المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الإِيْلاءِ الإِيْلَاءُ: هُوَ مَصْدَرُ آلَى يُوْلِي إيْلاءً إِذَا حَلَفَ، وَفِى - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٣

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الإِيْلاءِ الإِيْلَاءُ: هُوَ مَصْدَرُ آلَى يُوْلِي إيْلاءً إِذَا حَلَفَ، وَفِى

‌كِتَابُ الإِيْلاءِ

الإِيْلَاءُ: هُوَ مَصْدَرُ آلَى يُوْلِي إيْلاءً إِذَا حَلَفَ، وَفِى الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ. وَالأصْلُ فِيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ. . .} الآية (54) وَآلَى صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا (55).

هُوَ: حَلِفُ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ لَيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا مُطْلَقًا أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أشْهُرٍ. احترز بالزوج عما لو قال لأجنبية: وَاللهِ لا أطَؤُكِ، فإذا تزوجها لا يكون موليًا كما سيأتى، لأنه لا يتحقق فيه قصد الإيذاء وهي أجنبية. نعم، تلزمه الكفارة إن وطئ كما سيأتى، وقال ابن الرفعة: لو حذف لفظ الزوج لكان أَولى، لأنه يدخل [. . . . .](•)، ولفظ الزوج يخرجها إذا قلنا أن الطلاق الرجعي يقطع الزوجية. واحترز بقوله (يَصِحُّ طَلَاقُهُ) عن الصبي والمجنون، ويدخل فيه السكران، فإنه يصح إيلاؤه على المذهب، والعبد والكافر والمريض، وأراد بقوله (مُطْلَقًا) أن يقول والله لا أطؤك،

(54) البقرة / 226: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

(55)

عن أنس رضي الله عنه؛ قال: ألَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّت رِجْلُهُ؛ فَأقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ تِسْعًا وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ؛ فَقَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ! آلَيْتَ شَهْرًا؟ فَقَالَ: [إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْريْنَ لَيْلَةً]. رواه البخاري فِي الصحيح: كتاب الصوم: باب إذا رأيتم الهلال: الحديث (1911). والنسائي فِي السنن: كتاب الطلاق: باب الإيلاء: ج 6 ص 167. والإمام أحمد فِي المسند: ج 3 ص 200.

(•) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: لم نتبينها من المطبوع

ص: 1398

وقوله (أوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أشْهُرٍ) يخرج ما دونها، لأن المرأة تصبر عن الزوج أربعة أشهر وبعد ذلك يفنى صبرها أو يشق عليها الصبر (56).

فَرْعٌ: لو قال أنت عليَّ كظَهر أمِّي خمسة أشهر، فهو مولٍ على الأصح، وقال الجويني: لا، لأنه ليس حالفًا.

وَالْجَدِيْدُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحِلْفِ بِاللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، بَلْ لَوْ عَلِّقَ بِهِ طَلَاقًا أوْ عِتْقًا، أَوْ قَالَ: إِن وَطِئْتُكِ فَلِلهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ كَانَ مُوَلِّيًا، لأن جميع ذلك يسمى يمينًا فيتناوله إطلاق الآية (57)، وقياسًا على الحلف بالله تعالى، والقديم الاختصاص؛ لأن المعهود فِي الجاهلية اليمين بالآلهة، والشرع إنما غيَّر حكمه لا صورته (58).

وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ فَيَمِيْنٌ مَحْضَةٌ، أي حتَّى لو وطئها قبل المدة أو بعدها كان عليه كفارة، فَإِنْ نكَحَهَا فَلَا إِيْلَاءَ، لأن الإيلاء يختص بالنِّكَاح فلا ينعقد

(56) لأثر ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنَ اللَّيْلِ؛ فَسَمِعَ امْرَأةً تَقُولُ [الطويل]:

تَطَاوَلَ هَذَّا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ

وَأَرَّقَنِي أَنْ لَا حَبِيْبَ أُلَاعِبُهْ

فَوَاللهِ لَوْلَا اللهُ إِنِّي أرَاقِبُهْ

لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيْرِ جوَانِبُهْ

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِحَفْصَةَ بنْتِ عُمَرٍ رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا: كَمْ أَكْثَرُ مَا تَصْبِرُ الْمَرْآةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فقَالَتْ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ! فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَحْبِسُ الْجَيْشَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا! ). رواه البيهقي فِي السنن الكبرى: كتاب السير: باب الإمام لا يجمر الغُزَّى: الأثر (18348). وعزاه ابن حجر إلى مظانه فِي تلخيص الحبير: كتاب الإيلاء: الأثر (2).

