المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب قسم الفيء والغنيمة - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٣

[ابن الملقن]

الفصل: ‌كتاب قسم الفيء والغنيمة

‌كِتَابُ قَسْم الفَيْءِ وَالغَنِيمَةِ

القَسْمُ: بفتح القاف مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ. وَالفَيْءُ: مَأْخُوذٌ مِنْ فَاءَ إِذَا رَجَعَ؛ أيْ صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْغَنِيْمَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِنَ الغُنْمِ وَهُوَ الْفَائِدَةُ الْحَاصِلَةُ بِلَا بَدَلٍ. وافتتحهُ في الْمُحَرَّرِ بقوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} (295) وبقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} (296) الآيتان، قال المسعوديُّ وغيرُهُ: واسمُ كُلٍّ مِنَ الْمَالَيْنِ يَقَعُ عَلَى الآخَرِ إِذَا أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ، فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا افْتَرَقَا كالفقيرِ والمسكينِ، وقال أبو حاتم القزوينيُّ وغيرُهُ: إنَّ الفيءَ يشملهما، والغنيمةُ لا تشمل الفيءَ، وفي لفظ المختصر ما يشعرُ به. ومن العجائب ما ادَّعاه الشيخُ تاجُ الدِّينِ ابنُ الفَرْكَاحِ: مِن أنَّ حُكم الفيءِ والغنيمةِ راجعٌ إلى رأي الإمام يفعل فيه ما يراه مصلحةً؛ وأجاب عن الآيتين المذكورتين بما حكى عن بعضهم: أنَّ هذا الخمس إنما كان لمن ذُكر في الآية في حياته عليه الصلاة والسلام، لأنه كان يضعُهُ في مواضعه، فلما ماتَ بَطُلَ وعاد ذلك لِلْمُوْجِفِيْنَ. وقد انتدبَ له المصنِّفُ فردَّ عليه في تصنيف مفردٍ فأصابَ.

الفَيْءُ: مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بِلَا قِتَالٍ، وَإيْجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ كَجِزْيَةٍ، أيْ وكذا الخراجُ المضروبُ على حكم الجزية، وَعُشْرِ تِجَارَةٍ، وَمَا جَلَوْا عَنْهُ خَوْفًا، أيْ

(295) الحشر / 7.

(296)

الأنفال / 41.

ص: 1123

مِن المسلمين أو لِضُرٍّ أصابهم، وَمَالُ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَو مَاتَ، وَذِمِّيٍّ، أيْ ومالُ ذِمِّيٍّ، مَاتَ بِلَا وَارِثٍ فَيُخَمَّسُ، أي خمسةُ أسهم متساويةٍ كالغنيمة لإطلاق قوله تعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ

} الآية (297)، وأطلقَ بعضُهم عن القديم أنَّ الفئَ لا يخمَّسُ، والإِيْجَافُ: الأعمالُ، وقيل: الإسراعُ، والرِّكَابُ: الإبلُ، والواو في قوله (وَرِكَابِ) بمعنى أو، وفي قوله (وَإِيْجَافِ) محتمِلَةٌ لذلك، إذا أُريدَ قتالٌ قويٌ؛ ومحتملةٌ لأنْ يكون على بابها إذا أُريد تصويرُ الهيئة الاجتماعية التي يحصلُ بها القهرُ، وقوله (وَمَا جَلَوْ عَنْهُ خَوْفًا)؛ يُفْهِمُ: أن الَّذي جَلَوْا عنه من غير خوف ليس بفئٍ ولم يقل به أحدٌ، أو أنَّه لا يخمسُ والصحيح خلافُهُ؛ فلو حذفهُ لكان أحسن؛ ولعلَّهُ جرى على الغالب، وقوله (بِلَا وَارِثٍ)؛ كذا إذا كان له وارثٌ غير حائِزٍ، فإن الباقى عنه فيءٌ، وَخُمُسُهُ لِخَمْسَةٍ، أي والأخماسُ الأربعةُ كانت لهُ صلى الله عليه وسلم مع خُمْسِ الْخُمْسِ.

أَحَدُهَا: مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، كَالثُّغُورِ، وَالْقُضَاةِ، وَالْعُلَمَاءِ، قال تعالى {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} (298). والإضافةُ إلى الله على وجه التَّبَرُّكِ. والابتداء باسمه، يُقَدَّمُ الأهَمُّ، أيْ فالأهمُّ، وأهمُّها سدُّ الثُّغُورِ لأنَّ بها يُحْفَظُ المسلمون (•).

فَرْعٌ: لو لم يدفع السلطانُ حقَّهم من بيت المال أيِ القضاةُ والعلماءُ. فالقياسُ كما قال الغزالي في الإِحياء: إنَّ كلًّا يأخذُ ما يُعطى وهو حقَّهُ والباقونَ مَظْلُوْمُوْنَ.

وَالثَّانِي: بَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ، أيْ وبنُو الْمُطَّلِبِ لقوله تعالى:{وَلِذِي الْقُرْبَى} (298) وهُم مَن ذَكَرَهُ المصنِّفُ دونَ عبد شمسٍ ونوفلَ؛ وهم أبناءُ عبد منافٍ

ص: 1124

أيضًا، لأن سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وضع سهم ذوى القُربى في بني هاشم وبني الطلب وترك الَآخَرِيْنَ؛ وقال حين سُئلَ عن تَرْكِهِمْ:[نَحْنُ وَبَنوْ الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ]، رواه البخاري (299)، وإمامُنا الشافعيُّ من بني المطَّلب. وهاشمُ هو جدُّ النبي صلى الله عليه وسلم والد عبد المطلب، والمطلبُ أخو هاشم شقيقُهُ وبه سمَّى عبدُالمطلب ابن أخيه، لأنه كان اسمه شَيْبَةَ الْحَمْدِ.

يَشْتَرِكُ الْغَنيُّ وَالْفَقِيرُ وَالنِّسَاءُ، لإطلاق الآية (300). ويفَضِّلُ الذَّكَرُ، كَالإِرْثِ، والجامع أنه مال مستحق بالشرع بقرابة الأب، فكانت الأنثى فيه على النِّصف.

