الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْوَصَايَا
الْوَصَايَا: هي جمعُ وَصِيَّةٍ كَعَرَايَا وَعَرِيَّةٍ، وَهَدَايَا وَهَدِيَّةٍ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ وَصَيتُ الشَّيءَ أَصِيَهُ إِذَا وَصَلْتُهُ، فَالْمُوْصَي وَصَلَ مَا كَانَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ بِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ.
وهيَ فِي الشَّرْعِ تَفْويضٌ خَاصٌّ بَعْدَ الْمَوْتِ. والأصلُ فِي البابِ قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَينٍ} (272) وقوله عليه السلام: [مَا حَقُّ امْرِئِ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوْصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيلَتَينِ إلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوْبَةٌ عَنْدَهُ] متفق عليه (273)، والإِجماعُ قائمٌ على مَشرُوْعِيَّتِهَا.
تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ، لأن الأدلَّة قامتْ على صحَّتها، ومَنْ هَذَا حَالُهُ أكملُ الأشخاص، فانْدَرَجَ تحت مقتضى الأدلَّة وشرطهُ الاختيارُ، فلا تصحُّ وصيَّة الْمُكْرَهِ قالهُ الْجُرْجَانِيُّ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، أي ذِمِّيًّا كان أو حربِيًّا كما يصحُّ اعتاقُهُ وتمليكاتُهُ، نَعَمْ لو أوصى بمعصيةٍ لَغت ولو لِذِمِّيٍّ، وَكَذَا مَحْجُورٍ عَلَيهِ بِسَفَهٍ عَلَى المَذْهَبِ، لأنَّ عبارتهُ صحيحةٌ، ألا ترَى أنَّ طلاقَهُ يقعُ وإقرارَهُ بالعقوبةِ يُقبل، وهذا أصحُّ الطريقين، والثاني: وهي المشهورة فِي طريق العراقيين كما قاله فِي المطلب، تخريج وصيَّتِهِ على القولين فِي وصيَّةِ الصبيِّ المميِّز، واحترزَ بالسَّفَهِ عن الفَلِسِ، فإنه تصحُّ وصيَّتُهُ قطعًا قاله القاضي، والماورديُّ يقولُ: إنْ رَدَّهَا الغُرَمَاءُ بَطَلَتْ، وإن
(272) النساء / 11.
(273)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوصايا: باب الوصايا: الحديث (2738). ومسلم فِي الصحيح: كتاب الوصية: الحديث (1/ 1627).
أمضَوْهَا جازتْ، إن قلنا حَجْرُهُ حجرَ المرضِ، وإن قلنا حَجْرَ السُّفَهِ كان على الخلافِ فِي السَّفِيهِ؛ وقال الْجُرْجَانِيُّ: لا تصحُّ وصيُّتهُ فِي عينِ المالِ، وتصحُّ مطلقةٌ، لأنه لا ضررَ على الغُرماءِ فيه وهو ظاهرُ. واحترزَ بالمحجُورِ عليه عن السَّفِيهِ الَّذي لم يُحجَرْ عليه، وأنه تصحُّ منه كسائر تصرفه إلِّا إذا قلنا إنَّ الْحَجْرَ يعودُ بنفسِ التَّبْذِيرِ، إذا بلغَ رشيدًا من غير توقفٍ على حكمٍ فيكونُ كالمحجورِ عليه ذكرَهُ فِي المطلب، لَا مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيهِ، إذ لا عبارةَ لهما، وفي معنى المجنونِ الْمُبَرْسَمُ وَالْمَعْتُوهُ، وَصَبِيٍّ، أي كَهِبَتِهِ وإعتاقِهِ إذ لا عبارةَ له، وَفِي قَوْلٍ: تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، لأنها لا تزيلُ مِلْكَهُ فِي الحالِ، وتفيدُ الثوابَ بعد الموتِ، فصحَّت كسائر القربات بخلافِ الهبةِ والإِعتاقِ، وهذا قولٌ قويٌّ، ويؤخذ من هذا التعليل أنَّ محلَّهُ إذا كانت وصيَّتُهُ غيرَ مُنَجَّزَةٍ، أما الْمُنَجَّزَة فلا تصحُّ قطعًا، وفيه وجهٌ حكاهُ الجيليُّ، أما الصبيُّ غيرُ المميِّزِ فلا تصحُّ منه قطعًا، وَلَا رَقِيقٍ، لعدم أهْلِيَّتِهِ، وَقِيلَ: إِنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ، لأنهُ صحيحُ العبارةِ وقدْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ والأصحُّ المنعُ أيضًا، لأنه لم يكُنْ أهْلًا حينئذٍ.
فَرْعٌ: المدبَّرُ (274) وأُمُّ الولدِ والمكاتَبُ كالقِنِّ.
وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ فَالشَّرْطُ أَنْ لَا تَكُونَ مَعْصِيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ، أي: بل إمَّا أنْ تكونَ قُربةً كالوصيَّةِ للفقراءِ أو لا، لأنَّ المقصودَ مِن شَرْعِ الوصيَّةِ تدارُكُ ما فاتَ فِي حالِ الحياةِ، ولا يجوزُ أنْ تكونَ معصيةً، وبناءُ بُقْعَةٍ لبعضِ المعاصي كذلكَ، وسواءٌ أوصى بذلك مُسْلِمٌ أوْ ذِمِّيٌّ، ومحِلُّ ما ذكرَهُ المصنِّفُ فِي الكنيسة ما إذا كان بناؤُها لِلتَّعَبُّدِ فقطْ، أما لو أوصى ببنائها لنزولِ الْمَارَّةِ فيها مِن المسلمينَ وأهلِ الذِّمَّةِ صَحَّ، وكذا إنْ خُصَّ النزولُ بأهلِ الذِّمَّةِ على الصحيح المنصوصِ، ومقابلُهُ حكاه الماورديُّ، ولو قال: لنزولِ المارَّةِ والتعبُّدِ فوجهان، أَوْ لِشَخْصٍ، أي معيَّنٍ، فَالشَّرْطُ أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ، لأنها تمليكٌ، فَتَصِحُّ لِحَمْلٍ، أي موجودٍ
(274) التَّدْبِيرُ عِتْقُ المملوكِ بعدَ الموتِ؛ فهُوَ (مُدَبَّرٌ).
سواء كان حُرًّا أو رَقِيقًا؛ لأنَّا نحكُمُ لهُ بالإِرثِ؛ والوصيَّةُ أوسعُ بابًا منهُ؛ لأن المكاتَبَ والكافرَ تجوزُ الوصيَّةُ لهما ولا يَرِثَانِ، فإذا ثبتَ لهُ الميراثُ فالوصيَّةُ أولى، أما إذا أوصى لحملٍ، فلأنه الَّذي سَيَحْدُثُ؛ ويكونُ؛ فلا يصحُّ على الأصحِّ، لأنها تمليكٌ، وتمليكُ المعدومِ ممتنعٌ.
وَتَنْفُذُ إِنِ انْفَصلَ حَيًّا، أي حياةً مستقرَّةٌ، فإن انفصلَ مَيتًا، فلا شيءَ لهُ كما تقدَّمَ فِي الميراثِ؛ وإن انفصلَ بحنايةٍ وأوجبنا الغُرَّةَ فكذلك، وَعُلِمَ وُجُودُهُ عِندَهَا، أي عند الوصية، بِأَنِ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنِ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُر، فَأَكْثَرَ، وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لَمْ يَستحِقَّ، لاحتمالِ الحدوثِ بعد الوصيَّةِ، والأصل عدمُ الحَمْلِ وعدمُ الاستحقاقِ، وقيَّدَ الإِمامُ المسألة بما إذا ظَنَّ أنهُ يَغْشَاهَا أو أمكَنَ بأن كان معها فِي بلدٍ ولا مانِعَ مِن اجتماعِهِ معَهَا، ولو كان السَّيِّد أَقَرَّ بِوَطْئِهَا صارت فِراشًا لهُ أيضًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا وَانْفَصَلَ لأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ، للعِلْمِ بأنهُ لم يكنْ موجودًا يومئذ، أَوْ لِدُونِهِ اسْتَحَقَّ فِي الأَظْهَرِ، لأن الظاهرَ وجودُه يومئذٍ، فإن وطْءَ الشَّبْهَةِ نادرٌ، والظنُّ بالمسلمين اجتنابُ الفاحشة، والثاني: المنعُ لاحتمال حدُوثِهِ بعدَ الوصيَّةِ؛ ويخالفُ النَّسَبَ؛ فإِنه يكفى فيه الإمكانُ. وقوله (أَوْ لِدُوْنِهِ) أي بالضَّمِيرِ مُذَكَّرًا ليعود على أكثر، فيستفادُ منه حُكم الأربع؛ بخلاف ما لو قال: أو لِدُونِهَا، ولو لم يُعرف لها زوجٌ قطْ ولا سَيِّد فمقتضى إيرادِ أبي الطَّيِّبِ القطعُ بالثَّاني.
وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدٍ، أي عَبْدَ غيرِهِ، فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ فَالْوَصِيَّةُ لِلسَّيِّدِ، كما لو اصطادَ أو احتطبَ؛ ويقبلُها العبدُ لا السَّيِّدُ؛ ولا يفتقرُ إلى إذنِهِ، فَإِنْ عُتِقَ قَبلَ مَوْتِ المُوْصِي فَلَهُ، لأنهُ وقتَ المِلْك حُرٌّ، وَإِنْ عُتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَبِلَ؛ بُنِيَ عَلَى أَنْ الوَصِيَّةَ بِمَ تُمْلَكُ، أي فإن قلنا بالموتِ أو موقوف فالملكُ للسَّيِّدِ، وإن قلنا بالقَبولِ فللعبدِ، أما إذا قبِل ثم عُتقَ فالاستحقاقُ لِلسَّيِّد، وهذا كُلُّهُ إذا أطلقَ الوصيَّةَ، أما لو صرَّحَ بأنها للعيدِ نفسِهِ فيشبِهُ كما قال صاحبُ الْمَطْلَبِ: أنْ يكونَ كما لو وقَفَ على عبدِ غيرِهِ، وقد خرَّجَهُ بعضُهم على أنَّ العبدَ هل يملِكُ أمْ لا.
وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ، لأنَّ مطلقَ اللَّفظِ لِلتَّمْلِيكِ، والدابَّةُ لا تملِكُ، وفرَّقُوا بينَهُ وبينَ الوصيَّةِ المطلقةِ للعبدِ؛ بأنَّ العبد تنتظِمُ مخاطبَتُهُ ويتأتَّى منه القبولُ، وربما عتقَ قبلَ موتِ الموصِي فيثبتُ المِلْكُ بخلافِ الدابَّةِ. لكن قد تقدَّم فِي الوقْفِ المطلَقِ عليها وجهان، فِي كونهِ وقْفًا على مالكِهَا، قال الرافعيُّ فِي شرحيه: فيشبِهُ أنْ تكونَ الوصيَّةُ على ذلك الخلاف، وقد يُفرَّقُ بأنَّ الوصيَّةَ تمليكٌ محضٌ فينبغي أن تُضاف إلى من يملِكُ، قال فِي الرَّوضةِ: والفرقُ أصحُّ، وقال صاحبُ المطلبِ: فيه نظرٌ من حيث أنَّه لا خلافَ أنَّ الموقوفَ عليه يملِكُ المنفعَةَ، والدابَّةُ لا تملِكُ شيئًا أصْلًا، ولَكَ أنْ تُنَازِعَهُ فِي ذلكَ، ويقولُ: إنَّ المنفعة تابِعَةٌ للعَينِ، وَإِنْ قَال لِيُصْرَفَ فِي عَلَفِهَا، فَالْمَنْقُولُ صِحَّتُهَا، لأن عَلَفَها على مالِكِهَا، فالقصدُ بهذه الوصيَّةِ هُوَ قال الرافعيُّ: ويُحْتَمَلُ طردُ خلافٍ مسبقٍ فِي مثله فِي الوقفِ، وقوله (عَلَفِهَا) هو بالإسكانِ مصدرٌ وبالفتحِ المعلوفَ.
فَرْعٌ: فِي البيان عن العدَّةِ؛ فيما إذا ماتَ الموصي قبل أن يُبَيِّنَ رُجِعَ إِلى ورثته، فإن قالوا: أرادَ العلَفَ صحَّتْ أو التملِيكَ حُلِّفُوا وبَطَلَتْ، أوْ لا ندري ما أرادَ فكما لو قال: أَوْصَيتُ لَهَا، ولا نِيَّةَ لهُ فتبطلُ. وفي الشَّافِي لِلْجُرجَانِيِّ: لو قال: يُصرفُ ثلُثُ مالي إلى عَلَفِ بهيمِةِ فلانٍ صَحَّ، وكان لمالكها إِنْ قبلها وينفقُ عليها الوصِيُّ، وإن اختلفَا فقال الوارِثُ: أراد تمليكَ البهيمةِ، وقال صاحبُ البهيمةِ: أرادَ تملِيكِي فالقولُ قولُ الوارثِ؛ لأنَّهُ غَارِمٌ ولأنَّ ظاهرَ لفظِهِ معَهُ، والظاهرُ أنَّ مرادَهُ حالةُ الإِطلاقِ.
وَتَصحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، أي وَمَصَالِحِهِ؛ لأنَّهُ قَدْ بَيَّنَ الجِهَةَ، وَكذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأصَحِّ وتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتهِ وَمَصَالِحِهِ، عملًا بالعُرف، ويصرفُهُ القَيِّمُ إلى الأهَمِّ والأصلَحِ باجتهادِهِ، كذا جزَمَ بِهِ الرافعيُّ هنا تفريعًا على القولِ وحكَى فِي الوقْفِ عن البغويِّ كالوقف على العمارة ومن ذلكَ يحصُل وجهان، أحدُهُما: دخولُ المصالحِ للعُرف، والثاني: يبطُلُ كالوصيَّةِ للدابَّةِ، وردَّهُ الإِمامُ بأنَّ الوصيَّةَ للدابَّةِ نادرٌ مستَنْكَرٌ فِي العُرف فتعيَّنَ اعتبارُ اللفظِ، وهذا الخلافُ حكاهُ صاحبُ البيانِ فِي
الوقف والغزاليُّ حكاهُ فيه وفي الوصيةِ، والكعبةُ في ذلك كالمسجدِ كما صرح به في البيانِ نقلًا عن الشيخ أبِى عَلِيٍّ قال: وتُصرفُ إلى عِمَارَتها، وقيل: إلى مساكين حَرَمِ مَكةَ، وينبغي إلحاقُ الكِسوَةِ بالعمارَةِ فإنهُ من جملَةِ المصالح، وكذا ما أوصِي بهِ للضرِيح النَّبَويِّ يُحمل على ما تختص به دُونَ الأشياءِ الخارجةِ عنهُ في حَرَمِهِ، فإنها قد تدخلُ في الوصيَّةِ للحَرَمِ.
فَرعٌ: لو قال: أردْتُ تمليكَ المسجدِ، فعَنْ بعضهِم أنها لاغِيَة، وتوقَّفَ فيه الرافعيُّ؛ لأن للمسجِدِ مِلْكًا، قال في الروضة: وهذا الذي أشارَ إلى اختيارِهِ هو الأفْقَهُ الأرجَحُ، وقال ابنُ الرفعة: مِن كلام الرافعي في اللقَطَةِ ما يُفهم جوازَ الهِبَةِ للمسجدِ، قُلْتُ: وبِهِ صَرح القاضِي في تعليقِهِ في بابِ الوقف.
