الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب اللعان
اللِّعَانُ: هُوَ مصدَرُ لَاعَنَ يُلَاعِنُ لِعَانًا، وَإِطْلَاقُ اللِّعَانِ فِي جَانِبِ المرأَةِ مِنْ مَجَازِ التغْلِيبِ، وَهُوَ مُشْتَق مِنَ اللعنِ. وَهُوَ الطردُ وَالإبعَادُ لِبُعدِهِمَا مِنَ الرحمَةِ، أَوْ لِبعدِ كُل مِنهُمَا عَنِ الآخَرِ فَلَا يَجتَمِعَانِ أبدًا، وَالمُغَلبُ عَلَى اللعَان حُكْمُ اليَمِينِ عَلَى الأصَح، وَهُوَ فِي الشرع كَلِمَات مَعلومَة جُعِلَت حُجَّة لِلْمضطَرَ إِلَى قَذفِ مَنْ لَطخَ فِرَاشَهُ وَألحَقَ بِهِ العَارَ. وَالأصلُ فِيْهِ قوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ
…
} الآية (78)، نَزَلت فِي سَنَةِ تِسع فِي عُوَيمِرِ العَجَلَاني (79) أوْ فِي هِلَالِ بنِ أميةَ قوْلَانِ (80)، وَلَم يَكُنْ بِالمَدِينَةِ بَعدَ النبِي صلى الله عليه وسلم لِعَان إِلَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِالعَزِيزِ (•).
(79)
تقدم في الرقم (41).
(80)
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هِلَالَ بن أميةَ قَذَفَ امرأتَهُ بشريك بنِ سَحمَاءَ، فَقَالَ لَهُ النْبِي صلى الله عليه وسلم:[البينةُ، أؤ حَد في ظَهرِكَ] فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهَ إِذَا رأى أحَدُنَا رجلا عَلَى امرأتِهِ أيلتمِسُ البَينَةَ، فجَعَلَ النبِي صلى الله عليه وسلم يَقولُ:[البينةُ، وَإِلا حد فِي ظَهرِكَ] فَقَالَ هِلَال: وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَق إِني لَصَادِق، وَلينْزِلَن الله فِي أمرِي مَا يُبْرِئ ظَهرِي مِن الحد، فَنَزَلَ جبْرِيلُ عليه السلام، وَنَزَلَتِ الآيةُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} فَقَرأ حتى بَلَغَ {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ =
يَسبِقُهُ قَذْف، وَصَرِيحُهُ: الزنَا كَقَولهِ لِرَجُل أَوِ امرَأةٍ: زَنَيْتَ أؤ زَنَيتِ أو يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ، لتكرر ذلك وشهرته.
فَزعٌ: اللحن بالتأنيث والتذكير قذف.
وَالرميُ بإِيلَاج حَشَفة فِي فَرج مَعَ وَصفِهِ بِتَحرِيمِ أو دُبُر صَرِيحَان، لأن مطلق إيلاج الحشفة يقع على الحلال والحرام فلابد من الوصف بالحرام، وَزَنأتَ، أي بالهمز، فِي الجَبَلِ كِنَايَةٌ، لأن الزنا فِي الجبل هو الصعود فيه، وقيل: إن كان قائله من أهل العربية فليس بقذف وإلا فقذف، وَكَذَا زَنأتِ، أي بالهمز، فَقَطْ فِي الأصَح، لأن ظاهره الصعود، والثانى: أنه قذف، والثالث: إن أحسن العربية فليس بقذف إلا بنية؛ وإلاّ فقذف، وَزَنَيت فِي الجَبَلِ صَرِيح في الأصَح، كما لو قال في الدار، والثاني: المنع، إلا أن يريده لاحتمال أنه لين الهمزة، والثالث: أنه صريح في عَالِم باللغة دون غيره، وَقَولُهُ: يَا فَاجِرُ يَا فَاسِقُ وَلَها، أي للمرأة، يَا خَبِيْثَةُ وَأنتِ تُحِبينَ الخَلوَةَ، وَلقُرَشِي يَا نَبطِي، وَلزَوجَتهِ لَم أَجِدكِ عَذْرَاءَ كِنَايَة، فَإن أَنكَرَ إرَادَةَ قذف صُدِّقَ بِيَمِيْنهِ، لأنه أعرف بكلامه، بأن قال: أردت بالنبطي أنه ليس يفصح كالعرب، أو نبطي الدار لأنه يسكن دارهم.
