الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطلاق
الطلَاقُ: هُوَ لُغَة؛ حَلُّ الْقَيْدِ وَالإطلَاقُ، وَمِنْهُ نَاقَةٌ طَالِقٌ. وَشَرْعًا: اسْم لِحَلِّ عَقْدِ النِّكَاح فَقَط. وَالأصْلُ فِيْهِ الكِتَابُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (25)، وَمِنَ السُّنة مَا سَيَأتِي، وَأجمَعَ المسلِمُونَ عَلَى أصْلِهِ.
يُشتَرَطُ لِنُفُوذِهِ التَّكلِيفُ، أي فلا يقعُ طلاقُ الصبيِّ والمجنونِ تَنْجِيْزًا وتَعلِيقًا، لأنَّ عِبَارَتَهُما غيرُ مُعتبرَةٍ في البيع والنكاح وغيرِهما من العقودِ، إِلا السَّكْرَان، أي فيقعُ طلاقهُ وإن كانَ غيرَ مُكَلّفٍ، كذا ذكرَهُ هُنا وفي الروضةِ، وعَزَى كونَهُ غيرَ مكلفٍ إلى قولِ أصحابِنا وغيرهم في كتبِ الأصولِ، قال: ولكن مرادُ أهلِ الأصولِ أنهُ غيرُ مُخَاطَب بهِ حَالَ السُّكرِ، ومُرَادُنَا هنا أنهُ مُكَلفٌ بقضاءِ العبادَاتِ بأمرٍ جديدٍ، انتهى، وظاهرُ هذا الكلامِ أنَّ الإيرادَ مندفعٌ فلا حاجَةَ إلى استثنائِهِ أيضًا فقد نصَّ القاضي حُسين والجويني والبغوي على أنه مكلفٌ؛ بل نصَّ عليه إمَامُنَا في الأمِّ.
ويقَعُ بِصَرِيْحِهِ بِلَا نِيَّةِ وَبِكِنَايَةٍ بنِيَّةٍ، للإجماع، فَصَرِيحُهُ الطلَاقُ، بالإجمَاع، ويُستثنَى من ذلكَ مسألةُ الأعجميِّ الآتية فإنهُ ليسَ صريحًا فيهِ، وَكَذَا الفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِوُرُودِهِمَا في الشَّرع وتكررهِمَا في القُرآنِ بمعنَى الطلاقِ، والثاني: أنهُما كِنَايَتَانِ لاستعمالِهما فيهِ وفي غيرهِ كالحَرَامِ.
(25) البقرة / 229.
فَرْعٌ: أسلَمَ كافرٌ على أكثرِ من أربع نسوةٍ، فقالَ لإحداهُنَّ: فارَقتك، فالأصح: أنهُ فسخٌ.
فَرْعٌ: صريحُ لفظ الطلاقِ عندَ الإكراهِ كناية كما سَتَعلَمُهُ في موضعِهِ.
فَرْعٌ: في صراحةِ لفظِ الْخُلْع ما مرَّ في بابهِ، قالهُ في المُحَرُّرِ وأهملَهُ المصنِّفُ.
كَطَلَّقتكِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ، وَمُطَلّقَة، أي بتشديد اللامِ، ويا طَالِقُ، هذه أمثلة للصريح، لَا أَنتِ طَلَاقٌ وَالطلَاقُ فِي الأصَحِّ، أي بل هما كنايتان، لأن المصادِرَ غيرُ موضوعة للأعيانِ، وتُسْتَعْمَلُ فيها على سبيل التوَسُّع، والثاني: أنهُما صريحَانِ كـ (يا طَالِقُ) والخلافُ جارٍ في أَنتِ طَلِقَةٌ، ولو قال: نِصْفُ طَلْقَةٍ فكناية أيضًا، وذكَرَ في التهذيبِ: أن قَولَهُ لَك طَلْقَة صريحٌ، وأنَّ أنتِ نِصْفُ طالِقٍ كقولهِ نصفُك طَالِقٌ، ووقعَ في الروضةِ بخطِّهِ كل طلقة بدلُ لك طلقة، وَتَرجَمَةُ الطْلَاقِ بِالعَجمِيَّةِ صَرِيْح عَلَى الْمَذْهَبِ، لشهرَةِ استعمالِها في معناها عندَ أهلِ تلكَ اللغَاتِ كشهرَةِ العربيَّةِ عندَ أهلِها، وقيل: وجهانِ، ثانيهِما: أنهُ كناية، لأن اللفظَ الوارِدَ في القُرآنِ هو العربيُّ، قال الرافعيُّ: ولم يورِد أكثرُهم سِوَى الأوَّلِ، فلذلكَ رجَّحَ المصنِّفُ في أصلِ الروضةِ القطعَ بهِ، ثم حكَى طريقَةَ الوجهينِ فَتَبِعْتُهُ. وترجَمةُ الفِرَاقِ وَالسَّرَاح فيهِما الخلافُ، لكن الأصح هنا أنها كناية قالهُ الإمامُ والروياني، لأن تَرْجُمَتَهُمَا بعيدة عن الاستعمالِ كذا في أصلِ الروضةِ، ومقتضى ما في المُحَرر أنهُما صريحَانِ ولذلك عبَّرَ هنا بالطلاقِ لِيُدْخُلَ ترجمتَهُما فيهِ، وَأَطْلَقتكِ وَأَنتِ مُطْلَقَة، أي بإسكانِ الطاءِ فيهما، كِنَايَة، لعدمِ اشتهارِهِ، وَلَو اشْتَهَرَ لَفظ لِلطلَاقِ كَالحَلَالِ أَوْ حَلَالُ اللهِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أيْ وكذا أنتِ علَىْ حرامٌ، فَصَرِيح فى الأصَحِّ، لِغَلَبَةِ الاستعمالِ وحُصُولِ الفَهمِ، قُلْتُ: الأصَحُّ أَنهُ كِنَايَة، وَالله أعلَمُ، لأنها لم تَتَكَرَّرْ في القُرآن ولا على لِسَانِ حَمَلَةِ الشريعةِ فأشبهَتْ سائِرَ الألفاظِ، قلْتُ: وهو المنصوصُ في الأمِّ كما أفادَهُ في المطلبِ، وقال الرويانيُّ: كان القفالُ يقولُ إذا استُفتِىَ عن هذه المسألةِ: إذا سمعْتَ غيرَكَ قالَ لامرأتِهِ هذا ما كُنْتَ تَفْهَمُ منهُ؛ فإنْ فهمْتَ منهُ الصريحَ فهو صريحٌ لكَ، قال الروياني: وهو اختيارُ الأستاذِ أبى إسحاق وبهِ يُفتي كثيرٌ من مشايِخِ
خُرَاسَانَ، واحترزَ المصنِّفُ بقولهِ:(اشْتَهَرَ لَفْظٌ) عن البلادِ الذي لم يشتهِرْ فيها هذا اللفظُ للطلاقِ؛ فإنهُ كناية في حق أهلِها قطعًا.
وَكِنايَتُهُ كَأَنتِ خَلِيةٌ، أي من الزوج فَعِيلَةَ بمعنى فَاعِلَةٌ، بَرِيَّةٌ، أي منهُ أيضًا، بَتْةٌ، أي مقطوعةُ الوصلةِ، بَتْلَةٌ، أي متروكَةُ النكاح، بَائِنٌ، أي مفارقة، اعتَدي إستَبرِئي رَحِمَكِ، أي لأنِّي طَلّقتكِ، إِلحَقِي بِأَهْلِكِ، أي لأني طَلَّقتكِ، حَبلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، أي خَلَّيْتُ سَبِيلك كما يُخلى البعيرُ في الصحراءِ ويترَكُ زِمَامُهُ على غَارِبِهِ وهو ما تقدَّمَ من الظَّهرِ وارتفعَ من العُنُقِ ليرعَى كيفَ شاءَ، لَا أَندَهُ سَربكِ، وهو بفتح السين وإسكان الراء، وأَندَهُ: معناهُ أزْجُرُ، والسَّرْبُ: الإبِلُ وما يرعَى من المالِ، فكأنهُ قالَ تَرَكتكِ لا أَهْتَم بِشَأنك، اعْزُبِي، أي بعين مهملةٍ ثم زاي أي تَبَاعَدِي مِنِّي واذْهَبِي، اغرُبِي، أي بغينٍ معجمةٍ ثم راء أي صِيْرِي غَرِيبة مِني، دَعِيْني وَدِعيني، أي لأنِّي طَلقتك، وَنَحْوِهَا، أي مما يحتملُ الفِرَاقَ والسَّرَاحَ ولم يَشِع استعمالُهُ فيهِ شرعًا ولا عُرْفًا كَتَجَرَّدِي وَتَزَوَّدِي واخرُجِى وسافِرِي ولا يكادُ ينحصرُ، وَالإعْتَاقُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسُهُ، أي والجامعُ أنَّ كُلا منهُما وُضِعَ لإزالةِ المِلك فَنَابَ أحدُهما مَنَابَ الآخر، فإذا قالَ لزوجتهِ: أنتِ حُرَّة ونوَى الطلاقَ طُلِّقَت، أو لعبدِهِ ونوَى العِتْقَ عُتِقَ.
فَرْعٌ: كما أنهُ صريح كل منهُما كناية في الآخرِ فكنايتهما مشتركة مؤثرَةٌ في العقدينِ جميعًا بالنيَّةِ كما ذكرَهُ المصنفُ في بابهِ، لكن لو قالَ للعبدِ: اعتَدَّ أو أسْتَبْرِء رَحِمَكَ ونوَى العتقَ لم ينفذ لاستحالتِهِ في حقِّهِ، ولو قال ذلك لأمَتِهِ ونوَى العتقَ أو لزوجتهِ قبلَ الدخولِ ونوى الطلاقَ نفذَ على الأصح.
وَلَيسَ الطلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَار وَعَكسُهُ، لأنَّ كل واحدٍ مهما وجدَ نفاذًا في موضوعِهِ (•) الصريح فلا يعدِلُ إلى غيرِ موضوعهِ (•) بالنيةِ، قال في الوسيطِ: ولا يمكنُ تنفيذُهما جميعًا، لأنَّ اللفظَ لم يوضَعْ لهُما وَضْعَ العمومِ فيصرف إلى ما هو
(•) في النسخة (1): موضعه.
صريحٌ فيه، وَلَوْ قَالَ: أَنتِ عَلَيَّ حَرَام أَوْ حَرَّمتُكِ وَنَوَى طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا حَصَلَ، أي ما نواهُ؛ لأن الظهَارَ يقتضى التحريمَ حتى يكفِّرَ فجازَ أنْ يكنى بالحرامِ عنه، والطلاقُ سببٌ مُحَرِّمٌ ويكونُ هذا الطلاقُ رجعيًّا وإنْ نَوَى عددًا وقعَ ما نَوَى، أَوْ نَوَاهُمَا، أي معًا، تَخَيّرَ وَثبَتَ مَا اخْتَارَهُ، أي ولا يثبُتان جميعًا، لأنَّ الطلاقَ يزيلُ النكاحَ، والظهارُ يستدعى بفاءَهُ، وَقِيلَ: طَلَاقٌ، لأنهُ أقوَى من حيثُ أنهُ يزيلُ النكاحَ، وَقِيلَ: ظِهَارٌ، لأنَّ الأصلَ بقاءُ النكاح، أما إذا نواهُما مرتبًا فقال ابنُ الحداد: إنْ أرادَ الظهارَ ثم الطلاقَ صَحَّا جميعًا، وإن أرادَ الطلاقَ أوَّلًا؛ فإنْ كان بائِنًا فلا معنَى للظهارِ بعدهُ، وإن كان رجعيًّا كان الظهارُ مَوقُوفًا، فإنْ راجَعَها فهو صحيحٌ، والرجعةُ عَوْدٌ وإلّا فهو لَغْوٌ، قال الشيخ أبو على: وهذا التفصيلُ فاسدٌ عندي، لأن اللفظَ الواحدَ إذا لم يجُزْ أنْ يرادَ بهِ التصرفاتُ لم يختلِف الحكمُ بإرادتِهما معًا أو متعاقِبَين، أو تَحرِيْمَ عَينهَا، أي أو فرْجِها أو وطئِها، لم تحرُمْ، وَعَلَيهِ كَفارَةُ يَمِيْنٍ، كما لو قال ذلك لأمَتِهِ، ولا يكونُ يمينًا على الصواب، والأصح لُزُومُ الكفارةِ في الحالِ وإنْ لم يطأ، وَكَذَا إِن لَمْ تَكُن نِيَّةٌ فِي الأظْهَرِ، لأن قولهُ: أنتِ علَيَّ حرامٌ، صريحٌ في وجوبِ الكفارةِ، وَالثانِي لَغوٌ، أي ولا شيءَ عليهِ، ويكونُ هذا اللفظُ كنايةَ في الكفارةِ، وإلّا لم يَصِرْ كناية في الطلاقِ والظهارِ.
تَنْبِيهٌ: التفصيلُ المذكورُ في المسألةِ مستمرٌّ فيمنْ قالَ: أنتِ علَيَّ حرامٌ في البلاد التي لم يشتهِرْ فيها هذا اللفظُ في الطلاق، وكذا حيثُ اشتهرَ إذا قلنا: إنَّ الاشتهارَ لا يلحِقُهُ بالصرائح، أما إذا قلنا: إنه يلحَقُ بالصرائح فيتعيَّنُ الطلاقُ.
فَرْعٌ: لو قالَ أنتِ حرامٌ ولم يقُلْ علَيَّ، فإنهُ كناية بلا خلافٍ، قالهُ البغويُّ.
وَإن قَالَهُ لأمَتِهِ وَنَوَى عِتقًا ثَبَتَ، أي ولا مجالَ للطلاقِ والظهارِ، أَوْ تحرِيمَ عَيْنهَا أَوْ لَا نِيَّةَ فَكَالزَّوْجَةِ، أي فلا تحرمُ وعليهِ يمين في الأظهرِ في الثانيةِ، وَلَو قَالَ: هَذَا الثَّوبُ أَوِ الطعَامُ أَوِ العَبْدُ حَرامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ، أيْ لا يتعلقُ به كفارةٌ ولا غيرها، لأنهُ غيرُ قادرٍ على تحريمهِ بخلافِ الزوجةِ والأمَة فإنهُ يقدِرُ على تحريمِهِما بالطلاقِ
والعتقِ، وقالَ ابن حربويه: تجبُ الكفارةُ، حكاهُ ابن الصلاح في طبقاتِهِ وهو غريبٌ، وَشَرْطُ نِيَّةِ الكِنَايَةِ اقْتِرَانُهَا بِكُل اللَّفْظِ، وَقِيْلَ: يَكْفِي بأوَّلهِ، تَبِعَ المُحَرَّرَ في تصحيح الأول لكنهُ قال في أصل الروضةِ: لو اقترنَتْ بأوَّلِ اللفظِ دونَ آخرهِ أو عكسه طلقَتْ على الأصحِّ، والمسألةُ موضحةٌ في الأصلِ فَرَاجِعْهَا مِنهُ، وقال الماوردىُّ: التفصيلُ أشبهُ بنصِّ الشافعيِّ وهو اعتبارُها في الأصلِ.
فَصْلٌ: وَإِشارَةُ نَاطِقٍ بِطَلَاقٍ لَغْوٌ، لأنَّ عدولَة من العبارةِ إلى الإشارةِ يوهِم أنهُ غيرُ قاصدٍ للطلاقِ، وَقِيلَ: كِنَايَةٌ، لحصولِ الإفهامِ بها كالكنايةِ، وَيُعْتَدُّ بإشارَةَ أَخرَسَ فِي العُقُودِ وَالحُلُولِ، أي ولو كانَ قادرًا على الكنايةِ للضرورةِ كما تقدَّمَ في البيع، فَإن فَهِمَ طَلَاقَهُ بِهَا كُل أَحَدٍ فَصَرِيحَة وَإنِ اخْتَصّ بِفَهْمِهِ فَظِنُون فَكنَايَة، هذا ما قالهُ الإمامُ وآخرونَ، ومن الأصحابِ من أدارَ الحكمَ على إشارتهِ المُفْهِمَةِ وأوقعَ الطلاقَ بها نَوَى أم لم ينوِ، وَلَو كتَبَ نَاطِقٌ طَلَاقًا ولَم يَنوِهِ فَلَغوٌ، لأنهُ محتمل الفسخ وتجربةُ القلمِ ونحوها، وَإِن نَوَاهُ، أي ولم يتلفظ بما كتبَهُ، فَالأظهَرُ وقُوعُهُ، لأنها أحدُ الخطابَين فجازَ أن يقعَ بها الطلاقُ كاللفظِ، والثانى: لا؛ لأنهُ فِعلٌ من قادرٍ على القولِ فلم يقَعْ بهِ الطلاقُ كالإشارةِ من الناطقِ، والخلاف جارٍ في الغيبةِ والحضورِ على أصحِّ الطرقِ، أما إذا قرأَ ما كتبَهُ واقترنَتْ بها النيَّةُ طُلِّقَت جَزْمًا.
فَرْعٌ: كتابةُ الأخرسِ كنايةٌ أيضًا على الأصحِّ، فالتقييدُ بالنُّطْقِ ليس بجيِّدٍ.
فَإن كَتَبَ إذا بَلَغَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإنمَا تَطْلُقُ بِبُلوغِهِ، مراعاة للشرطِ، وَإِن كَتَبَ إِذَا قَرَأتِ كِتَابِي وَهِيَ قَارِئَةٌ فَقَرَأَتهُ طُلِّقَت، لوجودِ المعلقِ عليهِ، قالَ الإمامُ: والمعتبرُ أنْ تَطلِعَ على ما فيهِ، قال: واتَّفقَ علماؤُنا على أنها إذا طَالَعَتْهُ وَفَهِمَتْ ما فيهِ طُلِّقَت، وإن لم تتلفظْ بشيءٍ، وَإن قُرِئَ عَلَيهَا فَلَا فِي الأصَح، لعدَمِ قراءَتها مع الإمكانِ، والثاني: نَعَمْ؛ لأنَّ المقصودَ اطِّلَاعُهَا، وإن لَم تكُن قَارِئَة فَقُرِئَ عَلَيهَا طُلِّقَت، لأن القراءَةَ في حقِّ الأُمّيِّ محمولةٌ على الإطلَاع، وذكرَ مجليُّ: أن ذلكَ يتخرَّجُ على التعليقِ بالْمُحَالِ وفيه نظرٌ؛ إذ التعليمُ ممكنٌ.
فصلٌ: لَهُ تَفْوِيْضُ طَلَاقِهَا إِلَيْها، لأنهُ عليه الصلاة والسلام خيرَ نِسَاءَهُ بين المقامِ معهُ والمفارقةِ لَمَّا نزلَ:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ. . .} الآية (26)، كذا استدَلُّوا بهِ وفيهِ نظر رَاجِعهُ من الأصلِ، وَهُوَ تَمْلِيك فى الجَدِيدِ، لأنهُ يتعلقُ بغرضِها وفائدَتِها فينزلُ منزِلَةَ قولهِ مَلكتك، فَيُشتَرَطُ لِوُقوعِهِ تَطلِيقُهَا عَلَى الفَورِ، لأنَّ التمليكَ يقتضي الجوابَ على الفورِ، فلو أخرَت بقدرِ ما ينقطعُ القَبُولُ عن الإيجابِ ثم طُلِّقَت لم يَقَعْ.
وِإن قَالَ: طَلقِي، نَفْسَك، بِألفٍ فَطَلقَت بَانَتْ وَلَزِمَهَا ألفٌ، أي ويكونُ تمليكًا بالعوضِ كالبيع، وَفِي قَوْلِ: تَوكِيلٌ، كما لو فَوَّضَ طلاقها إلى أجنبيّ، فَلَا يُشْتَرَطُ فوْرٌ فِي الأصَح، كما في توكيلِ الأجنبيِّ، والثانى: يُشترطُ، لأنهُ يتضمَّنُ تمليكها نَفْسَها بلفظٍ يأتى بهِ وذلك يقتضي جوابًا عاجِلًا، وطردَهُ القاضى فيما لو قالَ وَكَّلتكِ في طلاقِ نفسَكِ، وَفِي اشْتِرَاطِ قَبولهُا خِلَافُ الوَكِيلِ، أي المتقدَّمِ في بابهِ حتى يجيءُ الوجهُ الفارقُ بين صيغةِ الأمرِ بأن يقولَ طَلّقِى نَفْسَكِ، وصيغةِ العقدِ كقولهِ وَكلتك في طلاقِ نفسك، وَعَلَى القَولَينِ لَهُ الرجُوعُ قَبْلَ تَطْلِيقِهَا، لأنَّ التمليكَ والتوكيلَ يجوزُ الرجوعُ فيهِما قبلَ القُبولِ.