وَلذِمِّيٍّ، كما يجوزُ التصَدقُ عليهِ عَنْ مُحَمدٍ بنِ الْحَنَفِيَّةِ وعَطاءَ وَقَتَادَةَ في قوله تعالى:{إلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} وهو وصيَّةُ المسلم لليهودي والنصراني (275).
وَكَدَا حَربِي وَمُرتد فِي الأصَح، كما يجوزُ البيعُ والوصيَّةُ منهُمَا؛ وهذا هو
(275) الأحزاب / 6. أخرَجَ الطبريُّ بسندِهِ في جامع البيان: الرقم (21602): عن ابن الحنفيةِ: قَالُوا: يُوْصِي لِقَرَابتهِ مِنْ أهلِ الشرك.
* عن عطاء، الرقم (21605).
* عن قتادة، الرقم (21603).
* وَقال: (وَأولَى الأقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصوَابِ أن يُقَال: إلا تَفعَلُوا إِلَى أوْليَائِكُمُ الذينَ كَانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم آخَى بَينَهُم وَبَينَكُم مِنَ المهاجِرِينَ والأنصَارِ، مَعرُوفًا مِنَ الوصية لَهُم، وَالنصرَةِ وَالعَقلِ عَنهُم، وَمَا أشبه ذَلِكَ). وَقَال: (القريب مِن أهْلِ الشرك؛ وَإن كَانَ ذَا نَسَبٍ فَلَيسَ بالمولَى؛ وَذَلِكَ لأن الشرك يَقطَعُ ولايَةَ مَا بَينَ الْمُؤمِنِ والشركِ، وقد نَهى الله المؤمِنِينَ أن يَتخِذُوا مِنْهُم وَلِيًّا بِقَولهِ: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] وَغَيرُ جَائِز أنْ يَنهاهُم عَنِ اتخَاذ أوليَاء، ثُمَّ يَصِفُهم جلَّ ثَنَاؤُهُ بِأنَّهم أوليَاء). انتهى. جامع البيان: الجزء الحادي والعشرون: ص 150.
المنصوصُ أيضًا، والثاني: المنعُ كالوقْفِ، لكن الفَرقَ أن الوقفَ صدقة جارية فاعتُبِرَ في الموقُوفِ عليه الدَّوَامُ، كما اعتُبِرَ في الموقوف. والحَربِيُّ وَالْمُرتَدُّ أمرنَا بقتلِهِما فلا معنى للتقرُّبِ إليهِما، نَعَم التعلِيلُ بالقتلِ منقوصٌ بالزَّانِى المحصَنِ وبالهِبَةِ فإنها تَصِحُّ، ومحِل الخلافِ في الحربي إذا أوصِيَ له بغيرِ السلاح، فإن أوصِيَ لهُ بهِ فهُو كبيعِهِ منهُ، ولو أوْصىَ لِمَنْ يَرتَدُّ فهي باطلة قطعًا، أو لِمُسْلِمٍ فارتَدَّ فصحيحة فطعًا.
وَقَاتلٌ في الأظهرِ، لعموم قوله تعالى:{مِنْ بعدِ وَصِيّةٍ} (276) وكالهِبَةِ والبيع، والثاني: المنعُ كإلارثِ، ومحل الخلافِ في الْحُر، أما الرقيقُ فإنها تصح لهُ قطعًا، لأن المستحقَّ غيرُة وهو السيدُ، ولو أوْصِيَ لمن يَقتلُ فباطلة قطعًا نبَّه عليها فِي الكِفَايَةِ.
وَلوَارِثٍ فِي الأظهر إِن أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ، كما في الوصيَّةِ للأجنبي بالزائِدِ على الثلثِ، والثاني: أنها باطلة وإنْ أجازُوها، لأنهُ صَحَّ لَا [وصيَّةَ لِوَارِثٍ] والاستثناءُ في آخرِهِ ضعيف (277)؛ وقيل: الخلافُ في الوصيَّةِ إذا جاوَزَتِ الثُّلُثَ، وإلّا صحَّتْ قطعًا كما في الأجنبيِّ وهو بعيد.
فَرع: إذا أجازُوْا فإجازَتُهم تنفيذ عليهِم على الأظهر، كما سيأتي، وفي قول: عَطِيَّةٌ، فإن قلنا بالأول كَفَى لفظُ الإجازَةِ ولا يحتاجُ إلى هِبَةٍ؛ وتجديدُ قَبُولٍ وقَبْضٍ؛ وليسَ للمجِيزِ الرجوعُ، وإن كان قبْلَ القَبْضِ. وإن قلنا بالثاني فلا يكفي قَبولُ الوصيَّةِ أوَّلًا، بل لا بُدَّ من قَبُولٍ آخَرَ في المجلسِ، ولا بُد من القبْضِ؛ وللمجيزِ الرجوعُ قبل القبضِ، وهل يشترطُ لفظُ التمليك أو لفظُ الإعتاقِ إنْ كان الموصَى بهِ عبدًا؟ وجهان أصحُّهُما: نَعَم، ولا يكفي لفظُ الإجازة كما لو تصرف تصرفًا فاسدًا
(276) النساء / 11.
(277)
عن أبي أُمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن الله قد أعطَى كُل ذِي حَق حَقهُ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارث]. رواه أبو داود في السنن: الحديث (3565). والترمذي في الجامع: الحديث (2120)، وقال: حديث حسن صحيح. قال ابن الملقن رحمه الله في التحفة: قلتُ: وهو من رواية إسماعيل بن عباس عن الشاميين وهو صحيح إذ ذاك على رأي أحمد والبخارى وغيرهما. ينظر: التحفة: الرقم (1358).
من بيعٍ أو هبةٍ ثم أجازَهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِم وَإِجَازَتهِم فِي حَيَاةِ المُوصِي، لأنه لا يتحققُ استحقاقُهم قبل الموتِ لجوازِ أن يبرأ المريضُ أو يموتوا قبل موتِهِ، ولو أجازُوا بعد الموتِ وقبْلَ القسمةِ فالصحيحُ لزُومُها.
فَرعٌ: ينبغي أنْ يعرفَ الوارثُ قَدرَ الزائِدِ على الثلثِ وقَدرَ التركَةِ، فإنْ جَهِلَ أحدَهما لم تصِحَّ.
وَالعِبرَةُ فِي كَوْنهِ وَارثًا بِيَوْمِ المَوْتِ، أي ولا يأتي فيه الخلافُ، في الإقرارِ للوارثِ، إن الاعتبار بيومِ الإقرارِ أمِ الموتِ، لأنَّ استقرارَ الوصيةِ بالموتِ ولا ثَبَاتَ لها قبلَهُ، وأما الجيلي فخرَّجهُ عليهِ وهو غريب، وَالوَصِيةُ لِكُلِّ وَارِثِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَغْوٌ، لأنهم مستحقون لها وإن لم يُوصِ، وَبِعَينٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ صَحِيحَة، وَتفتقِرُ إِلَى الإجَازَةِ في الأصَحِّ، لاختلافِ الغرضِ في الأعيان ومنافِعها، ولهذا لو أوصَى أن يُباع عينُ مالِهِ لزيدٍ صحَتِ الوصيَّةُ على الصحيح، والثاني: لا يفتقرُ إليها، لأنَّ حقوقَهُم في قيمةِ التِّركَةِ لا في عينها؛ بدليلِ أنهُ لو باعَ المريضُ التركَةَ بأثمانِ أمثالِها صَحَّ.
فَصل: وَتَصِح بِالحملِ، كإعتاقِهِ، ويشتَرَطُ انْفِصَالُهُ حيًّا لِوَقْت يُعلَمُ وُجُودُهُ عندَها، كما سبقَ في الوصيَّةِ له، فلو انفصلَ مَيتًا مضمونًا بجنايةٍ، لم تبطلْ وينفذُ من الضمان؛ لأنه انفصلَ مضمونًا. بخلافِ ما إذا أوصى لِحَملٍ وانفصلَ ميتًا بجنايةٍ، فإنها تبطُلُ كما سلفَ؛ لأن المعتبرَ هناك الماليةُ، وَبِالمَنَافِع، لأنها أموال مقابلة بالأعواضِ كالأعيانِ، وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أوْ حَملٍ سَيَحدُثَانِ فِي الأصح، لأن الوصيَّةَ احتُمِلَ فيها وجوة من الغَرَرِ رِففًا بالناسِ فنصح بالمعدومِ كما تصح بالمجهول، والثاني: لا، لأن التصرف يستدعِي متصرفًا فيه ولم يُوجد، والثالث: يصحُّ بالثمرة دون الحَملِ؛ لأنها تحدث من غيرِ إحداثِ أمْرٍ في أصلِها بخلافِ الولدِ، وَبِأَحَدِ عبدَيهِ، لأن الوصيَّةَ تحتَمِلُ الجهالةَ فلا يَقْدَحُ فيها الإبْهامُ، ولو أوصَى لأحدِ الرَّجُلَينِ لم يصح في الأصح كسائر التمليكات؛ وقد يحتملُ في الموصَى به ما لا يحتملُ في الموصَى لهُ، وَبِنَجَاسةٍ يَحِلُّ الانتِفَاعُ بِها ككَلْب مُعَلم؛ وَزِبلٍ؛ وَخَمر مُحتَرَمَةٍ،
لثبوت الاختصاصِ فيها وانتقالها من يَد إلى يَدٍ بالإرثِ، كذا قاسُوهُ على الإرث، ولا يحسُن لأنهُ قَهْري وهُنا الملكُ اخْتِيَاري، أما ما لا يحل الانتفاعُ به ولا اقتناؤُهُ كالخمرِ غيرِ المحترمَةِ والخنزيرِ والكلبِ العقورِ، فلا تصح الوصيةُ بهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِكلْبٍ مِنْ كِلابِهِ أُعطيَ أحَدَها، أي إنْ كانَ يحِل الانتفاعُ بِهِ، فإِن لم يَكنْ لَهُ كَلْب لَغَتْ، أي بخلافِ ما إذا قال: عبدًا مِن مالي حيثُ يُشترى عبد؛ لأن الكلبَ يتعذرُ شراؤُهُ.
فَرْعٌ: لو تَجَدَّدَ كلبٌ فيظهرُ أن يكونَ على وجهينِ.
وَلَوْ كان لَهُ مَالٌ وَكِلاب وَوصَّى بِها أَوْ بِبَعضِها فَالأصح نُفُوذُها وَإِن كثرُتْ وَقل المالُ، أي ولو كان دَانِقًا، لأن المعتبرَ أن يبقى للورثةِ ضِعْفُ الموصَى بِهِ، والمالُ وإن قل خيرٌ من ضِعف الكلبِ إذْ لا قيمةَ لهُ، والثاني: أن الكلابَ ليست من جنسِ المالِ فيُقَدَّرُ، كأنهُ لا مال لهُ، وتنفذُ الوصيةُ في ثلثِ الكلابِ، والثالث: تقَوَّمُ الكلابُ ومنافعُها على الاختلافِ فيه ويُضَم إلى ما يملكُهُ من المالِ، وتنفذ الوصيَّةُ في ثُلُثِ الجميع.
فَرع: لو أوصَى بثلُثِ مالِهِ لرجلٍ وبالكلابِ لآخَرَ؛ فعلى ما صحَّحَهُ المصنفُ؛ قال القاضي أبو الطيب: تُنفذُ الوصيَّةُ بجميع الكلابِ، لأن ثلُثَي المالِ الذي يبقى للوَرَثَةِ خيرٌ من ضعف الكلابِ، واسْتَبْعَدَهُ ابنُ الصباغ، لأن ما يأخذهُ الورثَة من الثلثَينِ هو حصَّتهُم بسببِ ما نفذت فيه الوصيةُ وهو الثلُثُ فلا يجوزُ أن يُحسب عليهم مرَّة أخرى في وصيّة الكلابِ، قال في الروضة: وهذا أصح.
وَلَوْ أَوْصَى بِطَبلٍ؛ وَلَهُ طَبْلُ لَهوٍ، وَطبل يَحِلُّ الانتِفَاعُ بِهِ كَطبلِ حَرْبٍ وَحَجِيج، حُمِلَت عَلَى الثاني، مَيلًا إلى التصحيح؛ لأن الموصِي يقصدُ حيازَةَ الثوابِ فالظاهرُ أنه يقصدُ ما تصح الوصيَّة بهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِطبلِ اللهْو لَغَت، أي كالكوبَةِ التي يضربُ بها المُخنثُونَ؛ وَسَطَها ضَيِّق؛ وطَرَفَاها واسِعَان؛ لَغَت، أي ولا نَظَرَ إلى المنافِع المتوقِّعَةِ بعدَ زوالِ اسمِ الطبلِ، لأنهُ إنما أوصَى بالطبلِ، ولا فَرقَ بينَ أن يكونَ من جوهرٍ نَفِيسٍ كالعُوْدِ أو مِن غيرِهِ، إلَّا إِن صَلُحَ، أي طَبْلُ اللهْو، لِحربٍ
أَوْ حجَيجٍ، أي أو منفعةٍ أخرى مُباحة؛ إمَّا على الهيئَةِ التي هي عليها، وإما بعدَ التغييرِ الذي يبقى معهُ اسمُ الطبلِ؛ فالوصيَّةُ صحيحة.
فَصل: يَنْبَغِي أَلَّا يُوْصِيَ بِأكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، لقوله عليه الصلاة والسلام لِسَعدٍ:[الثلثُ، وَالثلثُ كثير] متفق عليه (278). وسواء كانُوا أغنياءَ أمْ فقراءَ، وقال البَنْدَنِيجِي والقاضي: الزيادةُ على الثلثِ مُحَرَّمَة؛ وقال المتوليّ وصاحبُ الكافي وابنُ أبي عصرونَ: إنها مَكْرُوهةٌ. وقال ابنُ حزم في مراتِبِ الإجمَاع: اتفَقُوا على أنهُ لا يجوزُ لِمَنْ تَرَكَ وَارِثًا أن يوصيَ بأكثَرَ مِن الثلُثِ لا في صِحَتِهِ ولا في مرضِهِ، واختلفُوا هل تجوزُ الوصيةُ لِمَنْ تَرَكَ وَلَدًا بالثلثِ أم إنما تجوزُ أقلَّ مِنْهُ، فإن زَادَ وَردَّ الْوارِثُ بَطَلت في الزائِدِ، لأنهُ حَقَّهُ وهو إجماع كما نقله المتوليّ. قال الجرجَانِيُّ في الشَّافي في باب الْحَجرِ: ولا يجوزُ أن يوصِيَ المريضُ لوارثهِ بشيءٍ مِن مالِهِ، وَإِن أَجازَ فإجَازَتهُ تَنْفِيذ، أي وإمضَاء لتصرُّفِ الموصِي، وتصرُّفُهُ موقوفٌ على الإجازَةِ، لأنهُ تصرُّف مُصَادِفُ المِلْك، وحقُّ المَالك إنما يثبُتُ في ثَانِي الحالِ فأشبَه بيع الشقْصِ الْمشفُوع، وَفِي قَوْلٍ: عَطِيَّة مُبْتَدَأَةٌ وَالْوَصيةُ بِالزيادَةِ لَغوٌ، لأنهُ منهِي عنهُ والنهيُّ يقتضي الفسَادَ.
فَرعٌ: لو لم يكنْ لهُ وارثٌ خاص فالزيادة عليه باطلةٌ على الصحيح؛ لأن الحَقَّ للمُسلمِين فلا مُجِيزَ.