الصَّادِقِينَ} قَالَ: فَانصَرَفَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأرسَلَ إِلَيهِمَا، فَجاءا فَقَام هِلَالُ بنُ أميةَ فَشَهِدَ، وَالنبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:[إِن الله يَعلَم أنْ أحَدَكُمَا كَاذب، فَهل مِنكُمَا تَائب] ثُم قَامَت فَشَهِدَتْ، فَلَما كَانَ عِنْدَ الخَامِسَةِ {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} قَالُوا لَها: إِنها مُوجبة، قالَ ابنُ عباسٍ: فَتَلَكأت حَتْى ظَننا أنها سَتَرجِعُ، ثمَّ قَالَت: لا أفْضَحُ قَومي سَائرَ اليَومِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النْبِي صلى الله عليه وسلم:[انظُرُوها فَإن جاءَتْ بِهِ أكحلَ العَينينِ سابِغ الأليَتينِ خَدَلجَ الساقَينِ، فَهُوَ لِشَرِيك بنِ سَحمَاءَ، فَجَاءت بِهِ كَذَلِكَ، فَقَال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [لَولَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعالَى لَكَانَ لي وَلَها شأن]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب تفسير القرآن من سورة النور: الحديث (4747). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب اللعان: الحديث (15689).
(•) في نسخة: إلا في أيام عمر بن عبد العزيز.
وَقوله: يَا ابْنَ الحَلَالِ، وَأَما أنَا فَلَست بِزَان، وَنَحوُه تعرِيضٌ لَيسَ بِقَذفٍ وِإن نَوَاه، لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي، وهنا لا دلالة في اللفظ ولا احتمال، وما يُفْهمُ منه، فمستنده قرائنُ الأحوال، وفيه وجه أنه كناية وهو قوي.
وَقَولُهُ: زَنَيتُ بِكَ إِقرَار بِزِنا وَقَذْف، أي فيترتب عليه مقتضاهما، وَلَوْ قَالَ لِزَوجَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَت زَنَيْتُ بكَ أو أَنتَ أَزنَى مِني فقَاذِف وَكَانِيَة، لاحتمال جوابها، فَلَوْ قَالَت: زَنَيْتُ وَأَنتَ أزْنَى مِني، فَمقرة وَقَاذِفَة، لأن كلمة المبالغة؛ وإن كانت تقتضي الاشتراك في الأصل والإختصاص بالزيادة، لكن قولها أنت أزنى مني خارج مخرج الذم، ومثل ذلك محتمل على وضع اللسان كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف إذ قال لأخوته:{أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} (81)، وَقَولُهُ: زنى فَرجُكَ أَوْ ذَكَرُكَ قَذفٌ، لأنه آلة ذلك العمل، وَالمَذهب أَن قوله: يَدُكَ وَعَينُكَ، وَلوَلَده: لَسْتَ مِني أو لَسْتَ ابنِي كِنَايَة، وَلوَلَدِ غَيرِهِ لَسْتَ ابنَ فلَان صَرِيح إِلَّا لِمَنفِي بِلَعَان، أما في الأولى: فلأن المفهوم من زنا هذه الأعضاء اللمس والنظر على ما قاله عليه السلام: [العينَانِ تَزْنِيَانِ وَاليَدَانِ يَزنِيَانِ](82) وهذه طريقة الأكثرين فيها. والطريق الثاني: حكاية وجهين كما ذكره الرافعي، أو قولين كما حكاه القاضي، ووجه من قال بصراحة ذلك القياس على الفرج بجامع أنه أضاف الزنا إلى عضو من الجملة، وأما في الثانية، والثالثة؛ فالنص فيهما ما ذكره، وللأصحاب طرق أصحها تقرير النصين، والفرق أن الأب يحتاج في تأديب الولد إلى مثل هذا الكلام زجرًا له فيحمل على التأديب
(82)
عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: مَا رَأيتُ شَيْئًا أشبة بِاللمَمِ مِمَّا قَالَ أبو هُريرةَ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم: [إن الله كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظهُ مِنَ الزنَا أدرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ: فَزِنا العَينِ النظَرُ، وَزِنَا اللسَانِ المَنطِقُ؛ وَالنفسُ تَمَنى وَتَشتَهِي؛ والفَرجُ يُصَدقُ ذَلِكَ ويكذبهُ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب القدر: الحديث (6612). ومسلم في الصحيح: كتاب القدر: باب قدر على ابن آدم: الحديث (20/ 22657).
