الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي التَّوَقُّفِ، لِلتَّشَعُّبِ الحاصِلِ، وَلَا حَدَّ، للشُّبهَةِ، وتجبُ العِدَّةُ وهما عِدَّتَانِ من شخصٍ فهو كوطءِ مطلَّقَتِهِ في عِدَّتِهِ واجتماعِهِما في الإسلامِ هُنا لرجعتِهِ هناكَ فيستمِرُّ النكاحُ إذا جمعَهُما الإسلامُ في الحالاتِ التي يُحكَمُ فيها بثبوتِ الرجعةِ هناكَ.
فَرْعٌ: لو طلَّقَها في مُدَّةِ التَّوَقُّفِ أو ظَاهَرَ منها أو آلَى توقَّفْنا. فإنْ جمعَهُما الإسلامُ قبلَ انقضاءِ العِدَّةِ تَبَيَّنَّا صِحَّتَها وإلَّا فلا.
فَرْعٌ: ليس للزوجِ إذا ارتدَّتْ أن ينكِحَ أُختَها في مدَّةِ التوقُّفِ، ولا أربعاً سِواها، ولا أنْ ينكِحَ أَمةً، فإنْ طلَّقَها ثلاثاً في مُدَّةِ التوقُّفِ أو خالَعَها جازَ لَهُ ذلكَ، لأنها لم تَعُدْ إلى الإسلامِ نقد بَانَتْ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ وإلَّا فبالطلاقِ أو الْخُلْعِ.
فَرْعٌ: قال القفال في فتاويه؛ ومنها نقلتُ: إذا قال لامرأتِهِ: يا كافرة؛ فإن أرادَ شَتْمَهَا لم تَبُنْ منهُ، وإن لم يكُنْ على وجهِ الشَّتْمِ، ونوَى فراقَهُ منها بأنها كافرةٌ فَتَبِيَّنُ منهُ كذا أطلقَهُ وفيهِ نظرٌ.
بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ
الْمُشْرِكُ: هُوَ الْكَافِرُ عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ، أَسْلَمَ كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ، أي كمجوسيٍّ وحربيٍّ ووثنيٍّ، وَتَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ دَامَ نِكَاحُهُ، لجوازِ ابتداءِ نكاحِ الكتابيَّةِ في الإسلامِ، أَوْ وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ، أي وكذا غيرهما ممن لا يجوز نكاحُها من الكافرات، فَتَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ، لأنَّ النكاحَ غيرُ متأكِّدٍ بدليلِ أنهُ يرتفعُ بالطلقةِ الواحدةِ، أَوْ بَعْدَهُ وَأَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ دَامَ نِكَاحُهُ وإِلَّا، أي وإنْ أصَرَّت حتى انقضَتِ العِدَّةُ، فَالْفُرْقَةُ مِنْ إِسْلَامِهِ، لحديثٍ فيهِ لا يحضُرُنِي من خرَّجَهُ بعدَ البحثِ الشديدِ عنهُ (469)؛ والقياسُ على الطلاقِ كما قالهُ ابنُ يونس، وَلَوْ أسْلَمَتْ،
(469) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم؛ =
أيِ المرأةُ، وَأَصَرَّ، أيْ الزوج على كفرِهِ أيَّ كفرٍ كانَ، فَكَعَكْسِهِ، أيْ تكونُ كما لو أسلمَ هُوَ وأصرَّتْ هي، وَلَوْ أَسْلَمَا مَعاً دَامَ النِّكَاحُ، بالإجماع كما نقلهُ ابنُ عَبْدِ الْبِرِّ، وَالْمَعِيَّةُ بِآخِرِ اللَّفْظِ، أي لا بأوَّلهِ إذْ به يحصُلُ الإسلامُ.
فَرْعٌ: هذه الفرقَةُ فرقةُ فسخٍ لا طلاقٍ.
فَرْعٌ: لو نكحَ كافرٌ لابنهِ الصغيرِ صغيرةً؛ فإسلامُ الأبوينِ أو أحدِهما قبلَ بلوغِهما كإسلامِ الزوجينِ أو أحدِهما، ولو نكحَ لطفلِهِ بالغةً وأسلمَ أبُو الطفلِ والمرأةُ معاً قال البغويُّ: يبطُلُ النكاحُ لأنَّ إسلامَ الولدِ يحصُل عَقِبَ إسلامِ الأبِ فتقدَّمَ إسلامُها على إسلامِ الزوجِ لكن ترتُّبُ إسلامِ الولدِ على إسلام الأبِ لا يقتضي تقدُّماً وتأخُّراً بالزمانِ فلا يظهرُ تقدُّمُ إسلامِها على إسلامِ الزوج. قال: وإنْ أسلمَتْ عَقِبَ إسلامِ الأبِ بَطَلَ النكاحُ أيضاً؛ لأنَّ إسلامَ الولدِ يحصلُ بالقولِ والحكميُّ يكون سابقاً للقوليِّ ولا يتحقَّقُ إسلامُهُما معاً.