فَرعٌ: إنما تصح الإجازةُ مِن أهل التَّبَرُّع دون الْمَحجُورِ عليه، والمُستَأمِنُ تصح
(278) عن عامِر بنِ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ رضي الله عنه قَال: مَرِضْتُ فَعَادَنِي النبِي صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، ادعُ الله لَا يَرُدَّنِي عَلَى عقِبِي؟ قَال:[لَعَل الله يرْفَعُك، وَيَنْفَعُ بِكَ نَاسًا] قُلْتُ: أريد أن أوْصِيَ، وَإِنمَا لِيَ ابنَة. فَقُلْتُ: أوْصِي بالنصف؟ قَال: [النصفُ كثير] قُلْتُ: فَالثلثُ؟ قَال: [الثلثُ، وَالثلُثُ كثير]. أوْ [كَبير]. قال: فَأوْصَى النْاسُ بِالثلُثِ؛ فَجازَ ذَلِكَ لَهم. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوصايا: باب الوصية بالثلث: الحديث (2744). ومسلم في الصحيح: كتاب الوصية: باب الوصية بالثلث: الحديث (5/ 1628).
وصيَّتُهُ بالجميع، لأن ورثتَهُ أهلُ حربٍ، وقال أبو عَلِيّ: يصحُّ في الثلثِ خَاصة، والباقي لورثتِهِ؛ وقيل: الباقي لِبَيتِ المالِ، ذكرَهُ الهرَويُّ في أواخر الأشراف.
ويعتَبَرُ الْمَالُ يَوْمَ المَوْتِ، لأن الوصيَّةَ تمليكٌ بعد الموتِ وحينئذ تلزمُ. وَقِيلَ: يَوْمَ الوَصيةِ، كما لو نَذَرَ التصدُّقَ بثُلُثِ مالِهِ نَظَرًا إلى يومِ النذْرِ، وتظهرُ فائدةُ الخلافِ فيما لو زَادَ مالُهُ بعدَ الوصيةِ، أو هلَكَ الموجودُ عندَهُ ثم اكتسَبَ مَالًا، ويعتَبَرُ مِنَ الثلُثِ أَيضًا عِتق عُلِّقَ بِالموتِ، أي سواء أوصَى به في صِحتِهِ أو مَرَضِهِ، وَتَبَرع نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ: كَوَقْفٍ؛ وهبة؛ وَعِتْق؛ وَإبْرَاء، لإطلاقِ حديثِ أبي هريرة المرفوع:[إِن الله تَصَدَّقَ عَلَيكُم، عِنْدَ وَفَاتِكُم، بِثُلُثِ أموَالِكُم زِيَادَة لَكُم فِي أَعمَالِكم]. قال البيهقي في المعرفة: هو غيرُ قويّ، إلّا أنه قد رُوي بإسناد شَامِيّ عن معاذٍ كذلك مرفوعًا (279)، وخالفَ الجمهورَ داودُ وابنُ حزمٍ فقالا: تصرُّفاتُ المريضِ كلها صحيحة مِن رأسِ المال إلَّا العتقَ لحديث: [إلَّا عَبْدَ الستةِ] فِي مسلم (280).
وحجَّةُ الجمهورِ قصةُ أبي بكر مع عائشَةَ في الموطأ (281)؛ وبالقياس على العتق.
(279) رواه ابن ماجه في السنن: كتاب الوصايا: باب الوصية بالثلث: الحديث (2709). وأخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار: كتاب الوصايا: باب الوصية فيما زاد على الثلث: الحديث (3919) وقال: وطَلْحَةُ بنُ عَمرو غيرُ قوي. إلَّا أنهُ قد رُويَ بإسنادٍ شَامي عن معاذ بن جبل كذلكَ مرفُوعًا. وفي السنن الكبرى: كتاب الوصايا: الحديث (12838).
(280)
عن عِمرانَ بنِ حُصَين؛ (أن رَجلًا مِنَ الأنصَار أعتَقَ سِتةَ مملُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتهِ لَمْ يكُنْ لَهُ مَال غَيرُهم؛ فَدَعَا بِهم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجزَّأهُم أثلاثًا؛ ثُمَّ أقرَعَ بَينَهُم؛ فَأعتَقَ اثنينِ وَأرقَّ أربعَة؛ وَقَال لَهُ قولًا شَديدا). رواه مسلم في الصحيح: كتاب الأيمان: باب من أعتق شركًا له في عبد: الحديث (56 و 57/ 1668). وأبو داود في السنن: كتاب العتق: باب فيمن أعتق عبيدًا: الحديث (3958). والترمذي في الجامع: كتاب الأحكام: الحديث (1364)، وقال: حديث حسن صحيح.
(281)
عن عروَةَ بن الزبيرِ؛ عَن عَائِشَةَ زَوْج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، (أنها قَالت: إِنَّ أبا بَكْرٍ الصديقَ نَحَلها جاد عِشْرينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بالغَابَةِ. فَلَمَّا حَضَرتهُ الوَفَاةُ؛ قَال: وَالله، يَا بُنيةُ مَا مِنْ =
وَإذَا اجتَمَعَ تبَرُّعَات مُتَعلقَةٌ بِالمَوْتِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ؛ لَكان تَمَخضَ الْعتقُ، أي بأنْ قال: إذا مِتُّ فأنتُم أحرار أو أعتَقتكُم بعدَ موتي، أقرَعَ، لأن مقصودَ العتقِ التخليصُ من الرق، وهذا لا يحصلُ مع التشقِيصِ، فمَنْ خرجَتْ قُرعتُهُ عُتِقَ منهُ ما يَفِي بالثلثِ، ولا نَظَرَ إلى تقدمِ بعضِ التبرعاتِ على بعضٍ في الإيصَاءِ، أَوْ غَيرُهُ قُسِّطَ الثلُثُ، أي على الجميع باعتبارِ القيمةِ لاستوائِهِ، فلو أوصَى لزيدٍ بمِائَةٍ ولعمرٍو بخمسينَ ولبكرٍ بخمسينَ؛ وثُلُثُ مالِهِ مِائَةٌ أعطيّ زُيدٌ خمسينَ ولكل واحدٍ مِن الآخرَينِ خمسةً وعشرينَ، هذا كلهُ عند إطلاقِ الوصيَّةِ، أما إذا قال: أعتِقُوا سَالِمًا بعد مَوْتِي ثُمَّ غَانِمًا، أو ادفَعُوا إلى زيد مِائَةً ثُمَّ إلى عَمرٍو مائةً فيُقَدَّمُ ما قدَّمَهُ قطعًا، أَوْ هُوَ وَغَيرُهُ، أي كما لو كان أوصَى بعِتْقِ سالم ولزيدٍ بمائَةٍ، قُسِّطَ بِالقِيمَةِ، لأنَّ وقتَ الاستحقاقِ واحدٌ، وَفِي قَوْل: يُقَامُ الْعِتْقُ، لتعلُّقِ (•) حق اللهِ تعالى وحَق الآدمي بِهِ، هذا في وصَايَا التمليك مع العِتْقِ، أما إذا أوصَى للفقراءِ بشيءٍ؛ وبِعِتْقِ عبدٍ، فقال البغوي: هُما سواءٌ لاشتراكِهِمَا في القُربةِ. وقطعَ الشيخُ أبو عَلِي: بطردِ القولينِ لوجُودِ القوَّةِ والسرَايَةِ، قال في الروضةِ: وهذا أصحُّ، وإذا سَوينَا فكانَ العبيدُ جماعةً أُقْرِعَ بينهُم فيما يخصُّهُم.
أَوْ مُنَجَّزَة، أي كما لو أعتَقَ وتصدَّقَ ووَقَفَ، قُدمَ الأوَّلُ فَالأوَّلُ حَتْى يَتم الثلُثُ، لقوَتِهِ؛ فإنهُ لا يفتقرُ إلى رضَى الورثَةِ بخلافِ ما لا يخرجُ من الثلُثِ فإن
= الناسِ أحَدٌّ أحَب إِلَيَّ غِنَى بَعدِى مِنك. وَلَا أعَز عَلَيَّ فَقْرًا بَعدِي مِنك. وَإِني كُنْتُ قد نَحَلتُك جاد عِشْرِينَ وَسْقًا. فَإن كُنْتِ جدتِنهِ وَاحتَزْتِيهِ كَانَ لك. وَإِنمَا هُوَ اليوم مَالُ وَارِث. وَإِنمَا هُمَا أخَوَاكِ وَأختاكِ. فَاقتسِموْهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ. قَالت عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا أبتِ، واللهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكنهُ. فَإِنمَا هِي أسْمَاءُ؛ فَمَنِ الأُخْرَى؟ فَقَال أبو بَكْرٍ: ذُو بَطْن بِنْتُ خَارِجَةَ. أرَاها جَارِيَة). رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب الأقضية: باب ما لا يجوز من النحل: الحديث" (40) منه: ج 2 ص 752. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الفرائض: باب ميراث الحمل: الأثر (12749).
(•) النسخة (1): لتَقدُّمِ.
نفوذَهُ يتعلَّقُ بإجازَتهِم، فَكان وُجدَت دُفعَةَ وَاتَّحَدَ الجِنْسُ كَعِتقِ عَبِيدٍ أَوْ إِبرَاءِ جَمعٍ، أي كقوله: أعتَقتكُم أوْ أَبرَأتكُم، أو وَكَّلَ وُكَلاءَ فيقعُ ذلكَ في وقتٍ واحدٍ، أُقرِعَ في العِتق، ولا يُوَزَّعُ على الجُزْئِيَّةِ، وَقُسِّطَ فِي غَيرِهِ، أي باعتبارِ القيمةِ، لأن المقصودَ مِن الإعتاقِ تخليصُ الشخصِ عن الرق، وتكميلُ حالِهِ، ولا يحصلُ هذا الغرضُ مع بقاءِ الرق في بعضِهِ، والمقصودُ في الهِبَةِ ونحوها التمليكُ؛ والتشقِيصُ لا يُنافِيهِ، وإنِ اختلَفَ، أي الجنسُ بأنْ وكَّلَ وكِيلًا في العتقِ وآخرَ في البيع بالمُحاباةِ وآخرَ في الهِبَةِ، وَتصرَّفَ وُكَلاءٌ، أي دفعة واحدةً، فَإِن لَم يَكُن فِيها عِتق قُسطَ، أي الثلُثِ على الكل باعتبارِ القيمةِ، وإن كَان قُسطَ، وَفي قَولٍ: يُقَدَّمُ العِتْقُ، هُما القولانِ السابقانِ بِتَعلِيلهِمَا، وصورَهُ المصنِّفُ بالوُكلاءِ؛ لأنهُ الغالبُ. وقد يكونُ منه؛ بأن يقال: أعتَقْتَ وأبرَأتَ ووَقَفتَ، فيقول: نَعَم.
فرعَانِ: لا يؤثِّرُ تقديمُ الهبةِ وحدَها بلا قبضٍ؛ لأن مِلْكها بالقبضِ حتى لو وهبَ المريضُ ثمَّ أعتقَ أو حَابَى في بيعٍ ثم أقبَضَ الموهوبَ قُدِّمَ العتقُ والمحاباةُ، ولا تفتقرُ المحاباةُ في بيع وغيرِهِ إلى قبض، لأنها في ضمنِ معاوضةٍ.
ولو وُجدتْ منهُ تبرُّعات مُنَجَّزَة ومُعلقَة بالموتِ قُامتِ المُنَجَّزَةُ، لأنها تُفِيدُ المِلْكَ نَاجِزًا. وبهذا يكملُ للمسألة ثلالةُ أحوال؛ لأن التبرُّعاتِ إمَّا أن تكونَ كلَّها مُعَلَّقَة بالموتِ أو كلها مُنَجزَة وبعضَها مُعَلَّقَة (•).
وَلَوْ كَان لَهُ عبدَانِ فَقَطْ سَالم وَغَانِم، فَقَال: إِن أعتَقتُ غَانِما فسَالم حُرٌّ، ثُمَّ أَعتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عُتِقَ وَلَا إقرَاعَ، لاحتمالِ أن يخرجَ على سالِم فيلزمُ إرقَاقُ غانِمٍ فيفوتُ شرطُ عِتْقِ سالِمٍ، وقيل: يُقْرَعُ كما لو قال أعتَقتكُمَا، ولا يخفَى أن محِل الخلافِ إذا لم يخرُجْ مِنَ الثلثِ إلّا أحدُهما، فإن خَرَجا من الثلثِ عُتِقَا.
فَرعٌ: لو قال: إن أعتقتُ غانِمًا فسالم حُر في حالِ إعتاقِي غانِمًا، ثم أعتَقَ غانمًا
(•) في النسخة (1) كلُّ فرع منفصلٌ عن الفرع الآخرِ.
في مرضِهِ فكذلك الجوابُ بلا فرقٍ.
وَلَوْ أوصىَ بِعَينٍ حَاضرَةِ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيهِ غَائِب؛ لَم تدفع كلها إِلَيهِ فِي الحَالِ، لأن ما يحصلُ للموصَى لهُ ينبغي أن يحصُلَ للوارِثِ مثلاهُ وربما تلفَ الغائبُ، وَالأصَح أنهُ لَا يَتَسلطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثلُثِ أيضًا، لأن تسلطَهُ يتوقفُ على تسليطِ الورثَةِ على مِثْلَي ما تسلطَ عليهِ، ولا يمكنُ تسليطُهُم لاحتمالِ سلامَةِ الغائِبِ فَيخلصُ جميع الموصَى بهِ للموصَى لهُ، فكيف يتصرَّفُونَ فيهِ؟ والثاني: يتسلطُ، لأن استحقاقَهُ لهذا القدرِ مُستَيقَنٌ، وحكمُ الدَّينِ حكمُ الغائِبِ، وقد صرَّحَ بهِ صاحبُ التَّنْبِيهِ.
فصل: إِذَا ظَننا المَرَضَ مُخَوِّفًا لَم يَنْفُذْ تَبرُّع زَادَ عَلَى الثلُثِ، لأنهُ محجورٌ عليه فيهِ، وَالمُخَوِّفُ: كل مَا يَسْتَعد الإنسَانُ بِسَبَبِهِ لِمَا بَعدَ الموت بِالإقبَالِ عَلَى الأعمَالِ الصالِحَةِ وَالمَوتُ مِنه غَيرُ نَادِرٍ. وقوله (يَنْفُذْ) يجوزُ قراءتُهُ بفتح الياءٍ وسُكونِ النونِ وضمِّ الفاءِ، ويجوزُ ضمُّ الياءِ وفتحُ النونِ وتشديدُ الفاءِ، فإِن بَرَأَ نفَذَ، لأنهُ تبيَّنَ صحةَ تبرعهِ، وَإن ظَناهُ غَيرَ مُخَوِّف فَمَاتَ، من حُمِلَ عَلَى الفَجأةِ، أي وكذا على سببٍ خفيّ، نفذ، أي كمَا إذا ماتَ مِن وجع الضِّرس والعَينِ، وَإلا فَمُخَوِّف، كإسْهالِ يومٍ أو يومينِ، وَلَو شَكَكنا فِي كَونهِ مُخَوِّفًا لَم يَثبت إلا بِطَبِيبَينِ حُرَّيْنِ عَدلَينِ، مراعاةً للعدَدِ مع أهليَّةِ الشهادَةِ، وَمِنَ المُخَوِّفِ: قُولَنج، وَذَاتُ جَنب، وَرُعَاف دَائِمٌ، وَإِسهالٌ مُتَوَاتر، وَدِقٌّ، وَابتِدَاءُ فَالِج، وَخرُوجُ طَعام غَيرِ مُستَحِيل أو كان يَخرُجُ بِشدة وَوَجَع، أو وَمَعَهُ دمٌ، أي من الكبِدِ وغيره من الأعضاءِ الشريفةِ، وكان ينبغي للمصنّف ذِكْرُ هذه الأشياءِ عقِبَ قوله (وَإِسْهال مُتَوَاتِر) فإنهُ من تَتِمتِهِ، وقد فعلَ ذلك الرافعيُّ في المُحررِ وتَبعَهُ المصنِّفُ أوَّلًا ثم خرجَ بخطِّهِ وكَتَبَ ذلكَ في الحَاشِيَةِ، وَحُمَّى مُطبَقة، أي دائمًة، أو غَيرُها، أي كالوردِ والثلثِ والأخَوينِ، إلا الرِّبْعَ، أي وهِيَ التي تأتِي يَومًا وتنقطعُ يومينِ، قال ابنُ قتيبةَ في غريبةِ: وتقلعُ مع اليومين ثلاثَ ليالٍ، وألحَقَهُ بِرِبع الإبِلِ. وَوردِ الماء وهُو في اليومِ
الثالثِ، لأن المحمُومَ تأخذُهُ القوَّةُ في يومَي الإقلاعِ؛ قال أهلُ هذهِ الصناعةِ: وَالْحمَّى: حَرَارَة غَريبة تَدخُلُ (•) في القَلْبِ ثُمَّ تَنْبَثُّ مِنْهُ بِتوَسُّطِ الروْح وَالدِّمِ فِي الشَّرَايِينِ وَالْعُرُوْقِ فِي جَمِيع البَدَنِ، فَتَشْتَعِلُ فِيهِ اشْتِعَالًا يَضُرُّ بِالأفْعَالِ الطبيعيةِ، والكلامُ فيها وأقسامُها كثير جدًّا؛ لَيسَ هذَا مَوْضِعُهُ.