(57)

عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: (كَانَ إِيْلَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَوَقَّتَ اللهُ عز وجل لَهُمْ أرْبعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ إِيْلَاؤُهُ) وفي رواية (فَمَنْ كَانَ إِيْلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَربَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيْلَاءٍ). رواه البيهقي فِي السنن الكبرى: كتاب الإيلاء: الأثر (15632).

(58)

عن ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: (كُلُّ يَمِيْنٍ مَنَعَتْ جِمَاعًا فَهِيَ إِيْلَاءٌ). رواه البيهقي فِي السنن الكبرى: الأثر (15635).

ص: 1399

بخطاب الأجنبية كالطلاق.

وَلَوْ آلَى مِنْ رَتْقَاءَ أَو قَرْنَاءَ، أوْ آلَى مَجْبُوبٌ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأنه لا يتحقق الإيذاء لامتناع الأمر في نفسه، ووجه الصحة عموم الآية، والطريق الثاني: القطع بالأول، والثالث: القطع بالثاني.

فَرْعٌ: لو آلى ثم جُب ذَكَرَهُ ففيه الطرق، لكن المذهب أنَّه لا بيطل إيلاؤه، لأن العجز عارض وكان قد قصد الإيذاء.

وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرِ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ أَربعَةَ أَشْهُرٍ، وَهَكَذَا مِرَارًا فَلَيْسَ بِمُوْلٍ فِي الأَصَحِّ، لأن بعد الأربعة لا يمكن المطالبة بموجب اليمين الأُولى لانحلالها، ولا بموجب الثانية لأن مدة المهلة لم تمضِ وبعد الثمانية لا يمين، نعم: يأثم على الراجح فِي الروضة، والثاني: أنَّه مُوْلٍ لتحقق الضرر، كما لو كانت الثمانية بيمين واحدة.

وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ خَمْسَةَ أشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ سَنَةً. فَإِيْلَاءَانِ لِكُلٍّ حُكْمُهُ، أي فلها المطالبة بعد مضي أربعة أشهر بمقتضى اليمين الأولى، فإذا أخرت المطالبة حتَّى مضى الشهر الخامس فلا مطالبة بموجب تلك اليمين لانحلالها، فإن طالبته فِي الخامس، ففاء إليها، خرج عن موجب الإيلاء الأول، فإذا انقضى الشهر الخامس، استفتحت مدة الإيلاء الثاني؛ فإذا انقضت مدة أربعة أشهر طولب بالفيأة أو الطلاق (59).

(59) * عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ قال: (شَهِدْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه أَوْقَفَ رَجُلًا عِنْدَ أربْعَةِ أَشْهُرٍ، قَالَ: فَوَقَفَهُ فِي الرَّحْبَةِ، إِمَّا أنْ يَفِئَّ وِإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ). رواه البيهقي فِي السنن الكبرى: الأثر (15609)، وقال: هذا إسناد صحيح موصول.

