الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على التزويج؛ زوَّجَها الوليُّ قطعًا، وإلَّا كانَ الحُكمُ كما لو لم تطلُب. قال: ويظهرُ في حالِ الطلبِ إذا أوجبنا تزويجَها، أنْ لا يُفَرق في الوليّ بين الأبِ وغيرِهِ، بل يكونُ ذلك على وليِّ المالِ إنْ كانَتْ لِذَكَرِ. وإنْ كانت لأنثَى فعلى الخلافِ. وإن لم تكُنْ مُحَرَّمَةَ على السيدِ فإنْ كانَ مجنونًا أو سفيهاً فنكاحُهُ مُرْجُوٌّ في الحالِ، والمشهورُ أنهُ لو كانَ رشيداً لا يجبرُ، فإن قلنا يجبَرُ فَكَالأمَةِ المُحَرَّمَةِ، ولعل البعيدَ يُضبطُ بمدَّةٍ تزيدُ، وإنْ كانَ السيدُ صغيراً، فهل يُلْحَقُ بأمَةِ المرأةِ أو بأمَةِ المجنونِ والسفيهِ؟ فيه نظر، ويقوَى إلحاقُها بأمَةِ المجنونِ إذا قربَ زمنُ البلوغ، وبالأمَةِ الْمُحَرَّمةِ إذا بَعُدَ، ولعل البعيدَ يضبطُ بمدَّة تزيدُ على مُدةِ الإيْلَاءِ، قال: وهذه المباحثاتُ لم أَرَهَا في كتابٍ فَلتتَأمَّل.
فَرْعٌ: أَمَةُ المرأةِ إنْ كانت مالكَتُها مَحْجُوراً عليها فقد سبقَ بيانُها، وإلا فيزوجُها وليُّ المرأةِ تبعاً لولايتِهِ عليها، وسواء الوليُّ بالنسبِ وغيرِهِ، والأمَةُ العاقلَةُ والمجنونَةُ والصغيرَةُ والكبيرَةُ، ولا حاجَةَ إلى إذنِ الأمَةِ ويُشترطُ إذنُ مالكَتِها نُطْقًا، وإنْ كانتْ بِكْراً، لأنها لا تَسْتَحِي من ذلك. وَنَسَبَ الإمامُ والغزاليُّ إلى صاحِبِ التلخيصِ: أن الذي يزوج أمَةَ المرأةِ السلطانُ، وذكرَهُ الرافعيُّ مُوَهِّناً لنقلِهِ وأسقطَهُ في الروضةِ وأصَابَ، لأن الذي قالَهُ صاحبُ التلخيصِ في عَتِيْقَة المرأةِ لا في أمَتِهَا.
فَرْعٌ: لَا يُزَوِّجُ السّيدُ أَمَةَ مكاتَبِهِ ولا عبدَهُ ولا يزوجهُما المكاتَبُ بغير إذنِ سيِّدِه وبإذنِهِ قولانِ كتبرُّعِهِ.
بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنَ النِّكاح
تَحْرُمُ الأمهَاتُ، لقولهِ تعالَى (•):{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (450)، وَكُل مَنْ
(•) في النسخة (2): {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23].
(450)
النساء / 23. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ}.
وَلَدَتكَ أَوْ وَلَدَت مَن وَلَدَكَ فَهِيَ أمكَ. وَالبناتُ، للآية، وَكُل مَنْ وَلَدتهَا أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا فَبِنتكَ. قُلْتُ: وَالمَخْلُوقَةُ مِنْ زِنَاهُ تحِل لَهُ، لأنها أجنبيَّة عنه بدليل انتفاءِ سائرِ أحَكامِ النسبِ، نَعَمْ: يكرَهُ خروجاً من الخلاف أو لاحتمال أنها منهُ، قال في الروضة: وسواء طاوعتْهُ على الزِّنَا أو أكْرَهَهَا، ويحْرُمُ عَلَى المرأَةِ وَلَدُهَا مِنْ زِناً، وَالله أعلَمُ، بالإجماع كما أجمعُوا على أنَّهُ يَرِثُهَا.
فَرْعٌ: البنتُ المنفيةُ بِاللِّعَانِ يحرُمُ على المُلَاعِنِ نِكَاحُهَا وإن لم يدخل بأمها لأنها لا تَنتفِي عنهُ قطعاً أَلَا تَرَى أنهُ لو أكْذَبَ نفسَهُ لَحِقَتْهُ، وَالأخَوَاتُ وَبَنَاتُ الإخْوَةِ وَالأخَوَاتِ، وَالعَماتُ، وَالخالَاتُ، للآية، وَكُلُّ مَن هِيَ أخْتُ ذَكَرِ وَلَدَكَ فَعَمتُكَ، أَو أخْتُ أنْثَى وَلدتكَ فَخَالَتُكَ، ويحْرُمُ هَؤُلَاء السبعُ بالرضَاع أيضاً، لقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (451) فنصَّ على الأم والأختِ وقِسْنَا الباقي عليهما؛ وفي الصحيحين من حديث عائشة مرفوعاً [يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاع مَا يَحرُمُ مِنَ الوِلَادَةِ] وفي رواية لهما [مِنَ النَّسَبِ](452)، وَكُلُّ مَن أرضَعَتكَ أَوْ أَرْضَعت مَن أرضَعَتكَ أَوْ مَن وَلَدَكَ أو وَلَدَت مُرضعَتَكَ، أَو ذَا لَبَنِهَا فَأم رَضَاعٍ، وَقِسِ الباقي، أي باقي الأصناف المتقدمة فَبِنْتكَ كل امرأةٍ أرضعَتْ بلَبَنِكَ أو بِلَبَنِ مَنْ وَلَدتَهُ أوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَة وَلَدْتَهَا وكذا بَنَاتُهَا من النَّسَبِ وَالرُّضَاع؛ وأختكَ كلُّ امرأةٍ أَرْضَعَتْهَا أمُّكَ أو أرْضِعَتْ بِلَبَنِ أبيكَ وكذا كُل بِنْت وَلَدَتهَا المُرضعَةُ أوِ الْفَحلُ وكذا الباقي وهو واضح لا يخفَى.
(451) النساء / 23.
(452)
رواه البخاري في صحيحه: كتاب الشهادات: باب الشهادة على الأنساب: الحديث (2646). وعن ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: قالَ النبى صلى الله عليه وسلم بِنْتِ حَمْزَةَ: [لَا تَحِل لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرضاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النسَبِ، هِىَ ابنَة أخِي مِنَ الرضاعَةِ]. رواه البخارى في الصحيح: الحديث (2645). وحديث عائشة رواه مسلم في الصحيح؛ كتاب الرضاع: باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل: الحديث (9/ 1445). وحديث ابن عباس رواه مسلم في الصحيح: كتاب الرضاعة: باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة: الحديث (12/ 1447).
