الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يجوز وإن كان مَحْرَم، وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى لتحقق الانفراد، وَسُفْلٌ وَعُلُوٌّ كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ، أي في الحكم الذي قررناه آنفًا.
بَابُ الإسْتِبْرَاءِ
الإسْتِبْرَاءُ: هُوَ بِالْمَدِّ طَلَبُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ.
يَجِبُ بِسَبَبَيْنِ؛ أَحَدَهُمَا: مِلْكُ أَمَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ إِرْثٍ أوْ هِبَةٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ تَحَالُفٍ أَوْ إِقَالَةٍ، أي وكذا قبول وصية، وَسَوَاءٌ بِكْرٌ، وَمَنِ اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيرُهَا، أما في المسبية فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم:[لَا تُوْطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرَ ذَاتِ جَمْلٍ حَتَّى تَحِيْضَ حَيْضَةً] رواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم (121)، وترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال منزلٌ منزلة العموم في المقال، وأما في الباقى فبالقياس عليها، وفي علة وجوبه جوابان؛ للقاضي: فراغ محل الاستمتاع، أو حل الفرج؛ وستأتي ثمرة ذلك.
وَيَجِبُ فِي مُكَاتَبَةٍ عُجِّزَتْ، لزوال ملك الاستمتاع بها، وهذا في الكتابة الصحيحة، أما الفاسدة فلا تجب فيها، وَكَذَا مُرْتَدَّةٌ فِي الأَصَحِّ، أي ارتدت ثم أسلمت لزوال ملك الاستمتاع، والثاني: لا، لأنها بالعود كأن مِلكَ الاستمتاع لم يزل، لَا مَنْ خَلَتْ مِنْ صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ، لأنه عارض سريع الزوال، وَإِحْرَامٍ، كما لو صامت ثم أفطرت، وَفِي الإِحْرَامِ وَجْهٌ، لزوال ملك الاستمتاع به، وَلَوِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ اسْتُحِبَّ، أي ليتميز الحر من ولده عن الرقيق الذي يعتق عليه ويَثْبُتُ عليه
(121) رواه أبو داود في السنن: كتاب النكاح: باب في وطء السبايا: الحديث (2157) عن أبي سعيد الخدري، ورفعه؛ أنه قال في سبايا أوطاس: الحديث. والحاكم في المستدرك: كتاب النكاح: الحديث (2790/ 119)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
الولاء، وَقِيْلَ: يَجِبُ، لتجدد الملك، وبنى القاضي الخلافَ على العلتين السابقتين فِي وجوب الاستبراء، فقال: إن قلنا العلَّة حدوث ملكِ حلِّ الفرج فلا يجب، وإن اعتبرنا حدوث ملك الرقبة فيجب، وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً، أي وهو عالم بحالها أو جاهل، واختار إمضاء البيع، لَمْ يَجِبْ، لأنها مشغولة بحق غيره، فَإنْ زَالَا، أي الزوجية والعدة، وَجَبَ فِي الأظْهَرِ، لأن الموجب قد وجد؛ لكن لم يمكن ترتيب موجبة عليه فِي الحال، فإذا أمكن رتب، والثاني: لا، وله وطؤها فِي الحال، لأن الموجب للاستبراء حدوث الملك، ولم يمكن حينئذ فِي مظنة الاستحلال.
وَالثَّانِي: زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أمَةٍ مَوْطُؤْءَةٍ أَوْ مُسْتَوْلَدَهٍ بِعِتْقٍ أَو مَوْتِ السَّيِّدِ، لأنها كانت فراشًا للسيد، وزوال الفراش بعد الدخول يقتضي التربص كما فِي زوال الفراش عن الحرة وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى مُسْتَوْلَدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ وَجَبَ فِي الأصَحِّ، أي ولا تعتد بما مضى، كما لا تعتد بما تقدم على الطلاق من الاقراء، والثاني: لا يجب، والخلاف مبني على أن أم الولد، هل تخرج عن كونها فراشًا بالاستبراء، وهل تعود فراشًا للسيد إذا مات زوجها أو طلقها وانقضت عدتها أم لا تعود؟ قُلْتُ: وَلَوِ اسْتَبْرَأَ أمَةً مَوْطُوْءَةً فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجِبْ، وَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَالِ إِذْ لَا تُشْبِهُ مَنْكُوْحَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ: لو اشترى أمة قد استبرأها البائع فأعتقها، فله نكاحها قبل الاستبراء، ذكره الماوردي.
