الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتابُ الْعَدَدِ
الْعِدَّةُ: أصلُها مِنَ الْعَدَدِ لإِشْتِمالِها عَلَى عَدَدٍ مِنَ الأَقْراءِ أَوِ الأَشْهُرِ، وَهِيَ اسْمٌ لِمُدَّةٍ مَعْدُوْدَةٍ تَتَرَبَّصُ فِيْها الْمَرْأَةُ لِتَعْرِفَ بَراءَةَ الرَّحِمِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِما ذَكَرناهُ؛ وَبِالْوِلَادَةِ. والأَصْلُ فِيْها الإِجْماعُ، والآيَاتُ والأَخْبارُ الآتِيَةُ في الْبَابِ.
عِدَّةُ النِّكاحِ ضَرْبَانِ: الأَوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِفُرْقَةِ حَيٍّ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ، أي أو لعان، وَإِنَّما تَجِبُ بَعْدَ وَطْءٍ، أي ولو من صبيٍ ومقطوع انثيين باقي الذكر لمفهوم قوله تعالى:{ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ. . .} الآية (95)، فإن فقده ووجدهما؛ فلا عدة، إن كانت حائلًا دون ما إذا كانت حاملًا، فإنَّه يلحقه كما سيأتي في الباب، فإن فقد الكل فلا عدة لإنتفاء الدخول، أَوِ اسْتِدْخالِ مَنِيِّهِ، لأنه أقرب إلى العلوق من تغييب الحشفة، ونقل الماوردي عن الأصحاب: أن شرط وجوب العدة ولحوق النسب بإستدخال ماء الزوج أن يوجد الإنزال والإستدخال معًا في الزوجية.
وَإِنْ تَيَقَّنَ بَراءَةَ الرَّحِمِ، أي للتعبد فيجب على الصغيرة المدخول بها، وعلى المعلق طلاقها، على تيقن البراءة إذا مضى لها بعد وضع الحمل ستة أشهر، لا بِخَلْوَةٍ في الْجَدِيْدِ، للآية السالفة، والقديم: نعم؛ لفتيا عمر وعلي رضي الله عنهما بها، والجواب: أنَّه منقطع كما قال البيهقي (96).
(95) الأحزاب / 49: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحًا جَمِيلًا} .
(96)
عن ابن المسيَّب، أنَّه قال: قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (أَيَّما امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ؛ فَحَاضَتْ =
فَصْلٌ: وَعِدَّةُ حُرَّةٍ ذاتِ أَقْراءٍ ثَلَاثَةٌ، لقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (97)، والْقُرْءُ: الطُّهْرُ؛ لأنه المراد في الآية كما قررته في الأصل، فَإِنْ طُلِّقَتْ طاهِرًا، أي قبل جماع فيه أو بعده، انْقَضَتْ بِالطَّعْنِ في حَيْضَةٍ ثالِثَةٍ، إن بقي من الطهر بعد وقوع الطلاق بقية، أَوْ حائِضًا فَفِي رابِعَةٍ، لأنَّ الظاهر أن الذي ظهر حيض، فيكون الطهر قبله قد كمل، أما إذا لم يبق، بأن انطبق آخر لفظ الطلاق على آخر الطهر، ويتصور ذلك بأن يقول أنتِ طالقٌ في آخر أجزاء طهرك أو يقع ذلك اتفاقًا، فالأصح أنَّه لا يعتد بذلك، وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَ الطَّعْنِ، أي في الحيضة الثالثة في المسألة الأُولى، والرابعة في الثانية، لاحتمال أن ذلك دم فساد فلا ينقضي بالشك.
فَرْعٌ: ذكر المصنف حكم الطلاق في الحيض والطهر؛ ولم يذكر حكم النفاس، وظاهر كلامه في الروضة تبعًا للرافعي في الحال الثاني في اجتماع عدتين؛ أن النفاس لا يحسب من العدة.
وَهَلْ يُحسَبُ طُهْرُ مَنْ لَمْ تَحِضْ قُرءًا؟ قَوْلَانِ. بِناءً عَلَى أَنَّ الْقَرْءَ انْتِقالٌ مِنْ طُهْرٍ إِلَى حَيْضٍ، أَمْ طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ بِدَمَيْنِ، والثّانِي أَظْهَرُ، لأنَّ اللفظ مأخوذ من قولهم قرأت الماء في الحوض؛ أي جمعته؛ فزمان الطهر يجتمع فيه الدم في الرحم، وزمان الحيض يجمع شيئًا ويرسل شيئًا إلى أن يدفع الكل، فحصل معنى الجمع فيهما، ووجه مقابله؛ أنَّه من قولهم: قرأ النجم إذا طلع، وقرأ إذا غاب، وهو ما رجحوه فيما إذا قال: أنت طالق في كل قرء طلقة؛ وكانت لا تحيض؛ أنها تطلق في الحال.
= حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ رَفَعَتْها حَيْضَةً؛ فَإِنَّها تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ؛ فَإِنْ بانَ بِها حَمْلٌ فَذاكَ، وَإِلّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حَلَّتْ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب العدد: باب عدة من تباعد حيضها: الأثر (15817)، وقال: فإلى ظاهر هذا كان يذهب الشافعي رحمه الله في القديم، ثمَّ رجع عنه في الجديد إلى قول ابن مسعود رضي الله عنه.
(97)
البقرة / 228.
وَعِدَّةُ مُسْتَحَاضَةٍ بَأَقْرَائِهَا الْمَردُوْدَةِ إِلَيهِا، أي من العادة أو الأقل أو الغالب إن كانت مبتدأة كما مر في الحيض، وعلى القولين إذا مضت ثلاثة أشهر فقد انقضت عدتها لاشتمال كل شهر على حيض وطهر غالبًا.
وَمُتَحَيِّرَةٍ بِثَلَاثةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَالِ، لئلا تبقى معطلة طول عمرها، وعلى هذا فالاعتبار بالأهلة، فإن انطبق الطلاق على أول الهلال فذاك، وإن وقع في أثناء الشهر الهلالي فإن كان الباقي خمسة عشر فما دونها لم تحسب قرءًا على الأصح، وإن كان أكثر من خمسة عشر، حسب قرءًا، واعتدت بعده بهلالين وهذا وارد على المصنف، وَقيلَ: بَعْدَ الْيَأْسِ، لأنها قبله متوقعة الحيض المستقيم.
وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمَنْ فِيْهَا رِقٌ بِقَرْءَينِ، لعدم تبعيض القرء الثاني، وَإِنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعَةٍ كَمَّلَتْ عِدَّةَ حُرَّةِ فِي الأَظْهَرِ، لأنها كالزوجة، أَوْ بَيْنُونَة فَأَمَةٌ فِي الأَظْهَرِ، لأنها كالأجنبية، والثاني: تُتِمُّ عدة حرَّة مطلقًا كالرجعية، والثالث: تُتِمُّ عدة أمة مطلقًا كالبائن.
فَصْلٌ: وَحُرَّةٍ، أي وعدة حرة، لَمْ تَحِضْ أوْ يَئِسَتْ بِثَلَاثةِ أَشْهُرِ، لقوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ. . .} الآية (98)، فَإِنْ طُلِّقَتْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَبَعْدَهُ هِلَالَانِ وَتُكَمِّلُ الْمُنْكَسِرَ، أى وهو الأول، ثَلاثِيْنَ، وسواء كان ذلك الشهر كاملًا أو ناقصًا، فَإِن حَاضَتْ فِيْهَا، أي في أثناء الشهور، وَجَبَتِ الأَقْرَاءُ، بالإجماع ولا يحسب ما مضى قرءًا في الصغيرة على الأصح.
