الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ قَسْمُ الْصَّدقَاتِ
القَسْمُ: بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ كما تَقَدَّمَ في الباب قبله، وجَمَعَ الصَّدَقَةَ لاِختِلَافِ أَنْوَاعِهَا مِنْ مَاشِيَةٍ وَنَبَاتٍ وَنَقْدٍ وَغَيْرِها. والأصْلُ في الباب قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (315).
الفَقِيْرُ: مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعاً مِنْ حَاجَتِهِ، أيْ كَمَنْ يحتاجُ كلَّ يوم إلى عشرة ولا يجد شيئاً أو يجدُ درهمين أو ثلاثة، وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرُ مَسْكَنهُ وَثيَابُهُ، أي التي يلبسها لِلتَّجَمُّلِ، وكذا العبدُ الذي يحتاج إلى خدمته كما نقلهُ في الروضة عن ابن كج؛ خلافاً للإمام فيه، وفي المسكن ولو لم يكن له ذلك، واحتاج إلى شرائهما ومعه ما يشتريهما به؛ فالظاهرُ تخريجُهُ على ما لو كان عليه دَيْنٌ مستغرقٌ ومعه مالٌ، وقد أفتى البغويُّ فيه: بأنه لا يُعطى من سهم الفقراء حتى يَصْرِفَ ما عندَهُ إلى الدَّيْنِ، وفيه احتمال للرافعيِّ. فلو كان من عادته أن يسكنَ بالأُجرة؛ ولا ضرورة إلى شرائه مِلْكاً، فالظاهرُ أن ذلك القدرَ الذي معهُ يخرجُه عن حدِّ الفقرِ، لأنه يعدُّ في العُرف غنيًّا، وكذا الفقيهُ الذي يستغنى بسكنِ المَدَارِسِ ونحوه ما لم تَدْعُهُ ضرورةٌ إلى شراءِ مسكن، وَمَالُهُ الْغَائِبُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ، أي فله الأخذُ إلى أن يصل إليه؛ وفيه نظرٌ؛ لأنه يعدُّ غنيًّا، نعمْ: هو ظاهرٌ إذا لم يجد من يُقرضه وفيما دونهما بحثٌ للرافعىِّ وتَبِعَ فيه القاضي، وَالْمُؤَجَّلُ، أي لا يمنعُ الفقرُ أيضاً فيأخذ إلى أن يحِلَّ، وَكَسْبٌ لَا
(315) التوبة / 60.
يَلِيْقُ بِهِ، أى بحالِهِ ومُرُوْءَتِهِ؛ لأنه يُخِلُّ بمروءِتَهِ ولا تحتملُهُ النفوسُ، نَعَمْ: الأفضلُ الاكتسابُ قاله القاضي.
وَلَوِ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ، أي شَرْعِيٍّ، وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ، فَفَقِيْرٌ، لأن تحصيله من فروض الكفايات، أما المعطلُ المعتكفُ في المدرسة والذي لا يتأتَّى منه التَّحصيلُ فلا تحلُّ لهما الزَّكَاةُ مع القدرة على الكسب. وَلَوِ اشْتَغَلَ بِالنَّوَافِلِ، فَلَا، لأن نفعَهُ قاصرٌ على نفسه وهو نفل بخلافٌ المشتغل بالعلم الشَّرْعِيَّ فإنه متعدٍّ إلى غيره وهو فرضُ كفايةٍ، وفي فتاوى القفال: أنَّ المشتغلَ بعبادةِ الله والصَّلاة آناءَ اللَّيل والنهارِ كالْمُتَفَفِّهِ في جوازِ الصَّرفِ إليه؛ لأنه مشتغلٌ بالطاعة، وإن كان قويًّا؛ قال: وأما غيرُ هذا؛ لا يجوزُ وإن كان صُوفِيًّا. وقال مرَّةً: صَرْفُ الزَّكَاةِ إِلَى الصُّوْفِيَّةِ فِى مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ لَا يَجُوْزُ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الْكَسْبِ بِخِلَافٍ الْمُتَفَقِّهَةِ؛ لأَنَّهُمْ لَوِ اشْتَغَلُوْا بِالْكَسْبِ فَاتَهُمُ الْعِلْمُ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِيْهِ، أي في الفقير، الزَّمَانَةُ وَلَا التَّعَفِّفُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجَدِيْدِ، لوجودِ الحاجة، والقديمُ: نَعَمْ: لأنهُ إذا لم يكُنْ زَمِناً يتمكَّنُ من نوع الاكتساب؛ وبالأوَّل قَطَعَ الْمُعْتَبَرُوْنَ.
فَرْعٌ: إذا اشترطنا الزَّمَانَةَ ففي اشتراط العَمَى تردُّدٌ للإمام، لأن الزَّمِنَ البصيرَ قد يتأتى منهُ الحراسَةُ.
وَالْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيْبٍ أَوْ زَوْجٍ لَيْسَ فَقِيراً فِي الأصَحِّ، أي لا يُعطيان من سهمِ الفقراء كما عبَّر به الرافعىُّ في المُحَرَّرِ وَالشَّرْح للاستغناء. مما يَسْتحقَّانِهِ، وثانيهما: نعم، لاحتياجهما إلى غيرهما.
وَالْمِسْكيْنُ: مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعاً مِنْ كفَايَتهِ وَلَا يَكْفِيْهِ، أي بأن احتاج إلى عشرةٍ وعندَهُ سبعةٌ أو ثمانيةٌ؛ وكذا كفايةُ من تلزمُهُ نفقتُهُ. والمعتبرُ في كلِّ ذلك ما يليقُ بالحالِ مِن غير إسرافٍ ولا تَفْتِيْرٍ. وفي فتاوى ابن الصَّلاح: أن المسكينَ الذي لا يملكُ كفايَةَ سَنَةٍ.
فَرْعٌ: لو كان لهُ عقارٌ ينقص دَخْلُهُ عن كفايِتِهِ فهو فقيرٌ أو مسكينٌ فيُعْطَى من الزَّكَاةِ تمامَها ولا يُكَلَّفُ بَيْعُهُ. ذكرَهُ في الروضة عن الْجُرجَانِيِّ وآخرينَ.
فَرعٌ: إذا عرفتَ الفقير والمسكين؛ تبيَّنَ لك أنَّ الفقيرَ أشدُّ حالًا من المسكينِ وهو الصَّحيح وعَكَسَهُ أبو إسحاق المروزي وتَبِعَهُ القاضى، ولا يظهرُ لِلخلافِ فائدةً لها الزكاة، إنما تظهر في الوصيَّةِ، فيما إذا أوْصَى أو وَقَفَ أو نَذَرَ للفقراء دون المساكين أو بالعكس، وقد وَافَقَنَا ابنُ حزمٍ الظاهريّ في تفسيرِ الفقيرِ والمسكينِ؛ واستدلَّ بأن الألفاظَ أربعةٌ هما وَالغَنِيُّ وَالْمُوْسِرُ، فَالْمُوْسِرُ: مَنْ يَفْضُلُ عَنْ كِفَايَتِهِ شَيءٌ، وَالْغَنِيُّ: مَنْ مَعَهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ. وَالمِسْكِيْنُ: مَنْ يُقَصِّرُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَم يَبْقَ إِلَّا الْفَقِيْرُ: فَهُرَ مَن لا مَالَ لَهُ أَصْلًا، وقال: إنَّ كل مُوْسِرٍ غنيٌّ ولا عكسَ، ويُرَدُّ عليه: أنَّ مَن معهُ ما يفضلُ عن قُوْتِ يومِهِ مُوْسِرٌ؛ لأنه يؤخذ في دَينِهِ وليس بغنيٍّ؛ لأنه يُعطى مِن الزَّكَاة.
وَالعَامِل سَاع وَكَاتِبٌ وَقَاسِمٌ وَحَاشِرٌ يَجْمَعُ ذَوِي الأمْوَالِ، أيْ وعريفٌ وحافظُ الأموالِ، قال المسعوديُّ: وكذا الجنديُّ إنِ احْتِيْجَ إليه وكان على المشدُّ على الزكاة والحاشرُ اثنان أحدُهما هذا (•)، والثاني: من يجمعُ أهل السَّهمان، لا القَاضي وَالْوَالِي، أي والي الإقليم وكذا الإمام، بل رزقهم إذا لم يتطوعوا من خمس الخمس المرصَدِ للمصالح العامَّةِ؛ لأن عملَهم عامٌّ.