* عن ابن عمر رضي الله عنهما، يقول؛ (أَيَّمَا رَجُلٍ آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ، فَإذَا مَضَتِ الأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وُقِفَ حَتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِىْءَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ إِذَا مَضَتِ الَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى يُوْقَفَ). رواه البخاري فِي الصحيح: كتاب الطلاق: الأثر (5291)، وقال: ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبى الدرداء وعائشة واثني عشر رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. =

ص: 1400

وَلَوْ قَيَّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُوْلِ فَي الأَرْبَعَةِ كَنُزُوْلِ عِيْسَى صلى الله عليه وسلم فَمُوْلٍ، لأن الغالب عدم حصوله فِي أربعة أشهر فَتَتَضَرِّرُ بقطع الرجاء، وَإِنْ ظَنَّ حُصُوْلَهُ قَبْلَهَا، أي كمجيء الأمطار فِي وقت غلبته؛ فَلَا، أي لا يكون موليًا وإنما هو عقد يمين، وضم فِي الْمُحَرَّرِ إلى ذلك ما إذا علم حصوله لتمام الشهر مثلًا، وحذفه المصنف لأنه يُعْلَمُ من باب أَولى، وَكَذَا لَوْ شَكَّ، أي كحتى أّمْرَض، فِي الأصَحِّ، لاحتمال وجوده فِي الأربعة أشهر وبعدها على السواء فلم يتحقق قصد الضرر، والثاني: لا يكون موليًا فِي الحال، فإذا مضت أربعة أشهر؛ ولم يوجد المعلق به، كان موليًا ولها المطالبة لحصول الضرر.

وَلَفْظُهُ صَرِيْحٌ وَكِنَايَةٌ، كما فِي غيره من الأبواب، فَمِنْ صَرِيْحِهِ تَغْيِيْبُ ذَكَرٍ بِفَرْجٍ وَوَطْءٌ وَجِمَاعٌ وَافْتِضَاضُ بِكْرٍ، أي بِذَكَر؛ لأنها لا تحتمل غير الجماع، فلو قال: أردت بالجماع الاجتماع، وبالوطء الوطء بالقدم دُينَ لاحتماله، فلو لم يقل فِي مسألة الافتضاض بذَكري، فالأصح أنَّه إن نوى الافتضاض بغير الذكر قُبِلَ، قاله فِي الكفاية، والذي فِي الرافعى والروضة أنَّه صريح كالجماع لاشتهاره، فإن قال: لم أُرِدِ الجماع لم يُقْبَل ظاهرًا، وهل يديَّنُ؟ وجهان؛ أصحهما: نعم، والمراد بالذَّكر فِي كلام المصنف الحشفة فتنبَّهْ له، وَالْجَدِيْدُ أَنَّ مُلَامَسَةً وَمُبَاضَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَإتْيَانًا وَغَشَيَانًا وَقُرْبَانًا وَنَحْوَهَا، أي كالإفضاء والمس والمباعلة، كِنَايَاتٌ، لأن ذلك لم يشع شيوع لفظ الوطئ. والقديم أنها صرائح لغلبة استعمالها فِي الجماع.

فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، أي بالبيع والهبة وكذا بالموت، زَالَ الإِيْلَاءُ، لأنه لا يلزمه بالرطء شيء، فلو ملكه بعد ذلك ففي

* أما الفيءُ فهو الجِمَاعُ، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ يقول:(عَزْمُ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالفَىْءُ الْجِمَاعُ). رواه البيهقي فِي السنن الكبرى: الأثر (15663)، وقال: وهذا هو الصحيح عند ابن عباس رضى الله عنهما.

* عن الحسن، قال:(الْفَىْءُ الْجِمَاعُ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَجْنٍ؛ أجْزَأَهُ أَنْ يَفِيْءَ بِلِسَانِهِ). رواه البيهقي فِي السنن الكبرى: الأثر (15630).

ص: 1401

عَوْد الإيلاء قولًا عَوْدُ الحنث، وهذا كله إذا جعلناه مولياً بهذا وهو الجديد، كما تقدم؛ وقد أشار إلى هذا الرافعي في المُحَرر فقال: إنحل الإيلاء تفريعاً على الجديد.

