المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب الْعلم)

- ‌(بابُ فَضْلِ العِلْمِ)

- ‌(بَاب مَنْ سُئِلَ عِلْماً وَهوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأتَمَّ الحَدِيثَ ثُمَّ أجابَ السَّائِلَ

- ‌(بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعلْمِ)

- ‌(بَاب قَوْلِ المُحَدِّثِ: حدّثنا أوْ أخْبَرَنَا وأنْبأَنَا)

- ‌(بَاب طرْحِ الإِمَامِ المَسْألَةَ عَلى أصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ)

- ‌(بابٌ القِرَاءَةُ والعَرْضُ عَلَى المُحَدِّثِ)

- ‌(بَاب مَا يُذْكَرُ فِي المُناوَلَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ قعَدَ حَيْث يَنْتَهِي بِه المَجْلِسُ ومَنْ رَأى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيها)

- ‌(بَاب قَولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سامِعٍ)

- ‌(بابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ والعَمَلِ لِقولِهِ تَعَالَى {فاعلَمْ أنَّهُ لَا إلَهَ إلَاّ الله} (مُحَمَّد: 19) فبَدَأ بالعلْمِ)

- ‌(بَاب مَا كانَ النبيُّ يَتَخَوَّلُهُمْ بالموْعِظَةِ والعِلْمِ كَي لَا يَنْفِرُوا)

- ‌(بَاب مَنْ جَعَلَ لأهْلِ العِلْمِ أيَّاماً مَعلُومَةً)

- ‌(بَاب مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقِّههُ فِي الدِّينِ)

- ‌(بَاب الفَهمِ فِي العِلْمِ)

- ‌(بَاب الاغْتِباطِ فِي العِلْمِ والحِكْمَةِ)

- ‌(بَاب مَا ذُكِرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلَّى الله عَلَيْهِ فِي البَحْرِ إِلى الخضِرِ)

- ‌(بَاب قوْل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ)

- ‌(بَاب متَى يَصِحُّ سَماعُ الصَّغِيرِ)

- ‌(بابُ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ)

- ‌(بَاب فَضْل مَنْ عَلِمَ وعلَّمَ)

- ‌(بَاب رفْعِ العِلْمِ وظُهُورِ الجَهْلِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ العلْمِ)

- ‌(بَاب الفُتْيا وهْوَ واقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وغَيْرها)

- ‌(بَاب مَنْ أجَاب الفُتْيا باشارَةِ اليَدِ والرَّأسِ)

- ‌(بَاب تحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى أنْ يَحْفَظُوا الإِيمانَ والعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ)

- ‌(بَاب الرِّحْلةِ فِي المَسْألَةِ النَّازِلِةِ وتَعْلِيمِ أهْلِهِ)

- ‌(بَاب التَّناوُبِ فِي العِلْمِ)

- ‌(بَاب الغَضَبِ فِي المَوْعِظَةِ والتَّعْلِيمِ إِذَا رَأى مَا يَكْرَهُ)

- ‌(بابُ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبتَيْهِ عِنْدَ الإِمامِ أَو المُحِدِّثِ)

- ‌(بَاب مَنْ أعادَ الحَدِيثَ ثَلاثاً لِيُفْهَمَ عَنْهُ)

- ‌(بَاب تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أمَتَهُ وأهْلَهُ)

- ‌(بَاب عِظَةِ الإِمامِ النِّساءَ وتَعْلِيمهنَّ)

- ‌(بابُ الحِرْصِ علَى الحدِيثِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ العِلْمُ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّساءِ يَوْمٌ علَى حِدَةٍ فِي العِلْم)

- ‌(بابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئاً فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ)

- ‌(بابٌ لِيُبَلّغِ العِلْمَ الشَّاهِدُ الغائبَ)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ كَذَبَ علَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بابُ كِتَابَةِ العلْمِ)

- ‌(تَابعه معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة)

- ‌(بابُ العِلْمِ والعِظَةِ باللَّيْلِ)

- ‌(بابُ السَّمَر فِي العِلْمِ)

- ‌(بابُ حِفْظِ العِلْمِ)

- ‌(بابُ الإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ للْعَالِمِ إذَا سُئِلَ: أيُّ النَّاسِ أعْلَمُ؟ فَيَكِلُ العِلْمَ إلَى اللَّهِ)

- ‌(بابُ مَنْ سَأَلَ وَهُوَ قائِمٌ عالِما جالِسا)

- ‌(بابٌ السُّؤَال والفُتْيا عِنْدَ رَمْيِ الجِمارِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلَاّ قَلِيلاً} )

- ‌(بَاب من خص بِالْعلمِ قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفهموا)

- ‌(بَاب الْحيَاء فِي الْعلم)

- ‌(بَاب من استحيا فَأمر غَيره بالسؤال)

- ‌(بَاب ذكر الْعلم والفتيا فِي الْمَسْجِد)

- ‌(بَاب من أجَاب السَّائِل بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ)

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌(كتاب الْوضُوء)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَقَول الله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} )

- ‌(بَاب لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور)

- ‌(بَاب فضل الْوضُوء والغر المحجلون من آثَار الْوضُوء)

- ‌(بَاب لَا يتَوَضَّأ من الشَّك حَتَّى يستيقن)

- ‌(بَاب التَّخْفِيف فِي الْوضُوء)

- ‌(بَاب إسباغ الْوضُوء)

- ‌(بَاب غسل الْوَجْه باليدين من غرفَة وَاحِدَة)

