الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْخُلْعِ
الخُلْعُ: هُوَ مَأخُوذٌ مِنَ الْخَلْعِ وَهُوَ النَّزْعُ. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ، كما ذكره المصنف والأصل فيه قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (18) وقصة ثابت بن قيس في صحيح البخاري (19)، ويقال: إِنَّهُ أوَّلُ خُلْعٍ جَرَى فِي الإِسْلَامِ (20).
شَرْطُهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، أيْ فلا يصحُّ خُلع الصبيِّ والمجنونِ كطَلَاقِهِما، فَلَوْ
(19)
عن ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: إِنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ؛ أَتَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ؛ لَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِيْنٍ: وَلَكنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: [أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتهُ؟ ] قَالَتْ: نَعَمْ! قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: [إِقْبَلِ الْحَدِيْقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً]. وفي لفظ [وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا]. رواه البخارى في الصحيح: كتاب الطلاق: باب الخلع، وكيف الطلاق فيه؟ الحديث (5273 و 5274 و 5275 و 5276 و 5277).
(20)
في فتح البارى شرح صحيح البخارى: شرح الحديث السابق: ج 9 ص 499؛ قال ابن حجر: أخرج البزار من حديث ابن عمر رضي الله عنه؛ قال: (أَوَّلُ مُخْتلِعَةِ فِي الإِسْلَامِ حَبِيْبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ كَانَتْ تحْت ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ).
خَالَعَ عَبْدٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ صَحَّ، أيْ بالإذنِ ودونِهِ سواءٌ كان العِوَضُ دونَ مهرِ المثلِ أمْ قَدَرَهُ لاستقلالِهِما بالطلاقِ مَجَاناً فمَعَ العِوَضِ أَوْلى، وَوَجَبَ دَفعُ الْعِوَضِ إِلَى مَوْلَاهُ، أي فِى خُلع العبدِ كاكتسابِهِ، وَوَليِّهِ، أيْ في خُلع السفيهِ كسائِرِ أموالِهِ، نَعَمْ: لو أذِنَ لهُ الوليُّ في القبضِ ففى الاعتدادِ لقبضهِ وجهانِ تَقَدَّمَا في بابِ الْحَجْرِ.
فَرْعٌ: المكاتَبُ يصحُّ خُلعه ويُسَلَّمُ العِوَضُ إليهِ لصحَّةِ يدهِ واستقلالِهِ.
وَشرْطُ قَابِلِهِ إِطْلَاقُ تَصَرُّفهِ في الْمَالِ، لأنهُ تبرُّعٌ، فَإِنِ اخْتَلَعَت أَمَةٌ بلَا إِذْنِ سَيِّدٍ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنِ مَالِهِ بَانَت، لِوُقُوعِهِ بعوضٍ فاسدٍ كالخُلع على خمرٍ، وَللزَّوج فِي ذِمَّتِهَا مَهْرُ مِثْلٍ في صُوْرَةِ الْعَيْنِ، لأنهُ الْمَرَدُّ حينئذٍ، وَفِي قَوْلٍ: قِيْمَتُهَا، أيْ إنْ كانَتْ متقومةً وإلا فالمثلُ، وَفِي صُوْرَةِ الدَّينِ الْمُسَمَّى، أيْ ويصحُّ التزامُها فيما يتعلَّقُ بالذمَّةِ؛ لأنهُ لا ضررَ فبه على السَّيِّدِ، وَفِي قَوْلِ: مَهْرُ مِثْلِ، كما لو تزوَّجَ العبدُ بغيرِ إذنِ السيدِ ووطئَ يكونُ الواجبُ مهرُ المثلِ، وهذا ما صحَّحَهُ الرافعيُّ في الْمُحَرَّرِ وخالفَهُ المصنِّف هُنا وفي أصلِ الروضةِ.
وَإِن أَذِن وَعَيَّنَ عَيْناً لَهُ أَوْ قَدَّرَ دَيْناً فَامْتَثَلَتْ تَعَلَّقَ بِالعَيْنِ وَبِكَسْبِهَا فِي الدَّيْنِ، لأنَّ العوضَ في الخُلع كالمهرِ في النكاح، والمهرُ في كسبِ العبدِ فكذلك هنا، وَإِن أَطْلَقَ الإذْن اقْتَضَى مَهْرَ الْمِثْلِ مِن كَسْبِهَا، أيْ فإنْ زادَتْ عليهِ فهىَ أيِ الزيادةُ في ذِمَّتِهَا.
وَإِن خَالَعَ سَفِيهَةً أَوْ قَالَ: طَلَّقتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَت طُلِّقَتْ رَجْعِيًّا، أىْ سواء فعلَتْ ذلكَ بإذنِ الوليِّ أو بغيرِ إذنهِ ولا يلزمُها المالُ لأنها ليست من أهلِ التزامهِ، وليسَ للوليِّ صرفُ مالِها إلى هذه الجهةِ، فَإِن لَم تَقْبَلْ لَم تُطَلِّق، لأنَّ الصيغةَ تقتضى القبولَ فأشبه الطلاقَ المعلَّقَ على صفةٍ.
وَيصِحُّ اخْتِلَاعُ المَرِيْضَةِ مَرَضَ الْمَوْتِ، إذ غايتُها أنها صرفَتِ المالَ إلى أغراضِها ولها ذلك بخلاف السفيهةِ والمكاتَبَةِ، وَلَا يُحْسَبُ مِنَ الثُّلُثِ إِلا زَائِدٌ عَلَى
مَهْرِ مِثْلٍ، كالوصيَّةِ للزوج، ولا يكون كالوصيَّةِ لوارثٍ لخروجِهِ بالخُلع عن الإرثِ، وَرَجْعِيَّةٍ فِي الأَظْهَرِ، لأنها زوجةٌ، والثانى: لا، لعدمِ الحاجةِ إلى الافتداءِ، لَا بَائِنٍ، أي بخُلع وغيرهِ، لأنَّ الزوجَ لا يملِكُ بُضْعَهَا حتى يزيلَهُ؛ وهو إجماعُ الصحابةِ.
وَيَصِحُّ عِوَضُهُ قَلِيلاً وَكَثِيْراً، دَيْناً وَعَيْناً وَمَنْفَعَةً، لعمومِ قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (21) ولأنهُ عقدٌ على منفعةِ البُضْعِ فجازَ بما ذكرناهُ كالنكاح، وَلَوْ خَالَعَ بِمَجْهُولٍ، أي كَثَوْبٍ غيرِ مُعَيَّن، أَوْ خَمْرِ بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: بِبَدَلِ الْخَمْرِ، هو كالخلافِ فيما إذا أَصْدَقَها خمراً أو خنزيراً وقد مَرَّ في موضعهِ.