وَأَمَةٍ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ، لإمكان التبعيض، وَفِي قَوْلٍ: شَهْرَانِ، بدلًا عن قرئين، وَفِي قَوْلٍ: ثَلَاثَةٌ، لعموم الآية (99).
(99)
البقرة / 228: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} .
وَمَن انْقَطَعَ دَمُهَا لِعِلَّةٍ، أي تعرف، كَرَضَاعٍ وَمَرَضٍ تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ، أي فَتَعْتَدُّ بالإقراء، أوْ تَيْأَس؛ فَبِالأَشْهُرِ، ولا تبالي بطول مدة الإنتظار.
فَرْعٌ: روى سعيد بن منصور عن ابن عمران؛ أنه سُئل عن المرأة تشرب الدواء ليرفع حيضها حتى تطوف وتنفر، فلم يرَ به بأسًا ونَعَتَ (•) لهم ماء الأراك.
أَوْ لَا لِعِلْةٍ فَكَذَا فِي الْجَدِيْدِ، كما لو انقطع لعلة، وَفِي الْقَدِيْم تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، لأنها مدة الحمل غالبًا، وَفِي قَوْلٍ: أَرْبَعَ سِنِيْنٍ، لتتحقق براءة الرحم، ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالأَشْهُرِ، وفي قول مخرَّج ستة أشهر، ثم تعتد بثلاثة أشهر، لأنه أشْهَرُ، وبه أفتى ابن البارزي (•) لعظم مشقة الإنتظار إلى سن اليأس، ولغلبة الظن ببراءة الرحم، قال: ويتجه ذلك فيما إذا انقطع لعلة أيضًا، ويقال: تتربص أربع سنين لتتيقن براءة الرحم.
فَعَلَى الْجَدِيْدِ لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَأْسِ فِي الأَشْهُرِ وَجَبَتِ الأقْرَاءُ، لقدرتها على الأصل، ويُحسب ما مضى قرءًا بلا خلاف.
أَوْ بَعْدَهَا، أي بعد تمام الأشهر، فَأَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا إِنْ نُكِحَتْ فَلَا شَيْءَ، لتعلق حق الزوج، وَإِلَّا فَالأَقْرَاءُ، لأنه تبين أنها ليست من الآيسات، والثاني: تنتقل إلى الإقراء مطلقًا، لأنه بَانَ أنها ليست أيسة، والثالث: المنع مطلقًا، لانقضاء العدة ظاهرًا كما لو حاضت الصغيرة بعد الأشهر.
وَالْمُعْتَبَرُ يَأْسُ عَشِيْرَتِهَا، أي من الأبوين لتقاربهن في الطبع، وَفِي قَوْلٍ: كُلِّ النِّسَاءِ، للاحتياط، قُلْتُ: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، ولا يمكن طوف العالم، والمراد ما بلغنا خبره، والمراد نساء زمانها دون غيرهن؛ وفي أقصى سن اليأس أوجه؛ أصحها: أنه اثنان وستون سنة.
(•) في النسخة (1): وَصَفَ.
(•) في النسخة (2): البارزي من دون ذكر (ابن).
فَصْلٌ: عِدَّةُ الْحَامِلِ بِوَضْعِهِ بشَرْطِ نِسْبَتِهِ إِلَى ذِي الْعِدَّةِ وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ، لقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. . .} الآية (100)، فإن لم يكن كونه منه، كما إذا مات الصبي الذي لا يتصور منه الإنزال والجماع، وامرأته حامل فعدتها بالأشهر كما سيأتي، فإن الولد غير لاحق به، وَانْفِصَالٍ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِي تَوْأَمَيْنِ، لظاهر الآية المذكورة.
وَمَتَى تَخَلَّلَ دُوْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَوْأَمَانِ، أي فإن كان بينهما ستة أشهر فصاعدًا فالثاني حمل آخر، وَتَنْقَضِي بِمَيِّتٍ، لإطلاق الآية، لَا عَلَقَةٍ، لأنها لا تعد حملًا (•)، وَبِمُضْغَةٍ فِيْهَا صُوْرَةُ آدَمِيِّ خَفِيَّةٌ أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ، أي فإن العدة تنقضي بوضعها أيضًا، فَإن لَمْ يَكُنْ صُوْرَةً، أي لا بيّنة ولا خفية، وَقُلْنَ، أي القوابل: هِيَ أَصْلُ آدَمِيِّ انْقَضَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأن القصد من العدة معرفة براءة الرحم وهي تحصل برؤية الدم فمثل هذا أولى، والقول الثاني: أنها لا تنقضي؛ وهو مخرَّجٌ من الغُرَّة، وأُميِّة الولد كما نص عليه فيهما، والأول فرق؛ بأن الأصل براءة الذمة من الغرة فلا تجب بالشك، وأمية الولد منوطة باسم الولد، وهذا لا يسمى ولدًا؛ والعدة منوطة باسم الحمل، وهذا يسمى حملًا بخلاف العلقة، وهذه الطريقة هي الصحيحة. أن المسألة على قولين. والطريقة الثانية: القطع بالأول.
وَلَوْ ظَهَرَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرِ حَمْلٌ لِلزَّوْجِ اعْتَدَّت بِوَضعِهِ، لأنه يدل على البراءة قطعًا بخلافهما، وَلَوِ ارْتَابَتْ فِيهَا؛ لَمْ تَنكِح حَتَّى تَزُوْلَ الرِّيْبَةُ، أي فإن نكحت بطل لِلتَّرَدُّدِ، أَوْ بَعْدَهَا، أي بعد تمام الأقراء أو الأشهر، وَبَعْدَ نِكَاح اسْتَمَرَّ، لحكمنا بانقضاء العدة ظاهرًا وثبوت حق الزوج الثاني، إِلَّا أَنْ تَلِدَ لِدُوْنِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِهِ، أي فإنه لا يستمر النكاح بل يبطل لأنا تحققنا أنها كانت حاملًا يوم النكاح، أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ نِكَاحٍ فَلْتَصْبِرْ لِتَزُوْلَ الرِّيبَةُ، إذ هو الاحتياط،
(100) الطلاق / 4.
(•) وفي النسخة (1): لا تسمى حملًا.
فَإِنْ نَكَحَتْ فَالْمَذْهَبُ عَدَمُ إِبْطَالِهِ فِي الْحَالِ، لأن العدة قد انقضت ظاهرًا، فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيْهِ أَبْطَلْناهُ، هذا أصح الطرق القطع بهذا، والطريق الثاني: القطع بالبطلان مع الريبة، لأنها لا تدري؛ هل هي حلال للأزواج أم لا؟ والثالث: قولان؛ كمن باع مال أبيه على ظن حياته فبان موته.