فَرْعٌ: يشترط كون الانتساب فيه بالآباءِ، فلا يُعطى أولاد البنات؛ كذلك فعلَ الأوَّلُوْنَ، وقال القاضي حُسين: الْمُدْلَى بجهتين يقدَّم على الْمُدْلَى بجهةٍ، قال الغزالي وغيرُهُ: وهذا يدل على أن للإِدْلَاءِ بالأُمِّ أثرًا في الاستحقاق؛ وحينئذ لا يَبْعُدُ عن القياس تأثيره عند الإنفراد وهذا تخريج. وفي البسيط التصريح به عن القاضي؛ لكن قال ابنُ الرِّفْعَةِ: تَصَفَّحْتُ النِّهَايَةَ وتعليقَ القاضي فلم أرَ ما حكاهُ الغزالي عن القاضي؛ ولعلَّهُ في موضع آخر.

وَالثْالِثُ: الْيَتَامَى، للآية. وَهُوَ صَغِيْرٌ لَا أَبَ لَهُ، كذا قاله أهلُ اللُّغَةِ؛ ويُشْتَرَطُ فَقْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لأن لفظ اليتيم يشعر بالضعف والحاجة. والثانى: لا يشترط، لشمول الآية؛ وكذوي القربى قال القاضي: وهذا مذهبنا ومذهب عامَّة أصحابنا.

وَالرَّبِعُ وَالْخَامِسُ: الْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ، للآية وسيأتى حقيقتهما في الباب

(299) عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم؛ قَالَ: مَشَيتُ أنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ إِلَى رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يا رَسُوُلَ اللَهِ؛ أَعْطَيْتَ بَنِى الْمُطلِبِ وَتَركْتَنَا. وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنزِلَةٍ وَاحِدةٍ، فَقَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم:[إِنمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنوْ هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب فرض الخمس: الحديث (3140). وفي كتاب المناقب: الحديث (2503). وفي كتاب المغازى: الحديث (4229). ورواه أبو داود في السنن: كتاب الخراج: الحديث (2978).

(300)

ينظر الرقم (25).

ص: 1125

الآتى بعدَهُ، ويدخل في المساكين الفقراء كما صرَّح به القاضي أبو الطَّيِّبِ. وَيَعُمُّ الَأصْنَافَ الأربعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ، لظاهر الآية، وَقِيلَ: يَخُصُّ بِالْحَاصِلِ في كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيْهَا مِنْهُمْ، لما في النقل من الْمَشَقةِ فَالتحَقَ بالزكاة؛ وضعِّف بأنه يؤدي إلى حرمان بعضهم وهو مخالف للآية، وخالف الزكاة، فإن التعميم فيها لا يجب؛ والمشقَّةُ ممنوعةٌ في حقِّ الإمام، فإنه يأمر أُمَنَاءَهُ بضبط من في كل أقليم منهم.

وَأَمَّا الأَخمَاسُ الأَرْبعَةُ، أي التي كانت له صلى الله عليه وسلم في حياته، فَالأَظْهَرُ أَنهَا لِلْمُرتَزِقَةِ وَهُمْ الأجْنَادُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ، لعمل الأولين به، والثانى: أنها للمصالح كَخُمْسِ الخُمْسِ، والثالث: أنها تُقْسَمُ كما يُقْسَمُ الخُمس، فَيَضَعُ الِإمَامُ دِيْوَانًا، أيْ بكسر الدال، وهو الدَّفترُ الذي تُكتب فيه الأسماء، ويحصي فيه المرتزقة، وأصله دِوَّانٌ وسمي الكُتَّاب بذلك لحذقهم، لأنه بالفارسية أسمٌ للشياطين؛ وأول من وضعه في الإسلام عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه (301).

وَينْصِبُ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ عَرِيْفًا، أيْ لِيَعْرُضَ عليه أحوالهم ويجمعهم عند الحاجة. ونصبه مستحبُّ، وَيَبْحَثُ عَن حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَعِيَالِهِ وَمَا يَكفِيْهِمْ فَيُعْطِيهِمْ كِفَايَتَهُمْ، ليتفرغ للجهاد، ولا يُفضَّل أحدًا منهم بشرفِ نَسبٍ أو سبقٍ في الإسلام أو الهجرة وسائر الخصال الْمُرْضِيَةِ، بل يستوُون كالإرث والغنيمة.

وَيُقَدِّمُ في إِثبَاتِ الِاسمِ وَالِإِعْطَاءِ قُرَيْشًا، لشرفهم بالنبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَإِنَّه

(301) عن أبي هريرة؛ (أَنَّهُ قَدِمَ عُمَرَ مِنَ البَحْرَيْنِ؛ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَيْهِ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعِشَاءَ؛ فَلَمَّا رَآنِي سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا قَدِمْتَ بهِ؟ قُلْتُ: قَدِمْتُ بخَمْسِمِائَةِ ألْفٍ، قَالَ: أتَدْرِي مَا تَقُوْلُ

؟ قَالَ: طَيِّب؟ قُلْتُ: طَيِّب؛ لَا أعْلَمُ إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: فَقَالَ: إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيَّ مَالٌ كَثِيْرٌ، فَإنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعُدَّهُ لَكُمْ عَدًّا، وَإِنْ شِئْتُمْ نَكِيْلَهُ لَكُمْ كَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أمِيْرَ الْمُؤمِنِيْنَ إِنّي رَأيتُ هَوُلَاءِ الأَعَاجمَ يُدَوِّنُوْنَ دِيْوَانًا وَيُعْطُوْنَ الناسَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَدَوِّنِ الدَّوَاوِيْنَ. وَفرَضَ لِلْمُهَاجِرِيْنَ وَلِلأَنصَارِ وَلأزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف: كتاب السير: باب ما قالوا في فرض الدواوين: النص (32854): ج 6 ص 455.

ص: 1126

لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} (302) فسَّروا قَوْمَهُ بقريش. ولقوله صلى الله عليه وسلم[قَدِّمُواْ قُرَيْشًا] رواه الشافعي بلاغًا (303)، وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، هو قولُ أكثر النسَّابين كما ادَّعاهُ الأستاذُ أبو منصور؛ لكن البيهقىَّ نسب إلى أكثر أهل العلم: أنَّهُمْ وَلَدُ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ؛ وَفِهْرٌ لقبٌ؛ لهُ واسمُهُ قُرَيْشٌ، وسُمُّوا قريشًا لَتَقَرُّشِهِمْ أي لِجَمْعِهِمْ على أحد الأقوال فيه (304).

وَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ، لأنه عليه الصلاة والسلام منهم؛ ونسبُهم إلى هاشم بن عبد منافٍ. لأنه كان يهشمُ الثريدَ لقوم وغيرهم جُوْدًا واسمُهُ عَمْرو، وَالمُطَّلِبِ، لتسويته صلى الله عليه وسلم بينهم كما سبق، ثُمَّ عَبْدِ شَمْسٍ، لأنهُ أخو هاشم لأبويه، ثُم نَوْفَلَ، لأنه أخوهُ لأبيه، ثُمَّ عَبْدِ الْعُزَّى، لأنهم أَصْهَارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خديجة رضي الله عنها بنتُ خُوَيْلِد بن أسد بن عبد العزى ثم بعد عبد العزى بنو عبد الدار وهم أبناءُ قصي، ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ الأقرَبَ فَالَأقْرَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لفضيلة القُرْبِ وقد أوضحتُ ذلك في الأصل، ثُمَّ الأنْصَارَ، لآثارهم الحميدة في الإسلام وهم الحيَّان الأوْسُ وَالخَزْرَجُ، ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ ثُمَّ العَجَمَ، لأن العربَ أقربُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم وأشرفُ. وهذا الترتيبُ مستحبٌّ لا مستحقٌّ كما نقله الرافعي عن الأئمة وفيه نَظَرٌ.

(302) الزخرف / 44. نقله الطبري في جامع البيان: تفسير الآية: النص (23880) عن مجاهد.

(303)

الحديث عن سهل بن أبي حثمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[تَعَلَّمُوا مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا تُعَلِّمُوهَا، وَقَدِّمُواْ قُرَيشًا وَلَا تُؤَخرُوها، فَإنَّ لِلْقُرَشِيِّ قُوَّةَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ غيْرِ قُرَيْشٍ]. أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف: كتاب الفضائل: باب ما ذكر في فضل قريش: النص (32376) من ج 6 ص 405. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 10 ص 25: وعن عليَّ أن النبِيّ قَالَ فِيْمَا أعْلَمُ: [قَدِّمُواْ قُرَيشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا]. رواه الطبراني وفيه أبو معشرٍ وحديثه حسن، وبقيه رجاله رجال الصحيح.

(304)

ينظر: معرفة الآثار والسنن: كتاب قسم الفئ والغنيمة: الرقم (4018): ج 5 ص 172. والسنن الكبرى: قسم الفيء والغنيمة: الأثر (13350).

ص: 1127

فَرْعٌ: لم يتعرض الأصحابُ لِلْمَوَالِي والْحُلَفَاءِ، وهل يحصل لهم التقدُّم بالتبعيَّة، لأن مَوْلَى القوم من أنفسهم (305)؛ ولأن العادة في الشخص إذا أخذ يأخذ معه أتباعه فيه احتمال.

وَلَا يُثْبِتُ لِي الدِّيوَانِ أَعْمَى وَلَا زَمِنًا وَلَا مَن لَا يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ، إذ لا كفاية فيهم. وإنما يُثْبِتُ أسماء الرجال المكلفين الأحرار الأقوياء المسلمين المستعدين للغزو، وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَو جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ أُعْطِيَ، أي وإن طال لئلا يرغب الناس عن الجهاد ويقبلوا على الكسب، لأن هذه العوارِضَ لا تؤمن؛ وسواء المخوف وغيره كما قاله الماوردي، فَإنْ لَمْ يُرْجَ فَالأظْهَرُ أَنهُ يُعْطَى، لما قلناه، والثاني: لا، لما سيأتي، والإعطاءُ ها هنا أَوْلى مما سيأتي في زوجته وأولاده؛ ثم الخلافُ في حقِّه في المستقبل. أما الماضي، فقال في الكفاية: ينبغي أن يكون كما لو مات إذا قلنا بسقوطه في المستقبل.

فَرْعٌ: إذا كان لا يُرجى زواله أُسقِطَ أسمُهُ من الديوان دون ما إذا رُجيَ، وَكَذَا زَوْجَتُهُ وَأوْلَادُهُ إِذَا مَاتَ، لِئَلَّا يَشْتَغِلَ الْمُجَاهِدُوْنَ بِالْكَسْبِ إِذَا عَلِمُواْ ضَيَاعَ عِيَالِهِمْ فَيَتَعَطلُ أَمْرُ الْجِهَادِ، والثاني: لا يُعطون؛ لأنهم ليسوا بمقاتلين، ولم يبقَ من كانوا تبعًا له، ووقعَ في الكفاية أن الرافعيَّ قال: إن هذا القول أظهرُ، وهو من طُغْيَانِ الْقَلَمِ فَالِّذِي فِيْهِ أَنَّ الأوَّلَ هُو الأظهرُ، وقوله (وَزَوْجَتُهُ) قَدْ يُفْهِمُ التوحيدَ وليس كذلك، فَتُعْطَى الزوْجَةُ حَتى تَنْكِحَ، أي وتستغني بزوجِها، فإن كان زوجُها الثَّاني من

(305) *عن مُعَاويَةَ بْنِ مُرَّةَ وَقُتَادَةَ: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أنفُسِهِمْ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الفرائض: الحديث (6761).

*عن أبي رافع؛ أنَّ النْبِي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُوْمٍ، فَقَالَ لأبي رَافِع: اصْحَبْنِى فَاِنَّكَ تُصِيْبُ مِنْهَا. قَالَ: حَتَّى آتِي النبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسَأَلَهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ؛ فَقَالَ:[مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أنْفُسِهِمْ، وإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ]. رواه أبو داود في السنن: باب الصدقة على بني هاشم: الحديث (1650).

ص: 1128

المرتزقة أيضًا قُرِّرَ لها كِفَايَتَهَا تبعًا له، وَالأَوْلَادُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوْا، أي بالكسب إذا بلغوا ورغبوا في الجهاد فيثبتُ اسمهم في الديوان.

فَرْعٌ: البنات يُرزقن إلى أن يُنْكَحْنَّ كالزوجة على ما اقتضاه كلام الوسيط.

فَرْعٌ: استنبط بعضُ علماء العصر من هذه المسألة: أنَّ الفقيهَ؛ والمعيدَ؛ والمدرِّسَ؛ إذا عرض له مثل ذلك من مرضٍ أو موتٍ؛ وله زوجةٌ وأولادٌ؛ يكون حكمهم كذلك يُعطون من المال الَّذي كان يقوم به ليكون ترغيبًا للناس في الاشتغال بالعلم؛ وليس فيه تعطيلُ شرطِ الواقف فإن قصده تلك الصفة وقد حصلت مدَّةً من أبيهم والصرفُ لهم بعدَهُ بطريق التبَعِيَّةِ، ولو كان المعلوم زائدًا على كفايتهم فلا بأسَ بصرف ما زاد عليها إلى من يقوم بالوظيفة.