فَصْلٌ: وَلَهُمَا التَّوْكِيْلُ، لأنَّ التوكيلَ في النكاح جائزٌ والخُلع أَوْلى، فَلَوْ قَالَ لِوَ كِيْلِهِ: خَالِعْهَا بِمِائَةٍ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهَا، لأنهُ دونَ المأذونِ فيهِ، وَإِن أَطْلَقَ لَمْ يَنقُصْ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ، كما إذا أطلَقَ لهُ الإذْنَ في البيعِ، فَإِن نَقَصَ فِيْهِمَا، أيْ نقصَ عن القدرِ أو عن مهرِ المثلِ في صورةِ الطلاقِ، لَمْ تُطَلَّق، لمخالفتهِ، وَفِي قَوْلٍ: يَقَعُ بِمَهْرِ مِثْلٍ، كما لو خالَعَها الزوجُ على عوضِ فاسدٍ، وصحَّحَهُ في التصحيحِ في الثانية، وجعلهُ في أصلِ الروضةِ الأظهرَ وتبِعَ هُنا الْمُحَرَّرَ.
وَلَوْ قَالَتْ لِوَكِيْلِهَا: اختَلِعْ بِأَلْفٍ فامْتَثَلَ نَفَذَ، لوقوعهِ كما أمَرَتْهُ، وكذا بما دونها من بابِ أَوْلى، وَإن زَادَ فَقَالَ: اخْتَلَعْتُهَا بِأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهَا بَوَكَالَتِهَا بَانَتْ، وَيلْزَمُهَا مَهْرُ مِثْلٍ، لأنَّ قضيةَ فسادِ العوضِ الرجوعُ إليهِ، وَفِي قَوْلٍ: الأَكْثَرُ مِنْهُ وَمِمَّا سَمَّتْهُ، لأنَّ مهرَ المثلِ إنْ كان أكثرَ فهو المرجوعُ إليهِ، وإنْ كان المسمَّى أكثرَ فقدْ رضيتْ بهِ، وعبارةُ أصلِ الروضةِ في حكاية هذا القولِ: أنه يلزمُها أكثرُ الأمرينِ من مهرِ المثلِ وما سمَّاهُ الوكيلُ؛ وبينهُما بعضُ تخالفٍ. ثم فرعَ عليهِ؛ فقالَ: فإنْ كانَ مهرُ المثلِ زائداً على ما سمَّاهُ الوكيلُ لم تجِبِ الزيادةُ على ما سمَّاهُ على هذا القولِ.
وَإن أَضَافَ الْوَكِيْلُ الْخُلْعَ إِلَى نَفسِهِ؛ فَخُلْعُ أَجْنَبِيٍّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ، أي وليسَ
(21) البقرة / 229.
لهُ عليها شيءٍ؛ لأنَّ اختلاعَ الأجنبىِّ بنفسهِ صحيحٌ، وَإن أَطْلَقَ فالأظْهَرُ أَنَّ عَلَيْهَا مَا سَمَّتْ، لأنها لم ترضَ بأكثرَ منه، وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ، لأنَّ اللفظَ مطلقٌ، والصرفُ إليه ممكنٌ، وكأنْهُ افْتَدَاهَا بما سمَّتْ وبزيادةٍ من عندِ نفسهِ، والثاني: أنَّ عليها أكثرَ الأمرينِ من مهرِ المثلِ وما سمَّتْ؛ لأنهُ عَقَدَ لها فأشبَهَ ما إذا أضافَهُ إليها، فإن بقى شيءٌ مما سمَّاهُ الوكيلُ فَعَلَى الوكيلِ وإن زادَ مهرُ المثلِ على ما سمَّاهُ الوكيلُ لم تجِبْ تلكَ الزيادةُ، لأنَّ الزوجَ رَضِىَ بما سمَّاهُ الوكيلُ.
وَيجُوزُ تَوْكِيْلُهُ، أيِ الزوجُ في الخُلع، ذِمِّيًّا، لأنهُ قد يخالِعُ المسلمَةَ ويُطَلِّقُها، ألا تَرَى أنها لو أسلَمَتْ وتخلَّفَ فخالَعَها في العِدَّةِ ثم أسلَمَ؛ حُكِمَ بصحَّةِ الخُلْع، وَعَبْداً وَمَحْجُوْرًا عَلَيهِ بِسَفَهٍ، أيْ ولا يُشترط إذنُ السَّيِّدِ والوليِّ؛ لأنهُ لا يتعلَّقُ في الخُلع عُهْدَةُ وكيلِ الزوجِ.
وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيْلُ مَحْجُورٍ عَلَيهِ فِي قَبْضِ العِوَضِ، لأنهُ ليس أهْلاً لهُ، فإِنْ فَعَلَ وقَبَضَ ففى التتمَّةِ: أنَّ المختلِعَ يُبَرَّأُ ويكونُ الزوجُ مُضَيِّعاً لِمَالِهِ.
فرعٌ: يجوزُ أيضاً أنْ يكونَ وكيلُها ذِمِّيًّا وعبداً، قال البغوىُّ: لا سفيهاً، وإنْ أذِنَ لهُ الوليُّ وفيه وجهٌ في الحاوي.
وَالأصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ امْرَأَةً بِخُلْعِ زَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقِهَا، لأنهُ لو قالَ لزوجَتِهِ: طَلِّقِى نفسَكِ، فقالَتْ: طَلَّقْتُ؛ يجوزُ؛ ويقعُ الطلاقُ، وذلك إمَّا تمليكٌ أو توكيلٌ، إنْ كانَ توكيلاً فذاكَ، أو تمليكاً فكما يجوزُ أنْ تَتَمَلَّكَ الطلاقُ يجوزُ أن تتوكلَ فيهِ، وهذا ما نقلَهُ العمرانىُّ عن النصِّ (22)، والثانى: لا يصحُّ لأنها لا تستقِلُّ بهِ فلا تتوكَّلُ فيهِ.