وَلَو قَالَ: إِذَا جَاءَ رَمَضَان فَطَلقَي لَغَا عَلَى التَّملِيكِ، كما لو قال: مَلْكتك هذا العبدَ إذا جاءَ رأسُ الشهرِ، وإن قلنا: توكيل جازَ كتوكيلِ الأجنبي بتطليقِ زوجتهِ بعدَ شهرٍ، كذا عَلّلَهُ الرافعيُّ.
وَلَو قَالَ: أبيْني نَفسَكِ، فَقَالَت: أبنْتُ وَنَوَيَا، أي هو عند قولهِ أبِيني نَفْسَك وهى عند قولهَا أبَنْتُ نَفْسِي الطلَاقَ، وَقَعَ، لأن لفظَ الإبانَةِ كناية وقد اقترنَتْ بهِ النيّةُ فقامَ مقامَ الصريح، وَإِلا، أيْ وإنْ لم ينوِيَا أو أحدُهما، فَلَا، لأنهُ إنْ لم يَنوِ
(26) الأحزاب / 28: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} . وينظر قصة تخيير النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه في صحيح البخارى: كتاب التفسير: باب (4) و (5): الحديث (4785) و (4786)، وكتاب الطلاق: باب من خيَّر أزواجه: الحديث (5262).
الزوجُ لم يفوِّضِ الطلاقَ، وإنْ لم تَنْوِ المرأةُ لم تأتِ بالمفوَّضِ إليها.
وَلَو قَالَ: طَلقِي فَقَالَت: أبَنْتُ ونَوَت، أي نفسها، أو أبِيني وَنَوَى، فَقَالَت: طَلَّقْتُ وَقَعَ، كما لو قال بِعْ فباعَ بلفظِ التمليك.
وَلَو قَالَ طَلقِي وَنَوَى ثَلاثًا فَقَالَت: طَلَّقتُ وَنَوَتهُنَّ فَثَلَاثٌ، لأنَّ اللفظَ يحتملُ العَدَدَ وقد نويَاهُ، وإلا، أي وإن لم تَنْوِ هي العددَ، فَوَاحِدَةٌ فِي الأصَح، لأنَّ صريحَ الطلاقِ كنايةٌ في العدَدِ، كما أن البينونةَ مثلًا كناية في أصلِ الطلاقِ، ولو قال: أبِيني نَفْسَك ونوَى فقالت: أبنْتُ ولم يَنْوِ لا يقعُ الطلاقُ فكذلك للعدَدُ، والثاني: يقعُ الثلاثُ وتُغْنِي نِيَّتُهُ في العدَدِ عن نِيَّتهَا وكأنهُ فوَّضَ إليها أصلَ الطلاقِ وتولّى بنفسهِ قصدَ العدَدِ، ولو قَالَ: ثلاثًا، فَوَحَّدَت أو عَكسَهُ، أي قالَت ثلاثًا، فوَاحِدَةٌ، أمَّا في الأولى: فلأَن ما أوقعتهُ داخل في المفوَّضِ إليها، وأما في الثانيةِ: فلأنَّ مَنْ مَلَكَ إيقاعَ طلقةٍ تقعُ الطلقةُ إذا طَلَّقَ ثلاثًا كما إذا لم يبقَ للزوج إلّا طلقة، فقال: أنتِ طالقٌ ثلاثًا.
فَصلٌ: مَرَّ بلِسَانِ نَائِمٍ طَلَاق لَغَا، لقوله عليه الصلاة والسلام:[رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ؛ النائِمِ حَتَى يَستَيقِظَ](27) ولو استيقظَ وقالَ: أجزتُ ذلكَ الطلاقَ أو أوقعْتُهُ فلغوٌ.
فَرْعٌ: المُبَرسَمُ وَالمُغمَى عليهِ كالنائمِ.
وَلَو سَبَقَ لِسَانُهُ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصدٍ لَغَا، لأنهُ لم يصدُرْ عن قصدٍ فلم يترتب عليه موجبُهُ كاليمينِ باللهِ تعالَى، وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا إِلا بِقَرِينَةٍ، أي مثلَ إنْ كانَ اسمُ امرأتِهِ طارِقًا، ولو كَان اسمُهَا طَالِقًا، فَقَالَ: يَا طَالِقُ، وزعمَ أنهُ التَفَّ بلسانِهِ اللامُ من غيرِ قصدٍ كما سيأتى، وَقَصَدَ النِّدَاءَ لَم تُطَلق، وَكَذا إِن أطْلَقَ فِي الأصح، حَمْلًا على النداءِ، والثاني: نَعَمْ؛ لأنهُ يقصدُ النداءَ، وَإِن كَان اسْمُهَا طَارِقًا أَوْ طَالِبًا،
(27) تقدم في الجزء الأول: الرقم (314).
فَقَالَ: يَا طَالِقُ، وَقَالَ: أرَدْتُ النِّدَاءَ فَالْتَفَّ الْحَرْفُ صُدِّقَ، لظهورِ القرينةِ.
وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ هَازِلاً أوْ لَاعِباً أَوْ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيةً بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ نَكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيْلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ وَقَعَ، لوجودِ الخطابِ في محلِّهِ، وفي الترمذيِّ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:[ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ]، قال الترمذيُّ: حسنٌ غريبٌ، وقال الحاكمُ: صحيحُ الإسنادِ (28).
وَلَوْ لَفَظَ أَعْجَمِيٌّ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ، كما لو لُقِّنَ كلمةَ الكُفْرِ وهو لا يعرفُ معناها فتكلَّمَ بها لا نحكُمُ بكفرِهِ، قال المتولّى: هذا إذا لم يكن لهُ مع أهلِ اللسانِ اختلاطٌ، فإنْ كانَ لم يُصَدَّقْ في الحكمِ ويديّن باطناً، وَقِيْلَ: إِنْ نَوَى مَعْنَاهَا وَقَعَ، لأنهُ نوى الطلاقَ، والأصحُّ المنعُ، لأنهُ إذا لم يعرِفْ معنَى الطلاقِ لا يصحُّ قصدُهُ.
فَرْعٌ: لو قَالَ: لم أَعْلَمْ أنَّ معنَاها قطعَ النكاحِ؛ ولكن نويْتُ بها الطلاقَ وقصدتُ قطعَ النكاحِ لم يقَعْ أيضاً كما لو خاطَبَها بكلمةٍ لا معنَى لها وقالَ: أردتُ الطلاقَ.
فَصْلٌ: وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاق]، رواه أبو داود وصححَهُ الحاكمُ على شرطِ مسلمٍ (29)، وفَسَّرَ الشافعيُّ وجماعةٌ الإغلاقَ بالإكراهِ،
(28) رواه الترمذي في الجامع: كتاب الطلاق: باب ما جاء في الجدِّ والهزل في الطلاق: الحديث (1184)، وقال: هذا حديث حسن غريب؛ والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
أخرجه الحاكم في المستدرك: كتاب الطلاق: الحديث (9/ 2800)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووثق رجال الإسناد.
رواه أبو داود في السنن: كتاب الطلاق: باب في الطلاق على الهزل: الحديث (2194). وابن ماجه في السنن: كتاب الطلاق: باب من طلق أو نكح أو راجع لاعباً: الحديث (2039).
(29)
الحديث عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الطلاق: باب في الطلاق على=
وهو قولُ جماعةٍ من الصحابةِ والتابعين، فَإِنْ ظَهَرَتْ قَرِيْنَةُ اخْتِيَارٍ، بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ فَوَحَّدَ أَوْ صَرِيْحٍ أَوْ تَعْلِيْقٍ فَكَنَّى أَوْ نَجَّزَ أَوْ عَلَى طَلَّقْتُ فَسَرَّحَ أَوْ بِالْعُكُوسِ، أي أُكْرِهَ على واحدةٍ فَثَلَّثَ، أو على كنايةٍ فَصَرَّحَ، أو على التنجيزِ فعلَّقَ، أو على أن يقولَ سَرَّحْتُهَا فقالَ طَلَّقْتُهَا، وَقَعَ، لأنَّ مخالفتهُ له تُشْعِرُ باختيارهِ فيما أتَى بهِ.
فَرْعٌ: لو أُكْرِهَ على الطلاقِ فأتى بهِ ونوَى الطلاقَ، فالأصحُّ الوقوعُ لقصدهِ وتلفُّظِهِ، وعلى هذا فصريحُ لفظِ الطلاقِ عند الإكراهِ كنايةٌ إنْ نَوَى وقعَ وإلَّا فلا، ولو قصدَ لفظَ الطلاقِ دون إيقاعهِ ففي وقوعِهِ وجهانِ في الحاويِ.
فَرْعٌ: قالَ: طَلّقْ زَوْجَتِي وإلَّا قَتَلْتُكَ فَطَلَّقَهَا وقعَ الطلاقُ على الصحيحِ، لأنه أبلغُ في الإذنِ، وقيل: لَا، لسقوطِ حكمِ اللفظِ بالإكراهِ.
وَشَرْطُ الإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيْقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ، أي عاجلاً، وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِ بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ وَظَنُّهُ أنَّهُ إِنْ امْتَنَعَ حَقَّقَهُ، أي وأَنْ لا يكونَ المحذورُ مستحِقًّا على الْمُكْرَهِ فلو قالَ وليُّ القصاصِ: طَلِّقِ امْرَأَتَكَ وإلَّا اقْتَصَصْتُ مِنْكَ فليس بإكراهٍ، واحترزْتُ بالعاجلِ عن التخويفِ بالأجلِ كقولهِ: لأَقْتُلَنَّكَ غَداً؛ فإنهُ ليس بإكراهٍ، ولا أثَرَ لقولهِ طلِّقْ وإلَّا قتلتُ نفسي أو كفرْتُ.
وَيَحْصُلُ، أي الإكراهُ، بِتَخْوِيْفٍ بِضَرْبٍ شَدِيْدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إِتْلَافِ مَالٍ وَنَحْوِهَا، أي كاستخفافٍ برجُلٍ وَجِيْهٍ، وَقِيْلَ: يُشْتَرَطُ قَتْلٌ، لحرمَةِ النَّفْسِ، وَقِيْلَ: قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ ضَرْبٌ مُخَوِّفٌ، لإفضائِها إلى القتلِ ووراء ذلك أوجهٌ أربعةٌ صحَّحَ المصنِّفُ في الروضة منها واحداً وقال: في بعض تفصيلهِ نظرٌ، وكُلُّ ذلك موضَّحٌ في الأصلِ فَرَاجِعْهُ مِنْهُ.
وَلَا تُشْتَرَطُ التَّوْرِيَةُ بِأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا، أي بأنْ يريدَ بقولهِ طلقْتُ فاطمةَ غيرَ
= غلط: الحديث (2193)، وقال: الغلاق أظنه الغضب. والحاكم في المستدرك: الحديث (2802/ 11)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وجاء له بشاهد على إسناد آخر في الحديث (2803/ 12).
زوجتهِ أو يقولَ عَقِبَ اللفظِ إنْ شَاءَ اللهُ سِرًّا، وَقِيْلَ: إِنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَقَعَ، لإشعارهِ بالاختيارِ والأصحُّ المنعُ، لأنهُ مُجْبَرٌ على اللفظِ ولا نِيَّةَ لهُ تُشْعِرُ بالاختيارِ، وأما إذا تركَ التوريةَ لِغَبَاوَتِهِ أو دَهْشَةٍ أصابتهُ لم يؤثر قطعاً، واندفع الطلاقُ.
فَصْلٌ: وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيْلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ نَفَذَ طَلَاقُهُ؛ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ قَوْلاً وَفِعْلاً عَلَى الْمَذْهَبِ، لتعدِّيْهِ، وَفِي قَوْلٍ: لَا، لأنهُ لا يفهمُ كالمجنون، وَقِيْلَ: عَلَيْهِ، أي كالطلاق دون مالِهِ كالنكاحِ، واحترَزَ بقولهِ:(أَثِمَ) عمَّا إذا شربَهُ لحاجةِ التداوِي، فإنَّ حُكْمَهُ حكمُ المجنونِ.
فَرْعٌ: الأقربُ في الرافعيِّ الرجوعُ في حَدِّ السُّكْرِ إلى الْعُرْفِ.
فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: رُبُعُكِ أَوْ بَعْضُكِ أَوْ جُزْؤُكِ أَوْ كَبِدُكِ أَوْ شَعْرُكِ أَوْ ظُفُرُكِ، أو سِنُّكِ، طَالِقٌ وَقَعَ، لأنَّ الطلاقَ لا يَتَبَعَّضُ فكانت إضافتهُ إلى الجزءِ كالإضافةِ إلى الكُلِّ كما في العفوِ عن القصاصِ، وَاحْتُجَّ لذلكَ بالإجماعِ وبالقياسِ على العِتْقِ، والأصحُّ أنهُ يقعُ الطلاقُ على ما سمَّاهُ ثم يَسْرِي إلى الباقي، وقيلَ: وقعَ على الجملةِ ابتداءً وتظهرُ فَائِدَتُهَا فيما إذا قالَ لمقطوعةِ يمينٍ يمينُكِ طالقٌ كما سيأتي ونحوها، وَكَذَا دَمُكِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأنَّ به قوامُ البَدَنِ وهو أشدُّ تمكُّناً في الشخصِ من اليَدِ هذا أصحُّ الطريقين، والثاني: وجهانِ؛ أحدُهما: كذلك، والثاني: لا، كما في الفَضَلاتِ، لَا فَضْلَةٌ كَرِيْقٍ وَعَرَقٍ، لأنها غيرُ مُتَّصِلَةٍ اتِّصَالَ خلقةٍ فلا يلحقُها الحلُّ والتحريمُ، والطلاقُ شُرِعَ لقطعِ الحِلِّ الثابتِ بالعقدِ، وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ فِي الأَصَحِّ، لأنهُما مُتَهَيِّئَانِ للخروجِ كالفضلاتِ، والثاني: الوقوعُ، لأنَّ أصلَ كُلِّ واحدٍ منهُما الدَّمُ، والظاهرُ في الإضافةِ إلى الدَّمِ الوقوعُ كما تقدَّمَ، وَلَوْ قَالَ لِمَقْطُوْعَةِ يَمِيْنٍ: يَمِيْنُكِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأَنَّا وإنْ جعَلْنا البعضَ عبارةً عن الكُلِّ فلا بُدَّ من وجودِ المضافِ إليهِ لِتَنْتَظِمَ الإضافةُ، فإذا لم يكُنْ لَغَتْ الإضافةُ، كما لو قالَ لها: لِحْيَتُكِ أو ذَكَرُكِ طالقٌ، والطريق الثاني: التخريجُ على الخلافِ الذي قَدَّمْتُهُ وهو ما أوردَهُ القاضى حُسين عن الأصحابِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنَاْ مِنْكِ طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيْقَهَا طُلِّقَتْ، لأنَّ على الزوجِ حَجْراً من جهتها من حيثُ أنهُ لا ينكِحُ أُخْتَها ولا أَرْبَعاً سِوَاها، وأنهُ يلزَمُهُ مُؤْنَتُهَا، فإذا أضافَ الطلاقَ إلى نفسِهِ أَمْكَنَ حملُهُ على هذا السببِ المقتضي لحِلِّ الْحَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقاً فَلَا، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَنْوِ إِضَافَتَهُ إِلَيْهَا فِي الأَصَحِّ، لأنَّ مَحِلَّ الطلاقِ المرأةُ دونَ الرجلِ، واللفظُ مضافٌ إليه فلا بُدَّ من نِيَّةٍ صارفةٍ تجعلُ الإضافةَ إليهِ إضافةً إليها، والثاني: يقعُ الطلاقُ؛ لأنه وجدَ لفظُ الطلاقِ وقصدُهُ فيقعُ ويحِلُّ مَحِلَّهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنَاْ مِنْكِ بَائِنٌ، اشْتُرِطَ نِيَّةُ الطَّلَاقِ، وَفِي الإِضَافَةِ الْوَجْهَانِ، قد عَرَفْتَهُمَا، وَلَوْ قَالَ: اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْكِ فَلَغْوٌ، لأنَّ اللفظَ غيرُ مُنْتَظَمٍ في نفسهِ، والكنايةُ شرطُها أنْ تحتملَ مَعْنَيَيْنِ فصاعداً وهي في بعضِ المعاني أظهرُ لهُ، وَقِيْلَ: إِنْ نَوَى طَلَاقَهَا وَقَعَ، أيْ ويكونُ المعنَى استبرِئِي الرَّحِمَ التي كانَتْ لِي.
فَصْلٌ: خِطَابُ الأَجْنَبِيَّةِ بِطَلَاقٍ، وَتَعْلِيْقُهُ بِنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ لَغْوٌ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ] صححَهُ الترمذيُّ، وقال البخاريُّ: إنهُ أصحُّ شيءٍ وردَ في البابِ (30)، واحتجَّ الشافعيُّ بإلحاقِ المعلَّقِ بِالْمُنَجَّزِ.
(30) صحيح الترمذي الحديث في العلل الكبير: الحديث (178): ما جاء لا طلاق قبل نكاح: ج 1 ص 465، وقال: سألت محمداً -أي ابن إسماعيل البخاري- عن هذا الحديث، فقلت: أيُّ حديث في هذا الباب أصح في الطلاق قبل النكاح؟ فقال: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وحديث هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة.
أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم[لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيْمَا يَمْلِكُ؛ وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيْمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيْمَا لَا يَمْلِكُ]. فرواه الترمذي في الجامع: كتاب الطلاق: الحديث (1181)، وقال: وفي الباب عن علي ومعاذ بن جبل وجابر وابن عباس وعائشة. وقال: حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن صحيح. وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. ورواه أبو داود في السنن: كتاب الطلاق: باب الطلاق قبل النكاح: الحديث (2190). وابن ماجه في السنن: كتاب الطلاق: الحديث (2047).
فَرْعٌ: تعليقُ العتقِ بالملكِ كتعليقِ الطلاقِ بالنكاحِ بلا فرقٍ.
وَالأَصَحُّ صِحَّةُ تَعْلِيْقِ الْعَبْدِ ثَالِثَةً كَقَوْلِهِ: إِنْ عَتَقْتُ أَوْ إِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً فَيَقَعْنَ إِذَا عَتَقَ أَوْ دَخَلَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ، لأنهُ يملِكُ أصلَ النكاحِ، وهو يفيدُ الطلقاتِ الثلاثِ بشرطِ الْحُرِّيَّةِ وقد وُجِدَتْ، كما أنهُ لا يملِكُ في حالِ الْبِدْعَةِ طَلَاقَ السُّنَّةِ ويملك تعليقهُ، والثاني: لا يصحُّ، لأنه لا يملِكُ تنجيزَها فلا يملك تعليقَها كالطلاقِ قبلَ النكاحِ.
فَرْعٌ: الخلافُ جارٍ في قوله لأَمَتِهِ إذا وَلَدْتِ فولدُكِ حُرٌّ وكانَتْ حائلاً عند التعليقِ، فإنْ كانَتْ حامِلاً حينئذٍ عُتِقَ قطعاً.