وَيَحْرُمُ تَزْوِيْجُ أَمَةٍ مَوْطُوْءَةٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الإسْتِبْرَاءِ، لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْماءَانِ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الأَصَحِّ، كالمعتدة منه، والثاني: لا، لأن الإعتاق يقتضي الإستبراء فلا يمكن من استباحة مستقبحة إلَّا بعد رعاية حق التعبد، وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ فَلَا اسْتِبْرَاءَ، لأنها ليست فراشًا له فهي كغير الموطوءة.
فَرْعٌ: لو أعتقها أو مات عنها وهي فِي عدة من وطء شبهة فالراجح وجوبه.
فَصْلٌ: وَهُوَ، أي الاستبراء، بِقَرْءٍ، أي فِي حق ذات الاقراء، وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ فِي الْجَدِيْدِ، للحديث المتقدم ولا يكفي بقية الحيض، والقديم: أنَّه الطهر كما فِي العدة، والأول فَرَّقَ بينهما، بأن العدة لإباحة العقد، والعقد مستباح فِي الحيض والطهر، والوطؤ يتأخر عن الاستبراء فشرع الاستبراء بالحيض ليصح الوطؤ بعده، وَذَاتُ أَشْهُرٍ بِشَهْرٍ، لأنه كقرءٍ فِي الحرة وكذا فِي الأمَة، وَفِي قَوْلٍ: بِثَلَاثَةٍ، لأن الأمور الجبلِّية لا تختلف بالرق والحرية.
فَرْعٌ: لو لم تحض لعارض وهي ممن تحيض فكنظيرها فِي العدة.
وَحَامِلٌ مَسْبِيْةٌ أَوْ زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيِّدٍ بِوَضْعِهِ، لعموم الحديث السالف، فَإِنْ مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ، أَي وكانت حاملًا من زوج وهي فِي نكاحه أو عدته أو من وطء شبهة وهي معتدة من ذلك الوطئ، فَقَدْ سَبَقَ أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْحَالِ، أي وفي وجوبه بعد ذلك الخلاف، وإذا كان كذلك، فليس الاستبراء بالوضع، لأنه إما غير واجب، وإما مؤخر عن الوضع.
قُلْتُ: يَحْصُلُ الاِسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ حَمْلِ زِنًا فِي الأصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لحصول البراءة بخلاف العدة؛ فإنها مخصوصة بالتأكد، ولذلك اشترط فيها التكرار، والثاني: لا؛ كالعدة.
فَصْلٌ: وَلَوْ مَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ حُسِبَ إنْ مَلَكَ بإِرْثٍ، لأنه كالمقبوض بدليل صحة بيعه، وَكَذَا بِشِرَاءٍ فِي الأصَحِّ، لأن الملك تام فأشبه ما بعد القبض، والثاني: لا يعتد به لعدم استقرار الملك، لَا هِبَةٍ، أي إذا ملك بالهبة لم يعتد بما يقع قبل القبض لتوقف الملك على القبض. وعبارة المصنف تُوهم أنَّه إذا أراد أن لا يحصل الاستبراء فِي الهبة إذا وقع بعد الملك وقبل القبض، وليس كذلك فإن الملك فِي الهبة لا يحصل قبل القبض.
فَرْعٌ: يعتد فِي الوصية بما بعد القبول دون ما قبله على المذهب.