وَلَوْ أَبَانَهَا، أي بالخلع أو غيره، فَوَلَدَتْ لأَرْبَعِ سِنِيْنَ؛ لَحِقَهُ، لقيام الإمكان، فإن مدة الحمل قد تبقى أربع سنين، والدليل على ذلك الاستقراء كما حكاه مالك، وتعتبر الأربع من وقت الإبانة، قال أبو منصور التميمي: ينبغي أن يعتبر من إمكان العلوق، قال الرافعى: وهو قويمٌ؛ وفي إطلاقهم تساهل، أَوْ لأَكْثَرَ فَلَا، لعدم الامكان، فإن الأصل فيما زاد على المدة المستقرأة، العدم.
وَلَوْ طَلّقَ رَجْعِيًّا، حُسِبَتِ الْمُدَّةُ مِنَ الطّلَاقِ، لأنها كالبائن في تحريم الوطئ، فكذلك في أمر الولد. وَفِي قَوْلٍ: مِنَ انْصِرَامِ الْعِدَّةِ، لأنها كالمنكوحة في معظم الأحكام، وعلى هذا تتمادى مدة اللحوق بلا تقدير إن لم تقر بانقضاء العدة، لأن الطهر قد يتباعد سنين؛ وإلا فلا.
وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَوَلَدَتْ لِدُوْن سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَنْكِحْ، أي ويكون الحكم كما مر، وَإِن كَان لِسِتَّةٍ فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي، أي وإن أمكن كونه من الأول، لأن الفراش الثاني تأخر وهو أقوى.
وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا فَوَلَدَت لِلإِمْكَانِ مِنَ الأَوَّلِ لَحِقَهُ وَانْقَضَتْ، أي العدة، بِوَضْعِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلثَّانِي، أَوْ لِلإِمْكَانِ مِنَ الثَّانِي لَحِقَهُ، لما قررناه قبل، وهذه المدة من الثاني معتبرة من وقت الوطء لا من النكاح على الأصح، أَوْ مِنْهُمَا، أي وإن وجد الإمكان منهما معًا، عُرِضَ عَلَى قَائِفٍ، لما سيأتي في موضعه، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا فَكَالإِمْكَانِ مِنهُ فَقَطْ، أى وإن ألحقه بهما أو اشتبه الأمر عليه أو لم يكن قائف انتظر بلوغه وانتسابه بنفسه.
فَصْلٌ: لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ مِنْ جِنْسٍ بِأَن طَلَّقَ ثُمَّ وَطِئَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ
أَشْهُر جَاهِلًا، أي إن كان الطلاق بائنًا، أَوْ عَالِمًا فِي رَجْعِيَّةٍ تَدَاخَلَتَا؛ فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنَ الْوَطْءِ؛ وَيَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، لأنه لا معنى للتعدد والحالة هذه لاتحاد الجنس، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا حَمْلًا وَالأُخْرَى أَقرَاءً، أي بأن طلقها وهي حامل ثم وطئها قبل الوضع، أو طلقها وهي حائل ثم وطئها في الأقراء، ثم أحبلها، تَدَاخَلَتَا فِي الأَصَحِّ، لأنهما من شخص واحد فأشبها المتجانسين، والثاني: لا، لاختلاف الجنس، فَتَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ، لأنه فائدة التداخل، وَيُرَاجَعُ قَبْلَهُ، أى قبل الوضع إن طرأ الوطء، وهي تعتد بالحمل؛ لأنها في عدة الطلاق الرجعي والحمل لا يتبعض.
وَقِيْلَ: إِنْ كَن الْحَمْلُ مِنَ الْوَطْءِ فَلَا، لأن عدة الطلاق قد سقطت؛ وهي الآن معتدة عن الوطء، والأصح: نعم؛ لأنها في عدة الطلاق، فإن وجبت عليها عدة أخرى كما قدمته؛ وجميع ما ذكرناه فيما إذا كانت لا ترى الدم على الحمل أو تراه، وقلنا ليس هو بحيض، فأما إن جعلناه حيضًا، فهل تنقضي مع الحمل العدة الأخرى بالأقراء؟ فيه وجهان؛ أظهرهما: نعم، أَوْ لِشَخْصَينِ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطُلِّقَتْ فَلَا تَدَاخُلَ، أي فتعتد عن كل منهما عدة كاملة خلافًا لأبي حنيفة، لنا أثر عمر رضي الله عنه (•) في ذلك كما رواه إمامنا عن مالك بسنده (101)، ولأنهما حقان مقصودان من جنس
(•) في النسخة (2): ابن عمر.
(101)
• أَسْنَدَهُ الشَّافِعِي رحمه الله؛ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيْدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ؛ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بَسَارٍ؛ (أَنَّ طُلَيْحَةَ كَانَتْ تَحْتَ رَشِيْدٍ الثَّقَفِي؛ فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ؛ فَنَكحَتْ فِي عِدَّتِهَا. فَضَربَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه؛ وَضَربَ زَوْحَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَربَاتِ، وَفرَّقَ بَيْنَهُمَا) ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: (أَيَّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الَّذِي تَزَوَّجَ بهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجهَا الأَوَّلِ؛ وَكَانَ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ، وَإِنْ كَانَ دَخلَ بِهَا؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِن زَوْجِهَا الأَوَّلِ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ زَوْجِهَا الآخَرِ، ثُمَّ لَمْ يَنْكَحْهَا أَبَدًا). رواه الشافعي في الأُمِّ: باب اجتماع الْعِدَّتَيْنِ: ج 5 ص 233.
• عن مسروق: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه رَجَعَ عَنْ قَوْلهِ فِي الصَّدَاقِ، وَجَعَلَهُ لَهَا =
واحد لثابتي الحرمة فلا يتداخلان كالديتين.
فَإِنْ كَان حَمْلٌ قَدَّمَتْ عِدَّتَهُ، أي سواء كان الحمل سابقًا أو لاحقًا، لأن عدة الحمل لا تقبل التأخير، وَإِلَّا، أي وإن لم يكن هناك حمل، فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ، أي وطء الشبهة، أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ، لتقدمها وقوتها؛ لأنها تستند إلى عقد جائز وسبب مسوغ، ثُمَّ اسْتَأْنفَتِ الأُخْرَى وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ، أي إن كان الطلاق رجعيًا، قال الروياني: لكن لا يراجعها في مدة اجتماع الواطئ بها؛ لأنها حينئذ خارجة عن عدة الأول وفراش لغيره، فلا تصح الرجعة في تلك الحالة، فَإِذَا رَاجَعَ انْقَضَتْ، أي العدة، وَشَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، وَلَا يَسْتَمْتُعِ بِهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا، وهل له تجديد نكاحها إن كان الطلاق بائنًا؟ فيه وجهان أظهرهما: نعم، لأنها في عدته، وِإِنْ سَبَقَتِ الشُّبْهَةُ قَدَّمَتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، لأن سبب عدة الطلاق أقوى لتعلقها بالنكاح، وَقِيْلَ: الشُّبْهَةِ، لسبقها عدة الوطء.