فَرْعٌ: قال الشافعيُّ رحمه الله فيما حكاهُ الْجُوْرِيُّ: ويأخذ السَّاعي من نَفْسِهِ
لِنَفْسِهِ، وذَكَرَ الْجُرجانِيُّ واستدلَّ بأنه أمينٌ.
وَالْمُؤَلَّفَةُ: مَن أَسْلَمَ وَنيَّتُهُ ضَعِيْفَةٌ، أو لَهُ شَرَفٌ يُتَوَقَّعُ بإِعْطَائِهِ إِسْلَامُ غَيْرِهِ، وَالمَذهَبُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ، لقوله تعالى:{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (316)، واعْلَمْ أنهُ كان ينبغي إِبْدَالُ المذهبِ بالأظْهَرِ، فإن الذي في الرافعي حكايةُ قولين في الإعطاءِ
(•) في النسخة (1): ما ذكره المصنِّفُ.
(316)
التوبة / 60.
أحدُهما: نَعَمْ للتأسِّي، وثانيهما: لا، للاستغناءِ عن التآلُفِ، وحكايةُ قولين مِنْ أيْنَ يُعطونَ، أحدُهما: من سهم المصالح؛ لأنه من مصالح المسلمين، وثانيهما: من الزَّكاة، وعليه تُحمل الآيةُ، وجمعَ في الرَّوضة الخلافَ، وحكى في المسألة ثلاثة أقوالٍ: أحدها: لا يُعطون، والثاني: يُعطون من سهم المصالح، والثالث: من سهم الزَّكَاة، ولم يحكيا طريقةً في ذلك، وعبارةُ الْمُحَرر: الأظهرُ ولا إصطلاح له في ذلك، وعبارةُ الشرح الصغير: الأقربُ، نَعَمْ: جزَمَ المتوليُّ بإعطاءِ الثاني، وحكى الخلافَ في الأول، واحترز المصنف بذكر مولَّفةِ المسلمين عن مؤلفة الكفار، فإنهم لا يُعطون من الزَّكَاة قطعًا، ولا من غيرها على الأظهر، وقال ابنُ داود: إن نزلتْ بالمسلمين نازلةٌ لا نَزَلَتْ أُعطوا قطعًا على ما قالهُ صاحبُ التقريب، واعلم أنَّه بقيَ من مؤلَّفة المسلمين صنفٌ يرادُ بِتَأَلَّفِهِمْ جهادٌ من يليهم من الكفار؛ أو من مانعي الزَّكاة، ويقبضوا زكاتهم فهؤلاء لا يُعطون قطعًا، والأصحُّ في التصْحِيح؛ والأشبهُ في الشَّرح الصغير أنَّهم يُعطون من سهم المؤلَّفة للآية. قال الإمامُ: وتسمية هؤلاء مؤلفةٌ فيه تجوُّزٌ واستعارَةٌ، فإن قلوبهم قَارَّةٌ (•) مطمئنةٌ إلى الإيمان، وليس بذلُ المال إليهم في مقابلةِ استمالَةِ قلوبهم إليه، وإنما هو لمصلحةٍ من مصالح الإسلامِ والمسلمينَ.
وَالرِّقَابُ: الْمُكَاتَبُون، أي كتابةً صحيحةً لا شراءَ عبيدٍ يعتقون كما قال مالكُ وأحمدُ؛ لأن قوله:{وَفِي الرِّقَابِ} كقوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} وهناك يدفعُ المال إلى المجاهدينَ، فَلْيُدْفَعْ هنا إلى الرِّقاب وهُم المكاتَبُونَ إذ غرهم من الأَرِقَّاءِ لا يملكونَ.
وَالْغَارِمُ: إِنِ اسْتَدَان لنَفسِهِ في غَيرِ مَعْصِيَةٍ، أيْ كَنَفَقَةِ نفسِهِ وعيالِهِ أو لِحَجٍّ أو جهادٍ، أُعْطِيَ، للآية (317)، فإن كان في معصيةٍ كَالزِّنَا لم يُعْطَ قبلَ التْوبةِ على
(•) قَارَّةٌ: بمعنى جازمة على الإيمان من جهة تعظيم شعائر الإِسلام ومنها قوله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح / 13] وهؤلاء يرجون لله وقارًا بالتعظيم والترزين. اقتضى التنويه لأنه في النسخة (1): فَارَّةٌ، بدل قَارَّةٌ.
(317)
التوبة / 60: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ =
الصحيح؛ لأنه إعانةٌ عليها، ولو استدان لمعصيةٍ فصرَفَهُ في طاعةٍ قال الإمامُ: يُعطى، وهو واردٌ على عبارة المصنِّفِ، ولو استدانَ لا لمعصيةٍ وصرَفَهُ في معصيةٍ أُعطى إن عُرِفَ صِدْقُهُ؛ ولا يُقبل قوله فيه، قاله الإمام أَيضًا، قال: ويحتملُ أن لا يُعطى، وإن عُرِفَ صِدْقُهُ؛ لأن النِّيَّة إنما تؤثِّرُ إذا اقترنَ بها العملُ، قُلْتُ: الأصَح يُعْطَى إِذَا تَابَ، وَالله أَعْلَمُ، نظرًا إلى الحالِ، فإن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، والثاني: لا يُعطى؛ لأنه قد تُتَّخَذُ التَّوْبَةُ ذَرِيعَةً وَيَعُوْدُ.
فَرْعٌ: يُعطى إذا غلبَ على الظَّنِّ صِدْقُهُ وإنْ قَصُرَتِ المدَّةُ على الظاهر في شرح المهذَّبِ؛ كما جَزَمَ بِهِ الرُّوْيَانِيُّ.
وَالأظْهَرُ اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ، أي فلو وُجد ما يقضى الدَّيْنَ منه من نقدٍ وغيره لم يُعْطَ من الزَّكاة؛ لأنه يأخذ لحاجته إلينا كالمكاتَبِ وابنِ السَّبيلِ والثاني: لا، لعموم الآية، وعبارةُ الأكثرينَ تَقتضى: أنَّ معنى الحاجة المذكورة كونُه فقيرًا لا يملكُ شيئًا وربما صرَّحُوا به، والأقربُ كما قال الرافعيُّ: أنَّه لو مَلَكَ قَدْرَ كفايَتِهِ وكانَ لو قَضَى دَيْنَهُ لَنَقُصَ مالُهُ عن كفايِتَهِ تركَ معهُ ما يكفِيهِ وأُعطي ما يقضى به الباقي، دُوْنَ حُلُولِ الدَّيْنِ، أيْ فإنَّ ذلك ليس بشرط؛ لأنه واجبٌ في الحال، لكن لا مُطالبة، قُلْتُ: الأصَحُّ اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَالله أَعْلَمُ، أيْ فلا يعطى إذا لم يحل؛ لأنه غيرُ محتاجٍ إليه إذْ ذَاكَ، وإنما عبَّر المصنِّفُ ثانيًا بالأصحِّ؛ لأن الخلاف للأصحابِ فَتَنَبَّهْ لَهُ لكن الأولى لهُ أن يعبِّر به أَيضًا أولًا فيقولُ دُوْنَ حُلُولِ الدَّيْنِ في الأصحِّ. فإنْ قُلْتَ: أَرادَ حكايةَ لفظِ الْمُحَرَّرِ، قلتُ: الْمُحَرِّرُ لم يلتزمْ هذا الاصطلاح كما عَرفته غيرَ مرَّةٍ، أَوْ لإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، أيِ الْوَصْلِ، أُعْطِيَ مَعَ الْغِنَى، أي بالعقارِ والناض وغيرهما؛ لأن المقصود تسكينُ الثائرةِ، وهي لا تسكن بتحمل الفقير. ولو اشترطنا الفقرَ في الإعطاءِ لامتنعَ النَّاسُ من هذه الْمَكْرُمَةِ، ومرادُ الفقهاء بِذَاتِ الْبَيْنِ أَنْ يكونَ فتنةٌ بين طائفتينِ من المسلمينَ فَيَحْمِلُ رَجُلٌ مَالًا لِيُصْلِحَ بِهِ بَيْنَهُمْ، وَقِيْلَ: إِنْ كَان
= وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَلا، إذ ليس في صَرفهِ إلى الدَّيْنِ ما يهتكُ المرُوءَةَ؛ والأصحُّ أنَّه يُعطى والحالةُ هذه لعموم الآية.