وَحَيْثُ أَدَمْنَا لَا تَضُرُّ مُقَارَنَةُ الْعَقْدِ لِمُفْسِدٍ هُوَ زَائِلٌ عِنْدَ الإِسْلَامِ وَكَانَتْ بِحَيثُ تَحِلُّ لَهُ الآنَ، أي إلَّا إذا اعتقدوا فسادَهُ وانقطاعَهُ كما قيَّدَهُ في الروضة تبعاً للرافعيِّ، وإنما حكَمنا بالاستمرارِ مع اقترانِ المفسِدِ بالعقدِ على سبيلِ التخفيفِ، وَإِنْ بَقِيَ المُفْسِدُ، أيْ عندَ الإسلامِ، فَلَا نِكَاحَ، أيْ وإنْ كانَ المفسدُ باقياً وقتَ الإسلامِ بحيثُ لا تحِلُّ لهُ لأن ابتداءَ نكاحِها فلا يضُرُّ بل يندفِعُ النكاح ويستخرج على هذا الضابط مسائلٌ ذكرَها المصنِّفُ حيثُ قالَ: فَيُقَرُّ، أي على نكاحٍ، بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ، إذ لا مفسدَ عند الإسلامِ ونكاحُها الآنَ جائزٌ، وكذا إذا أجبرَ البِكرَ
= فَتَزَوَّجَتْ، فَجَاءَ زَوْجُهَا إِلَى رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ قَدْ أَسْلَمْتُ؛ وَعَلِمَتْ بِإِسْلَامِي؟ فَانْتَزَعَهَا رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ زَوْجِهَا الآخَرِ، وَرَدَّهَا إِلَى زَوْجِهَا الأَوَّلِ). رواه أبو داود في السنن: كتاب الطلاق: باب إذا أسلم أحد الزوجين: الحديث (2239). وابن ماجه في السنن: كتاب النكاح: باب الزوجين أحدُهما يسلم قبل الآخر: الحديث (2008).
غيرُ الأبِ والجدِّ أو أُجبرَتِ الثيِّبُ أو راجعَ في القُرْء الرابعِ وهم يعتقدونَ امتدادَ الرجعةِ إليه، وَفِي عِدَّةٍ، أي ولو بشبهةٍ، هِيَ مُنْقَضِيَةٌ عِنْدَ الإِسْلَامِ، لأنها إذا كانت منقضيةٌ جازَ ابتداءً نكاحها فجاز التقريرُ بخلاف ما إذا كانت باقيةً، وَمُؤَقَّتٍ بِأَنِ اعْتَقَدُوْهُ مُؤَبَّداً، أيْ فإنِ اعْتَقَدُوهُ مؤقَّتاً فلا سواء أسلما بعد تمام المدَّةِ أو قبلها، لأنَّ بعدَ المدةِ لا نكاحَ في اعتقادهم وقبلها يعتقدونَهُ مؤقَّتاً ومثلُه لا يجوزُ ابتداؤُهُ، وَكَذَا لَوْ قَارَنَ الإِسْلَامُ عِدَّةُ شُبْهَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، أيْ وإنْ كانَ لا يجوزُ ابتداءُ نكاحِ المعتدَّةِ، لأنَّ عِدَّةَ الشبهةِ لا تَقْطَعُ نكاحَ المسلمِ فَذَا أَوْلى، وقيل: يندفعُ كما لا يجوزُ ابتداءُ النكاحِ في العِدَّةِ، وتعبيرُهُ بالمذهبِ هو ما عبَّرَ بهِ في الروضةِ وعبارةُ الرافعيِّ: المشهورِ الاستمرارِ، وقيل: يندفعُ، وَاعْلَمْ: أنَّه في الروضة تبعاً للرافعيِّ صَحَّحَ أنَّ الاختيارَ والإمسَاكَ بالعقدِ الجارِي في الكُفر جارٍ مجرَى الابتداءِ لا الاسْتِدَامَةِ ونقلاً عن جماعةٍ بناءً على هذه المسألةِ على ذلكَ ومقتضاهُ ترجيحُ الاندفاعِ فَتَأَمَّلْهُ. لَا نِكَاحُ مَحْرَمٍ، أيْ كَبِنْتِهِ وأُمِّهِ وزوجَةِ ابْنِهِ أو أبيهِ فإنهُ لا يُقَرُّ عليهِ؛ لأنه لَا يجوزُ ابتداؤُهُ فاندفعَ عندَ الإسلامِ وكذا لو نكحَ مطلَّقَتَهُ ثلاثاً قبلَ التحليلِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، أي في العِدَّةِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ أُقِرُّ عَلَى الْمَذهَبِ، لأنَّ عُروض الإحرام لا تُؤَثِّرُ كما في أنكحَةِ المسلمينَ فلأنَّ الإمساكَ استدامَةٌ فأشبهَ الرجعةَ، والقول الثاني: المنعُ إلحاقاً للدوامِ بالابتداءِ، والطريقُ الثاني: القطعُ بهذا كما لو أسلمَ وتحتَهُ أَمَةٌ وهو مُوْسِرٌ لا يجوزُ إمساكُها.
وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً وَأَمَةً وَأَسْلَمُواْ تَعَيَّنَتِ الْحُرَّةُ وَانْدَفَعَتِ الأَمَةُ عَلَى الْمَذهَبِ، أيْ سواء نكحَهُما معاً أو مرتَّباً لأنَّا لم ننظُرْ في نكاحِ الأُختين إلى التقديمِ والتأخيرِ فكذلك في نكاحِ الْحُرَّةِ والأَمَةِ، ومنهم من خَرَّجَ اندفاعَ نكاحِ الأمة على قولينِ بناءً على أنَّ الاختيارَ والإمساكَ كابتداء العقدِ أو كاستدامتِهِ وفيه قولان مُستنبطان أظهَرُهما الأوَّلُ، ويندفعُ أيضاً نكاحُ الأَمَةِ باليَسَارِ المقارِنِ للإسلامِ؛ وقيل: قولانِ، بناءً على الأصلِ المذكورِ، والحاصلُ للفَتْوَى: أنهُ متَى أسلَمَ وتحتَهُ أَمةٌ وأسلمَتْ معهُ
أو جمعَهُما الإسلامُ في العِدَّةِ فإنْ كانَ يحِلُّ لهُ نكاحُ الأَمةِ أمسَكَها، وإنْ لم يحِلَّ لِيَسَارٍ أو أَمْنٍ من عَنَتٍ اندَفَعَ نكاحُها.
فَصْلٌ: وَنكَاحُ الْكُفارِ صَحِيْحٌ عَلَى الصَّحِيْحِ، لقوله تعالى:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} (470) وقوله: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ} (471)، وَقِيْلَ: فَاسِدٌ، لعدم مراعاتهم الشروط، لكن لا يفرق لو ترافعوا إلينا رعاية للعهدِ والذِّمَّةِ ونقررهم بعد الإسلام تخفيفاً، وَقِيْلَ: إِن أَسْلَمَ وَقُرِّرَ تَبَيَنَّا صِحَّتَهُ، وَإلَّا فَلَا، وهذا يسمَّى قولُ الوقفِ، والصوابُ في الروضةِ تخصيصُ الخلافِ بالعُقُودِ التي يُحْكَمُ بفسادِ مثلِها في الإسلامِ لا في كُلِّ عقودِهِم، فَعَلَى الصَّحِيْحِ، أيْ وهي صِحَّةُ أنكِحَتِهم، لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثاً ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ تَحِلَّ إِلَّا بِمُحَلِّلٍ، لظهور أثرِ الصحَّةِ وإن قلنا بفسادِها فالطلاقُ في النكاحِ الفاسدِ لا يحتاجُ إلى مُحَلِّلٍ، وَمَنْ قُرِّرَتْ فَلَهَا المُسَمَّى الصَّحِيْحُ، لما قلناهُ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ كَخَمرٍ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ قَبْلَ الإسْلَامِ فَلَا شَيْءَ لَهَا، لانفصالِ الأمرِ بينهُما، وَإِلَّا، أيْ وإنْ لم تقبِضْ قبلَ الإسلامِ، فَمَهْرُ مِثْلٍ، لأنها لم تَرْضَ إلَّا بالمهرِ والمطالبةُ بالخمرِ في الإسلامِ ممتنعةٌ ولا فرقَ بين أنْ يكونَ المسمَّى خمراً في الذَّمَّةِ أو خمراً معينةً، وَإِنْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ فَلَهَا قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ، أي ولا يجوزُ تسليمُ الباقِي من الفاسدِ، وَمَنِ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ بَعْدَ دُخُولٍ فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيْحُ إِنْ صُحِّحَ نِكَاحُهُمْ، وإِلَّا، أي وإنْ لم نصحِّحْهَا، فَمَهْرُ مِثْلٍ، جرياً على القاعدةِ، أَوْ قَبْلَهُ، أي قبلَ الدخولِ، وَصُحِّحَ، أي أنكحَتهم، فَإِنْ كَانَ الاِنْدِفَاعُ بِإِسْلَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا، لأنَّ الفِراقَ جاءَ من جهتِها، أَوْ بِإِسْلَامِهِ فَنِصْفُ مُسَمًّى إِنْ كَانَ صَحِيْحاً، وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ، أي وإن لم يكن مهرٌ فتجب متعةٌ، أما إذا لم نصحِّحْ أنكحَتهم فإنهُ لا مهرَ لها لأنَّ المهرَ لا يجبُ في النكاحِ الفاسدِ بلا دخولٍ.
فَرْعٌ: نكحَها مفوِّضة ويعتقدونَ أنْ لا مهرَ للمفوضة بحالٍ ثم أسلما فلا مهرَ
(470) المسد / 4.
(471)
القصص / 9.
وإنْ كانَ إسلامُهما بعد الدخولِ لأنه استحق وطْئاً بلا مهرٍ.
فَصْلٌ: وَلَوْ تَرَافَعَ إِلَيْنَا ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ وَجَبَ الْحُكْمُ، أي قطعاً لتعذُّر نُزُولِ الْمُسْلِمِ عَلَى حُكْمِ حَاكِمِ الْكُفَّارِ والمعاهِدُ كالذمِّيِّ، أَوْ ذِمِّيَّانِ، أي مُتَّفِقَي الْمِلَّةِ، وَجَبَ فِي الأَظْهرِ، لقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (472)، والثاني: لا يجبُ، لقوله تعالى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (473) وهذه الآية في المعاهدين فنقيسُ أهلَ الذّمَّةِ عليهِم بجامِعِ الكُفْرِ لكن لا نترُكُهم على النزاعِ بل نحكُمُ أو نردُّهُمْ إلى حاكِمٍ مِلَّتِهمْ وهذه الآية منسوخة بالأولى كما قالهُ ابنُ عَبَّاسٍ (474) والأظهرُ في الشرحِ الصغيرِ تعميمُ هذا الخلافِ في حقِّ الله وحقّ الآدمي،
(472) المائدة / 49.