فَائِدَة: ينفعُ الْقُولَنْجَ التّين والزبيبُ والخبزُ الخشكارُ، ويضرُّهُ البقولُ إلا السدابُ والسلقُ، وينفعُ الرُّعَافَ الكافورُ والأفيونُ.
وَالْمَذهبُ أنهُ يُلحَقُ بِالمُخَوِّفِ أَسْرُ كُفَّارِ اعتَادُوا قَتْلَ الأسْرَى، وَالْتِحَامُ قِتَالِ بَينَ مُتَكَافِئَينِ، وَتقْدِيمٌ لِقِصاصٍ أَوْ رَجْمٍ، وَاضطِرابُ رِيح، وَهيَجَان مَوْج فِي رَاكِبِ سَفِينةٍ، وَطَلْقُ حَامِلٍ، وَبعدَ الْوَضْع مَا لَم تنفَصِلِ الْمشيمة، لأنها أحوال تستعقِبُ الهلاكَ غالبًا، ووجهُ مقابلِهِ أنهُ لم يُصَبْ بدنَهُ شيء، وما ذكرَهُ المصنّفُ في الأولى والثانيةِ والرابعةِ وهي التقديمُ للقصاصِ؛ هو المنصوصُ؛ وعن نصهِ في الإملاءِ في الثالثة المنعُ، وللأصحابِ طريقان أصحُّهُما ما ذكرَهُ، والطريق الثاني: تقريرهُما. والفرقُ أنَّ مستحقَّ القصاصِ لا تبعدُ منهُ الرحمةُ بخلاف الباقِي، واحترزَ بقوله (بَينَ مُتَكَافِئَينِ) عما إذا لم يَتَكَافَآ؛ فإنهُ لا خوفَ في حق الغالبين قطعًا، ولا خوفَ أيضًا قطعًا فيما إذا لم يَلتحِمِ القتَالُ ولم يختلِطِ الفَرِيقَانِ؛ وإن كانا يترامَيَانِ بالنشَّابِ والحِرَابِ. وبقوله (اعتَادُوا قَتْلَ الأسْرَى) عما إذا لم يعتادُوا قتلهُم كالرومِ فإنهُ ليس بِمُخَوّفٍ، وقوله (وَهيجَانُ مَوْج) عفا إذا كان البحرُ ساكنًا فإنهُ ليس بِمُخَوَّفٍ، وأما إذا قامَ ليُقتلَ رَجْمًا في الزنا فعلى الطريق الثاني بأنهُ يقطعُ بأنه مخوف وعلى الأول منه قولان، وأما الحامِلُ فلم أرَ فيهِ طريقةً قاطعة بالمنع أو بغيرِهِ كما يُفْهِمُهُ تعبيرُ المصنف بالمذهبِ، وليس فيهِ إلا حكايةُ قولينِ أظهرُهُما: أنهُ مخوف لصعوبَةِ أمر الولادةِ وعلى الأظهرِ يستمرُّ الخوفُ إلى وضع الْمَشِيمَةِ، كما ذكرَهُ المصنفُ؛ بل ذلك أشدُّ خطرًا من حالةِ الطلْقِ، فإذا وضعَتْها زال. وتسميها النساءُ الخلاصَ. إلا أن
(•) في النسخة (1): تَشتَعِلُ.
يحصُلَ بالولادةِ جِرَاحَة أو ضَرَبَانٌ شديدٌ فيستمرُّ إلى زوالِهِ.
فَرْعٌ: إلقاءُ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ ليسَ بمخوفٍ على الأصحِّ، من زوائد الروضة، لأنهُ أسهلُ خروجًا من الولدِ.
فَصْلٌ: وَصِيغَتُهَا، أي صيغةُ الوَصِيَّةِ: أَوْصَيتُ لَهُ بِكَذَا أَو ادْفَعُوا إِلَيهِ أَوْ اعْطُوهُ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ أَوْ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي، أي وهذهِ صَرَائِحُ، فَلَو اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: هُوَ لَهُ؛ فَإِقْرَارٌ، أي ولا يُجعل كناية عن الوصيَّةِ، إلا أَن يَقُولَ: هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً، لأنهُ لا يصلُحُ للإقرارِ، وكان ينبغي أن يقولَ فيكونَ كنايةً عن الوصيَّةِ، كما أفهَمَهُ كلامُ الْمُحَرَّرِ، وصرح به في الروضة تَبَعًا للرافعيِّ، وَتَنْعَقِدُ بِكِنَايَةٍ، كالبيع، بل أَولى لأنها تقبلُ التعليقَ بالإِغرارِ، ووقعَ في الْمُحَرَّرِ حكايةُ خلافٍ فيه حيثُ عبَّرَ بالأظهرِ، وهو غريبٌ فلهذا حَذَفَهُ المصنِّفُ، وَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ، أي فينعقدُ بها كالبيع؛ وأَولى لما قرَّرْنَاهُ. وهذا ذكرَهُ الرافعيُّ في شرحِهِ بحثًا، ونقلَ عن المتوليّ: أنهُ إذا كتبَ أَوْصَيتُ لفلانٍ بكذا لا يصِحُّ إذا كانَ ناطِقًا، كما لو قيل لهُ: أَوْصَيتَ لفلانٍ بكذا؟ فأشارَ أنْ نَعَمْ، قال فِي المطلبِ: وهو المشهورُ، ولا تكفي الكتابةُ وحدَها من غيرِ إشهادٍ عليها على الأصحِّ.
فَرْعٌ: لو اعْتُقِلَ لسانُهُ صحَّتْ وصيَّتُهُ بالإشارةِ والكتابةِ، وكذا الأخرسُ كما ذكرَهُ المصنِّفُ في البيع وغيرِهِ.
وَإن أَوْصَى لِغَيرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ لَزِمَتْ بِالْمَوْتِ بِلا قَبُولٍ، لتعذرِهِ منهُم، أَوْ لِمُعَيَّنٍ اشْتُرِطَ الْقَبُولُ، كما في الهبةِ؛ فإنْ كانتْ لِمَحْجُورٍ عليهِ يَقْبَلُ له وليُّهُ، ومرادُهُ بالمُعيَّنِ: إذا كان محصُورًا. فإنْ كانَ غير محصورٍ كَالْعَلَويَّةِ، وقلنا بالصحَّةِ وهو الأظهرُ، فلا يُشترطُ القبولُ في حقِّهِم كالفقراءِ، جزَمَ بهِ في الروضة تبعًا للرافعيِّ.
وَلَا يَصحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ الْمُوْصِي، أي فلَهُ الرَّدُّ وإن قَبِلَ في الحمِاةِ، وبالعكسِ؛ لأنهُ لا حقَّ لهُ قَبْلَ الموتِ فأشبَهَ إسقاطَ الشُّفْعَةِ قبلَ البيع.
فَرْعٌ: لم أرَ لأصحابِنَا تعرُّضًا لصيغةِ الرَّدِّ وتركوهُ لظهورِهِ، وفي كُتُبِ الحنابلَةِ
أنهُ يحصُلُ بقولهِ: رَدَدْتُ الْوَصِيَّةَ، وقولُهُ: لَا أَقْبَلُهَا وما أدَّى هذا المعنى.
وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْفَوْرُ، لأن ذلك إنما يُشترطُ في العقودِ النَّاجِزَةِ التي يُعتبرُ فيها ارتباطُ القبولِ بالإيجابِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُوْصَى لَهُ قَبْلَهُ بَطَلَتْ، لأنها قَبْلَ الموتِ غيرُ لازمةٍ فبطلَتْ بالموتِ كما لو ماتَ أحدُ المتعاقدَينِ في البيع قبل القبولِ، أَوْ بَعْدَهُ فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ، لأنه فرعُهُ فقامَ مقامَهُ في القبولِ كالشُّفْعَةِ، وَهَل يَمْلِكُ الْمُوْصَى لَهُ بِمَوْتِ الْمُوْصِي أَمْ بِقَبُولِهِ أَمْ مُوْقُوفٌ؟ فَإِنْ قَبِلَ بَان أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوْتِ؛ وإِلَّا بَانَ لِلْوَارِثِ أَقْوَالٌ أظْهَرُهَا الثَّالِثُ، لأنهُ لا يمكنُ جعلُهُ للميتِ لأنهُ لا يملِكُ، ولا للوارِثَ لأنهُ لا يملِكُ إلا بعدَ الدَّينِ وَالْوَصِيَّةِ، ولا للموصَى لهُ؛ وإلَّا لَمَا صحَّ ردُّهُ كالميراثِ فتعيَّنَ وقْفُهُ فراعَاهُ. ووجهُ الأولِ: أنهُ استحقاقٌ بالموتِ، فلمْ يُشترط فيهِ القبولُ كالميراثِ، ووجهُ الثاني: أنهُ تمليكٌ بعقدٍ فَيُتَوَقَّفُ على القبولِ كالبيع، وَعَلَيهَا، أي وعلى هذه الأقوالِ الثلاثةِ، تُبْنَى الثَّمَرَةُ وَكَسْبُ عَبْدٍ حَصَلا بَينَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، وَنَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ، أي فإنْ قلنا بالأول، فالثمرةُ والكسبُ للموصَى لهُ وعليه النفقةُ والفطرةُ. وإن قلنا بالثاني؛ فلا يكونُ لهُ قبلَهُ؛ ولا عليه نفقتُهُ ولا فطرتُهُ. وإن قلنا بالثالث؛ فموقوفةٌ أيضًا؛ فإن قَبِلَ فلهُ وعليهِ وإلَّا فلا، وَنُطَالِبُ الْمُوْصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ إِن تَوَقَّفَ فِي قَبُولهِ وَرَدِّهِ، أي فإن امتنعَ أُخذت منهُ قهرًا؛ وعلى قولنا: إنَّ الْمِلْكَ لهُ؛ مع أنَّ النفقةَ لا تلزمُهُ، كما تلزمُ مُطَلِّقَ إحدَى امرأتَيهِ إذا امتنعَ من تعيِينِهَا فإنْ أرادَ الخلاصَ رُدَّ.
فَصْلٌ: أَوْصَى بِشَاةٍ تَنَاوَلَ، أي الاسمَ، صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ وَكَبِيرَتَهَا سَلِيمَةً وَمَعِيبَةً ضَأْنًا وَمَعَزًا، لصدق الاسمِ عليهِ كما ذكرَهُ، وَكَذَا ذَكَرٌ فِي الأصَحِّ، لأنه اسمُ جنسٍ كالإنسانِ؛ والهاءُ فيه ليستْ للتأنيثِ بل للواحدِ. يدل عليه قولُهم: لفظُ الشَّاةِ يُذَكَّرُ ويؤَنَّثُ. والثاني: لا يتناولُهُ؛ وإنما اسمُ الشاةِ للإناثِ للعُرفِ، وهذا ما نَصَّ عليه في الأُمِّ. ومحلُّ الخلافِ: ما إذا لم يقترنْ بكلامِ الموصِي ما يدلُّ على أحدِهما، فإن اقترنَ بِهِ عُمِلَ بِهِ كما لو قال: ينتفعُ بِدَرِّهَا ونَسْلِهَا، فإنهُ لا يُعطى الذكرَ بل أُنثى
كبيرةٌ تصلُحُ لذلك، ولو قال: بِشَاةٍ يُنْزِيهَا على غَنَمِهِ فالوصيَّةُ بالذَّكَرِ، ولو قال: ينتفعُ بصُوفِهَا حُمل على الضأَنِ أو بشَعرِهَا حُمل على المعزِ، لَا سَخلَةٌ وَعَنَاقٌ فِي الأصَحِّ، لأن أسمَ الشَّاةِ لا يقعُ عليهِما، كذا علَّلَهُ القاضي حُسين وبه قال الصيدلانيُّ وصحَّحَهُ الرافعيُّ فقال: إنهُ أظهرُ، وتَبِعَهُ المصنِّفُ، والثاني: يَتَنَاوَلُهُمَا لإطلاقِ الاسمِ، وصِدْقِ ذلكَ لغةً وشرعًا وهو مُقتضَى إطلاقِ النصِّ، وقولُ صاحبِ التقريبِ: وأئمَّةُ العراقِ ومُعظم الْمُرَاوزَةِ على ما قالهُ الإِمامُ. وقال: إنَّ قَوْلَ الصيدلانيِّ خلافُ ما صرَّحَ به الأصحابُ أَجمعونَ في طرقِهِمْ فتعيَّنَ إذًا ترجيحُ هذا الوجه. وَالسَّخْلَةُ وَلَدُ الضَّأَنِ، وَالْمَعِزِ. وَالْعَنَاقُ الأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعِزِ مَا لَمْ تَتِمَّ لَهُ سَنَةً كما سلف في محرَّمات الإحرامِ. ونصَّ المصنِّفُ على عدمِ إجزاءِ الأُنثى منهُما ليَدُلَّ على إجزاءِ الذكَرِ بطريقٍ أَولى على ما صحَّحَهُ.
فَرْعٌ: الظِبَاءُ يقالُ شِيَاهُ الْبَرِّ؛ والثَّوْرُ الوَحْشيُّ قد يسمَّى شَاةً في اللغة، لكن مطلقُ الوصيَّةِ بالشَّاةِ لا يطلقُ عليهِما. قال في التَّتِمَّةِ: وليسَ للموصَى لهُ أن يقبلَهُ لأنهُ غيرُ ما أوْصِيَ لهُ بِهِ.