فَرْعٌ: الغنيُّ بالعرض (318) كالغنيِّ بالعقار؛ وقيل: كَالنقدِ، فيجري الخلافُ.
فَرْعٌ: لو تَحَمَّلَ قيمةَ مالٍ متلفٍ أُعطي مع الغنى على الأصحِّ.
فَرْعٌ: إنما يُعطى الغارِمُ عند بقاءِ الدَّيْنِ، فأما إذا أدَّاهُ من مالِهِ فلا، كما لو بَذَلَهُ ابتداءً.
فَرْعٌ: يعطى الغارِمُ لِلضَّمَانِ إنْ أعسَرَ الضَّامِنُ والمضمونُ عنهُ، أو الضَّامِنُ وحدَهُ وكذا إذا ضَمِنَ بغيرِ الإذنِ، فإنْ كان بالإذنِ فلا؛ لأنه لا يرجع (•).
وَفِي سَبِيْلِ اللهِ تَعَالَى: غُزَاةٌ لا فَيْءَ لَهُمْ فَيُعْطَوْن مَعَ الْغِنَى، لعموم الآية؛ وإنما فسَّرنا السَّبيْلَ بالغُزَاةِ لأنه متى أُطلق حُمل عليهم. قال تعالى:{قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (319). وقوله {لَا فَيْءَ لَهُمْ} أي لأنَّ مَن لهُ في الفيءِ حقٌّ لا يُصْرَفُ لهُ مِن الصدقاتِ شيءٌ؛ كما لا يُصْرَفُ شَيْءٌ مِن الفئِ إلى الْمُتَطَوِّعَةِ.
وَابْنُ السَّبِيْلِ: مُنْشِئُ سَفَرٍ، أي مِن بلدهِ أو بلدٍ كان مُقيمًا بهِ، أَوْ مُجْتَازٌ، وهو حقيقة في هذا مجازٌ في الأوَّلِ. وهو مَقيسٌ على الثاني؛ لأنه مريدٌ للسفر محتاجٌ إلى أسبابه، وَشَرْطُهُ الْحَاجَةُ، أيْ فإنْ كان معَهُ ما يحتاجُ إليه في سفرهِ لم يُعْطَ، وَعَدَمُ الْمَعْصِيَةِ؛ لأن القصد بما يدفع إليه الإعانةُ، ولا تليقُ الإعانةُ على المعصيةِ؛ فيُعطى في سفر الطاعةِ؛ وكذا المباحُ على الأصح.
فَرْعٌ: إذا تَابَ؛ التَحَقَ بقيَّةَ سفرِهِ بالمباحِ؛ قاله الماورديُّ.
(318) الْعَرْضُ بِوَزْنِ الْفَلْسِ وَهُوَ الْمَتَاعُ، وَكُلُّ شَيءٍ عَرضْ إِلَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيْرُ. مختار الصحاح للرازي.
(•) في النسخة (2): يرجع.
(319)
آل عمران / 167.
فَرْعٌ: قال القفال في فتاويه: لا يجوزُ صرفُ سهم ابن السبيلِ إلى الصُّوْفِيَّةِ؛ لأنَّ سَفَرَهُمْ لا غَرَضَ فيهِ لأنَّهُ لِلْكُدْيةِ؛ وَكَذَا مَنْ سَافَرَ لِلْكُدْيةِ أيْضًا (320).
وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ مِن هَذِهِ الأصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ: الإِسْلَامُ، وَأَنْ لا يَكُون هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا وَكَذَا مَوْلَاهُمْ في الأصَحِّ، للأخبار الصحيحة في ذلكَ وَالسِّرُّ في التحريمِ عليهم كونها أوساخ النَّاس وكونُه صلى الله عليه وسلم يأمرُ بها فَنَزَّهَ أصحابَهُ عنها؛ ووجهُ مقابل هذا أن المنعَ في حقِّ ذوي القربى لشرفهم وهو مفقودٌ في مواليهم. وادَّعى القاضي حسين: أنَّهُ المذهبُ أَيضًا. (•).
فَرْعٌ: لبني هاشِمٍ وبني المطَّلِبِ أخذُ صدقة التطوُّع لآلِهِ عليه الصلاة والسلام على المشهور فيهما.
فَرْعٌ: شرطُ الآخذِ أَيضًا أنْ لا يكون غازِيًا مُرْتَزِقًا كما سبق؛ وأن لا يكون المدفوعُ إليه يستحقُّ النفقة على الدافع كالابن مع الأب كما سبق. قال صاحب الخصال: غيرُ حائزٍ أن يُدفع من الزكاة إلى من تلزمُهُ مؤنتُهُ إلَّا أن تكونَ الزَّوْجَةُ غَازِيَةً.
(320) كَدَا؛ وَكدَى؛ الرَّجُلُ؛ قَلَّ خَبرُهُ أو بَخِلَ؛ قالَ تَعَالى: {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)} [النجم: 34] أيْ قَطَعَ الْعَطَاءَ، وَأَصْلُهُ الْحَافِرُ يَنتهِي إِلَى كُدْيةٍ مِنَ الأرْضِ لا يُمْكِنُهُ الْحَفْرُ لِصَلَابَتِهِ، فَيُقَالُ: أَكدَى الْحَافِرُ إِذَا بَلَغَ الْكُدْيَة فَقَطَعَ الْحَفْرَ. وَمِنْهُ قَوْلُ عَائِشَة تَصِفُ أبَاهَا رضي الله عنهما؛ قَالَتْ: (سَبَقَ إِذ وَنَيْتُمْ؛ وَنَجَحَ إِذَا أَكدَيْتُمْ) يَعْنِي: إِذَا خِبْتُمْ وَلَمْ تَظْفَرُوْا. فَأَكْدَى في السُّؤَالِ أيْ وَجَدَ الْمَسْؤُوْلَ مِثْلَهُ في قِلِّةِ الْعَطَاءِ؛ فَاحْتاجَ لِلسُّؤَالِ مِثلَهُ. ينظر: الغرببين في القرآن والحديث للهروى: ج 5 ص 1620. ومختار الصحاح للرازي: ص 565. وترتيب القاموس المحيط للفيروزآبادي: ج 4 ص 28.
(•) فَرْعٌ: سُئل النوويُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى عن جوازِ صرف الزَّكاة إلى فقير يترك الصلاةَ كَسَلًا فقال: إنْ كان بلغَ تاركًا للصلاة واستمرَّ عليه لم تجز دفعها إليه لسفهِهِ، ويجوزُ دفعها إلى وليِّهِ ليقبضها له، فإنَّ قبْضَهُ لم يصحَّ، وإنْ بلغَ مصليًّا رشيدًا ثم طرأ تركُ الصلاة ولم يحجُر القاضي عليه جازَ دفعُها إليه، وصحَّ قبضُهُ بنفسِهِ كما يصحُّ جميع تصرفاته، وفي الذّخَائِرِ: أنَّ تارك الصلاة إذا قلنا لا يُكَفَّرُ، تُدفع إليه الزكاة، وفي وجهٍ: لا تُدفع إليه إلَّا بنفقةِ مدَّةِ الاِسْتِتَابَةِ، وبالجوازُ أفتى ابنُ البَرْزِيِّ، قاله ابنُ الْمُلَقِّنِ في الأصلِ.
فَرْعٌ: شرطهُ أَيضًا أن يكون من بلدِ المالِ الذي تخرج منه الزكاة لمنع نقلها كما سَتَعْلَمُهُ.
فَرْعٌ: لا يجوزُ دفعها إلى عبدٍ ومُبعَّضٍ، ومَالَ الرويانيُّ في كَافِيْهِ إلى تفصيل حسنٍ؛ وهُو: أنَّهُ إِنْ لم يكنْ بينهما مُهَايَأةٌ لا يجوز، وإلَّا فيجوزُ في يوم نفسه، ولا يجوز الإعطاءُ لمكاتَبِهِ على الأصحِّ.
فَرْعٌ: تاركُ الصلاة إذا قلنا لا يكفَّرُ، تُدفع إليه الزكاة، وقيل: يُعطى نفقةَ مُدَّةِ الاِسْتِتَابَةِ فقطْ، ذكرَهُ في الذخَائِرِ وأَفتى ابن الْبَرْزِيِّ بالجوازِ أَيضًا (•).