(473)
المائدة / 42.
(474)
مَبْحَثٌ: لِمَنِ الْحُكْمُ فِي قَضَايَا أَهْلِ الْكِتَابِ فِي دَارِ الإِسْلَامِ:
في الجامع لأحكام القرآن: تفسير الآية (41) من سورة المائدة: ج 6 ص 186؛ قال القرطبي: (وقال النحاس في (الناسخ والمنسوخ) له؛ قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة / 42] منسوخ؛ لأنه إنما أُنْزِلَ أَوَّلَ مَا قِّدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِيْنَةَ؛ وَالْيَهُودُ فِيْهَا يَوْمَئِذٍ كَثِيْرٌ، وكان الأدْعَى لهم والأصلح أن يُردُّوا إلى أحكامهم، فلما قوي الإسلام أنزل الله عز وجل {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة / 49]. وقاله ابْنُ عَبَّاسٍ ومجاهد وعكرمة والزُّهري وعمر بن عبد العزيز والسُّديُّ؛ وهو صحيح من قول الشافعي؛ قاله في كتاب الجزية: ولا خيار له إذا تحاكموا إليه، لقوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة / 29]. قال النحاس: وهذا من أصح الاحتجاجات، لأنه إذا كان معنى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} أن تجري عليهم أحكام المسلمين، وجب أن لا يردُّوا إلى أحكامهم، فإذا وجب هذا؛ فالآية منسوخة). انتهى.
قلتُ: ليس بالضرورة أن تنسخ الآية؛ لأنَّ النسخ لا يكون نسخاً إلا ما كان نفياً لحكم غيره بكل معانيه، وهنا لم يأت نسخ حيث أبقى الشارع لأهل الملل ودين غير الإسلام التعامل مع بعضهم في قضايا لا يرجعون فيها إلى حاكم المسلمين وسلطانهم؛ ولا ينظر فيها إلا إذا رُفعت إليه؛ فالآية بدلالتها التشريعية عاملة في =
= مجالات الحياة الاجتماعية، وما يتعلق بعلاقات أهل الذمة الشخصية أي الفردية.
كما أن موضوع الآية {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} أنها كانت في أهل موادعة لا أهل ذمة، والموادعة معاهدة مع كيان -دولة- لا مع أفراد، وهم لم ينزلوا لحكم الإسلام في كل قضاياهم؛ بل كان لهم حكامهم وسلطانهم؛ ولهذا جاء في صحيفة المدينه:(هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. أنهم أمة واحدة من دون الناس). وفيها (وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم) وهكذا جعل لجميع اليهود. ينظر نص المعاهدة كما في السيرة النبوية لابن هشام: كتاب الموادعة لليهود: ج 2 ص 147. والروض الأنف تفسير السيرة النبوية للسهيلي: كتاب الموادعة لليهود: ج 2 ص 346 - 347.
وفي مثل هذه الحال لا يجب على أمير المسلمين، وخليفتهم وقاضيهم الحكم بين الكفار من غير أهل الذمة، بل يجوز الحكم إن أراد الحاكم المسلم حين طلبهم. وهذا بالنسبة لأهل الموادعة والعهد معهم. وهذا غير الواقع الأول
أما حكم أهل الذمة إذا ترافعوا لحاكم المسلمين وخليفتهم، فهل يجب عليه الحكم بينهم؟ هذا موضوع المسألة وواقع الحكم الشرعي فيها.
والجواب:
إن واقع الحكم بين المسلمين، وممارسة الحاكم سلطانه الذي أعطته الأُمة له؛ أن ليس له النظر في رفع الخصومات بين الناس ما لم ترفع إليه، أي ينظر حين يترافع المختصمون إليه بقضاياهم؛ هذا ما لم يكن الأمر المشكلة، والقضية الجارية في حق من حقوق الله وحدٍّ من حدوده، أو أنها قضية من شؤون السلطان، فإنه يمنع تضييع الحدود وحقوق رب العالمين، ويمنع التدخل في شؤونه بوصفه سلطاناً للمسلمين وحاكماً لدارهم.
أما أنه ليس له النظر في القضايا بين الناس ما لم ترفع إليه، فلحديث سرقة رداء صفوان بن أمية، وغيره؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:[تَعَافَوُا الْحُدُدَ بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ] وهذه الحال لا يُنظر المتخاصم فيها أنه ذِمِّيٌّ أو مسلم؛ وإنما ينظر إليه فيها أنه فرد من أفراد الرعية.
ولا خلاف فيما نعلم، أن قضايا أهل الكتاب الخاصة بهم، وما يرتبط بأصول دينهم وعقائدهم، ومواريثهم وأنكحتهم، ترجع إلى أهل دينهم، لقوله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة / 256]، قال الزهريُّ: (قضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُرَدُّواْ في حقوقهم==
فإنْ كانا مختلِفَي الْمِلَّةِ كيهوديٍّ ونصرانيٍّ فيجبُ الحكمُ على أصحِّ الطريقين لأنَّ كُلاًّ لا يرضَى بملَّةِ صاحبهِ، وقيل: القولان.
