أما الأمة؛ فلأنها أم زوجته، وأما الصغيرة؛ فلأنها بنته إذا رضعت من لبنه أو بنت زوجته المدخول بها إن كان بلبن غيره.

وَلَوْ كَان تَحْتَهُ صَغِيْرَةٌ وَكبِيْرَةٌ فَأرْضَعَتهَا، أي الكبيرة الصغيرة، انفَسَخَتَا، لأن الجمع بين الأم والبنت في النكاح ممتنع، وقد صارت الصغيرة بنتًا والكبيرة أمّا دفعة واحدة فاندفعتا، وَحَرُمَتِ الْكَبيرَةُ أبَدا، لأنها أم زوجته، وَكَذَا الصغِيرَةُ إِن كَان الإرضَاعُ بِلَبَنِهِ، لأنها بنته، وَإلا، أي، وإن كان الإرضاع بلبن غيره، فَرَبِيبَة، أي فإن كانت الكبيرة مدخولًا بها فهي محرمة أيضًا، وإلّا لم تحرم الصغيرة على التأبِيْدِ.

وَلَو كَان تَحْتَهُ كَبِيرَةٌ وَثَلَاثٌ صَغَائِرُ فَأرْضَعَتْهُنَّ حَرُمَتْ أَبَدا وَكَذَا الصَّغَائِرُ إِن أَرْضَعَتْهُن بلَبَنِهِ، أوْ لَبَنِ غيرِهِ وَهِيَ، أي الكبيرة، مَوْطُوءَةٌ، أي سواء أرضعتهن معًا أو مرتبًا، لأن الكبيرة أم زوجاته، والصغائر بناته أو بنات زوجته المدخول بها، وَإِلا، أي وإن لم يكن اللبن له ولا كانت الكبيرة مدخولا بها، فَإن أَرضَعَتهُنَّ مَعًا بإِيجَارِهِنَّ، أي اللبن المخلوط، الْخَامِسَةَ انفَسَخْنَ، لصيرورتهن أخوات، ولاجتماعهن مع الأم في النكاح، وَلَا يَحْرُمْنَ، أي الصغائر، مُؤَبدًا، لأنهن بنات امرأة لم يدخل بها فله أن يجدد نكاح واحدة منهن، ولا يجمع بينهن لأنهن أخوات، وتحرم الكبيرة على التأبِيْدِ، لأنها أم زوجاته، أَو مُرَتبًا لَم يَحْرُمْنَ، أي الصغائر، وَتَنْفَسِخُ، أي نكاح، الأُوْلَى، لاجتماع الأم والبنت في النكاح، وَالثالثة، لأنها صارت أختًا للثانية التي هي في نكاحه، وَتَنْفَسِخُ الثانِيَة بِإِرْضَاع الثالثة، لأنهما صارتا أختين معًا فأشبه ما إذا أرضعتهما معًا، وَفِي قَوْل: لَا يَنْفَسِخُ، أي ويختص الانفساخ بالثالثة؛ لأن الجمع تَمَّ بإرضاعها، فاختص الفساد بها كما لو نكح أختًا على أخت، قال الرافعي: ونسب هذا القول إلى الجديد والأول إلى القديم، قُلْتُ:

ص: 1462

لكنه الذي عليه عامة الأصحاب، فعلى هذا؛ المسألة من المسائل التي رجح فيها القديم، قُلْتُ: لكنه منصوص الجديد أيضًا ففي الأم حكاية القولين معًا، كما أفاده صاحب المطلب.

ويجْرِي الْقَولَانِ فيمَن تَحْتَهُ صَغِيْرَتَاْنِ أَرضَعَتهُمَا أَجنَبِية مُرتبًا؛ أَيَنْفَسِخَان أمِ الثانية؟ ، قد سلفا بتوجيههما (•)؛ ولا خلاف أن المرضعة حرمت عليه على التأَبِيْدِ لأنها صارت من أمهات زوجاته، واحترز بقوله (مُرَتبَا) عما إذا أرضعتهما معًا فإنه ينفسخ نكاحهما قولًا واحدًا لأنهما صارتا أختين معًا.

فَصل: قَالَ: هِنْد بِنتِي أَو أخْتِي بِرَضَاع، أَو قَالَت: هُوَ أَخِي حَرُمَ تنَاكُحُهُمَا، أي بشرط الامكان مواخذة لهما بإقرارهما.