وَلَا يَحْرُمُ عَلَيكَ مَنْ أرْضَعَتْ أخَاكَ، أيّ أو أُختُكَ؛ أي بخلافِ أمِّ الأخِ وَالأخْتِ في النسَبِ فإنها حرام لأنها إما أمّ أو مَوْطُوءَةُ أَبٍ، وفي الرضاع إذا كانت كذلك حُرِّمَتْ أيضاً، وإنْ لم يكُنْ كما إذا أرْضَعَتْ أجنبيةٌ أخاكَ أو أختَكَ فلا كما ذكرَهُ المصنِّفُ، وَنَافِلَتَكَ، أي وهي ولدُ الابن أو البِنْتِ قال تعالى:{وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} (453) وأمُّ نافلتكَ في النسبِ حرام لأنها اما بنتُك أو موطوءَةُ ولدِكَ وَطْءاً محتَرَماً بخلاف الرضاع قد لا تكون بنتاً ولا زوجة ابن. بأنْ تُرْضعَ نافلتكَ أجنبيةٌ، وَلَا أمُّ مُرضعَةِ وَلَدِكَ، أى بخلاف النسبِ لأنها إما أمُّكَ أو أم زوجتِكَ وفي الرضاع قد لا يكون كذلك كما إذا أرضعَتْ أجنبيةٌ ولدَكَ فإنَّ أمهَا جدتُهُ وليسَت بأمِّكَ ولا أمِّ زوجتِكَ، وَبِنتهَا، أى بخلاف النسب فإن أختَ ولدكَ فيه حرام عليك لأنها إما بنتُكَ أو رَبِيْبَتُكَ فإذا أرضعَتْ أجنبية ولدَكَ فبِنتهَا أختُ ولدِكَ وليسَت بِبِنْتٍ ولا رَبِيبةٍ، وَلَا أخْتُ أخِيْكَ، مِنْ نَسَبِ وَلَا رَضَاع وَهِيَ أخْتُ أَخِيكَ لأبِيكَ لأمه وَعَكسُهُ، أي لا تحرمُ أختُ الأخ في النسب ولا في الرضاع وصورتُهُ في النسب أنْ يكونَ لكَ أخْ لأبٍ وأخْتٌ لأمّ فلهُ أن ينكِحَ أختكَ من الأم. وفي الرضاع أنْ تُرْضعَكَ امرأة وتُرضعَ صغيرةً أجنبيةً منكَ يجوزُ لأخيكَ نكاحُها وهي أختكَ من الرضاع وإذا وَلَدَتْ هذهِ وَلَداً كنْتَ أنتَ عَماً لهُ وخَالاً وقد نَظَمَ هذه الصورةِ بعضُهم:
أربعٌ هُنَّ فِى الرضاع حَلَالُ
…
وَإِذَا مَا نَاسَبْتَهُنَّ حَرَامُ
جدَّةُ ابنٍ ثُمَّ أُختهُ ثُمَّ أم
…
لأخِيهِ وَحَافِدٍ وَالسَّلَامُ
واستثنى آخرون غير ذلك، والمحقِّقون على أنه لا حاجةَ إلى استثناءِ شيءٍ لأنها ليست داخلةَ في الضابط، ولهذا لم يَسْتَثْنِهَا الشافعي ولا جمهورُ أصحابهِ، ولا اسْتثْنِيَتْ في الحديثِ الصحيح السالف، لأن أم الأخ، لم تَحْرُمْ لكونِهَا أُمُّ أَخٍ وإنما حُرِّمَتْ لكونها أُمَاَ أو حليلةَ أبٍ، ولم يوجد ذلك في الصورة الأولى، وكذا القول في الباقي.
(453) الأنبياء / 72.
وَتحرُمُ زَوجةُ مَن وَلَدتَ، لقوله تعالى:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} (454)، أو وَلَدَكَ، لقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} (455). قال في الأمِّ: أي في الجاهليَّةِ قبلَ علمِكُم بتحريمهِ؛ فإنهُ كانَ أكبرَ ولدٍ للرجُلِ يَخْلِفُ من امرأةِ أبيهِ. مِن نَسَبٍ أوْ رَضَاع، أما النسبُ فللآية وأما الرضاعُ فللحديث المتقدم.
وَأمهَاتُ زَوجَتِكَ، لقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (454)، مِنْهُمَا، أى من النسب والرضاع لما مرَّ، وَكَذَا بَنَاتهَا إن دَخَلْتَ بِهَا، لقوله تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ .. الآية} . وذكر الحجور جرياً على الغالب لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (456) وسواء بنتُ النسبِ والرضاع. وَاعلم أنَّ الثلاثَ الأوَلَ أعنى زوجةَ الأَبِ والابنِ وأمَّ الزوجَةِ يَحْرُمْنَّ بمجرَّدِ العقدِ الصحيح، أما الفاسِدُ فلا يتعلْقُ به حُرْمَةُ المُصَاهَرَةِ، كما لا يتعلقُ به حِلُّ المنكوحَةِ، هذا هو الصوابُ، وقد صرح به الرافعي في المُحَرَّرِ، وحذفَهُ المصنفُ، وقال في الدقائِقِ: إن الصوابَ حذفُهُ، وعلَّلهُ بأن حرمَةَ المصاهرَةِ تثبُتُ بالنكاح الفاسدِ، وهو عجيب فَاجتنبهُ.
وَمَن وَطِئ امْرَأةَ بِمِلكٍ حَرُمَ عَلَيهِ أمهَاتُهَا وَبَنَاتهَا وَحَرُمت عَلَى آبائهِ وَأبنَائهِ، لأن الوطءَ في مِلْك اليمينِ نازل منزلةَ عقدِ النكاح، ولهذا يحرُمُ الجمعُ بينَ وطءِ الأُختينِ في الملك كما يحرُمُ الجمعُ في النكاح، وَكَذَا الموطُوءَةُ بِشبهَةٍ، كما يثبتُ النسب ويوجِبُ العِدة، في حَقِّهِ، أي يثبتُ التحريمُ إذا اشتبَهَ الحالُ عليه ولا يثبتُ إذا لم يشتبِهْ عليه كما في النسبِ والعِدَّةِ فيهما، قِيلَ: أوْ حَقهَا، اتباعاً لها، وعلى هذا وجهان أحدُهما: يختَصُّ بمنِ اختصتِ الشبهَةُ بهِ، والثانى: أنها تَعُمُّ الطرفينِ كالنسب.
فَرْعٌ: لو كانَتِ المرأةُ مَيِّتَةً فلا تثبتُ حرمةُ المصاهرةِ بوطْئِها كما حزم به الرافعيُّ أولَ الرضاع، وحكى في البحر هنا احتمالين عن والدهِ ثم قال: وعندى أنه لا يتعلَّقُ به تحريم لأنها كالبهيمةِ.
(454) النساء / 23.
(455)
النساء / 23.
(456)
البقرة / 229.
فَرْعٌ: لو كانَ الوَاطِئُ خُنْثَى فلا يثبتُ به حرمةُ المصاهرة أيضًا، لاحتمال كونِ العُضْوِ زائدًا قاله أبو الفُتُوحِ، لَا الْمَزنِيُّ بِهَا، أي فإنهُ لا يثبتُ لها به حَق حرمَةِ المصاهرَةِ؛ لأنها نعمة من اللهِ فلا يثبتُ به كالنسبِ، وَلَيسَت بُماشَرَة بِشَهْوَةٍ كَوطْء في الأظْهَرِ؛ لأنهُ لا يوجِبُ العِدَّةَ فكذا لا يوجِبُ الحُرمةَ وقد قال تعالى:{مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} شرَطَ الدخولَ في التحريمِ، والثانى: هو كالوطءِ لأنه تلذذ بمباشرته فأشبهته، قال الرافعيُّ في أحكام إتيان الدبر: وهو قوله. ولم يقيد في الْمُحَرَّرِ الملامَسَةَ بشهوةٍ وهي طريقة حكاهَا الإمامُ. وخرجَ بالمباشرَةِ النظَرُ بشهوةِ فإنهُ لا يثبتُ حرمةَ المصاهرَةِ على المذهبِ.
تَنْبِيْهٌ: استدخال المني المحترم كماء الزوج والأجنبي بشبهة يثبت حرمة المصاهرة أيضًا.
تَنْبِيْهٌ آخَرُ: ذكره البخاري في صحيحه في باب ما يحلُّ من النساء وما يحرم مقالةً عجيبة لو نَزهَ كتابهُ عنها لكان أوْلى؛ وهي قوله: ويروَى عن يحيى الكندي عن الشعبيِّ وأبي جعفر فِيمَنْ يلعَبُ بالصبىِّ فأدخله فيه فلا يتزوجنَّ أمَّهُ. ثم قال: ويحيى هذا غيرُ معروفٍ؛ ولم يتابع عليه (457).
وَلَوِ اخْتَلَطَت مَحْرَمٌ بِنِسْوَةِ قَريةٍ كَبِيرَةِ نَكَحَ مِنْهُن، أي وإلا انحسم عليه باب النكاح فإنه وإن سافر إلى بلدة أخرى لم تؤمن مسافرتها إليها، لَا بِمَحْصُورَاتٍ، لأنَّ باب النكاح لا ينحسم هنا وتغليبا للتحريم ولا مَدْخَلَ لِلتحَريم في هذا الباب، قال الإمامُ: وغيرُ المحصورِ ما عَسُرَ عَدُّهُ على آحَادِ الناسِ أي بمجرَّدِ النظرِ كما قال الغزالي وإن سَهُلَ فَمَحصُورٌ، وَلَوْ طَرَأَ مُؤبدُ تحرِيمٍ عَلَى نِكاحٍ قَطَعَة كَوَطءِ زوجَةِ أبِيْهِ بِشُبْهَةٍ؛ لأنه معنى يوجب تحريمًا مؤبدًا فهذا طرأ على النكاحِ أبطلَهُ كالرضاع، وقوله (ابنه) وهو بالنون وبالياء أيضا وقد ضبطهُ بهما المصنفُ بخطِّهِ وقالَ معًا.
(457) ذكره البخاري في الصحيح تعليقًا: كتاب النكاح: باب ما يحل من النساء وما يحرم: ضمن النص (5105) من رواية أحمد بن حنبل في مسائل أخذها البخاري عنه، وهو كما قال لَو نَزَّهَ كتابَهُ عَنْهَا لَكَانَ أولَى، وَهُوَ أرفَعُ من أن يذْكُرَ مثْلَ هَذَا. والله أعلم.
فَصْلٌ: وَيحْرُمُ جَمْعُ المَرْأَةِ وَأخْتِهَا، أي من الأبوين أو أحدهما ابتداءً ودواماً بالإجماع، أو عَمتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، أي ابتداء ودوامًا أيضًا ولا عبرة. ممن خالف فيه، مِن رَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ، أي في الأختين والعمة والخالة لإطلاق الأدلة.
تَنبِيْهٌ: يحرمُ أيضاً الجمعُ بين المرأةِ وخالةِ أحدِ أبوَيها أو عمَّةِ أحدِ أبوَيْها، فَإِن جَمَعَ بِعَقْدٍ بَطَلَ؛ لأنَّ النهىَ يقتضِيهِ، أَوْ مُرَكبًا فَالثانِي؛ لأن الجمعَ حصَلَ بهِ.
فَرْعٌ: يحرمُ الجمعُ بين المرأةِ وبنتها أيضًا فلو نكحهما معًا بَطَلَ نكاحُهُما ولو نكحُهما في عقدين فالثانية باطلةٌ، وإن كانت الثانية البنتُ جاز أن ينكحَها إنْ فارق الأمَّ قبلَ الدخولِ.
فَرْعٌ: يجوزُ الجمعُ بين بنتِ الرجُل ورَبِيبتِهِ وبينَ المرأةِ وربيبَةِ زوجِها من امرأةٍ أخرى وبين أخت الرجلِ من أمهِ وأخْتِهِ من أبيهِ.
وَمَنْ حَرُمَ جَمعُهُمَا بِنِكَاحٍ حَرُمَ في الوطءِ بِمِلْك، لأنه إذا حرم النكاح فلأن يحرُمَ الوطءُ وهو المقصودُ بطريق أَوْلى، لَا مِلْكُهُمَا، بالإجماع لأن الملك قد يقصَدُ به غيرُ الوطئِ، فإن وَطئ وَاحِدَةَ حَرُمَتِ الأخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الأوْلَى كَبَيعٍ؛ لأنه إزالَةُ مِلْكٍ، أوْ نِكاحٍ أوْ كِتابةٍ؛ لأنهما إزالة حِلٍّ، لَا حَيْضٍ وَإحْرَامٍ، أي وكذا رِدَّةٍ وعدَّةُ شبهةٍ لأنها أسبابٌ عارضةٌ لم يُزَلِ المِلْكُ ولا الاستحقاقُ، وَكَذَا رَهنٌ في الأصَحِّ؛ لأنه لا يفيد استقلالًا كما تفيدُهُ الكتابةُ ولا حِلًّا كما يفيدُهُ التزويجُ ولا يزيلُ الحِلَّ، ألَا ترى أنهُ لو أذِنَ المرتهن فيه جازَ مع بقاء الرهنِ، والثانى: يكفي قياسًا على الكتابَةِ والبيع.
فَرْعٌ: الوطىُء في الدُّبُرِ كَالقُبُلِ فَتَحرُمُ الأُخرَى بهِ، وفي اللمسِ وَالقبلَةِ وَالنظَرِ بِشَهْوَةٍ مِثْلُ الخلافِ السابقِ في حرمَةِ المصاهرَةِ.
فَرْعٌ: لو مَلَكَ أمًّا وَابنَتَهَا وَوَطَأ إحداهُما حُرمَتِ الأخرى أبدًا، فلو وَطَأَ الأخرى بعد ذلك جاهلًا بالتحريمِ حُرِّمَتِ الأُوْلَى أيضًا أبدًا، وإنْ كان عالمًا ففي وُجُوبِ الحَدِّ قولانِ؛ إنْ قلنا: لا؛ حُرِّمَتِ الأولى أيضا أبدًا وإلا فلا.
فَرْعٌ: لو ملك رجل مملوكين جارية وخنثى وهما أخوان فوطئ الخنثى جاز له عقب ذلك وطء الجارية قاله أبو الفتوح.
وَلَوْ مَلَكَهَا ثُمَّ نَكَحَ أختهَا، أي أو عَمَّتَها، أَوْ عَكَسَ حَلَّتِ المنكُوحَةُ دُونَهَا، لقوَّة فراشِ النكاح.
فَصْلٌ: وَللعَبْدِ امْرَأَتَانِ، رُوِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِى وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوفٍ ولا يُعرف لهم مخالفٌ والمبعضُ كالقِنِّ قاله المحاملى في لبابه، وَللْحُرِّ أربَعٌ فَقَطْ، بأجمع من يعتدُّ به، فَإن نَكَحَ خَمسًا مَعًا بَطَلنَ، أي وكذلك العبدُ إذا نكحَ ثلاثًا لأنهُ ليس إبطالُ نكاح واحدةِ بأولى من الأخرى فبطل الجميع، أوْ مُرَتبًا فَالخامِسَةُ، لزيادتها على العدَدِ الشرعيِّ.
فَرْعٌ: لو نكحَ خمسًا في عقدٍ فيهِنَّ أختان بَطَلَ فيهما، وفي الباقي قولًا: تفريقُ الصفقةِ، والأظهرُ الصحَّةُ. ولو نكحَ سبعاً فيهِنَّ أُختانِ بَطَلَ الجميعُ.
وَتحِلُّ الأخْتُ وَالخامِسَةُ فِي عِدَّةِ بَائِنِ؛ لأنها أجنبية، لَا رجعيةٍ؛ لأنها في حُكم الزوجاتِ، قال القفالُ في فتاويه: وكذا ليس لهُ أنْ يَطَأ أختها بملكِ اليمينِ.
فَرْعٌ: لو وطِئ امرأةَ بشبهة فلهُ نكاحُ أربع في عِدَّتِهَا.
فصل: وَإذَا طَلْقَ الحرُّ ثَلَاثًا أَوِ الْعَبْدُ طَلْقَتَينِ، قبل الدخول وبعده، لَمْ تحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ وَتَغِيبَ بِقُبُلِهَا حَشَفَتُهُ أَوْ قَدرُهَا، أي من مقطوع الحشفةِ ويطلِّقها وتنقضى عِدَّتُها كما صرَّح به في الْمُحَرَّر، أمًا في الْحُرِّ فلقوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا} أي الثالثة {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (458) أي يطأها كما دلَّت عليه السُّنة في قصة امرأة رفاعة (459)، وأما في العبدِ فلأنهُ استوفى ما يملك من الطلاقِ
(458) البقرة / 230.
(459)
عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: جَاءَتِ امرَأةُ رفَاعَةَ القرَظيُّ إلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقالَت: كُنتُ عِنْدَ رفاعَةَ، فَطلّقَنِي فَأبتَّ طَلَاقِي؛ فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن الزُّبيْرِ؛ وَإِنمَا مَعَهُ مِثلَ هُدْبهِ الثَّوبِ. فَقَالَ: [أتُرِيدِين أن تَرجعي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا؛ حَتَّى تَذُوقي عُسَيلَتَهُ=
فأشبهَ الحُرَّ، وأما الاكتفاءُ بالحشفة من الصحيح فلأنهُ به يثبتُ أحكامُ الوطءِ، وهذا في الثيبِ، أما البكْرِ فقال البغوي: أقلهُ الافتضاضُ بآلته، قال في الكفاية: وحكاهُ المحاملى عن الأم، لأنَّ التقاءَ الخِتَانَيْنِ لا يحصلُ إلا بعدَ الافتضاضِ، وقال في المطلب: هذا النصُّ ليس يجرى على إطلاقهِ بل هو محمول على أن ذلك في الغالبِ يحصلُ بتغييبِ الحشفةِ وخالفَ ذلك في كتاب الطلاق، وأما الاكتفاءُ بقدرِ الحشفةِ من مقطوعِها فلقيامهِ مقامَها، قال الإمامُ: والمعتبرُ الحشفةُ التي كانت لهذا العضوِ المخصوصِ، واحترزَ المصنِّفُ بالقُبُلِ عن الدبرِ وهو مما زادهُ على المُحَرَّر.
فَرْعٌ: لو لفَّ على ذكرهِ خرقةً وأولجَ حللَ على الصحيح في الروضة.
فَرْعٌ: إذا طلَّقَ الحر ذميَّةَ طلقةً ثم نقضَ العهدَ واسترقَّ ثم نكحها وطلقَها أخرج واستوفى عدَدَ طلاقِها ولو كان طلقها طلقتين فلهُ ثالثة على الأصح.
بِشَرْطِ الانْتِشَارِ، أي قوتهِ لأنهُ إذا لم يكن منتشرًا لِعِنةٍ أو لشللٍ فقد فاتَ ذوق العسيلة وهي مطلوبةُ، وَصِحةِ النِّكَاح، أيْ فالوطءُ في نكاحٍ فاسدٍ لا يحلِّلُ كما لا يحصل به التحصينُ، وَكَونهِ مِمَّنْ يُمكِنُ جِمَاعُهُ، أي سواء كان حُرًّا أو عبدًا؛ عاقلاً أو مجنونًا؛ بالغاً أو مراهقًا؛ مُسلمًا كان أو كافرًا إذا كانَتْ كافرةَ ووطئ في وقت لو ترافعوا إلينا فيه لقررناهم عليه، وسواءٌ في هذا الكافر الذمي والمجوسيُّ والوثنيُّ
= وَيَذُوقَ عُسَيلَتك]. وَأبُو بَكرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ، وَخَالِدُ بنُ العَاصِ بالبَابِ ينتظِرُ أن يُؤْذنَ لَهُ. فَقَالَ أبو بَكْر: ألَا تسمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْد النبِي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الشهادات: باب شهادة المختبئ: الحديث (2639). وفي كتاب الطلاق: باب من جوز الطلاق الثلاث: الحديث (5260)، وباب من قال لامرأته أنت على حرام: الحديث (5265) بلفظ: قالت: (
…
وَلَم يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ الهُدبةِ، فَلَم يقْرَبنِي إلَّا هِنةً وَاحدَةً وَلَم يصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ، أفَأحِلُّ لِزَوْجِي الأولِ؟ فَقَالَ:[لَا تَحِلِّين لِزَوْجِك الأولِ حَتَّى يَذُوقَ الآخَرُ عُسَيلَتك وَتَذُوقِي عُسَيلَتَهُ]. وفي باب إذا طلقها ثلاثاً تزوجت بعد العدة: الحديث (5317). ومسلم في الصحيح: كتاب النكاح: باب لا تحل المطلقة ثلاثًا حتى تنكح زوجًا غيره: الحديث (11/ 1433). وعبد الرحمن بن الزبير هو القرظي.
فإنهم يحلّلون الذميةَ للمسلمِ كما نقله في الروضة في المجوسي والوثنى عن إبراهيم المروروزي قال: كما يُحَصِّنَانِهَا، لَا طِفْلاً عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِن، لعدم الغيرةِ، وقوله (فِيْهِنَّ) أي في المسائل الثلاث وهو موافقٌ لتعبيرهِ في الروضة في الأولى والثانية ومخالفٌ لما في الثالثة فإنه عبرَ بالصحيح فيها، ووجهُ الاكتفاءِ بالنكاح الفاسدِ القياسُ على المهرِ والنسَبِ وغيرهما ووجهُ الاكتفاءِ في الباقي حصولُ صورَةِ الوطءِ.
فَرْعٌ: لو وطأها في حال رِدتهِ ثم عادَ إلى الإِسلام فالأصح أنها لا تَحِل.
وَلَوْ نَكَحَ بِشَرْطِ إِذَا وَطئَ طَلَّقَ أَوْ بَانَتْ أَوْ فَلَا نِكاحَ بَطَلَ؛ لأنه ضربٌ من نكاح المتعَةِ؛ وقد صحَّ لَعنُ الْمُحَلِّلِ وَالمُحَللِ لَهُ (460)، وَفِي التطلِيقِ قَوْل، أي أنه يصح ويبطل الشرط ويجب مهر المثل لأنه شرط فاسد قارن العقد ولا يبطل به كما لو نكحها بشرط أن لا يتزوج عليها ولا يُسافر بها.
فَرْعٌ: لو لم يَجْرِ شرطٌ ولكن في عزمهِ أنْ يطلقَها إذا وطأها كُرِهَ وصحَّ العقدُ خلافًا لمالكٍ وأحمد.
فَصْلٌ: لَا يَنْكِحُ مَن يَمْلِكهَا أوْ بَعضهَا، وَلَو مَلَكَ زَوْجَتَهُ أو بَعضَهَا بَطَلَ نِكاحُهُ؛ لأن مِلْكَ اليمينِ أقوَى من مِلْكِ النكاحِ لأنه يملكُ به الرَّقبَةَ والمنفعةَ والنِّكَاحُ لا يملِكُ به إلا ضَرْبًا من المنفعةِ فسقطَ الأضعفُ بالأقوَى، وَلَا تنْكِحُ مَنْ تَمْلِكُهُ أوْ بَعْضَهُ، لتضادِّ الأحكام أيضًا؛ وجاءَتِ امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إنَّ لي عبدًا قد رضيتُ دِينَهُ وأمانتهُ وإنى أُريدُ أنْ أتزوجهُ. فقالَ: (ليس لكَ ذَلِكَ) قالَتْ: ولِمَ، أليس الله يقولُ:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قال عمر:
(460) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: [لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الوَاشِمَةَ وَالمستوشِمَةَ، وَالوَاصِلَةَ وَالمستوصُلَةَ، وَحمِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ؛ وَالمحَللَ وَالمُحَللَ لَهُ]. رواه النسائي في السنن: كتاب الطلاق: باب إحلال المطلقة ثلاثًا وما فيه من التغليظ: ج 6 ص 149. والترمذي في الجامع: كتاب النكاح: باب ما جاء في المحل والمحلل له: الحديث (1120)، وقال: حديث حسن صحيح. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب النكاح: باب ما جاء في نكاح المحلل الحديث (14522).
(وَيحَكِ إِنَّمَا هُوَ لِلرجَالِ دُوْنَ النسَاءِ). قالت: واللهِ لا أدعُ تزويجَهُ حتى تقرأَ عَلَيَّ بها آيةً من كتابِ اللهِ أنهَا للرجالِ دونَ النساءِ؟ ! فقالَ عمرُ: (وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتِ لأجْلِدَنكِ حَداً! ) فَكَفتْ حين رأتِ الْجِدَّ منهُ (461).
وَلَا الحُرُّ أمَةَ غَيرِهِ إِلَّا بِشُرُوطٍ: أَن لَا يَكُون تَحْتَهُ حُرةٌ تصلُح لِلاِستمتَاع، أي ولو كتابيَّةً لما روى البيهقي عن الحسن مرسلاً [أَنهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُنكَحَ الأمَةُ عَلَى الْحُرة] ولهذا المرسل ما يؤكدُهُ (462)، ولو عبَّرَ المصنفُ بالمنكوحةِ بدلَ الحُرَّةِ ليشمَلَها والرقيقة أيضًا، قِيلَ: وَلَا غَيْرُ صَالِحَةِ، أي كالهرمة والصغيرة ونحوهما الظاهر النهي
(461) • الآية 6 من سورة (المؤمنون).
• عن قتادة؛ قال: تَسَرت امْرأة غُلَامَا لَهَا؛ فَذُكِرَتْ لِعُمَرَ رضي الله عنه؛ فَسَألَهَا: مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا؟ فَقَالَت: كُنْتُ أرَى أنَّه يَحِلُّ لِي مَا يَحِل لِلرِّجَالِ مِنْ مِلْكِ اليَمين. فَاسْتشارَ عُمَرُ رضي الله عنه فِيهَا أصحَابَ النبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: تَأوَّلَت كِتابَ اللهِ عَلَى غَيرِ تَأويلهِ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا جَرَمَ، وَاللهِ لَا أُحِلُّك لِحُرٍّ بَعْدَهُ أبدًا. كَأنهُ عَاقَبَهَا بِذَلِكَ، وَدَرَأ الحَدَّ عَنْهَا، وَأمَرَ العَبدَ أنْ لَا يَقْرَبَهَا. ذكره السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 6 ص 88 تفسير الآية، وقال: أخرجه عبد الرزاق. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: تفسير الآية: ج 12 ص 107.
• رواه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف: كتاب النكاح: باب في المرأة تزوج عبدها: النصوص (28751 - 28754). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب النكاح: باب النكاح وملك اليمين: النص (14035) عن بكر بن عبد الله المزني، وفي النص (14036) عن الحسن، وقال: وهما مرسلان يؤكد أحدهما صاحبه.
(462)
رواه البيهقى في السنن الكبرى: كتاب النكاح: باب لا تنكح أمة على حرة: الأثر (14327 و 14328)، وقال: هذا مرسل؛ إلا أنه معنى الكتاب، ومعه قول جماعة من الصحابة رضي الله عنه. انتهى. أي في معنى قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} [النساء: 25].
والأصح كما يفهمه كلامه الجوازُ لأن التي تحتَهُ لا تُغْنِيْهِ، وعبارةُ المُحَرر: الأحْوَطُ الْمَنْعُ؛ فكأنهُ فَهِمَ من لفظة الأحوطُ الاحتياط لا أنه لفظ ترجيح كالأعدل ونحوه، فلذلك صحح الجواز ولا تصحيح في الروضة تبعًا للشرح ووقع فيهما أن القاضي حُسين صححَ أحد الوجهين (•) وناقشه صاحب المطلب فيه فقال: الذي رأيتهُ في تعليقِهِ إطلاقُ الوجهينِ من غير ترجيح.
وَأَن يَعجِزَ عَن حُرةِ، أي إمَّا لفَقْدِهَا أو لِفَقدِ صَدَاقِهَا ولقولهِ تعالىَ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ
…
} الآية (463) والطَّوَلُ السِّعَةُ وَالفَضلُ. تَصلُحُ، أي للاستمتاع، ولو قَدَرَ على حُرَّةٍ كتابيَّةٍ لم تَحِل الأمَةُ في الأصحِّ، وذكْرُ المؤمناتِ في الآية جرَى على الغالب، قَيلَ: أَوْ لَا تَصْلُحُ، أيْ كما إذا كانت صَغيرة أو رَتقَاءَ أو قَرْنَاءَ أو مَجْذُومَة أو بَرْصَاءَ أو مُعْتَدَّةَ عن غيرهِ لحصُول بعض الاستمتاعات، والأصح الجوازُ لأنه لم يحصل منها ما هو المقصودُ الأصلي، وأحَالَ في المُحَرر الخلافَ هنا على الخلافِ السابقِ وقد عَلِمتَ ما فيهِ، نَعَمْ: صححَ في الشرح الصغير الجوازَ وأفهمَهُ إيرادُ الكبير أيضًا. وَاعلَم: أن المُعْتَدَّةَ لا يصح نكاحُها فكيفَ يمنعُ وجودُها من نِكاح الأمَةِ على وجهِ وتَمَحَّلَ لهُ في المطلبِ بصورةٍ: وهي ما إذا أبانَها بدُون ثلاثٍ؛ ثم وطِئَتْ بشبهةٍ فإنها تعتد لهُ بعد ذلك، وهل للمطلقِ أنْ يتزوَّجَها في عِدَّةِ نفسِهِ؟ وجهان. فإنْ قُلنا: لهُ ذلك لم يطأها، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَائِبَةٍ حَلَّت لَهُ أَمَة إِنْ لَحِقَهُ مَشَقَّة ظَاهِرَة في قَصْدِهَا أَوْ خَافَ زِنَا مُدَّتَهُ، أي وإلاّ فلا. قال الإمامُ: والمشقَّةُ المعتبرَةُ أنَّ القدرَةَ يَنْسِبُ متحمِّلُها في طلبِ زوجةٍ إلى الإسرافِ ومجاوزَةِ الحدِّ.
فَرْعٌ: المال الغائب لا يمنع نكاح الأمَةَ كما لا يمنع ابن السبيل من الزكاة. وَلَوْ وَجَدَ حُرَّة بِمُؤَجل، أي وهو يتوقعُ القدرَةَ عليهِ عند المحلِّ أو وجدَ من يبيعَهُ نسيئة ما يفي بصداقها أو وجدَ من يستأجرْهُ بأجرةٍ معجلة، أَوْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلٍ، أي وهو يجدُهُ، فَالأصَح حِلُّ أَمَةٍ في الأوْلَى؛ لأن ذمتَهُ تصيرُ مشغولة في الحالِ
(•) في النسخة (2): أن القاضي صحح الجواز.
(463)
النساء / 25.
وقد لا يظفَرُ بما يتوقعُهُ، والثاني: لا للقدرة على نكاحٍ حُرةٍ، دُوْن الثانِيَةِ، إذ المِنةُ فيهِ قليلة إذِ العَادَةُ المُسَامَحَةُ في المُهُورِ؛ والثانى: يجوزُ لما فيه من المِنةِ؛ وقد عرفْتَ جوابَهُ، وقطع بعضُهم بالأول لا جرم. قال في الروضة: على المذهبِ فلو رضيَتْ بلا مَهْر حلت أيضًا على الأصح وأوْلى.
فَرعٌ: لو أقْرِضَ مَهْرَهَا لم تجب القبولُ على المذهب لاحتمالِ المطالبةِ في الحالِ.
فَرْعٌ: لو وُهِبَ لهُ مالٌ أو جارية لم يلزَمْهُ القبولُ وحلتِ الأمَةُ.
وَأن يَخَافَ زِنًا، لقوله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} (464) وَالعَنَتُ المَشَقةُ الشدِيدَةُ فليس لِلْعَنِيْنِ نكاحُها وبه صرَّح القاضي، فلو أمكَنَهُ تسَرَّ فَلَا خَوفَ فِي الأصَح، لا منهُ العنتُ ولا ضرورةَ به إلى إرقاقِ ولدهِ، والثانى: نعم؛ لأنهُ لا يستطعُ طَولَ حُرةٍ، وِإسلَامُهَا، أي فلا يحِلُّ لهُ نكاحَ الأمَةِ الكتابيَّةِ لقوله تعالى:{مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (184).
فَرْعٌ: لا يشترطُ كونها لمسلمِ في الأصحِّ.
وَتَحِل لِحُرٍّ وَعَبْدٍ كِتَابييْنِ أَمَة كِتَابِية عَلَى الصَّحِيحِ، لِلتْكَافُؤِ بينهما في الدينِ، والثانى: المنعُ كما لا ينكِحُها الحُرُّ المسلِمُ.
فَرْعٌ: نكاحُ الحرِّ المجوسي والوثنى الأمَةَ المجوسيَّةَ والوثنية كالكتابِي الأمَةَ الكتابيةَ ذكرهُ في الروضة ومن زوائده، لَا لِعَبدٍ مُسْلِم في المَشهُورِ؛ لأن المنعَ من نكاحِها لكفرِهَا يستوِي فيه الحُرُّ والعبدُ كالمرتدَّةِ والمجوسيةِ، والثانى؛ لهُ نكاحُها لأنه تفاوتٌ بينهما في الرقِّ والحرية بل في الديْنِ خاصَّةَ وهو لا يمنعُ للنكاح ألا ترَى أنَّ الْحُرَّ المسلمَ ينكِحُ الحُرَّة الكتابيَّةَ.
فَرْعٌ: للحُرِّ المسلمِ وطءُ أمَتِهِ الكتابيَّةِ دونَ المجوسيَّةِ والوثنيةِ كالنكاحِ في حرائِرِهِمْ، وَمَن بَعضُهَا رَقِيق كَرَقِيقَةٍ، أي حتى لا ينكحها حُرٌّ إلَّا بالشروطِ السالفةِ لأن إرقاقَ بعضِ الولدِ محذورٌ أيضًا.
(464) النساء / 25.
فَرْعٌ: ولدُ الأمَةِ المنكوحَةِ رقيق لمالكِها سواء كان زوجُها الحُر عربيًّا أو غيرَهُ، وفي العربِى قولٌ؛ وهل على الزوج قيمتُهُ كالغرورِ أمْ لا شيءَ عليهِ؛ لأن السيِّدَ رضِيَ حينَ زوَّجَها عربيًّا قولان.
فَرْعٌ: في فتاوَى القاضي أنهُ لو زوَّجَ أمتَهُ بواحِدِ طَوْلَ حُرَّةٍ فأولَدَها فالأولادُ أرقاءٌ لأن شُبْهَةَ النكاح كالنكاح الصحيح.
وَلَوْ نَكَحَ حُر أَمَةً بِشَرْطِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ نَكَحَ حُرَّة لَم تَنْفَسِخ الأمَةُ، لقوَّةِ الدوام، وَلَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِل لَهُ الأمَةُ حُرَّة وَأَمَةً بِعَقْدٍ، أي بأنْ زوجهُ أمتَهُ وبنتَهُ فقال: زوَّجتُكَ أمَتِى هذهِ وبنتي هذه بكذا؟ فقال: قَبِلْتُ نِكَاحَهُمَا، بَطَلَتِ الأمَةُ لَا الْحُرَّةُ في الأظْهَرِ، لما عرفْتَ من قاعدةِ تفريقِ الصفقةِ، فإن كما كان ممَّنْ يحِلُّ لهُ نكاحُ الأمَةِ فنكاحُ الأمَةِ باطل قطعًا لاستغنائِهِ عنهُ. وفي نكاح الحُرِّ طريقان أصحهما في الشرح الصغير أنه على القولين، والثانى: القطعُ بالبطلانِ، وخرجَ بقوله (مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الأمَةُ) العبدُ فإنهُ يجوزُ أنْ يجمَعَ بينَ الحُرة والأمَةِ، ويجوزُ لهُ نكاحُ الأمةِ على الحُرة لأنه لا يتضرَّرُ بِرِق ولدهِ، وبقوله (بعَقْدِ) عما لو قال: زوجتُك هذهِ وزوجتُكَ هذه؛ فقال: قَبِلْتُ نكاحَ هذهِ ونكاحَ هذهِ، واقتصرَ على قبولِ البنتِ فنكاحُها صحيحٌ لا محالةَ، ونكاحُ الأمَةِ صحيح في الأولى إنْ تقدَّمَ لا إنْ تأخْرَ، وفي الثانية لا يصحُّ لعدمِ القبولِ.
فَرْعٌ: لو فَصَلَ أحدُهما وجمعَ الآخرُ فكما لو فصل أو جَمَعَا وجهانِ، أصحُّهما الأوَّل.
فَرْعٌ: لو تزوَّجَ أمَتَيْنِ في عقدٍ بطلَ نكاحُهما قطعًا كالأُختين.
تَنْبِيْهٌ: هذا كلهُ في نكاح غيرِ أمَةِ ولدِهِ، أنا أمَةُ ولدِهِ فَسَتَعلَمُهُ في الإعفافِ إن شاءَ الله.
فَصلٌ: يَحْرُمُ نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا كَوَثَنِيةٍ وَمَجُوسِيةٍ، أي ولو مِلْكَ اليمينِ
لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (465) والأشبهُ أنهُ كان للمجوسِ كتابٌ لكن بدَّلوهُ فأصبحوا وقد أُسريَّ به (466). فمرادُ المصنف أنهُ لا كتابَ لهم الآنَ وحكى القاضي عن القديم جوازُهُ، وَتَحِلُّ كتابِية، لقوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (467)، لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّة، خَوْفَ الفتنَةِ بها في دِينهِ وكذا يُكرَهُ نكاحُ المسلِمَةِ المقيمَةِ في دارِ الحربِ نصَّ عليهِ في الأمِّ، وَكَذَا ذِميَّة عَلَى الصحِيْح، لئلا يكون في ذلك إيثارٌ للمشركَةِ على المسلمَةِ، نَعَمْ الكراهَةُ فيها أخَفُّ من الحربيةِ، والثاني: لا كراهةَ لأنَّ الاستفراش إهانة والكافرَةُ جديرة بهِ؛ قال الجويني: لكن الأولى أنْ لَا يَفْعَلُهُ، وَالْكِتَابِيَّةُ يَهُودِيَّة أَوْ نَصْرَانِيَّة، للآية المتقدِّمةِ، لَا مُتَمَسِّكة بِالزبورِ وَغَيرِهِ، كصُحُفِ شيت وإدريس وإبراهيم عليهم السلام، واختلف في سبب ذلك، فقيلَ: لأنها لَمْ تُنَزَّل عَلَيهِمْ بِنَظْمٍ يُدْرَسُ ويتلى وإِنمَا أوْحِيَ إليهِمْ مَعَانِيْهَا. وقيل: لأنها كانت مواعِظَ وحِكَمًا ولم تتضمنْ أحْكَامًا وشرائِعَ، فإن لَم تكُنِ الْكتَابِيةُ إِسرَائِيلِيةً؛ فالأظْهَرُ حِلُّهَا إِن عُلِمَ دُخُولُ قَوْمِهَا في ذَلِكَ الدِّيْنِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيْفِهِ، اكتفاء بتمسكهم بذلك الدينِ حينَ كان حقّا؛ ومنهُمْ من قطعَ بهذا كما يقرونَ بالجزيةِ قطعاٌ، والخلافُ مبني على أنَّ الإسرائيليَّاتِ يُنكَحنَ لفضيلتَي الدِّينِ والنسبِ جمعًا أو لفضيلة الذينِ وحدها، وَقِيلَ: يَكفِي قَبْلَ نَسْخِهِ،
(465) البقرة / 221.
(466)
عن علي بنِ أبِي طالب رضي الله عنه؛ قالَ: (أنا أعلَمُ النَّاسِ بِالْمَجُوس، كَانَ لَهُم عِلْم يُعَلمُونَهُ؛ وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ، وَإِنَّ مَلِكَهُم سَكِرَ فَوَقَعَ عَلَى ابنَتِهِ أو أختِهَ، فَاطلَعَ عَلَيْهِ بعْضُ أهلِ مَملَكَتهِ، فَلَما صَحَا؛ جَاءُوا يُقِيمُونَ عَلَيْهِ الحدَّ؛ فَامتَنَعَ مِنْهُمْ، فَدَعَا أهلَ مَملَكَتِهِ، فَلَما أتَوْهُ؛ قالَ: تَعلَمُونَ دِينًا خَيْراً منْ دِينِ آدَمَ، وَقدْ كَانَ يُنْكِحُ بَنيهِ مِنْ بَنَاتِهِ، وَأنَا عَلَى دِينِ آدَمَ؛ مَا يرغِبُ بِكُم عَنْ دِينهِ، قَالَ: فَبَايَعُوهُ وَقاتَلُوا الذِينَ خَالَفُوهُم حَتى قتَلُوهُمْ، فَأصبحُوا وَقَد أسْرِيَ عَلَى كِتَابهِمْ، فَرُفِعَ مِنْ بَيْنِ أظهُرِهِمْ، وَذَهَبَ العِلْمُ الَّذِى في صُدُورِهِم، فَهُمْ أهلُ كِتَاب، وَقدْ أخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بَكر وَعُمَرَ رضي الله عنهما مِنهُمُ الجِزيةَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: باب المجوس أهل كتاب: الأثر (19163).
(467)
المائدة / 5.
أيْ وبعدَ التحريفِ وهذا إذا دخلُوا في الْمُحَرَّفِ؛ فإن لم يدخُلُوا فيه فالأظهرُ الحِلُّ كما ذكرَهُ في الروضة تبعاً للرافعى، وَاعْلَمْ: أنَّ ما تقرَّرَ من التحريمِ في هذا القسمِ هو فيما إذا كان الدُّخُولُ في ذلك من دِينٍ لا يُقَرُّ أهلُهُ عليهِ كَالتَّوَثُّنِ وإلَّا فمَنْ تَهَوَّدَ اليومَ أو تَنَصَّرَ فقد دخلَ في ذلك الدِّينِ بعدَ النَّسْخِ والتَّحْرِيْفِ وفي مُنَاكَحَتِهِ قولانِ؛ منهما انتقلَ من دِينٍ يُقَرُّ أهلُهُ عليه إلى مثلهِ. وبقي من تتمَّةِ المسألةِ صورةٌ ثالثةٌ وهي ما إذا دخَلُوا بعدَ التحريفِ والنسخِ ولا تحِلُّ مناكحَتُهم قطعاً، واحترز المصنِّفُ بقولهِ أوَّلاً:(إِنْ عُلِمَ) عمَّا إذا لم يُعْلَمْ متى دخلُوا فلا تحِلُّ مناكحتهم أيضاً، وبقوله قبلَهُ:(فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْكِتَابِيَّةُ إِسْرَائِيْلِيَّةً) عما إذا كانَتْ إسرائيليَّةً فإنه يجوزُ نكاحُها مطلقاً ويكفي العِلْمُ بالدُّخُولِ قبلَ النسخِ لشرفِ النسبِ، قالهُ الأصحابُ واستشكَلَهُ الرافعيُّ.
فَائِدَةٌ: الإسرائيليَّةُ نسبةٌ إلى إسرائيلَ وهو يعقوبُ ومعناهُ عَبْدُ اللهِ.
وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ، أيْ وعامَّةِ أحكامِ النكاحِ لاشتراكهِما في الزوجيَّةِ المقتضِيَةِ لذلكَ، لكن لا تَوَارُثَ بينَها وبينَ المسلمِ ولا تغسِلُهُ إنِ اعتبرنا نيَّةَ الغاسِلِ ولم تصحَّح نيَّتُها، وَتُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، لأنَّ التمكين من الوطءِ واجبٌ عليها وهو لا يحِلُّ بدونِهِ، فإن لم تفعل غَسَلَهَا الزوجُ واستفادَ الحِلَّ وإن لم ينوِ للضرورَةِ، كما تُجْبَرُ المسلمةُ المجنونةُ، وقيلَ: ينوِي عنها، قالهُ القاضي حُسين، وعن الحليميِّ تخريجاً على الإجبارِ على الغُسْلِ أنَّ للسَّيِّدِ إجبارَ أَمتِهِ المجوسيَّةِ والوثنيَّةِ على الإسلامِ، لأنَّ حِلَّ الاستمتاعِ يتوقَّفُ عليهِ والصحيحُ خلافُهُ لأنَّ الرِّقَّ أفادَها الأمانَ مِن القتلِ فلا تجبُ كالْمُستأمنةِ وليس كالغُسْلِ فإنهُ لا يَعْظَمُ الأمرُ فيه، وَكَذَا جَنَابَةٍ وَتَرْكِ أَكْلِ خِنْزِيرِ فِي الأطهَرِ، كما يجبرها على إزالة النجاسة. والثاني: لا إجبارَ؛ لأنه لا يمنعُ الاستمتاعَ والخلافُ جارٍ في كلِّ ما يمنعُ كمالَ الاستمتاعِ، وَتُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهِمَا، أي قطعاً ليتمكَّنَ من الاستمتاع بها، وأطلقَ البغويُّ إجبارَ المسلمَةِ على غسل الجَنابَةِ، قال في الروضة: وليس هو على إطلاقهِ، بل هو فيما إذا طَالَ بحيثُ
حضرَ وقتُ الصلاةِ، وأما إذا لم يحضُرْ ففي إجبارِها قولانِ؛ أظهرُهما: نَعَمْ.
فَرْعٌ: يجبِرُها أيضاً على التنظيفِ بالاستحدادِ وقَلْمِ الأظافِرِ وإزالَةِ شَعر الإِبْطِ والأوساخ إذا تفاحَشَ شيءٌ من ذلكَ بحيثُ يُنَفِّرُ، فإن كان لا يمنعُ أصلَ الاستمتاعِ لكن يمنعُ كمالَهُ، فقولان كما في غسلِ الجنابةِ.
فَرْعٌ: له المنعُ من شُربِ ما تَسْكَرُ بهِ وفي القدر الذي لا تَسْكَرُ بهِ فقولان وحكَى الرويانيُّ وجهاً: أنهُ ليس له منعُها من شُربِ القدرِ الذي يرونهُ عبادةً في أعيادهم، وله منعُها من الزيادةِ عليه إنْ لم تسكَرْ، ويجري القولان في منعِ المسلمَةِ من القدر الذي لا يُسكِرُ من النبيذ إذا كانت تعتقدُ إباحتَهُ. وقيل: يمنعُها قطعاً، لأن ذلك القدر لا ينضبطُ ويختلفُ باختلافِ الأشخاصِ.
فَرْعٌ: له منعُها من لُبْسِ جلودِ الميتةِ قبل دباغِهِ ولُبْسِ ما لهُ رائحةٌ كريهةٌ.
فَرْعٌ: يمنعُ الكتابيَّةَ من البِيَع والكنائِسِ، كما يمنعُ المسلمَةَ من الجماعاتِ والمساجدِ.
فَائِدَةٌ: أفتَى العمادُ بن يونس وغيرُه: بأنه لا يحِلُّ للمرأةِ أنْ تستعملَ دواءً يمنعُ
الْحَبلَ. وفي أوائل أحكامِ المحبِّ الطبريِّ وهي أجمع ما صنِّفَ فيه: أنَّ بعضَهم ذهبَ إلى أنَّ النطفةَ قبل تمامِ الأربعين ليس لها حُرْمَةٌ ولا يثبتُ لها حكمُ السقطِ ولا حكمُ الولدِ وأنَّ بعضَهم ذهبَ إلى أنَّ لها حُرْمَةً ولا يباحُ إفسادُها ولا التسبُّبُ إلى إخراجِها بعد استقرارِها في الرَّحِمِ.
فَصْلٌ: وَتحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ وَكتَابِيَّةٍ، لأنَّ الانتسابَ إلى الأبِ وهو لا تحِلُّ مناكحَتُهُ، وكذا بين مجوسيٍّ وكتابيَّةٍ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الأظْهَرِ، تغليباً للتحريم، والثانى: تحِلُّ لأنَّ الولدَ يُنْسَبُ إلى أَبيهِ، والأبُ كتابيٌّ هذا في صغير المتولِّد منهُما؛ فإذا بلغَ وتَدَيَّنَ بِدِيْنِ الكتابيِّ منهُما، فقال الشَّافِعِيُّ: تحِلُّ مناكحتُهُ وذبيحتُهُ، فمنهم من أثبت هذا قولاً، ومنهُم مَن قال: لا أثرَ لبلوغِهِ، وحملَ النصَّ على ما إذا كان أحدُ أبوَيْهِ يهودِيًّا والآخرُ نصرانيًّا فبلغَ واختارَ دِيْنَ أحدِهما، ولو تولَّدَ بينَ يهوديٍّ
ومجوسيَّةٍ فبلغَ واختارَ التَّمَجُّسَ؛ فعَنِ القفَّالِ: أنهُ يُمَكَّنُ منهُ وتجري عليهِ أحكامُ المجوسِ، وقال الإمامُ: لا يمنعُ أنْ يقالَ إذا أثبتنا لهُ حكمَ اليهودِ في الذبيحَةِ والمناكحَةِ أنْ يَمْنَعَهُ من التمجُّسِ إذا منَعْنَا انتقالَ الكافرِ من دِيْنٍ إلى دِيْنٍ، وَإِنْ خَالَفَتِ السَّامِرَةُ الْيَهُودَ وَالصَّابِئُونَ النَّصَارَى فِي أَصْلِ دِيْنِهِمْ، أي ولا يُأَوِّلُونَ نَصَّ كتابهم، حَرُمْنَ، أي كالمجوس، وَإِلَّا فَلَا، وإن كانوا يخالفونهم في الفروع ويُؤوِّلون نصَّ كتابهم فلا بأس بمناكحتِهم وهذا هو المنصوصُ، وأطلقَ بعضُهم حكايةَ قولين في مناكحتهم، قال الإمام: لا مجالَ للخلافِ فيمن يكفِّرُهُم اليهودُ والنصارَى ويخرجونَهُم عنهُم؛ لكن يمكنُ الخلافُ فيمن جعلوهُ كالمبتدع، وإذا شَكَكْنَا في جماعةٍ أيخالفونَهُم في الأُصول أَمِ الفرُوعِ لم يناكحهم، والصابئون فيما نقل، فرقتان فرقةٌ توافِقُ النصارَى في أُصول الدِّينِ وفرقةٌ تُخَالِفُهُمْ وهم الذى أفتَى الاصطخري بقتلِهِم.
فَصْلٌ: وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ، أي أو تنصَّرَ يهوديٌّ، لَمْ يُقَرَّ فِي الأَظْهَرِ، الخلافُ مبنيٌّ على أنَّ الكفرَ مِلَّةٌ واحدةٌ، أمْ لا؟ وصحَّحَ الرافعيُّ في الشرح الصغير أنه يُقَرُّ، فإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ، كالمسلمة إذا ارتدَّتْ، فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ، فتتنجزُ الفرقةُ قبلَ الدخول وتتوقف على انقضاء العِدَّةِ بعدهُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الإِسْلَامُ، لقوله تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (468)، وَفِي قَوْلٍ: أَوْ دِيْنُهُ الأَوَّلُ، لأنهُ كان مُقَرًّا عليه، وَلَوْ تَوَثَّنَ لَمْ يُقَرَّ، لأنَّ أهله لا يُقَرُّونَ عليه، وَفِيْمَا يُقْبَلُ الْقَوْلَانِ، أي المذكوران، وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ وَيتَعَيَّنُ الإِسْلَامُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ، لأنهُ كان لا يُقَرُّ فلا يستفيدُهُ بباطلٍ.
وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لأَحَدٍ، أيْ لا لمسلمٍ لأنها كافرةٌ لا تُقَرُّ؛ ولا لكافر لبقاء عُلقةِ الإسلامِ فيها، وَلَوِ ارْتَدَّ زَوْجَانِ، أي إمَّا معاً أو على التَّعَاقُبِ، أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ وُقِفَتْ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا الإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ دَامَ النِّكَاحُ، وَإِلَّا فَالْفُرْقَةُ مِنَ الرِّدَّةِ، لأنهُ اختلافُ دِيْنٍ طَرَأَ بعدَ الْمَسِيْسِ؛ فلا يوجِبُ الفسخَ في الحالِ كإسلام أحدِ الزوجينِ الكافرينِ.
(468) آل عمران / 85.