فَرْعٌ: لو ترافعَ معاهدانِ لم يجبِ الحكمُ قطعاً، وإنِ اختلفَتْ مِلَّتُهُما لأنهم لم
= ومواريثهم إلى أهل دينهم، إلا أن يأتوا راغبين في حدٍّ يُحكم بينهم فيه بكتاب الله) رواه الطبري في جامع البيان: الرقم (9375). أي كما قال ابنُ خُوَيْزِ مِنْدَادٍ (ولا يُرسلُ الإمامُ إليهم؛ إذا استعدى بعضهم على بعضٍ، ولا يحضر الخصم مجلسه إلا أن يكون فيما يتعلق بالمظالم التي ينتشر منها الفساد كالقتل ونهب المنازل وأشباه ذلك. فأما الديون والطلاق وسائر المعاملات فلا يحكم بينهم إلا بعد التراضى -أي في العهد- والاختيار له ألا يحكم ويردُّهم إلى حكامهم- أي أهل دينهم، لأنَّ هذه أمور شخصية فردية تتعلق بمعتقداتهم لا بالمجتمع- فإن حكمَ بينهم حكمَ بحكم الإسلام. وأما إجبارهم على حكم المسلمين فيما ينتشر من الفساد، فليس على الفساد عاهدناهم. وواجب قطع الفساد عنهم؛ منهم ومن غيرهم، لأن في ذلك حفظ أموالهم ودمائهم، ولعل في دينهم استباحة ذلك فينتشر منه الفساد بيننا؛ ولذلك منعناهم أن يبيعوا الخمر جهاراً وأن يُظهروا الزنا وغير ذلك من الفاذورات، لئلا يفسد بها سفهاء المسلمين. وأما الحكم فيما يختص به دينهم من الطلاق والزنا وغيره فليس يلزمهم أن يتدينوا بديننا، وفي الحكم بينهم بذلك إضرار بحكامهم وتغيير ملتهم، وليس كذلك الديون والمعاملات، لأن فيها وجهاً من المظالم وقطع الفساد والله أعلم). انتهى. ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ج 6 ص 185.
بناءً على ذلك فليس صحيحاً أن يترك أهل الذمة وشأنهم وحكامهم في دار الإسلام؛ بل يجب أن يكون شأنهم وممارسة أحكامهم وشعائرهم الدينية بإذن المسلمين؛ لأن هذا هو معنى ظهور كلمة (لَا إِلَهَ إِلَّا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ). أي أن تكون الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع مَن فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذوناً له بذلك من أهل الإسلام، هذا معنى دار الإسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها، لأنها لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم. وإلا أي العكس، فنكون الدار دار كفر لا محالة. ينظر: السيل الجرار المندفق على حدائق الأزهار للشوكانى: ج 4 ص 575.
ثم قلتُ: إن لهذا المبحث تفصيلاً وزيادة بيان في كتاب أصول الفقه.
يلتزما حُكمنا ولم نلتزم دفعَ بعضهم عن بعضٍ، وقيل: هما كالذميين.
فَرعٌ: لو ترافع ذمِّيٌّ ومعاهد فكالذميين، وقيل: يجبُ قطعاً.
فَرْعٌ: حيث يجب الحكم فقضية كلام الغزالي اعتبار رضى الخصمين وعامة الأصحاب على اعتبار رضى أحدِهما.
وَنُقِرُّهُم عَلَى مَا نقِرُّ لَوْ أَسلمُوا وَنُبْطِلُ مَا لَا نقِر، أيْ فإذا كان قد نكح بلا ولي وشهود أو ثيباً بلا رضاها قررنا النكاحَ وكذا لو نكحَ معتدَّة والعِدَّةُ منقضيةٌ فإنْ كانت باقيةً ألغينَاهُ وكذا لو نكحَ مجوسي مَحرَماً. وخالف الماوردي الاعتقاد بإباحتهم بخلاف اليهود.
فَرْعٌ: لو جاء كافر تحته أُختانِ وطلبوا فرضَ النفقةِ، قال الإمامُ: فيه ترددٌ لأنا نحكم بصحَّةِ نكاحِهِما وإنما تندفع إحداهما بالإسلام؛ قال: والذي أرَى القطعَ بهِ المنعُ لقيام المانِع.
فَرْعٌ: إذا التمسوا من حاكم المسلمين ابتداء نكاحٍ أجابَ؛ إن كانتِ المرأةُ كتابيَّة ولم يكن لها ولي كافر ولا يزوجُ إلا بشهودٍ مسلمين.
فَرْعٌ: قال المتولي: إذا لم يترافع إلينا المجوسُ لكن علِمنا منهم من نكحَ مَحرَمًا فالمشهور أنهُ لا يُتعرَّض لهم؛ وحكى الزبيري قولاً: أن الإمامَ إذا عرفَ ذلك فرَّقَ بينهُما كما لو عرفَ أنَّ المجوسى نكحَ مسلمةً أو مرتدَّة. قلت: يقوي هذا القول ما روى البخاريُّ عن بَجَالَةَ بْنَ عَبْدَةَ قال: أتانا كتابُ عمر قبل موتِهِ بِسَنَةٍ: (فَرقوا بَيْنَ كُل ذِى مَحرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ)(475).