(22) عن الأسود وعلقمة؛ قالا: جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه؛ فقال: كَانَ بَيْني وَبَيْنَ امْرَأتِى بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْنَّاسِ ، فَقَالَتْ: لَوْ أَنَّ الَّذي بيَدِكَ مِنْ أَمري بِيَدِى لَعَلِمْتُ كَيفَ أصْنعُ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ الَّذِى بِيَدِى مِنْ أمْرِكِ بيَدِكِ، قالَتْ: فَإِنِّي قَدْ طَلَّقْتُكَ ثَلَاثاً، قَالَ عَبْدُ الله: (أرَاهَا وَاحِدَةً، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا، وَسألقَىَ أمِيْرَ الْمُؤمِنيْنَ فاسْأَلهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فلَقيَهُ فَسَألَهُ فَقَصَّ عَلَيْهِ القِصَّةَ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَعَلَ الله بِالرِّجَالِ يَعْمَدُونَ إِلَى مَا =
فَرْعٌ: لو وَكلَتِ المرأةُ امرأةً باختلاعِها جازَ قطعاً.
وَلَوْ وَكلَا رَجُلاً تَوَلى طَرَفَاً، أي لا طرفين كما في البيع وسائرِ العقودِ، وَقِيلَ: الطرَفَيْنِ، لأنَّ الْخُلْعَ يكفى فيه اللفظُ من جانبٍ، والإعطاءُ من جانبٍ، وعلى هذا ففي الاكتفاءِ بأحَدِ شِقَّيِ العقدِ خلافٌ كبيعِ الأبِ ماله لولدِهِ؛ ولفظُ الشافِعِىِّ: يجوزُ أن يكونَ وكيلُ الزوجينِ واحداً، فمنهُم من أَجْرَاهُ على ظاهرهِ، ومنهُم من حملَهُ على ما إذا وَكَّلا؛ فيصْرَفُ لأحدِهما دونَ الآخر ذكرَهُ في البحر.
فَصْلٌ: الْفُرقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْع طَلَاقٌ، أي فينقص العددُ؛ لأنه لفظٌ لا يملكهُ غيرُ الزوج فوجبَ أنْ يكونَ طلاقاً كالطلاقِ، وَفِي قَوْلٍ: فَسْخٌ لَا يَنْقُصُ عَدَداً، لأنهُ فُرقة حصلَتْ بمعاوضةٍ فيكونُ فسخاً كشرائِهِ زوجتَهُ، وهذا القولُ هو المتصوَّرُ في الخلافِ واختارَهُ جماعةٌ من المتأخرينَ، فَعَلَى الأَوَّلِ لَفْظُ الفَسْخ كِنَايَة، كما لو استُعْمِلَ من غيرِ ذِكْرِ المالِ (23).
= جَعَلَ الله بِأيْدِيْهِمْ فَيَجْعَلُونَهُ بِأيْدِي النِّسَاءِ، بفِيْهَا التُّرَابُ بِفِيْهَا التُّرَابُ، فَمَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أرَاهَا وَاحِدَةً، وَهُوَ أحَقُّ بِهَا، قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ لَرَأَيْتُ أَنْكَ لَمْ تُصِبْ). رواه البيهقى في السنن الكبرى: كتاب الخلع والطلاق: باب ما جاء في التمليك: الأثر (15414).
(23)
عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: سَأَلَ إِبرَاهِيْمُ بْنُ سَعْدٍ ابْنَ عَبَّاسٍ؛ عَن امْرَأَةِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيْقَتْينِ؛ ثُمَّ اختلَعَتْ مِنْهُ؛ أَيَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (ذَكَرَ الله عز وجل الطلَاقَ فِى أَوَّلِ الآيَةِ وَآخِرَهَا، وَالْخُلْعُ بَيْنَ ذَلِكَ؛ فَلَيْسَ الْخُلْعُ بِطَلَاقٍ؛ ينْكِحُهَا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الخلع: الأثر (15233)، وقال: رواه أيضاً حبيب بن أبى ثابت وليث بن أى سُليم عن طاووس عن ابن عباس بمعناه مختصراً. وقال أيضاً: وليس في الباب أصح من حديث طاووس عن ابن عباس.
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أَنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْخُلْعَ تَطْلِيْقَة بَائِنَةً). قال البيهقي: تفرد به عباد بن كثير البصرى وقد ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري، وتكلم فيه شعبة بن الحجاج؛ وكيف يصح ذلك ومذهب ابن عباس وعكرمة بخلافه. على أنه يحتمل أن يكون المراد به إذا نوى به طلاقاً، أو ذكره =
وَالْمُفَادَاةُ كَخُلْع فِي الأَصَحِّ، لوُرُودِ القُرآنِ به، قال تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (24)، والثاني: أنهُ كنايةٌ، لأنه لم يتكرَّرْ في القُرْآنِ ولا شَاعَ في لسانِ حَمَلَةِ الشريعةِ.
وَلَفْظُ الْخُلْع صَرِيحٌ، لأنه تكرَّرَ على لسانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، وَفِي قَوْلِ: كِنَايَةٌ، لأنهُ لَمَّا كانَ كنايةَ فيهِ بغيرِ عِوَضٍ كان كنايةً فيهِ مع العِوَضِ كسائرِ كنايَاتِهِ، كذا وَجَّهَهُ الماورديُّ، ثم محِلُّ القولِ بصراحتهِ إذا ذُكِرَ المالُ؛ فإنْ لم يُذْكَر؛ فكنايةٌ على الأصحِّ، فَعَلَى الأَوَّلِ، أي وهو صراحةُ الْخُلْعِ، لَوْ جَرَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ وَجَبَ مَهْرُ مِثَلِ فِي الأصَحِّ، للعُرْفِ، والثاني: لا، لعدمِ الالتزامِ.
وَيَصِحُّ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَعَ النِّيَّةِ، أي سواء جعلناهُ طلاقاً أو فسخاً، وَبِالْعَجَمِيَّةِ، أي قطعاً ولا مجيءَ للخلافِ السابقِ في النكاح فيهِ، لانتفاءِ اللفظِ الْمُتَعَبَّدِ بهِ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكِ نَفْسَكِ بِكَذَا، فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُ فَكِنَايَة خُلْعٍ، أي سواء جعلناهُ فسخاً أو طلاقاً.
فَصْلٌ: وَإِذَا بَدَأَ بِصِيْغَةِ مُعَاوَضَةٍ كَطَلَّقْتُكِ أَوْ خَالَعْتُكِ بِكذَا، وَقُلْنَا الْخُلْعُ طَلَان، فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ، لأنه يأخذُ مالاً في مقابلةِ ما يخرُجُ عن مِلْكِهِ، فِيْهَا شَوْبُ تَعْلِيْقٍ، لأنَّ وقوعَ الطلاقِ تَرَتَّبَ على قَبُولِ المالِ أو بَذْلِهِ كما تَرَتَّبَ الطلاقُ المعلَّقُ بالشرطِ عليها، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا، لأنَّ هذا شَأْنُ أحكامِ المعاوضَاتِ.
وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا بلَفْظٍ غَيْرِ مُنْفَصِلٍ، كما في البيع وسائرِ العقودِ فيضرُّ الفصلُ الطويلُ والاشتغالُ بكَلامٍ آخرٍ، وقوله:(بِلَفْظٍ) ظاهرُهُ أنهُ لا يكفى إعطاؤُها المالَ من غيرِ لفظٍ، وهو ظاهرٌ على القولِ بعدمِ الاكتفاءِ بِالْمُعَاطَاةِ لكن صرَّحَ ابنُ الصَّبَّاغِ
= والمقصود منه قطع الرجعية. والله أعلم. انتهى. ينظر: السنن الكبرى: الأثر (15236).
في الأثر (15234) روى الشافعي عن سفيان بن عمرو بن عكرمة قال: كُلُّ شَىْءٍ أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بطَلَاقٍ.
(24)
البقرة / 229.
بالاكتفاءِ فيما إذا قالَ لهَا: أنتِ طالِقٌ على ألفٍ، فَلَوِ اخْتَلَفَ إِيْجَابٌ وَقَبُولٌ كَطَلقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ، وَعَكْسِهِ، أَوْ طَلَّقتُكِ ثَلَاثاً بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ فَلَغْوٌ، كما في البيع، وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ ثَلَاثاً بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِألْفٍ فَالأَصَحُّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ، لأنَّ قَبُولَهَا إنما يحتاجُ إليه للمال، وأصلُ الطلاقِ وعَدَدُهُ يستقلُّ بهِ الزوجُ، والثانى: وقوعُ واحدةٍ فإنها المقبولةٌ، والثالث: لا يقعُ شيءٌ كالبيع، وَوُجُوبُ أَلْفٍ، لأنَّ الإيجابَ والقَبُولَ تعلَّقَا بهِ، والثاني: يجبُ مهرُ المثلِ ويفسدُ العوضُ لاختلافِ الصيغةِ.
وَإن بَدَأَ بِصِيْغَةِ تَعْلِيقٍ كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا أَعْطَيْتِنِي فَتَعْلِيْقٌ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظَاً وَلَا الإِعْطَاءُ فِي المَجْلِسِ، أيْ بل مَتَى وجدَ الإعطاءَ طُلِّقَتْ.
وَإِنْ قَالَ: إِن أَوْ إِذَا أَعْطَيْتِنِي فَكَذَلِكَ، أي فلَا يُشترطُ القبولُ لفظاً، ولا رجوعَ للزوج قبل الإِعْطَاءِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ إِعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ، لأنَّ ذِكْرَ العِوَضِ قرينةٌ تقتضى التعجيلَ، وإنما تُرِكَتْ هذه في نحو مَتَى؛ لأنها صريحةٌ في جوازِ التأخيرِ شاملةٌ لجميع الأوقاتِ، وإنْ وإذَا بخلافِها، قال المتولِّى: واشتراطُ التعجيلِ خَاصٌّ بالْحُرَّةِ دونَ الأَمَةِ.
فَرْعٌ: المرادُ من المجلسِ؛ مجلسُ التَّوَاجُبِ؛ وهو ما يرتبطُ به القبولُ بالإيجابِ دونَ مكانِ العقدِ، ذكرَهُ الرافعيُّ في الْمُحَرَّرِ وأهملَهُ المصنِّفُ.
فَائِدَةٌ: في فتاوى ابن الصَّلاحِ: أنهُ إذا قالَ: إنْ وهبتِني صَداقَكِ وهو في ذمَّتِهِ فأنتِ طالقٌ طلقةً رجعيَّةً؛ فقالَتْ في غيرِ ذلكَ المجلسِ: أَبْرَأْتُكَ تُطَلَّقُ، قال: ولا يعتبرُ في هذا ما يعتبرُ في مثلهِ في الْخُلْعِ.
وَإن بَدَأَتْ بِطَلَبِ طَلَاق فَأَجَابَ، فَمُعَاوَضَة، لأنها تملكُ الْبُضْعَ بما يبذلهُ من العِوَضِ، مَعَ شَوْبُ جَعَالَةٍ، لأنها تبذلُ المالَ في مقابلةِ ما يستقلُّ به الزوجُ وهو الطلاقُ، فإذا أتَى به وقعَ الموقعُ وحصلَ غرضُها كما إنَّ في الْجَعَالَةِ يَبْذُلُ الْجَاعِلُ على المالِ في مقابلةِ ما يستقلُّ العاملُ بهِ في وقوعهِ الموقعَ ويحصلُ الغرضُ، فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ، لأنَّ هذا حكمُ الْمُعَاوَضَاتِ والْجَعَالَاتِ جميعاً.
وَيُشْتَرَطَ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ، جرياً على قاعِدَةِ التَّعليقاتِ، وَلَوْ طَلَبَتْ ثَلَاثاً بِأَلْفٍ، أيْ وهو يملكُ عليها الثلاثَ، فَطَلَّقَ طَلْقَةً بِثُلُثِهِ، فَوَاحِدَةٌ بِثُلثِهِ، أي سواء أعادَ ذِكْرَ المالِ أو اقتصرَ على الطلاقِ قياساً على ما لو قالَتْ: رُدَّ عبيدى ولكَ ألْفٌ فَرَدَّ أحدَهُمْ، وليس كما قالَ الزوجُ ابتداءً: طَلَّقْتُكِ ثلاثاً على ألفٍ، فقالت: قَبِلْتُ واحدةً بثُلُثِ الألفِ؛ فإنهُ لا يقعُ الطلاقُ، لأنَّ الخُلْعَ من جانِبِها معاوضةٌ مشبَّهةٌ بالجَعَالَةٍ، ومن جانبهِ تعليقٌ فيه شائبةُ المعاوضاتِ؛ ومن شَرْطِ الوقوعِ بالتعليقِ حصولُ الصفةِ المعلَّقِ عليها، ومن شَرْطِ المعاوضةِ توافُقُ الإيجابِ والقبولِ؛ ولم يتحقَّقْ واحدٌ من الشرطينِ، نَعَمْ: لو قبلَتْ واحدةً بألْفٍ وقعَتْ طلقةً على الأصحِّ، أما إذا لم يملك عليها إلاّ واحدة فسألتهُ أنْ يطلِّقَها ثلاثاً فطلقَ واحدة، استحق جميعَ الألفِ على الأصحِّ المنصوصِ كما سيأتِي.