وَلَوْ قَالَ: فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَان ظَاهَرَ فَمُوْلٍ، لأنه وإن لزمته كفارة الظهار فعتق ذلك العبد بعينه، وتعجيل الإعتاق زيادة التزمها بالوطء، ثم إذا وطئ في مدة الإيلاء أو بعدها، فإن العبد يعتق عن ظهاره على الأصح، وَإِلَّا، أى وإن لم يكن قد ظاهر، فَلَا ظِهَارَ وَلَا إيلَاءَ بَاطِناً، ويحْكَمُ بِهِمَا ظَاهِراً، لأنه مُقِرّ على نفسه بالظهار، فَيُحكَمُ بكونه مُوْليًا ومُظَاهِراً، وإذا وطئ عاد الوجهان في وقوع العتق عن الظهار، وَلَو قَالَ: عَن ظِهَارِي إِن ظَاهَرْت؛ فَلَيسَ بِمُوْلِ حَتى يُظَاهِرَ، لأن العتق يحصل حينئذ لو وطئ، أَوْ إِن وَطِئتكِ فَضرتُكِ طَالِق فَمُوْلِ، أى عن المخاطبة تفريعاً على الجديد، فَاِن وَطِئَ، أي قبل مضي المدة أو بعدها، طُلِّقَتِ الضُّرَّةُ، لوجود المعلق عليه، وَزَالَ الإيلَاءُ، وَالأظْهَرُ أنهُ لَو قَالَ لأربع: وَاللهِ لَا أجَامِعُكُن فَلَيس بِمُولٍ فِي الحالِ، لأن الكفارة لا تجب إلَّا بوطئ الجميع، كما لو حلف لا يكلم زيداً وعمراً وخالداً فهو متمكن من وفي ثلاث بلا ضرر، والثاني: نعم، كقوله لا جامعت واحدة منكن، فَإن جَامَعَ ثلَاثاً فَمُوْلٍ مِنَ الرَّابِعَةِ، لأنه يحنث بوطئها، وسواء وطئ الثلاث في النكاح أو بعد البينونة؛ فينعقد الإيلاء، لأن اليمين تشمل الحلال والحرام، ولو وطئها في الدبر، فكذلك في الأصح، قال في الروضة: وهو متفق عليه، فَلَو مَاتَ بَعْضُهُن قَبلَ وَطْءِ زَالَ الإيلَاءُ، لأنه تحقق امتناع الحنث، ولا نظر إلى تصوير الإيلاج بعد الموت، فإن اسم الوطء يقع مُطْلَقُه على ما في الحياة.

وَلَو قَالَ: لَا أُجَامعُ كُلَّ وَاحِدَ؛ مِنْكُنَّ؛ فَمُولٍ مِنْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُن، أي فمتى وطئ واحدة حنث، لأن اليمين يتعلق بكل واحدة بخلاف المسألة قبلها، فإن اليمين تناولت الجميع فلا يحنث بالبعض، وقيدها في الشامل بما إذا لم يرد واحدة بعينها أو أراد جميعهن.

وَلَو قالَ: لَا أجَامِعُكِ إِلَى سَنة إِلَّا مَرَّةَ فَلَيسَ بِمُوْلِ فِي الحَالِ فِي الأظهَرِ،

ص: 1402

لأنه لا يلزمه بالوطئ في الحال شئ لاستثنائه الوطئ مرة، فَإن وَطِئَ وَبَقِيَ مِنْهَا أَكثرَ مِن أربعَةِ أَشهُر فمُوْل، أي من يومنذ لحصول الحنث ولزوم الكفارة لو وطئ، وإن بقي أربعة أشهر فما دون، فليس بمولٍ بل حالف فقط، والقول الثانى: أنه مولٍ في الحال؛ لأن الوطئة الأولى؛ وإن لم يتعلق بها حنث؛ فهي مقربة منه، وذلك ضرر عليه، والمولي هر من منع نفسه من الوطئ، لخوف ضرر فيطالب بعد مضى المدة، فإن وطئ فلا شئ عليه، لأن الوطئة الأولى مستثناة وتضرب المدة ثانياً إن بقي من السنة مدة الإيلاء، ويجري الخلاف إذا استثنى وطيآت لحصول التقريب بكل وطأة.