فَصل: أسْلَمَ وَتَحتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَربعٍ، وَأسلمنَ مَعَهُ أَوْ في الْعدَّةِ أَوْ كن كِتَابياتٍ
(475) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجزية والموادعة: باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب: الحديث (3156). وأبو داود في السنن: كتاب الخراج والإمارة والفئ: باب في أخذ الجزية من المجوس: الحديث (3043).
لَزِمَهُ اخْتِيَارُ أَربَعِ، وَينْدَفِعُ مَنْ زَادَ، لأن غيلانَ أسلَمَ وتحتَهُ عَشْرُ نسوه ففال النبي صلى الله عليه وسلم[أمْسِكْ أَربعاً وَفارِقْ سَائرَهُن] صححهُ ابن حبان والحاكم (476). ولا فرقَ بين أنْ ينكحهنَّ معاً أو على الترتيبِ، فإن له أنْ يختارَ الأخيراتِ لترك الاستفصالِ في الحديثِ.
وَإن أَسلَمَ مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَربع فَقَطْ تَعيَّن، أقوله واندفعَ نكاحُ من زادَ لتأخُّرِ إسلامهِنَّ عند إسلامهِ قبل الدخول، وعن العِدة ولو كان دخل بهِنَّ فاجتمعَ إسلامُهُ وإسلامُ أربع فقط في العِدةِ تعينَ للنكاح حتى لو أسلَمَ أربع من ثمانٍ وانقضَتْ عِدَّتُهُن أو مِتْنَ في الإسلامِ ثم أسلمَ الزوجُ وأسلمَتِ الباقياتُ في عدتِهِنَّ تعيَّنَتِ الأخرياتُ، ولو أسلمَ أربعٌ ثم أسلمَ الزوجُ قبلَ انقضاءِ عدَّتِهِن ثم أسلمتِ الباقياتُ قبل انقضاءِ عدَّتِهِنَّ مِن وقتِ إسلامِ الزوج اختارَ أربعاً من الأولياتِ والأخرياتِ كيفَ شاءَ فإن ماتَتِ الأولياتُ أو بعضُهُن جازَ لهُ اختيارُ الميِّتَاتِ وَيَرِثُ مِنْهُنَّ.
فَرْعٌ: قَبِلَ كافرٌ لابنهِ الصغيرِ نكاحَ أكثرِ من أربع نسوةٍ ثم أسلمَ وأسلمنَ اندفعَ نكاحُ الزيادةِ على الأربع لكن لا يختارُ الصبىُّ ولا الوليُّ لأنهُ خيارُ شهوةٍ فتوقف حتى يبلُغَ ونفقتهُنَّ في مالِ الصبيِّ لِحَبْسِهِنَّ عليهِ، وكذا لو أسلمَ رجل وجُنَّ قبلَ الاختيارِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَه أم وَبِنْتُها كتَابِيَّتَانِ أَوْ أَسلَمَتَا، فإِن دَخَلَ بِهِمَا حَرُمَتَا أَبَداً، أمَّا البنتُ فللدخول بالأمِّ، وأمَّا الأمُّ فللدخولِ بالبنتِ وبالعقدِ عليها إنْ قلنا بصِحَّةِ أنكحتِهِم، أَوْ لَا بِوَاحِدَةٍ تَعينَتِ الْبِنْتُ، واندفعَ نكاحُ الأم لأنَّ نكاحَ البنتِ يدفعُ
(476) عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه؛ قال: أسْلَمَ غَيْلَانُ بنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِىُّ، وَعِندَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:[أمسِكْ أربعاً، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ] رواه ابن حبان في الإحسان بترتيب الصحيح: كتاب النكاح: باب نكاح الكفار: الحديث (4145). والحاكم في المستدرك: كتاب النكاح: الحديث (2783) مرسلاً وموصولًا، وقال: الوصلَ أوْلى من الإرسال، فإن الزيادة من الثقة مقبولة والله أعلم.