فَصْلٌ: وَإِذَا خَالَعَ أَوْ طَلَّقَ بِعِوَضٍ فَلَا رَجْعَةَ، أي سواء كان العوضُ صحيحاً أمْ فاسداً جعلناهُ فسخاً أم طلاقاً؛ لأنها بذلَتِ المالَ لتملِكَ البُضْعَ فلا يملكُ الزوجُ ولايةَ الرجوع إلى البُضع، كما أن الزوجَ إذا بَدَّلَ المالَ صداقاً لتملُّكِ البُضع لا يكونُ للمرأةِ ولايةَ الرجوعِ إلى البُضعٍ، فَإِنْ شَرَطَهَا، أيْ بأنْ قالَ: خَالَعْتُكِ أو طَلَّقْتكِ بكذا على أنَّ لي عليكِ الرجعةً، فَرَجْعِيٍّ وَلَا مَالَ، لأنَّ شرطَ المالِ والرجعةِ مُتَنَافِيَانِ فيسقطانِ؛ ويبقى مجرَّدُ الطلاقِ وقضيتهُ ثبوتُ الرجعةِ، وَفِي قَوْلٍ: بَائِنٌ بِمَهْرِ مِثْلٍ، لأنَّ الخُلْعَ لا يفسدُ بفسادِ العوضِ كالنكاحِ، ورجَّحَ المعظمُ القطعَ بهِ كما نبَّهَ عليه الرافعيُّ.
فَرْعٌ: لو خالعَها بعوضٍ، على أنهُ متى شاءَ ردَّهُ وكان لهُ الرجعةُ، فالنصُّ فسادُ الشرطِ وحصولُ البينونَةِ بمهرِ المثلِ، فقيلَ بطردِ الخلافِ المتقدِّمِ، والمذهبُ الجزمُ بالمنصوصِ، لأنهُ رَضِيَ بسقوطِ الرجعةِ هُنا ومتَى سقطَتْ لا تعودُ.
وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْنِي بِكَذَا وَارْتَدَّت فَأَجَابَ، إِنْ كَان قَبْلَ دُخُول أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ وَلَا مَالَ، لانقطاعِ النكاحِ بالرِّدَّةِ، وَإِنْ
أَسْلَمَتْ فِيْهَا طُلِّقَتْ بِالْمَالِ، أي تبيناً وإنْ أصرَّتْ إلى انقضائِها فكما تقدَّمَ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيْرِ بَيْنَ إِيْجَابٍ وَقَبُولٍ، أي سواء كانَ الكلامُ من الرجُلِ أو من المرأَةِ، لأنَّ الكلامَ اليسيرَ لا يُعَدُّ قَائِلُهُ في العُرْفِ مُعْرِضاً عمَّا هُو فيهِ، وفي هذا تعارضٌ فَرَاجِعْهُ من الأصلِ.
فَصْلٌ: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْكِ أوْ وَلِي عَلَيْكِ كَذَا، وَلَمْ يَسْبِق طَلَبُهَا بِمَالٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا؛ قَبِلَتْ أَمْ لَا وَلَا مَالَ، لأنهُ أوقَعَ الطلاقَ مجاناً ثم استأنَفَ الإخبارَ عن إيجابِ العِوَضِ من غيرِ طلاقٍ فَأَشْبَهَ ما لو قالَ: وَعَلَيْكِ حَجٍّ، وهذا بخلافِ قولِها: طَلِّقْنِي وَلَكَ عَلَىَّ ألفٌ؛ فأجابَها؛ فإنَّهُ يقْعُ بائِناً بالألفِ، لأنَّ المتعلِّقَ بها من عقدِ الخُلْع الالتزامُ فيحملُ لفظُها عليهِ، والزوجُ ينفردُ بالطلاقِ فإذا لم يَأْتِ بصيغةِ المعاوضةِ حُمل كلامُهُ على ما ينفردُ بهِ، وصيغتهُ خَبَرُهُ، فَإن قَالَ: أَرَدْتُ مَا يُرَادُ بِطَلَّقْتُكِ بِكَذَا، وَصَدَّقَتْهُ فَكَهُوَ فِي الأصَحِّ، أيْ فَتَبِيَّنُ بالألفِ؛ لأنَّ ذلكَ لا ينحطُّ عن الكناياتِ في اقتضاءِ العوضِ، والثاني: لا يؤثر توافقُهُما؛ لأنَّ اللفظَ لا يصلحُ للالتزامِ، وِإنْ سَبَقَ، أي الطلبُ منها، بَانَتْ بِالْمَذْكُورِ، لأنهُ لو اقتصرَ على قولهِ طَلَّقْتُكِ كان كذلك، فقولهُ وَعَلَيْكِ ألْفٌ؛ إنْ لم يكن مؤكَّداً لا يكونُ مانعاً.
وَإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكِ كَذَا، فَالْمَذْهَبُ أَنَّه كَطَلَّقْتكِ بِكَذَا، فَإِذَا قَبِلَتْ بَانَتْ وَوَجَب الْمَالُ، لأنَّ (عَلَى) للشرطِ فجعل كونه عِوَضٌ عليها شرطاً فإذا ضمنتْها في الحالِ وقعَ الطلاقُ، وجرى ذلك مجرَى قولهِ: أنتِ طالقٌ على ألفٍ، فإنها إذا ضمنتها في الحالِ وقعَ الطلاقُ، قال الرافعىُّ: وهذا ما نصَّ عليهِ، وهو المذكورُ في المهذبِ وغيره، والاعتمادُ عليهِ، وقال المصنفُ في أصلِ الروضةِ بدل هذا قطعَ به صاحبُ المهذبِ وسائرُ العِرَاقِيِّيْنَ، فلذلكَ عبَّرَ هُنا بالمذهبِ، ومقابلهُ قولُ الغزاليِّ: يقعُ الطلاقُ رجعيًّا ولا مالَ، لأنَّ الصيغةَ صيغةُ شرطٍ، وَالشَّرْطُ فِي الطَّلَاقِ يَلْغُوا إذَا لَمْ يَكُن مِنْ قَضَايَاهُ، كما لو قال: أنتِ طالقٌ على أنْ لا أتزوَّجَ بعدَكِ، قال: فإنْ فَسَّرَ بالالتزامِ ففي قبولهِ وجهان، قال صاحبُ التقريبِ: لا وغيرهُ نَعَمْ.