فَصْلٌ: يُمْهَلُ، أي المولي، أَرْبَعَةَ أَشْهُر، بنص القرآن العظيم (60)، مِنَ الإيلَاءِ، أى تحسب هذه المدة من وقت الإيلاء وهذا في غير الرجعية أما الرجعية فستأتى، بِلَا قَاضٍ، أي لا تحتاج هذه إلى ضرب قاضٍ، بل يمهل بدونه؛ لأنها ثابتة بالنص والإجماع، بخلاف العُنَّةِ لأنها مجتهد فيها، وَفى رَجْعِيَّةِ مِنَ الرَّجْعَةِ، أى لا من وقت اليمين لأنها جارية إلى بينونة.

وَلَوِ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَندَ دُخُولِ فِي المُدَّةِ انقَطَعت، أى ولا يحسب زمن الردة لأنهَا تُؤَثِّرُ في قطع النكاح كالطلاق؛ ولاختلال النكاح؛ وجريانها إلى البينونة، فَإذَا أَسلَمَ، أى المرتد منهما، استُؤنِفَت، أى المدة، وَمَا يَمنَعُ الوَطئ؛ وَلَم يُخِل بِنِكاحٍ إِن وُجِدَ فِيْهِ، أي في الزوج، لَم يَمْنع المُدَّةَ كَصَومِ وَإحْرَامِ، أي وإن حدث في خلالها لم يقطعها كصوم وإحرام، وَمَرَضِ وَجُنُونٍ، لأنها مُمكنة، والمانع منه وهو المقصر بالإيلاء وقصد المضارة، أَو فِيْهَا، أى في الزوجة، وَهُوَ حِسِّيٌّ كَصِغَرِ وَمَرَضِ مَنَعَ، وِإن حَدَثَ فِي الْمُدَّةِ قَطَعَهَا، لأنه لا يمكن وطاؤها والحالة هذه فلم يوجد الامتناع باليمين المودى إلى الضرر، فَإِذَا زَالَ اسْتُؤْنِفَتْ، لأن المطالبة مشروطة بالإضرار أربعة أشهر متوالية ولم يوجد، وَقِيلَ: تُبى، كما لو وُطِئَت في العدة

ص: 1403

بالشبهة وحبلت منه؛ تبنى بعد الوضع على ما مضى، أَوْ شَرْعِيٌّ كَحَيضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ فَلَا، أما في الحيض فلأنه لو منع لامتنع ضرب المدة غالباً إذ لا تخلو المدة عن حيض غالباً، ولهذا لا ينقطع التتابع في صَوْمِ الشهرينِ، وأما في صوم النفل فلأنه متمكن من وطئها وتحليلها.

فَرْعٌ: النفاس كالحيض.

وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الأصَحِّ، لعدم تمكنه من الوطء، والثانى: لا يمنع الاحتساب؛ لتمكنه ليلاً، فَإن وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ، أي فإن الإيلاء ينحل ولم يطالب بعد ذلك بشيء، وِإلَاّ، أي وإن لم يطأ، فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِأن يَفِيْءَ أَوْ يُطَلِّقَ، أى إن لم يَفي للآية؛ وسمى الوطؤ فيه من فاء؛ إذا رجع، لأنه امتنع ثم رجع، وقوله (بِأنْ يَفِىْءَ أوْ يُطَلّقَ) يُفْهُمِ أنه ليس لها المطالبة بأحدهما، وبه صرح الإمام في الفيئة فقال: ليس لها توجيه الطلب بالفيئة، فإن نفسه لا تطاوعه، وكلام الوسيط يفهم خلافه، وقال الإمام: ليس لها المطالبة بالطلاق ابتداء، لأنه ليس بحقٍ لها وإنما حقها الاستمتاع.

فَرْعٌ: ليس لسيد الأمة، ولا لولي الصغيرة والمجنونة المطالبة إذ لا مدخل لذلك تحت الولاية.