نكاحَ الأمِّ ولا عكسَ، وَفِى قَوْلٍ يَتَخيرُ، كما لو أَسلَمَ وتحتَهُ أُختانِ، أَوْ بالْبِنْتِ تَعَيَّنَتْ، لأنهُ لم يدخُلْ بالأُم والعقدُ عليها لا يُحَرمُ البنتَ ويحَرم نكاحَ الأُم على التأبيدِ، أَوْ بِالأم، حَرُمَتَا أَبَدأ، أمَّا البنتُ فللدخول بابهام، وأمَّا الأمُّ فللعقدِ على البنتِ، وهذا على القولِ بصحَّةِ أنكحَتِهم، وللأمِّ مهرُ المثلِ بالدخول قالهُ البغويُّ والرافعىُّ وفيه نظرٌ، وَفِى قَوْلٍ تَبْقَى الأمُّ، إذ لا مفسِدَ لهُ بخلافِ البنتِ للدخول بالأم، أَوْ وَتحتَهُ أمَة أَسْلَمَتْ مَعَهُ، أَوْ فِي العدة أُقِرَّ إِن حَلتْ لَهُ الأمَةُ، لأنه يجوزُ أنْ يبتدِئَ نكاحَها فيُقَرُّ عليها، وإن تَخَففَّتْ قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجزَتِ الْفُرقَةُ، لأنها تَبِيْنُ بالتخَلفِ كالْحُرَّةِ، أَوْ إِمَاء وَأَسْلَمنَ مَعَهُ أَوْ فى الْعِدَّةِ اخْتَارَ أَمَةً إِن حلتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاع إِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ، لأنهُ يجوزُ أن يبتدِئَ نكاحَها فجازَ اختيارُها كالحُرَّةِ وينفسخُ نكاحُ البَوَاقِي، وإلا انْدَفَعْنَ، لأنهُ لا يجوزُ له ابتداءُ نكاح واحدةٍ منهُنَّ فلا يجوزُ لهُ اختيارُها كالمعتدةِ عن غيرِهِ وذواتُ المحارِمِ، أَوْ حُرة وَإِمَاء وَأَسْلَمنَ مَعَه أوْ في الْعِدةِ تَعينَتْ وَانْدَفعنَ، لأنهُ لا يجوزُ أن يبتدِئَ نكاحَ أمةٍ مع وجُودِ حُرَّةٍ فلا يجوزُ أنْ يختارَها، وَإِن أَصرتْ فَانْقَضتْ عِدتُها اختارَ أَمَةً، إذ ظهرَ أنها بَانَتْ باختلافِ الديْنِ فأشبهَ ما إذا تمحضتِ الإماءُ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلمنَ فِي العدة فَكحَرَائِرَ فَيَخْتَارُ أَربعاً، لإلحاقِهِنَّ بالحَرَائِرِ الأَصلِياتِ.
فَصلٌ: وَالاِخْتِيَارُ: اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ، أيْ وكُلُّ ذلكَ صريح كما اقتضاهُ كلامُ الأئمةِ. قال الرافعىُّ: والأقربُ أنْ يجعلَ قولهُ اخترتُكِ وأمسكتك من غررِ تعرُّضٍ للنكاح كنايةً.
وَالطلَاقُ اخْتِيَارٌ، أي مُنَجَّزاً ومُعَلقاً لتوقفِ وقوع الطلاقِ على ثبوتِ النكاح، لَا الظهارُ وَالإِيْلَاءُ في الأصَحِّ، إذ معناهُما بالأجنبيَّةِ أَلْيَقُ. والثانى: نَعَم؛ لأنهُما تصرفانِ مختَصَّانِ بالنكاح فأشبها الطلاقَ.
وَلَا يَصِحُّ تعلِيقُ اختِيَارٍ وَلَا فَسْخٍ، أي بدخولِ الدارِ ونحوِهِ، لأن الاختيارَ إمَّا كابتداءِ النكاح وإما كالرجعَةِ. وَلَوْ حَصَرَ الاختِيَارَ فِي خَمس انْدَفَعَ مَنْ زَادَ، أيْ
وإن لم يكن تعييناً تامَّاً فإنه يحصر (•) بهِ الإيهامُ، وَعَلَيهِ التعيِينُ، لقوله عليه الصلاة والسلام لغيْلانَ:[اختر](477) وهو أمرٌ وهو للوجوب (478)، وَنفقتهُن حَتى يَختارَ، لأنهُنَّ محبوسات بحكمِ النكاح، فإِن تَرَكَ الاخْتِيَارَ حُبسَ؛ لأنهُ امتنعَ من واجبٍ لا يقومُ غيرَهُ مقامَهُ فيهِ، فإنْ لم يُعَيِّن عُزِّرَ بما يراهُ الحاكمُ من ضربٍ وغيرِهِ ولا يختارُ الحاكمُ، بخلاف الإيلاءِ بحيثُ يُطَلِّقُ؛ لأنَّ هذا اختيارُ شهوةٍ لا تجرِى فيه النيابةُ، فإن مَاتَ قَبْلَة، أىْ قبلَ التعيينِ، اعتدتْ حَامِلَ بِهِ، أيْ بوضْع الحملِ كما سيأتي في بابِهِ، وَذَاتُ أَشْهُر وَغَيْرُ مَدخُول بِها بِأربَعَةِ أَشهُرٍ وَعَشْر، إذْ يحتملُ الزوجيَّةَ في كُلٍّ مِنْهُنَّ وهو الأقصَى في حقِّها، وَذَاتُ إِقْرَاء بَالأكْثَرِ مِنَ الأقْرَاءِ وَأَربَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، لأنَّ كُلَّ واحدةٍ يُحْتَمَلُ أنْ تكونَ زوجة فعليها عِدَّةُ الوفاةِ أو مفارقة في الحياةِ فعليها أنْ تعتد بالإقراءِ فوجبَ الاحتياطُ وتَحسِبُ عِدَّةَ الإقراءِ من إسلامِ واحدٍ منهُ أو منهُن لا من الموتِ.
ويوْقفُ نَصِيْبُ زَوْجَاتٍ حَتى يَصطلحنَ، أي إن لم يَخترْ ولا يُوَزَّعُ بينهُنَّ لأنا
(•) في النسخة (2): يخف.