وَلَو قَالَ زَوْجَانِ: بَينَنَا رَضَاعٌ مُحَرم فرقَ بَيْنَهُمَا، عملًا بقولهما، وَسَقَط الْمُسَمى، إذ لم يصادف محلا، وَوَجَبَ مَهرُ مِثل إِن وَطِيَء، لئلا يخلو الوطء عنه، وَإنِ ادعَى رَضَاعًا فأنْكَرَتِ انْفَسَخَ، مؤاخذة له، وَلَهَا المسَمى إِن وَطِئ وَإلا فَنِصفُهُ. وَإنِ ادَّعَتْهُ فَأَنْكرَ صُدِّقَ بيَمِينهِ إِن زُوِّجَت بِرِضَاهَا، لتضمن رضاها الإقرار بحلها، وَإِلا، أي وإن زوجت جبرًا، فَالأصَح تصدِيْقُهَا، لاحتماله، والثاني: لا عملًا بالظاهر، ومحل الأول: أن لا يكون مكنت من وطئها مختارة، فإن مكنت منه لم يقبل قولها، وَمَهْرُ مثل إِن وَطِئَ، وَإلا فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَيُحَلْفُ مُنْكِرُ رَضَاع عَلَى نَفْي عِلْمِهِ، لأنه ينفي فعل الغير، وَمُدعِيْهِ عَلَى بَت، لأن الغير يثبّتهُ (•)، وَيَثْبُتُ، أي الرضاع، بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامرَأتَينِ، وَبِأربع نِسْوَةِ، لأنه مما يختص النساء بالاطلاع عليه غالبَا، فأشبه الولادة، ولا يثبت بما دون أربع نسوة، فإن كل امرأتين بمثابة رجل، وهذا قد كرره المصنف في الشهادات كما ستعلمه، ثم قال في التتمة: ومحل قبول شهادتهن إذا كان النزاع في الارتضاع من الثدي، أما إذا كان في

(•) في النسخة (1): قد سبق توجيههما.

(•) وفي النسخة (1): لأن اليمين يثبته.

ص: 1463

الشرب أو الإيجار من ظرف فلا يقبل فيه شهادة النساء المتمحضات؛ لأنه لا اختصاص لهن بالاطلاع عليه.

وَالإقرَارُ بِهِ شرطُهُ رَجُلَانِ، لأن الاقرار مما يطلع عليه الرجال غالبًا بخلاف نفس الرضاع، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ المُرضَعةِ إِن لَم تطْلُب أجْرَةً، لأنها إذا طلبتها مُتهمة تشهد لنفسها، وَلَا ذَكرَتْ فِعلَهَا، أي بل شهدت برضاع محرم، ولا نظر إلى ما يتعلق به من ثبوت المحرمية، وجواز الخلوة والمسافرة، فإن الشهادة لا ترد بمثل هذه الأغراض، ولهذا لو شهد رجلان أن زيدًا طلق زوجته أو أعتق عبده قُبِلَ، وإن استفاد حُل مناكحتها، وَكَذَا إِن ذَكرَت، أي فعلها، فَقَالَتْ: أَرْضَعتهُ فِي الأصَح، لأنها لم تجر به نفعًا ولا تدفع به ضررًا، وفعلها غير مقصود بالإثبات، بل الاعتبار بوصول اللبن إلى الجوف، والثاني: لا تقبل، كما لو شهدت على ولادتها، وفرق الأول: بأن الولادة يتعلق بها حق النَفَقَةِ والإرث وسقوط القصاص وغيرها، وَالأصَح أنهُ لَا يَكفِي بَيْنَهُمَا رَضَاع مُحَرم بَل يَجِبُ ذِكرُ وَقْتِ وَعَدَدِ، لاختلاف المذاهب في شروط الرضاع، فاشترط التفصيل ليعمل القاضي باحتهاده، والثاني: تقبل الشهادة المطلقة، قال الرافعي: ويحسن أن يتوسط، فيقال: إن أطلق فقيه يوثق بمعرفته قُبِلَ؛ وإلّا فلا، وينزل الكلامان عليه، أو يخصص الخلاف بغير الفقيه، وقد سبق مثله في الإخبار بنجاسة الماء والمانعون من قبول المطلقة؛ ذكروا وجهين في قبول الشهادة المطلقة على الإقرار بالرضاع، ولو قال: هي أختي من الرضاع، ففي البحر وغيره: أنه لا يفتقر إلى ذكر الشروط إن كان فقيها، وإلا فوجهان، وفرقوا بين الشهادة والإقرار؛ بأن المقر يحتاط فلا يقر إلا عن تحقيق، وَوُصُوْلِ اللْبَنِ جَوْفه، كما يشترط ذِكر الإيلاج في شهادة الزنا، والثاني: لا، لأنه لا يشاهد.

ويُعْرَفُ ذَلِكَ، أي وصول اللبن إلى جوفه، بِمُشاهَدَةِ حَلَبِ، أي -بفتح اللام-، وَإِيجارِ، وَازدِرَادٍ، أَو قَرَائِنَ، كَالتِقَامِ ثَديِ، وَمَصهِ، وَحَرَكَةِ حَلقِهِ بِتجَرع وَازْدِرَاد بَعْدَ عِلْمِهِ بِأنهَا لَبون. أي ذات لبن، لأن مشاهدة القرائن قد تفيد التعيين، وبتقدير أن لا يفيده فيفيد الظن القوي، وذلك يُسلط على الشهادة، فإن لم يعلم

ص: 1464

أنها لبون (•)، فهل تحل له الشهادة بمشاهدة القرائن المذكورة؟ فيه وجهان؛ أحدهما: نعم، أخذًا بظاهر الحال وأظهرهما المنع، كما أفهمه تقييده بقوله (بعد علمه أنها لبون)؛ لأن الأصل أن لا لبن لها.

(•) في نسخة: ذات لبن.

ص: 1465