بخلاف الأجنبي، والطريق الثاني: حكاية قولين أحدهما: أنه صريح فيهما، لأنه السابق إلى الفهم، وأقيسهما أنه كناية؛ لأنه يحتمل غير القذف، وأما الأخيرة: وهي ما إذا قال للولد المنفي باللِّعَان: لست ابن فلان الملاعن، فوجه عدم صراحته قيام الاحتمال، فيسأل فإن قال: أردت تصديق الملاعن في أن أمه زانية فهو قاذف، وإن أراد أن الملاعن نفاه، أو أنه منفي شرعًا، أو لا يشبهه خَلْقا ولا خُلُقًا، صدق بيمينه فإذا حلف قال القفال وجماعة: يعزر للإيذاء، وإن نكل حلفت الأم أنه أراد قذفها واستحقت الحد عليه.
فَرع: لو استلحقه النافي ثم قال له رجل: لست ابن فلان، فصريح على المذهب، اللهم إلا أن يدعي احتمالًا ممكنًا كقوله: لم يكن ابنه حين نفاه، فإنه يقبل بيمينه كما رجحه في الروضة.
فرع: لو قال للخنثى زنى ذكرك وفرجك فصريح، وإن ذكر أحدهما قال في البيان: الذي يقتضيه المذهب أنه كإضافته إلى اليد، وهذا زاده المصنف هنا في الروضة على الرافعي وهو عجيب، فقد ذكره من كلام الرافعي في باب حد القذف.
فَصلٌ: ويحَد قَاذِفُ مُحصَن، ويعَزرُ غَيرُهُ، للإيذاء، وَالمُحصَنُ مُكلفٌ حر مسلم عَفِيفٌ عَنْ وَطْئ يُحد بِهِ، بالاتفاق، وَتبطُلُ العِفْةُ بوَطء مَحرَمٍ مَملُوكَةٍ علَى المَذهبِ، لدلالته على قلة مبالاته، بل غشيان المحارم أشد من مباشرة الأجنبيات، وقوله (عَلَى الْمَذْهَبِ) أشار به إلى أنا إذا أوجبنا الحد بذلك بطلت عفته، وإن لم نوجبه بطلت أيضًا على الأصح لما قلناه، لَا زَوجَتِهِ فِي عدةِ شبهةٍ وأمَةِ وَلَدِهِ وَمَنْكوحَتِهِ بِلَا وَليٍّ في الأصَح، أما في الأولى: فلعدم تأبد الحرمة، وأما في الباقي: فلأنه وطئ ثبت فيه النسب، والثاني: يبطل لحرمته.
وَلَوْ زَنَى مَقْذُوف سَقَطَ الحد، أَوْ ارتد فَلَا، لأن الزنا يكتم ما أمكن، فإذا ظهر فالظاهر سبق مثله، والردةُ عقيدة؛ والعقائد لا تخفى غالبًا، فإظهارها لا يدل على سبق الإخفاء.
وَمَنْ زَنَا مَرَّةً تُمَّ صَلَحَ لَمْ يُعَدَّ مُحْصِنًا، أي حتى لا يحد قاذفه بعد ذلك، ولكن يعزر للإيذاء، والعِرْضُ إذا انخرم لم تَنْسَد ثلمته، واستشكله الإمام في المسلم الكامل، وقال: ما أراه يسلم من الخلاف، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وَحَدُّ الْقَذْفِ يُوْرَثُ وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ، لأنه حق توقف استيفاؤه على مطالبة الآدمي، فكان حقًا له كسائر حقوقه، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ، كالمال والقصاص، والثاني: كلهم إلا الزوجين لإرتفاع النكاح بالموت وإنقطاع واسطة المتعيِّر، وَأَنَّهُ لَوْ عَفَى بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ كُلُّهُ، كحقِّ الشفعة، والثاني: يسقط جميعه كالقصاص، والثالث: يسقط نصيب العافي ويستوفي الباقي لأنه قابل للتقسيط بخلاف القصاص.