فَإِنْ فَضَلَتِ الأَخمَاسُ الأربعَةُ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ، كالمقرر لهم، فإذا كان لأحدهم مثلًا نصف ما للآخر، ولآخر ثلثه؛ أعطاهم بهذه النسبة، وَالأَصَحُّ أنهُ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ بَعْضُهُ في إِصْلَاح الثُّغُورِ وَالسِّلَاحِ وَالكُرَاعِ، أيْ وهُو الخَيْلُ إذا فَرَّعْنَا على الأظهر أنها للمرتزقة ليكون عدة لهم، ولا يقدح في ذلك كونها لهم، لأن ذلك يعودُ نَفْعُهُ عليهم، والثاني: المنعُ، بل يوزع كما سلف؛ وصحَّحَهُ في الكفاية.

هَذَا حُكمُ مَنْقُولِ الْفَيءِ، فَأَمَّا عَقَارُهُ، أي وهو الدور والأراضى، فَالْمَذهَبُ أنهُ يُجْعَلُ وَقْفًا وَتُقْسَمُ غَلَّتُهُ كَذَلِكَ، أي في كل عامِ أبدًا لأنه أنفعُ لهم، قال الرافعى: وهذا هو الظاهرُ المرافقُ للنصِّ، وكذا عبارة الْمُحَرِّرِ: الظاهر بدل المذهب؛ وعبارة الرَّوضة: كالكتاب، وأفاد صاحب المطلب: أنَّ نَصَّهُ في موضع آخر من الأُمِّ يقتضى أنها لا تكون وقفًا بل مملوكةً لأهلها؛ ومقابلُ النص الأوَّلِ أوجهٌ؛ أحدها: أنها تصيرُ وقفًا بنفسِ الحصولِ، وثانيها: أنَّ المرادَ بالوقفِ الوقفُ عن التصرف لا الوقفَ الشَّرعيَّ، وثالثها: أنَّه يقسم كالمنقول؛ إلا ما جُعل للمصالح، فإنه لا يمكن قسمته استدامة للمصلحة، ووقع في الكفاية أن المصنِّفَ اختارَ هذا؛ وليس كما ذَكَرَ؛ بل

ص: 1129

صحَّحَ في تصحيحه وروضته ما في الكتاب؛ وهذا كله في الأخماس الأربعة، وأما الخُمس الباقي ففيه خلافٌ. وحاصلُ المذهبِ إلحاقُهُ به.

فَصْلٌ: الْغَنِيْمَةُ: مَالٌ حَصَلَ مِنْ كفَّارٍ بِقِتَالٍ وَإِيْجَافٍ، أيْ سواءٌ حصل بقهرٍ أو انهزامٍ في قتالٍ قاله البغويُّ؛ وزاد المصنِّفُ في كتاب السِّيَرِ: المأخوذُ من أهل الحرب قهرًا غنيمةٌ وكذا ما أخذه جمعٌ أو واحدٌ من دار الحرب سرقةً أو وُجد كهيئة اللُّقَطَةِ في الأصحِّ، وسنوضحه في بابه إن شاء الله. وخرجَ بقوله (مَالٌ) الكلبُ الذي يجوز اقتناؤه، فإنه لا يكون غنيمة وقد ذكر المصنِّفُ حُكْمَهُ في كتاب السِّيَرِ أيضًا كما ستعرفُة، وهل يلحقُ بالكلبِ جلدُ الميتةِ؟ فيه احتمالان لصاحب المطلب، ودخل في المالِ النساءُ والصبيانُ، فإنهم يُرَقُّوْنَ بنفسِ الأسرِ بخلاف الرجال البالغين؛ فإن رِقَّهُمْ متوقفٌ على ضربِ الرِّقِّ. وما يأخذه الذميُّ من الحربىِّ لا يخمسُ، كما جزم به الرافعي في كلامه على الأصحِّ معلّلًا بأن الخُمس حق يجب على المسلمين كالزكاة. والواو في قوله (وَإِيْجَافِ) بمعنى أوْ. ثم إنَّ المصنف جرى على الغالب وقصدَ التَّبَرُّكَ بالكتاب العزيز، وإلا فالقتالُ ليس شرطًا فإنَّ الصَّفيْنِ لو التقيا فانهزم الكفار من غير شهر سلاح؛ فما تركوه غنيمة كما قال الإمام، ويدخل في الإيجافِ إيجافُ الخيل والرِّكَابِ وما حصل بالرجالة وأصحاب السفن في البحر.

فَرْعٌ: المال الذي فُدِىَ الأسيرُ به إذا استولى المسلمون عليه هل يردُّ؛ إلى الأسير أو يكون غنيمةً؟ فيه وجهان؛ وظاهرُ كلام الأصحابِ الأَوَّلُ؛ كما قاله الأَصْبَحِيُّ من فُقهاء اليَمَنِ.

فَرْعٌ: قال القفَّال في فتاويه: مقابرُ أهل الحرب تُغنم وتُقْسَمُ بين الغانمين وتطرحُ جِيَفُهُمْ في موضع لأنه لا حرمة لها، فَيُقَدَّمُ مِنْهُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ، أي المسلم حُرًّا كان أو عبدا، صبيًّا كان أو بالغًا، رجلًا كان أو امرأةً، لأنَّ حقهُ متعلقٌ بعينهِ وسابقٌ على الإغتِنَامِ قال صلى الله عليه وسلم:[مَنْ قَتَلَ قَتِيْلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ] متفق عليه (306).