وَلَوْ قَال أَعْطُوهُ شَاةً مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ لَغَتَ، لأنه هَوَسٌ، ولو قال: أعطوهُ شاةً من شِيَاهِي وليسَ لهُ إلَّا ظباءٌ فوجهانِ، قال في الروضة: وينبغي أن يكونَ الأصحُّ تنزيلُ الوصيَّةِ على واحدٍ منها، وَإِن قَال: مِنْ مَالِي، أي ولا غَنَمَ لَهُ، اشْتُرِيَتْ لَهُ، عَمَلًا بقولِهِ، وَالْجَمَلُ وَالنَّاقَةُ يَتَنَاوَلانِ الْبَخَاتِيَّ وَالْعِرَابَ، لصدقِ الاسمِ كما ذكرَهُ، لَا أحَدُهُمَا الآخَرَ، أي لا يتناولُ الجملُ الناقةَ ولا الناقةُ الجملَ، لأن لفظَ الجملِ للذكَرِ والناقةِ للأُنثى والبَخَاتِيُّ بتشديد ياء النسبةِ وتخفيفِها جمعُ بختي وبختية؛ ويقال بخاتَى بفتح التاء على وزن فَعَالى والعِرَابُ خلافِ البَخَاتِيِّ، وَالأَصَحُّ تَنَاوُلُ بَعِيرٍ نَاقَةً، لأنهُ اسمُ جنسٍ عند أهلِ اللغةِ وسُمِعَ من العربِ: حَلَبَ فُلانٌ بَعِيرَهُ وَضَرَّعتْنِي بَعِيرِي. والثاني: المنعُ وهو المحكيُّ عن النصِّ. وتنزيلُ البعيرِ منزلةَ الجملِ. قال الأزهريُّ: وما ذكرَهُ الشافعيُّ هو المعروفُ في كلامِ الناسِ، وخلافُهُ كلامُ العربِ العاربةِ فلم تُجْرَ الوصايا عليه، قُلْتُ: فيرجَّحُ هذا الوجهُ بذلك وبنصِّ إمامِ المذهبِ.
فَرْعٌ: وصَّى لهُ بإِبِلٍ، جازَ إعطاءُ الذَّكر والأُنثى؛ فإن أرادُوا أن يعطوهُ فَصِيلًا أو ابنَ مَخَاضٍ لم يلزمْهُ قبولهُ، لأنه لا يُسمَّى إِبِلًا، كذا ادَّعاهُ في التَّتِمَّةِ وفيه نظرٌ.
لَا بَقَرَةٍ ثَوْرًا، لأن اللفظَ موضوعٌ للأُنثى، والثاني: يتناولُ. والهاءُ للواحدةِ كقولنا ثَمَرَةٌ وَزَبِيبَةٌ، وَالثَّوْرُ لِلذَّكَرِ، لأن اللفظَ موضوعٌ لهُ.
وَالْمَذْهَبُ حَمْلُ الدَّابَّةِ عَلَى فَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ، لأنها في اللُّغة اسمٌ لما يَدُبُّ على وجهِ الأرضِ، ثم اشتهرَ استعمالُها في هذه. والوصيَّةُ تنزلُ على ذلكَ، كذا نصَّ عليه، واختلفوا فيه، فقال ابن سُرَيجٍ: هذا ما ذكرَهُ على عادَةِ أهلِ مِصْرَ في رُكوبِها جميعًا، واستعمالُ الدَّابَّةِ فيها، فأما سائرُ البلادِ فحيثُ لا يستعمَلُ اللفظُ إلا في الفَرَسِ؛ كالعراقِ لا يُعطى إلا الفَرسَ، وقال ابنُ أبي هريرة وغيرُهُ: الحكمُ في جميعِ البلادِ سواءٌ، كما نصَّ عليه وهذا هو الأظهرُ عند الأئمَّةِ. وعبَّرَ المصنِّفُ لأجلِ هذا الاختلافِ بالمذهبِ، وهذا إذا أطلقَ، أما إذا قال: دَابَّةٌ تصلُحُ للكَرِّ والفَرِّ والقتالِ والنَّسْلِ فهي فَرَسٌ.
ويُتَنَاوَلُ الرَّقِيقُ صَغِيرًا وَأُنْثَى وَمَعِيبًا وَكَافِرًا وَعُكُوسَهَا، أي كبيرًا وذَكَرًا وسليمًا ومُسلمًا لإطلاقِ لفظِ الرَّقيقِ على ذلك كلِّهِ، وَقِيلَ: إِن أَوْصَى يإِعْتَاقِ عَبْدٍ وَجَبَ الْمُجْزِئُ كَفَّارَةٌ، لأنهُ المعروفُ في الإعتاق، بخلافِ ما إذا قال: أعطوهُ عَبْدًا، فإنهُ لا عُرفَ فيهِ. والأصحُّ أنه يجزئُ ما يقعُ عليه الاسمُ، كما لو قال: أعطُوا فُلانًا رَقِيقًا، وقوله (كَفَّارَةً) هو منصوبٌ على الحالِ أو التَّمْيِيز.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ رَقِيقِهِ فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَت، لأنهُ لا رقيقَ لهُ، وَإن بَقِيَ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ، لصدقِ الاسمِ عليهِ. واحترزَ بقوله (قَبْلَ مَوْتِهِ) عما إذا ماتُوا بعد موتِهِ، فإنْ كان بعدَ قبولِ الموصَى لهُ انتقلَ حقُّهُ إلى القيمةِ فيَصْرِفُ الوارثُ قيمةَ مَن شاءَ منهُمٍ إليهِ، وإنْ كان بعدَة وقَبْلَ القبولِ. فكذلك إن قلنا: يملِكُ الوصيَّةَ بالموتِ أو موقوفةً، وإن قلنا يملِكُ بالقبولِ بطلَتْ، قال الرافعيُّ: وهو احتمالٌ للإمامِ، قال: إنهُ لم يُصْرَفْ إليهِ أحدٌ. وقال القاضي حُسين: لا فرقَ بين أن يقولَ:
إِنهُ يملِكُ بالموتِ أَو القَبُولِ، أَوْ إِعْتَاقِ رِقَابٍ، فَثَلاثٌ، لأنه أقل الجمْع حقيقةً على الأصحِّ، فَإِنْ عَجَزَ ثُلُثُهُ عَنْهُنَّ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشتَرَى شِقصٌ بَلْ نَفِيسَتَانِ بِهِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَنْفُسِ رَقَبَتَينِ شَيءٌ، فَلِلْوَرَثَةِ، لأن الشِّقْصَ ليس رقبةً فأشبهَ ما لو قال: اشتَرُوا بهِ رقبةً لِلْعِتْقِ فلمْ يجدُوا بهِ رقبةً لا يُشْتَرَى بهِ الشِّقْصُ قطعًا، وفي وجهٍ أنه يُشترَى الشِّقْصُ تكثيرًا للعتقِ (•) ولأنهُ أقربُ إلى غرضِ الموصِي، وهذا هو مقابلُ قَولهِ (فَالْمَذْهَبُ)؛ والصوابُ إبدالُها بالأصحِّ كما فَعَلَ في الروضةِ، وجعلَ القاضي أبُو الطَّيِّبِ محِلَّ الخلافِ عندَ إمكانِ شراءِ رقبَتينِ نَفِيسَتينِ بهِ وإمكانِ شراءِ رقبتينِ وشقصٍ، وَلَوْ قَال: ثُلُثِي لِلْعتْقِ. اشْتُرِي شِقْصٌ، أي قطعًا لأنه أقربُ إلى غرضِ الموصِي.
فَصْلٌ: وَلَوْ وَصَّى لِحَمْلِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدَينِ فَلَهُمَا، أي بالسويَّةِ، لأن حملَهَا عامٌّ، ولا يفضَّلُ الذَّكَرُ على الأُنثى على المذهبِ كما لو وَهَبَ لرجلٍ وامرأةٍ شيئًا إلَّا أَنْ يُصَرِّح بِالتَّفْضِيلِ، أَوْ بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَكُلُّهُ لِلْحَيِّ فِي الأصَحِّ، لأنَّ الميِّتَ كالمعدومِ، والثاني: للحيِّ النِّصْفُ والباقِي لورَثَةِ الموصِي أخْذًا بالأسْوَإِ فِي حقِّهِ.
وَلَوْ قَال: إِنْ كَان حَمْلُكِ ذَكَرًا أَوْ قَال أُنْثَى فَلَهُ كَذَا فَوَلَدَتْهُمَا لَغَتْ، لأنهُ شَرَطَ الذُّكُورَةَ أو الأُنُوثَةَ في جملَةِ الحمْلِ ولم يحصَلْ، وإن ولدَتْ غلامَينِ فالمختارُ في الروضة أنهُ يقسِمُ بينهُما دونَ ما إذا قال: إنْ كانَ حملُها ابنًا فلهُ كذا، وإنْ كانَ بِنْتًا فلهُ كذا، فَوَلَدَتْهُمَا. فإنَّ المختارَ أنهُ لا شيءَ لهُ. والفرقُ أنَّ الذَّكرَ والأُنثى إسمَا جنسٍ، فيقعُ على الواحدِ والعددِ، بخلافِ الابنِ والبِنْتِ.
وَلَوْ قَال: إِدْ كَان بِبَطْنِهَا ذَكرٌ فَوَلَدَتهُمَا اسْتَحَق الذكَرُ، لأنَّ الصيغَةَ ليستْ حاصرةً للحَمْلِ فيه، أوْ وَلَدَتْ ذَكَرَينِ فَالأَصَحُّ صِحَّتُهَا، لأنهُ لم يَحْصِرِ الحَمْلَ في واحدٍ بل حَصَرَ الوصيَّةَ فيهِ، والثاني: المنعُ لاقتضاءِ التَّنْكِيرِ التَّوْحِيدَ، ويُعْطِيهِ الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، كما لو وقعَ الإِبهامُ في الموصَى بهِ، ويرجعُ إلى الوارثِ وليس لهُ
(•) في النسخة (1): لِلْعَينِ.
التَّشْرِيكُ بينهُما، والثاني؛ يُوَزَّعُ بينهُما، والثالث: يُوْقَفُ إلى أن يَبلُغَا فَيَصْطَلِحَا.
فَصْلٌ: وَلَوْ وَصَّى لِجِيرَانِهِ فَلأَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، أي من جوانِبِ دارِهِ الأربعَةِ لحديثِ فيه مرسَلٍ ومتَّصِلٍ أيضًا (282)؛ وقيلَ: إن الجارَ هو الملاصِقُ ولم يَحْكِ الرافعيُّ غير هَذَينِ، وفي المسألةِ سِتَّةُ أوجهٍ أُخرٍ ذكرتُها في الأصلِ فراجِعْها منهُ فإنها مِن الْمُهِمَّاتِ الْجَلِيلَةِ. ويقسَمُ المالُ على عددِ الدُّوْرِ لا على عدَدِ سكَّانِها كما جزمَ به في الروضة. ورأيتُ في مذاكرةِ أهلِ اليمنِ عكسُهُ، ويمكنُ الجمعُ بينهما بأنَّ ما يُصْرَفُ للدَّارِ يقسَمُ على عدَدِ السُّكَّانِ، فقد يكونُ في دارٍ شخصٌ واحدٌ وفي دارٍ عشرةٌ، وفي هذه المذاكرَةِ أيضًا أنه لا ينبغي أن يُلتفَتَ إلى الَّذينَ يَتْبَعُونَ مِن الذَّرَارِي وَالنِّسَاءِ، وفي هذا نظرٌ.
وَالْعُلَمَاءُ أَضحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ مِن تَفْسِيرٍ؛ وَحَدِيثٍ؛ وَفِقْهٍ، أي ولا يَدْخُلُ فِيهِ الَّذينَ يَسْمَعُوْنَ الْحَدِيثَ وَلَا عِلْمَ لَهُمْ بِطُرُقِهِ وَلَا بِأَسْمَاءِ الرُّوَاةِ وَلَا بِالْمُتُونِ؛ فَإِنَّ السَّمَاعَ المُجَرَّدَ لَيسَ بِعِلْمٍ، وقال الكيَّا الْهَرَاسِيُّ: يَدْخُلُ فِيهِمْ كَتَبَةُ الْحَدِيثِ. ولعلْهُ أرادَ الذينَ يكونُ عندهُم شيءٌ مِن الْعِلْمِ وَإلَّا فَمُجَرَّدُ الْخَطِّ لا يكفِي؛ والحُكْمُ فيما إذا أوصَى لأهلِ العلمِ كما إذا أوصَى للعلمَاءِ.
(282) • المرسلُ؛ عن ابن شهابِ قال: قَال رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [أربعُوْنَ دَارًا جَارٌ]. قال (يونس): قُلْتُ لابن شهابٍ؛ وَكَيْفَ أربعُوْنَ دَارًا؟ قَال: أربعُوْنَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَخَلْفِهِ وَبَين يَدَيهِ. قال ابن الملقن في التحفة: الرقم (1364) وفي خلاصة البدر المنير: الرقم (1772): رواهُ أبو داود في مراسيلِهِ. قال ابن حجر في تلخيص الحبير: كتاب الوصايا: الرقم (15) منه: رواهُ أبو داود في المراسيل بسندٍ رجاله ثقاتٌ إلى الزهري. قال البيهقي: إنهُ معروفٌ، قال: ورويَ من وجهين عن عائشة ثم ضَعَّفَهُمَا.
• عن أبي هريرة رَفَعَهُ قَال: قَال رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [حَقُّ الْجَارِ ذِرَاعًا، هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، يَمِينًا وَقُدَّامًا وَخَلْفًا. ينظر: المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر: الرقم (2723). وقال ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 8 ص 168: رواه أبو يعلى عن شيحه محمد بن جامع العطار وهو ضعيف.
لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِّرٌ وَطَبِيبٌ، أي وكَذا الْمُنَجِّمُ وَالْحَاسِبُ وَالْمُهَنْدِسُ، لأن أهلَ العُرفِ لا يَعُدُّونَهُمْ مِنْهُمْ، قال في الْمَطْلَبِ: والمرادُ بالْمُقْرِئ التَّالِي فقطْ، أما العارِفُ بالرِّوَايَةِ وَرِجَالِهَا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَالْعَالِمِ بطُرُقِ الْحَدِيثِ، قال: وقد أفْهَمَ كلامُ الغزاليِّ في وسيطِهِ أنهُ مِنْهُمْ ولا يدخُلُ أيضًا علْمُ النَّحْو وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ وَالْعَرُوْضِ وَالْقَوَافِي، ولم يتعرَّضِ الفُقَهَاءُ لها كأنَّهُم أدخَلُوهَا في علمِ الأدَبِ، وكذا علمُ البَيَانِ والبدِيع والمعانِي وعلمُ الأنغامِ والموسِيقَى ونحْوهَا.
وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ عِنْدَ الأكْثَرِينَ، لأنهُ بِدْعَةٌ وَخَطَرٌ، ونقله العَبَّادِيُّ في زوائدِهِ عن النَّصِّ، وقال المتوليّ: يَدْخُلُ، ومال إليهِ الرافعيُّ في شرحَيهِ. والحق أن مَنْ كَانَ عَارِفًا باللهِ وصِفَاتِهِ وما يَجبُ لَهُ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيهِ فَيَدْخُلُ فِي العُلَمَاءِ، بَلْ هُو أَشْرَفُ الْعُلُوْمِ؛ وَأنَّ مَنْ كَانَ دَأْبَهُ الْجَدَلُ وَالشَّبَهُ وَخَبْطُ عَشْوَاءَ مِنَ الحَقِّ وَالْبَاطِلِ؛ وَالدُّعَاءُ إِلَى الضَّلالِ، فلا يَدْخُلُ فِيهِمْ وَهَكَذَا الصُّوْفِيَّةُ يَنْقَسِمُونَ كَانْقِسَامِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّهُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ، وقد ذكرتُ هنا في الأصلِ فروعًا مهمَّةً يجبُ عليك المسارعةُ إليها.
وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكينُ وَعَكْسُهُ، أي حتى يجوزُ الصَّرفُ إلى هولاء من الوصيَّةِ لهؤلاءِ، وعكسُهُ لأنَّ كلَّ واحدٍ من الاسْمَينِ يقعُ على الفريقينِ عند الانفرادِ، وَلَوْ جَمَعَهُمَا، أي فأوصَى للفقراءِ والمساكينِ، شُرِّكَ نِصْفَينِ، كما في الزكاةِ بخلافِ ما إذا أوصَى لبني زَيدٍ وبني عَمْرٍو فإنهُ يقسَمُ على عددِهِم ولا يُنَصَّفُ، وَأَقَلُّ كُلِّ صِنفِ ثَلاثَةٌ كما فيها أيضًا، وَلَهُ التَّفْضِيلُ، أي بين الثلاثةِ ولا يجبُ التسويةُ بل يُصرف إليهم على قَدْرَ حاجاتِهِم، فلو دفعَ إلى إثنينِ غُرِّمَ لِلثَّالِثِ الثُّلثُ أو أقلَّ ما يُتَمَوَّلُ، فيه الخلاف في نظيرِهِ من الزكاةِ، أَوْ لِزَيدٍ وَالفُقَرَاءِ فَالْمَذهَبُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ فِي جَوَازِ إِعْطَائِهِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ، لأنهُ أَلْحَقَهُ بهِم، وَلَكِنْ لَا يُحْرَمُ، أي للنصِّ عليه وإنْ كان غنيًّا، وقوله (فَالْمَذْهَبُ) عبَّر عنهُ في الروضة بالأصحِّ، وحكى في المسألةِ سبعةَ أوجهٍ لَخَّصْتُها مِن كلامِ الرافعيِّ، وقد ذكرتُها في الأصلِ؛ منها: أنَّ لزيدٍ رُبُعَ الوصيَّةِ والباقي للفقراءِ، لأن أقلَّ ما يقعُ عليه اسمُ الفقراءِ ثلاثةٌ، ومنها: أنَّ لهُ النِّصْفَ ولَهُمُ النِّصْفَ.
أَوْ لِجَمْعٍ مُعَيَّنٍ غَيرِ مُنْحَصِرٍ كالْعَلَويَّةِ صَحَّتْ فِي الأظْهَرِ، كالفقراءِ والمساكينِ، وَلَهُ الاقْتِصَارُ عَلَى ثَلاثَةٍ، كما في الفقراءِ، والثاني: البطلانُ، لأن التَّعْمِيمَ يقتَضِي الاستيعابَ وهو ممتنعٌ بخلافِ الفقراءِ فإنْ عُرِفَ الشَّرعُ خَصَّهُ بثلاثةٍ فاتبعَ، أَوْ لأقَارِبِ زَيدٍ دَخَلَ كُلُّ قَرَابَةٍ، أي وإنْ كانَ وارِثًا ومَحْرَمًا ومُسلمًا وكَافِرًا وغنيًّا وفَقِيرًا، وإن بَعُدَ، لشمولِ الاسمِ، إِلَّا أَصْلًا وَفَرْعًا فِي الأصَحِّ، إذ لا يُسَمَّوْنَ أقاربَ، وعبَّر عنهُ في الْمُحَرَّرِ بالأظهرِ فتبِعَهُ المصنِّفُ، والثاني: لا يدخلُ الأَبَوَانِ والأولادُ، ويدخلُ الأجدادُ والأحفادُ، لأن الوالِدَ والولَدَ لا يُعرَفَانِ بالقريبِ عُرفًا بل القريبُ من ينتمِي بواسطةٍ. وصحَّحَهُ الرافعيُّ في شرحَيهِ؛ وقال: إنهُ أظهرُ مِن جهة النَّقْلِ وهو عجيبٌ منهُ مع مقالتِهِ الأُولى في الْمُحَرَّر وتبعَهُ المصنفُ في الروضة، وقال الماورديُّ: الأوَّل خطأٌ وجَزَمَ بدخُولِ الجمِيع وفيه قُوَّةٌ.
وَلَا تَدْخُلُ قَرَابَةٌ أُمٍّ فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ فِي الأصَحِّ، لأنَّ العربَ لا تفتخرُ بها ولا تعدُّها قرابةً. والثاني: تدخُلُ كما في وصيَّةِ العَجَمِ، قال الرافعيُّ: وهو الأقْوَى، وصحَّحَهُ في أصلِ الروضةِ، لكنْ نَسَبَ الإِمامُ إلى الجمهورِ القطعَ بالأوَّلِ.
وَالْعِبْرَةُ بِأَقْرَبِ جَدٍّ يُنسَبُ إِلَيهِ زَيدٌ، وَتُعَدُّ أَوْلادُهُ قَبيلَةً، يعني أولادَ ذلكَ الجَدِّ فَيَرْتَقِي في بني الأعْمَامِ إليه دُونَ من فوقَهُ حتى لو أوصَى لَأقارِبِ حَسَنِيٌّ أو أوصَى حَسَنِيٌّ لأقارِبِ نفسِهِ لم يدخُلْ الْحُسَينِيُّوْنَ بالتَّصْغِيرِ وبالعكسِ، وكذا لو أوصَى لأقارِبِ المأمُونِ أو أوصَى مَأْمُونِيٌّ لأقاربِهِ لم يدخُل فيه أولادُ المُعْتَصِمِ وسائِرُ الْعَبَّاسِيَّةِ وعلى هذا القياسُ.
وَيَدْخُلُ في أَقرَبِ أَقَارِبِهِ الأصْلُ وَالْفَرْعُ، لأنهُ ليس ثَمَّ أقربُ منهُم، وَالأَصَحُّ تَقْدِيمُ ابْنٍ عَلَى أبٍ، لأنَّ تَعْصِيبَهُ أقوَى بدليلِ تقديمهِ في الإرْثِ، وَأخٍ، أي لأبوَين أو أحدِهِما، عَلَى جَدٍّ، أي لأبٍ أو لأُمٍّ، لأنَّ تَعْصِيبَهُ تَعْصِيبُ الأولادِ؛ فقُدِّمَ عليه كالجَدِّ. والثاني: يسْتَويانِ لاستواءِ الأوَّلَين في الرُّتْبَةِ والأخِيرَينِ في الإدْلاءِ بالأبِ. فكان ينبغي للمصنِّفِ التعبيرُ في الثانية بالأظهرِ بدل الأصحِّ كما فعَلَ في الروضة.
فَرْعٌ: الأُخْتُ في ذلكَ كالأخِ، صرَّحَ به الرُّوْيَانِيُّ، والأُمُّ في ذلك كالأبِ صرَّحَ به الْجُرجَانِيُّ.
وَلَا يُرَجَّحُ بِذُكُورَةٍ وَورَاثَةٍ بَلْ يَسْتَوي الأبُ وَالأُمُّ وَالأبْنُ وَالْبِنْتُ، أي كما يستَوي المسلمُ والكافِرُ، ويُقَدَّمُ ابْنُ الْبِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الإبْنِ، لأن الاستحقاقَ مَنُوطٌ بزيادة القُربِ، وَلَوْ أَوْصَى لأقَارِبِ نَفْسِهِ لَمْ تَدْخُل وَرَثَتُهُ لِي الأصَحِّ، لأن الوارثَ لا يُوْصَ لهُ فيأخُذُها الباقونَ. والثاني: يدخُلُ لتناول اللفظِ لهم ثم يبطُلُ نصيبُهُم، ويصحُّ الباقي لغيرِ الوَرَثَةِ.
فَصْلٌ: تَصِحُّ بِمَنَافِع عَبْدٍ وَدَارٍ، أي مُؤَبَّدَةٍ وَمُؤَقَّتةٍ، وَغَلَّةِ حَانُوتٍ، لأنها أموالٌ مقابلةً بالأعواضِ فكانتْ كالأعيانِ، وقد ذكَرَ المصنِّفُ في أوائلِ الباب الوصيَّةِ بالمنافع حيث قال: وبِالْمَنَافِع، وإنما كرَّرَها لأجلِ ترتيبِ الأحكامِ الآتيةِ عليها.
وَيَمْلِكُ الْمُوْصَى لَهُ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ، وَأَكسَابَهُ الْمُعْتَادَةَ، لأنها أبدالُ منافعِهِ، أما النادِرَةُ كالهِبَةِ فلا على الصحيح، لأنها لا تُقصدُ بالوصيَّةِ، وَكَذَا مَهْرُهَا، أي الموصَى بمنفعَتِها إذا تزوَّجَتْ أو وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، فِي الأَصَحِّ، لأنهُ من فوائدِ الرَّقَبَةِ كالإِكسابِ، والثاني: لا، بل هُو للوارثِ لأنه بدلُ منفعةِ الْبُضْع، وهي لا يوصَى بها فبدَلُها لا يُستحقُّ بالوصيَّةِ، قال الرافعيُّ في الشرح: وهذا أشبهُ وأظهرُ على ما ذكرَهُ الغزاليُّ. وتبعَهُ عليه المصنِّفُ في الروضة وقال في الصغيرِ: أنهُ أظهرُ الوجهينِ، وما صحَّحَهُ في الْمُحَرَّرِ قال: إنهُ جوابُ العِرَاقِيِّينَ بِأَسْرِهِمْ وتابَعَهُم البغويُّ فاضطربَ ترجِيحُهُما إذًا، لَا وَلَدُهَا، أي من نِكاحٍ أو زِنىً، فِي الأَصَحِّ بَلْ هُوَ كَالأُمِّ مَنْفَعَتُهُ لهُ، وَرَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ، لأنه جزءٌ من الأُمِّ فيجرِي مجرَاهَا، والثاني: أنه للموصَى لهُ كَكَسْبِهَا وهو نظيرُ ما صحَّحَهُ المصنِّفُ في ولدِ الموقوفَةِ، وَلَهُ إِعْتَاقُهُ، أي للوارثِ إعتاقُ العبدِ الموصَى بمنفعتِهِ لأن رقبتَهُ خالصَةٌ لهُ. نعم لا يُجزئُ عن الكفَّارةِ على الأصحِّ لعجزِهِ عن الكسْبِ، وإذا أعتقَهُ فالصحيحُ بقاءُ الوصيَّةِ كما كانتْ كالإجارَةِ.
فَرْعٌ؛ ليسَ للوارثِ كتابَةُ هذا العبدِ على الأصحِّ، لأنَّ إكسابَهُ مستحَقَّةٌ.
وَعَلَيهِ، أي على الوارثِ، نَفَقَتُهُ إِن أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً، لأنه مالِكُ للرقبةِ كما إذا أجَّرَ عبدَهُ، وَكَذَا أَبَدًا فِي الأصَحِّ، لما قلناهُ، فإن شقَّ عليهِ فخلاصُهُ أن يُعْتِقَهُ، والثاني: أنها على الموصَى لهُ، لأنها لهُ فأشبَهَ الزَّوْجَ.
فَرْعٌ: الفِطْرَةُ كَالنَّفَقَةِ.
وَبَيعُهُ إِن لَمْ يُؤبَّدْ كَالْمُستَأْجِرِ، أي وبيعُ الموصَى بمنفعتِهِ مُدَّةً كبيعِ العينِ المؤجَّرةِ، وقد علِمْتَ ما فيه في بابِها، قال صاحبُ المطلب: ويظهرُ تقييدُ الخلافِ فيها بما إذا كانت المدَّةُ معينةً. أما لو كانتْ مجهولة كحياةِ زيدٍ فيتعيَّنُ القطعُ بالبطلانِ، وَإِنْ أُبَّدَ فَالأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيعُهُ لِلْمُوْصَى لَهُ دُون غَيرِهِ، إذ لا فائِدَةَ فيهِ، والثاني: يصحُّ مُطلقًا لكمَالِ الملْكِ فيه، والثالث: لا يصحُّ مُطلقًا لاستغراقِ المنفعَةِ لحقِّ الغيرِ؛ ونقلَهُ القاضي أبُو الطَّيِّبِ عن الأكثرينَ وصحَّحَهُ أيضًا القاضي حُسين وغيرُهُ، وَأَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا مِنَ الثُّلُثِ إِنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا، لأنهُ حَالٌّ بينَ الوارِثِ وبينَهَا، والحيلولَةُ كالإِتلافِ؛ ألا ترَى أنَّ الغاصِبَ يضمَنُ بهَا، والثاني: أنَّ المعتبَرَ ما بينَ قيمتِهَا بمنافِعِهَا، وقيمَتُها مسلوبةُ المنفعَةِ، وصححَهُ الغزاليُّ وطائفةٌ، لأنَّ الرقبَةَ باقيةٌ للوارِثِ فلا معنَى لاحتسابِهَا على الموصَى لهُ فعلَى هذا تُحسبُ قيمةُ الرقبةِ على الوارثِ على الأصحِّ، مثالُهُ: أوصَى بعبدِ قيمتُهُ بمنافِعِه مِئَةٌ وبدونِهَا عشرةٌ فعلَى الأوَّل تُعتبَرُ الْمِئَةُ من الثُّلُثِ، ويُشترطُ أن يكونَ له مِئَتَانِ سِوَى العبدِ. وعلى الثاني المعتبَرُ تِسعونَ فقطْ فيُشترطُ أن يبقَى للورثَةِ ضِعْفُ التسعينَ مع العشرةِ على الأصحِّ على وَجه ودونَها على وجهٍ، وَإِن أَوْصَى بِهَا مُدَّةً قُوِّمَ بِمَنْفَعَتِهِ، ثُمَّ مَسْلُوبِهَا تِلْكَ المُدَّةَ، ويُحْسَبُ النَّاقِصُ مِنَ الثُّلْثِ، أي فإذا قوَّمناهُ بالمنفعةِ بِمِئَةٍ وبدونِها تلكَ المدَّة بثمانينَ فالوصيةُ بعشرينَ. وَاعْلَمْ: أنَّ هذهِ المسألةَ فيها أربعُ طرقٍ كما ذكرَهُ في الروضةِ تبعًا للرافعيِّ أصحها هذا، وظاهرُ إيرادِ المصنِّفِ أنهُ من تمامِ قولِهِ، وأنه يعتبَرُ؛ فهو حينئذٍ مما أطلقَ الوجهَ وأرادَ به الطريقةَ، وثانيها: طردُ الخلافِ في الوصيَّةِ المؤبَّدةِ، وثالثها: إنَّا إنِ اعتبرْنَا هناكَ ما بينَ القيمتينِ فهُنا أولى، وإلّا فوجهَانِ أحدُهما: التَّفَاوُتُ، والثاني: الرَّقَبَةُ، ورابعُها: أنَّ المعتبَرَ من الثُّلُثِ أجرةُ مِثْلِ تلكَ المدَّةِ.
فَصْلٌ: وَتَصِحُّ، أي الوصيَّةُ، بِحَجِّ تَطَوُّعٍ فِي الأَظْهَرِ، بناءً على دخُولِ النِّيَابَةِ وهو الأظهرُ كما صرَّحَ به في الْمُحَرَّرِ، ومقابلُهُ مبنيٌّ على مقابِلِهِ، ثم هو محسوبٌ من الثُّلُثِ كسائِرِ التبرعاتِ، وَيُحَجَّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنَ الْمِيقَاتِ كَمَا قَيَّدَ، عملًا به، وَإِنْ أَطْلَقَ فَمِنَ الْمِيقَاتِ فِي الأَصَحِّ، حَمْلًا على أقلِّ الدرجاتِ، والثاني: مِن بلدِهِ لأنَّ الغالِبَ التجهيزُ للحَجِّ منهُ، وَحَجَّةُ الإِسْلامِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أي وإنْ لم يُوْصِ بهَا كسائِرِ الدُّيُونِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَو الثُّلُثِ عُمِلَ بِهِ، أمَّا في الأُولى: فهو تأكيدٌ لأنهُ المفعولُ بدونِها، وأمَّا في الثَّانيةِ: فكما لو أوصَى بقضاءِ دَينٍ مِنْ ثُلُثِهِ. وفائدةُ جعلِهَا مِن الثُّلُثِ مزاحمَةُ الوصَايَا، وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهَا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أي كما لم يُوْصِ، وتُحملُ الوصيَّةُ بها على التأكيدِ والتِّذْكَارِ بهَا، وَقِيلَ: مِنَ الثُّلُثِ، لا أنَّها مِن رأسِ المالِ فوصيَّتُهُ بهَا قرينةٌ دالَّةٌ على أنَّها مِن الثُّلُثِ وهُو مصرِفُ الوَصَايَا، وَيُحَجُّ مِنَ الْمِيقَاتِ، لأنهُ لو كان حيًّا لم يلزمْهُ إلّا هذا، وقولُهُ (قِيلَ) صوابُهُ وفِي قَوْلٍ كما ذكرَهُ في الروضة تَبَعًا للرافعيِّ.