فَصْلٌ: لَهُ قَذْفُ زَوْجَةٍ عَلِمَ زِنَاهَا، أي كان رآها تزني، أَوْ ظَنَّهُ ظَنًّا مُؤَكَّدًا كَشِيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِيْنَةٍ بِأَنْ رَآهُمَا فِي خَلْوَةٍ، لأن الظن مع القرينة المذكورة التحق في هذه الحالة بالعلم، وكذا لو أقرت ووقع في قلبه صدقها أو سمعه ممن يثقُ به، وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَعَلِمَ أنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ، لأن تركه يتضمن استلحاقه وهو حرام، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ إِذَا لَمْ يَطَأْها أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُوْنِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْوَطْءِ أَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا، أي لما دون أربع سنين وفوق ستة أشهر، وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ بِحَيْضَةٍ حَرُمَ النَّفْيُ، أي ولا عبرة بريبة يجدها في نفسه، أو شبهة تخيل إليه فسادًا، وقد صح من حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال:[أَيَّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ الله مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ](83).
(83) عن أبي هريرة؛ قال: لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ اللِّعَانِ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:[أَيَّمَا امْرَأَةٍ أَلْحَقَتْ بِقَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؛ فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَىْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا جَنْتَهُ. وَأَيَّمَا رَجُلٍ أَنْكَرَ وَلَدَهُ، وَقَدْ عَرَفَهُ، احْتَجَبَ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الطلاق: باب التغليظ في الإنتفاء: الحديث (2263) بلفظ [أَدْخَلَتْ]. والنسائي في السنن: كتاب الطلاق: باب التغليظ في الإنتفاء من الولد: ج 6 ص 179. وابن ماجه في السنن: كتاب الفرائض: الحديث (2743). والدارمي في السنن: كتاب النكاح: باب من جحد ولده: الحديث (2238).
وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الإِسْتِبْرَاءِ حَلَّ النَّفْيُ فِي الأَصَحِّ، لأنَّ الإستبراء أمارة ظاهرة على أنَّه ليس منه، لكن المستحب أنَّه لا ينفيه، لأنَّ الحامل قد ترى الدم. والثاني: إن رأى بعد الإستبراء القرينة المبيحة للقذف جاز النفي، بل يلزمه، لأنَّ الغالب على الظن والحالة هذه أنَّه ليس منه، وإن لم يرَ شيئًا لم يَجُزْ، وصححه في أصل الروضة. وقوله (مِنَ الإِسْتِبْرَاءِ) تبع الرافعي هنا، وصحح في الروضة: أن الإعتبار في ستة أشهر من حين يزني الزاني بها.
وَلَوْ وَطِئَ وَعَزَلَ حَرُمَ، النفي، عَلَى الصَّحِيْحِ، لأنَّ الماء قد يسبق من غير أن يحس به، ومقابله: هو قول الغزالي فجعله وجهًا.
وَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتُمِلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنَ الزِّنَا حَرُمَ النَّفْيُ، لقيام الإحتمال، وَكَذَا الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيْحِ، لأنَّ نسبتها إلى الزنا وإثباته عليها يعيّر الولد به، والثاني: لا، انتقامًا منها كما إذا لم يكن ولد، وهذا ما ذكره الإمام أنَّه القياس فأثبته الرافعي والمصنف وجهًا.
فَصْلٌ: اللَّعَانُ قَوْلُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِيْنَ فِيْمَا رَمَيْتُ بِهِ هَذِهِ مِنَ الزِّنَا، أي إذا كانت حاضرة، أما إعتبار العدد في لفظ الشهادة فللآية، وأما إعتبار تسمية ما رماها به فلأنه المحلوف عليه، فَإِنْ غَابَتْ، أي عن البلد أو عن المجلس بحيض أو كفر، سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا، أي عن غيرها، ولا يبعد أن يقوم وصفها بما هي مشهورة به مقام الرفع في نسبها، وَالْخَامِسَةُ: أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِيْنَ فِيْمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا، للآية ويعرفها في الغيبة والحضور كما سلف.