(306) رواه البخاري في الصحيح: كتاب فرض الخُمس: باب من لم يخمِّس الأسلاب:

=

ص: 1130

فَرْعٌ: لو أعرضَ مستحقُّ السلب عنهُ لم يسقطْ حقُّهُ منه على الأصح، لأنه متعينٌ له. وَهُوَ، أي السلبُ، ثِيَابُ الْقَتِيْلِ، وَالْخُفُّ، وَالرَّانُ، وَآلَاتُ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَسِلَاحٍ وَمَرْكُوبٍ وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ، لثبوتِ يدِهِ على ذلك كله، وكذا لو كان ممسكًا عنان مركوبه وهر يقاتل راجلًا، ومن السلب أيضًا المهمازُ ومِقْوَدُ الدابة والرانُ -بِرَاء مهملة ثم ألف ثم نون- كالخُفِّ لكن لا قَدم له وهو أطول من الخفِّ، وَكَذَا سِوَارٌ وَمِنْطَقَةٌ وَخَاتَمٌ وَنَفَقَةٌ مَعَهُ وَجَنِيْبَةٌ تُقَادُ مَعَهُ فِي الأًظْهَرِ، لأنها مسلوبةٌ ومأخوذةٌ من يده، وطمعُ القاتل يميل (•) إلى جميع ما في يدِهِ، والْجَنِيْبَةُ قد يُحتاج إليها فهي كمركوبهِ الَّذي أمسكه بعنانه وهو يقاتل راجلًا؛ والثاني: أنها ليست سلبًا كأمتعته وثيابه المخلفة في خيمته، وقوله (وَنَفَقَةٌ مَعَهُ) يحترزُ بها عن النفقة التي خلفها في رحله، ولعلَّهُ يحترزُ به أيضًا عمَّا إذا كانت النفقة في الحقيبة فإنه لا يستحقها كما سيأتي، وقوله (وَجَنِيْبَةٌ تُقَادُ مَعَهُ) احترزَ به عن الجنائب التي أُعدتْ لأن تجنُب وعما إذا كان يحمل عليها ثقله، فإنه لا يستحقها، وَالْجَنِيْبَةٌ الْمَجْنُوْبَةُ فَعِيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُوْلَةٌ، لأنهُ يجنبها أو تجنب معه بين يديه.

فَرْعٌ: الخلاف جارٍ أيضًا في الطَّوق والهميانِ الذي فيه النفقة.

فَرْعٌ: إذا قلنا بأنَّ الجنيبةَ سلبٌ استحَقَّ واحدةً لعدم الضبط وفيه نظرٌ.

لَا حَقِيْبَةٌ مَشْدُودَةٌ عَلَى الْفَرَسِ، أي وفيها أقمشةٌ أو دنانيرُ، عَلَى الْمَذْهَبِ، لأنها ليست من لباسه ولا حُلِيِّهِ ولا حُلِىِّ فرسه، والطريقُ الثاني: طردُ الخلاف كما في الجنيبة بجامع توقع الحاجة في المال، والحَقِيبةُ -بفتح الحاء وكسر القاف-: ما شُدَّ خلف الراكب، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ، يعني السلبُ، بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ شَرَّ كَافِرٍ في حَالِ الْحَرْبِ، فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ مِنَ الصَّفِّ أوْ قَتَلَ نَائِمًا أَوْ أَسِيْرًا قَتَلَهُ

= الحديث (3142). ومسلم في الصحيح: كتاب الجهاد والسير: باب استحقاق القاتل سلب القتيل: الحديث (41/ 1751).

(•) في النسخة (1): يمتدُّ.

ص: 1131

وَقَدِ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ فَلَا سَلَبَ، لأنه في مقابله ارتكابُ الخطرِ والتغريرِ بالنَّفْسِ في القتل وهو منتفٍ هُنا، وقوله (مِنَ الصَّفِّ) عبارةُ الْمُحَرَّرِ: من وراءِ الصَّفِّ، وكتبها المصنَّفُ بخطهِ ثم ضربَ على لفظةِ وراءَ لأن مسألة الْمُحَرَّرِ تُؤخذ من الكتاب من باب أَولى، وَكِفَايَةُ شَرِّهِ أَنْ يُزِيْلَ امْتِنَاعَهُ بِأَن يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، أيْ لا قطعَ يدٍ أو رِجلٍ، وعبارة الْمُحَرَّرِ: أَنْ يقتلَهُ أو يُزيلَ امتناعَهُ، وكان المصنِّفُ كتبَ بخطه كما في الْمُحَرَّرِ ثم ضربَ على قولِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، لأنه يؤخذُ من باب أَولى، وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ فِي الأَظْهَرِ، أما فى الأسر فلأنَّهُ أبلغُ من القتل، وأما في القطع فكما لو فَقَأَ عينيه، والثاني: لا، أما في الأسر فلأَنَّ شرَّهُ كلهُ لا يندفعُ به، وأما في الباقى فلأنَّهُ قد يقاتلُ راكباً بعد قطع الرجلين بيديه، وبعد قطع اليدين قد يهربُ ويجمعُ القوم. والخلافُ جارٍ أيضاً فيما لو قطعَ يداً ورجلاً، وصحَّحَ الإِمامُ طريقة في المسألة قد لا يجوزُ غيرها، وهو تنزيلُ النَّصَّيْنِ على حالين، فحيث قال لَهُ أراد به إذا أَزْمَنَهُ بحيث لم يبقَ فيه قتالٌ. وحيث قال: ليسَ لَهُ أرادَ به إذا لم يسقطْ قتالُهُ بذلك، لأنَّ الإِزْمَانَ يختلفُ باختلاف الأشخاص وكذا قاله الماورديُّ.

فَرْعٌ: إذا قتله بعد أسره لا يستحق سلبه، لأنه منهيٌّ عن قتله، وإلا استحق فى الأصح قاله الرافعيُّ، وقال الماورديُّ: إن كانت الحربُ قائمةً فله سلبه، وإلا فوجهان، وفي جواز انفراده بقتله نظر لصاحب المطلب فإن الْخِيَرَةَ للإمام.

فَرْعٌ: لو كان الكافر المقتول امرأةً أو صبياً، فإن لم يُقاتل لم يستحق سلبه، لأنه منهيٌّ عن قتله وإلا استحقَّ في الأصح، والعبدُ كالصبيِّ.

وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لأنه عليه الصلاة والسلام [قَضَى بِهِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسْهُ] رواه أبو داود وصححه ابن حبان وفي صحيح مسلم معناه (307).

(307) رواه أبو داود في السنن: كتاب الجهاد: باب في السلب يخمس: الحديث (2721) عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد: [أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلْبِ =

ص: 1132

والثاني: يخمسُ كسائر أموال الغنيمة فيدفع خُمُسَهُ إلى أهل الْخُمُسِ والباقي للقاتل.