فَرْعٌ: الْحَجَّةُ المنذورةُ كالفرضِ على الأصحِّ.
وَلِلأَجْنَبِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنِ الْمَيِّتِ، أي فَرْضًا، بِغَيرِ إِذْنِهِ، أي بغيرِ إذنِ الوارِثِ، فِي الأَصَحِّ، كقضَاءِ الدَّينِ، والثاني: المنعُ، لافتقارِهِ إلى النِّيَّةِ فلا بُدَّ من اسْتِنَابَةٍ، واحترزَ بقولِهِ (بِغَيرِ إِذْنِهِ) عمَّا إذا أذِنَ، فإنهُ يجوزُ قطعًا، وبالأجنبيِّ عن الوارِثِ فإنهُ يجوزُ لهُ، وإن لم يُوْصِ، وقد صرَّحَ به في الْمُحَرَّرِ، أمَّا التَّطَوُّعُ إذا استقلَّ بهِ الأجنبيُّ؛ فأطلقَ العراقِيونَ: أنهُ إذا لم يُوْصِ بهِ لا يُحَجُّ عنهُ. ونقلَ الاتفاقَ عليهِ جماعةٌ وإنْ كانَ في كلامِ بعضِهِم ما يقتضِي حكايةَ خلافٍ فيهِ، وَيُؤَدِّي الْوَارِثُ عَنْهُ، أي مِن التَّرِكَةِ، الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ فِي كَفَّارَةٍ مُرَتَّبَةٍ، أي كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْوقَاعِ وَالظِّهَارِ. ويكونُ الولاءُ للميِّتِ إذا أعتَقَ.
وَيُطْعِمُ وَيَكْسُو فِي الْمُخَيَّرَةِ وَالأَصَحُّ أَنَّهُ يَعْتِقُ أَيضًا، لأنَّهُ نَائِبُهُ شَرْعًا فإعتاقُهُ كإعتاقِهِ، والثاني: لا، إذْ لا ضرُورَةَ إليهِ وبناهُما الماورديُّ على أنَّ الواجبَ فيهِما
أحدُ الخِصَالِ أو الجميعُ ولهُ إسقاطُهُ بأحدِها، وَأَنَّ لَهُ الأَدَاءَ مِنْ مَالِهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ، كقضاءِ الدَّينِ، والثاني: لا، لبُعْدِ العِبَادَةِ عَنِ النِّيَابَةِ، والثالث: يمتنعُ الإعتاقُ فقطْ لتعذُّرِ إثباتِ الولاءِ للميِّتِ، وَأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ، كما في قضاءِ الدَّينِ، والثاني: لا يقعُ عنهُ لبُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنِ النِّيَابَةِ. لَا إِعْتَاقٍ فِي الأَصَحِّ، لإجتماعِ عدَمِ النِّيَابَةِ وبُعْدِ إثباتِ الولاءِ للميِّتِ، وظاهرُ إيرادِ الرافعيِّ في شرحَيهِ يقتضِي ترجيحَ طريقةِ القطعِ بهِ، والثاني: أنهُ يقعُ عنهُ، ثم هذا الخلافُ محِلُّهُ في الكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ كما صرَّحَ به في الروضةِ تبعًا للرافعيِّ في كتابِ الأَيمانِ، أمَّا الْمُرَتَّبَةُ فَصَحَّحَا هناكَ وقوعَهَا من الأجنبيِّ بناءً على إحدَى العِلَّتينِ في المنعِ في الكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرةِ وهُو سُهُولَةُ التَّكْفِيرِ بغيرِ إِعْتَاقٍ. فلا يُعدلُ إليهِ لما فيهِ مِن عُسْرِ إثباتِ الولاءِ.
وَتَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ وَدُعَاءٌ، بالإجماعِ، مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِيِّ، أمَّا الصَّدَقَةُ مِن الوارِثِ فلحديثِ عُبَادَةَ المشهورِ في سَقْيِ الماءِ عَنْ أُمِّهِ وغيرِهِ (283)، وأمَّا في الأجنبيِّ فلأنَّهُ معاوَنَةٌ على الخيرِ وقدْ حَثَّ الشَّرْعُ عليهِ. وأمَّا الدُّعَاءُ من وارِثِ فلقولِه صلى الله عليه وسلم: [إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ
(283) * عن قَتَادَةَ عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَعْدٍ بْنِ عُبَادَةَ؛ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَال:[نَعَمْ] قُلْتُ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَال: [سَقْيُ الْمَاءِ]. وفي رواية الحسن قال: [سَقْيُ الْمَاءِ] فَتِلْكَ سِقَايَةُ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ. رواهما النسائي في السنن: فضل الصدقة عن الميت: ذكر الاختلاف على سفيان: ج 6 ص 254 - 255. وابن ماجه في السنن: كتاب الأدب: باب فضل صدقة الماء: الحديث (3684).
* عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أَنَّ سَعْدًا؛ قَال: يَا رَسُوْلَ اللهِ أتَنْتَفِعُ أُمِّي إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا وَقَدْ مَاتَتْ؟ قَال: [نَعَمْ] قَال: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَال: [اِسْقِ الْمَاءَ]. قال ابن حجر في الفتح: شرح الحديث (2761): وأخرجه الدارقطني في (غرائب مالك) من طريق حماد بن خالد عنه بإسناده. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الزكاة: باب ما ورد في سقي الماء: الحديث (7896).
وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ] رواه مسلم (284).
فَرْعٌ: يجوزُ الوَقْفُ على الميِّتِ، قالهُ صاحبُ العُدَّةِ.
فَرْعٌ: لا يَصِلُ إليهِ، أي إلى الميِّتِ؛ عندَنَا ثوابُ القراءَةِ على المشهورِ؛ والمختارُ الوصُولُ إذا سَأَلَ اللهَ تعالى أنْ يجعلَ ثوابَ قراءَتِهِ للميِّتِ. وينبغِي الجزْمُ بهِ لأنَّهُ دُعَاءٌ، وإذا جازَ الدُّعَاءُ للميِّتِ بما ليسَ لِلدَّاعِي، فَلأَنْ يجوزَ بما هُو لهُ أَوْلى ويبقَى الأمرُ فيه مَوْقُوفًا على استجابَةِ الدُّعَاءِ وهَذا المعنَى لا يختَصُّ بالقراءَةِ بل يجرِي في سائِرِ الأعمالِ.
فَصْلٌ: لَهُ الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِهَا، لأنَّها عَطِيَّةٌ لم يَزُلْ عنهَا مِلْكُ مُعْطِيهَا فَأَشْبَهَتِ الهِبَةَ قبلَ القبضِ وقد قال عُمَرُ رضي الله عنه:(يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مِنْ وَصِيَّتِهِ مَا شَاءَ) رواهُ البيهقيُّ تعليقًا وأسندَهُ عن عائشَةَ بإسنادٍ صحيحٍ (285)، بِقَوْلِهِ: نَقَضْتُ الْوَصِيَّةَ أَوْ أَبْطَلْتُهَا أَوْ رَجَعْتُ فِيهَا أَوْ فَسَخْتُهَا، لأنَّها صريحةٌ فيهِ، أَوْ هَذَا لِوَارِثِي، أي بعْدَ مَوْتِي وكذا ميراثٌ عَنِّي؛ لأنَّهُ لا يكونُ للوارِثِ إلَّا إذا انقطعَ تعلُّقُ الموصَى لهُ عنهُ، وَبِبَيعٍ، أي ويحصُلُ الرُّجُوعُ ببيعٍ وإن فَسَخَ في زَمَنِ الخِيَارِ (•)، وَإِعْتَاقٍ
(284) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الوصية: باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد الموت: الحديث (14/ 1631) بلفظ [إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ. أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ. أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ]. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الوصايا: الحديث (12900).
(285)
* رواه البيهقي تعليقًا في السنن الكبرى: كتاب الوصايا: باب الرجوع في الوصية وتغييرها: الأثر (12921) ولفظه: (يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنَ الْوَصيَّةِ).
* وأثر عائشة رضي الله عنها قَالتْ: (لِيَكْتُبِ الرَّجُلُ فِي وَصِيِتَّهِ: إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ أُغَيِّرَ وَصِيَّتِي هَذِهِ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (12920).
* في هامش النسخة (2) بخَطِّ النَّاسِخِ:
فَرْعٌ: لَوْ وَطِئَ الموصِي الجاريَةَ الموصَى بهَا فهل يكونُ رُجُوعًا أوْ لَا؟ قال الشيخُ محيِي الدِّينِ: إنِ اتَّصَلَ إحْبَالٌ، كانَ رُجُوعًا، وإنْ عَزَلَ فلا، وإنْ أَنْزَلَ ولَمْ يُحْبِلْ فوجهانِ، الأصحُّ ليسَ بِرُجُوعٍ.
وَإِصْدَاقٍ، لأنَّ تصرُّفَهُ في الحالِ مصادِفٌ لِمِلْكِهِ فينفُذُ. والوصيَّةُ تمليكٌ عندَ الموتِ فإذا لم يَبْقَ في مِلْكِ الموصِي لَغَتِ الوصيَّةُ كما لو هلَكَ الموصَى بهِ، وَكَذَا هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ مَعَ قَبْضٍ، لما قلناهُ، وَكَذَا دُوْنَهُ فِي الأَصَحِّ، أمَّا في الهبةِ فلظهورِ قصدِ الصَّرْفِ عن الموصَى لهُ، وأمَّا في الرَّهْنِ فلأنَّهُ عُرْضَةٌ للبيعِ، والثاني: لا فيهِما، أمَّا في الهبةِ فلأنَّهُ لم يؤثِّرْ في مِلْكِهِ فكذَا في رُجُوعِهِ، وأمَّا في الرَّهْنِ فلأنَّهُ لا يزيلُ الملكَ بلْ هو نوعُ انتفاعٍ كالإستخدامِ، وفي الهبةِ الفاسدَةِ أوجهٌ في الحَاوي، ثالثها: إنْ قُبِضَتْ كانَتْ رُجُوعًا وإلّا فلا. وكلامُهُ يُفْهِمُ طردَها في الرَّهنِ الفاسدِ أيضًا كما قالهُ في الكفايَةِ، وَبِوَصِيَّةٍ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، أي فإنهُ أيضًا رُجُوعٌ لِمَا مَرَّ، وَكَذَا تَوْكِيلٍ فِي بَيعِهِ؛ وَعَرْضِهِ عَلَيهِ فِي الأَصَحِّ، لأنَّهُ تَرَسُّلٌ إلى أمرٍ يحصُلُ به الرجوعُ، والثاني: لا، فَقَدْ لا يوجدُ.
تَنْبِيهٌ: هذا كلُّهُ في الوصيَّةِ بمعيَّنٍ، فإنْ أوصَى بِثُلُثِ مالِهِ ثم تصرَّفَ في جميعِ ما يملكُهُ ببيعٍ أو إعتاقٍ أو غيرهِما. لم يكنْ رُجُوعًا وكذا لو هلَكَ جميعُ مالِهِ.
وَخَلْطُ حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ رُجُوعٌ، لأنَّهُ أخرجَهُ عن إمكانِ التسليمِ، وَلَوْ أَوْصَى بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا فَرُجُوعٌ، لأنَّهُ أحدَثَ بالخلطِ زيادةً لم يُوْصِ بتسليمِها، أَوْ بِمِثْلِهَا فَلَا، لأنَّ الموصَى به كان مخلُوطًا به مُشَاعًا فلا تضرُّ زيادةُ الخلطِ، وَكَذَا بِأَرْدَأَ فِي الأَصَحِّ، لأنَّ التغييرَ فيهِ بالنقصانِ فأشبَهَ ما لو عَيَّبَ الموصَى بهِ أو أتلفَ بعضَهُ، والثاني: أنهُ رجوعٌ لأنَّهُ غيَّرَ الوصَى بهِ عمَّا كانَ فأشبَهَ الخليطَ بالأجودِ، وهذا ما أوردَهُ القاضي أبُو الطَّيِّبِ ونسبَهُ إلى عامَّةِ الأصحابِ واختارَهُ الإمامُ ولم يَنْسِبِ الرافعيُّ ما رجَّحَهُ لأحدٍ بل جزَمَ بِهِ، وَطَحْنُ حِنْطَةٍ وَصَّى بِهَا وَبَذْرُهَا وَعَجْنُ دَقِيقٍ وَغَزْلُ قُطْنٍ وَنَسْجُ غَزْلٍ وَقَطْعُ ثَوْبٍ قَمِيصًا وَبِنَاءٌ وَغَرَاسٌ فِي عَرَصَةٍ رُجُوعٌ، لزوالِ الاسمِ عنهُ وإشعارُهُ بالإِعراضِ.
فَصْلٌ: يُسَنُّ الإِيصَاءُ بِقَضَاءِ الدَّينِ، لأنَّهُ إذا شُرِّعَ أن يُوصِي في حقِّ غيرِهِ فخاصَّةُ نفسِهِ أَوْلى، وهذا في الدَّينِ الذِي لا يعجَزُ عنهُ في الحالِ، أما الذي يعجَزُ عنهُ
في الحالِ فالوصَايَةُ بهِ واجبةٌ، ذكرَهُ في الروضة قال: وكذا الإيصاءُ في ردِّ المظالِمِ، ورَدَّ على الرافعيِّ في قولِهِ: إنَّ ذلكَ سُنَّةٌ، وَتَنْفِيذِ الوَصَايَا، أي يُسَنُّ الإيصاءُ أيضًا في تنفيذِ الوصايَا، وهو بزيادة ياءٍ بَينَ الفاءِ والذالِ، كما رأيتُهُ بخطِّهِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الأَطْفَالِ، أي يُسَنُّ أيضًا وقد فَعَلَ ذلكَ جماعةٌ من الصحابَةِ منهُم عُثمانُ والمقدَادُ (286).