وَيَلْحَقُ، أي الطلاق، رَجْعِيَّةً، لبقاءِ العصمةِ، لَا مُخْتَلِعَةً، لأنها ليست في زوجيَّةٍ ولا معنَى الإزواجِ بحالٍ، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولٍ فَبَانَتْ، ثَمَّ نَكَحَهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ إِنْ دَخَلَتْ فِي الْبَيْنُوْنَةِ، لأنَّ اليمينَ يَنْحَلُّ بذلكَ الدخولِ، وبهذا الطريقِ تَنْدَفِعُ الطَّلَقَاتُ الثلاثُ إذا عَلَّقَها على فِعْلٍ لا تَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، وَكَذَا إِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الأَظْهَرِ، لأنهُ لا جائزٌ أنْ يريد النكاح، الثاني: لأنهُ يكون تعليقَ طلاقٍ قبل نكاحِ فتعيَّنَ أنْ يريدَ الأوَّلَ فالأوَّلَ قد ارتفعَ، والثاني: يقعُ، لأن التعليقَ والصفةَ وُجِدَا في الْمِلْكِ، وتَخَلُّلُ البينونةِ لا يؤثِّرُ؛ لأنه ليس وقتَ الايقاعِ ولا وقتَ الوقوعِ، وَفِي ثَالِثٍ يَقَعُ إِنْ بَانَتْ بدُوْنِ ثَلَاثٍ، لأنَّ العائدَ الباقي من الطلقاتِ فتعودُ بصفتِها وهي التعليقُ بالفعلِ المعَلَّقِ عليهِ، ولا يقعُ إن أَبَانَهَا بثلاثٍ، لأنه استوفَى ما علَّق الطلاق، وهذه طلقاتٌ جديدةٌ.
= أما حديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا سُفْيَانَ عَلَى بَخْرَانِ الْيَمَنِ، عَلَى صَلَاتِهَا وَحَرْبِهَا وَصَدَقَاتِهَا. وَبَعَثَ مَعَهُ رَاشِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[رَاشِدٌ خَيْرٌ مِنْ سُلَيْمٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ خَيْرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ] فَكَانَ فِيْمَا عَهِدَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَوْصَاهُ بِتَقوَى اللهِ، وَقَالَ:[لَا يُطَلَّقُ رَجُلٌ مَا لَا يَنْكَحُ، وَلَا يَعْتِقُ مَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ]. رواه الدارقطني في السنن: ج 4 ص 16: الحديث (46) من كتاب الطلاق.
وَلَوْ طَلَّقَ دُوْنَ ثَلَاثٍ وَرَاجَعَ أَوْ جَدَّدَ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ عَادَتْ بِبَقِيَّةِ الثَّلَاثِ، لأنهُ قولُ جماعةٍ من الصحابة منهم عمرُ ولم يظهَرْ لهم مخالفٌ، وَإِنْ ثَلَّثَ عَادَتْ بِثَلَاثٍ، لأنَّ دخولَ البائنِ أفادَ حِلَّ النكاحِ، ولا يمكنُ بناؤُهُ على التعليقِ الأوَّلِ فيثبُتُ نكاحٌ يُسْتَفْتَحُ بأحكامهِ.
وَلِلْعَبْدِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ، أي على الْحُرَّةِ والأمَةِ، وهو قولُ جماعةٍ من الصحابةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، ورُوِيَ مرفوعاً أيضاً.
فَرْعٌ: المبعَّضُ والمدبّر والمكاتَبُ كالقِنّ.
وَلِلْحُرِّ ثَلَاثٌ، أي سواءٌ كانت زوجتُهُ حُرَّةً أمْ أَمَةً؛ لأنهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن قولهِ تعالَى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ، قيل: وَأَيْنَ الثَّالِثَةُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} . رواه أبو داود وصححهُ ابن القطان (31).
وَيَقَعُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، كما يقعُ في صحتهِ، وَيَتَوَارَثَانِ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ، لبقاء آثارِ الزوجيَّةِ، لَا بَائِنٍ، لانقطاع الزوجيَّةِ، وَفِي الْقَدِيْمِ تَرِثُهُ، لأنَّ عبدَ الرحمنِ بن عوفٍ طَلَّقَ امرأتَهُ الكلبيَّةُ في مرضِ موتهِ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ، رواه مالك في الموطأ (32)،
(31) في خلاصة البدر المنير: كتاب الطلاق: الحديث (2053)؛ قال ابن الملقن رحمه الله: رواه أبو داود في مراسيله من رواية أبي رزين الأسدي. والدارقطني من رواية أنس. قال ابن القطان: هو حديث صحيح من طريقه. وقال البيهقي: ليس بشيء.
رواه الدارقطني في السنن: كتاب الطلاق: ج 4 ص 3 - 4: الحديث (1). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الخلع والطلاق: باب ما جاء في موضع الطلقة الثالثة: الحديث (15368)، وقال: كذا قال أنس رضي الله عنه، والصواب عن إسماعيل بن سميع عن ابن رزينٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً؛ كذلك رواه جماعة من الثقات عن إسماعيل. الآية 229 من سورة البقرة.
(32)
رواه الإمام مالك رضي الله عنه في الموطأ: كتاب الطلاق: باب طلاق المريض: ج 2 ص 571: الحديث (40).
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الخلع: باب ما جاء في توريث المبتوتة في=
قال ابن داودُ والماوردىُّ: فَصُوْلِحَتْ مع رُبُعِ الثُّمُنِ على ثمانينَ ألفاً قيل: دنانيرَ وقيل: دراهم (33)، وهذا القولُ نصَّ عليهِ في الجديدِ أيضاً كما أفادَهُ سُليم والمحامليُّ، وإنما تَرِثُ على هذا القولِ بشروطٍ أَوْضَحْتُهَا في الأصلِ فَرَاجِعْهَا.
فَصْلٌ: قَالَ: طَلَّقْتُكِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى عَدَداً وَقَعَ، وَكَذَا الْكِنَايَةُ، لاحتمالِ اللفظِ العددَ وسواء في هذا المدخولُ بها وغيرُها كما ذكرَهُ في الروضة، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، بالنَّصْبِ كما ضبطَهُ المصنِّفُ بخطِّهِ، وَنَوَى عَدَداً فَوَاحِدَةً، لأنَّ اللفظَ يناقِضُ المنوِيَّ، والنيَّةُ بمجرَّدِها لا تعملُ ومع اللفظ الذي لا يُحتمل لا تعملُ، وَقِيْلَ: الْمَنْوِيُّ، أي ومعنى أَنْتِ واحدةً أنَّكِ تَتَوَحَّدِيْنَ بالعدَدِ الذي أوقعتهُ، وما صححَهُ المصنِّفُ هنا تَبِعَ فيه المُحَرَّرَ، فإنهُ قال: إنهُ ما رَجَحَ من الوجهينِ وهو عجيبٌ فإنه نقلَهُ. في شرحَيْهِ عن تصحيحِ الغزاليِّ وحده، ونقلَ عن صاحبِ التهذيبِ وغيرِه تصحيحَ الثاني، لا جرمَ صحَّحَهُ في الروضةِ فخالفهُ، وفي المسألةِ وجهٌ ثالثٌ قالهُ القفالُ: إنْ بَسَطَ نِيَّةَ الثلاثِ على جميعِ اللفظِ لم تَقَعِ الثلاثُ، وإنْ نوى الثلاثَ بقولهِ أنتِ طَالِقٌ وقعَ الثلاثَ، ولغىَ ذِكْرَ الواحدةِ بعدهُ، ولو قالَ: أردْتُ طلقةً ملففةً من أجزاءِ ثلاثِ طلقاتٍ وقعَ الثلاثُ على الصحيحِ.
فَرْعٌ: لو قال أنتِ واحدةً بالنصب، وحذفَ لفظَةَ طالقٍ، فيظهرُ أنه كقولهِ أنتِ طالقٌ واحدةً.
قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ، بالرفعِ، وَنَوَى عَدَداً فَالْمَنْوِيُّ، لاحتمالِ أنْ يكونَ مرادُهُ أنتِ طالقٌ واحدةٌ مع أُخرى، ولأنهُ يحتملُ أنْ يريدَ التوحيدَ والانفرادَ، وَقِيْلَ: وَاحِدَةٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأنَّ الواحدةَ نصٌّ لا يحتملُ التأويلَ.
فَرْعٌ: الخلافُ جارٍ فيما إذا قالَ: أنتِ طالقٌ واحدةٌ بالرفعِ أيضاً، وحكَى الرويانيُّ معهُ الوجهَ الثالِثَ عن القفَّالِ أيضاً.
= مرض الموت: الأثر (15510).
(33)
ينظر: الحاوي الكبير للماوردي: كتاب الطلاق: باب طلاق المريض: ج 10 ص 264.
فَرْعٌ: لو قالَ: أنتِ واحدةٍ بالخفضِ أي ذاتَ واحدةٍ، أو بالسكونِ على الوقفِ فلا يبعُدُ جريانُ الخلافِ فيهِ.
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً فَمَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ، لخروجِها عن محِلِّ الطلاقِ قبل تمامِهِ، أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ثَلَاثاً فَثَلَاثٌ، لأنهُ كان يحتملُ الثلاثَ حينَ قالَ لها: أنتِ طالقٌ، وهذا اللفظُ مع قصدِ الثلاثِ يقتضي وقوعَ الثلاثِ، وَقِيْلَ: وَاحِدَةٌ، أي بقولهِ أنتِ طالقٌ ولا تقعُ الثلاثُ لوقوعِ لفظِ الثلاثِ بعدَ خروجِها عن محِلِّ الطلاقِ، وَقِيْلَ: لَا شَيْءَ، إذِ الكلامُ الواحدُ لا يتبعَّضُ وقد ماتَتْ قبلَ تمامهِ، وقالَ إسماعيلُ البوشنجيُّ: الذي تقتضيهِ الْفَتْوَى أنهُ إنْ نوى الثلاثَ فقولُهُ أنتِ طالقٌ وكانَ قصدهُ أنْ يحقّقَهُ باللفظِ وقعَ الثلاثُ وإلّا فواحدةٌ، وهكذا قالهُ المتولِّي في تعبيرهِ عن الوجهِ الأوَّلِ وتظهرُ فائدةُ الخلافِ في أنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا هل يَرِثُهَا أمْ لَا؟ .
فَرْعٌ: رِدَّتُهَا وإِسْلَامُهَا إذا لم تكُنْ مَدْخُولاً بها قَبْلَ قولهِ ثلاثاً كَمَوْتِهَا، وكذا لو أخذَ شخصٌ على فمهِ ومنعَهُ أنْ يقولَ ثلاثاً.
فَرْعٌ: لو قال: أنتِ طالقٌ على عزمِ الاقتصارِ عليهِ، فماتَتْ فقالَ: ثلاثاً، قالَ الإمامُ: لا شَكَّ أنَّ الثلاثَ لا تقعُ وتقعُ الواحدةٌ على الصحيحِ.
فَائِدَةٌ: اختلفوا في قولهِ: أنتِ طالقٌ ثلاثاً كيفَ سبيلهُ، فقيل: قولهُ ثلاثاً منصوبٌ بالتفسيرِ والتمييزِ، قال الإمامُ: وهذا جهلٌ بالعربيَّةِ، وإنما هو صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ أي طالقٌ طلاقاً ثلاثاً، كقولهِ: ضربتُ زيداً شديداً أي ضَرْباً شديداً.
وِإنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أنْتِ طَالِقٌ، وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ فَثَلَاثٌ، لأنَّ كُلَّ واحدٍ من هذه الألفاظِ مُوْقِعٌ للطلاقِ، وَإِلَّا، أيْ وإنْ لم يتخلَّلْ بينهُما فصلٌ، فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيْداً فَوَاحِدَةٌ، أي قصَدَ تأكيدَ الأُولى بالأخيرتين؛ لأنَّ التأكيدَ في الكلامِ معهودٌ في جميع اللُّغاتِ، والتكرارُ أرفَعُ درجاتهِ وكثيراً ما وقعَ ذلك في كلامهِ صلى الله عليه وسلم، أَوِ اسْتِئْنَافاً فَثَلَاثٌ، لتأكيدِ اللفظِ بالنّيَّةِ، وَكَذَا إِنْ أَطَلَقَ فِي الأَظْهَرِ، عَمَلاً بظاهرِ اللفظِ، والثاني: لا يقعُ إلّا واحدةً؛ لأنهُ يحتملُ التأكيدَ والاستئنافَ، فلا يقعُ ما زادَ
على واحدةٍ بالشَّكِّ، وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيْداً وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافاً أَوْ عَكَسَ، أي بالثالثةِ نَوَى تأكيداً وبالثانيةِ استئنافاً، فَثِنْتَانِ، عَمَلاً بما قصَدَهُ، أَوْ بِالثَّالِثَةِ تَأكِيْدَ الأُوْلَى فَثَلَاثٌ فِي الأَصَحِّ، لتخلُّلِ الفاصلِ، والثاني: يقبلُ ويحتملُ الفصلَ اليسيرَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ، صَحَّ قَصْدُ تَأْكِيْدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ، لتساويهِما، لَا الأَوَّلِ بِالثَّانِي، لاختصاصِ الثاني بالواوِ العاطفةِ وموجبُ العطفِ التَّغَايُرُ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ فِي مَوْطُوْءَةٍ، فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، لأنها تَبِيْنُ بالأُولى فلا يقعُ ما بعدَها، وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ، أي لغيرِ المدخولِ بها: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، فَدَخَلَتْ فَثِنْتَانِ فِي الأَصَحِّ، لأنهُما جميعاً معلَّقَانِ بالدخولِ، ولا ترتيبَ بينهُما، والثاني: لا تقعُ إلّا واحدةً وهو الأقيَسُ، كما لو قالَ في التَّنْجِيْزِ: أنتِ طالقٌ وطالقٌ؛ فإنهُ لا تقعُ إلّا واحدةً كما صرَّحَ بهِ في الْمُحَرَّرِ، وفي المسألةِ وجهٌ ثالثٌ: وهو إِنْ قدَّمَ الجزاءَ فقال: أنتِ طالقٌ وطالقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدارَ وَقَعَا، وإنْ عَكَسَ فواحدةٌ، وبنَى القاضي والمتولِّي الوجهَ الأوَّلَ والثاني على أنَّ الواوَ للجمعِ أو للترتيبِ، إنْ قُلنا للجمعِ وقعَتْ ثِنْتَانِ، وإنْ قُلنا للترتيبِ وقعَتْ واحدةً.
فَرْعٌ: لو عطف بـ (ثُمَّ) بدلَ ال (واوِ) لم يقعْ بالدخولِ في غير الْمَدْخُولِ بِهَا إلّا واحدةً؛ لأنَّ (ثُمَّ) لِلتَّرَاخِي، وسواءٌ قَدَّمَ الشرطَ أو أخَّرَهُ.
وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوْءَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ أَوْ مَعَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ، لأنَّ الطلاقَ وَجَدَ مَحِلًّا ينفذُ فيهِ، نَعَمْ؛ هل يقعانِ معاً بتمامِ الكلامِ أو متعاقِبَين؟ فيه وجهانِ؛ أصحُّهما: الأوَّلُ، وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوْءَةٍ في الأَصَحِّ، وكما لو قالَ: أنتِ طالِقٌ طلقَتَينِ، والثاني: تقعُ واحدةً، كما لو قالَ: أنتِ طالقٌ طلقةً وطلقةً، وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ فِي مَوْطُوْءَةٍ، لأنَّ مضمونَ هذين اللَّفظينِ إيقاعُ طلقةٍ يسبقُها طلقةً فيقعانِ كذلكَ، وَطَلْقَةٌ فِي غَيْرِهَا، أي وتحصلُ البينونةُ، وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ فَكَذَا فِي الأَصَحِّ، أي تقعُ ثنتانِ في موطوءةٍ، وواحدةً في غيرها، لأنَّ مضمونَ اللفظينِ إيقاعُ طلقةٍ يسبقُها طلقةٌ فتقعُ عليها طلقتانِ متعاقبتانِ، والثاني: لا تقعُ إلّا واحدةً؛ لجواز أنْ يكون المعنى قبلَها طلقةٌ مملوكةٌ أو
ثابتةٌ (•)، وفي كيفيَّةِ وقوعِ الطلاقِ وجهانِ؛ أصحُّهما: وقوعُ المتضمنةُ أولاً ثم الْمُنَجَّزَةُ، وثانيهما: عكسهُ ويلغو قولهُ قبلَها.
فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةٌ فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ مَعَ فَطَلْقَتَانِ، لأنَّ لفظة (في) تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى (مَعَ) قال تعالى:{ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} (34) ، أَوِ الظَّرْفَ أَوِ الْحِسَابَ أَوْ أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ، أمَّا في الأُولى: فلأَنَّهُ مقتضاهُ، وأمَّا في الثانيةِ: فلأَنَّهُ موجبهُ عندَهُم، وأمَّا في الثالثةِ: فلأنَّ اللفظَ الْمَأْتِىَّ بهِ على سبيلِ الإِيْقَاعِ ليس إلّا واحدةٌ، وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، كذا هو في أصلُ المصنِّفِ، والصوابُ ذِكْرُ النصفِ في الظرفِ والمظروفِ معاً، وكذا رأيتُهُ مُخَرَّجاً في أصلِ المصنِّفِ بغيرِ خَطِّهِ، وكذا هو في نُسَخِ الْمُحَرَّرِ، وقولهُ:(بِكُلِّ حَالٍ)؛ أي سواء قصدَ الحسابَ أو الظرفَ أو المعيَّةَ، أو لم يقصِدْ شيئاً، فأمَّا إذا قالَ: نصفَ طلقةٍ في طلقةٍ؛ فإنه إنْ قصدَ المعيَّةَ تطلَّقُ طلقتين فلا يصحُّ قولهُ: (فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ) في هذهِ الصورةِ، وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ مَعِيَّةً فَثَلَاثٌ، لما سبقَ في قوله:(طَلْقَةٌ فِي طَلْقَةٍ)، أَوْ ظَرْفاً فَوَاحِدَةٌ، قال القاضي حُسين: كما لو قال أنتِ طالقٌ في الدَّارَيْنِ، أَوْ حِسَاباً وَعَرَفَهُ فَثِنْتَانِ، لأنَّ ذلك موجِبُهاً في الحسابِ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ، أي عندَ أهلِ الحسابِ، فَطَلْقَةٌ، لأنَّ ما لا يعلم لا تَصُحُّ إرادتهُ، وَقِيْلَ: ثِنْتَانِ، لأنه موجبُه في الحسابِ وقد قصدَهُ، وشَبَّهَهُمَا الأصحابُ بالوجهينِ فيما إذا أتَى الْعِجْمِيُّ بلفظِ الطلاقِ وقالَ: أردتُ به ما يريدهُ العربيُّ وهو لا يعرفُ معناهُ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئاً فَطَلْقَةٌ، لأنه يحتملُ الحسابَ والظرفَ فلا يزادُ على الْمُسْتَيْقَنِ وهو طلقةٌ وما زادَ مشكوكٌ فيهِ، وَفِي قَوْلٍ: ثِنْتَانِ إِنْ عَرَفَ حِسَاباً، لأنهُ الاستعمالُ المشهورُ في الأَعْدَادِ والرَّجُلٌ عارفٌ بهِ، وفي قول ثالث: يقعُ ثلاث لتلفُّظِهِ بها.
وَلَوْ قَالَ: بَعْضَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ، لأنَّ الطلاقَ لا يَتَبَعَّضُ فإيقاعُ بعضهِ كإيقاعِ
(•) في النسخة (2) أشار الناسخ إلى نسخة ينقل منها: بَائِنَةٌ.
(34)
الأعراف / 38.
جميعهِ لقوَّتِهِ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ، لأنَّ ذلكَ طلقةٌ، إِلَّا أَنْ يُرِيْدَ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ، أي فيقعُ ثنتان، وَالَأصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةُّ، لأنها نصفُ طلقتين، والثاني: يقعُ طلقتان لإضافة النصف إلى طلقتين، وَثَلَاثَةَ أنْصَافِ طَلْقَةٍ أوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ، أمَّا في الأُولى: فلأنَّ ثلاثةَ أنصافِ طلقةٍ طلقةٌ ونصفٌ، فيكملُ النصفُ، ووجهُ مقابلهِ فيها: وهو وقوعُ طلقةٍ واحدةٍ أنَّ الأجزاءَ المذكورةَ مضافةُ إلى طلقةٍ والواحدةُ لا تشتملُ على الأجزاءِ فتلغُو الزيادةُ، ويصيرُ كأنهُ قال: أنتِ نُصْفَيْ طلقةٍ أو ثلاثةُ أثلاثِ طلقةٍ، وفيها وجهٌ ثالثُ: أنهُ يقعُ ثلاثَ طلقاتٍ ويجعلُ كُلُّ نصفٍ من طلقةٍ، وضابطُ هذا الخلافِ أنَّا هل ننظُرُ إلى المضافِ أو إلى المضافِ إليهِ؟ وأمَّا في الثانيةِ: فلأنهُ أضافَ كُلَّ جزءٍ إلى طلقةِ، وعطَفَ البعضَ على البعضِ فاقتضى ذلك التَّغَايُرَ، ووجهُ مقابلهِ فيها: وهو وقوعُ طلقةٍ؛ لأنَّ الطلقةَ وإنْ كرَّرَتْ فهي محتملةٌ للتأكيدِ، والأجزاءُ وإنْ كانت متغايرةً فهي مضافةُ؛ والمضافُ يتبعُ المضافَ إليهِ ولو لم يُدْخِلِ الـ (واوَ) فقالَ: أنتِ طالقٌ نصفَ طلقةٍ ثُلُثَ طلقةٍ لم يقعْ إلاّ طلقةً، وفرَّقُوا بأنهُ إذا لم يُدْخِلِ الـ (واوَ) وكان الكُلُّ بمنزلةِ كلمةٍ واحدةٍ، وإذا أدخلَها فَلِكُلِّ واحدةٍ حُكْمُها فيقعُ بقولهِ نصفُ طلقةٍ؛ طلقةٌ، وبقوله: ثُلُثُ طلقةٍ؛ طلقةٌ.
وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ، لأنهما أجزاءُ واحدةٍ، وَلَوْ قَالَ لأَرْبَعٍ: أَوْقَعْتُ عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً أَوْ أَرْبَعاً وَقَعَ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ، لأنهُ إذا وَزَّعَ ذلك عليهِنَّ أصابَ كُلَّ واحدةٍ منهُنَّ طلقةٌ أو بعضُ طلقةِ فتكمل، وفي الذخائر وجهٌ: أنهُ يقسمُ كلَّ طلقةٍ على الجميعِ، والأصحُّ الأولُ لِبُعْدِ ما قالَهُ عن الفَهْمِ، نَعَمْ لو نوى ذلك عُمِلَ به لأنَّ ظاهرَ اللفظِ يقتضي الشركةَ، فَإِنْ قَصَدَ تَوْزِيْعَ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ وَقَعَ فِي ثَنْتْينِ ثِنْتَانِ وَفِي ثَلَاثٍ وَأَرْبَع ثَلَاثٌ، عملاً بقصدِهِ، وعندَ الإطلاقِ لا يُحْمَلُ اللفظُ على هذا التقدير لِبُعْدِهِ عن الْفَهْمِ، ووقعَ في الْمُحَرَّرِ: وقوعُ أربعٍ فيما إذا كُنَّ أربعاً، وهو سَهْوٌ مِنَ النُّسَّاخِ، وصوابهُ: وقوعُ ثلاثٍ كما في الكتاب، فَإِنْ قَالَ: أرَدْتُ بَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِراً فِي الأَصَحَّ، لأنَّ ظاهرَ
اللفظِ يقتضي الشركةَ، والثاني: يُقْبَلُ، لأنهُ إذا كانَتِ الطلقةُ بينهُنَّ كانَ الطلاقُ بينهُنَّ، قالَ الإمامُ والبغويُّ: والخلافُ مخصوصٌ بَيْنَكُنَّ، أما قولهُ عَلَيْكُنَّ، فلا يقبلُ تفسيرهُ هذا قطعاً بل يَعُمُّهُنَّ، وفيه بحثٌ للرافعيِّ، وإذا قلنا: لا يُقبلُ في بَيْنَكُنَّ فذاكَ إذا أخرجَ بعضهُنَّ عن الطلاقِ وعطَّلَ بعضَ الطلاقِ، فأمَّا إذا فضَّلَ بعضَهُنَّ كقولهِ: أوقعتُ بينكُنَّ ثلاثَ طلقاتٍ، ثم قال: أردتُ طلقتين على هذهِ وتوزيعُ الثلاثِ على الباقِيَات فَيُقْبَلُ في الأصحِّ المنصوصِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لِلأُخْرَى: أشْرَكْتُكِ مَعَهَا أَوْ أَنْتِ كَهِيَ فَإِنْ نَوَى طُلِّقَتْ، لأنهُ كنايةُّ، وَإِلَاّ فَلَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ آخَرُ ذَلِكَ لِاْمْرَأتِهِ، لما قلناهُ.
فَصْلٌ: يَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ، لأنهُ في الكلامِ معهودٌ، وفي الْقُرْآنِ والسُّنَّة موجودٌ، بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ، أي بإجماعِ أهلِ اللُّغةِ فإنِ انفصَلَ فهو لغوٌ، وَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ، لأنَّ ذلك لا يُشْعِرُ بالانفصالِ، ويعدُّ في العادةِ مُتَّصِلاً، قال الإمامُ: والاتصالُ المشروطُ هنا أبلَغُ مما يشترطُ بينَ الإيجابِ والقَبُولِ، لأنهُ يحتملُ بين كلامِ الشخصينِ ما لا يحتملُ بين كلامِ شخصٍ واحدٍ ولذلك لا ينقطعُ الإيجابُ والقبولُ بتخلُّلِ كلامٍ يسيرٍ في الأصحِّ، وينقطعُ الاستثناءُ. بذلكَ على الصحيحِ، وقد قدَّمْنَا في البيعِ أنَّ تخلُّلَ الكلامِ يبطل، قُلْتُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الاِسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ فِي الأَصَحِّ، واللهُ أَعْلَمُ، أي وإنْ لم يقارِنْ أوَّلَها؛ وهذا الأصحُّ لم يذكرُهُ الرافعىُّ. بل ذكَرَ أنهُ هل يشترطُ أنْ يَقْرُنَ قصدَ الاستثناءِ بأوَّلِ اللفظِ، فيه وجهان أحدُهما: لا، فلهُ أنْ يَسْتَثْنِيَ بعد تمامِ الْمُسْتَثْنَى، وأصحُّهما: نَعَمْ؛ لأنَّ الاستثناءَ حينئذٍ مُنْشَأٌ بعدَ وقوعِ الطلاقِ فيلغُو، وهذا ما ادَّعَى أبو بكرٍ الفارسيِّ الإجماعَ عليه، والمسألةُ مبسوطةُّ في الأصلِ فَرَاجِعْهَا.
وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ، أي فالمستغرقُ باطلٌ بالإجماع إلاّ ما شَذَّ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً إلَّا ثْنَتيْنِ وَوَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ، نظراً إلى التفريقِ، ويقعُ طلقةً ويعملُ الاستثناءُ من الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ أي الطَّلْقَتَيْنِ، وَقِيْلَ: ثَلَاثٌ، نظراً إلى الجمعِ، ويوقعُ الثلاثَ
لكونهِ مستغرقاً، أَوِ اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةٌ إِلَاّ وَاحِدَةً فَثَلَاثٌ، نظراً إلى التفريقِ، وَقِيْلَ: ثِنْتَانِ، نظراً إلى الجمعِ، وَهُوَ مِنْ نَفْيٍ إِثْبَاتٌ، بالاتفاقِ، وَعَكْسُهُ، خلافاً لأبي حنيفة، فَلَوْ قَالَ: ثَلَاثاً إِلَّا ثِنْتَيْنِ إِلَاّ طَلْقَةً فَثِنْتَانِ، لأنَّ المعنَى ثلاثاً يقعُ إلاّ ثِنْتَيْنِ لا يقعانِ إلاّ واحدةً تقعُ من الاثنتين فَتُضَمُّ إلى الباقيَةِ من الثلاثِ فيقعانِ، أَوْ ثَلَاثاً إلَاّ ثَلَاثاً إِلَاّ اثْنَتَيْنِ فَثِنْتَانِ، لأنهُ لَمَّا عَقَّبَ الاستثناءَ بالاستثناءِ خَرَجَ الأوَّلُ عن أنْ يكونَ مستغرقاً، وكان ذلكَ الاستثناءُ استثناءَ ثلاثٍ إلاّ اثنتينِ من ثلاثِ، وثلاثٌ إلاّ اثنتينِ واحدةٌ، فكأنهُ قالَ: ثلاثاً إلاّ واحدةً، قِيْلَ: ثَلَاثٌ، لأنَّ الاستثناءَ الأوَّلَ مستغرقٌ لاغٍ، والثاني مرتْبٌ على ما هو لغوٌ فيلغو أيضاً، وَقِيْلَ: طَلْقَةٌ، لأنَّ الاستثناءَ الأولَ فاسدٌ لاستغراقهِ فيصرَفُ الاستثناءُ الثاني إلى أوَّلِ الكلامِ، ويصيرُ كأنهُ قال: أنتِ طالقٌ إلاّ ثلاثاً إلاّ ثْنَتيْنِ، أَوْ خَمْساَ إِلَّا ثَلاثًا فَثِنْتَانِ، لأنَّ الاستثناءَ لفظيٌّ فتوجَّبَ فيهِ موجَبَ اللفظِ، وَقِيْلَ: ثَلَاثٌ، لأنَّ الزيادةَ على الثلاثِ لغوٌ، لأنهُ لا سبيلَ إلى إيقاعِها فلا عِبْرَةَ بذكْرِها، وإذا كان كذلكَ كانَ الاستثناءُ مستغرقاً فيلغُر، أَوْ ثَلَاثاً إِلَّا نِصْفَ طَلْقَةِ فَثَلَاثٌ عَلَى الصَّحِيْحِ، لأنَّهُ لغَى نصفَ طلقةٍ فتكملُ، والثاني: يقعُ ثِنْتَانِ ويجعلُ استثناءَ النصفِ كاستثناءِ الكُلِّ، والصحيحُ الأولُ؛ لأنَّ التكميلَ إنما يكونُ في طرفِ الإيقاع تغليباً للتحريمِ.
فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ إِنْ لَمْ يَشَإِ اللهُ، وَقَصَدَ {التَّعْلِيقَ} لَمْ يَقَعْ، أمَّا في الأُوْلى: فلقوله عليه الصلاة والسلام: {مَنْ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ الله فَقَدِ اسْتَثْنَى} حسَّنَهُ الترمذيُّ، وقال الحاكم: صحيحُ الإسنادِ (35)، وهذا عامٌّ في الطَّلَاقِ والأَيْمَانِ، وفي معرفةِ الصحابةِ لأبي موسَى الأصبهاني من رواية معدي كرب
(35) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَال: إِنْ شَاءَ الله، فَقَدِ اسْتَثْنَى، فَلَا حَنْثَ عَلَيْه]. رواه الترمذى في الجامع: كتاب النذور: باب ما جاء في الاستثناء في اليمين: الحديث (1531)، وقال: حديث ابن عمر حديث حسن. والحاكم في المستدرك: كتاب الأيمان: الحديث (7832/ 33)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
مرفوعاً: [مَنْ أَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَلَهُ ثنياؤه](36)، وأمَّا في الثانيةِ: فلأنَّ عدم المشيئَةِ غيرُ معلومٍ كما أنَّ المشيئَةَ غيرُ معلومةٍ، ولأنَّ الوقوعَ بخلافِ مشيئةِ اللهِ تعالى مُحَالٌ، فأشبهَ ما إذا قالَ: أنتِ طالقٌ إنْ جَمَعْتِ بينَ السَّوَادِ والبَيَاضِ؛ فإنهُ لا يقعُ، واحترزَ بقولهِ:(وَقَصَدَ التَّعْلِيْقَ) عمَّا إذا قصدَ التَّبَرُّكَ بذكْرِ اللهِ تعالى فإنهُ يقعُ، وَكَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ تَعْلِيْقٍ، أي كقوله: أنتِ طالقُ إنْ دخلْتِ الدارَ إنْ شاءَ الله، وَعتْقٍ، أي كقولهِ: أنْتَ حُرٌّ إنْ شاءَ الله، وَيَمْينٍ وَنَذْرٍ وَكُلِّ تَصَرُّف، أي كالبيعِ وغيرهِ من التَّصَرُّفَاتِ لما قَرَّرْنَاهُ.
فَرْعٌ: هلِ انْعَقَدَتِ الْيَمِيْنُ ولكن لا يحكمُ بالحَنْثِ للشَّكِّ في المشيئةِ؟ أو ليست مُنْعَقِدَةً أصلاً؟ جزمَ الرويانيُّ بالأوَّلِ والبغويُّ بالثانِي.
وَلَوْ قَالَ: يَا طَالِقُ إِنْ شَاءَ اللهُ وَقَعَ فِي الأصَحِّ، أي ويلغُو الاستثناءُ، لأنهُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي الأفْعَالِ دُوْنَ الأسْمَاءِ، ألا ترَى أنهُ لا ينتظِمُ أنْ يقالَ: يا أسودَ إنْ شاءَ اللهُ، والثانى: لا يقعُ، لأنهُ إنشاءٌ في المعنَى كقولهِ: طَلَّقْتُكِ أو أنتِ طالقٌ، ويرجعُ حاصلُ الخلافِ إلى أنّا هلْ نُراعى الوضْعَ في الاستثناءِ أو نُراعِي المعنَى المرادِ ونُقِيْمُهُ مُقَامَ الموضُوعِ؟
أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِق إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ تَعَالَى فَلَا فِي الأَصَحِّ، لأنَّ هذهِ الصيغةَ أيضاً تعليقٌ بعدمِ المشيئةِ، لأنها توجِبُ حصرَ الوقوعِ في حالِ عدمِ المشيئَةِ، وهذا ما حكاهُ القفَّالُ عن النصِّ، والثاني: نَعَمْ، لأنهُ أوْقَعَ الطلاقَ وجعلَ الْمَخْرَجَ عنهُ المشيئةُ وأنها غيرُ معلومةٍ فلا يحصلُ الخلاصُ، وصارَ كما لو قالَ: أنتِ طالقٌ إلاّ إنْ يَشَأْ زيدَّ فماتَ زيدٌ ولم تُعْلَمْ مشيئتُهُ فإنهُ يقعُ الطلاقُ.
فَرْعٌ: لو قالَ: أنتِ طالقٌ إنْ شاءَ اللهُ أو أنْ شَاءَ اللهُ بفتح الهمزة (أنْ) فإنهُ يقعُ
(36) في نصب الراية لأحاديث الهداية: كتاب الطلاق: فصل في الاستثناء: ج 3 ص 234؛ قال الزيلعي: قلت: غريب بهذا اللفظ. في تلخيص الحبير: كتاب الطلاق: ج 3 ص 240؛ قال ابن حجر: أخرجه أبو موسى المديني في ذيل الصحابة من حديث معدي كرب.
في الحالِ، وكذا إنْ شاءَ زيدٌ أو إذْ شاءَ زيدٌ.
فَرْعٌ: لو قال: عَلَيَّ الطلاقُ أنِّي لا أفعلُ كذا إلاّ أنْ يسبِقَني القضاءُ والقدرُ ثم فعلَهُ، وقالَ: قصدْتُ إخراجَ ما قدر منه غيرُ اليمينِ، قال ابنُ الصلاحِ في فتاويهِ: لا تُطَلِّقُ.
فَصْلٌ: شَكَّ فِي طَلَاقٍ فَلَا، بالإجماعِ، أَوْ فِي عَدَدٍ فَالأَقَلُّ، لأنَّ الأصلَ عدمُ الزائدِ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ، أي في الصورتين، أمَّا في الأُولى: فيراجعُ إنْ كانت لهُ الرَّجْعَةُ، وإلاّ فليجَدِّدِ النكاحَ إنْ كانَ له رغبةٌ، وإلاّ فَلْيُنَجِّزْ طَلَاقَهَا، وأمَّا في الثانيةِ فالورعُ أنْ يَبْتَدِىْء طلقتين لا إيقاعَ ثلاثٍ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ ذَا الطَّائِرِ غُرَاباً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَجَهِلَ! لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ، لأنهُ لو انفردَ أحدُهما بما قالَ لم يحكَمْ بوقوعِ الطلاقِ لجوازِ أنهُ غيرُ غرابٍ، والأصلُ بقاءُ النكاحِ فتعليقُ الآخرِ لا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ، فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طُلِّقَتْ إِحْدَاهُمَا وَلَزِمَهُ الْبَحْثُ وَالْبَيَانُ، أي والامتناعُ عنهُما أيْ إلى أنْ يَتَبَيَّنَ ولَوْ طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا بِعَيْنهَا ثُمَّ جَهِلَهَا، أي بأنْ شَافَهَهَا بالطلاقِ أو نَوَاهَا عندَ قولهِ: إِحْدَاكُمَا طالقٌ ثم نسِيَها، وُقِفَ حَتَّى يَذَّكَّرَ، أي وجُوباً لأنَّ إحدَاهُما مُحَرَّمَةٌ بالطلاقِ والأُخرى بالاشتباهِ، وَلَا يُطَالَبُ بِبَيَانٍ إِنْ صَدَّقَتَاهُ فِي الْجَهْلِ، أيْ فإنْ كَذَّبْنَاهُ وبادرَتْ واحدةٌ وقالَتْ: أنَا الْمُطَلَّقَةُ لم يقنعْ منهُ بالجوابِ في قولهِ: نسيتُ أو لا أَدْرِي، وإنْ كان قولهُ محتملاً، بل يطالَبُ بيمينٍ جازمَةٍ إنهُ لم يُطَلِّقْهَا، فإنْ نَكَلَ حلفتْ وقضي باليمينِ المردودةِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا ولأَجْنَبِيَّةٍ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَقَالَ: قَصَدْتُ الأَجْنَبِيَّةَ، قُبِلَ فِي الأَصَحِّ، لاحتمالِ اللفظِ لكُلِّ منهُما، والثاني: لا يُقْبَلُ؛ لإنَّ ظاهرَ اللفظِ ينصرفُ إلى المملوكِ شرعاً، وَلَوْ قَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَقَالَ: قَصَدْتُ أجْنَبِيَّةً فَلَا عَلَى الصَّحِيْحِ، أي ويُدَيَّنُ فيما بينهُ وبينَ اللهِ تعالى؛ لأنَّ المشاركةَ في لفظِ زينب من حيثُ صلاحيَّةِ الاسمِ لها بخلافِ المشاركةِ في لفظِ إحداكُما، فإنها من حيثُ النصِّ الذي لا يقبلُ
التأويلَ فلذلك قُبِلَ صرفهُ إلى الأجنبيَّةِ، والثاني: يُصَدَّقُ بيميِنهِ كالصورة السابقةِ، لأنَّ التسميةَ تحتملهُ والأصلُ بقاءُ النكاحِ، والثالث: إنْ قالَ: زينبُ طالقٌ ثم قال: أردتُ الأجنبيةَ قُبِلَ، وإن قال: طلقتُ زينب لم يقبلْ وهو ضعيفٌ.
وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً طُلِّقَتْ، لصلاحيَّةِ اللفظِ لذلك، وَإِلاً، أي وإنْ لم يقصُدْ واحدةً بعينِها، فَإِحْدَاهُمَا، لعدم النِّيَّةِ المميِّزَةِ، وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ فِي الْحَالَةِ الأُوْلَى، أي لِتُعْرَفَ المطلَّقَةُ فتترتَّبَ عليها الأحكامُ، وَالتَّعْيِينُ فِي الثَّانِيَةِ، أي في الطلاقِ البائِنِ لا الرجعِيِّ على الأصحِّ لأنها زوجةٌ، وَتُعْزَلَانِ عَنْهُ إِلَى الْبَيَانِ أَوِ التَّعْيِيْنِ، لاختلاطِ المحظورِ بالْمُبَاحِ، وَعَلَيْهِ الْبَدَارُ بِهِمَا، أي بالبيانِ أو التعيِين لرفعِ حبسِهِ عمَّنْ زالَ مِلْكُهُ عنها، فلو أخَّرَ عصَى وَعُزِّرَ ولا يقنعُ بقولهِ نسيتُ الْمُعَيَّنَةَ، كذا أطلقهُ الرافعيُّ هُنا، وكلامهُ فيما إذا طلَّقَ واحدةً بعينِها ثم نَسِيَهَا يقتضِي القبولَ إذا صدقنَاهُ في النسيانِ، وكذا قالهُ الرويانيُّ، وَنَفَقَتُهُمَا فِي الْحَالِ، لأنهما مَحْبُوسَتَانِ عندهُ حَبْسَ الزوجاتِ، وإذا بيَّنَ أو عيَّنَ لا يستردُّ المصروفَ إلى الْمُطَلَّقَةِ لما قلناهُ.
وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ، أي فيما إذا قصدَ مُعَيَّنَةً أو لم يقصِدْ ثم عيَّنَ، لأنهُ نَجَّزَ الطلاقَ فلا يجوزُ تأخيرُهُ إلاّ أنَّ محِلَّهُ غيرُ متعيِّنٍ فيؤمَرُ بالتعيينِ، وأيضاً لَوْلَا الوقوعُ لما مُنِعَ منهُما، وَقِيْلَ: إِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَعِنْدَ التَّعْيِيْنِ، لأنه لو وقعَ قبلهُ لوقعَ، لا في محلِّ، والطلاقُ شيءٌ معيّنٌ فلا يقعُ إلاّ في محلِّ معينٍ فكأنَّ الزوجَ أوجبَ الطلاقَ والتزمَهُ ولم يوقعهُ فألزم إتمامهُ ووقعت الحيلولةُ لذلك.
فَرْعٌ: الأصح أن العِدً ةَ تحسبُ من التعيينِ.
تَنْبِيْهٌ: هذا كلُّهُ في حياةِ الزوجتينِ، وسيأتى أنهُما إذا ماتَتَا أو إحداهُما تبقى المطالبةُ بالتعيينِ لبيانِ حكمِ الميراثِ، وحينئذٍ إنْ أوقعْنَا الطلاقَ باللفظِ فذاكَ، وإنْ أوقعناهُ بالتعيينِ فلا سبيلَ إلى إيقاعِ طلاقِ بعد الموتِ، ولا بُدَّ من إسنادهِ للضرورةِ، والى ما يُسند وجهان، أصحُّهما عند الإمام: إلى وقتِ اللفظِ فيرتفعُ الخلافُ،
وأرجَحُهما عند الغزاليِّ: إلى قُبَيْلِ الموتِ.
وَالْوَطءُ لَيْسَ بَيَاناً، أي للتي قصدَها وتبقى المطالبةُ بالبيانِ، لأنَّ الطلاقَ لا يقعُ بالفعلِ فكذا بيانهُ.
فَرْعٌ: لو بَيَّنَ الطلاقَ في الموطوءةِ حُدَّ إنْ كان الطلاقُ بائناً ويلزمهُ المهرُ لجهلِها، وإنْ بيَّنَ في غيرِها قُبِلَ، فإنْ ادَّعَتِ الموطوءةُ أنهُ أرادَها حلف، وإنْ نَكَلَ وحلفَت طُلِّقَتَا وعليه المهرُ، ولا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ.
وَلَا تَعْيِيْناً، إذا لم يقصِدْ واحدةً منهُما، لأنَّ مِلْكَ النكاحِ لا يحصلُ بالفعل ابتداءاً فلا يتداركُ بالفعلِ، ولذلك لا تحصلُ الرجعةُ بالوطئِ وهذا ما نقلهُ صاحبُ الشامل عن النصِّ، وَقِيْلَ: تَعْيِيْنٌ، لأنَّ هذا تعيينُ شهوةٍ واختيارٍ فيصحُّ بالوطئِ، وهذا ما نقلهُ الماورديُّ عن الأكثرين، وقال: إنهُ ظاهرُ المذهبِ، قال المحامليُّ: وصارَ إليه سائرُ الأصحابِ.
فَرْعٌ: إن جعلناهُ تعييناً ففي كونِ سائرِ الاستمتاعاتِ تعييناً وجهانِ بناء على الخلافِ في تحريمِ الرَّبِيْبَةِ بذلكَ.
فَرْعٌ: إنْ جعلناهُ تعييناً للطلاقِ في الأُخرى فلا مهرَ للموطوءَةِ ولا مطالَبَةَ وإلآ فيُطَالَبُ بالتعيينِ، فإنْ عيَّنَ الطلاقَ في الموطوءَةِ فلها المهرُ إنْ قُلْناَ يقعُ الطلاقُ باللفظِ، وإنْ قُلْنَا بالتعيينِ فلا؛ وفيه احتمالٌ للفورانيِّ.
فَرْعٌ: ذَكَرَ ابنُ الصَّبَّاغ وغيرُه تفريعاً على أنَّ الوطءَ تعيينٌ، أنَّ الزوجَ لا يمنعُ من وطئِ أِيَّتِهِمَا شاءَ وإنما يمنعُ منهُما إذا لم يجعلِ الوطءُ تعييناً، ولما أطلقَ الجمهورُ المنعَ منهُما جميعاً أَشْعَرَ ذلكَ بأنَّ الأصحَّ عندهم أنهُ ليسَ بتعيينٍ.
وَلَوْ قَالَ مُشِيْراً إِلَى وَاحِدَةٍ. هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَبَيَانٌ، عملاً بقوله.
فَرْعٌ: لو قالَ: الزوجةُ هَذِهِ بَانَ الطَّلَاقُ في الأُخْرَى، وكذا لو قالَ: لَمْ أطَلِّقْ هذهِ.
أَوْ أَرَدْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ، أي وكذا هذهِ معَ هذهِ، حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا، لأنهُ أقرَّ بطلاقِ الأُولى ثم رجعَ وأقرَّ بطلاقِ الثانيةِ فلم يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عنهُ وقُبِلَ إقرارُهُ بطلاقِ الثانيةِ، لأنهُ أَقَرَّ بِحَقِّ عليهِ، وهذا بالنسبةِ إلى الظاهرِ، أمَّا في الباطنِ فالمطلَّقَةُ مَنْ نَوَاهَا أو عَيَّنَهَا لا غيرَ.
فَرْعٌ: لو قال: أردتُ هذهِ ثم هذهِ أو هذه فهذهِ؛ فالأظهرُ من زوائدِ الروضةِ أنَّ الأُولى تُطَلَّقُ دُونَ الثانيةِ لاقتضاءِ الحرفينِ الترتيبَ، واعترضَ الإمامُ بأنهُ اعترَفَ للثانيةِ أيضاً فَلْيَكنْ كقولهِ: هذهِ وهذهِ، قالَ الرافعيُّ: وهو الحقُّ.
وَلَوْ مَاتَتَا أَوْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ بَيَانٍ وَتَعْيِيْنِ بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ لِبَيَانِ الإِرْثِ، لأنهُ قد ثبتَ إرثُهُ من إحدَيْهِما بيقينٍ، فإذا بيَّنَ أو عيَّنَ لم يرِثْ من المطلَّقَةِ إنْ كانَ الطلاقُ بائناً سواءٌ قلنا يقعُ الطلاقُ عندَ اللفظِ أو عندَ التعيينِ ويرثُ من الأُخرى.
وَلَوْ مَاتَ، أي الزوجُ قبلَ البيانِ أو التعيينِ، فَالأَظْهَرُ قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ لَا تَعْيْينهِ، لأنَّ البيانَ إخبارٌ يمكنُ الاطلاعُ عليه بخلافِ التخييرِ فإنهُ اختيارُ شهوةٍ فلا يخلفهُ الوارثُ فيهِ، كما لو أسلَمَ على أكثرِ من أربعِ نسوةٍ وماتَ، والقولُ الثاني: يقومُ مقامهُ مطلقاً كما في الحقوقِ، والثالث: المنعُ مطلقاً، لأنَّ حقوقَ النكاحِ لا تورَثُ، ورجَّحَ الغزاليُّ طريقةً أُخرى، وتبعَهُ الحاوي الصغيرِ فَرَاجِعْهَا في الأصلِ.
وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ، ذلك الطائرُ، غُرَاباً فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلَاّ فَعَبْدِي حُرٌّ وَجُهِلَ مُنِعَ مِنْهُمَا، أيْ من استخدامِ العبدِ والاستمتاعِ بالمرأةِ، إِلَى الْبَيَانِ، لأنهُ عَلِمَ زوالَ مِلْكِهِ عن أَحَدِهِمَا فأشبهَ طلاقَ إحدَى امْرَأَتَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأنهُ مُتَّهَمٌ في منعِ الزوجةِ من الإرثِ وإبقاءُ الرِّقِّ في العبدِ، ولأنَّ لِلْقُرعَةِ مَدْخَلاً في العتقِ، والثاني: أنهُ على الخلافِ في الطلاقِ الْمُبْهَمِ من الزوجتينِ، ولم يُرَجِّح الرافعيُّ واحداً من هذين الطريقينِ في شرحَيْهِ، وإنما ذَكَرَ أنَّ الَّذِي نَصَّ الْفُحُولُ على ترجيحِهِ أنهُ لا يقومُ مقامهُ وإنْ أثبتنا الخلافَ، وَاعْلَمْ: أنَّ المصنِّفَ أطلَقَ الخلافَ تبعاً لِلْمُحَرَّرِ وغيرهِ، وخصَّهُ السرخسِيُّ بما إذا عيَّنَ الوارثُ الْحِنْثَ في
المرأةِ، فأمَّا إذا عكسَ فإنهُ يُقْبَلُ قطعاً لإضرارهِ بنفسهِ، قال الرافعيُّ: وهو حسنٌ، وقال المصنف في الروضة: إنهُ مُتَعَيِّنٌ وأنَّ غيرَ السرخسيِّ قالهُ أيضاً، بَل يُقْرَعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ، فصلاً للخصومةِ، فَإِنْ أَقْرَعَ عَتَقَ، أي إذا كانَ التعليقُ في الصحةِ أو في المرضِ وخرجَ من الثُّلُثِ إذْ هو فائدةُ الْقُرْعَةِ.
فَرْعٌ: ترثُ المرأةُ إلاّ إذا كانَتْ قدِ ادَّعَتِ الْحِنْثَ في يَمِيْنِها وكان الطلاقُ بائناً.
أوْ قَرَعَتْ لَمْ تُطَلِّقْ، إذ لا مَدخل لها فيه بدليلِ ما لو طَلَّقَ إِحْدَى امرأتَيْهِ لا تدخل القرعةُ بخلافِ العتقِ فإنَّ النصَّ وردَ بها فيه، وَالأَصَحُّ أنَّهُ لَا يَرِقُّ، أي في هذه الحالةِ، لأنَّ الْقُرْعَةَ لم تُؤَثِّرْ فيما خرجَتْ عليه فَعَيَّنَ كذلكَ، والثاني: نَعَمْ، قال الرويانيُّ: وهو ظاهرٌ، لأنَّ القُرعةَ تعملُ في العتقِ والرِّقِّ، فكما يُعْتَقُ إذا خرجَتْ عليهِ يُرَقُّ إذا خرجَتْ على عَدِيْلِهِ، وعلى هذا يزولُ الإشكالُ، وعلى الأوَّلِ وجهانِ؛ أحدُهما: أنَّ القرعةَ تُعَادُ إلى أنْ تخرُجَ عليهِ، وأصحُّهما: أنَّ الإشكالَ باقٍ بحالِهِ ويوقَفُ عنهُما جميعاً في الابتداءِ، قال صاحبُ الْمُعِيْنِ: ومحِلُّ الخلافِ في الظاهرِ، أمَّا في الباطنِ فيملكُ التصرفَ فيه قطعاً، قال: والخلافُ أيضاً في التصرُّفِ في نصيبِ الزَّوْجَةِ، أمَّا نصيبُها منهُ فلا يملكُهُ قطعاً، وقولُ المصنِّفِ:(يَرِقُّ) هو بفتح أولهِ وكسرِ ثانيهِ كذا ضبطهُ بخطِّهِ وصحَّحَ عليهِ.
فَصْلٌ: الطَّلَاقُ سِنّيٌّ وَبِدْعيٌّ، لأنَّ العلماءَ لم يزالوا يصفونَ الطلاقَ بهما قديماً وحديثاً، وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ، لحصولِ الضررِ به كما سيأتي، وَهُوَ ضَرْبَانِ: طَلَاقٌ فِي حَيْضِ مَمْسُوْسَةٍ، بالإجماع وَمُسْتَنَدُهُ قضَّيةُ (•) ابن عمر في الصحيح، واحترزَ بالممسوسَةِ عن غيرِها، فإنهُ لا عِدَّةَ حينئذٍ حتى لا يطول ولا ندم (•)، وَقِيْلَ: إِنْ سَأَلَتْهُ لَمْ يَحْرُمْ، لرضَاها بتطويلِ العِدَّةِ والأصحُّ مقابلُهُ لإطلاقِ قولهِ تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (37) أي للوقتِ الذي يشرعنَ في العِدَّةِ أو تكونُ (اللام) بمعنَى (في) لقولهِ
(•) في النسخة (1): خبرُ.
(•) في النسخة (1): يدوم.
(37)
الطلاق / 1.
تعالى: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} (38) أي في أوَّل الحشرِ، وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيْهِ، لإطلاقِ قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيْمَا افْتَدَتْ بِهِ} (39)، لَا أجْنَبِيٍّ فِي الأَصَحِّ، لعدمِ الرضَى منها بالتطويلِ، ووجهُ مقابلهِ: وجودُ الحاجةِ إلى بذلِ المالِ، قال الرافعيُّ: ويشبهُ أنْ يقالَ: المعنى في جوازِ خُلْعِها حاجَتُها إلى الافتداءِ بالمالِ لا مطلقَ الافتداءِ.
تَنْبِيْهٌ: لا يحرمُ الطلاقُ الواجبُ في الحيضِ على المولى، والتطليقُ عليه، وطلاقُ الحكمين والفُرقة لعجزهِ عن المهرِ والنفقةِ، إذا قُلْنَا إنها طلاقٌ، وفي الأُولى بحثٌ للرافعيِّ لأنهُ أحْوَجَهَا بالإيذاءِ (•) إلى الطلبِ، وهر غيرُ ملجئٍ إلى الطلاقِ لتمكُّنِهِ من الفيئةِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِكِ فَسُنِّيٌّ فِي الأصَحِّ، لاستعقابهِ الشُّرُوعَ في العِدَّةِ، والثاني: أنه بِدَعِيٌّ لاقترانهِ بالحيضِ؛ وصحَّحَهُ الرويانيُّ، أَوْ مَعَ آخِرِ طُهْرِ لَمْ يَطَأْهَا فِيْهِ فَبِدْعِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ، أخذاً بالأغلَظِ، هذا إذا لم نجعلِ الانتقالَ من الطُّهْرِ إلى الحيضِ قُرْءاً، فإنْ وقعَ بدعيًّا في الصورةِ السابقةِ؛ وقعَ هنا سُنِّياً، وإن وقعَ سُنِّياً انْعَكَسَ، أمَّا إذا جعلناهُ قُرْءاً فهو سُنِّيٌّ لمصادفتهِ الطُّهْرَ والشُّروع في العدَّةِ عقبهُ، وعبَّرَ المصنِّفُ لأجلِ ذلك هنا وفي الروضة بالمذهبِ.
فَرْعٌ: الطلاقُ في النِّفَاسِ بِدْعِيٌّ كالطلاقِ في الحيضِ، ووقعَ للرافعيِّ في كتابِ الْحَيْضِ ما يقتضي أنهُ لا يكونُ بِدْعِيًّا وهو منقودٌ عليه، وَطَلَاقٌ فِي طُهْرِ وَطِئَ فِيْهِ مَنْ قَدْ تَخْبَلُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ، لأنهُ ربما يندمُ على الطلاقِ لو ظَهَرَ الْحَمْلُ؛ فإنْ ظهرَ فلا بدعَةَ فيه لانتفائهِ؛ لأنهُ وَطَّنَ نفسَهُ على الفِرَاقِ مع حصُولِ الولدِ.
فَرْعٌ: استدخالُها ماءهُ كالوطءِ؛ لاحتمال حدوثِ الحملِ منهُ، وكذا لو وَطِئَ في الدُّبُرِ على الأصحِّ في الروضةِ، وفيه نظرٌ إذِ العُلُوقُ في غايةِ البُعْدِ.
فَلَوْ وَطِئَ حَائِضاً وَطَهُرَتْ فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ فِي الأَصَحِّ، لاحتمالِ العُلوق في
(38) الحشر / 2.
(39)
البقرة / 229.
(•) في نسخة: بالإيلاء.
الحيضِ، والبقية مما دفعتْهُ الطبيعةُ، والثاني: لا يكونُ بدعيًّا، لأنَّ هيئةَ الحيضِ تُشْعِرُ بالبراءَةِ، وَيَحِلُّ خُلْعُهَا، لمخالعَتها في الحيضِ، وَطَلَاقُ مَنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا، لانتفاءِ الندمِ حينئذٍ.
تَنْبِيْهٌ: لو كانت لهُ امرأتان، قَسَمَ لإحداهُما، ثم طَلَقَّ الأُخرى قبلَ أنْ يُوَفِّيَهَا حقَّها أَثِمَ، وهذا سببٌ آخرٌ لكون الطلاق بدعيًّا.
فَرْعٌ: لو علَّقَ على صفةٍ توجدُ في حالِ الطُّهْرِ فَسُنّيٌّ، وإلاّ فَبِدْعِيٌّ يقتضي استحبابَ المراجعةِ دونَ الإِثْمِ، وقيلَ: يكونُ مكروهاً؛ أعني التطليقَ، قال الرافعيُّ: ويمكنُ أنْ يقال: إذا تعلقَتِ الصفةُ باختيارهِ أَثِمَ أو باختيارِها فَكَسُؤَالِهَا.
وَمَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلْقَ بَعْدَ طُهْرِ، لحديث ابن عمرَ الشهير في الصحيح (40)، قال الماورديُّ: وأَطْلَقَ الشافعيُّ الزمانَ الذي تُستحبُّ فيه المراجعةُ وهو مخصوصٌ ببقية تِلْكَ الحيضةِ، فإن مضَتْ ولم يراجِعِ ارتفعَ الخطابُ بها، وكذا إذا طَلِّقَهَا في طُهْرٍ جامَعَها فيهِ فهو بقيَّةُ الطُّهْرِ والحيضةُ الى تليهِ حتى تنقضي، فإذا لم يفعلِ انقضَى ذلك وارتفعَ أيضاً.
خَاتِمَةٌ: الآيِسَةُ والصغيرةُ والتي ظَهَرَ حَمْلُها وغيرُ الْمَمْسُوْسَةِ لا بدعةَ في طلاقِهِنَّ ولا سُنّةَ، إذ ليس فيه تطويلُ العِدَّةِ ولا نَدَمٌ بسببِ ولدٍ.
وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، لاِتّصَالِ طلاقِها بالبدعةِ، أوْ لِلسُّنَةِ فَحِيْنَ تَطْهُرُ، أي ولا يتوقفُ على الاغتسالِ لوجودِ الصفة قَبْلَهُ، أَوْ لِمَنْ
(40) عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما؛ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأتَهُ وَهِىَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:[مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيْضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ؛ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ؛ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الْتِى أَمَرَ الله أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النَّسَاءُ] رواه البخاري في الصحيح: كتاب الطلاق: باب (1): الحديث (5251). ومسلم في الصحيح: كتاب الطلاق: الحديث (1/ 1471).
فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيْهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ مُسَّتْ فِيْهِ فَحِيْنَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ، لوجودِ الصفةِ، أَوْ لِلْبِدْعَةِ فَفِي الْحَالِ إِنْ مُسَّتْ فِيْهِ وَإِلَاّ فَحِيْنَ تَحِيْضُ، لما قلناهُ، قال في التتمةِ: وَيُحْكَمُ بوقوعِ الطلاقِ بظهورِ أَوَّلِ الدَّمِ، فإنِ انقطعَ لِدُونِ يومٍ وليلةٍ بَانَ أنَّها لم تُطَلَّقْ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَة أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ فَكَالسُّنَّةِ، لأنهُ المُتَّصِفُ بهذه الصفاتِ، اللهُمَّ إلاّ أنْ ينوِيَ ما فيه تغليظٌ عليهِ بأنْ يكونَ في حالِ البدعةِ وأرادَ الوقوعَ في الحالِ ووصفَهُ بالْحَسَنِ لسوءِ عِشْرَتِهَا وخُلُقِهَا، أَوْ طَلْقَةً قَبيْحَةٌ أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ فَكَالْبدْعَةِ، لأنهُ الْمُتَّصِفُ بهذه الصفاتِ، اللَّهُمَّ إلَّا إنْ ينوِيَ ما فيه من تغليظٍ عليه بأنْ يَكونَ في حالِ السُّنَّة وأرادَ به الوقوعَ في الحالِ، ووصفَهُ بالْقُبْحِ، لأنَّ طلاقَ مثلِها مُستقبَحٌ لِحُسْنِ خُلُقِهَا وعِشْرَتِهَا، أَوْ سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةَ أَوْ حَسَنَةً قَبِيْحَةً، أيْ والمخاطبةُ ذات إِقراءٍ، وَقَعَ فِي الْحَالِ، لأنهُ وصَفَ الطلاقَ بصفتين متضادَّتَين فيلغُو الوصفانِ ويبقَى أصلُ الطلاقِ، قال السرخسيُّ في الأمَالِي: فإنْ فسَّرَ كُلَّ صفةٍ بمعنَى فقالَ: أردتُ كونَها حسنةً من حيثُ الوقتُ، وقبيحةً من حيثُ العدَدُ حتى تقعَ الثلاثُ أو بالعكسِ قُبِلَ منهُ، وإنْ تأخَّرَ الوقوعُ لأنَّ ضررَ وقوعِ العددِ أكثرَ من فائدةِ تأخيرِ الوُقُوعِ.
وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلَقَاتِ، لأنَّ الْمُلَاعِنَ طَلَّقَ ثلاثاً ولم يُنْكِرْ عليهِ صلى الله عليه وسلم لِيَنْزَجِرَ مَن بَعْدَهُ (41).
(41) عن سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ (أَنَّ عُوَيْمِراً الْعَجَلانِىِّ، أَقْبَلَ حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَ النَّاسِ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرأتِهِ رَجُلاً! أيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؛ أمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [قَدْ أنْزَلَ الله فِيْكَ وَفِي حَاجَتِكَ؛ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا] قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا. قَالَ عُوَيْمِرُ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أمْسَكْتُهَا. فَطَلِّقَهَا ثَلَاثاً، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنينَ). رواه البخارى في الصحيح: كتاب الطلاق: باب اللعان، ومن طلق بعد اللعان: الحديث (5308). ومسلم في الصحيح:
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً، أيْ واقتصَرَ عليهِ، أَوْ ثَلَاثاً لِلسُّنْةِ، وَفَسَّرَ بِتَفْرِيْقِهَا عَلَى إِقْرَاءٍ لَمْ يُقْبَلْ، لأنهُ تأخيرُ ما يقتضِي اللفظُ تَنْجِيْزَهِ، إِلَاّ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيْمَ الْجَمْعِ، أي جمعُ ثلاثٍ في القرءِ الواحدِ فإنهُ يُقبل في الظاهرِ منهُ، لأنَّ تفسيرَهُ يستمرُّ على اعتقادهِ، وَالأصَحُّ أَنَّهُ يُدَيَّنُ، أي في الصورتين المذكورتينِ، لأنهُ لو وَصَلَ باللفظِ ما يَدَّعِيْهِ لانْتَظَمَ، والثاني: لا، لأنَّ ما يلفَّظُ به قاصرٌ عنهُ، ومعنى التّدَيِّنُ مع نَفْيِ القبولِ ظاهراً كما قالهُ الشافعيُّ: لهُ الطَّلَبُ وعليها الهَرَبُ، وَيُدَيَّنُ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ: أرَدْتُ إِنْ دَخَلْتِ، الدَّارَ، أَوْ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، أي بخلافِ قولهِ: أردتُ إنْ شاءَ الله فإنهُ لا يُدَيَّنُ، والفرقُ أنَّ التعليقَ بمشيئةِ اللهِ يرفعُ حكمَ الطلاقِ جملةً، فلا بُدَّ فيه من اللفظِ والتعليقِ بالدخولِ، ومشيئةُ زيدٍ لا يرفعهُ لكن يخصِّصُهُ بحالٍ دون حالٍ.
وَلَوْ قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ أَوْ كُل امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرَدْتُ بَعْضَهُنَّ فَالصَّحِيْحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ظَاهِراً، لأنَّ اللفظَ عامٌّ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيْعِهِنَّ فلا يمكنُ صَرْفُ مقتضاهُ بالنيَّةِ كما لو قالَ: أنتِ طالقٌ، وقالَ: أردتُ إذا جاءَ رأسُ الشهرِ، إِلَّا لِقَرِيْنَةٍ بِأَنْ خَاصَمَتْهُ وَقَالَتْ تَزَوَّجْتَ فَقَالَ، أي في إنكاره: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، وقال: أَرَدْتُ غَيْرَ الْمُخَاصِمَةِ، عَمَلاً بها، والثاني: يقبلُ في الظاهرِ مطلقاً، لأنَّ اللفظَ يحتملُ العمومَ والخصوصَ، فإذا ادَّعَى إرادةَ إحداهُما قُبِلَ، والثالث: يقبلُ في الأوَّلِ عَزْلَ واحدةٍ دون الثانيةِ، وفي أواخر الأيمان قبل النذر بِوَرَقَةٍ من الكافي للخوارزمي: أنَّ رجُلاً أرادَ أنْ يتزوَّجَ بامرأةٍ. وكانت له امرأةٌ فأبَى أهلُها (•) أنْ يزوِّجُوهُ لذلكَ، فَذَهَبَ بامرأتهِ الأُخرى إلى المقبرةِ وأجلَسَها هُناكَ ثم قالَ لهم: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي سِوَى التي في المقابرِ طَالِقٌ ثلاثاً فَزَوَّجُوهُ، يصحُّ النكاحُ ولا يقعُ الطلاقُ على امرأتهِ وهى مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْوَاقِعَاتِ.
= كتاب اللعان: الحديث (1/ 1492).
(•) في النسخة (2): أقارِبُها.
فَصْلٌ: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ أَوْ أوَّلِهِ وَقَعَ بِأوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، لأنَّ الشهرَ اسمٌ لما بينَ الهلالينِ، وقد جعلهُ ظرفاً فوقعَ في أوَّلِ جزءٍ منهُ، كما لو قال: إنْ دخلْتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ فدخلَتْ جُزءاً منها، أَوْ فِي نَهَارِهِ أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ فَبفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ، منه؛ لأنَّ منهُ يوجدُ ما علَّقَ عليهِ، أَوْ آخِرِهِ فَبِآخِرِ جُزْءٍ مِنَ الشَّهْرِ، لأنهُ الآخر المطلق وهو المفهومُ من اللفظ، وَقِيْلَ: بِأَوَّلِ النِّصْفِ الآخِرِ، إذ كلُّهُ آخرُ الشهرِ فيقعُ في أولهِ كما يقعُ في أوَّلِ الشهرِ، إذا قال: أنتِ طالقٌ في شهرِ كذا، في المسألةِ وجهٌ ثالثٌ: أنها تُطَلَّقُ في أوَّلِ اليومِ الأخيرِ منهُ، ونسبَهُ الخوارزميُّ في كافيهِ إلى الأكثرين.
وَلَوْ قَالَ: لَيْلاً إِذَا مَضَى يَوْمٌ فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ، لأنهُ حينئذٍ يتحقَّقُ مُضِيُّ يومٍ، أَوْ نَهَاراً فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ، لذلك قال الرافعىُّ: وفيه تلفيقُ اليومين من البَعْضَيْنِ، وقد مرَّ في الاعتكافِ أنهُ إذا نذرَ أنْ يعتكفَ يوماً لم يَجُزْ تفريقُ ساعاتهِ في الأصحِّ، وفيما ذَكَرَهُ نظرٌ، أَوِ الْيوْمَ فَإِنْ قَالَهُ نَهَاراً فَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ، لأجلِ التعريفِ فينصرفُ إلى اليوم الذي هو فيهِ، وَإِلَّا لَغَا، وإنْ قالَهُ ليلاً فهو لغوٌ، لأنهُ لا نهارَ حتى يحملُ على المعهودِ، ولا يمكنُ الحملُ على الجنسِ، وفي التتمَّةِ: أنها تطلَّقُ، وَبِهِ يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ، أى فإذا قالَ: إذا مضَى شهرُ فأنتِ طالقٌ، فلا يقعُ الطلاقُ حتى يمضِيَ شهرٌ كاملٌ، فإنْ ذكرَهُ في أوَّلِ شهرٍ هلاليٍّ فيقعُ الطلاقُ بِمُضِيِّهِ كاملاً كان أو ناقصاً، وإلاّ فإنْ قالهُ ليلاً اعتُبِرَ مُضِيُّ ثلاثين، وفي الحادي والثلاثين بقدرِ ما سبقَ من ليلةِ التعليقِ، وإنْ قالهُ نهاراً فيكملُ من الحادي والثلاثين بقدر التعليقِ، ولو قال: إذا مضَى الشهرُ طُلِّقَتْ إذا مضَى الشهرُ الهلاليُّ، وكذا لو قال: إذا مَضَتْ سنةٌ بالتنكير لم يقعْ حتى يمضي اثنا عشر شهراً بالأهِلَّةِ كاملةً كانت أو ناقصةً، فإنِ انكسرَ الشهرُ كَمُلَ ثلاثين من الآخرِ، أَوْ أنْتِ طَالِقٌ أمْسِ، وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ مُسْتَنِداً إِلَيْهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، لأنهُ أوقَعَ الطلاقَ في الحالِ وأسندَهُ إلى زمان سابق فيثبُتُ ما يمكنُ ثبوتُهُ ويلغُو ما لا يمكنُ، وَقِيْلَ: لَغْوٌ، لأنهُ إنما أوقعَ طلاقاً مسنداً، فإذا لم يمكنْ إسنادهُ وجبَ أن لا يَقَعَ، أَوْ قَصَدَ أنَّهُ طَلَّقَ أمْسِ وَهِيَ الآنَ
مُعْتَدَّةٌ، أي عن طلاق رجعيّ أو بائنٍ، صُدِّقَ بِيَمِيْنهِ، لظهورِ ما ادَّعَاهُ؛ وإلاّ فلا لِبُعْدِهِ، أَوْ قَالَ: طَلَّقْتُ فِي نِكَاحٍ آخَرَ فَإِن عُرِفَ، أي النكاحُ السابقُ أو قامت عليه بَيِّنَةٌ، صُدِّقَ بِيَمِيْنِهِ، أي في إرادته، وَإِلَاّ فَلَا، أيْ وإنْ لم يُعْرَفْ؛ لم يُصَدَّقْ، ويحكم بوقوعِ الطلاقِ في الحالِ لِبُعْدِ دَعْوَاهُ، كذا قال الغزاليُّ، وعبارةُ الروضة تبعاً للرافعيِّ، وإن لم يُعْرَفْ نكاحٌ سابقٌ وطلاقٌ فيهِ؛ وكان محتملاً؛ فينبغى أنْ يقبَلَ التفسيرُ به وإن لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ، وأنْ لا يقعَ الطلاقُ وإنْ كانَ كاذباً، ولهذا لو قالَ ابتداءً: طَلَّقَكِ في الشهرِ الماضي زوجٌ غيري؛ لا يُحْكَمُ بوقوعِ الطلاقِ عليهِ، وإنْ كَذَبَ؟ وهذا المذكورُ هو كلامُ الإمامِ بعدَ أنْ نقلَ عن الأصحابِ الحُكمَ بوقوعِ الطلاقِ في الحالِ؛ وقد بَيَّنَهُ كذلكَ في الشرحِ الصغيرِ وأسقَطَ عَزْوَهُ إليه من الكبيرِ، وقد حكاهُ الرويانيُّ وجهاً أيضاً.
فَرْعٌ: لو قال: لم أوْقِعِ الطَّلَاقَ في الحالِ، فالمنصوصُ الذي قطعَ به الأكثرونَ وقوعُهُ في الحالِ.
فَرْعٌ آخَرٌ: لو قالَ: لم أُرِدْ شيئاً بما تَقَدَّمَ، فالصحيحُ وقوعُهُ.
فَصْلٌ: وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيْقِ: مَنْ؛ كَمَنْ دَخَلَتْ، أي الدارَ من زَوْجَاتِي فهى طالقٌ؛ وَإِنْ؛ وِإذَا؛ وَمَتَى؛ وَمَتَى مَا؛ وَكُلَّمَا؛ وَأَيٌّ؛ كَأَيِّ وَقْتٍ دَخَلْتِ، أي الدارَ فأَنْتِ طالقٌ، وَلَا يَقْتَضِيْنَ فَوْراً إِنْ عَلَّقَ بإِثْبَاتٍ، أي ولا وجودَ المعلَّقِ عليه في المجلسِ، فِي غَيْرِ خُلْعٍ، أي إمَّا فيه؛ كما إذا قالَ: إنْ ضَمِنْتِ لي أو إذا أَعْطَيْتِنِى ألفاً فأنتِ طالقٌ؟ فإنهُ يشترطُ الفورَ في الضمانِ والإعطاءِ في بعضِ الصيَغِ المذكورةِ كما سبقَ في الخُلْعِ ولقرينةِ العِوَضِ، إِلَاّ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، أيْ فإنهُ يُعتبر الفورُ في المشيئةِ فإنه تمليكٌ على الصحيح كما سبقَ، واحترَزَ بقوله:(إِنْ عَلَّقَ بِإِثْبَاتٍ)؛ عمَّا إذا علَّقَ بنفيٍ وسنذكرُهُ بعدُ، وَلَا تَكْرَاراً إِلَاّ كُلَّمَا، أي فإنها تقتضيهِ وضعاً واستعمالاً، وَلَوْ قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ أَوْ عَلَّقَ، طلَاقها، بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ فَطَلْقَتَانِ، أي واحدةٌ بِالتَّنْجِيْزِ وأُخرى بالتَّعْلِيْقِ، لأنَّ التعليقَ مع وجودِ الصفةِ تطليقٌ فِي الأصحِّ، وقد وُجِدَا بعد التعليقِ الأوَّلِ، أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي فَطَلَّقَ، فَثَلَاثٌ فِي مَمْسُوْسَةٍ،
لأنهُ كلَّما تقتضي التكرارَ فتقعُ ثانيةٌ بوقوعِ الأُوْلى، وثالثةً بوقوعِ الثانيةِ، وَفِي غَيْرِهَا طَلْقَةٌ، لأنها بَانَتْ بالأُولى فلا محِلَّ بعدَها حتى يرتفعَ الباقي.
فَرْعٌ: مجرَّدُ الصفةِ ليس بتطليقٍ ولا إيقاعٍ لكنه وقُوعٌ، فإذا قال: إذا دخلْتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ، ثم قال: إنْ طَلَّقْتُكِ، أو إذا أوقعتُ عليك الطلاقَ فأنتِ طالقٌ، ثم دخلَتِ الدارَ لا يقعُ المعلَّقُ بالتطليقِ أو الإيقاعِ، بل يقعُ طلقةً بالدخولِ، ولو قال: إنْ دخلْتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ، ثم قال: إنْ وقعَ عليكِ طلاقي فأنتِ طالقٌ؛ ثم دخلَتِ الدارَ وقعَتْ طلقتان، وتطليقُ الوكيلِ وقُوعٌ على الصحيحِ، وأما مجرَّدُ التعليقِ فليسَ بتطليقٍ ولا إيقاعٌ ولا وقوعٌ.
وَلَوْ قَالَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ: إن طَلَّقْتُ وَاحِدَة فَعَبْدٌ حُرٌّ وِإنْ ثِنْتَيْنِ فَعَبْدَانِ، وَإِنْ ثَلَاثاً لَثَلَاثَةٌ، وَإِنْ أَرْبَعاً فَأَرْبَعَةٌ، فَطَلْقَ أَرْبَعاً مَعاً أَوْ مُرَتَّباً عَتَقَ عَشْرَةً، لأنَّ بطلاقِ الأُولى يعتَقُ عبدٌ، وبالثانية عبدَانِ، وبالثالثة ثلاثةٌ، وبالرابعةِ أربعةٌ ومجموعُ ذلك عَشرةٌ، وَلَوْ عَلَّقَ بِكُلَّمَا فَخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الصَّحِيْحِ، لأنهُ إذا طلَّقَ واحدةً حصلَتْ صفةٌ وهى تطليقُ واحدةٍ فيعتقُ عبدٌ، وإذا طلَّقَ ثانيةً حصلَتْ صِفَتَانِ طلاقُ واحدةٍ مرَّةً أُخرى وهي الثانيةُ، وطلاقُ اثنتين فيعتقُ ثلاثة، وإذا طلَّقَ ثالثةً حصلَتْ صِفَتَانِ طلاقُ واحدةٍ مرَّةً أُخرى وهي الثالثةُ، وطلاقُ ثلاثٍ فيعتقُ أربعةً، وإذا طلق رابعةٌ حصلَتْ ثلاثُ صفاتٍ طلاقُ واحدةٍ وهي الرابعةُ، واثنتين وهما الثالثةُ والرابعةُ، وأربعٌ فيعتق سبعةً فالمجموعُ خمسَةَ عشرَ، وإنْ شِئْتَ قُلْتَ: إنما يعتقُ خمسة عشرَ، لأنَّ فيها أربعةَ آحادٍ واثنتين مرَّتين وثلاثةٌ وأربعةٌ، والثاني: يعتقُ سبعةَ عشرَ وتَكَرُّرِ الاثنتين في الثلاثةِ لأنَّ صفةَ الاثنتينِ موجودةٌ في الثالثةِ، كما هى موجودةٌ في الأربعةِ، والثالثُ: عشرون، والرابع: ثلاثة عشر.
وَلَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلِ، فَالْمَذهَبُ أَنَّهُ إِنْ عَلْقَ بِإِنْ كَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي وَقَعَ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنَ الدُّخُولِ أَوْ بِغَيْرِهَا، أي كـ (إذا) أو سائرِ الأدواتِ، فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيْهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ، لأنَّ (إنْ) تَدُلُّ على مجرَّدِ الاشتراطِ ولا إشْعَارَ لهُ بالزمانِ،
و (إذا) ظرفُ زمانٍ كـ (متى) في الدلالةِ على الأوقاتِ، ألَا ترَى لو قال قائلٌ: متى ألقاكَ؟ حَسُنَ أن يقولَ: إذا شِئْتَ، كما يحسَنُ: متى شِئْتَ، ولا يحسَنُ إِنْ شِئْتَ، فقولهُ: إنْ لم أَدْخُلِ الدارَ! معناهُ: إنْ فَاتَني دُخُولُهَا، وفواتهُ بالموتِ، وقوله: إذا لم أدْخُلِ الدارَ، معناهُ: أيَّ وقتٍ فاتَني دُخُولُهَا، وهذا هو المنصوصُ في الصُّوْرَتَيْنِ، والطريقُ الثاني: قولان، نقلاً وتخريجاً أحدُهما: يقتضيان الفورَ، كما لو علَّقَ بهما الطلاقَ على مالٍ، وثانيهما: لا؛ بل للتراخي؛ لأنَّ (إذا) تستعمل في الشرط فيقالُ: إذا رأيتَ كذا فافعَلْ كذا، فكانت كـ (إن)، و (إن) للتراخي وكذا (إذا).
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي بِفَتْحِ أَنْ وَقَعَ فِي الْحَالِ، أي فعلَتْ أو لم تفعَلْ؛ لأنَّ (أنْ) للتعليلِ دون التعليق، وقولُ القائلِ:(أنْ) كان كذا أي (لأنْ) كان كذا وتحذَفُ اللامُ مع (أنْ) كثيراً قال تعالى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} (42) فكأنهُ طلَّقَها وعلَّلَ بأنهُ لم يطلَّقْها، قُلْتُ: إِلَاّ فِي غَيْرِ نَحْوِيِّ فَتَعْلِيْقٌ فِي الأَصَحِّ، وَالله أَعْلَمُ، لأنَّ الظاهرَ أنهُ يقصِدُهُ، فَتُحْمَلُ عليهِ، وهو لا يعرِفُ المفتوحَةَ من المكسورَةِ، قال في الروضة: وهذا أصحُّ وبه قطعَ الأكثرونَ، والثاني: أنهُ يُحْكَمُ بوقوعِ الطلاقِ في الحالِ، لأنَّ هذا يقتضي اللفظَ فلا يعتبرُ من غيرِ قصدٍ، إلاّ أنْ يكونَ الرجُلُ مِمَّنْ لا يعرِفُ اللغةَ، وقال: قصدْتُ التعليقَ فيصدَّقُ بيمينهِ، قال الرافعي في شرحَيْهِ: وهذا أشبهُ وإلى ترجيحِهِ ذهبَ ابنُ الصباغِ وهر المذكورُ في التَّتِمَّةِ.