فَصْلٌ: مَنْ طَلَبَ زَكَاةً وَعَلِمَ الإِمَامُ استْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَدَمَهُ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، أي ولا يخرجُ على القضاء بالعِلمِ؛ لأن الزكاة مبنيَّةٌ على الرِّفقِ وليس فيها إضرارٌ بالغير بخلافه، وَإِلَّا فإِنِ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةً لَم يُكَلَّفْ بَيِّنَةً، لعُسرها وكذا إذا ادَّعى أنَّه غيرُ كَسُوبٍ.
فَرْعٌ: لا يحلَّفان إن لم يُتَّهَمَا قطعًا، ولا إن اتُّهِمَا على الأصحِّ؛ وجزَمَ صاحبُ الحاوي الصغير بتحليفهما على سبيل الوجوب، وهو وجه مبنيٌّ على القول بالتحليف وهو عجيبٌ.
فَإن عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ كُلِّفَ، أي الْبَيِّنَةَ لسهولَتِهَا، ولم يفرِّقُوا هنا بين دعواهُ الهلاك بسببٍ خَفِي كالسرقة؛ أو ظاهر كالحريق ونحوهما؛ كصُنعهم في الوديعة ونحوه؛ لأن الأصل هناك عدم الضمان وهنا عدم الاستحقاق، وَكَذَا إِنِ ادَّعى عِيَالًا في الأصَحِّ، لإمكانها، والثاني: يقبلُ قوله بلا بَيِّنَةٍ؛ كما يقبل قوله في فَقرهِ؛ لكن لا بدَّ من اليمين قطعًا. والمرادُ بالعيال: مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقتهُ. وفيه بحثٌ لصاحب المطلبِ.
(•) في نسخة (1) أدرجَ الناسخُ سهوًا ما نقلَهُ من أصل شرح عمدة المحتاج لابن الملقن فقال: فرعٌ.
وَيُعْطَى غَازٍ وَابْنُ سَبِيل بقَوْلِهِمَا، أي من غير بَيِّنَةٍ ولا يمينٍ لأنهما يظهَران بعد الأخذ، فَإِن لَم يَخْرُجَا اسْتُرِدَّ، لانتفاء صفة الاستحقاق، ثم قيل: يُحتملُ تأخيرُ الخروج يومين أو ثلاثة، ولا يُحتمل الزيادةُ. قال الرافعيُّ: ويشبهُ أن يجعل هذا على التقريب، وأن يعتبر ترصدَهُ للخروج، وكون التأخيرِ لانتظارِ الرِّفقَةِ وإعداد الأُهْبَةِ ونحوهما.
ويُطَالَبُ عَامِلٌ وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ، أي لمصلحة نفسه، بِبَيِّنَةٍ؛ لأن الأصل العدمُ، وإقامة البَيِّنَةِ سهلةٌ عليه، أما الغارمُ لإصلاح ذات البينِ فاشتهارُهُ يُغني عن البَيِّنَةِ؛ نَبَّهَ عليه في الكفاية، وفي البيان: أنَّه لا تُقبل إلَّا بِبَيِّنَةٍ، واعْلَمْ: أن الذي أوردَهُ القاضي حسين: أن العامل لا يُطالب بِبَيِّنَةٍ؛ لأن الإمامَ هو الذي يستعمله؛ فإن فُعل ذلك، استحق وإلَّا فلا، وكذا به جزَمَ صاحبُ الطلبِ، نَعَمْ لو كان الإمامُ قد استأجره من خُمْسِ الخُمْسِ فادَّعى أنَّه قبضَ الصَّدقات وتَلِفَتْ في يدِهِ من غير تفريطِ، وطلبَ الأُجرة لم يُصَدَّقْ على العمل إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ كذا جزَمَ به ولم يَعْزُهُ لأحدٍ، وعليه يحمل ما ذكرَهُ المصنِّفُ تبعًا للرافعى، وَهِيَ، أي البيِّنة، إِخْبَارُ عَدْلَينِ، أي لإسماع القاضي وتقدَّم الدَّعوى والإنكار وَالاِسْتِشْهَادِ، ويُغْنِي عَنْهَا الاِسْتِفَاضَةُ، بحصول العلم أو غَلَبَةِ الظَّنِّ وعليه حُمل قوله عليه الصلاة والسلام في حديث قبيصة [وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتى يَقُوْلَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ] أخرجَهُ مسلمٌ (321). فإن القصدَ من الثلاثة الإشارةُ إلى الاستفاضة، فإنَّ أدْنَى ما تَحْصُلُ به
(321) عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِق، قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَة؛ فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أسْأَلُهُ فِيْهَا؛ فَقَالَ: [أقِمْ يَا قَبِيْصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ]. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: [يَا قَبِيصَةُ: إِنَّ الصَّدَقَهَ لا تَحِلُّ إِلَّا لأحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَة فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيْبَ قَوَامًا مِنْ عَيشٍ أو سَدَادًا مِنْ عَيش. وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّت لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيْبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ. وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ قَدْ أصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ؛ فَحَلَّت لَهُ الْمسْأَلَةِ حَتى يُصِيْبَ قَوَامًا مِن عَيْشٍ أوْ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ. فَمَا سِوَى هَذَا مِنَ المسْألة يَا قَبيْصَةُ سُحْتٌ يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا =
الاستفاضةُ ثلاثة، وكذا قاله بعضُ أصحَابِنَا، ومنهم من حَمَلَهُ على الاستظهارِ، وقال صاحبُ المطلب: الذي دَلَّ عليه الخبرُ اثنان الحاجةُ والفقرُ فقط، وأما الدَّيْنُ فلا يثبُتُ بالاستفاضة قطعًا، وَكَذَا تَصْدِيْقُ رَبِّ الديْنِ وَالسَّيِّدِ في الأصَحِّ، لظهورِ الحقِّ بالإقرار، والثاني: لا، لاحتمال التواطُئِ.
فَرْعٌ: يُعطى المؤلَّفُ بقوله إنْ قال نِيَّتي في الإِسلام ضَعِيْفَةٌ دون ما إذا قال أنا شريفٌ مطاعٌ في قومي، وقال الشيخُ أبو حامدٍ: المؤلَّفَةُ لا تحتاجُ إلى بَيِّنَةٍ؛ لأنَّ الإمام هو الذي يَتَأَلَّفُهُمْ وَيَسْتَمِيْلُهُمْ ولا حاجة به إلى قولهم.
فَصْلٌ: وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِيْنُ، أيْ إذا لم يُحْسِنَا الكسبَ بحرفةٍ ولا تجارةٍ، كِفَايَةَ سَنَةٍ؛ لأن الزكاة تتكرَّر فتحصلُ بها الكفاية سَنَةً بعدَ سَنَةٍ، قُلْتُ: الأصَحُّ الْمَنْصُوصُ، أي في الأُمِّ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ فَيَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ، وَالله أَعْلَمُ، لتحصُلَ به كفايته، أما من أحسَنَ الكسب بحرفةٍ فيُعطى ما يُشترى آلاتُهَا به. قَلَّتْ قيمتُها أو كَثُرَتْ، أو تجارةٍ فيعطى رأسَ مالٍ ليشتريَ به ما يُحْسِنُ التجارةَ فيه؛ ويكون قدرُه ما يَفِي ربحُهُ بكفايَتهِ غالبًا.
فَرْعٌ: لا يشترطُ الإتصاف يوم الإعطاء بصفة الفقراءِ وَالْمَسْكَنَةِ، بل مَنْ مَلَكَ ما يكفيه أقلَّ من سَنَةٍ أو من كفاية العُمرِ الغالبِ؛ ولا قدرةَ له على الكسب؛ يُعطى تكملةَ ما تحصلُ به كفايته لبقيَّةِ السَّنَةِ أو لبقيَّةِ العمرِ الغالب على اختلاف الوجهين في ذلك، هذا ما ظَهَرَ مِن كلامِ الأصحابِ فَافْهَمْهُ.
وَالْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ قَدْرَ دَيْنِهِ، أي إن احتملَهُ المالُ، فإنْ قَدَرَا على بعضِ ما عليهما فيُعطيان الباقي. وشرطُ المكاتَبِ أن تكون كتابةً صحيحةً كما أسلفتُهُ، أما
= سُحْتًا]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الزكاة: باب من تحل له المسألة: الحديث (109/ 1044). وأبو داود في السنن: كتاب الزكاة: باب ما تجوز فيه المسألة: الحديث (1640). والنَّسائيّ في السنن: باب الصدقة لمن تحمل بحمالة: ج 5 ص 89 - 90.
المكاتَبُ كتابةً فاسدةً؛ فلا، كما جزَمَ به المصنِّفُ في بابه، وقوله (قَدْرَ دَيْنِهِ)، عبارةُ المُحَرَّرِ: قَدْرَ دَيْنِهِمَا وهي أوضحُ.
وَابْنُ السَّبِيلِ مَا يُوْصِلُهُ مَقْصِدَهُ، أيْ بكسرِ الصَّاد، أَوْ مَوْضِعَ مَالِهِ، أيْ إن كان لهُ في الطَّريق مالٌ، وكذا إن أَرادَ الرُّجوع في الأصح ولا مالَ لهُ في مقصِده. قال الشيخُ أبو حامد: وابنُ السبيل المحتازُ يُعطى مع الغنَى أَيضًا؛ لأنه يحتاجُ إلى ما يأخذُهُ حينَ الأخذِ وإن كان يُنْشِئَهُ من عندنا، فلا يُعطى إلَّا مع الفقر.
وَالْغَازِي قَدْرَ حَاجَتِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً؛ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَمُقِيْمًا هُنَاكَ، أي وإن طالَ، وَفَرَسًا، أي إن كان يُقاتل فَارِسًا، وَسِلَاحًا، أيْ يُشتريان لهُ كما صرَّح به في الْمُحَرَّر، وعبارتُهُ في الشَّرح: يُعطى ما يَشتريهما بهِ، وَيصِيْرُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ، إذا رأى الإمامُ ذلك؛ فإنَّه لا يتعيَّنُ دفعُهما تمليكًا بلْ لو رأى الإمام اسْتِئْجَارُهُمَا فلهُ ذلك. قال بعضهم: ويُعطى نَفَقَةَ عيالِهِ. قال الرافعيُّ: وليس بِبَعِيْدٍ.
ويهَيَّأُ لَهُ وَلاِبْنِ السَّبِيْلِ مَرْكُوبٌ إِن كَان السَّفَرُ طَوِيلًا أَوْ كَانَ ضَعِيْفًا لا يُطِيْقُ الْمَشْيَ، لِتَتُمَّ الكفايةُ، فإن كان قصيرًا وهو قويٌّ فلا، والمرادُ بهذا المركوبِ زيادةٌ على الفرس الذي يُقاتِلُ عليه، وَمَا يُنْقَلُ عَلَيهِ الزَّادَ وَمَتَاعُهُ، لاحتياجِهِ إليه، إِلَّا أَنْ يَكُون قَدْرًا يَعتادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ، لانتفائِهَا.
فَرْعٌ: لم يذكر المصنِّفُ ما يعطى المؤلَّفةُ والعاملُ. فأمَّا الأول فيُعطى ما يراهُ الإمامُ، وأمَّا الثاني فيُعطى أُجرة مِثْلِهِ.
وَمَن فِيهِ صِفَتَا استِحْقَاقٍ، أيْ كالفقيرِ والغارمِ، يُعْطَى بإِحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الأظْهَرِ؛ لأنَّ الله تعالى عَطَفَ المستحقِّين بعضَهُم على بعضٍ، والعطفُ يقتضي التَّغَايُرَ، والثاني: يأْخذُ بهما لاتِّصافِهِ بهما، فعلى هذا يُعطى بصفاتٍ أَيضًا وفيه احتمالٌ لِلْحَنَاطِيِّ، وإذا قلنا بالأول فأخذَ بالفقرِ فأَخْذَهُ غَرِيْمُهُ أُعطي من سهم الفقراء أَيضًا، لأنه الآن محتاجٌ. نقله في الروضة عن الشيخ نصر وأقرَّهُ.
فَرْعٌ: إذا قلنا بالأظهرِ فكان العاملُ فقيرًا، فوجهان بناءً على أن ما يأخذه أجرةً أمْ صدقةً؟ إن قلنا أُجرةً جازَ، وإلا فلا.
فَرْعٌ: قال: خُذْ هذا الألف وفرّقه على المساكين، لم يدخلْ فيهم وإن كان مسكينًا، فإن قال: ضَعْهُ في نفسِك إن شئتَ؛ فهو على الخلافِ فيما إذا قال: وكَّلتكَ بإبراء غُرَمَائِي وإن شِئْتَ فأبرِئ نفسَك. ذكرهُ الرافعيُّ في الوكالة وفي ولدهِ ووالدهِ وزوجَتِهِ خلافٌ للحنابلةِ.
فَصْلٌ: يَجبُ اسْتِيْعَابُ الأصْنَافِ، أي تعميمهم بالعطاء، إِن قَسَّمَ الإِمَامُ وَهُنَاكَ عَامِلٌ؛ لأن الله تعالى أضافَ الصَّدقة إليهم باللَّامِ وذلك يقتضي التعميم، وَإلَّا، أي وإن قَسَّمَ الإمامُ ولا عاملَ، فَالْقِسْمَةُ عَلَى سَبْعَةٍ، لسقوطِ سهمِ العامل وكذا إذا فرَّق الإمامُ بنفسِهِ، فَإنْ فَقَدَ بَعضُهُمْ فَعَلَى الْمَوْجُوْدِيْنَ، لامتناع النَّفلِ كما يأتي، ومرادُهُ الفقدُ المطلقُ، فإنَّ الفقدَ في البلدِ سيذكره بعدُ، وَإِذَا قَسَّم الإِمَامُ اسْتَوْعَبَ مِنَ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهُ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ، أي ولا يجوزُ الاقتصارُ على بعضهِمْ؛ لأنَّ الاستيعابَ لا يتعذَّرُ عليهِ، وليس المرادُ أنَّه يستوعبهم بزكاة كلِّ شخصٍ بل يستوعبهم من الزكواتِ الحاصلة في يده، وله أن يخصَّ بعضَهُم بنوعٍ من المال وآخرين بنوعٍ، وله أن يعطي زكاةَ شخصٍ واحد بكمالها إلى شخصٍ واحد. لأن الزكواتِ كلَّها في يده كالزكاة الواحدةِ وكذا السَّاعي إذا جعل لهُ الإمامُ أن يصرفَ الزكواتَ.
وَكَذَا يَسْتَوْعِبُ الْمَالِكُ إِنِ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّون في الْبَلَدِ وَوَفَّى بِهِمُ الْمَالُ، لتيسُّرهِ والحالة هذه. هذا ما أطلقهُ المتوليّ كما نقله الرافعيُّ عنه وذكرَ بعدَهُ بدون صفحةٍ عن المتولي أَيضًا ما يخالِفُهُ وستعرفُهُ بعدَهُ، وَإِلَّا، أي وإن لم ينحصروا ولم يُوَفَّ بهم، فَيَجِبُ إِعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ؛ لأن الله ذكرهم بلفظ الجمع وأقلُّهُ ثلاثةٌ، نعم يجوزُ أن يكون العامل واحدًا إلَّا ابن السبيل على الأصحِّ كما في سائر الأصناف، وَتَجبُ التَّسْوِيةُ بَيْنَ الأصْنَافِ، أي وإن زادتْ حاجةُ بعضهم إلَّا العامل فلا يزادُ على أُجَرة
مثلِهِ، لا بَيْنَ آحَادِ الصَّنْفِ، لعدم حصره، إِلَّا أَنْ يُقَسِّمَ الإِمَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيهِ التَّفْضيْلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ؛ لأن عليه التعميم فيلزمُهُ التَّسْوِيَةُ بخلاف المالك، فإنَّه لا تعميمَ عليه فلا تسويَةَ، كذا نقلَهُ الرافعيُّ عن التَّتِمَّةِ معلِّلًا بما ذكرنَاهُ. وهو مخالف لما قدَّمه قبله بدون صفحةٍ من وجوب الاستيعاب على المالك عند انحصار المستحقينَ وتوفية المال لهم، وقد وافقَ المتولي على التفضيل الماورديِّ والبندنيحيِّ وابن الصباغِ وقال المصنِّفُ في الرَّوضة: إنَّهُ وإنْ كان قويًّا في الدَّليل فهو خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحبابَ التَّسْوِيَةِ، وفي الْمَطْلَبِ عن ابن داود حكايةً عن النصِّ استحبابُ التسويَةِ أَيضًا.