وَشَرْطُ الْوَصِيِّ تَكْلِيفٌ، أي فلا تصحُّ الوصَايَةُ إلى صبيٍّ أو مجنونٍ ولو قلَّ جنونُهُ، لأنَّها ولايةٌ وأمانةٌ وليسَا من أهلِها، نَعَمْ تصحُّ الوصيَّةُ إلى زيدٍ ثم إلى ابنِهِ إذا بَلَغَ كما سيأتي، فلو أوصَى إلى زيدٍ ثم إلى ولدِهِ المجنونِ إذا أفاقَ ففي صحَّتِها وجهانِ قالهُ الماورديُّ، وَحُرِّيَّةٌ، أي فلا تصحُّ إلى رقيقٍ لأنها تَسْتَدْعِي فَرَاغًا وهو مشغولٌ بخدمَةِ السَّيِّدِ، وسواءٌ عَبْدُهُ وعَبْدُ غيرِهِ، وَعَدَالةٌ، أي فلا تجوزُ إلى فاسقٍ لما فيها من معنى الولايةِ والأمانةِ، وَهِدَايَةٌ إِلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمُوْصَى بِهِ، أي فلا تصحُّ إلى مَن يعجزُ عنهُ ولا يهتدِي إليه لِسَفَهٍ أو مَرَضٍ أو هَرَمٍ أو تَغَفُّل أو غيرِها، لأنَّها لا غِبطَة إلى التَّفْويضِ لِمَنْ هذا حالُهُ، وَإِسْلامٌ، فلا تجوزُ وصَايَةُ الْمُسْلِمِ إلى الذّمِّيِّ، لأنَّهُ مُتَّهَمٌ في حَقِّ الْمُسْلِمِ قال تعالى:{لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً. . .} الآية (287)، وإذا كان مُتَّهَمًا لم
(286) * عن هشام بن عُروةَ عَنْ أبِيهِ قَال: أَوْصَى إِلَى الزُّبَيرِ رضي الله عنه عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ وَعَبْدُ الله بْنُ مَسْعُودٍ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ وَمُطِيعُ بْنُ الأَسْوَدِ رضي الله عنهم. فَقَال لِمُطِيعٍ: (لَا أَقْبَلُ وَصِيَّتَكَ). فَقَال لَهُ مُطِيعٌ: أَنْشُدُكَ الله وَالرَّحِمَ، وَاللهِ مَا أَتَّبِعُ إِلَّا رَأيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُوْلُ:(لَوْ تَرَكْتُ تِرْكَةً أَوْ عَهِدْتُ عَهْدًا إِلَى أَحَدٍ لَعَهِدْتُ إِلَى الزُّبَيرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَإِنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ).
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الوصايا: باب الأوصياء: الأثر (12927).
* عن عامرِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ؛ قَال: أَوْصَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَكَتَبَ:(إِنَّ وَصِيَّتِي إِلَى اللهِ وَإِلَى الزُّبَيرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَإِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ، وَإِنْهُمَا فِي حِلٍّ وَبِلٍّ فِيمَا وَلِيَا وَقَضَيَا فِي تِرْكَتِي، وَإِنَّهُ لَا تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِي إِلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَلَا تُحْضَنُ فِي ذَلِكَ زَينَبُ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (12928).
(287)
آل عمران / 118: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ =
تصحَّ تَوْلِيَتُهُ، لَكِنِ الأَصَحُّ جَوَازُ وَصِيَّةِ ذِمِّيٍّ إِلَى ذِمِّيٍّ، أي إذا كان عَدْلًا في دِيِنْهِ كما قيَّدَهُ في الروضة تبعًا للرافعيِّ. كما يجوزُ أنْ يكونَ وَلِيًّا لأولادِهِ، والثاني: المنعُ كالشَّهادةِ.
فَرْعٌ: تجوزُ وصَايَةُ الذِّمِّيِّ إلى الْمُسْلِمِ كما تجوزُ شهادَةُ الْمُسْلِمِ عليهِ.
وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى فِي الأَصَحِّ، لأنَّهُ من أهلِ الشَّهادةِ فأشبَهَ البصيرَ، والثاني: يضُرُّ لأنَّهُ لا يقدِرُ على البيعِ والشِّراءِ بنفسِهِ فلا يُفَوَّضُ إليهِ أمرُ غيرِهِ. وصحَّحَهُ القاضِي.
وَلَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ، لأنَّ عُمَرَ أَوْصَى إلى حَفْصَةَ رضي الله عنهما كما أخرجَهُ أبُو داودَ (288)، وقيل: نَعَمْ لأنَّها ولايةٌ، والخنثَى كالمرأةِ ذكرَهُ أبُو الفُتُوحِ.
وَأُمُّ الأَطْفَالِ أَوْلَى مِنْ غَيرِهَا، أي إذا حصلَتِ الشُّرُوطُ فيهَا، لأنَّها أكثرُ شَفَقَةً.
تَنْبِيهٌ: زادَ الرويانيُّ وآخَرُونَ شَرْطًا آخرَ وهُو أنْ لا يكونَ الوصِيُّ عَدُوَّ الأطفالِ الذي يُفَوَّضُ أمرُهُم إليهِ، وحصَرُوا الشُّرُوطَ بلفظٍ مُخْتَصَرٍ فقالُوا: ينبغِي أنْ يكونَ الوصِيُّ بحيثُ تُقْبَلُ شهادتُهُ على الطِّفْلِ كما ذكرَهُ الرافعيُّ، لكنَّهُ يُنْتَقَصُ بِالذِّمِّيِّ، فإنهُ يُوْصَى إلى الذِّمِّيِّ ولا تُقبَلُ شهادتُهُ عليهِ.
فَرْعٌ: في وقتِ اعتبارِ الشروطِ المذكورَةِ أوجهٌ؛ أصحُّها حال الموتِ.
= الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}.
(288)
عن عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم؛ نَسَخَ صَدَقَةَ عُمَرَ؛ وَفِيهَا: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ. إِنَّ ثَمْغًا وَصِرْمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ وَالْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ وَالْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيبَرَ وَرَقِيقَهُ الَّذِي فِيهِ. وَالْمِائَةَ الَّتِي أَطْعَمَهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِالْوَادِي، تَلِيهِ حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا. أَنْ لا يُبَاعَ وَلَا يُشْتَرَى. فَيُنْفِقُهُ حَيثُ رَأَى مِنْ السَّائِلِ وَالْمَحْرُوْمِ وَذِي الْقُرْبَى. وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ إِنْ أَكَلَ أَوْ آكَلَ أَو اشْتَرَى رَقِيصًا مِنْهُ). رواه أبو داود في السنن: كتاب الوصايا: باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف: الحديث (2879). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الوقف: باب جواز الصدقة المحرمة وإن لم يقبض: الحديث (12124).
وَيَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ بِالْفِسْقِ، لزوالِ الشَّرْطِ وفي معناهُ قَيِّمُ الحَاكِمِ، وَكَذَا الْقَاضِي في الأَصَحِّ، لذلك أيضًا، والثاني: لَا كالإمام الأعظم، لَا الإِمَامُ الأَعْظَمُ، لتعلُّقِ المصَالِحِ الكُلِّيَّةِ بولايَتِهِ.
فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الإِيصَاءُ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ، كذا اقتصرَ عليهِ. وظاهرُهُ يقتضي صحَّتُها مِن السَّفِيهِ في قضاءِ دُيُونِهِ؛ وَتَفْرِقَةُ وَصِيَّتِهِ على القولٍ بصحَّتِها منهُ في المالِ، فينبغِي إضافةُ الرُّشْدِ إليهِما كما نَبَّهَ على ذلكَ صاحبُ المطلبِ، وقوله (تَنْفِيذُ) هو بياءٍ مُثَنَّاةٍ تحتَ بينَ الفاءِ والذَّالِ ثم رأيتُ إسقاطَهَا بخَطِّ المصنِّفِ وضبَطِ الفاءِ بالضَمِّ وكذا الذالِ وقد ذَكَرَ هُو قرببًا أنَّ ذلكَ سُنَّةٌ. أعْنِي الإيصاءَ بِقَضَاءِ الدَّينِ فَتَأَمَّلْ ذلكَ.
وَيُشْتَرَطُ فِي أَمْرِ الأَطْفَالِ، أي والمجانينِ، مَعَ هَذَا، أي مَعَ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ، أَنْ يَكُونَ لَهُ ولايَةٌ عَلَيهِمْ، أيِ ابتداءً من جِهَةِ الشَّرْعِ لا بِتَفْويضٍ مِن غيرِهِ، فتثبُتُ الوصايةُ للأبِ والجدِّ وإنْ عَلا عليهِم دونَ غيرهِمَا مِن الأقاربِ حتى لو أوصَى أحدُهم أو أجنبيُّ لهم بشيءٍ، وجعلَ النظرَ فيهِ لِزَيدٍ لم تصِحَّ الوصايَةُ لِزَيدٍ وإنْ صَحَّتِ الوصيَّةُ، وصرَّحَ مُجَلِيُّ بإلحاقِ البالغِ السَّفِيهِ بالمجنونِ، وفي البحرِ: أنَّ الابنَ البالِغَ العاقِلَ إذا حُجِرَ عليه بسفَهٍ لا يصحُّ مِن الأبِ أن يوصِي بالولايةِ عليهِ، لأنَّ حَجْرَهُ بالحاكِمِ، قال في الكفايَةِ: وهذا يُشيرُ إلى حالةِ بُلُوغِهِ رَشِيدًا ثم طَرَأَ السَّفَهُ.
وَلَيسَ لِوَصِيٍّ الإِيصَاءُ، كالوكيلِ، فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ جَازَ لَهُ فِي الأَظْهَرِ، لأنَّ للأبِ أن يُوصِي فلَهُ الاستنابَةُ في الوصيَّةِ، والثاني: لا، لبطلانِ إذنِهِ بالموتِ، والثالث: إنْ كانَ مُعَيَّنًا صَحَّ وإلَّا فلا.
وَلَوْ قَال: أَوْصَيتُ إِلَيكَ إِلَى بُلُوغِ ابْنِي أَوْ قُدُومِ زَيدٍ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ جَازَ، لأنَّ الموصِي هو الذي أوصَى إليهِما وجعلَ الوصايَةَ إلى الثاني مشروطةً بشرطٍ. والوصيَّةُ تحتملُ التعليقَ كما يحتملُ الأخطارَ والجهالاتِ.
فَرْعٌ: قال: أوصيتُ إليكَ، فإذا حدَثَ بِكَ حادِثُ الموتِ فقدْ أوصيتُ إلى مَن
أوصيتَ لهُ أو فوصِيَّتُكَ وَصِيَّتيي؛ فباطلةٌ على الأظهرِ لأن الموصَى إليه مجهولٌ.
وَلَا يَجُوزُ نَصْبُ وَصِيٍّ، أي في أمرِ الأطفالِ، وَالْجَدُّ حَيٌّ بِصِفَةِ الْولايَةِ، لأنَّ ولايتَهُ ثابتةٌ شرعًا كولايَةِ التَّزْويجِ، وَلَا الإِيصَاءُ بِتَزْويجِ طِفْلٍ وَبِنْتٍ، لأنَّ غيرَ الأبِ والجدِّ لا يُزَوِّجُ الصغيرَ والصغيرةَ.
وَلَفْظُهُ، أي لفظُ الموصِي: أَوْصَيتُ إِلَيكَ أَوْ فَوَّضْتُ وَنَحْوُهُمَا، أي كأَقَمْتُكَ مَقَامِي، وَيَجُوزُ فِيهِ، أي في لفظِ الموصِي، التَّوْقِيتُ، أي كما إذا قال: أوصَيتُ إليكَ سَنَةً، وَالتَّعْلِيقُ، أي كَإِذَا مِتُّ فقد أوصيتُ إليكَ، لأنها تحتملُ الأخطارَ والجهالاتِ كما سلفَ قريبًا.
وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَا يُوْصِي فِيهِ، أي كأوصيتُ إليكَ بقضاءِ دُيُونِي والتصرُّفِ في أموالِ أطفالِي ونحوهِما، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيتُ إِلَيكَ لَغَا، كما لو قال: وكَّلْتُكَ ولم يبيِّنْ ما بهِ التوكيلُ، وَالْقَبُولُ، أي ويُشترطُ القبولُ لفظًا، كالوكالةِ، وَلَا يَصِحُّ فِي حَيَاتِهِ فِي الأَصَحِّ، كقبولِ الوصيَّةِ بالمالِ، والثاني: يصحُّ كالوكالةِ. والردُّ في حياة الموصِي على هذا الخلافِ. ولو رَدَّ بعدَ الموتِ لَغَتْ قطعًا، وقد تقدَّمَ الكلامُ على قبولِ الموصَى لهُ في أثناءِ البابِ؛ لكنَّ الكلامَ هنا في الوصايَا على الأطفالِ وذاكَ في غيرِهَا فَاعْلَمْهُ.
وَلَوْ وَصَّى اثْنَينِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا، تنزيلًا على الأخذِ بالأقلِّ وهو الإجتماعُ؛ قال الشيخُ عِزُّ الدِّينِ: وهو مُشْكِلٌ لما فيهِ من مخالفَةِ الظاهرِ الحقيقيِّ، حَمْلًا على مجازٍ بعيدٍ، لم يدل عليه لفظُ الإذنِ، إلَّا إِنْ صَرَّحَ بِهِ، أي فإنهُ يجوزُ الانفرادُ عَمَلًا بالإذنِ.
فَرْعٌ: لو أوصَى إليهِما فيما يستقلُّ بهِ كَرَدِّ المغصوبِ والعَوَارِي، وتنفيذُ الوصيَّةِ لمعيَّنٍ وقضاءِ الدَّينِ الذي في التَرِكَةِ من جنسِهِ، فلكلٍّ منهُما الانفرادُ، قالهُ البغويُّ وغيرُهُ واسْتَشْكَلَهُ الرافعيُّ.
وَلِلْمُوْصِي وَالْوَصِيِّ الْغَزْلُ مَتَى شَاءَ، لأنَّهُ تصرَّفَ بالإذنِ فأشبَهَ الوكالةَ وأطلقَ هُنا جوازَ عزلِ الوصيِّ نفسَهُ ولا بُدَّ من تقييدِهِ بما إذا لم يتعيَّنْ عليهِ ولم يغلِبْ على
ظنِّهِ تلفُ المالِ باستيلاءِ ظالِمٍ من قاضٍ وغيرِهِ وإلا حَرُمَ عليهِ، قال في الروضةِ من زوائدِهِ، وسبقَهُ إليه ابنُ الصَّلاحِ والشيخُ عِزُّ الدِّينِ، وصرَّحَ: بأنهُ لا يصحُّ عزلُهُ، وقال الماورديُّ: إنْ خَلَتْ مِن العِوَضِ فجائِزَةٌ، وإلَّا فإنْ كانتْ بِعَقْدٍ فإجَارَةٌ لازمةٌ وإلا فَجُعَالةٌ.
وَإِذَا بَلَغَ الطِّفْلُ وَنَازَعَهُ فِي الإِتْفَاقِ عَلَيهِ صُدِّقَ الْوَصِيُّ، أي بِيَمِينِهِ لِعُسْرِ إقامَةِ البيِّنةِ عليهِ، أَوْ فِي دَفْعٍ إِلَيهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ صُدِّقَ الْوَلَدُ، لأنَّهُ لا يَعْسُرُ إقامةُ البيِّنةِ عليهِ، وقد ذكَرَ المصنِّفُ هذهِ المسألَةَ في أواخِرِ الوكالةِ بزيادةٍ وجهٍ فراجِعْها مِنْ ثَمّ. وهذا الحكمُ المذكورُ لا يختصُّ بالصبيِّ بل المجنون مثلِهِ كما صرَّحَ به في الروضةِ تبعًا للرافعي.
فَرْعٌ يُخْتَمُ بِهِ الْبَابُ: في فتاوَى القفالِ: أنهُ إذا أوصَى ببيعِ دارِهِ بعدَ موتِهِ ويُتَصَدَّقُ بثَمَنِهِ (•) على الفقراءِ، وماتَ الموصِي فباعَ الوصيُّ الدَّارَ، فقال المشترِي: لَا أُسلِّمُ إليكَ الثَّمَنَ حتَّى تَثْبُتَ وَصِيَّتُكَ عندَ الحاكِمِ، فلهُ ذلكَ.
(•) في النسخة (1): بقيمتها.