وَإِنْ كَانَ وَلَدٌ يَنْفِيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَلِمَاتِ فَقَالَ: وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ، أي إن كان غائبًا، أَوْ هَذَا الْوَلَدَ، إن كان حاضرًا، مِنْ زِنًا لَيْسَ مِنِّي، لأنَّ كل مرة بمنزلة شاهد، ولو اقتصر على ذكر الزنا لم يكفِ عند كثيرين، والأصح في التهذيب الإكتفاء حملًا للَّفظ على حقيقته، ولو اقتصر على قوله ليس مني لم يكفِ على
الصحيح لإحتمال إرادة عدم الشَّبَهِ في الخَلْقِ والخُلُق، ولو أغفل ذكر الولد في بعض الكلمات احتاج إلى إعادة اللِّعان لنفيه، ولا تحتاج المرأة إلى إعادة لعانها في الأظهر.
وَتَقُوْلُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِيْنَ فِيْمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَالْخَامِسَةَ: أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِيْنَ فِيْهِ، للآية (84) والقول في تعريفه حاضرًا أو غائبًا كما ذَكَرْنَاهُ في جانبها، ولا يحتاج إلى ذكر الولد على الصحيح؛ لأنَّ لعانها لا يؤثر فيه، وَلَوْ بُدَّلَ لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ أَوْ غَضَبٍ بِلَعْنٍ وَعَكْسُهُ أَوْ ذُكِرَا، أي الغضب واللِّعَان، قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يَصِحَّ فِي الأَصَحِّ، الخلاف في المسائل كلها مبني على أن المراعى المعنى فيصح، أو نَظْمَ التنزيل فلا يصح.
وَيُشْتَرَطُ فِيْهِ، أي في اللِّعَان، أَمْرُ الْقَاضِي، أو نائبه، وَيُلَقِّنُ كَلِمَاتِهِ، لأنَّ المغلب على اللِّعَان حكم اليمين على الأصح كما أسلفته أول الباب، واليمين لا يُعْتَدُّ بها قبل إستحلاف القاضي، وإن غلب فيه معنى الشهادة فهي لا تؤدى إلا عنده، ويؤخذ مما ذكره المصنف إحتياج اللِّعَان إلى حضور الحاكم، وَأَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عَنْ لِعَانِهِ، لأنَّ اللِّعَان إما يمين أو شهادة؛ وكل منهما إذا تقدم على وقته لا يعتد به.
وَيُلَاعِنُ أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ، كالبيع وغيره، فإن كانت إشارته لا تفهم؛ فلا يصح قذفه ولا لعانه ولا سائر تصرفاته لتعذر الوقوف على ما يريده.
وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ، لأنَّ اللِّعَان إما أن يغلب فيه معنى اليمين أو الشهادة وهما باللغتين سواء، وَفِيْمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَجْهٌ، أي أنَّه لا يصح لعانه بغيرها، لأنها التي ورد الشرع بها، والأصح الأول لما تقدم، ثمَّ إن جهل القاضي تلك اللغة فلابد من مترجم، ويكفي اثنان، ولو من جانب في الأصح.
(84) النور / 8 - 9: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .
وَيُغَلَّظُ بِزَمَانٍ وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ، أي بعد فعلها، وهذا إذا لم يكن طلب حاثَّ، لأنَّ اليمين فيه أغلظ، فإن كان؛ فبعد العصر أي يوم كان، وَمَكَانٍ وَهُوَ أَشْرَفُ بَلَدِهِ فَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، أي وهو المسمَّى بالحطيم، لأنه أشرف البقاع به، فكان اللِّعَان به أغلظ، وعن القفال أنَّه يلاعن في الْحِجْرِ، وَالْمَدِيْنَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، أي فيصعده على الأصح (85)، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، لأنه أشرف البقاع به؛ وفي ابن ماجه أنها من الجنة (86)، وَغَيْرِهَا عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ، أي عليه كما سلف في المدينة، وَحَائِضٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، لتحريم مكثها فيه، وهذا إذا رأى الإمام تعجيل اللِّعَان، فإن رأى تأخيره إلى الإنقطاع والإغتسال جاز قاله المتولي، وهو في الجُنُبِ أولى، وَذِمِّيٌّ فِي بَيْعَةٍ، لَلنصارى، وَكَنِيْسَةٍ، لليهود، لأنَّ ذلك عندهم كالمساجد عندنا.
فَرْعٌ: قطع الماوردي: أنَّه لا يحلف بموسى، كما لا يحلف المسلم بِمُحَمَّدٍ وادّعى أن ذلك محظور (87).