فَصْلٌ: عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ بِلَا وَطْءٍ فِي عِدَّةِ أَقْرَاء أَوْ أَشْهُرِ؛ فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا إِنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ وَإِلَّا فَلَا، لأن مخالطة البائن محرمة بلا شبهة فلا يؤثر في العدة كوطئها في الدبر، وفي الرجعية الشبهة قائمة، وهو بالمخالطة مستفرشٌ لها، فلا يحسب زمن الاستفراش من العدة كما لو نكحت في العدة زوجًا جاهلًا بالحال؛ لا يحسب زمن استفراشه. والثاني: لا تحسب تلك المدة من العدة مطلقًا، لأنها شبيهة بالزوجات دون المطلقات المهجورات، والثالث: تحسب مطلقًا؛ لأن هذه المخالطة لا توجب عدة فلا يمنعها، وحكاه الغزالي وشيخه عن المحققين، واحترز بقوله (عَاشَرَهَا) عن معاشرة الأجنبي العالم فإنها لا تؤثر كوطئه، كما ذكره المصنف بعد؛ وتنصيصه على الإقراء والأشهر مُخْرَجٌ للمعتدة بالحمل، فإن المعاشرة لا تمنع الانقضاء
بِمَا اسْتَحَل مِنْ فَرْجِهَا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب العدد: الأثر (15962)، وقال: ورواه الثوري عن أشعث بإسناده: (أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَجَعَلَ لَهَا مَهْرَهَا، وَجَعَلَهُمَا يَجْتَمِعَانِ).
بحال، وخرج بقوله (بِلَا وَطْءٍ)؛ ما إذا وطئ، فإنه إن كان طلاقًا بائنًا، فإن ذلك لا يمنع انقضاء العدة، لأنه وَطْؤُ زنًا لا حرمة له، وإن كان رجعيًا فلا يشرع في العدة مادام يطأها، لأن العدة لبراءة الرحم وهي مشغولة.
ولَا رَجْعَةَ بَعْدَ الأَقْرَاءِ وَالأَشْهُرِ، عملًا بالاحتياط في الجانبين، كما لو وطئ الرجعية بعد مضي قرأين من وقت الطلاق عليها؛ أن تعتد بثلاثة أقراء من وقت الوطء، ولا تجوز الرجعة في القرء الثالث، وهذا ما نقله الرافعي في المحرر عن المعتبرين، وفي الشرح الصغير عن الأئمة، ولم ينقله في الكبير إلا عن البغوي وحده لنفسه، ثم قال: وفي فتاوي القفال ما يوافقه، قلت: وهذا ذكره البغوي في فتاويه تفقهًا لنفسه بعد أن ذكر أولًا أن الأصحاب قالوا: بثبوت الرجعة، وكذا جزم به القاضي في فتاويه وتعليقه في كتاب الطلاق، قُلْتُ: وَيلْحَقُهَا الطلَاقُ إِلَى انْقِضَاءِ العِدَّةِ، لأنه مقتضى الاحتياط.
وَلوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ انْقَضَتْ، وَالله أَعْلَمُ، أي ولا تؤثر مخالطته كما لا يوثر وطؤه، وَلَوْ نَكَحَ مُعَتَدَّةَ يَظَنِ الصِّحَّةَ وَوَطِئَ انْقَطَعَتْ مِنْ حِيْنِ وَطِئَ، لأن النكاح الفاسد لا حرمة له ولا يجعل المرأة فراشًا ما لم يوجد الوطء، وَفِي قَوْلِ أَوْ وَجْهٍ: مِنَ الْعَقْدِ، لأنها بالعقد معرضة عن العدة.
وَلَوْ رَاجَعَ حَائِلًا أي ومسَّها، ثُمَّ طَلَّق اسْتَأْنَفَتْ، لأن المسيس يقتضي عدة كاملة، وَفِي الْقَدِيْمِ تَبْنِي إِن لَمْ يَطَأ، كما لو أبانها ثم جدد نكاحها وطلقها قبل أن يمسها، والجديد الاستئناف لأن الرجعية زوجة، أَوْ حَامِلًا فَبِالْوَضْع، أصابها أو لم يصبها للآية (102)، فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ، أىِ إن أصابها؛ لأنه طلق في نكاح وجد فيه المسيس فيوجب العدة، والوضع حصل فِي صلب النكاح، والعدة لا
تنقضي بما يوجد في صلب النكاح، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا عِدَّةَ، أي ويحكم بانقضاء عدتها بالوضع.
تَنْبِيْهٌ: هذا كله إذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها كما فرضه المصنف، فلو طلقها ولم يراجعها ثم طلقها فالمذهب: أنها تبني على العدة الأُولى، لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطؤ، فلا رجعة فصار كما لو طلقها طلقتين معًا، وقيل: القولان.
وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُؤءَةً ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ، أي أو خالعها ثانيًا، اسئتَأْنَفَتْ، أي العدة، وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةُ، أي بقية العدة السابقة؛ لأنهما من شخص واحد، وقد اقتضى كلام المصنف صحة نكاح المختلعة في عدته وهو المذهب، وخالف فيه المزني، وإن كان النكاح يقطع العدة الأُولى وهو الأصح.
فَصْلٌ: عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُؤطَأ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشرَةُ أيَّامٍ بِلَيَالِيْهَا، بالإجماع، وَأَمَةٍ نِصْفُهَا، لأنها على النصف من الحرة، وَإِنْ مَاتَ عَن رَجْعِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إِلَى وَفَاةٍ، لاندراجها تحت قوله تعالى:{وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا. . .} الآية (103)، فيجب الإحداد وتسقط النفقة، أَوْ بَائِنٍ فَلَا، لأنها أجنبية، وَحَامِلٍ بِوَضْعِهِ، للآية (104)، وسواء في ذلك الحرة والأمة، ولو وضعت بعد موت الزوج انقضت، وحديث سبيعة المشهور في الصحيح (105) يدل له، بِشَرْطِهِ السَّابِقِ، أي وهو أن تضع الحمل بتمامه،
(104)
(105)
عن الْمَسْوَرِ بْنِ مَخرَمَةَ: (أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ. فَجَاءتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَن تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ). رواه البخارى في الصحيح: كتاب الطلاق: الحديث (5320).
وأن يكون الحمل ظاهرا منه ولو احتمالًا، فَلَو مَاتَ صَبِي عَنْ حَامِل فَبِالأشْهُرِ، أي لا بالوضع، لأن الحمل منفي عنه كما سلف، وَكَذَا مَمْسُوْح، أي وهو فاقد الذكر والأنثيين فتعتد زوجته بالأشهر، إِذ لَا يَلْحَقُهُ عَلَى المَذْهَبِ، لأن العادة لم تجر به، ومقابله قول: أنه يلحقه لبقاء المعدن والمجرى؛ وحَكمَ به ابن حربويه. وكان ينبغي له أن يعبر بالأظهر لا بالمذهب لما عرفته.
وَيَلْحَقُ مَجْبُوْبًا بَقِيَ أُنْثَيَاهُ، لبقاء أوعية المني، فَتَعتَدُّ بِهِ، أي بوضع الحمل، وَكَذَا مَسْلُوْلٌ بَقِيَ ذَكَرُهُ بهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأن آلة الجماع باقية، وقد يبالغ في الإيلاج فيلتذ وينزل ماء رقيقًا، ومقابله وجهان؛ أحدهما: أنه لا يلحقه، والثاني: إن كان مسلول اليمنى لم يلحقه لأنها للمني، واليسرى للشعر وإلا لحقه، وكان ابن الحداد فاقد اليمنى، فكان لا ينزل وكانت لحيته طويلة، فكان ينبغي للمصنف أن يعبر بالأصح لا بالمذهب، كما عبر به في الروضة في اللعان، نعم: فيها هنا كما في الكتاب.