وَإِنْ قَالَ: إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفاً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَمِنَتْ فِي الْفَوْرِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا
الألْفُ، كما قدَّمْنَا في قولهِ إِنْ أَعْطَيْتِني، وَإِنْ قَالَ: مَتَى ضَمِنْتِ؛ فَمَتَى ضَمِنَتْ؛ طُلِّقَتْ، لأنَّ هذا اللفظَ صريحٌ في التراخى ونصٌّ عليهِ لا يحتملُ سواهُ، بدليل ما لو قالَ: متَى أعطيتِني الساعةَ كانَ مُحَالاً، وما كان كذلك فلا يتعيَّنُ بالقرائنِ أيْ لأنَّ النصَّ لا يتبدَّلُ معناهُ ولا ينقسِمُ مقتضاهُ، وهذا بخلافِ جانبٍ المرأةِ فإنها لو قَالَتْ: متى طلقتَني فَلَكَ ألفٌ عَلَيَّ اختصَّ الجوابُ بمجلسِ التجاوبِ، وفرَّقَ الغزاليُّ بينَهُما: بأنَّ الغالبَ على جانبهِ التعليقُ وعلى جانبِها المعاوضةُ.
وَإنْ ضَمِنَتْ دُوْن الأَلْفِ لَمْ تُطَلَّقْ، لعدم وجود الصيغة المعلق عليها، وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلفَيْنِ طُلِّقَتْ، لوجودِ الصيغةِ مع زيادةٍ بخلافِ قولهِ طلقتُكِ على ألفٍ؛ فَقَالَتْ: قَبِلْتُ بألفَيْنِ، لأنَّ تلكَ الصيغةَ معاوضةٌ فيشترطُ فيها توافقُ الإيجابِ والقبولِ.
وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِى نَفْسَكِ إِن ضَمِنْتِ لِي أَلْفاً، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ وَضَمِنْتُ أَوْ عَكْسُهُ، أي ضمنتُ وطلقتُ، بَانَتْ بِأَلْفٍ، لوجودِ العوضِ والشرطِ، فَإنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا، أي ضمنَتْ ولم تطلَّقْ أو طلّقَتْ ولم تضمَنْ، فَلَا، لأنَّهُ فوَّضَ إليها التطليقَ في المجلسِ، وجعلَ لهُ شرطاً فلا بُدَّ من التطليقِ والشرطِ.
تَنْبِيْهٌ: المرادُ بالضمانِ في هذه المسائلِ القبولُ والالتزامُ لا العقدُ المعروفُ.
فَصْلٌ: وَإذَا عَلَّقَ بإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طُلِّقَتْ، لأنهُ إعطاءٌ عُرْفاً، قال في التتمة: وكذا لو قالت لوكيلِها: سَلِّمْهُ إليهِ؛ وبه أفتَى ابنُ الصلاحِ، وَالأصَحُّ دُخُولُهُ فِى مِلْكِهِ، لأنَّ التعليقَ يقتضِى الوقوعَ عندَ الإعطاءِ لا مجاناً، فإذا ملكَتِ العوضَ بوقوعِ الطلاقِ اقتضَتِ الضرورةُ دخولَ العرضِ في مِلْكِ الزَّوْج، والثانى: لا؛ لأنَّ حصولَ الْمِلْكِ من غيرِ لفظِ تمليكٍ من جهتِها بعيدٌ، فَيُرَدُّ الْمُعْطَى ويُرجع إلى مهرِ المثلِ.
وإنْ قَالَ: إِنْ أَقْبَضْتنِي، فَقِيْلَ: كَالإِعْطَاءِ، أيْ على ما ذكرناهُ فيهِ، لأنَّ ذِكْرهُ يُشْعِرُ بقصدِ تحصيلهِ، وَالأَصَحُّ كَسَائِرِ التَّعْلِيْقِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلإِقْبَاضِ
مَجْلِسٌ، لأنَّ الإقباضَ لا يقتضِى التمليكَ بخلافِ الإعطاءِ وخصَّهُ أنهُ في التَّتِمَّةِ: إذا لم يسبِقْ منهُ كلام يدُلُّ على الإعتياضِ، فأمَّا إذا قالَ إنْ أقبضتِني ألفاً وجعلْتِهِ لي أو لأَصْرِفَهُ في حوائِجى وما أشبهَ ذلكَ فأنتِ طالقٌ فهو كالإعطاءِ، قال في الروضةِ: وهو متعيِّنٌ، قُلْتُ: وَيقَعُ رَجْعِيًّا، كما لو قالَ: إنْ دخلْتِ الدارَ.
ويشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا، ولا يكفي الوضعُ بينَ يديهِ؛ لأنهُ لا يسمَّى قبضاً، ولو بعثَتْهُ مع وكيلِها لم يكْفِهِ، لأنهُ ما قبضَ منها. وما ذكرتُهُ في الوضع هو ما صرَّحَ بهِ الغزاليُّ وتبعَهُ الرافعىُّ لكن قال في النهايةِ: إنهُ يكفى الوضعُ بين يديهِ كالإعطاءِ، وَلَوْ مُكْرَهَةً، وَالله أَعْلَمُ، لوجودِ الصفةِ، قال في المطلبِ: وهذا إذا ما قلنا إنَّ ذلكَ لا يُثْبِتُ الْمِلْكَ كما قيَّدَهُ الإمامُ، أما إذا قلنا: إنهُ يُثْبِتُهُ؛ فيشبهُ أنْ لا يقعَ، وَاعْلَمْ: أنَّ ما ذكرَهُ المصنّفُ إنما فرضَهُ الرافعىُّ في القبضِ ولا يَتَأَتى في الإقباضِ، لأنَّ الإقباضَ بالإكراهِ الملغيِّ شرعاً لا اعتبارَ بهِ.
تَنْبِيْهٌ: ينعطفُ على ما مضَى وهو أن ما صحَّحَهُ المصنِّفُ في قولهِ: (إِنْ أقْبَضْتِنِى) موافقٌ لما صحَّحَهُ في الروضةِ في أثناءِ المسألةِ الخامسةِ؛ وقال قبلَها ما نصُّهُ: الرابعة سَبَقَ أنهُ إذا علَّقَ الطلاقَ بالإعطاءِ لا يقعُ إلَاّ في المجلِسِ على الصحيح، إلَاّ إذا كان بصيغةِ مَتَى وما في معنَاهَا فلا يختصُّ بالمجلسِ وكلُّ ذلكَ جارٍ في قوله إِنْ أَقْبَضْتِنِي، كذا وإِنْ أَدَّيْتِ إِلَىَّ. هَذَا لَفْظُهُ فَتَأَمَّلْهُ.