(85) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [مَنْ حَلَفَ عَلَى
مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِيْنٍ آثِمَةٍ، تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ]. رواه مالك في الموطأ: كتاب الأقضية: باب ما جاء في الحديث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (10): ج 2 ص 727. وابن حبَّان في الإحسان: كتاب الأيمان: الحديث (4353).
(86)
عن عَمْرِو بن سُلَيْمِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ عَمْرو الْمُزَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [الْعَجْوَةُ وَالصَّخْرَةُ مِنَ الْجَنَّةِ]. رواه ابن ماجه في السنن: كتاب الطب: الحديث (3456)، وفي شرح السندي قال: قوله [وَالصَّخْرَةُ] قال السيوطي في النهاية: يريد صخرة بيت المقدس. وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات. وأخرجه الإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 31.
(87)
في الحاوي الكبير شرح مختصر المزني: كتاب اللعان: باب أين يكون اللعان: ج 11 ص 48؛ قال الماوردي: فصل: وإذا غلظ لعان الذميين بما يعظمون من الأمكنة كان تغليظه بما يعظمون من الأيمان معتبرًا بخلوه من المعصية، فما خلي من المعصية جاز تغليظ أيمانهم به كقولهم في لعان اليهوديين: أشهد بالله الذي أنزل التوراة على موسى، وفي =
وَكَذَا بَيْتِ نَارِ مَجُوْسِيِّ فِي الأَصَحِّ، لأنهم يعظمونه، والثاني: المنع، لأنه لم يعظم في شريعة قط بخلاف الكنيسة والبيعة، لَا بَيْتِ أَصْنَّامِ وَثَنِيٍّ، لتحريم دخوله، وصورتُهُ: أن يدخلوا دارنا بالأمان أو بالهدنة.
فَرْعٌ: من لا ينتحل دينًا كالدهري والزنديق، لا يغلظ عليه بالوجوه المذكورة على الأصح.
وَجَمْعٍ، أي ويغلظ بجمع من الأعيان، قال الماوردي: ويعتبر فيهم العدالة والفهم، أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ، لقوله تعالى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (88) قيل: المراد بها أربعة، ولأن اللِّعَان سبب للحد؛ ولا يثبت إلا بأربعة واستحب حضورهم.
وَالتَّغْلِيْظَاتُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، كسائر الأيمان، ووجه مقابله الإتباع، والأصح في التغليظ بالمكان والزمان حكاية قولين، وفي الجمع القطع به.
ويُسَنُّ لِلْقَاضِي وَعْظُهُمَا وَيُبَالِغُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، أي لعله يرجع، وَأَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ، للإتباع، فيقوم؛ فيلاعن وهي جالسة، ثمَّ يجلس فتقوم فتلاعن (89).
فَصْلٌ: وَشَرْطُهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، أي فغير الزوج لا يصح لعانه لظاهر الآية،
= لعان النصرانيين: أشهد بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، فقد روى جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد إحلاف اليهود عند إنكارهم آية الرجم قال لهم:[بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى] فأما ما فيه من أيمانهم من معصية، فلا يجوز تغليظ لعانهم به كقول اليهود في العزير: أنَّه ابن الله، وكقول النصارى في المسيح، أو كيمين غيرهم بأصنامهم وأوثانهم، وهكذا لا يجوز تحليف اليهود بموسى، ولا حلاف النصارى بعيسى، كما لا يجوز إحلاف المسلمين بمحمد، لأنَّ الأيمان بالمخلوقين محظور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، أَوْ لِيَصْمِتْ]. انتهى.
(88)
النور / 2.
(89)
عن مقاتل بن حيَّانٍ، عن عاصم بن عَدِيً؛ ذَكَرَ قِصَّةَ هِلَالِ يْنِ أُمَيَّةَ، . . . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
لِلْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ: [قُوْمَا فَاحْلِفَا بِاللهِ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب اللعان:
فصل في سؤال المرمي بالمرأة: الحديث (15752).