وَلَو ترَكَت حَقهَا فلَهَا المُطَالَبَةُ بَعْدَهُ، لأن الضرر يتجدد فأشبه الرضى بالاعسار بخلاف الرضى في العنة فإن ضررها في حكم خصلة واحدة فأشبه الرضى بالعيب، وَتَحصُلُ الفَيئَةُ بِتَغْيِيْبِ حَشَفَةٍ، لأن سائر أحكام الوطئ يتعلق بذلك، وسواء البكر والثيب والمختار والكره، بِقُبُلِ، أي فلا تحصل بالتغبيب في الدبر، نعم؛ يحنث به الحالف على ترك الوطئ لِيَنْحَلَّ اليمين فلا مُطالبة، وَلَا مُطَالَبَةَ، أي قولاً وفعلاً، إِن كَان بِهَا مَانِعُ وَطْء كَحَيْضِ وَمَرَضٍ، لأن المطالبة تكون بالمستحق وهى لا تستحق الوطئ حينئذ، وَإِن كَان فِيْهِ، أي في الزوج، مَانع طَبِيعِي كَمَرَضٍ طُولبَ بِأن يَقُولَ: إذَا قَدَرْتُ فِئْتُ، لأنه به يندفع الأذى الذي حصل باللسان، وزاد الشيخ أبو حامد عليه: ندمت على ما فعلت، أَوْ شَرْعِيٌّ كَإحْرَامِ؛ فَالمَذْهَبُ أنَّهُ يُطَالبَ بِطَلَاقٍ،

ص: 1404

إزالة للضرر بناء على أنه إذا أراد الوطئ والحالة هذه لها الامتناع وهو الأصح، وقد قيل: يقع منه بفيئة اللسان، فَإن عَصَى بِوَطْء سَقَطَتِ المُطَالَبَةُ، والطريق الثانى: أن يقال له: ورَّطْتَ نفسَكَ بالإيلاء، فإن فِئت عصيتَ وأفسدتَ عبادتَك؛ وإن طلقْتَ فاتَ عليكَ زوجُكَ، وإن لم تطلق طلقنا عليك، كمن غصب دجاجة ولؤلؤة؛ فابتلعتها فيقال له: إن ذبحتها غرمتها وإلا غرمت اللؤلؤة (•)، وإن؛ أبى الفَيئةَ وَالطلَاقَ فَالأظْهَرُ أنَّ القَاضِيَ يُطَلّقُ عَلَيهِ طَلْقَةً، نيابة عنه كالدين، والثاني: لا يطلق عليه، بل يحبسه أو يعزره ليفئ، أو يطلق؛ لأن الله تعالى أضاف الطلاق إليه، وَأَنَّهُ لَا يُمهَلُ ثَلَاثة، لأن المدة أربعة أشهر، فلا يزاد عليها إلا بقدر التمكن في العادة، والثاني: يمهلها، لأنها مدة قريبة، وقد ينتظر فيها نشاطاً، ولا خلاف أنه لا يمهل في الفيئة باللسان لقدرته عليها في الحال، وَأنَّهُ إِذَا وَطئ بَعْدَ مُطَالَبَةٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِيْنٍ، لحنثه، والثانى: لا يلزمه، لقوله تعالى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (61) فأوجب ذلك سقوط حكم الدنيا كما سقط حكمها في المحارب إذا تاب قبل القدرة، وأجاب الأول: بأن المغفرة والرحمة ينصرفان إلى ما يعصى به، والفيئة الموجبة للكفارة مندوب إليها.

فَرْعٌ: لو وطئ قبل مضي المدة، فقيل: تجب الكفارة قطعاً، لأنه حنث باختياره من غير إلزام، وقيل: بطرد الخلاف، لأنه بادر إلى ما يطالب به.

(•) في هامش النسخة (1) كنب الناسخ يقول:

إعلم: أن من غصب حيواناً وذبحه لم يلزمه ردُّ سوى اللحم مع أرش النقص؛ إن كان، ولا يلزمه ردّ مثل الحيوان ولا قيمته كما ذكره الرافعي في بابه. وكلامه هنا ووهم خلافه، فاجتنبه. إنتهى.

(61)

البقرة / 226.

ص: 1405