وَلَوْ عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ عَبْدٍ وَوَصَفَهُ بصِفَةِ سَلَمٍ فَأَعْطَتْهُ لَا بِالصِّفَةِ لَمْ تُطَلَّق، لعدم وجُودِ المعلَّقِ عليهِ، أَوْبِهَا مَعِيْباً فَلَهُ رَدُّهُ، لأنَّ الإطلاقَ يقتضِى السلامةَ، وَمَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: قِيْمَتُهُ سَلِيْماً، الخلافُ مبنيٌّ على أنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ في يدِ الزوجةِ مضمونٌ ضمانَ عقدٍ، وفي قولٍ: ضمانَ يدٍ وقد تقدَّمَ.
وَلَوْ قَالَ عَبْداً طُلِّقَتْ بِعَبْدٍ، أيْ كبيراً كان أو صغيراً، مدبرًا أو مُعلقاً عتقهُ بصفةٍ، مُسْلِماً كان أو كافراً، سليماً أو معيباً لوجودِ الصفةِ المعلَّقِ عليها، ولا يملكُهُ لجهالتِهِ فيجبُ مهرُ مثلٍ كما صرَّحَ بهِ المصنِّفُ بعدُ حيثُ قالَ:(وَلَهُ مَهْرُ مِثْلٍ)، إِلَاّ
مَغْصُوبًا فِي الأصَحِّ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلٍ، لأنَّ الإعطاءَ يَنْبَنِى على ما يقدِرُ على تمليكهِ، والثاني: يقعُ ويرجعُ بمهرِ المثلِ لحصولِ الاسمِ؛ ولأن الرجوعَ إلى مهرِ المثلِ فلا معنَى لاشتراطِ المِلْكِ.
فَرْعٌ: المشتركُ والمرهونُ والمستأجَرُ والمكاتَبُ إذا لم يَحُزْ بيعُهُ كالمغصوبِ.
فَصلٌ: وَلَو مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ؛ فَقَالَت: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِألفٍ؛ فَطَلَّقَ الطلْقَةَ؛ فَلَهُ أَلفٌ، لأنهُ حصلَ بها مقصودُ الثلاثِ وهو الحُرْمَةُ الكُبرَى وهذا ما نصَّ عليهِ، وَقِيلَ: ثُلُثُهُ، كما في الجَعَالَةِ، وَقِيلَ: إِن عَلِمَتِ الحَالَ فَأَلفٌ وِإلَّا فَثُلُثُهُ، قال ابن سُريج وأبو إسحاق: وفيه وجه رابع: أنهُ يستحقُّ مهرَ المثلِ، وخامسٌ: أنهُ لا يستحِقُّ شيئًا؛ لأنهُ لم يطلِّق كما سألَت.
وَلَو طَلَبَتْ طَلقَةً بِأَلفٍ فطَلقَ بِمِائَةٍ وَقَعَ بِمِائَةٍ، لأنهُ رَضىَ بهذا القدرِ وطلقَ عليهِ، وَقِيلَ: بِأَلْفٍ، لأنها بَانَتْ بقولهِ طَلَّقتكِ واستَحَقَّ الألفَ، وَقِيْلَ: لَا تَقَعُ، للمخالفةِ كما لو خالفَتْ في قبولها.
فَرْعٌ: لو قالَت: طلّقْنِي واحدةً بألفٍ؛ فقالَ: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا، وقعَ الثلاثُ واستحق الألفَ، ولو أعادَ ذِكْرَ الألفِ؛ فقال: أنتِ طالق ثلاثًا بألفٍ، فكذلك على الأظهرِ ذكرَهُ الرافعيُّ في المُحَرَّرِ في بعضِ النسخِ الصحيحة.
وَلَو قَالَت: طَلِّقْنِي غَدًا بأَلْفٍ؛ فَطَلَّقَ غَدًا أو قَبلَهُ بَانَت، لأنهُ إن طَلَّقَ في الغَدِ فقد حصلَ مقصودُها، وإنْ طلَّقَ قبلَهُ فقد زادَها كما لو سألَتْ طَلْقَة فطلَّقَ ثلاثًا، بِمَهرِ مِثْلٍ، وَقِيلَ: فِي قَولٍ بِالْمُسَمَّى، أشارَ المصنفُ بهذا إلى حكايَةِ طريقين؛ أصحُّهُما: القطعُ بالأوَّلِ، والثاني: حكايةُ قولين؛ أحدُهما: مهرُ المثلِ، والثاني: المسمَّى؛ كالقولينِ فيما إذا خَالَعَ على خمرٍ أو مغصوبٍ، وهل يفرقُ بين أنْ يطلقَها عالِمًا ببطلانِ ما جَرَى وبينَ أن يطلِّقَها جاهلًا ببطلانِهِ، قال القاضي حُسين: يفرق؛ ولا يلزَمُها شئٌ إذا طلَّقَها عالِمًا بل يقعُ رجعيًّا، وضعَّفَهُ الإمامُ واستشهدَ بالخُلْع على الخمرِ وسائرِ الأعواضِ الفاسدةِ؛ فإنه لا فرقَ في ثبوتِ المالِ بين العِلْمِ والجهلِ.
فَرْعٌ: لو طلَّقَها بعد مُضِيّ الغَد يُعَدُّ رجعيًّا، لأنهُ خالفَ قولَها فكانَ مُبْتَدِئًا، فإن ذَكَرَ مالًا اشْتُرِطَ في وُقُوعِهِ القَبُولُ.
وَإن قَالَ: إِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنتِ طَالِقٌ بِأَلفٍ فَقَبلَتْ وَدَخَلَت طُلِّقَت عَلَى الصَّحِيح، لوجودِ المعلَّقِ عليهِ، والثانى: لا يطلق؛ لأنَّ المعاوضاتِ لا تقبلُ التعليقَ فيمتنعُ بثبوتِ المالِ، وإذا لم يثبُتْ لم يطلق لارتباطهِ بالمالِ، وقولهُ:(فَقَبِلَتْ) يؤخذُ منه اشتراطُ القَبُولِ على الاتصَالِ، وفيه احتمال للقفالِ: أنها بالخيارِ بينَ أنْ تقبلَ في الحالِ أو عندَ وجُودِ الصفةِ، بِالمُسَمَّى، أي ويجوزُ الاعتياضُ عن الطلاقِ المعلَّقِ كما يجوزُ عن المُنَجَّزِ، وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ: بِمَهْرِ مِثْلٍ، لأن المعاوضاتِ لا يجوزُ تعليقُها، فيؤثرُ في فسادِ العوضِ، ولا يؤثِّرُ في الطلاقِ لقوَّتهِ وقبوله التعليقَ، وإذا فسدَ العوضُ وجبَ مهرُ المثلِ.