وكذا الصبي والمجنون للخبر المشهور (90)، والمكره أيضًا، ودخل في عبارة المصنف السكران، والذمي، والرقيق، والمحدود في القذف، وَلَو ارْتَدَّ بَعْدَ وَطْءٍ فَقَذَفَ وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ، وَلَوْ لَاعَنَ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيْهَا صَحَّ، لتبيِّن وقوعه في صلب النكاح، أَوْ أَصَرَّ صَادَفَ بَيْنُوْنَةً، أي فإن كان هناك ولد نفاه باللِّعَان نفد، وإلا تبيِّنا فساده.
فَصْلٌ: وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ فُرْقَةٌ وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، للإتباع، وَسُقُوْطُ الْحَدِّ عَنْهُ، للآية (91)، وَوُجُوْبُ حَدِّ زِنَاهَا، أي إذا كان القذف بزنًا إضافة إلى حال الزوجية وكانت مسلمة لقوله تعالى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ. . .} الآية (92)، فدل على وجوبه بلعانها، أما إذا قذفها بزنًا إضافة إلى ما قبل الزوجية ولاعن لنفي النسب، فظاهر كلام الرافعي أن الأصح المنع لأن الأصح أنها لا تلاعن، وأما الذمية فهو مبني على وجوب الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا؛ إن قلنا: يجب؛ وهو الأصح، لزمها بلعانه الحدُّ رضيت أم لم ترضَ وإلا لم تحد حتى ترضى بحكمنا، وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ، للسُنَّة الثابتة فيه.
تَنْبِيْهٌ: يتعلق بلعانه أيضًا سقوط حضانتها في حق الزوج إن لم تلاعن هي، وتشطير الصداق قبل الدخول، وإستباحة نكاح أختها، وأربع سواها، وسقوط حد قذف الزاني بها عن الزوج، إن سمّاه في لعانه.
وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى نَفْيٍ مُمْكِنٍ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْعَقْدِ أَوْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ، أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ لَمْ يَلْحَقْهُ، للإستقراء، وَلَهُ نَفْيُهُ مَيْتًا، لأن نسبه لا ينقطع بالموت، بل يقال مات ولد فلان وهذا قبر فلان، وَالنَّفْيُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجَدِيْدِ، كالرد بالعيب بجامع نفي الضرر، والقديم المنع، لأن أمر النسب خطير، وربما احتاج إلى نظر وتأمل، فقيل: يمتد ثلاثة أيام، وقيل: متى
(90) حديث [رُفِع الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ]. تقدم في الجزء الأول: الرقم (314).
(91)
النور / 8.
(92)
النور / 8: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} .
شاء، ومحل الخلاف في نفي الولد، أما اللِّعان فله تأخيره.
وَيُعْذَرُ، أي في تأخير اللِّعان، لِعُذْرٍ؛ لأنه لا يعد مقصرًا، وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ، لقصة هلال ابن أمية، فإنَّه لاعن الحمل قبل وضعه كما رواه البخاري (93)، وانْتِظارُ وَضْعِهِ، ليلاعن على يقين، فإن الْمُتَوَهَّمَ حملًا قد يكون ريحًا فَيَنْفَشَ، نعم: لو قال علمته ولدًا ولكن رجوت أن يموت فأكفى اللِّعان، فإن حقه يبطل على الأصح المنصوص لتفريطه مع علمه.
وَمَنْ أَخَّرَ وَقالَ: جَهِلْتُ الْوِلَادَةَ صُدِّقَ بِيَمِيْنِهِ إِنْ كانَ غَائِبًا، لأنَّ الظاهر ما يدعيه، قال في الشامل: اللهم إلا أن يستفيض وينتشر، وَكَذا الْحاضِرُ في مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ فِيْها، أي دون ما لا يمكن، لأنه خلاف الظاهر إذن.
وَلَوْ قِيْلَ لَهُ: مُتِّعْتَ بِوَلَدِكَ أَوْ جَعَلَهُ اللهُ لَكَ وَلَدًا صالِحًا، فَقالَ: آمِيْن، أَوْ نَعَمْ، تَعَذَّرَ نَفْيُهُ، لأنَّ ذلك يتضمن الإقرار، والإستلحاق من حيث أنَّه أضافه إلى نفسه ورضي به وهو إذا رضي به ولو في لحظة لم يتمكن من نفيه، فَإِنْ قَالَ: جَزاكَ اللهُ خَيْرًا؛ أَوْ بارَكَ عَلَيْكَ؛ فَلَا، لأنَّهُ يحتمل أنَّه قال ذلك ليقابل التحية، ويحتمل أن يكون لرضاه، وصورة المسألة أن يقال ذلك في وقت العُذر أو تهنئة من لا يسقط حقه بإخباره، ويجوز تصويرها في حال توجهه إلى الحاكم.