فَصْلٌ: عَلَّقَ بِحَمْلٍ، فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ، أي في الحالِ لوجودِ الشرطِ والعلمِ بوجودِهِ، وَإِلَاّ فَإنْ وَلَدَتْ لِدُوْنِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ التَّعْلِيْقَ بَان وُقُوعُهُ، لأنها كانَت حامِلاً حينئذٍ، أَوْ لأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنْيِنَ أَوْ بَيْنَهُمَا وَوُطِئَت وَأَمْكَنَ حُدُوْثُهُ بِهِ فَلَا، لأنَّ الأصلَ بقاءُ النكاحِ لاحتمالِ حدوثهِ من الوطْئِ ظاهراً، وَإِلَاّ، أيْ وإنْ لم يطأْهَا بعد التعليق أو وطِئَها وكان بين الوطْىِء والوضعِ دونَ ستَّةِ أشهرٍ، فَالأصَحُّ
(42) القلم / 14.
وُقُوْعُهُ، لتبيِّنِ الحملِ ظاهراً ولذلكَ حكمْنَا بثبوتِ النسبِ، والثاني: لا يقعُ، لأنَّ الأصلَ بقاءُ النكاحِ والاحتمالُ قائمٌ غيرُ منقطعٍ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِذَكَرٍ فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَينِ فَوَلَدَتْهُمَا وَقَعَ ثَلَاثٌ، لوجود الصفتينِ وذلك بطريق التَبَيِّنِ.
فَرْعٌ: لو ولدَتْ خُنْثَى وقعَتْ طلقةٌ ووقفَتِ الأُخرى حتى يَتَبَّينَ حالهُ.
فَرْعٌ: تنقضي العِدَّةُ في كُلِّ ذلك بالولادةِ.
أَوْ إِنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَراً فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، لأنَّ قضيَّةَ اللفظِ كونُ جميعِ الحملِ ذكراً أو أُنثى.
فَرْعٌ: لو ولدَتْ ذكرَيْن فالأشبة الوقوعُ؛ لأنَّ معناهُ ما في البَطْنِ من هذا الجنسِ، والثاني: لا، لأنَّ مقتضَى التنكيرِ التوحيدُ، وهذا عند إطلاقِ اللفظِ، فلو قال: أردتُ الحصْرَ في الجنسِ قُبِلَ، وحُكِمَ بوقوعِ الطلاقِ قطعاً.
فَرْعٌ: لو ولدَتْ ذكراً وخُنْثَى، أو أُنْثَى وخُنْثَى، فعلى الوجهِ الثانيِ: لَا طَلَاقَ، وعلى الأوَّلِ: إنْ بَانَ الخنثَى المولودُ مَعَ الذَّكَرِ ذَكَراً وقعَ طلقةٌ، وإنْ بَانَ أُنثى فلا يقعُ شيءٌ، وإنْ بَانَ الخنثَى المولودُ مَعَ الأُنثى ذَكَراً لم يقعْ شيءٌ وإنْ بَانَ أُنثى فطلقتانِ.
أَوْ إِنْ وَلَدْتِ فَأَنْتِ وَطَالِقٌ فَوَلَدَتْ اِثْنَيْنِ مُرَتَّباً طُلِّقَتْ بِالأَوَّلِ، لوجودِ الصِّفَةِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بالثَّانِي، أى ولا يتكرَّرُ الطلاقُ، هذا إذا كَانَا في بطنٍ واحدٍ وكان بَيْنَهُمَا دونَ سِتةِ أَشْهُرٍ، وإنْ كانا من بطين فانقضاءُ العِدَّةِ بالثاني يُبنَى على لحوقِهِ بالزوجِ، وهو لاحِقٌ إنْ ولدَتْهُ لأقَلِّ من أربعِ سنينَ.
وَإِنْ قَالَ: كُلِّمَا وَلَدْتِ فَوَلَدَت ثَلَاثَةً مِنْ حَمْلٍ وَقَعَ بِالأَوَّلَينِ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ بِالثَّالِثَةِ وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَالِثَةٌ عَلَى الصَّحِيْحِ، لأنَّ المرأةَ في عِدَّة الطلقتينِ ووقتُ انفصالِ الثالثِ هو وقتُ انقضاءِ العِدَّةِ وبراءَةِ الرَّحِمِ، ولو وقعَ الطلاقُ لوقعَ في تلك الحالةِ، لأنهُ مُعَلَّقٌ بالولادةِ، ولا يجوزُ وقوعُهُ في حالِ انقضاءِ العِدَّةِ وَالْبَيْنُونَةِ، ولهذا لو قالَ: أنتِ طالقٌ مع مَوْتِى، لم يقَعْ إذا ماتَ، لأنهُ وقتُ انتهاءِ النكاحِ، ولو قال لغيرِ الْمَدْخُولِ بها: إذا طَلَّقْتُكِ فأنتِ طالقٌ فَطلَّقَهَا، لم يقَعْ أُخَرى لمصادَفتها البينونة،
وهذا هو المنصوصُ في الأُمِّ وعامَّةِ كُتُبِ الشافعيِّ رضي الله عنه، وقال في الإِمْلَاءِ: تقعُ بالثالثِ طلقةٌ ثالثةٌ ويعتَدُّ بالإقْرَاءِ، لأنَّ هذا الطلاقَ لا يتأخَّرُ عن انقضاءِ العِدَّةِ فيكفِى ذلك لنفوذِ الطلاقِ الْمَبْنِيِّ على سُرعةِ النفوذِ، وفي هذا النصِّ طريقَانِ؛ أحدُهما: تسليمهُ قولاً آخر، وَوَجَّهُوهُ بشيئين أحدُهما ما ذكرتُهُ، وهؤلاءِ قالوا: لو قال للرجعيَّةِ: أنتِ طالقٌ مع انقضاءِ عِدَّتِكِ، ففي الوقوعِ القولان، بخلافِ ما لو قال: بَعْدَ انقضاءِ عِدَّتِكِ، وعن الخضري وغيرِه تخريجُ قولٍ فيما إذا قال: معَ مَوْتِي أنها تُطَلَّقُ في آخرِ جزء من حياتِهِ؛ الشيءُ الثاني عن الخضريِّ والقفالِ بناءُ القولين على القولين في أنَّ الرجعيَّةَ إذا طُلِّقَتْ هل تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ؟ إنْ قُلْنَا: لا، لم تُطَلَّق هُنا ولم تَلْزَمْ عِدَّةٌ، وإنْ قُلْنَا: نَعَمْ، فبوقُوعِ الطلاقِ ارتفعَتِ الْعِدَّةُ ولزمَتْ عِدَّةٌ أُخرى هناك فكذا هُنا، وعلى هذا حكَى الإمامُ عن القفَّالِ: أنهُ لا يُحْكَمُ بوقوعِ طلاقٍ وهى في بقيَّةٍ من العِدَّةِ الماضيَةِ ولا بوقوعهِ في مُسْتَفْتَحِ العِدَّة المستقبليَّةِ لكن يقعُ على منفصلِ الانقطاعِ والاستقبالِ، وهو كقولهِ: أنتِ طالقٌ بين اللَّيْلِ والنَّهَارِ ولا في جزءٍ من الليلِ ولا من النهارِ، قال الإمامُ: ولا معنَى للمنفصلِ، وليسَ بين انقضاءِ العِدَّةِ الأُولى وافتتاحِ الثانيةِ لو قدَّرْنَاهَا زمانٌ؛ والحكمُ بوقوعِ الطلاقِ في غيرِ زمان محالٌ. قال: وقوله بين الليل والنهار يقعُ الطلاقُ في آخر جزءٍ من الليل لتكون مُتَّصِفَةً بالطلاقِ في منقطعِ النهارِ ومبتدإِ الليل، والطريقُ الثاني -وهو الصحيح عند المعتبرين-: القطعُ بما نصَّ عليهِ في كُتُبِهِ المشهورَةِ، والامتناعُ من إثباتِ نَصِّ الإملاءِ؛ وأوَّلُوهُ من وجهين، أحدُهما: حملُهُ على ما إذا ولدَتْهم دفعة في مشيمةٍ، وفي هذه الحالةِ يقعُ بكُلِّ واحدةٍ طلقةٌ، وتعتَدُّ بالاقراءِ، لأنها ليسَتْ حاملاً وقتَ وقوع الطلاقِ، والثاني: حملُهُ على ما إذا كان الحملُ مِن زِناً ووطَئَها الزوجُ يقعُ بِكُلِّ واحدةٍ طلقةٌ ولا تنقضي العدَّةُ بولادَتِهم؛ إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ، فيجبُ على المصنفِ حينئذٍ التعبيرُ بالمذهبِ بَدَلَ الأصحِّ.
فَرْعٌ: لو أتَتْ بولَدَين متعاقِبَين في بطنٍ، والتعليقُ بصيغةِ كُلِّمَا؛ فهلْ تنقضِي عِدَّتُها بالثاني ولا تقعُ به طلقةٌ أُخرى أمْ تقعُ أُخرى به؟ فيه الخلافُ السابق.
وَلَوْ قَالَ لأَرْبَعٍ: كُلَّمَا وَلَدَت وَاحِدَةٌ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْنَ مَعاً طُلِّقْنَ ثَلَاثاً
ثَلَاثاً، لأنَّ كُلَّ واحدةٍ منهُنَّ لها ثلاثُ صواحبٍ، وقولُهُ:(فَصَوَاحِبُهَا)، كذا رأيتهُ بخطِّهِ وهو الأجْوَدُ كَضَارِبٍ وَضَوَارِبُ، أَوْ مُرَتَّباً طُلِّقَتِ الرَّابِعَةُ ثَلَاثاً وَكَذَا الأُوْلَى إِنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا، وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا، لأنَّ الأُولى إذا ولدَتْ يقعُ على كُلِّ واحدةٍ مِن الأُخْرَيَاتِ طلقةٌ ولا يقعُ عليها شيءٌ، لأنَّ الْمُعَلَّقَ بولادةِ كُلِّ واحدةٍ منهُنَّ طلاقُ الأُخْرَيَاتِ، فإذا ولدَتِ الثانيةُ انقضَتْ عِدَّتُهَا وَبَانَتْ ويقعُ على الأُولى بوِلادَتِها طلقةٌ، وعلى كُلِّ واحدةٍ من الأُخْرَتَيْنِ طلقةٌ أُخرى إنْ بَقِيَتَا في العِدَّةِ، فإذا ولدَتِ الثالثةُ انقضَتْ عِدَّتُهَا عن طلقتينِ، ووقعَتْ على الأولى طلقةٌ ثانيةٌ إنْ بقيَت في العِدَّةِ، وعلى الرابعةِ؛ طلقةٌ ثالثةٌ، فإذا ولدَتِ الرابعةُ انقضَتْ عِدَّتُها عن ثلاثِ طَلَقَاتٍ، ووقعَتْ ثالثةٌ على الأُوْلى، وعِدَّةُ الأُوْلى بالإقْرَاءِ، وفي اسْتِئْنَافِهَا العِدَّةَ للطلقةِ الثانيةِ، والثالثةُ الخلافُ في طلاقِ الرجعيَّةِ، وَقِيلَ: لَا تُطَلَّقُ الأُوْلَى، وَتُطَلَّقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً، أيْ وتنقضِي عِدَّتُهُنَّ بِوِلَادَتِهِنَّ، لأنَّ الثلاثَ في وقتِ ولادةِ الأُولى صواحِبُها؛ لأنَّ الجميعَ زوجاتُهُ فيُطَلَّقْنَ طلقةً طلقةً، فإذا طُلِّقْنَ خَرَجْنَ عن كونِهِنَّ صواحِبُ الأُولى وكونِ الأُولى صاحبةً لَهُنَّ، فلا يؤثِّرُ بعد ذلك وِلَادِتُهُنَّ في حَقِّهِنَّ ولا في حقِّ بعضِهنَّ، ومن قال بالأوَّل قال: ما دُمْنَ في العِدّةِ فَهُنَّ زوجاتٌ وصواحبٌ، ولهذا لو حلفَ بطلاقِ زوجاتهِ فى خلَتِ الرجعيَّةُ فيهِ، كذا قالهُ الرافعيِّ وفيه نظرٌ، لأنَّ الثانية لَمَّا ولدَتْ انقضَتْ عِدَّتُهَا بولادَتِها فلم تكُنْ الأُولى ولا الباقياتُ صواحِبَ لها لِبَيْنُونَتِهَا، وكذلك الكلامُ في اللَّتيْنِ بعدَها، وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعاً ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعاً طُلِّقَتْ الأَوَّلَيَانِ ثَلَاثاً ثَلَاثاً، وَقِيْلَ: طَلْقَةً، وَالأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ، هذا الخلافُ مَبْنِيٌّ على الأوَّلِ فَعَلَى الأظهرِ: كُلُّ واحدةٍ من الأُوْلَتَيْنِ ثلاثاً، وكُلُّ واحدةٍ من الأُخْرتين طلقتينِ (•)، وعلى الثاني: لا تُطَلَّقُ كُلُّ واحدةٍ من الأُوْلَتين إلاّ طلقةً لخروجِهِنَّ بما وقعَ عن الْمُصَاحَبَةِ.
فَصْلٌ: وَتُصَدَّقُ بَيَمِيْنِهَا فِي حَيْضِهَا إِذَّا عَلَّقَ، طلَاقَها، بِهِ، لأنها أعرَفُ به، لَا
(•) في نسخة: طلقة.
فِي وِلَادَتِهَا فِي الأصَحِّ، كسائرِ الصفاتِ، والثاني: تُصَدَّقُ بيمِينِها كما في الْحَيْضِ، ونسبَهُ القاضى أبُو الطيِّبِ إلى الأصحابِ، وَلَا تُصَدَّقُ فِيْهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا، لأنهُ لا سبيلَ إلى تصديقِها بغير يمينٍ، ولو حَلَّفْنَاهَا لكان التحليفُ لغيرِها، فإنهُ لا تَعَلُّقَ للخصومةِ بها، والحكمُ للإنسانِ بحلفِ غيرِه مُحَالٌ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ حُضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا صُدِّقَ بِيَمِيْنِهِ وَلَمْ يَقَعْ، أي الطلاقُ على واحدةٍ منهُما، لأن طلاقَ كُلِّ واحدةٍ منهُما معلَّقٌ بشرطَيْنِ ولم يُوحَدَا، قال في الشامل: إلاّ أنْ يُقِيْمَا البيِّنةَ على الحيضِ فيقعُ عليهِما، قال في الكفاية: وفيهِ وقفةٌ؛ لأنَّ الطلاقَ لا يثبتُ بِشَهَادَتِيِنَّ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً طُلّقَتْ فَقَطْ، لثبوتِ الشَّرطينِ في حقِّها، أما ثبوتُ حيضِ ضُرَّتِهَا فَبِتَصْدِيْقِهِ، وأما حيضُها فَبِيَمِيْنِهَا، ولا تطلَّقُ الْمُصَدَّقَةُ إذا لم يثبُتْ حيضُ صاحِبَتها في حقّها لتكذيبهِ.
فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: إِنْ أَوْ إِذَا أَوْ مَتَى طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثاً فَطَلَّقَهَا وَقَعَ المُنَجَّزُ فَقَطْ، لأنهُ لو وقعَ المعلَّقُ لَمَنَعَ وقوعَ المُنَجَّزِ، وإذا لم يقَعِ المُنَجَّزُ بَطَلَ شرطُ المعلَّقِ فاستحالَ وقوعُ المعلَّقِ ولا استحالةَ له في وقوعِ الْمنَجَّزِ فيقعُ. وقد يتخلَّفُ الجزاءُ عنِ الشرطِ بأسبابٍ، وشبه هذا بما إذا أَقَرَّ الأخُ بابنٍ للميِّتِ فإنه يثبتُ نسبُهُ ولا يرثُ، وَقِيْلَ: ثَلَاثٌ، أيِ الْمُنَجَّزُ وطلقتان مِن الْمُعَلَّقِ إذا كانَتْ مدخولاً بها، أما وقوعُ الْمُنَجَّزَةِ فلما قلناهُ، وأما الطلقتانِ فإلغاءٌ للزائدِ على الْمَشْرُوعِ، إذ الاستحالةُ جاءَتْ منهُ، وقيل: الواقعُ الثلاثةُ المعلَّقَةُ، وَقِيْلَ: لَا شَيْءَ، أى لا يقعُ منجَّزٌ ولا معلَّقٌ، أمَّا الْمُنَجَّزُ: فلأنهُ لو وقعَ لوقعَ ثلاثٌ قبلَهُ لوجودِ الشرطِ، ولو وقعَ ثلاثٌ قبلَهُ لما وقعَ إذْ لا مزيدَ على الثلاثِ، فلزِمَ من وقوعهِ عدمُ وقوعِهِ فلم يقعْ، وأمَّا المُعَلِّقُ: فلأنهُ إذا لم يقع الْمُنَجَّزُ لم يوجَدِ الشَّرطُ، وهذا ما صحَّحَهُ الأكثرونَ على ما اقتضاهُ إيرادُ الروضة تبعاً للرافعيِّ ونقلاهُ عن النصِّ، وصرح صاحبُ البَيَانِ بِعَزْوِهِ إلى الأكثرينَ، وحكاهُ الإمامُ أيضاً عن الْمُعْظَمِ ولَمَّا اختارَهُ الرويانيُّ قال: لا وجهَ لتعليمِ العوامِ هذه المسألةَ في هذا الزمانِ، وعن الشيخ عز الدين: أنه لا يجوزُ التقليدُ في تصحيحِ الدورِ وعدمِ وقوعِ الطلاقِ.
وَلَوْ قَالَ: إِنْ ظَاهَرْتُ مِنْكِ أوْ آلَيْتُ أَوْ لَاعَنْتُ أَوْ فَسَخْتُ بِعَيْبِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثاً ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ، السالفُ وقد عَرَفْتَ تَوْجيْهَهُ، وَلَوْ قَالَ: إِن وَطِئْتُكِ مُبَاحاً فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ وَطِئَ لَمْ يَقَعْ قَطْعاً، إذ لو طُلِّقَتْ لم يكُنِ الوطءُ مُباحاً، وسواءٌ ذَكَرَ الثلاثَ في هذه الصورةِ أمْ لا؟ وإنما لم يَأْتِ الخلافُ هُنا؛ لأنَّ موضعَهُ ما إذا انسدَّ بتصحيحِ اليمينِ الدائرةِ بابُ الطلاقِ وغيرُه من التصرفاتِ الشرعيَّةِ، وهنا لا يَنْسَدُّ، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيْئَتِهَا خِطَاباً، أي بأنْ قالَ: أنتِ طالقٌ إن شِئْتِ أو إذا شِئْتِ، اشتُرِطَتْ، مشيئَتُها، عَلَى فَوْرٍ، لأنه تمليكٌ كما مضَى ولا يشترطُ ذلكَ في متَى شِئْتِ، أوْ غَيْبَةً أَوْ بِمَشِيْئَةِ أجْنَبِيٍّ فَلَا فِي الأصَحِّ، لأنَّ الصيغةَ بعيدةٌ عن التمليكِ إذا لم يكُنْ على وجهِ الخطابِ، والثانى: نعَمْ، بناءً على أنَّ المعنى في اشتراطِ الفورِ في مشيئتِها تمليكُها البُضع.
فَرْعٌ: إذا قال: امرأَتِي طالقٌ إذا شاءَ زيدٌ لم يُشترط الفورُ بالاتفاقِ.
وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيْئَتِهِ شِئْتُ كَارِهاً بِقَلْبِهِ وَقَعَ، أي ظاهراً وباطِناً، وَقِيْلَ: لَا يَقَعُ بَاطِناً، كما لو علّقَ بحيضِها فأخبرتْ به كاذبةً، والأوَّلُ أصحُّ، لأنَّ التعليقَ في الحقيقةِ بلفظِ المشيئةِ، وَلَا يَقَعُ بِمَشِيْئَةِ صَبِيَّةٍ وَصَبِيٍّ، لأنهُ لا اعتبارَ بمشيئَتِهما في التصرفاتِ، وَقِيْلَ: يَقَعُ بِمُمَيِّزٍ، كما لو قالَ لها: أنتِ طالقٌ إنْ قُلْتِ: شِئْتُ، أمَّا غيرُ الْمُمَيِّزِ فلا يقعُ قطعاً، وكذا المجنونُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْمَشِيْئَةِ، كسائرِ التعليقاتِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ طَلْقَةً فَشَاءَ طَلْقَةً لَمْ تُطَلَّقْ، أي وهو استثناءٌ من أصلِ الطلاقِ، كما لو قال: أنتِ طالقٌ إلاّ أنْ يدخُلَ أبوكِ الدارَ فدخلَ، وعلى هذا لو شاءَ طلقتين أو ثلاثاً لم يقَعْ شئٌ أيضاً، لأنهُ شاءَ واحدةً وزادَ، وَقِيْلَ: تَقَعُ طَلْقَةً، أي ويكونُ التقديرُ إلاّ إِنْ شاءَ زيدٌ واحدةً فيقعُ فَقَطْ.