فَرْعٌ: هل يستحق سهم الغنيمة مع السلب؟ فيه وجهان في الحاوي أحدهما: وهو ظاهر النص المنع. والثاني: أنه إنما يتحقق تَتِمَّةَ السهم إن نقص السلب عنه، وَبَعْدَ السَّلَبِ تُخرَجُ مُؤنَةُ الْحِفْظِ وَالنَّقْلِ وَغَيْرِهِمَا، للاحتياج إلى ذلك، ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي، أى إلى خمسةِ أسهم متساوية ويؤخذ خمسُ رقاعٍ ويكتبُ على واحدة للهِ أو للمصالحِ وعلى أربعٍ لِلْغَانِمِيْنَ، وتدرجُ في بنادق من طينٍ أو شمعٍ متساويةٍ ويجفِّفها، ويخرجُ لكلِّ قسم رقعة، فما خرج عليه سهم لله جعله بين أهل الخمس على الخمسة ويقسم الباقي بين الغانمين كما سيأتي، وتقدَّم القسمة بين الغانمين على قسمة الخمس لأنهم حاضرون ومحصورون، وتستحبُّ قسمة الغنيمة في دار الحرب ويكرَهُ تأخيرها بغير عذرٍ، فَخُمُسُهُ لأَهْلِ خُمْسِ الْفَيْءِ يُقَسَّمُ، بينهم، كَمَا سَبَقَ، أي في الفئ أنه يقسم على خمسة أسهم، وَالأَصَحُّ أَنَّ النَّفْلَ، أي بفتح النون والفاء وإسكانها، يَكُون مِن خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِح، لما رَوَى الشافعيُّ عن مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيّبِ يقولُ: كان الناسُ يعطونَ النَّفْلَ مِنَ الخُمْسِ أي من خُمْسِ الخُمْسِ. وهذا ما نصَّ عليه في الأُمِّ (308) أيضاً ، والثاني: أنه من أصل الغنيمة ويجعل ذلك كأجرة الكيَّال ونحوها ثم يقسم الباقى. والثالث: أنه من الأخماس الأربعة، إِنْ نَفَلَ مَا سَيُغْنَمُ فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ، أي الخلاف المذكور إنما هو إذا نفل من الغنيمة، فإنه يجوز أن ينفل مما سَيُغْنَمُ ويؤخذُ من الكفار في هذا القتال، فحينئذٍ فيذكر جزءٌ كثلثٍ أو ربع وغيرهما، ويحتمل فيه الجهالة ويجوز أن ينفّل من مال المصالح المرصد لبيت المال كما ذَكَرَهُ لأنه من المصالحِ، وحينئذ يشترط أن يكون معلوماً؛ فإنه جُعَالَةٌ ولا

= لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلْبَ]. وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين. وابن حبان في الإحسان: باب الغنائم وقسمتها: الحديث (4824) عن عوف بن مالك.

ومعناه في صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير: الحديث (43/ 1753).

(308)

الأُمُّ للشافعىِّ: كتاب قسم الفيء: باب الوجه الثاني من النفل: ج 4 ص 143.

ص: 1133

ضرورة إلى احتمال الجهلِ في الْجُعْلِ ثم لا يختصُّ بالحاصل به إذ ذاك، بل يجوز أن يُعطى ما يتحدد (•) فيه، وقوله (إِنْ نَفَلَ) يجوز فيه التشديد إذا عدَّيتهُ إلى إثنين، والتخفيفُ إذا عدَّيتهُ إلى واحدٍ وبالتخفيف ضَبَطَهُ المصنِّفُ بخطه فكتب عليه خف. لأن معناه جَعْلُ النَّفْلِ، قال في المحكم: نَفَّلَهُ نَفْلاً وَأَنْفَلَهُ إِيَّاهُ وَنَفَلَهُ بالتخفيف.

وَالنَّفَلُ، أي بفتح النون والفاء وإسكانها كما سلف، زِيَادَةٌ يَشْتَرِطُهَا الإِمَامُ أَوِ الأمِيْرُ لِمَنْ يَفْعَلْ مَا فِيْهِ نِكَايَةُ الْكُفَّارِ، أي نكاية زائدة على ما يفعله بقيَّةُ الجيش وكذا توقع ظفرٍ، وترك شرِّ؛ كالتقدُّم على الطليعة أو التَّهَجُّمِ على قلعةٍ أو الدلالة عليها، أو لحفظ مَكْمَنٍ أو تجسُّسِ حالٍ؛ وإنما يفعل ذلك إذا أَمَسَّتِ الحاجةُ إليه. وقوله (يَشْتَرِطُهَا الإِمَامُ أَوِ الأمِيْرُ) قد يُتوهم منه أنه لا بد من هذا الشرط؛ وذلك أحدُ قِسْمَى النفل؛ وهو ما يشرطه أولاً قبل الإقدام على ما يستحقُّ به النفلُ، والآخر ما يُنَفِّلُهُ لمن ظهر منه في الحرب مُبَارَزَةٌ وحُسْنُ إقْدَامٍ وأثرٌ محمودٌ فإنه يُزاد على سهمه من مال المصالح ما يليقُ بالحال، وَيَجْتَهِدُ فِي قَدْرِهِ، أي بحسب قلَّةِ العمل وخطرِهِ، وقد صحَّ أنه عليه الصلاة والسلام (نَفَّلَ الرُّبُعَ فِى الْبَدأَةِ وَالثُّلُثَ فِى الرَّجْعَةِ)(309) وَالْبَدْأَةُ الَّتِي تَتَقَدَّمُ الْجَيْشَ. وَالرَّجْعَةُ الرَّاجِعَةُ، وقيل غير ذلك مما هو موضَّحٌ في تخريجي لأحاديث الرافعيِّ وأحاديث الوسيطِ، وهذا الفعلُ كان منه عليه الصلاة والسلام لِرأْيٍ رَآهُ لا تقديراً.

(•) يتجدد.

(309)

• عن حبيب بن مَسْلَمَةَ الفهريَّ؛ يقولُ: (شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ الرُّبُعَ فِى الْبَدْأَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ). رواه أبو داود في السنن: كتاب الجهاد: باب فيمن قال: الخمس قبل النفل: الحديث (2750). وابن ماجه في السنن: كتاب الجهاد: الحديث (2851) وإسناده صحيح، وله شواهد.

• عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ؛ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ وَفِى الْقُفُوْلِ الثُّلُثَ). رواه الترمذي في الجامع: كتاب السير: باب في النفل: الحديث (1561)، وقال: حديث حسن. وابن ماجه في السنن: الحديث (2852).