وَلَوْ طَلَّقَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ أَوْ تَعْيِيْنِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأ، أي واحدة منهما، اعْتَدَّتا لِوَفَاةٍ، لأن كل واحدة يحتمل أن تكون مفارقة بالموت كما يحتمل أن تكون مطلقة، ولابد من الأخذ بالاحتياط، وَكَذَا إِن وَطِئَ، أي كلا منهما، وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ؛ أَوْ أَقْرَاءِ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، لما قلناه أيضًا، فَإِنْ كَانَ بَائِنًا اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِالأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةِ مِنْ أَقْرَائِهَا، عملًا بالاحتياط في ذلك أيضًا، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنَ الْمَوْتِ، وَالأَقرَاءُ مِنَ الطَّلَاقِ، أي حتى لو مضى قرء من وقت الطلاق ثم مات الزوج فعليها الأقصى من عدة الوفاة ومن قرأين من أقرائها.
فَصْلٌ: وَمَنْ غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ، لأن الأصل بقاء الحياة، ولأن ماله لا يورث وأم ولده لا تعتق، وَفِي الْقَدِيْمِ تَرَبُّصُ أَرْبَعَ سِنِيْنَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ وَتَنْكِحُ، أي عدة الوفاة اتباعًا لعمرَ، فإنه قضى به واشتهر من غير إنكار، ومن انتصر للأول أجاب عنه بأنه مخالف للقياس المقدم على قول الصحابي، فَلَوْ حَكَمَ بِالْقَدِيْم قَاضٍ نُقِضَ عَلَى الْجَدِيْدِ فِي الأَصَحِّ، لأن المجتهد
لا يجوز له تقليد الصحابة في الجديد فكان مقابله مبني على مقابله، وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ مَيتًا، أي وقت الحكم بالفرقة، صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الأَصَحِّ، إذ الفُرقة والحالة هذه تحصل باطنًا قطعًا، وهذا الخلاف مبني على الخلاف فيما إذا باع مال أبيه على ظن حياته؛ فبان موته، وقد سلف البيع أن الأظهر الصحة.
فَصْلٌ: وَيجِبُ الإِحْدَادُ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ، بالإجماع، لَا رَجْعِيَّةٍ، لبقاء أحكام النكاح فيها، ويُسْتَحَبُّ لِبِائِنٍ، لأنها معتدة عن طلاق فأشبهت الرجعية، وَفِي قَوْلِ: يَجِبُ، قياسًا على المتوفي عنها، والأظهر المنع؛ لأنها مهجورة لا متفجعة.
فَرْعٌ: المعتّدة عن وطء شبهة أو نكاح فاسد وأم ولد لا إحداد عليهن قطعًا لانتفاء الزوجية.
فَرْعٌ: يجب الإحداد على الذمية ولولي الصغيرة والمجنونة مَنْعَهُمَا مما تمنع منه الكبيرة العاقلة.
وَهُوَ، أي الإحداد، تَرْكُ لُبْسِ مَصْبُوغٍ لِزِيْنَةٍ وَإنْ خَشُنَ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[وَلَا تلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ] متفق عليه (106)، وَقِيْلَ: يَحِلُّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ، أي كالبرود لقوله صلى الله عليه وسلم:[إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ] فإنه ما صبغ غزله ثم نُسِجَ والعَصْبُ بفتح العين وإسكان الصاد المهملتين، والأصح المنع كالمصبوغ بعده، وأجيب بحمل الرواية الأُولى على ما يباح من المصبوغ على أنه في
(106) عن أُمِّ عَطِيّةَ رضي الله عنها؛ قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ؛ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ؛ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبِ، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمَسُّ طِيْبًا؛ إِلَّا عِنْدَ أَدْنَى ظُهْرِهَا إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا؛ مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الطلاق: بَابُ تَلْبَسُ الْحَادَّةُ ثِيَابَ الْعَصْبِ: الحدث (5342 و 5343). ومسلم في الصحيح: كتاب الطلاق: باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة: الحديث (66/ 938). واللفظ له.
رواية البيهقي [وَلَا ثَوْبَ عَصْبٍ] لكن قال: إنها ليست محفوظة (107).
وَيُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوْغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوْفٍ وَكَتَّانٍ، لأن نفاستها لأجل صَنْعتها لا من زينة دخلت عليها، وَكَذَا ابْرِيْسَمُ فِي الأصَحِّ، إذا لم يحدث فيه زينة، والثاني: يحرم، وهو قوي فإنه من أعظم أنواع الزينة، فعلى هذا لا يلبس العتابي الذي أكثره ابريسم، ولها لبس الخز قطعًا لاستتار الابريسم فيه بالصوف قاله في البحر. وقال الرافعي: وهذا التوجيه يتفرع على تحريم لبس الإبريسم إذا لم يكن مستترًا، وَمَصْبُوْغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِيْنَةٍ، أي بل يعمل للمصيبة، واحتمال الوسخ كالأسود والكحلي لأنه أبلغ في الحداد.
وَيحْرُمُ حِلِيُّ ذَهَبٍ وَفِضَّةِ، للنص فيه في سنن أبي داود والنسائي بإسناد حسن (108)، قال الروياني: ولو تحلت بنحاس أو رصاص؛ فإن كان مموهًا بذهب أو فضة أو مشابهًا لهما بحيث أنه لا يعرف إلاّ بتأمل، أو لم تكن كذلك ولكنها من قوم يتزينون بمثل ذلك فحرام وإلاّ فحلال، وَكَذَا لُؤْلُؤٌ فِي الأصَحِّ، لأن الزينة ظاهرة فيها، ووجه مقابله؛ أنه ليس كالذهب، ولذلك لا يحرم على الرجال، وهذا التردد هو للإمام لا للأصحاب فاعلمه، وَطِيْبٌ فِي بَدَنٍ، أي إلاّ في حال طهرها من
(107) رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب العدد: الحديث (15946)، وقال: كذا قال: [وَلَا ثَوْبَ عَصْبٍ]، ورواية الجماعة بخلاف ذلك. وفي السنن الصغرى: كتاب الطلاق: باب الإحداد: الحديث (2947)، وقال: وهو عند أهل العلم بالحديث وَهْمٌ.
(108)
عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؛ لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَةَ؛ وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الطلاق: باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها: الحديث (2304). والنسائي في السنن الكبرى: كتاب الطلاق: باب ما تجتنب المعتدة من الثياب: الحديث (5829/ 2). وقال ابن الملقن رحمه الله في البدر المنير: الحديث (2147): وأخطأ ابن حزم حيث قال: لا يصح لأجل إبراهيم بن طهمان، فإنه ضعيف. وإبراهيم هذا احتج به الشيخان. وزكاه المزكون. ولا عبرة بانفراد ابن عمار الموصلي بتضعيفه، وقد تابعه معمر عليه. كما أخرجه الطبراني في أكبر معاجمه. انتهى.
الحيض للحديث الصحيح فيه (109)، وَثَوْبٍ وَطَعَامٍ وَكُحْلِ، بالقياس لقيام المعنى، والطيب المحرم: هو ما حُرِّم على المُحْرِم حنى أكلُ ما فيه طيب ظاهر.
فَرْعٌ: لا يحرم الطيب عند الحاجة، ذكره في النهاية.