فَصْلٌ: وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ فَفَعَلَ نَاسِياً، أىْ علَّقَ الطلاقَ بفعلِ نفسهِ فَفَعَلَ ناسِياً أىْ أو جاهِلاً، لِلتَّعْلِيْقِ أَوْ مُكْرَهاً لَمْ تُطَلَّقْ فِي الأَظْهَرِ، لأنهُ وُضِعَ عن هذه الأُمَّةِ الخطأُ والنسيانُ وما استكرِهُوا عليهِ، والثانى: تُطَلَّقُ لوجودِ المعلَّقِ عليهِ، وقطعَ القفالُ
بالوقوعِ هنا بخلافِ الأَيمانِ، لأنَّ التعويلَ فيها على تعظيمِ الاسمِ؛ والحنثُ هتكُ حرمته ولم يوجدْ، والطلاقُ تعليقُ عتقٍ بصفةٍ وقد وجدَتْ، أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، أى كما إذا عَلَّقَهُ بفعلِ امرأةٍ أو أجنبىٍّ، مِمَّنْ يُبَالَى بِتَعْلِيْقِهِ وَعَلِمَ بِهِ، أىْ وقصَدَ الْمُعَلِّقُ بالتعليقِ مَنْعُهُ، فَكَذَلِكَ، أي ففيهِ القولانِ إذا فعلَهُ ناسياً أو مكرَهاً وكذا جاهِلاً، وَإلَاّ فَيَقَعُ قَطْعاً، أيْ وإنْ كان لا يُبالي بتعليقهِ كالسلطانِ والحجيجِ إذا عُلِّقَ بِقُدُومِهِمَا أو لم يعلَمْ بالتعليقِ كالبهيمةِ، ولم يقصِدِ الزوجُ إعلامهُ فيقعُ قطعاً، وإنْ وُجِدَ ذلكَ الفعلُ مع النسيانِ أو الإكراهِ؛ لأنهُ لا يتعلَّقُ بالتعليقِ والحالةُ هذهِ عَرْضُ حثٍ ولا منعٍ، وإنما الطلاقُ معلِّقٌ بصورةِ ذلك الفعلِ، قال الرافعيُّ: ومنهُم مَن أجرَى القولين فى صورةِ الإكراهِ؛ لأنه يضعِفُ الاختيارَ، ويجعلُ الفعلَ فعلَ الْمُكْرَهِ، وَاعْلَمْ أنَّ قولَهُ:(وَإِلَاّ) يشمَلُ ما إذا لم يُبَالِ ولم يَعْلَمْ أو عَلِمَ وما إذا بَالَى ولم يَعْلَمْ، ومقتضَى كلامه وقوعُ الطلاقِ منهُ قطعاً وفيه نظرٌ، وكثيراً ما يقعُ السؤالُ عنهُ، والوجهُ حملُ كلامهِ على ما إذا قصَدَ الزوجُ مجرَّدَ التعليقِ ولم يقصِدْ إعلامهُ، وقد أرشَدَ الرافعيُّ وهو في الروضة إلى ذلك بقولهِ: ولم يقصِدِ الزوجُ إعلامهُ.
فَرْعٌ: إذا حلَفَ ما فعلَ كذا ثم تبيَّنَ فعلُهُ ففيهِ القولانِ السابقانِ في النَّاسِي.
فَصْلٌ: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إِلَاّ بِنِيَّةِ، لأنها إشارةُ ناطقٍ فلا اعتبارَ بها وترجعُ إلى نِيَّتِهِ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: هَكَذَا طُلِّقَتْ فِي أُصْبُعَيْنِ طَلْقَتَيْنِ وَفِي ثَلَاثٍ ثَلَاثاً، لأنَّ الإشارةَ بالأصابِعِ في بابِ العددِ بمنزلةِ النِّيَّةِ، قال الإمامُ: وهذا إذا أشارَ إشارةً مُفْهِمَةً للطلقتينِ أو للثلاثِ وإلاّ فَقَدْ يَعْتَادُ الإنسَانُ بإصبعيهِ الإشارةَ فِى الكلامِ فلا يظهرُ الحكمُ بوقوعِ العددِ إلاّ بقرينةٍ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالإِشَارَةِ الْمَقْبُوْضَتْينِ صُدِّقَ بِيَمِيْنِهِ، لاحتمالهِ، وإنْ قالَ: أردتُ واحدةً فلا.
فَرْعٌ: لو قال: أنتِ هكذا وأشارَ بأصابعهِ الثلاثِ ففى فَتَاوى القفال: أنهُ إنْ نَوَى الطلاقَ طُلِّقَتْ ثلاثاً، وإلاّ فلا كما لو قال: أنتِ ثلاثاً ولم يَنْوِ بقلبهِ، وقال غيرُه: ينبغى أنْ لا يطلقَ وإنْ نَوَى، لأنَّ اللفظَ لا يُشْعِرُ بطلاقٍ، قال في الروضة:
وهذا أصحُّ ويوافقُهُ ما قطعَ به صاحبُ المهذَّبِ فقال: لو قال: أنتِ وأشارَ بأصابعهِ الثلاثِ ونوَى الطلاقَ لا يقعُ لأنهُ ليس فيه لفظَ طلاقٍ، والنّيَّةُ لا يقعُ بها طلاقٌ من غير لفظهِ، قُلْتُ: وكذا قطعَ به الرويانيُّ.
فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ عَبْدٌ: إِذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ سَيِّدُهُ: إِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٍّ فَعَتَقَ بِهِ، أى بالموتِ بِأَنِ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ، فَالأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ. وَتَجْدِيْدٌ قَبْلَ زَوْجٍ، لأنَّ العِتْقَ والطلاقَ وَقَعَا معاً فلم يكُنْ رقيقاً حالَ الطلاقِ حتَّى يفتقِرَ العَوْدُ إلى مُحَلّلٍ وبهِ قال ابنُ الحداد، والثاني: لا تحِلُّ إلاّ بِمُحَلِّلٍ، لأنَّ العِتْقَ لم يتقدَّمْ وقوعَ الطلاقِ فصارَ كما لو طلَّقَها طلقتين ثم عتق، ومن نَصَرَ الأوَّلَ قال: إذا وقعَ العتقُ والطلاقُ معاً جازَ أن يغلَّبَ حكمُ الْحُرِّيَّةِ كما لو أوصَى لمدبرهِ وأُمِ ولدِهِ يصحُّ، لأنَّ العتقَ واستحقاقُ الوصيَّةِ يتفاوتانِ، فصار كما لو تقدَّمَ العتقُ، أما إذا لم يحتمِلِ الثُّلُثُ جميعَ العبدِ فإنهُ يُرَقُّ ما زادَ على الثُّلُثِ. ومن بعضُه رَقِيْقٌ كالقِنّ في عددِ الطلاقِ، فتقعُ الطلقتانِ وليس لهُ رجعَتها ولا نِكاحُها إلاّ بِمُحَلِّلٍ، قال الرافعيُّ: ولا تختصُّ المسألةُ بموتِ السَّيِّدِ بل يجرِي الخلافُ في كُلِّ صُوَرِهِ تعلق عِتق العبدِ ووقوعُ طلقتين على زوجتهِ بصفةٍ واحدةٍ، كما لو قال العبدُ: إذا جاءَ الغدُ فأنتِ طالقٌ طلقتينِ، وقال السَّيِّدُ: إذا جاءَ الغدُ فأنتَ حُرٌّ، قال الشيخُ أبُو على: إذا جاءَ الغدُ عتقَ وطُلِّقَتْ طلقتينِ ولا تحرُمُ عليهِ قطعاً، لأنَّ العتقَ سَبَقَ وقوعَ الطلاقِ ولو علَّقَ السيِّدُ عتقهُ بموتِهِ وعلَّقَ العبدُ الطلقتين بآخِرِ جزءٍ من حياةِ السَّيِّدِ انقطعَتِ الرجعةُ واشتُرِطَ المُحَلِّلُ قطعاً، لأن الطلاقَ صادَفَ الرِّقَّ.
وَلَوْ نَادَى إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتْهُ الأُخْرَى، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ لَمْ تُطَلَّقْ الْمُنَادَاةُ، لأنهُ لم يخاطِبْها به، بل ظَنَّهُ؛ وظَنُّ الخطابِ بالطلاقِ لا يقتضي وقوعَهُ، وَتُطَلَّقُ الْمُجِيْبَةُ فِي الأصَحِّ، لأنهُ خاطَبَها به، والثانى: لا، لانتفاءِ قصدِها، وَلَوْ عَلَّقَ بأَكْلِ رُمَّانَةٍ وَعَلَّقَ بِنُصْفٍ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً فَطَلْقَتَانِ، لحصولِ الصفتينِ، هذا إذا عَلَّقَ بغير (كُلَّمَا) فإنْ عَلَقَ بـ (كُلَّمَا) طُلِّقَتْ ثلاثاً.
وَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَو مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيْقُ خَبَرٍ، كذا حَدَّهُ ابنُ
سُريج وتابعَهُ الجمهورُ، فَإِذَا قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ تَخْرُجِي أَوْ إِن خَرَجْتِ أَوْ إِنْ لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَمَا قُلْتِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَعَ الْمُعَلِّقُ بِالْحَلِفِ، أي لأنهُ حَلَفَ، وَيَقَعُ الآخَرُ إِن وُجدَتْ صِفَتُهُ، أي وهى في العِدَّةِ، وَلَوْ قَالَ، أي بعد قوله إذا حلفت: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الْحُجاجُ فَأَنتِ طَالِقٌ. لَمْ يَقَعِ الْمُعَلِّقُ بِالْحِلْفِ، لأنهُ ليسْ فيه واحدٌ من الأمورِ المذكورةِ، وإنما هو تعليقٌ بصفةٍ فإذا وُجِدَتِ الصفةُ وقعَ الطلاقُ ولا تقعُ الطلقةُ المعلَّقَةُ بالحلفِ، لأنهُ أي الحلفُ لم يوجَدْ، وَلَوْ قِيْلَ لَهُ اسْتِخْبَاراً: أَطَلَّقْتَهَا، أى زَوْجَتَكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فإِقْرَارٌ بهِ، لأنَّ قولَهُ نَعَمْ صريحٌ في الجوابِ، فإنْ كانَ كاذباً فهي زوجتهُ باطناً، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَاضِياً، أي طلاقاً ماضياً، وَرَاجَعْتُ صُدِّقَ بِيَمِيْنِهِ، لاحتمالِ ما يَدَّعِيْهِ.
فَرْعٌ: لو قال أبَنْتُها وجَدَّدْتُ النكاحَ فعلى ما سبقَ فيما إذا قال: أنتِ طالقٌ أمس وفسَّرَ بذلك.
وَإِنْ قِيْلَ ذَلِكَ الْتِمَاساً لإِنْشَاءٍ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَصَرِيْحٌ، لما سلفَ، وَقِيْلَ: كِنَايَةٌ، لأنَّ نَعَمْ ليسَتْ معدودةً مِن صريحِ الطلاقِ، وحكاهُ في الروضة قولاً ولا إشكالَ أنهُ لو قالَ: نَعَمْ طَلَّقْتُ، طُلِّقَتْ قَطْعاً.
فَرْعٌ: لو قيل لهُ: طَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ؟ فقال: طَلَّقْتُ، فقد قيل: هو كقوله نَعَمْ وليسَ بصريحٍ قطعاً، لأنَّ نَعَمْ مُتَعَيِّنٌ للجوابِ، وطَلِّقْتُ مستقلٌ بنفسهِ فكأنهُ قال ابتداءاً طَلَّقْتُ واقتصرَ عليه، ولا يقعُ الطلاقُ والحالةُ هذهِ.
فَصْلٌ: عَلَّقَ بأَكْلِ رَغِيْفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ فَبَقِيَ لُبَابَةٌ أوْ حَبَّةٌ لَمْ يَقَعْ، لصدقِ القولِ بأنها لم تَأكُلِ الكُلَّ، وإن كان يقالُ في العُرْفِ أكَلَتْهَا، وقال الإمامُ: في الرغيفِ إنْ بَقِىَ ما يسمَّى قطعةَ خُبْزٍ لا يحنثُ، وإنْ دَقَّ مدركه لم يظهر له أثر في بِرٍّ ولا حَنَثٍ، قال: وهذا مقطوعٌ به في حكم العُرفِ، والوجهُ تنزيلُ إطلاقِ من أطلَقَ عليهِ، وَلَوْ أَكَلَا، أى الزوجينِ، تَمْراً وَخَلَطَا نَوَاهُمَا فَقَالَ: إِنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَعَلَت كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا لَمْ يَقَعْ، أخذاً باللفظِ دونَ العُرفِ، إِلَاّ أَنْ يَقْصِدَ تَعْيِيناً،
أي فإنه يقعُ لِتَعَذُّرِهِ، وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ فَعَلِّقَ بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا، فَبَادَرَتْ مَعَ فَرَاغِهِ بِأَكْلِ بَعْضٍ وَرَمْيِ بَعْضٍ لَمْ يَقَعْ، فإنْ لم تأكُلْ بعضَها عَقِبَ التعليقِ بالإمساكِ فيلزَمُ الإمساكُ ويلزمُ الحنثُ، واحترزَ بقولهِ:(ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا) عمَّا لو قدَّم التعليقَ بالإمساكِ على أحدِ التعليقينِ لَلَزِمَ الحنثُ بوجودهِ.
فَرْعٌ: لو قال: إنْ أَكَلْتِهَا فأنتِ طالقٌ؟ وإنْ لم تَأْكُلِيْهَا فأنتِ طالقٌ؟ فلا خَلَاصَ تأكلُ الْبَعْضَ، فإن فعلته حنث في يمين عدم الأكلِ.
وَلَوِ اتَّهَمَهَا بِسَرِقَةٍ فَقَالَ: إنْ لَمْ تُصَدِّقِيْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: سَرَقْتُ مَا سَرَقْتُ لَمْ تُطَلِّقْ، لأنها صادقةٌ في إِحدَى الإخبارَين، وَلَوْ قَالَ: إِنْ لَمْ تُخْبِرِيْنِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا فَالْخَلَاصُ أَنْ تَذْكُرَ عَدَداً يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ ثُمَّ تَزِيْدُ وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى تَبْلُغَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيْدُ عَلَيْهِ، فتكون ذاكرةً لذلكَ العددِ ومخبرةً عنهُ فتقولُ: مائةٌ، مائةٌ وواحدٍ، مائةٌ واثنانِ، هكذا ذكرَهُ المصنِّفُ تبعاً للرافعيِّ، ولكَ أنْ تقولَ: الخبرُ لا يختصُّ بالصدقِ على الصحيحِ بل يطَلقُ عليه وعلى الكذبِ، فالخلاصُ يحصُلُ بأيِّ عددٍ ذَكَرَتْهُ ولو كذباً، إذِ الغرضُ أنهُ لم يقصِدِ التمييزَ وقد حصلَ مسمَّى الخبرِ بعددهِ فيكفى وإنْ كان غيرَ مطابقٍ.
والصُّوْرَتَانِ، أي صورةُ السرقةِ والرُّمانَةِ، فِيْمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيْفاً، أيْ فإنْ قصدَهُ فلا يحصلُ البِرُّ كما سبق في نظرهِ في مسألةِ التمرِ.
وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ: مَنْ لَمْ تُخْبِرْنِي بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فهي طالقٌ، فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ: سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، أي في أغلَبِ الأحوالِ، وَأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ، أَيْ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَثَالِثَةٌ: إِحْدَى عَشْرَةَ، أيْ لِمُسَافِرٍ لَمْ يَقَعْ، أي على واحدةٍ مِنْهُنَّ طلاقٌ، قالهُ القاضي حُسين والمتولِّي، وقال القاضي في فتاويهِ بعدَ أنْ نَقَلَ الأوَّلَ عن الأصحابِ: ينبغى أنْ يُطَلِّقَ الثانيةَ والثالثةَ على القولِ بأنَّ الجمعة ظُهْرٌ مقصورةٌ حكاهُ الرويانىُّ وجهاً.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى حِيْنٍ أوْ زَمَانٍ أوْ بَعْدَ حِيْنٍ طُلِّقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ،
لأنَّ الحينَ والزمانَ يقعُ على المدَّةِ الطويلةِ والقصيرةِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ أَوْ لَمْسِهِ وَقَذْفِهِ، تَنَاوَلَهُ حَيًّا وَمَيِّتاً، لصِدْقِ ما حلفَ عليهِ، وشرطُ الثاني عدمِ الحائل، ولا يقعُ بِمَسِّ الشعرِ والظُّفْرِ، بِخِلَافِ ضَرْبِهِ، أي فإنَّهُ لا يتناولُ إلاّ حالَ حياتهِ، لأنَّ القصدَ بالضربِ ما يتألَّمُ به المضروبُ، ولو ضربَهُ ضرباً غير مُؤْلِمٍ لم يُطَلِّقْ في الأصحِّ في أصلِ الروضةِ هنا، وسيأتى ما يخالفهُ في كلامِ المصنفِ في كتابِ الأَيمان حيثُ ذكرَهُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
وَلَوْ خَاطَبَتْهُ بِمَكْرُوْهٍ كـ (يَا سَفِيْهُ)(يَا خسِّيْسُ) فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ كَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ أَرَادَ مُكَافَأتَهَا بإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ طُلِّقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ، أي أو خِسَّةٌ، أَوِ التَّعْلِيْقَ اعْتُبِرَتِ الصِّفَةُ، كما هو سبيلُ التعليقات، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَقْصِدْ فِي الأصَحِّ، مراعاةً للفظِ، فإنَّ العُرْفَ لا يكادُ ينضبطُ في مثلِ هذا، والثاني: لا، اعتباراً بالعُرفِ، وَالسَّفَهُ مُنَافِيَ إِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ، وَالْخَسِّيْسُ قِيْلَ: مِنْ بَاعَ دِيْنَهُ بِدُنْيَاهُ، أي بخلافِ أَخَسِّ الأَخِسَّاءِ فإنهُ: مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلاً.
فَرْعٌ: في التَّتِمَّةِ: أنَّ القَوَّادَ مَن يَحْمِلُ الرِّجَالَ إلى أهلِهِ، ويخلَّي بينهُم وبينَ الأهلِ، قال الرافعيُّ: ويشبهُ ألاّ يختَصَّ بالأهلِ بل هُو الذى يجمَعُ بين النساءِ والرجالِ بالحرامِ.
وإنَّ القُرْطُبَانَ الذي يَعْرِفُ مَن يَزْنِي بزوجتِهِ ويسكتُ عليهِ.
وإنَّ قليلَ الْحَمِيَّةِ مَن لا يغارُ عنى أهلهِ ومحارمِهِ.
وأنَّ الدَّيُّوْثَ مَن لا يمنعُ الناسَ الدخولَ على زوجتهِ، وفي الرُّقمِ للعبادي: أنهُ الذى يشترِي جارِيَةً تُغَنِّي لِلنَّاسِ.
وأن الْبَخِيْلَ الذِي لا يؤدِّي الزكاةَ ولا يُقْرِي الضَّيْفَ فيما قيل؛ قال البوشنجيُّ: والسِفْلةُ الذي يتعاطَى الأفعالَ الدَّنِيَّةَ ويعتادُها، ولا يقعُ ذلك على مَن يقعُ منهُ نادراً؛ كاسْمِ الكَرِيْمِ وَالسَّيِّدِ في نقيضِهِ (•).
(•) في حاشية نسخة (1): وأن القلاسَ الذَّوَّاقُ الذيِ يراءِ شراء المتاعِ ليذُوقَ منهُ ولا يريد الشراء.