فَرْعٌ: حيثُ لا يجبُ الاستيعاب؛ ففي الروضة عن الأصحاب: أنَّه يجوزُ الدَّفعُ إلى المستحقين بالبلد والغُرباء؛ ولكن المستوطنونَ أفضلُ؛ لأنهم جيرانُهُ.
فَائِدَةٌ: قال القفالُ في فتاويه: إذا صرفَ مالًا إلى فقيهٍ؛ وقالَ: إِعْطِهِ تَلَامِذَتَكَ. فإنَّه لا يجوزُ تخصيصُ البعضِ بل تجبُ القِسْمَةُ بينهم على السواء، اللَّهُمَّ إلَّا أن يكون قال لهُ: أنتَ أعلمُ في صرفِهِ إليهم فحينئذٍ جازَ التَّخْصِيْصُ والتَّفْضِيْلُ.
وَالأَظْهَرُ مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ، أي منعُ تحريمٍ لا يسقطُ به الفَرْضُ؛ لأن طمعَ المساكين في كُلِّ بلدٍ يمتَدُّ إلى ما فيها من المال، والنقلُ يُوْحِشُهُمْ، والثاني: الجوازُ، ومنهم من قَطَعَ بِهِ، كما حكاهُ في البَحْرِ؛ لأن الآيةَ مطلقةٌ؛ وبالقياس على الكَفَّارَةِ والنَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ فإن المذهب جوازُ نقلها، لكن الفَرْقَ أن الأطماعَ لا تمتدُّ إليها امتدادها إلى الزكاة، وأختار الرويانيُّ في الْحِلْيَةِ الإجزاءَ، وقال ابنُ الصلاح في فتاويه؛ وقد سُئل عن النَّقْلِ لقرابته إذا كان في غير بلدِهِ: الأظهرُ جوازُهُ بشرطِهِ، وقال ابن عُجيل اليَمَنِي: ثلاثُ مسائل في الزَّكاة يُفتى فيها خلافَ المذهبِ؛ نقلُ الزَّكَاةِ؛ ودفعُ زَكَاةِ واحدٍ إلى واحدٍ؛ ودفْعُها إلى صنفٍ واحدٍ. وينبغي أن يُلحقَ بالكفارَةِ وَالنَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ في جوازِ النَّقْلِ الأوقاف الجارية على الفقراء والمساكين إذا لم ينصَّ الواقفُ على بلدٍ، وإن لم أرَهُ منقولًا، واختلفَ الأصحابُ في موضع القولين
على طرق أصحُّها: أنهما في سقوطِ الفرضِ، ولا خلاف في تحريمهِ والأصحُّ طردُ الخلاف في النفل إلى مسافة القصرِ ودونها، قال الرافعيُّ: والخلاف في المسألة ظاهرٌ فيما إذا فَرَّقَ رَبُّ المالِ، أما إذا فَرَّقَ الإمامُ فالأشبه جوازُ النقل له؛ والتَّفْرِقَةُ كيفَ شاءَ. قال المصنِّفُ في شرح المهذب: قد نقلهُ صاحبُ المهذبِ؛ والراجِحُ القطعُ به للإمامِ والسَّاعى، وهو ظاهرُ الأحاديث؛ قُلْتُ: ويُستثنى مع هذه المسألة أَيضًا ما إذا كان له نِصَابٌ من الغَنَمِ نصفُهُ ببلدٍ ونصفُهُ بآخر، فإنَّ له أن يخرجَ شاةً بأحدِ البلدين شاء على الأصح فرارًا من التشْقِيْصِ.
وَلَوْ عَدِمَ الأَصْنَافَ في بَلَدٍ وَجَبَ النَّقْلُ، أي إلى أقرب بلد إليه، أَوْ بَعْضَهُمْ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ وَجَبَ، وِإلَّا فَيُرَدُّ عَلَى الْبَاقِيْنَ؛ لأن عدمَ الشيء من موضعه كالعدم الْمُطلقِ، وَقِيلَ: يُنْقَلُ، أي إلى أقرب بلد إليه؛ لأن استحقاقَ الأصنافِ منصوصٌ عليه فيقدَّم على رعايةِ المكان الذي ثَبَتَ بالاجتهادِ، وهذا ما صحَّحَهُ صاحبُ المهذب وحكاهُ قولًا؛ وخصَّصَ الماورديُّ الخلاف بما عدا الغُزاة وقال: إِنَّ نصيبَ الغُزاة ينقلُ إلى البلد الذي هُمْ فيه قطعًا؛ لأنهم يكثرون في الثغُوْرِ، ويَقِلُّونَ في غيرها. ثم محلُّ الخلاف أَيضًا فيما إذا عدم غير العامل، أما إذا عدم العامل فإن سهمه يَسقطُ.
فَصْلٌ: وَشَرْطُ السَّاعِي كَوْنُهُ حُرًّا عَدْلًا، أي فلا يكونُ عبدًا ولا فَاسِقًا لنقصِهِمَا، فَقِيْهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ، أي بأنْ يعرِفَ ما يأخذه؛ ومن يُعطه؛ وقَدْرَ العطاءِ، ومن تجبُ عليه؛ لأنها ولايةٌ من جهة الشَّرْع تفتقرُ إلى الفِقْهِ فأشبَهَتِ القَضَاءَ، فَإِنْ عُيِّنَ لَهُ أَخَذٌ وَدَفْعٌ لَمْ يُشْتَرَطِ الْفِقهُ؛ لأنها رسالةٌ لا ولايةٌ، قال الماورديُّ: ولا الإِسلامُ ولا الْحُرِّيَّةُ أَيضًا وفي الأوَّل نظرٌ.
فَرْعٌ: الْمَرْأَةُ لا تكونُ عاملةً؛ ذكرَهُ الرافعيُّ في آخر الصنفِ الأول. وجزَمَ به الماورديُّ أَيضًا؛ لكنه قالَ؛ أعني الماوردي في موضع أخر: يجوزُ مع الكراهةِ.
وَلْيُعْلِمْ شَهْرًا لأَخْذِهَا، أيْ نَدْبًا، وقيلَ: وُجُوبًا، والإعلامُ إما من الإمامِ أو من السَّاعى، وفائدتُهُ أن يَتَهَيَّأَ أربابُ الأموالِ لقدومِهِ وليؤدُّوا ما عليهم ويندبُ أنْ يكون
الْمُحَرَّمُ لأنهُ أوَّلُ السَّنَةِ؛ ثم هذا في الْحَوْلِيِّ. أما غيرُهُ كالزَّرْع والثِّمارِ؛ فإنَّه يبعَثُ السُّعَاةَ فيه وقتَ الوُجوبِ: وهُو إدراكُ الثَّمَرِ واشْتِدَادُ الْحَبِّ.
فَرْعٌ: بَعْثُ السُّعاةِ مستحبٌّ، وقيل: واجبٌ.
فَصْلٌ: ويسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيءِ، لتتميَّز وليردَّها من وحدها ضالَّةً وليعرفها المتصدِّقُ فلا يتملَّكها لأنه يُكرهُ أن يتصدَّقَ بشئٍ ثم يشتريه كما نصَّ عليه؛ أو يَمْلِكَهُ بالهبةِ كما ذكرَهُ في الروضة من زوائدِهِ؛ ولا بأس بتملُّكِهِ منهُ بالإرثِ ولا بتملكه من غيرِهِ، في مَوْضِع لا يَكْثرُ شَعْرُهُ، أَيضًا ويكونُ صلبًا والأوْلى في الغَنَمِ الإذْنُ؛ وفي الإبل الفخذُ للإتباع (322). وكذا البقرُ والخيلُ بالقياس، وَالْوَسْمُ بِالسِّينِ المهملَةِ والمعجمةِ، وقيل: المهملةُ في الوجهِ والمعجَّمَةُ في سائِرِ الجَسَدِ، وَيُكْرَهُ في الْوَجْهِ، لِلنَّهْي عَنْهُ، قُلْتُ: الأَصَحُّ يَحْرُمُ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِي، وَفِي صَحِيْح مُسْلِمٍ [لُعِنَ فَاعِلِهِ](323) وَالله أَعْلَمُ، قُلْتُ: ونصَّ عليه أَيضًا إِمَامُنا في الأُمِّ؛ فَقَالَ: والخبرُ
(322) • عن هشام بن زيد عن أنس رضي الله عنه قال: [دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ وَهُوَ في مِربدٍ لَهُ فَرأيْتُهُ يَسِمُ شَاةً، حَسِبْتُهُ قالَ في آذَانِهَا]. رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب الذبائح والصيد: باب الوسم والعلم والصورة: الحديث (5542). ومسلم في الصحيح: كتاب اللباس والزينة: باب جواز وسم الحيوان غير الآدمي: الحديث (110 و 111/ 2119). وفي الأول بلفظ [وأَكبَرُ عِلْمِي أَنَّهُ قالَ في آذَانِهَا].