واكْتِحَالٌ بِأثْمِدٍ، للحديث الصحيح فيه وهو قوله عليه الصلاة والسلام:[وَلَا تَكْتَحِلُ]، رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن (110)، ولأن فيه زينة وسواء في ذلك البيضاء والسوداء والكحل الأصفر كالاثمد لا التوتياء إذ لا زينة فيه، إِلاّ لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ، أي فيرخص فيه بحسب الحاجة فتمسحه نهارًا إذا لم تدع إِلَيْهِ ضرورةٌ.
فَرْعٌ: يحرم عليها حشو حاجبها بالكحل فإنه يُتَزَيّن به فيه، وَاسْفِيْدَاجٌ، وَدُمَامٌ، وَخِضَابُ حِنَّاءٍ وَنَحْوِهِ، لأنه زينة؛ والاسفيداج معروفٌ يعمل من الرصاص. والدمام بضم الدال وكسرها الحمرةُ.
وَيحِلُّ تَجْمِيْلُ فِرَاشٍ وَأثَاثٍ لأن الاحداد في البدن لا في الفراش.
فَرْعٌ: لا بأس بجلوسها على الحرير والاستناد إليه قاله بعض المتأخرين. وفي التحافها به نظر، قال: والأشبه المنع لكونه لبسًا.
وَتَنْظِيْفٌ بِغَسْلِ رَأسٍ؛ وَقَلْمٍ؛ وَإِزَالَةٍ وَسَخٍ، لأن ذلك ليس من الزينة كما قاله
(109) تقدم في حديث أُم عطية الرقم (106).
(110)
عن أُمِّ حَكِيْمٍ بِنْتِ أُسَيْدٍ عَنْ أُمِّهَا؛ أَنَّ زَوْجَهَا تُوُفِّيَ، وَكَانَتْ تَشْتَكِي عَيْنهَا فَتَكْتَحِلُ بِكُحْلِ الْجِلَاء، فَأَرْسَلَتُ مَوْلَاةً لَهَا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ! فَسَأَلَتْهَا عَنْ كُحْلِ الْجِلَاء. فَقَالَتْ: لَا تَكْتَحِلُ؛ إِلَاّ مِنْ أمْرٍ لَابُدَّ لَهَا. دَخَل عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِيْنَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبْرًا قَالَ: [مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ ] قُلْتُ: إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ يَا رَسُولَ الله، لَيْسَ فِيْهِ طِيْبٌ. قَالَ:[إِنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ، فَلَا تَجْعَلِيْهِ إلَاّ بِاللّيْلِ، وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيْبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ خِضَابٌ]، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أمْتَشِطُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: [بِالسِّدْرِ تُغَلِّفِيْنَ بِهِ رَأَسَكِ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الطلاق: الحديث (2305). والنسائي في السنن الكبرى: كتاب الطلاق: باب الرخصة للحادة أن تمتشط بالسدر: الحديث (5731/ 1).
الرافعي، قُلْتُ: وَيَحِلُّ امْتِشَاطٌ وَحَمَّامٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوْجٌ فِيْهِ مُحَرَّمٌ، أي لما قلناه، وَلَوْ تَرَكَتِ الإحْدَادَ عَصَتْ، أي لتركها الواجب، وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ كَمَا لَوْ فَارَقَتِ الْمَسْكَنَ، أي فإنها تعصي وتنقضي به العدة، وَلَوْ بَلَغَتْهَا الْوَفَاةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ كَانَتْ مُنْقَضِيَةً، لقول علي رضي الله عنه[الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ أَوْ يُطَلَّقُ] رواه البيهقي (111)، والأشهر عنه: أنها تعتد من يوم يأتيها الخبر.
فَرْعٌ: عدة طلاق الغائب من حين الطلاق لا من حين بلوغ الخبر أيضًا.
وَلَهَا إِحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لَا يَحِلُّ لإمْرَأَةٍ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا] متفق عليه (112)، وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ، وَالله أعْلَمُ، للحديث المذكور، وتحريم الزيادة على الثلاث مشروط بأن يكون الترك فيه لأجل الإحداد؛ فإن تركت الطيب مثلًا بلا قصد لم يحرم، كما ذكره المصنف في أصل الروضة في أوائل الشقاق.
(111) • عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: (تَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مُنْذُ يَوْمِ طُلَّقَتْ وَتُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب العدد: باب العدة بعد الموت: الأثر (15853).
• عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: (عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ حِيْنَ تُطَلَّقُ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنْ حِيْنَ يَتَوَفّي). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (15854).
• وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ الأثر (15856). وعن علي رضي الله عنه؛ قال: (تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأتِيْهَا الْخَبَرُ). الأثر (15858) من السنن الكبرى للبيهقي.
(112)
عن زيْنَبَ بِنْتِ أبِي سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ أُمُّ حَبِيْبَةَ زَوْجِ النّبِيَّ حِيْنَ تُوُفِّيَ أَبْوهَا؛ أبو سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ. فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ بِطِيْبٍ فِيْهِ صُفْرَةٌ -خُلُوقٍ أَوْ غَيْرَهُ- فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَالله مَا لِي بِالطّيْبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:[لَا يَحِلُّ لإمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْق ثَلَاثٍ إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرً وَعَشْرًا]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الطلاق: باب تُحِدُّ المتوفى عنها: الحديث (5334). ومسلم في الصحيح: كتاب الطلاق: الحديث (62/ 1486).
فَرْعٌ: ذكر في النهاية أن الرجل كالمرأة في التحزن ثلاثة أيام، وقد يستشكل بأن النساء يضعفن على المصائب بخلاف الرجال.
فَصْلٌ: تَجِبُ سُكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنٌ، لقوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ} (113) وسواء كانت حائلًا أم حاملًا، نعم: الصغيرة والأَمَة لا سكنى لهما إذا لم نُوْجِبْ نفقتهما في صلب النكاح، إِلَاّ نَاشِزَةً، لأنها لا تستحق النفقة والسكنى في صلب النكاح فعند (•) البينونة أَولى، وَلِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الأَظْهَرِ، لقصة فُرَيْعَةَ في السنن، وصححه الترمذي (114)، والثاني: لا، لأنه لا نفقة لها، وَفَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، أي سواء كان بردَّةٍ أو إسلام أو رضاع أو عيب على المذهب، لأنها معتدة عن نكاح بفرقة في الحياة، فكانت كالمطلقة، وثانيها: على قولين كالمعتدة عن وفاة، وقال في الروضة تبعًا للشرح في باب الخيار: المفسوخ نكاحها بعد الدخول لا نفقة لها في العدة ولا سكنى إن كانت حائلًا قطعًا، وكذا حاملًا على الأصح فاختلف تصحيحهما إذًا.
(113) الطلاق / 6.
(•) في النسخة (1): فبعد.
(114)
عن زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عَجْرَةَ؛ (أنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ؛ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ، أَخْبَرَتْهَا؛ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ. وَأَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُواْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ. قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي. فَإنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ؛ وَلَا نَققَةً؟ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: [نَعَمْ] قَالَتْ: فَانْصَرَفْتُ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ (أَوْ فِي الْمَسْجِدِ) نَادَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (أَوْ أمَرَ بِي فَنُودِيْتُ) فَقَالَ: [كَيْفَ قُلْتِ؟ ] قَالَتْ: فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقَصَّةَ الْتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شأْنِ زَوْجِي. قَالَ: [امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَتَابُ أَجَلَهُ] قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا). رواه الترمذي في الجامع: كتاب الطلاق: باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها: الحديث (1204)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود في السنن: كتاب الطلاق: باب في المتوفى عنها: الحديث (2300). والنسائي في السنن: كتاب الطلاق: باب مقام المتوفى عنها زوجها: ج 6 ص 199 - 200.