فَصْلٌ: ويصحُّ اختلَاعُ أَجْنَبِيّ وَإِن كَرِهَتِ الزوْجَةُ، كالتزامِ المالِ بعتقِ السَّيِّد عبدَهُ، وقد يكونُ له فيه غرضٌ، هذا إذا قُلنا: إِنَّ الخُلعَ طلاقٌ، فإذا قُلنا: هو فسخ لم يصحَّ؛ لأن الزوجَ لا ينفردُ بهِ بلا سببٍ، ولا يجيءُ هذا الخلافُ إذا سألَهُ الأجنبيُّ الطلاقَ؟ فأجابَهُ، لأنَّ الفُرقَةَ الحاصلَةَ عند استعمالِ الطلاق طلاقٌ قطعًا، وَهُوَ كاَختلَاعِهَا لَفْظًا وَحُكْمًا، أي فهو من جانبِ الزوج معاوضةٌ فيها معنَى التعليقِ، ومن جانبِ الأجنبىِّ معاوضة فيها شوبُ جَعَالَةٍ، فلو قال الأجنبي: طلقتُ امرأَتِي وعليكَ كذا طُلِّقَت رجعيًّا ولا مالَ، ولو قال أجنبيٌّ: طلقها وعليَّ ألفٌ أو لكَ ألفٌ فطلقَ وقعَ بائنًا ولزمَهُ المالُ، ولو اختلعَها عبدٌ كان المالُ في ذِمَّتِهِ كما لو اختلعَتْ أمَة نفسَها، وإنِ اختلعَها سفيهٌ وقعَ رجعيًّا كما لو اختلعَت سفيهةٌ نفسَها، وَلوَكِيلِهَا أَن يَخْتَلِعَ لَهُ، وَلأجْنَبِيٍّ تَوْكِيْلُهَا فَتَتخَيَّرُ هِيَ، أيْ يجوزُ أنْ يكونَ الأجنبي وكيلًا بالاختلاع من جهةِ الزوجةِ، وحينئذٍ فهو بالخيارِ بينَ أنْ يختَلِعَ استقلالًا وبينَ أنْ يختلِعَ بوكالةٍ عنها، ويجوزُ أنْ يوكِّلَ الأجنبيُّ الزوجةَ فحينئذٍ تتخيَّرُ هي.
وَلَوِ اختَلَعَ رَجُلٌ وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا كَاذِبًا لم تُطَلّق، لأنهُ مربوطٌ بالمالِ وهو لم
يلتزِم في نفسِه، فأشبَهَ ما إذا خاطَبَها فلم تَقْبَلْ، وَأبوهَا كَأَجْنَبِيٍّ فَيَخْتَلِعُ بِمَالِهِ، أي صغيرةً كانت أو كبيرةً، فَإن اخْتَلَعَ بِمَالِهَما وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ لم تُطَلَّق، كما لو بَانَ كَذِبُ مُدَّعِى كَذِبَ الوكالةِ في الاختلاع، فإنْ لم يتعرَّض لهُما فرجعِيٌّ على الأصحِّ، أَوْ بِاسْتِقْلَالٍ فَخُلْع بِمَغْصُوبٍ، أيْ وإنِ اختلَعَ بمالِها مصرِّحًا بالاستقلالِ فهو كالاختلاع بمغصوبٍ، فيقعُ الطلاقُ بمهرِ المثلِ على الأظهرِ وبِبَذْلِ المسمَّى في قولٍ.
فَصلٌ: اِدَّعَتْ خُلْعًا فأَنْكرَهُ؛ صُدِّقَ بِيَمِيْنهِ، إذِ الأصلُ بقاءُ النكاح وعدمُ الْخُلع، وَإن قَالَ: طَلقتكِ بِكَذَا، فَقَالَتْ: مَجَانًا بَانَتْ، أيْ بإقرارِهِ، وَلَا عِوَضَ، لأن الأصلَ براءَةُ ذِمَّتِهَا وعدمُ تطليقِهِ على العوضِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي جنْسِ عِوَضِهِ أَوْ قَدْرِهِ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا، كَالْمُتَبَائِعِيْنِ، وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ، لأنهُ تعذرَ رَدُّ البُضْع إليهِ فرجعَ إلى بدلِهِ وهو مهرُ المثلِ، كما لو وقعَ التحالُفُ بعد تَلَف المبيع، ثم القولُ في أنَّ الفسخَ يحصلُ بالتحالف أو يفسخ إنْ أصَرَّ على النزاعِ، وفي كيفيَّةِ اليمينِ ومن يبدأ بهِ على ما تقدَّمَ في الصَّدَاقِ وَالْبَيْع، وقوله:(وَلَا بَيِّنةَ) يحترزُ بهِ عمَّا إذا أقامَ كُلُّ واحدٍ منهُما بَيِّنَةً على ما يقولهُ فإنهُ إن كانَ الاختلافُ في غيرِ عَدَدِ الطلاق فَتَتَهَايَرُ البَيِّنَتَانِ؛ أو فيهِ فَإِنْ أَرّختِ البَيِّنَتَانِ واتفَقَ الوقتُ تَحَالَفَا، وإنِ اختلَفَا فالتي هى أَسْبَقُ تَارِيخًا أَوْلى، وَلَو خَالَعَا بَأَلفٍ وَنَوَيَا نَوْعًا لَزِمَ، أيْ بخلافِ البيع والحالة هذهِ؛ لأنهُ يُحتَمَلُ في الخُلْع ما لا يُحْتَمَلُ في الْبَيْع ولذلك يحصلُ المِلْكُ بالإعطاءِ بخلافِ البيع، وَقِيلَ: مَهرُ مِثل، لفسادِ التسميَةِ كما يفسدُ البيعُ، وَلَو قَالَ: أَرَدْنَا دَنَانِيْرَ، فَقَالَتْ: بَل دَرَاهِمَ أَوْ فلُوسًا تَحَالَفَا عَلَى الأوَّلِ، لأنهُ نزاعٌ في جنس العِوَضِ فأشبهَ ما لو اختلَفَا فيما سمياهُ، وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْل بِلَا تَحَالُفٍ فِي الثانِي، وَالله أَعْلَمُ، لأنَّ هذا نزاعٌ في النيّةِ والإرادَةِ ولا مُطلِعَ عليهَا، وإذا امتنعَ التحالفُ ووقعَ الاختلافُ صارَ العوضُ مجهولًا فيجبُ الرجوعُ إلى مهرِ المثلِ، ومَنْ قالَ بالأوَّلِ قد يحصلُ الاطلاعُ على قَصْدِ الغيرِ وإرادتِهِ بالأمَارَاتِ والقرائِنِ.