وَلَهُ اللِّعانُ مَعَ إِمْكانِ بَيِّنَةٍ بِزِناها، لأنَّ كل واحد منهما حجة، وَلَها لِدَفْعِ حَدِّ الزِّنا، أي وللمرأة أن تلاعن في مقابلة لعان الزوج لدفع الحد عن نفسها لقوله تعالى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ. . .} الآية (94).
فَصلٌ: لَهُ اللِّعانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ وَإِنْ عَفَتْ عَنِ الْحَدِّ وَزالَ النِّكاحُ، أي بطلاق
(93) عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ [أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وامْرَأَتِهِ، فانْتَفَى مِنْ وَلَدِها، فَفَرَّقَ بَيْنَهُما، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الطلاق: الحديث (3515).
(94)
النور / 8.
وغيره للحاجة إلى ذلك، وَلِدَفْعِ حَدِّ الْقَذْفِ وَإِنْ زالَ النِّكاحُ، وَلا وَلَدَ، لذلك أيضًا، وَلِتَعْزِيْرِهِ؛ لأنه غرض صحيح، إِلّا تَعْزِيْرَ تَأْدِيْبٍ لِكَذِبٍ كَقَذْفِ طِفْلَةٍ لَا تُوْطَأُ، لأنه خفيف، وَلَوْ عَفَتْ عَنِ الْحَدِّ أَوْ أَقامَ بَيِّنَةٌ بِزِناها أَوْ صَدَّقَتْهُ وَلا وَلَدَ أَوْ سَكَتَتْ عَنْ طَلَبِ الْحَدِّ أَوْ جُنَّتْ بَعْدَ قَذْفِهِ فَلا لِعانَ في الأَصَحِّ، أما في الأُولى: فلأن اللِّعان حجة ضرورية، وإنما يستعمل لغرض مهم؛ وهو دفع النسب؛ ودفع الحد، ولا ضرورة هنا. ووجه مقابله، وهو أن له اللِّعان لغرض قطع النكاح وغيره، وأما في الثانية: فلما سلف، ووجه مقابله أن اللِّعان يفيد أمورًا، فلأن يفيد بعضها أولى، وأما في الثالثة: وهي ما إذا سكتت فلما سلف، ووجه مقابله: أن له غرضًا في إسقاط الحد، وأما في الأخيرة: فلما سلف، والثاني: أنَّه ينتظر الإفاقة، ولو كان ثمَّ ولد، وأراد نفيه باللِّعان؛ كان له ذلك قطعًا.
وَلَوْ أَبَانَهَا، أي بطلاق وغيره، أَوْ مَاتَتْ ثُمَّ قَذَفَها بِزَنًا مُطْلَقٍ أَوْ مُضافٍ إِلَى ما بَعْدَ النِّكاحِ لَاعَنَ إِنْ كانَ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ، للحاجة إلى النفي كما في صلب النكاح، فَإِنْ أَضافَ إِلَى ما قَبْلَ نِكاحِهِ؛ فَلا لِعانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، أيْ ويُحَدُّ، لأنه قذفٌ غير محتاج إليه؛ فلا يلاعن لأجله؛ كما في قذفه الأجنبية، وَكَذا إِنْ كانَ في الأَصَحِّ، لأنه مقصر بذكر التاريخ، فكان من حقه أن يقذف مطلقًا، لَكِنْ لَهُ إِنْشاءُ قَذْفٍ وَيُلَاعِنُ، لنفي النسب، ومفهومه: أنَّه إذا أنشأ قذفًا ولاعن؛ أنَّه لا يحد، وهو خلاف ما اقتضاه كلام القاضي حسين، والوجه الثاني: له اللِّعان كما لو قذف مطلقًا، قال في الشرح الصغير: وهو الأظهر عند أكثرهم، وَلا يَصِحُّ نَفْيُ أَحَدِ تَوْأمَيْنِ، لأنَّ الله تعالى لم يجر العادة بأن يجتمع في الرحم ولد من ماء رجل وولد من ماء رجل آخر فلا يتبعض إذن.