فَرْعٌ: نقل الرافعي عن فتاوي القفال: أن المعتدة لو أسقطت مؤنة السكنى عن الزوج لم يصح الإسقاط، لأن السكنى تجب يومًا فيومًا، ولا يصح إسقاط ما لم يجب.
وَتُسْكَنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ تَسْكُنُ فِيْهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، أي إذا كان يليق بها حال الطلاق، وأمكن بقاؤها فيه، لكونه ملكًا للزوج أو مستأجرًا معه أو مستعارًا لقوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ} وهو حق لله تعالى لا يسقط بالتراضي، وَلَيْسَ لِزَوْجٍ وَغَيْرِهِ إِخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ، لقوله تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} (115)، نعم: لو كان الطلاق رجعيًا، ففي الحاوي والمهذب: أن للزوج أن يُسكنها حيث شاء؛ لأنها في حكم الزوجات، وفي النهاية: أنها في ذلك كالبائن وهو نصه في الأم، كما أفاده صاحب المطلب، ومقتضى إطلاق المصنف غيره، ويظهر ترجيح هذا؛ لأنه لا يجوز الخلوة بها فضلًا عن الاستمتاع، فليست كالزوجات، قُلْتُ: وَلَهَا الْخُرُوْجُ فِي عِدّةِ وَفَاةٍ، وَكَذَا بَائِنٍ فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَغَزْلٍ وَنَحْوِهِ، دفعًا لحاجتها (116)، وخرج بالنهار، لا بالليل لأنه مظنة الفساد.
فَرْعٌ: الموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد كالمتوفى عنها، قاله في التتمة؛ إلا الحامل إذا قلنا لها النفقة فتمنع من الخروج.
وَكَذَا لَيْلًا إِلَى دَارِ جَارَةٍ لَغَزْلٍ وَحَدِيْثٍ وَنَحْوِهِمَا، بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيْتَ
(115) الطلاق / 1.
(116)
عن جابر رضي الله عنه؛ قال: طُلِّقَتْ خَالَتِي ثَلَاثًا، فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلًا (تقطع ثمار النخل) فَلَقِيَهَا رَجُلٌ فَنَهَاهَا! ! فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ:[اخْرُجِي فَجُدِّي، فَلَعَلَّكِ أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الطلاق: باب جواز خروج المعتدة البائن والمتوفى عنها زوجها: الحديث (55/ 1483). ورواه البخاري في الأُم: كتاب الطلاق: باب مقام المتوفى عنها والمطلقة: ج 5 ص 227. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب العدد: الحديث (15924)، وقال: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: نَخْلُ الأَنْصَارِ قَرِيْبٌ مِنْ مَنَازِلهِمْ. وَالْحِدَادُ إِنَّمَا يَكُونُ نَهَارًا.
فِي بِيْتِهَا، أما المتوفى عنها زوجها فلحديث مرسل (117)، وأما البائن فقياسًا عليها، وفي البائن قول قديم: أنه ليس لها الخروج لعموم الآية، وخرج بالمتوفى عنها وبالبائن الرجعية فإنه لا يجوز لها الخروج إلا بإذنه لأنها زوجة فَعَلَيْهِ القيام بكفايتها، وَتَنْتَقِلَ مِنَ الْمَسْكَنِ لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَلَى نَفْسِهَا، أي من اللصوص أو قوم فسقة للضرورة الداعية إلى ذلك، أوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيْرَانِ أَوْ هُمْ بِهَا أذَىً شَدِيْدًا، وَالله أَعْلَمُ، إزالة للضرر. قال تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (118) والفاحشة مفسَّرة بالبذاءة، إما على الأحماء أو غيرهم، وإضافة البيوت إليهن من جهة أنها سكناهن.
وَلَوِ انْتَقَلَتْ إِلَى مَسْكَنٍ، بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلِيْهِ اعْتَدَّتْ فِيْهِ عَلَى النَّصِّ، أي في الأُم؛ لأنها مأمورة بالمقام فيه ممنوعة من الأول، ومقابل هذا النص ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنه تعتد في الأول؛ لأنها لم تحصل قبل الفراق في مسكن آخر، والثاني: تعتد في أقربهما إليها، والثالث: تتخير بينهما لأنها غير مستقرة في واحد منهما، ولها تعلق بكل واحد منهما، والاعتبار بالانتقال ببدنها لا بالأمتعة والخدم، وعكس أبو حنيفة.
أوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَفِي الأَوَّلِ، لعصيانها بذلك ووجوب العود إلى الأول، وَكَذَا لَوْ أَذِن ثُمَّ وَجَبَت، أي العدة، قَبْلَ الخُرُوج، لأنه المنزل الذي وَجَبَتْ فيه العدة، وَلَوْ أَذِنَ فِي الإِنْتِقَالِ إِلَى بَلَدٍ فَكَمَسْكَنٍ، أي فيما سبق كما قررناه، أَوْ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ ثُمَّ وَجَبَتْ فِي الطَّرِيْقِ فَلَهَا الرُّجُوْعُ وَالْمُضِيُّ، لأن في قطعها عن السفر
(117) عن مجاهد؛ قال: اسْتُشْهِدَ رِجِالٌ يَوْمَ أُحُدٍ؛ فَآمَ نِسَاؤُهُمْ، وَكُنَّ مُتَجَاوِرَاتٌ فِي دَارٍ، فَجِئْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا نَسْتَوْحِشُ بِاللَّيْلِ، فَنَبِيْتُ عِنْدَ إِحْدَانَا؛ فَإِذَا أَصْبَحْنَا تَبَدَّرْنَا إِلَى بُيُوتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:[تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ؛ فَإِذَا أرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَؤُبْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إِلَى بَيْتِهَا]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب العدد: باب كيفية سكنى المطلقة: الحديث (15925).
(118)
الطلاق / 1.
مشقة، لاسيما إذا بعدت عن البلد وخافت الانقطاع عن الرفقة، فَإِنْ مَضَتْ أقَامَتْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا، أي من غير زيادة عليه، ثُمَّ يَجِبُ الرُّجُوْعُ لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ فِي المَسْكَنِ، عملًا بحسب الحاجة فيهما، واحترز المصنف أولًا بقوله (سَفَرِ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ) عن سفر النزهة، فإنه إن لم يقدر مدة؛ فلا يزيد على مدة المسافرين، وإن قدرها فلها استيفاؤها على الأظهر، كما في سفر الحاجة، هذا إذا حدث ما يوجب العدة بعد بلوغها المقصد، فإن حدث قبله فحيث قلنا في سفر الحاجة يجب الانصراف، فهنا أولى وإلا فوجهان، وقطع البغوي بأنه كسفر الحاجة، وسفر الزيارة كالنزهة على ظاهر النص، وقيل: كالحاجة، وأطلق المصنف الحج وقيده في الذخائر بحج الفرض، لكن في المسألة الآتية إذا طلّقها قبل أن تفارق البلد كما سيأتي، واحترز بقوله (ثُمَّ وَجَبَتْ) في الطريق عما إذا وجبت قبل أن يخرج من المسكن، فإنها لا تخرج قطعًا أو قبل مفارقة العمران، فالأصح وجوب العود إليه لأنها لم تُشْرِعْ في السفر، والثالث: إن كان سفر حجٍّ لم يلزمها العود أو غيره لزمها وقيّدهُ في الذخائر بحج الفرض، وهذا الوجه الثالث استغربه الرافعي، والعجب أن إمامنا الشافعي اقتصر عليه في الأم، كما أفاده صاحب المطلب، ولو خرجت مع الزوج ثم طلّقها أو مات عنها؛ فإنه يلزمها الانصراف ولا تقيم أكثر من مدة المسافرين، إلّا إذا كان الطريق مخوفًا أو لم تجد رفقة، وهذا إذا كان سفره لغرضه واستصحبها ليستمتع بها، فإن كان لغرضها، فليكن الحكم كما لو أذن لها فخرجت، وفي لفظ المختصر ما يشعر به.