ص: 1134

وَالأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ عَقَارُهَا وَمَنْقُولُهَا لِلْغَانِمِيْنَ، لإطلاق الآية والأخبارِ، وَهُمْ، أيِ الغانمون، مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، أي وإن كان من أهلِ الكمال للأثر المشهور:(الْغَنِيْمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ)(310) واحترزتُ بقيد الكمال عن الصبيَّ والمرأةِ ونحوهما فإنهم يستحقُّون الرضخ دون السهم؛ كما سيأتي. وخرج بقوله (بِنِيَّةِ الْقِتَالِ) التَّاجر والمحترف وقد ذكره قريباً، وَلَا شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، لما قلناهُ، وَفِيْمَا قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ، أي جمعه وضمه. وَجْهٌ، أى أنه يستحق لأنه لَحِقَ قبل تمام الاستيلاء، والأصحُّ المنعُ لعدم شهوده الوقعة، والخلاف راجعٌ إلى أن الغنيمة تُملك بانقضاءِ (•) الحرب أو به وبالحيازة، أما إذا حضر بعد حيازة المال فلا مشاركة قطعاً، وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَالْحِيَازَةِ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ، كسائر الحقوق كذا أطلقوهُ وينبغي أن يقالَ على قولنا أنهم لا يملكون الغنيمة بالانقضاء والحيازة بل ملكوا بهما إن تملكوا أن ينتقلَ إلى ورثته حَقُّ التَّمَلُّكِ كما في الأخذ بالشُّفْعَةِ دون الملكِ، نبَّهَ على ذلك صاحبُ المطلب، وَكَذَا بَعْدَ الاِنْقِضَاءِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فِي الأَصَحِّ، الخلافُ مبنيٌّ على الخلاف السابق أنها تُملَّك بالانقضاء أو به وبالحيازة، وَلَوْ مَاتَ فى الْقِتَالِ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا شَيءَ لَهُ، أى بخلاف موت

(310) • قال الماورديُّ: رُوِيَ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مَوْقُوْفاً عَلَيْهِ وَتَارَةً عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: [الْغَنِيْمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ]. الحاوى الكبير شرح مختصر المزني: كتاب قسم الفئ: ج 8 ص 388.

• عن الشافعيِّ رضي الله عنه؛ قال: مَعْلُوْمٌ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّدَّةِ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّمَا الْغَنِيْمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ). السنن الكبرى للبيهقي: كتاب السير: باب الغنيمة لمن شهد الوقعة: الأثر (18454).

• عن طارق بن شهابٍ الأَحْمَسِيِّ؛ قال: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: (إِنَّ الْغَنِيْمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ). السنن الكبرى للبيهقي: الأثر (18456 و 18457).

• عن عبد الرحمن بن مسعود عن علي رضي الله عنه؛ قال: (الْغَنِيْمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ). السنن الكبرى للبيهقى: الأثر (18459).

(•) في النسخة (1): بانفصال.

ص: 1135

الفرس والحالةُ هذه؛ فإنه يستحقُّ سهمَ الفَرَسِ؛ لأن الفارس متبوعٌ فإذا ماتَ فاتَ الأصلُ والفرسُ تابعٌ، فإذا مات جاز أن يبقى سهمُه للمتبوع. والطريق الثانى: حكاية قولين فيهما وجه الاستحقاق شهودُه بعضَ الوقعةِ، ووجهُ المنعِ اعتبارُ آخِرِ القتال فإنه وقت الْخَطَرِ وَالظَّفَرِ، والطريق الثالث: إنْ حصلت الحيازةُ بذلك القتال ثَبَتَ الاستحقاقُ أو بقتالٍ جديدٍ فلا.

فَرْعٌ: بعثَ الإمامُ جاسوساً، فغنمَ الجيشُ قبل رجوعه، شاركهم على أشبه الوجهين؛ لأنه فارقَهُم لمصلحتهم وخَاطَرَ بما هو أعظمُ من شهود الوَقْعَةِ.

وَالأَظْهَرُ أَنَّ الأَجِيْرَ لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِ وَحِفْظِ الأَمْتِعَةِ، وَالتَّاجِرَ وَالْمُحْتَرِفَ يُسْهَمُ لَهُمْ إِذَا قَاتَلُواْ، لشهودهم الوقعة، ووجهُ المنعِ أن القصد الحفظُ والتجارةُ دون الجهاد، واحترز بقوله (الأَجِيْرَ لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِ) عن الأجيرِ للجهادِ، فإن صحَّحْنَا إجارته فلا سهمَ له قطعاً، قال الرافعيُّ: وينبغى طردُ الأقوالِ فيه، قُلْتُ: قد وَفَّى به القاضي والإمام فحكياهُ طريقةً، وأشارَ بقوله (لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِ) ما إذا كانت المدَّةُ معينةً، فإن لم يُعَيِّن مدَّةً كالخياطة ونحوها فلَهُ السَّهم قطعاً.

وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةٌ، للاتباع كما أخرجه الشيخان وأبو داود (311). والمراد بالفارس هنا من حضرَ الوقعةَ وهو من أهلِ فرض القتال بفرس يقاتلُ عليه

(311) • عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْماً). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجهاد: باب سهام الفرس: الحديث (2863).

• عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قَسَمَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمِ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْماً) قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب المغازي: الحديث (4228). ومسلم في الصحيح: كتاب الجهاد: باب كيفية قسمة الغنيمة: الحديث (57/ 1762). وأبو داود في السنن: كتاب الجهاد: باب في سُهْمان الخيل: الحديث (2733).

ص: 1136

مهيَّئٍ للقتال قاتَلَ أمْ لَا، وَلَا يُعْطَى إِلَّا لِفَرَسِ وَاحدٍ، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يُعْطِ الزُّبيرَ إلاّ لفرسٍ واحدٍ وقد حضر يوم حنين بأَفْرَاسٍ، وقيل: يعطى لفرسين ولا يزاد (312)، عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، أي كالبرذون وهو الذي أبواه عجميان. والهجينِ وهو مَنْ أبُوهُ عربيٌّ وأمُّهُ أعجميَّةٌ، والْمُقْرِفُ وهو عكسه، لأن الْكَرَّ وَالْفَرَّ يقعُ منها كلها ولا يضر تفاوتها كالرجال، لَا لِبَعِيْرِ وَغَيْرِهِ، أى كالفيلِ والبغلِ والحمارِ؛ لأن هذه الدواب لا تصلحُ للحرب صلاحيَّةَ الخيل ولا يتأتَّى بها الْكَرُّ وَالْفَرُّ، وبهما تحصلُ النُّصْرَةُ غالباً، واسْتَأْنَسُوْا بقوله تعالى:{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الآية (313)، نعم يُعطى راكبُ هذه الدواب سهمَهُ ويرضخ لها ويفاوت بينها، وَلَا يُعْطَى لِفَرَسٍ أَعْجَفَ، أي مهزولٍ، وَمَا لَا غَنَاءَ فِيْهِ، لأنه لا فائدة فيه لأنه كَلٌّ (والغَنَاءُ مفتوح ممدود) وهو النَّفْعُ كذا رأيتُهُ بخطِّ مؤلِّفه مضبوطاً، وَفِي قَوْلٍ: يُعْطَى إنْ لَمْ يُعْلَمْ نَهْيُ الأَمِيْرِ عَنْ إِحْضَارِهِ، كالسَّهم للشيخ الكبير إذا حضرَ؛ والأظهرُ المنعُ، والفرقُ أن الشيخ يُنْتَفَعُ برأيِهِ ودعائه بخلافه، أما إذا عُلِمَ نهىُ الأمير عن إحضاره فلا سهمَ لهُ قطعاً، وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالذّمَيُّ إِذَا حَضَرُواْ فَلَهُمُ الرَّضْخُ، للاتباع (314)؛