• عن إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال: [رَأيْتُ في يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَيْسَمَ وَهوَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب اللباس والزينة: الحديث (112/ 2119). وقال النووي في الشرح: (فَيُسْتَحَبُّ أَن يَسِمَ الْغَنَمَ في آذَانِهَا وَالإِبِلَ وَالْبَقَرَ في أُصُولِ أفْخَاذِهَا لأَنَّهُ مَوْضِعٌ صَلْبٌ فَيَقِلُّ الأَلَمُ فِيْهِ وَيَخِفُّ شَعْرُهُ وَيظْهَرُ الْوَسْمُ) إنتهى.
(323)
• عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نَهَى رَسُولُ اللَهِ صلى الله عليه وسلم فَي الضَّربِ في الْوَجْهِ وَعَنِ الْوَسْمِ في الْوَجْهِ). رواه مسلم في الصحيح: كتاب اللباس والزينة: باب النهي عن ضرب الحيوان: الحديث (106/ 2116). =
عندنا يقتضي التَّحْرِيمَ وينبغي رفعُ الخلاف وحملُ الكراهة على التَّحريمِ أو أنَّ قائله لم يَبْلُغْهُ الحديث (•).
فَصْل: صَدَقَةُ التَّطَوع سُنَّةٌ، لقوله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (324) وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ .... الآية} (325)، والأخبارُ الواردةُ فيه كثرةٌ شهيرةٌ، وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ، مع أنَّه يستحبُّ لهُ التَّنَزُّهُ عنها، وفي الصحيح:[تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ] وفيه: [لَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا أعْطَاهُ الله](326) ويكرَهُ له التعرُّضُ لها، الذي البيان: فإن أظهرَ الفاقَةَ فحرامٌ قال في الروضة: وهو حسنٌ،
• عن جابر رضي الله عنه؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيهِ حمارٌ قَدْ وُسِمَ في وَجْهِهِ، فَقَالَ:[لَعَن اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب اللباس والزينة: الحديث (107/ 2117). وأبو داود في السنن: كتاب الجهاد: باب النهي عن الوسم في الوجه: الحديث (2564).
(•) في النسخة (2): رَمَزَ الناسخُ: في نسخةٍ أُخرى عنده (لم يبلغه التحريم).
(324)
البقرة / 245: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .
(325)
(326)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: [قَالَ رَجُلٌ: لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ؛ فَوَضَعَهَا في يَدِ زَانِيَةٍ. فَأَصبحُوْا يَتَحَدَّثُوْنَ: تصَدَّقَ اللَّيلَةَ عَلَى زَانِيةٍ. قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ. لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَوَضَعَهَا فِى يَدِ غَنِىٍّ. فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِىٍّ. قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى غَنِىٍّ لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَوَضَعَهَا فِى يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ. فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِىٍّ وَعَلَى سَارِقٍ. فَأُتِىَ، فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ. أَمَّا الزَّانِيَةُ؛ فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ زِنَاهَا وَلَعَلَّ الْغَنِىَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ. وَلَعَلَّ السَّارِقَ يَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ سَرِقَتِهِ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الزكاة: باب ثبوت أجر المتصدق: الحديث (78/ 1022). والنَّسائيّ في السنن: كتاب الزكاة: باب إذا أعطاها غنيًا وهو لا يشعر: ج 5 ص 55 - 56.
فأما إذا سألها فالأصحُّ على ما يقتضيه إيرادُ الروضة التَّحْرِيّمُ، وَكَافِرٍ، لأن [في كُلِّ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ](327) وحديث [لا يَأكُلُ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ](328) المرادُ به الأولى، وَدَفْعُهَا سِرًّا، وَفِي رَمَضَانَ، وَلِقَرِيْبٍ وَجَارٍ أَفْضَلُ، لأحاديثٍ في ذلك (329).
(327) عن سُراقة بن مالك بن جشم؛ قال: طَفِقتُ أَسْأَلُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم! الضَّالةُ تَغْشَى حِيَاضِي وَقَدْ مَلأتُهَا لإِبِلِي؛ فَهَل لِي مِنْ أَجْرٍ أَنْ أَسْقِيَهَا؟ فَقَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: [نَعَمْ وَفِي سَقْي كُل كَبِدٍ حَرَّاءَ أجْر لله عز وجل]. رواه أَحْمد في المسند: ج 4 ص 175 وإسناده صحيح.
عن عبد الله بن عمرو؛ أنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أنزع في حَوْضٍ حَتَّى إِذَا مَلأتُهُ لأَهْلِي؛ وَرَدَ عَلَيَّ الْبَعِيْرُ فَسَقَيْتُهُ؛ فَهَلْ لِي في ذَلِكَ مِنْ أجْرٍ؟ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [في كُلِّ ذَاتِ كَبِدِ حَرَّاءَ أجْرٌ]. رواه الإمام أَحْمد في المسند: ج 2 ص 222 وتفرد به.
في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: باب سقي الماء: ج 3 ص 131: قال الهيثمي: رواه أَحْمد ورجاله ثقات.
(328)
عن أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه؛ أَنهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: [لا تصَاحِبْ إِلَّا مُؤمِنًا وَلَا يَأْكُلُ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِي]. رواه الترمذي في الجامع: كتاب الزهد: باب ما جاء في صحبة المؤمن: الحديث (2395)، وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود في السنن: كتاب الأدب: باب من يؤمر أن يجالس: الحديث (4832).
(329)
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ عَنِ النْبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [سَبْعَة يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ الْعَادِلُ. وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ. وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيهِ. وَرَجُل طَلَبَتْهُ امْرأةٌ ذَاتُ مَنصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّى أخَافُ الله. وَرَجُلٌ تَصَدَّق أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنفِقُ يَمِيْنُهُ. وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الأذان: الحديث (660). وكتاب الزكاة: باب الصدقة باليمين: الحديث (1423).
عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قالَ: [كَانَ رَسُوْلُ اللهِ أَجْوَدَ النَّاسِ؛ وَأجْوَدُ مَا يَكُوْنُ في رَمَضَانَ]. رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب بدء الوحي: الحديث (6). وفي كتاب الصوم: باب أجود ما كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: الحديث (1902). ومسلم في =
فَرْعٌ: لو كان له جِيْرَانٌ أجانب وأقارب أباعد؛ فجيرانُهُ أَولى؛ كذا قاله الماورديُّ وأبو الطِّيب والأزهريُّ وابنُ الفَرْكَاحِ في الإِقْلِيْدِ. وفي أصلِ الروضة: أنَّ القريبَ أَولى كما يُحكى عن مذهب أبي حنيفة، ولو كان القريبُ خارج البلد فإنْ مَنَعْنَا نَقْلَ الزكاةِ؛ قُدِّم الأجنبيُّ وإلا فالقريبُ، وقال ابن مسعودِ:(لا تُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِن بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ إِلَّا لِذِي قَرَابَةٍ)(330). وقد قدَّمنا كلام ابن الصلاح في ذلك قريبًا.
فَرْعٌ: سُئل الحناطيُّ ومن فتاويه نقلتُ: أَيَّمَا أَولى وضعُ الرَّجُلِ صدقتَهُ في رَحِمِهِ من قِبَلِ أبيهِ أو من قِبَلِ أُمِّهِ؟ فأجاب: بأنَّهُما في الاختيارِ والاستحبابِ سواءٌ.
= الصحيح: كتاب الفضائل: باب كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أجود النَّاس بالخير: الحديث (50/ 2308).
- عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُوْلُ]. رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب الزكاة: باب لا صدقة إلَّا عن ظهر غنى: الحديث (1426).
- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه؛ عَنِ النْبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. وَابْدَأ بِمَنْ تَعُوْلُ. وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى؛ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ الله. وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغنِهِ الله]. رواه البُخَارِيّ في الصحيح: الحديث (1427).
عن سلمان بن عامر؛ عَنِ النبْيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ. وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنتانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ]. رواه التِّرْمِذِيّ في الجامع: كتاب الزكاة: باب ما جاء في الصدقة على ذي الرَّحم: الحديث (658)، وقال: حديث حسن. والنَّسائيّ في السنن: كتاب الزكاة: باب الصدقة على الأقارب: ج 5 ص 92.
عن عائشة رضي الله عنها؛ قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ الله؛ إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أيِّهِمَا أهْدِي؟ قَالَ:[إِلَى أقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا]. رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب الشفعة: باب أيُّ الجوار أقرب؟ الحديث (2259).
(330)
رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب قسم الصدقات: باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم: الأثر (13415)، وقال: موقوف وفي إسناده ضعف. قلتُ: فيه إسناده سوار بن مصعب الهمداني؛ قال البُخَارِيّ: منكر الحديث. وقال النَّسائيّ: متروك. وقال أبو داود: ليس بثقة. له ترجمة في لسان الميزان للذهبي: ج 3 ص 128.
فَرْعٌ: الأفضلُ في الزكاةِ إظْهَارُهَا، واستثنى الماورديُّ الأموال الباطنة؛ فإنَّ الأولى إِخْفَاءُ إخراج زكاتِهَا، وأما للإِمَامِ، فالإظهارُ في حقِّهِ أفضلُ.
وَمَنْ عَلَيهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَّا يَتَصَدَّقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ، تقديمًا لِلأهَمّ وربما قيل: يُكْرَهُ، قُلْتُ: الأصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أي بخلاف نفقة نفسه؛ فإنَّه لا يستحبُّ، أَوْ لِدَينٍ لا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً، وَالله أَعْلَمُ، لأنه حقٌّ واجبٌ فلا يجوزُ تركه لِسُنَّةٍ؛ وصحَّحَ في شرح المهذب فيما عدا الدَّيْنِ التَّحْرِيْمَ بالنسبةِ إلى نفسِهِ أَيضًا وعبَّر في الروضة عن مسألة الدَّيْنِ بالمختارِ بَدَلَ الأصحّ. وفي إطلاق التحريم نظرٌ، فإن كِبَارَ الصحَابَةِ كانوا يُؤْثِرُوْنَ حال الضَّرُورةِ؛ ويخرجونَ عن جميع أموالهم ولا يتركونَ لعيالهم شيئًا كقضية الصِّدِّيقِ الآتية. والظاهرُ اختلاف الحكم باختلاف الأحوال كما نبَّهَ عليه المُحِبُّ الطَّبَرِيُّ رحمه الله، ولو كان ثَمَّ صَبْرٌ من عياله ومنهُ، وأَذَنُوا في ذلك؛ فالذي يظهر كما قاله صاحب المطَّلب: أن الأفضلَ التَّصَدُّقُ، قال تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وسببُ نزولها مشهورٌ (331).
تَنْبِيْهَاتٌ: ذكرها صاحبُ المطلَبِ، أحدها: الظاهرُ أنَّه لا فرقَ بين دَيْنِ الزكاة وغيره، لأنها على الفور، وقد قال الماورديُّ: إنه لا يستحبُّ الصدقة وهو عليه.
(331). الحشر / 9.
عن أبي حازم، عن أبي هريرة؛ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليضيفه، فَلَمْ يَكُنْ عِندَهُ مَا يضيفه، فَقَالَ:[أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُ هَذَا رحمه الله؟ ] فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ يُقَالُ لَهُ (أبو طَلْحَةَ)، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: أكرمِي ضَيْفَ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم لا تَدَّخِرِيْنَ شَيْئًا. قَالَتْ: وَالله مَا عِنْدِي إِلَّا قُوْتُ الصِّبْيَةِ. قالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ وَأَطفِئِي الْمِصْباحَ وَأَرِيْهِ بأَنَّكِ تَأْكُلِيْنَ مَعَهُ، وَاترُكِيْهِ لِضَيفِ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم. فَفَعَلَت. فَنَزَلَتْ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. رواه الطبري في جامع البيان: الجزء الثامن والعشرون: النص (26245). والبخارى في الصحيح: كتاب التفسير: الحديث (4889).
ثانيها: هذا إذا كان الدَّيْنُ حَالًّا، أما إذا كان مُؤَجَّلًا فينبغي أن يلتحق بما إذا كان يحتاجُ إليه في نفقةِ عياله في المستقبل. ثالثها: حيثُ قلنا بتحريم الصَّدقة فهل يملكها الْمُتَصَدَّقُ عليهِ؟ يشبهُ أن يكون على الوجهين؛ فيما إذا وَهَبَ الماءَ الذي يحتاج إليه بعد دخول الوقت.
وَفي اسْتِحْبَابِ الصَّدقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا إِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ، أي على الإضافة، اسْتُحِبَّ، وَإلَّا فَلَا. أي لا يستحبُّ. وقال الغزاليُّ وصاحبُ البيانِ: يُكْرَهُ. وعلى ذلك تحملُ الأحاديثُ المختلفة ظواهرها في الباب، والثاني: يستحبُّ بجميع الفَاضِلِ مطلقًا؛ لأن الصِّدِّيّقَ رضي الله عنه تَصَدَّق بجميع ماله وَقَبِلَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم منهُ كما أخرجه أبو داود وصححه التِّرْمِذِيّ والحاكم ولا مبالاة بتضعيف ابنِ حزمٍ له (332). قال القاضي حسين: وكان هذا الفعلُ منهُ ومن عُمرَ حين أتى بنصف مالِهِ حين نزول قوله تعالى: {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (333)، والثالث: لا مطلقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: [خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهرِ غِنًى] صححَهُ الحاكم على شرط مسلم (334).
(332) عن زيد بن أسلم عن أَبيه قال: سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الْخَطابِ رضي الله عنه يَقُوْلُ: (أَمَرَنَا رَسُوْلُ الله يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلكَ مَالًا عِنْدِي. فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أسْبقُ أَبَا بَكْرٍ، إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا! فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي. فَقالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ ] قُلْتُ: مِثْلَهُ. قالَ: وَأَتَىَ أَبُو بَكر رضي الله عنه بِكُل مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: [مَا أَبْقَيتَ لأَهْلِكَ؟ ] قالَ: أَبْقَيْتُ الله وَرَسُوْلَهُ. قُلْتُ: لا أَسْبِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أبَدًا). رواه أبو داود في السنن: كتاب الزكاة: باب في الرخصة في ذلك: الحديث (1678). والتِّرمذيّ في الجامع: كتاب المناقب: باب في مناقب أبي بكر وعمر: الحديث (3675)، وقال: حديث حسن صحيح. والحاكم في المستدرك: كتاب الزكاة: الحديث (1510/ 84)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي في التلخيص. ورأي ابن حزم في تضعيف الحديث، في المحلى: أحكام الهبات: ج 9 ص 141.
(333)
المزمل / 20.
(334)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عَن رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: [وَيَأْتِي أحَدُكُمْ بِمَا =
فَرْعٌ: يكرهُ إمساكُ الفَضْلِ والغيرُ محتاجٌ إليه؛ كما بوَّبَ عليه البيهقيُّ واستدلَّ لهُ (335)؛ فإن اضطرَّ الغيرُ وجبَ بذلُهُ لَهُ؛ لكن بعوضٍ. وقال الإمامُ في الغَيَاثِيِّ؛ يجبُ على الْمُوْسِرِ الْموَاسَاةُ بما زادَ على كِفَايَتِهِ سَنَةً.
= يَمْلِكُ فَيَقُوْلُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ، خَيْرُ الصدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى]. رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الزكاة: الحديث (1507/ 81)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
(335)
السنن الكبرى للبيهقي: جماع أبواب صدقة التطوع: باب كراهية إمساك الفضل وغيره محتاج إليه: الأحاديث (7873 - 7876): ج 6 ص 139.