(477)
* هو الحديث السابق، من طرق أخرى. عن الزهريّ عن ما لم بن عبد الله عن أبيه؛ قال: أنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أسلَمَ، وعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوة فِي الجَاهِلِيّةِ وَأسلَمنَ مَعَهُ، فَقَالَ رسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:[اِختَرْ مِنهُن أربعاً]؛ رواه الحاكم في المستدرك؛ كتاب النكاح: الحديث (2780/ 109) والحديث (110/ 2781) بلفظ [أنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهُن]. والترمذى في الجامع الصحيح: كتاب النكاح: باب ما جاء في الرجل يُسلِم وعنده عشر نسوة: الحديث (1128). وابن حبان في الإحسان: الحديث (4146).
* (عن الضحاك بن فيروز الديلمى؛ عن أبيه قال: قلت: يَا رَسوْلَ اللهِ! أسلَمتُ وَتَحْتِى أختانِ. قَالَ: [اِخْتر أيتَهُمَا شِئْتَ]. رواه الترمذى في الجامع: الحديث (1130). وأبو داود في السنن: الحديث (2243). وابن ماجه في السنن: الحديث (1950) بلفظ [طَلِّقْ أَيتَهُمَا شِئتَ].
(478)
هو أمر يفيد إرشاد المكلف إلى كيفية تطبيق الحكم الشرعي في تعدد الزوجات وحصر العدد بأربع.
نعلمُ أنَّ فيهِنَّ أربعَ زوجاتٍ وقد جهِلنا عينهُنَّ فرجبَ التوقفُ؛ هذا إذا علِمنَا استحقاقَ الزوجاتِ للإرثِ، أمَّا إذا أسلمَ على ثمانِ كتابِيَّات وأسلَمَ منهُنَّ أربعٌ أو كان تحتَهُ أربعُ كتابيَّاتٍ وأربعُ وثنيَّاتٍ فأسلَمَ معهُ الوثنياتُ وماتَ قبلَ الاختيارِ فوجهانِ؛ أصحهما وهو المنصوص: لا يوقفُ شئٌ للزوجاتِ بل تقسَمُ كُلُّ التركَةِ بين باقى الورثَةِ، لأنَّ استحقاقَ الزوجاتِ يضرُ معلوم لاحتمالِ أنهُنَّ الكتابيَّات.
فَرْعٌ: ماتَ ذِمِّيٌّ عن أكثرِ من أربع نسوةٍ، قال صاحبُ التلخيصِ: الربعُ أوِ الثمُنُ لهُنَّ كُلهُنَّ؛ وقال آخرون: لا يرِث منهُنَّ إلاّ أربعٌ فيوقف بينَهُنَّ حتى يصطَلحنَ ويجعل الترافُعُ إلينا. بمثابَةِ إسلامِهِم، وبنَى الخلافَ القفالُ على صحةِ أنكحتهم.
فَرْعٌ: لو نكحَ مجوسيٌّ أُمَّهُ أو بِنتهُ وماتَ ففيه اضطراب للرافعى ذكرتهُ في آخرِ الفرائضِ فَرَاجِعهُ.
فَرْعٌ: المتعيِّناتُ للفرقةِ للزيادةِ على أربعٍ هل تُحْسَبُ عدَّتُهُنَّ من وقتِ الاختيارِ أم مِن وقتِ إسلامِ الزوجين؟ إنْ أسلَمَا معًا وإسلامُ السابقِ إنْ تعاقَبَا فيهِ وجهانِ؛ أصحُّهما عند الجمهور الثانى خِلافاً للبغويِّ، وقال الإمامُ: إنهُ ظاهرُ النصِّ، وأما القاضى فقالَ: ظاهرُ النصِّ الأوَّلُ.
فَصْلٌ: أَسْلَمَا مَعاً اسْتَمَرَّتِ النفَقَةُ، كما يستمِرُّ النكاحُ، وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَصَرتْ، وهى غيرُ كتابيّة، حَتى انْقَضَتِ الْعِدةُ فَلَا، لأنها ناشِزَةٌ بالتخلُّف، وَإِن أَسْلَمَتْ فِيْها لَمْ تَسْتَحِق لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ فِي الْجَدِيْدِ، لأنها أساءَتْ بالتخلفِ والامتناع عمَّا هو فرضٌ عليها فصارَ كما لو سافَرَ الزوجُ وأرادَ استصحابَها فتخلفَتْ، والقديمُ: أنها تستحِق لأنها ما أحدثَتْ شيئاً والزوجُ هو الذي بَدَّلَ الدِّيْنَ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ أَولاً فَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَصرَّ فَلها نَفَقَةُ الْعِدةِ عَلَى الصحِيْح، أمَّا في الأولى: فلأنها أدَّتْ فَرضاً مُضَيَّقاً فهو كصومِ رمضانَ، وأمَّا في الثانيةِ: فلأنها أَحسَنَتْ وَأَسَاءَ، والوجهُ الثانى: لا نفقةَ لها فيهما، أمَّا في الأولى: فلأنهُ استمَرَّ على دِينِهِ وهى التي أحدثَتِ المانِعَ من الاستمتاع، وأمَّا في الثانيةِ: فلأنهُ إذا أصَرَّ الزوجُ تَبَيَّنَ حصولُ الفرقةِ من