فَرْعٌ: لو وقع الحيض أو الحمل فِي زمن خيار الشرط فِي الشراء لم يكفِ على
الأصح، لضعف الملك، وقيل: بالفرق بين الحيض والحمل لقوته.
وَلَوِ اشْتَرَى مَجُوْسِيْةً فَحَاضَتْ ثُمَّ أسْلَمَتْ لَمْ يَكْفِ، لأن الاستبراء لاستباحة الاستمتاع، وإنما يعتد بما يستعقب الحل، وكذا لو وُجِد الإسلام فِي حال الاستبراء.
فَصْلٌ: وَيحْرُمُ الاِسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَأةِ، لأنه يدعو إلى الوطء، قال الماوردى: وهذا إذا أمكن أن يكون ثَمَّ ولدَ من الذي انتقلت منه، فإن لم يكن بأن كانت صغيرة لا تحبل أو حاملًا من زنًا أو مزوجة وطلقها زوجها قبل الدخول عقب الشراء، أو كانت فِي ملكه فزوجها ثم طلقها زوجها بعد الدخول، وأوجبنا الاستبراء بعد انقضاء العدة لحلَّ الوطء فهي كالمسبية.
فَرْعٌ: هل تجوز الخلوة بها؟ توقف فيه بعض الكبار، والنقل فِي المسألة عزيزٌ، وقد صرح بالجواز الجرجاني فِي شافيه فاستفده، فإنه من المهمات، وتأمل كلام الرافعي الآتي قريبًا فِي الحيلولة أيضًا.
فَرْعٌ: يجوز استخدامها وإن كانت جميلة؛ لأن الشرع ائتمنه عليها، وخالفت المرهونة؛ لأن الحق فيها للمرتَهِن.
إِلَّا مَسْبِيَّةً فَيَحِلُّ غَيْرُ وَطْئٍ، لتخصيص المنع بالوطء فِي الحديث السالف، وَقِيْلَ: لَا، كغيرها، والأصح الأول، وخالفت المسبية غيرها لأن غايتها أن تكون مستولدة حربي، وذلك لا يمنع الملك؛ بل هي والولد يُملكان بالسبي، وإنما حرم الوطئ صيانة لمائه لئلا يختلط بماء حربي، لا لحرمة ماء الحربي، مع أن الشافعي نصَّ فِي الأُم على المنع فِي المسبية أيضًا فتنبه له، واعلم أنا إذا جوزنا ما عدا الوطئ فهو فيما فوق الإزار، أما تحته ففيه تردد للإمام كالحيض، ومقتضى كلام المصنف والبندنيجى جوازه أيضًا.
فَرْعٌ: إذا حرمنا الاستمتاع، فانقطع الدم؛ حل قبل الغسل على الأصح.
فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَتْ، أي الأمة المتملِّكة: حِضْتُ! صُدِّقَتْ، لأن ذلك لا يُعْلَمْ إلَّا منها، ولا تحلف، لأنها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف، وَلَوْ مَنَعَتِ السَّيِّدَ
فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِتَمَامِ الاِسْتِبْرَاءِ صُدِّقَ، أي السيد؛ لأن الاستبراء مفوض إليه، ولهذا لا يحال بينه وبينها، كما صرح به الرافعي بخلاف المعتدة عن وطئ شبهة فإنه يحال بين الزوج وبينها، وَلَا تَصِيْرُ أَمَةٌ فِرَاشًا إِلا بِوَطْءٍ، بالإجماع، فَإِذَا وَلَدَتْ لِلإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ، كالنِّكَاح.
وَلَوْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ وَنَفَى الْوَلَدَ وَادَّعَى اسْتِبْرَاءً لَمْ يَلْحَقْهُ عَلَى الْمَذهَبِ، لأن جماعة من الصحابة نفوا أولاد جواريهم بذلك (122)، وعن البويطي وغيره تخريج قول فيه، قال الرافعي: والأول هو المنصوص وظاهر المذهب، وأبدل فِي الروضة ذلك بأن قال: إنه المذهب والمنصوص ومشى عليه هنا، فَإنْ أَنْكَرَتِ الاِسْتبْرَاءَ حُلِّفَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَعَرُّضُهُ لِلاِسْتِبْرَاءِ، أي ويكفي ذلك نافيًا للنسب،
(122) • فِي الحاوي الكبير شرح مختصر المزني: كتاب اللعان: باب الوقت فِي نفي الولد: ج 11 ص 153: قال المزني: قال الشافعي رحمه الله: (أَنْكَرَ عُمَرُ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ؛ فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْكَرَ زَيْدٌ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ).
• فِي تلخيص الحبير فِي تخريج أحاديث الرافعي الكبير: كتاب الطلاق: باب الاستبراء: ج 4 ص 4؛ قال ابن حجر العسقلاني: قوله المنصوص وظاهر المذهب، أن الولد لا يلحقه إذا نفاه، واحتج له، بأن عمر وزيدًا بن ثابت وابن عباس نفوا أولاد جَوَارٍ لهم، هكذا ذكره الرافعي عنهم بلا إسناد فِي الأُم، وكذا ذكره البيهقي عنه؛ فينظر فِي أسانيده، قلتُ: أخرجها عبد الرزاق؛ أما عمر؛ فعن ابن عيينة عن ابن نجيح عن رجل من أهل المدينة: أن عمر كان يعزل عن جارية له، فحملت، فَشُقَّ عليه، فقال: اللهم لا تلحق بآل عمر من ليس منهم. قال: فولد غلامًا أسود. فسألها، فقالت: من راعي الإبل، فاستبشر. وأما زيد، فعن الثوري عن ابن ذكوان عن خارجة بن زيد قال:(كان زيد بن ثابت يقع على جارية له بطيب نفسها، فلما ولدت انتفى من ولدها، وضربها مائة؛ ثم أعتق الغلام). وحدثنا ابن عيينة عن أبي الزناد عن خارجة مثله. وأما ابن عباس؛ فعن محمد بن عمرو عن عمرو بن دينار (أن ابن عباس وقع على جارية له، وكان يعزل عنها، فولدت، فانتفى من ولدها). وعن الثوري عن عبد الكريم الجزري عن زياد، قال: كنت عند ابن عباس، فذكر قصة فيها أنَّه انتفى من ولد جاريته. إنتهى.
والأصح الاكتفاء بالأول، كما فِي نفي ولد الزوجة، وكلام الغزالي يشعر باشتراط دعواها الاستيلاد، قال الرافعي: والأكثرون لم يتعرضوا له.
وَلَوِ ادَّعَتِ اسْتِيْلَادًا فَأَنْكَرَ أَصْلَ الْوَطْئِ؛ وَهُنَاكَ وَلَدٌ لَمْ يُحَلِّفْ عَلَى الصَّحِيْحِ، أي وإنما حُلِّف فِي الصورة السابقة؛ لأنه سبق منه الإقرار بما يقتضي ثبوت النسب وهو الوطء، والثاني: يُحلَّفُ، لأنه لو اعترف ثبت النسب، فإذا أنكر حُلِّفَ، واحترز بقوله (وَهُنَاكَ وَلَدٌ) عَمَّا إذا لم يكن هنا ولد، فإنه لا يُحَلَّف بلا خلاف، كما قاله الرافعي تبعًا للإمام، وإن كان فِي المحرر أطلق الخلاف، لكن قال صاحب المطلب: ينبغي أن يحلف قطعًا إذا عُرِضت على البيع؛ لأن دعواها حينئذ تنصرف إلى حريتها لا إلى ولدها.
وَلَوْ قَالَ: وَطِئْتُهَا وَعَزَلْتُ؛ لَحِقَهُ فِي الأَصَحِّ، لأن الماء قد يسبق، والثاني: ينتفى عنه كدعوى الاستبراء.