(312) عن الشافعى رضي الله عنه؛ قال: حديث مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل: (أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفرَسَيْنِ. فَأَعْطَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم خَمْسَةَ أَسْهُمٍ. سَهْماً لَهُ، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ). رواه البيهقى في السنن الكبرى: باب لا يُسهم إلا لفرس واحدٍ: الحديث (13158).

(313)

الأنفال 601: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} .

(314)

• عَنْ عُمَيْرِ مَوْلَى أَبِي اللَّحْمِ؛ قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ وَأنَا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَسْهِم لِي؛ فَأَعْطَانِي سَيْفاً؛ فَقَالَ: [تَقَلَّدْ هَذَا السَّيفَ]، وَأَعْطَانِى خَرْثَيَّ مَتَاعٍ، وَلَمْ يُسْهِمْ لِي. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب قسم الفئ والغنيمة: باب المملوك والمرأة ورضخ لهما ولا يسهم: الحديث (13186)، وقال: صحيح على شرط مسلم.

• عَنْ يَزِيْدِ بْنِ هُرْمُزَ؛ قَالَ: (كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيْثَ فِي سُؤَالِهِ، وَفِي الْجَوَابِ قَالَ: وَسَأَلْتَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ هَلْ كَانَ لَهُمَا =

ص: 1137

وسواءٌ حضرَ العبدُ بإذن سيِّده؛ والصبيٌّ بإذن وليِّه؛ والمرأةُ بإذن زوجِها؛ أمْ بغير إذنهم.

فَرْعٌ: الخُنثى المشكلُ كالمرأةِ.

فَرْعٌ: المبعض هل يُرضخ له أو يُلحق بالْحُرِّ. فيه نظرٌ ولم أرَهُ منقولاً.

تَنْبِيْةٌ: هذا الرضخ مستحقٌّ وقيل: مستحبٌّ، وَهُوَ دُوْنَ سَهْمٍ يَجْتَهِدُ الإِمَامُ فِي قَدْرِهِ، أي ولا يبلغ به سهم راجِل إن كان ممن يُرْضَخُ له راجلاً، وإن كان فارساً فكذا على الأصح قاله الماورديُّ في كتاب السَّيَرِ، وَمَحَلُّهُ الأَخْمَاسُ الأرْبَعَةُ فِي الأَظْهَرِ، لأنه سهمٌ من الغنيمة يستحقُّ بحضور الوقعة إلاّ أنه ناقصٌ، والثانى: من أصل الغنيمة كالْمُؤْنِ، والثالث: من خمس الخمس سهمُ المصالح، قُلْتُ: إِنَّما يُرْضَخُ لِذِمِّيٍّ حَضَرَ بِلَا أُجْرَةٍ، وَبِإِذْنِ الإِمَامِ عَلَى الصَّحِيْحِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، أيْ فإنْ حضرَ بأُجرة فله الأُجرة فقط؛ لأنه أخذَ عن حضوره بَدَلاً فلا يقابَلُ ببدل آخر، وإن حضر بلا إذنٍ، فلا رضخ له، بل يُعَزِّرُهُ الإمامُ إذا رآه؛ ووجه مقابَلُ في الأُولى أنه ليس من أهل الموالاة، وجهُ مقابله في الثانية: أنه من سُكَّانِ دارِنَا.

فَرْعٌ نَخْتِمُ بِهِ البَابَ: قال الجوينيُّ في التبصرة: أصولُ الكتاب والسنة والإجماع متطابقةٌ على تحريم وَطْءِ السَّرَارِي اللَاّتِي يُجْلَبْنَ اليومَ مِنَ الرُّوْمِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ؛ إلاّ أن ينتصب في المغانم من جهةِ الإمامِ من يُحْسِنُ قِسْمَتَهَا فيقسمها من غير حَيْفٍ وظُلْمٍ. وسبقه إلى ذلك القفال؛ فإني رأيتُ في فتاويه: أنه لا يحل وطؤُهُنَّ؛ ولا شراءُ العبدِ أيضاً لأجل عدم التخميس، اللهم إلاّ أن يأخذهما الكفارُ بعضهم من بعضٍ ثم يبيعونهما للمسلمين؛ فإنه يصحُّ لأن الخمسَ لا يجب على الكافر وهذا الذى قالاهُ

= سَهْمٌ مَعْلُومٌ إِذَا حَضَرَ الْبَأْسَ، قَالَ: إِنهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سهْمٌ مَعْلُومٌ، إِلَّا أَنْ يُحْذَيَا مِنْ غَنَائِمِ الْعَدُوِّ). رواه البيهقى في السنن الكبرى: كتاب قسم الفيء والغنيمة: الحديث (13184). ومسلم في الصحيح: كتاب الجهاد: باب النساء الغازيات: الحديث (137/ 1812).

ص: 1138

جارٍ على المشهور من وجوب التخميس، أما على رأْي الغزاليِّ وإمَامِهِ: في أن ما أُخذ من الكفار على وجه الاختلاس أو السرقة يكونُ لآخِذِهِ؛ ولا يُخمس؛ فَلَا، وهو ما ادَّعى الإمامُ في موضعٍ الإجماع عليه أعنِي أنه لا يخمس، وقال ابنُ الرفعةِ: إنه المشهورُ لكن الذى رجَّحَهُ الرافعيُّ وقال: إنه الموافقُ لإِيْرَادِ أكثرهم أنه غنيمةٌ.

ص: 1139