فَرْعٌ: لو انقضت حاجتها في مسألة الكتاب قبل ثلاثة أيام فليس لها إقامةُ تمامها على الأصح في الروضة وكلامه هنا يشعر به.
وَلَوْ خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَأْلُوْفَةِ؛ فَطَلَّقَ وَقَالَ: مَا أَذِنْتُ فِي الْخُرُوْجِ صُدِّقَ بِيَمِيْنِهِ، لأن الأصل عدم الأذن، وَلَوْ قَالَتْ: نَقَلْتَنِي، فَقَالَ: بَلْ أذِنْتُ لِحَاجَةٍ صُدِّقَ عَلَى الْمَذْهَبِ، هذه المسألة ذات نص مختلف وطرق منتشرة انتشارًا كثيرًا، وحاصلها تصديق الزوج إذا اختلف الزوجان، كما صححه المصنف، وتصديقها هي إذا اختلفت هى ووارث الزوج، والفرق أن كونها في المنزل الثاني يشهد
لصدقها، فيرجح جانبها على جانب الورثة، ولا يرجح على جانب الزوج، لتعلق الحق بهما، والوارث أجنبي عنها، والطريق الثاني: حكاية قولين فيهما؛ ووجه تصديق الزوجة أنها في الحال في المنزل الثاني، والأصل الاستمرار والاستقرار.
وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ وَبَيْتُهَا مِنْ شَعْرٍ كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ، أي فإذا لزمها العدة فيه فعليها ملازمته، فإن كان أهلها نازلين على ماءٍ لا ينتقلون عنه ولا يظعنون إلّا لحاجة فهي كالحضرية من كل وجه، وإن كانت من حي ينتقلون عنه شتاءً وصيفًا، فإن ارتحلوا جميعًا ارتحلت معهم، وإن ارتحل بعضهم، نُظِرَ إن كان أهلها ممن لا يرتحل، وفي المقيمين قوة وعدد فليس لها الإرتحال، وإن كان أهلها ممن يرتحل، وفي الباقين قوة وعدد فالأصح تخييرها، لأن مفارقة الأهل عسرة موحشة.
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ وَيَلِيْقُ بِهَا تَعَيَّنَ، لما سلف في أوائل الفصل قبله، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، أي ما لم تنقضِ العدة، إن كانت تعتد بالإقراء أو الحمل لجهالة المدة، وإن كانت لها فيها عادة فلا يبعد أن تتغير، إِلَّا فِي عِدَّةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ فَكمُسْتَأْجَرٍ، لتعلق حق الغير بمنافعها مدة معلومة، وَقِيْلَ: بَاطِلٌ، لأنها لا تملك المنفعة، وهذا ليس وجهًا بل طريقة فاعلمه، وسواء الآيسة وغيرها على الأصح، وقيل: إن كانت آيسة جاز لعدم توقع الحيض، أو صغيرة بنت تسع سنين أو أكثر فلا، أَوْ مُسْتَعَارًا لَزِمَتْهَا فِيْهِ، أي وليس للزوج نقلها، فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيْرُ وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةٍ نُقِلَتْ، للضرورة، وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ، أي فإنها تنتقل منه إن لم يجدد المالك إجارته وينبغي أن يتحرى أقرب المواضع إلى الموضع الذي طلقت فيه، أَوْ لَهَا، أي كان مسكن النكاح لها، اسْتَمَرَّتْ وَطَلَبَتِ الأُجْرَةَ، لأن السكنى عليه، فإن لم تطلبها، ومضت مدة، فالأصح القطع بسقوطها، وكلام المصنف تبعًا للمحرر يُوهم أنه يجب عليها أن تستمر، وهو ما صرح به صاحب المهذب والتهذيب، والأصح كما في أصل الروضة أنها إن رضيت بالإقامة فيه بأجرة أو إعارة جاز وهو الأولى، وإن طلبت نقلها، فلها ذلك إذ ليس عليها بذل منزلها بإعارة ولا بإجارة،
فَإن كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيْسًا فَلَهُ النَّقْلُ إِلَى لَائِقٍ بِهَا، لأن ذلك هو المستحق، أَوْ خَسِّيْسًا فَلَهَا الإمْتنَاعُ، لأن ذلك حقٌّ لها، ورعاية الأقرب في مسكن النكاح واجبة، هذا ظاهر كلامهم واستبعده الغزالي ورأى رده إلى الإستحباب.
فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا وَلَا مُدَاخَلَتُهَا، لقوله تعالى:{وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (119) أي في المسكن وفرارًا من الخلوة المحرمة، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَحْرَمٌ لَهَا مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ أَوْ لَهُ أُنْثَى أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى أوْ أَمَةٌ أوِ امْرَأةٌ أجَنَبِيَّةٌ جَازَ، لانتفاء المحذور، لكنه مكروه لاحتمال النظر، ولا عبرة بِالْمَجْنُونِ والصغير الذي لا يميز، واشترط الشافعي البلوغ، لأن من لا يبلغ لا تكليف عليه، فلا يلزمه إنكار الفاحشة، وقال الشيخ أبو حامد: يكفي عندي حضور المراهق، ورآه الإمام أظهر، وقوله (ذَكَرٌ) يعطي أنه لا يكفي أختها ولا عمتها ولا خالتها، وقد صحح هو في أصل الروضة: أنه يكفي حضور المرأة الواحدة الثقة، وقال في حكاية عن الأصحاب: إنه يجوز أن يخلو رجل بامرأتين ثقتين فأكثر لا بواحدة، وإن كان معه رجل آخر، ولا يخفى أن مساكنة الزوج والمحرم ومن في معناه إنما يُفرض إذا كان في الدار زيادة على سكنى مثلها، فإن لم يكن كذلك فعلى الزوج تخليتها للمعتدة والانتقال عنها.
وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجَرَةٌ فَسَكَنَهَا أَحَدُهُمَا وَالآخَرُ الأُخْرَى، فَإِنِ اتَّحَدَتِ الْمَرَافِقُ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ اشْتُرِطَ مَحْرَمٌ، وِإلا فَلَا، لأن التوافق على المرافق يفضي إلى الخلوة (120)، قاله في الكفاية؛ وصرح القاضي والروياني في الأُولى بأنه
(119) الطلاق / 6.
(120)
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلّاَ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب جزاء الصيد: باب حج النساء: الحديث (1862). وبلفظ آخر وسند في كتاب الجهاد والسير: الحديث (3006) ولفظه: [لَا يَخلْوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ].