المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب الْعلم)

- ‌(بابُ فَضْلِ العِلْمِ)

- ‌(بَاب مَنْ سُئِلَ عِلْماً وَهوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأتَمَّ الحَدِيثَ ثُمَّ أجابَ السَّائِلَ

- ‌(بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعلْمِ)

- ‌(بَاب قَوْلِ المُحَدِّثِ: حدّثنا أوْ أخْبَرَنَا وأنْبأَنَا)

- ‌(بَاب طرْحِ الإِمَامِ المَسْألَةَ عَلى أصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ)

- ‌(بابٌ القِرَاءَةُ والعَرْضُ عَلَى المُحَدِّثِ)

- ‌(بَاب مَا يُذْكَرُ فِي المُناوَلَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ قعَدَ حَيْث يَنْتَهِي بِه المَجْلِسُ ومَنْ رَأى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيها)

- ‌(بَاب قَولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سامِعٍ)

- ‌(بابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ والعَمَلِ لِقولِهِ تَعَالَى {فاعلَمْ أنَّهُ لَا إلَهَ إلَاّ الله} (مُحَمَّد: 19) فبَدَأ بالعلْمِ)

- ‌(بَاب مَا كانَ النبيُّ يَتَخَوَّلُهُمْ بالموْعِظَةِ والعِلْمِ كَي لَا يَنْفِرُوا)

- ‌(بَاب مَنْ جَعَلَ لأهْلِ العِلْمِ أيَّاماً مَعلُومَةً)

- ‌(بَاب مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقِّههُ فِي الدِّينِ)

- ‌(بَاب الفَهمِ فِي العِلْمِ)

- ‌(بَاب الاغْتِباطِ فِي العِلْمِ والحِكْمَةِ)

- ‌(بَاب مَا ذُكِرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلَّى الله عَلَيْهِ فِي البَحْرِ إِلى الخضِرِ)

- ‌(بَاب قوْل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ)

- ‌(بَاب متَى يَصِحُّ سَماعُ الصَّغِيرِ)

- ‌(بابُ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ)

- ‌(بَاب فَضْل مَنْ عَلِمَ وعلَّمَ)

- ‌(بَاب رفْعِ العِلْمِ وظُهُورِ الجَهْلِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ العلْمِ)

- ‌(بَاب الفُتْيا وهْوَ واقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وغَيْرها)

- ‌(بَاب مَنْ أجَاب الفُتْيا باشارَةِ اليَدِ والرَّأسِ)

- ‌(بَاب تحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى أنْ يَحْفَظُوا الإِيمانَ والعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ)

- ‌(بَاب الرِّحْلةِ فِي المَسْألَةِ النَّازِلِةِ وتَعْلِيمِ أهْلِهِ)

- ‌(بَاب التَّناوُبِ فِي العِلْمِ)

- ‌(بَاب الغَضَبِ فِي المَوْعِظَةِ والتَّعْلِيمِ إِذَا رَأى مَا يَكْرَهُ)

- ‌(بابُ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبتَيْهِ عِنْدَ الإِمامِ أَو المُحِدِّثِ)

- ‌(بَاب مَنْ أعادَ الحَدِيثَ ثَلاثاً لِيُفْهَمَ عَنْهُ)

- ‌(بَاب تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أمَتَهُ وأهْلَهُ)

- ‌(بَاب عِظَةِ الإِمامِ النِّساءَ وتَعْلِيمهنَّ)

- ‌(بابُ الحِرْصِ علَى الحدِيثِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ العِلْمُ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّساءِ يَوْمٌ علَى حِدَةٍ فِي العِلْم)

- ‌(بابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئاً فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ)

- ‌(بابٌ لِيُبَلّغِ العِلْمَ الشَّاهِدُ الغائبَ)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ كَذَبَ علَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بابُ كِتَابَةِ العلْمِ)

- ‌(تَابعه معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة)

- ‌(بابُ العِلْمِ والعِظَةِ باللَّيْلِ)

- ‌(بابُ السَّمَر فِي العِلْمِ)

- ‌(بابُ حِفْظِ العِلْمِ)

- ‌(بابُ الإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ للْعَالِمِ إذَا سُئِلَ: أيُّ النَّاسِ أعْلَمُ؟ فَيَكِلُ العِلْمَ إلَى اللَّهِ)

- ‌(بابُ مَنْ سَأَلَ وَهُوَ قائِمٌ عالِما جالِسا)

- ‌(بابٌ السُّؤَال والفُتْيا عِنْدَ رَمْيِ الجِمارِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلَاّ قَلِيلاً} )

- ‌(بَاب من خص بِالْعلمِ قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفهموا)

- ‌(بَاب الْحيَاء فِي الْعلم)

- ‌(بَاب من استحيا فَأمر غَيره بالسؤال)

- ‌(بَاب ذكر الْعلم والفتيا فِي الْمَسْجِد)

- ‌(بَاب من أجَاب السَّائِل بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ)

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌(كتاب الْوضُوء)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَقَول الله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} )

- ‌(بَاب لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور)

- ‌(بَاب فضل الْوضُوء والغر المحجلون من آثَار الْوضُوء)

- ‌(بَاب لَا يتَوَضَّأ من الشَّك حَتَّى يستيقن)

- ‌(بَاب التَّخْفِيف فِي الْوضُوء)

- ‌(بَاب إسباغ الْوضُوء)

- ‌(بَاب غسل الْوَجْه باليدين من غرفَة وَاحِدَة)

- ‌(بَاب التَّسْمِيَة على كل حَال وَعند الوقاع)

- ‌(بَاب مَا يَقُول عِنْد الْخَلَاء)

- ‌(بَاب وضع المَاء عِنْد الْخَلَاء)

- ‌(بَاب لَا تسْتَقْبل الْقبْلَة بغائط أَو بَوْل إِلَّا عِنْد الْبناء جِدَار أَو نَحوه)

- ‌(بَاب من تبرز على لبنتين)

- ‌(بَاب خُرُوج النِّسَاء إِلَى البرَاز)

- ‌(بَاب التبرز فِي الْبيُوت)

- ‌(بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ)

- ‌(بَاب من حمل مَعَه المَاء لطهوره)

- ‌(بَاب حمل العنزة مَعَ المَاء فِي الِاسْتِنْجَاء)

- ‌(بَاب النَّهْي عَن الِاسْتِنْجَاء بِالْيَمِينِ)

- ‌(بَاب لَا يمسك ذكره بِيَمِينِهِ إِذا بَال)

- ‌(بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْحِجَارَةِ)

- ‌(بَاب لَا يستنجى بروث)

الفصل: ‌(باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا)

غير مُلَاحظَة الِامْتِنَاع. وَفِيه من الْفِقْه أَنه يجوز للْعَالم أَن يَأْخُذ فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بالشدة، ويتحمل الْأَذَى، ويحتسب رَجَاء ثَوَاب الله تَعَالَى، وَيُبَاح لَهُ أَن يسكت إِذا خَافَ الْأَذَى كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة، رضي الله عنه: لَو حدثتكم بِكُل مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقطع هَذَا البلعوم، وَعنهُ: لَو حدثتكم بِكُل مَا فِي جوفي لرميتموني بالبعر. وَقَالَ الْحسن: صدق، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَا يتَعَلَّق بالفتن مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِذكرِهِ مصلحَة شَرْعِيَّة.

وَقَالَ ابنُ عَباسٍ: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ حُلَماءَ فُقَهاءَ

هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب (الْفَقِيه والمتفقه) بِسَنَد صَحِيح عَن أبي بكر الْحَرْبِيّ: ثَنَا أَبُو مُحَمَّد حَاجِب ابْن أَحْمد الطوسي، ثَنَا عبد الرَّحِيم بن حبيب، ثَنَا الفضيل ابْن عِيَاض عَن عَطاء عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ. وَرَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم فِي كتاب (الْعلم) عَن الْمقدمِي: ثَنَا أَبُو دَاوُد عَن معَاذ عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَنهُ، وَقد فسر ابْن عَبَّاس: الرباني بِأَنَّهُ الْحَكِيم الْفَقِيه، وَوَافَقَهُ ابْن مَسْعُود فِيمَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي غَرِيبه عَنهُ بِإِسْنَاد صَحِيح، والرباني: مَنْسُوب إِلَى الرب، وَأَصله الربي، فزيدت فِيهِ الْألف وَالنُّون للتَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة فِي النِّسْبَة. وَقَالَ أَبُو الْمعَانِي فِي كِتَابه (الْمُنْتَهى) : فِي اللُّغَة الرباني: المتأله الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى، وربيت الْقَوْم سستهم أَي: كنت فَوْقهم. وَقَالَ أَبُو نصر: هُوَ من الربوبية، وَعَن ابْن الْأَعرَابِي لَا يُقَال للْعَالم رباني حَتَّى يكون عَالما معلما. وَيُقَال: هُوَ العالي الدرجَة فِي الْعلم، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: الرباني مَنْسُوب إِلَى الرب كَأَنَّهُ الَّذِي يقْصد مَا أمره الرب، وَفِي كتاب (الْفَقِيه) للخطيب عَن مُجَاهِد: الربانيون الْفُقَهَاء، وهم فَوق الْأَحْبَار. وَقَالَ نفطويه: قَالَ أَحْمد بن يحيى: إِنَّمَا قيل للْعُلَمَاء ربانيون لأَنهم يربون الْعلم، أَي: يقومُونَ بِهِ. وَفِي كتاب (الْفِقْه) عَنهُ إِذا كَانَ الرجل عَالما عَاملا معلما قيل لَهُ: هَذَا رباني. فَإِن خرم خصْلَة مِنْهَا لم يقل لَهُ رباني. وَعند الطَّبَرِيّ عَن ابْن زيد: الربيون الأتباع، والربانيون الْوُلَاة، والربيون الرّعية. وَعَن الْأَزْهَرِي: هم أَرْبَاب الْعلم الَّذين يعلمُونَ مَا يعلمُونَ. وَقَالَ أَبُو عبيد: سَمِعت رجلا عَالما بالكتب يَقُول: الربانيون الْعلمَاء بالحلال وَالْحرَام. وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: الربي، وَالْجمع: ربيون: هم الْعباد الَّذين يصحبون الْأَنْبِيَاء، عليهم السلام، ويصبرون مَعَهم، وهم الربانيون، نسبوا إِلَى عبَادَة الرب، سبحانه وتعالى. وَقيل: هم الْعلمَاء الصَّبْر. وَقيل: لَيْسَ ربيون بلغَة الْعَرَب، إِنَّمَا هِيَ سريانية أَو عبرانية. وَحكي عَن بعض اللغويين أَن الْعَرَب لَا تعرف الرباني، وَقَالَ: إِنَّمَا فسره الْفُقَهَاء. قَالَ الْقَزاز: وَأَنا أرى أَن يكون عَرَبيا. قَوْله: (حكماء) جمع حَكِيم، وَالْحكمَة صِحَة القَوْل وَالْعقد وَالْفِعْل، وَيُقَال: الْحِكْمَة، الْفِقْه فِي الدّين. وَقيل: الْحِكْمَة معرفَة الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَالْفُقَهَاء جمع فَقِيه، وَالْفِقْه: الْفَهم لُغَة، وَفِي الِاصْطِلَاح: الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة العملية من أدلتها التفصيلية، وَفِي بعض النّسخ:(حلماء) ، جمع حَلِيم بِاللَّامِ، والحلم هُوَ الطُّمَأْنِينَة عِنْد الْغَضَب، وَفِي بَعْضهَا عُلَمَاء، وَهُوَ من بَاب ذكر الْخَاص بعد الْعَام، وَالظَّاهِر أَن حكماء وفقهاء تَفْسِير للربانيين.

ويُقالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي الناسَ بِصِغارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ

هَذَا حِكَايَة البُخَارِيّ عَن قَول بَعضهم، وَهُوَ من التربية أَي: الَّذِي يُربي النَّاس بجزئيات الْعلم قبل كلياته، أَو بفروعه قبل أُصُوله، أَو بمقدماته قبل مقاصده. فَإِن قلت: هَذَا كُله هُوَ التَّرْجَمَة، فَأَيْنَ مَا هَذِه تَرْجَمته؟ قلت: إِمَّا أَنه أَرَادَ أَن يلْحق الْأَحَادِيث الْمُنَاسبَة إِلَيْهَا، فَلم يتَّفق لَهُ. وَإِمَّا أَنه للإشعار بِأَنَّهُ لم يثبت عِنْده بِشَرْطِهِ مَا يُنَاسِبهَا، وَإِمَّا أَنه اكْتفى بِمَا ذكره تَعْلِيقا، لِأَن الْمَقْصُود من الْبَاب بَيَان فَضِيلَة الْعلم، وَيعلم ذَلِك من الْمَذْكُور آيَة وحديثاً وإجماعاً سكوتياً من الصَّحَابَة، رضي الله عنهم، بِحَيْثُ انْتهى إِلَى حد علم الضَّرُورَة فَلم يحْتَج إِلَى الزِّيَادَة، أَو لسَبَب آخر، وَالله أعلم.

11 -

(بَاب مَا كانَ النبيُّ يَتَخَوَّلُهُمْ بالموْعِظَةِ والعِلْمِ كَي لَا يَنْفِرُوا)

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع: الأول: إِن التَّقْدِير: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ النَّبِي، عليه السلام، يَتَخَوَّلُ الصَّحَابَة، رضي الله عنهم، بِالْمَوْعِظَةِ، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا بعده من الْجُمْلَة، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: بَاب كَون النَّبِي عليه السلام يتخولهم. الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ الْعلم، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب هُوَ التخول بِالْعلمِ. الثَّالِث: قَوْله: يتخولهم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره اللَّام، مَعْنَاهُ: يتعهدهم، وَهُوَ من التخول، وَهُوَ التعهد

ص: 43

يَعْنِي: كَانَ يتعهدهم ويراعي الْأَوْقَات فِي وعظهم، ويتحرى مِنْهَا مَا كَانَ مَظَنَّة الْقبُول، وَلَا يَفْعَله كل يَوْم لِئَلَّا يسأم. والخائل الْقَائِم المتعهد للْحَال، ذكره الْخطابِيّ. والآن يَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله:(بِالْمَوْعِظَةِ) قَالَ الصغاني: الْوَعْظ والعظة وَالْمَوْعِظَة مصَادر قَوْلك: وعظته أعظه. والوعظ: هُوَ النصح والتذكير بالعواقب، وَعطف الْعلم على الموعظة من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص، عكس: وَمَلَائِكَته وَجِبْرِيل. وَذكره الموعظة لكَونهَا مَذْكُورَة فِي الحَدِيث، وَأما الْعلم فَإِنَّمَا ذكره استنباطاً. قَوْله:(كي لَا ينفروا) : أَي: لِئَلَّا يملوا عَنهُ ويتباعدوا مِنْهُ، يُقَال: نفر ينفر، من بَاب: ضرب يضْرب، وَنَفر ينفر من بَاب نصر ينصر نفوراً بِالضَّمِّ، ونفار بِالْفَتْح، والنفور أَيْضا جمع نافر كشاهد وشهود، وَيُقَال: فِي الدَّابَّة نفار، بِكَسْر النُّون، وَهُوَ اسْم مثل الحران، والتركيب يدل على تجافٍ وتباعد.

68 -

حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبَرَنا سُفْيانُ عَن الأعْمَشِ عَن أبي وائِلٍ عنِ ابْنِ مَسْعُودَ قَالَ كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنا بالمَوْعِظَةِ فِي الأيَّامِ كَرَاهةَ السَّآمَة عَلَيْنا.

مُطَابقَة الحَدِيث لإحدى الترجمتين وَهِي قَوْله: (بِالْمَوْعِظَةِ) ظَاهِرَة، وَالْبَاب مترجم بترجمتين إِحْدَاهمَا: قَوْله: (بِالْمَوْعِظَةِ) وَالْأُخْرَى: قَوْله: (كي لَا ينفروا) ، فأورد فِيهِ حديثين كل مِنْهُمَا يُطَابق وَاحِدَة مِنْهُمَا.

بَيَان رِجَاله: وهم خسمة: الأول: مُحَمَّد بن يُوسُف، قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي (شَرحه) : هُوَ مُحَمَّد بن يُوسُف بن وَاقد الْفرْيَابِيّ، أَبُو عبد اللَّه الضَّبِّيّ، مَوْلَاهُم، سكن قيسارية من سَاحل الشَّام، أدْرك الْأَعْمَش وروى عَنهُ وَعَن السفيانين وَغَيرهم، وروى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد الذهلي وَمُحَمّد بن مُسلم ابْن وارة وَغَيرهم، وروى عَنهُ البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، وروى فِي كتاب الصَدَاق عَن إِسْحَاق غير مَنْسُوب عَنهُ، وروى بَقِيَّة الْجَمَاعَة عَن رجل عَنهُ. قَالَ أَحْمد: كَانَ رجلا صَالحا. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة. وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ من أفضل أهل زَمَانه، مَاتَ فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مُحَمَّد بن يُوسُف أَبُو أَحْمد البيكندي، وَهَذَا وهم، لِأَن البُخَارِيّ حَيْثُ يُطلق مُحَمَّد بن يُوسُف لَا يُرِيد بِهِ، إلَاّ الْفرْيَابِيّ، وَإِن كَانَ يروي أَيْضا عَن البيكندي. فَافْهَم. الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ: فَإِن قلت: مُحَمَّد بن الْفرْيَابِيّ يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَيْضا كَمَا ذكرنَا، فَمَا الْمُرَجح هَهُنَا لِسُفْيَان الثَّوْريّ؟ قلت: الْفرْيَابِيّ، وَإِن كَانَ يروي عَن السفيانين، وَلكنه حَيْثُ يُطلق لَا يُرِيد بِهِ، إلَاّ الثَّوْريّ. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن مهْرَان الْأَعْمَش. الرَّابِع: أَبُو واثل، شَقِيق بن سَلمَة الْكُوفِي. الْخَامِس: عبد اللَّه بن مَسْعُود، رضي الله عنه.

بَيَان الْأَنْسَاب: الْفرْيَابِيّ، بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة نِسْبَة إِلَى فرياب، اسْم مَدِينَة من نواحي بَلخ. قَالَ الصغاني: فرياب مثل جربال، وَيُقَال: فيرياب مثل: كيمياء، وَيُقَال: فارياب، مثل: قاصعاء، وَأما: فاراب، فَهِيَ نَاحيَة وَرَاء نهر سيحون فِي تخوم بِلَاد التّرْك، وفراب مثل سَحَاب قَرْيَة فِي سفح جبل على ثَمَانِيَة فراسخ من سَمَرْقَنْد، وفراب مثل: كفار، قَرْيَة من قرى أَصْبَهَان. الضَّبِّيّ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى ضبة بن اد بن طابخة بن الياس بن مُضر، وَفِي قُرَيْش أَيْضا: ضبة بن الْحَارِث بن فهر، ذكره ابْن حبيب. وَفِي هُذَيْل أَيْضا: ضبة بن عَمْرو ابْن الْحَارِث بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل. البيكندي، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة وَفتح الْكَاف وَسُكُون النُّون بعْدهَا الدَّال الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى بيكند، قَرْيَة من قرى بُخَارى.

بَيَان لطائف اسناده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كوفيون مَا خلا الْفرْيَابِيّ. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ. فَإِن قلت: الْأَعْمَش مُدَلّس وَقد عنعن هُنَا، وَقد روى مُسلم من طَرِيق عَليّ بن مسْهر عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن عبد اللَّه، فَذكر الحَدِيث: قَالَ عَليّ بن مسْهر قَالَ الْأَعْمَش: وحَدثني عَمْرو بن مرّة عَن شَقِيق عَن عبد اللَّه مثله، فقد يُوهم هَذَا أَن الْأَعْمَش دلسه، أَولا عَن شَقِيق، ثمَّ سمى الْوَاسِطَة بَينهمَا. قلت: صرح أَحْمد فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث بِسَمَاع الْأَعْمَش عَن شَقِيق، فَقَالَ: سَمِعت شقيقاً، وَهُوَ أَبُو وَائِل، وَكَذَا صرح الْأَعْمَش بِالتَّحْدِيثِ عِنْد البُخَارِيّ فِي الدَّعْوَات من رِوَايَة حَفْص بن غياث عَنهُ، قَالَ: حَدثنِي شَقِيق، وَزَاد فِي أَوله: إِنَّهُم كَانُوا ينتظرون عبد اللَّه بن مَسْعُود ليخرج إِلَيْهِم فيذكرهم، وَإنَّهُ لما خرج قَالَ: أما إِنِّي أخبر بمكانكم، وَلكنه يَمْنعنِي من الْخُرُوج إِلَيْكُم

فَذكر الحَدِيث.

ص: 44

بَيَان تعد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور عَن أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود بِهِ، وَأخرجه أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش، وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع، وَأَبُو مُعَاوِيَة وَمُحَمّد بن نمير عَن أبي مُعَاوِيَة، وَعَن الْأَشَج عَن ابْن إِدْرِيس، وَعَن منْجَاب عَن عَليّ بن مسْهر، وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن خشرم عَن عِيسَى بن يُونُس عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان، كلهم عَن الْأَعْمَش. زَاد الْأَعْمَش فِي رِوَايَة ابْن مسْهر: وحَدثني عَمْرو بن مرّة عَن شَقِيق عَن عبد اللَّه مثله. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن مُحَمَّد بن غيلَان عَن أبي أَحْمد الزبيرِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن بشار عَن يحيى بن سعيد عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش بِهِ، وَفِي نُسْخَة عَن مُحَمَّد بن بشار عَن يحيى عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (يَتَخَوَّلنَا) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وباللام، من التخول، وَهُوَ: التعهد، من: خَال المَال، وخال على الشَّيْء خولاً، إِذا تعهد، وَيُقَال: خَال المَال يخوله خولاً إِذا ساسه وَأحسن الْقيام عَلَيْهِ، والخائل المتعاهد للشَّيْء المصلح لَهُ، وخول الله الشَّيْء أَي: ملكه إِيَّاه، وخول الرجل حشمه، الْوَاحِد خائل، وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: الصَّوَاب يتحولهم، بِالْحَاء الْمُهْملَة، أَي: يطْلب أَحْوَالهم الَّتِي ينشطون فِيهَا للموعظة، فيعظهم وَلَا يكثر عَلَيْهِم فيملوا. وَكَانَ الْأَصْمَعِي يرويهِ: يتخوننا، بالنُّون وَالْخَاء الْمُعْجَمَة، أَي: يتعهدنا. حَكَاهُ عَنْهُمَا صَاحب (نِهَايَة الْغَرِيب) . وَفِي (مجمع الغرائب) قَالَ الْأَصْمَعِي: أَظُنهُ يتخونهم، بالنُّون، وَهُوَ بِمَعْنى: التعهد. وَقيل: إِن أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء سمع الْأَعْمَش يحدث هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: يَتَخَوَّلنَا، بِاللَّامِ، فَرده عَلَيْهِ بالنُّون فَلم يرجع لأجل الرِّوَايَة، وكلا اللَّفْظَيْنِ جَائِز، وَالصَّوَاب: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وباللام، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَعْنَاهُ يتخذنا خولاً. وَيُقَال: يناجينا بهَا. وَقيل: يُصْلِحنَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يذللنا بهَا، يُقَال: خول الله لَك أَي: ذلله لَك وسخره. وَقيل: يحبسهم عَلَيْهَا كَمَا يحبس الخول. قَوْله: (كَرَاهِيَة السَّآمَة) من كرهت الشَّيْء أكرهه كَرَاهَة وكراهية، والسآمة مثل الملالة، بِنَاء وَمعنى، وَقَالَ أَبُو زيد: سئمت من الشَّيْء أسأم سأماً وسآمةً وسآماً: إِذا مللته، وَرجل سؤوم.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (النَّبِي)، مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم كَانَ. وَقَوله:(يَتَخَوَّلنَا)، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر: كَانَ. فَإِن قلت: كَانَ لثُبُوت خَبَرهَا مَاضِيا، و: يَتَخَوَّلنَا، إِمَّا حَال وَإِمَّا اسْتِقْبَال، فَمَا وَجه الْجمع بَينهمَا؟ قلت: كَانَ يُرَاد بِهِ الِاسْتِمْرَار، وَكَذَا الْفِعْل الْمُضَارع، فاجتماعهما يُفِيد شُمُول الْأَزْمِنَة. وَقَالَ الأصوليون: قَوْله: كَانَ حَاتِم يكرم الضَّيْف، يُفِيد تكْرَار الْفِعْل فِي الْأَزْمَان، وَالْبَاء فِي: بِالْمَوْعِظَةِ، تتَعَلَّق: بيتخولنا، قَوْله:(فِي الْأَيَّام)، صفة لموعظة أَي: بِالْمَوْعِظَةِ الكائنة فِي الْأَيَّام. قَوْله: (كَرَاهِيَة السَّآمَة) ، كَلَام إضافي مَنْصُوب على أَنه مفعول لَهُ، أَي: لأجل كَرَاهِيَة السَّآمَة، وصلَة السَّآمَة محذوفة، لِأَنَّهُ يُقَال: سأمت من الشَّيْء، وَالتَّقْدِير: كَرَاهِيَة السَّآمَة من الموعظة. وَقَوله: (علينا) إِمَّا يتَعَلَّق بالسآمة على تضمين السَّآمَة معنى الْمَشَقَّة، أَي: كَرَاهَة الْمَشَقَّة علينا، إِذْ الْمَقْصُود بَيَان رفق النَّبِي، عليه السلام، بالأمة وشفقته عَلَيْهِم ليأخذوا مِنْهُ بنشاط وحرص لَا عَن ضجر وملل، وَإِمَّا يَجْعَل صفة، وَالتَّقْدِير: كَرَاهِيَة السَّآمَة الطارئة علينا. وَإِمَّا يَجْعَل حَالا، وَالتَّقْدِير: كَرَاهِيَة السَّآمَة حَال كَونهَا طارئة علينا. وَإِمَّا يتَعَلَّق بالمحذوف، وَالتَّقْدِير: كَرَاهِيَة السَّآمَة شَفَقَة علينا. فَافْهَم.

بَيَان الْمعَانِي: الْمَعْنى: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يعظ الصَّحَابَة فِي أَوْقَات مَعْلُومَة، وَلم يكن يسْتَغْرق الْأَوْقَات خوفًا عَلَيْهِم من الْملَل والضجر، كَمَا كَانَ نَهَاهُم بقوله:(لَا يُصَلِّي أحد خاماً وركيه) . وكما قَالَ: (ابدأوا بالعشاء لِئَلَّا تشْغَلُوا عَن الإقبال على الله تَعَالَى بِغَيْرِهِ) . وَعَن الصَّلَاة وَعَن النِّيَّة، وَقد وَصفه الله تَعَالَى بالرفق بأمته فَقَالَ:{عَزِيز عَلَيْهِ ماعنتم} (التَّوْبَة: 128) الْآيَة: فَإِن قلت: أَيجوزُ أَن يكون المُرَاد من السَّآمَة سآمة رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام، من القَوْل؟ قلت: لَا يجوز، وَيدل عَلَيْهِ السِّيَاق وقرينة الْحَال.

69 -

حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ: حدّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ قَالَ: حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ: حدّثنيأبو التَّيَّاح عَن أنسٍ، رضي الله عنه، عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وبشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا) .

(الحَدِيث 69 طرفه فِي: 6125) .

هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة كَمَا ذَكرْنَاهُ.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد

ص: 45

الشين الْمُعْجَمَة، ابْن عُثْمَان بن دَاوُد بن كيسَان الْعَبْدي الْبَصْرِيّ، كنيته أَبُو بكر ولقبه بنْدَار، واشتهر بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ بنداراً فِي الحَدِيث، جمع حَدِيث بَلَده، وَبُنْدَار، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون النُّون وَالدَّال الْمُهْملَة وبالراء: الْحَافِظ. وَقَالَ أَحْمد: كتبت عَنهُ نَحوا من خمسين ألف حَدِيث، روى عَنهُ السِّتَّة وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان وَعبد اللَّه بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وَعنهُ قَالَ: كتب عني خَمْسَة قُرُون، وسألوني الحَدِيث وَأَنا ابْن ثَمَان عشرَة سنة. وَقَالَ: ولدت سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَقَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين يَعْنِي وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان الْأَحول. الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الرَّابِع: أَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة، واسْمه يزِيد بن حميد، بِالتَّصْغِيرِ، الضبعِي من أنفسهم، سمع أنسا وَعمْرَان بن حُصَيْن من الصَّحَابَة، وخلقاً من التَّابِعين وَمن بعدهمْ، قَالَ أَحْمد: هُوَ ثِقَة ثَبت. وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: هُوَ مَعْرُوف ثِقَة، مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة. الْخَامِس: أنس بن مَالك.

بَيَان الْأَنْسَاب: الْعَبْدي: نِسْبَة إِلَى عبد بن نصر بن كلاب بن مرّة فِي قُرَيْش، وَفِي ربيعَة بن نزار عبد الْقَيْس بن أفصى، وَفِي تَمِيم عبد اللَّه بن دارم، وَفِي خولان عبد اللَّه بن جَبَّار، وَفِي هَمدَان عبد بن غيلَان بن أرحب. الضبعِي، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى ضبيعة بن زيد بن مَالك فِي الْأَنْصَار، وَفِي ربيعَة بن نزار ضبيعة بن ربيعَة بن نزار، وَفِي بني ثَعْلَبَة ضبيعة بن قيس.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِالْجمعِ والإفراد والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم بصريون. وَمِنْهَا: أَنهم أَئِمَّة أجلاء.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن آدم عَن شُعْبَة بِهِ، وَرَوَاهُ مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن عبد اللَّه بن معَاذ عَن أَبِيه، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبيد بن سعيد، وَعَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد عَن غنْدر، كلهم عَن شُعْبَة بِهِ، فَوَقع للْبُخَارِيّ عَالِيا رباعياً من طَرِيق آدم، وآدَم مِمَّن انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ عَن مُسلم، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن بنْدَار بِهِ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (يسروا)، أَمر من: يسر ييسر تيسيراً من الْيُسْر، وَهُوَ نقيض الْعسر. قَوْله:(وَلَا تُعَسِّرُوا)، من عسر تعسيراً. يُقَال: عسرت الْغَرِيم أعسره عسراً، إِذا طلبت مِنْهُ الدّين على عسرته. وَقَالَ ابْن طريف: هَذَا مِمَّا جَاءَ على فعل وأفعل: كعسرتك عسراً وأعسرتك، إِذا طلبت مِنْك الدّين على عسرة، وعسر الشَّيْء وعسر، بِضَم السِّين وَكسرهَا، عسراً وعسارة، وعسر الرجل: قل سماحه وضاق خلقه، وأعسر الرجل: افْتقر. وَفِي (الْعباب) : قد عسر الْأَمر، بِالضَّمِّ، عسراً فَهُوَ عسر وعسير، وعسر عَلَيْهِ الْأَمر، بِالْكَسْرِ، يعسر عسراً، بِالتَّحْرِيكِ، أَي: التاث، فَهُوَ عسر. وَيُقَال: عسرت النَّاقة بذنبها تعسر عسراً أَو عسراناً، مِثَال: ضرب يضْرب ضربا وضربانا: إِذا شالت بِهِ، وعسرت الْمَرْأَة إِذا عسر ولادها، وعسرني فلَان إِذا جَاءَ على يساري، والمعسور ضد الميسور، والمعسرة ضد الميسرة، وهما مصدران. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: هما صفتان، والعسرى نقيض الْيُسْرَى. قَوْله:(وبشروا) ، من الْبشَارَة وَهِي الْإِخْبَار بِالْخَيرِ، وَهِي نقيض: النذارة، وَهِي الْإِخْبَار بِالشَّرِّ. يُقَال: بشرت الرجل أُبَشِّرهُ، بِالضَّمِّ، بشرا وبشوراً من الْبشرَة، وَكَذَلِكَ الإبشار والتبشير. يُقَال: أبشر وَبشر. قَالَ الله تَعَالَى: {وابشروا بِالْجنَّةِ} (فصلت: 30){وبشروا الَّذين آمنُوا} (الْبَقَرَة: 25، وَيُونُس: 2){ذَلِك الَّذِي يبشر} (الشورى: 23) ثَلَاث لُغَات فِي الْقُرْآن أبشر وَبشر وَبشر بِالتَّخْفِيفِ، وَالِاسْم: الْبشَارَة والبشارة، بِالْكَسْرِ وَالضَّم، تَقول: بَشرته بمولود، وأبشرتك بِالْخَيرِ، وبشرتك. وَقَالَ الصغاني: الْبشَارَة، بِالْكَسْرِ وَالضَّم، أَي حق مَا يعْطى على التبشير. وَقَالَ اللحياني، رَحمَه الله تَعَالَى: الْبشَارَة مَا بشرت من بطن الْأَدِيم، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْبشَارَة والقشارة والخسارة. إِسْقَاط النَّاس، وبشرت بِكَذَا، بِكَسْر الشين، أبشر، أَي: استبشرت. قَوْله: (وَلَا تنفرُوا)، من: نفر، بِالتَّشْدِيدِ، تنفيراً. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (يسروا) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل مقول القَوْل. قَوْله: (وَلَا تُعَسِّرُوا) عطف على: يسروا، وَيجوز عطف النَّهْي على الْأَمر كَمَا بِالْعَكْسِ، وَالْخلاف فِي عطف الْخَبَر على الْإِنْشَاء وَبِالْعَكْسِ، كَمَا عرف فِي مَوْضِعه، وَكَذَا الْكَلَام فِي قَوْله:(بشروا وَلَا تنفرُوا) .

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: (يسروا) أَمر بالتيسير، لَا يُقَال: الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه، فَمَا الْفَائِدَة فِي قَوْله:(وَلَا تُعَسِّرُوا) ؟ لأَنا نقُول: لَا نسلم ذَلِك، وَلَئِن سلمنَا فالغرض التَّصْرِيح بِمَا لزم ضمنا للتَّأْكِيد. وَيُقَال: لَو اقْتصر على

ص: 46