- ‌(بَاب التَّسْمِيَة على كل حَال وَعند الوقاع)

- ‌(بَاب مَا يَقُول عِنْد الْخَلَاء)

- ‌(بَاب وضع المَاء عِنْد الْخَلَاء)

- ‌(بَاب لَا تسْتَقْبل الْقبْلَة بغائط أَو بَوْل إِلَّا عِنْد الْبناء جِدَار أَو نَحوه)

- ‌(بَاب من تبرز على لبنتين)

- ‌(بَاب خُرُوج النِّسَاء إِلَى البرَاز)

- ‌(بَاب التبرز فِي الْبيُوت)

- ‌(بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ)

- ‌(بَاب من حمل مَعَه المَاء لطهوره)

- ‌(بَاب حمل العنزة مَعَ المَاء فِي الِاسْتِنْجَاء)

- ‌(بَاب النَّهْي عَن الِاسْتِنْجَاء بِالْيَمِينِ)

- ‌(بَاب لَا يمسك ذكره بِيَمِينِهِ إِذا بَال)

- ‌(بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْحِجَارَةِ)

- ‌(بَاب لَا يستنجى بروث)

الفصل: ‌(باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة)

أَحْمد بن خَالِد أعجب من مَالك أَخذ فِي هَذَا بِحَدِيث ابْن مَسْعُود وَلم يروه وَترك مَا روى وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَة وَاحِدَة لَهما وَهُوَ المروى عَن جَابر وَعبد الله بن عمر وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قلت لم يذكر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور الْأَذَان وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنه يُؤذن للأولى وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو ثَوْر وَعبد الْملك بن الْمَاجشون الْمَالِكِي وَهُوَ مَذْهَب الطَّحَاوِيّ وَللشَّافِعِيّ وَأحمد قَول أَنه يُصَلِّي كل وَاحِدَة بِإِقَامَة بِلَا أَذَان وَهُوَ محكي عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم وَعَن كل وَاحِد من مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَنه يُصَلِّي بأذانين. الرَّابِع فِيهِ تَنْبِيه الْمَفْضُول الْفَاضِل إِذا خَافَ عَلَيْهِ النسْيَان لما كَانَ فِيهِ من الشّغل لقَوْل أُسَامَة الصَّلَاة يَا رَسُول الله. الْخَامِس فِي قَوْله فَتَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء إِن الْوضُوء عبَادَة وَإِن لم يصل بِهِ يَعْنِي بِالْأولِ نبه عَلَيْهِ الْخطابِيّ وَقد قَالَت جمَاعَة من تَوَضَّأ ثمَّ أَرَادَ أَن يجدد وضوءه قبل أَن يُصَلِّي لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لم يُوقع بِهِ عبَادَة وَيكون كمن زَاد على ثَلَاث فِي وضوء وَاحِد وَهَذَا هُوَ الْأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة قَالُوا وَلَا يسن تجديده إِلَّا إِذا صلى بِالْأولَى صَلَاة فرضا كَانَت أَو نفلا قلت اسْتِدْلَال الْخطابِيّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور على مَا ادَّعَاهُ غير تَامّ لَا يخفى ذَلِك. السَّادِس فِيهِ أَنهم صلوا قبل حط رحالهم وَقد جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الصَّحِيح وَعَن مَالك يبْدَأ بِالصَّلَاةِ قبل حط الرَّوَاحِل وَقَالَ أَشهب لَهُ أَن يحط رَحْله قبل أَن يُصَلِّي وَبعد الْمغرب أحب إِلَى مَا لم تكن دَابَّته معقلة وَلَا يتعشى قبل الْمغرب وَأَن خفف عشاءه وَلَا يتعشى بعْدهَا وَإِن كَانَ عشاؤه خَفِيفا وَإِن طَال فَبعد الْعشَاء أحب إِلَيّ. السَّابِع فِيهِ ترك النَّافِلَة فِي السّفر كَذَا استنبطه الْمُهلب من قَوْله وَلم يصل بَينهمَا وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن عمر رضي الله عنهما لَو كنت مسبحا لأتممت وَقَالَ غَيره لَا دلَالَة فِيهِ لِأَن الْوَقْت بَين الصَّلَاتَيْنِ لَا يَتَّسِع لذَلِك أَلا ترى أَن بَعْضهَا قَالَ لَا يحطون رواحلهم تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى يجمعوا وَمِنْهُم من قَالَ يحط بعد الاولى مَعَ مَا فِي ترك الرَّوَاحِل مَا وقى مَا نهى عَنهُ وَلم يُتَابع ابْن عمر رضي الله عنهما على قَوْله وَالْفُقَهَاء متفقون على اخْتِيَار التَّنَفُّل فِي السّفر وَقَالَ ابْن بطال وَقد تنفل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَاجِلا وراكبا. الثَّامِن اسْتدلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيّ على جَوَاز التَّنَفُّل بَين صَلَاتي الْجمع قَالَ وَهُوَ قَول ابْن وهب قَالَ وَخَالفهُ بَقِيَّة أَصْحَابنَا فمنعوه قلت الحَدِيث نَص على أَنه لم يصل بَينهمَا وَلَعَلَّه أَخذه من إناخة الْبَعِير بَينهمَا وَمذهب الشَّافِعِيَّة أَنه جَائِز فِي جمع التَّأْخِير مُمْتَنع فِي جمع التَّقْدِيم وَمذهب الْحَنَفِيَّة الْمَنْع من التَّطَوُّع بَينهمَا لِأَنَّهُ يخل بِالْجمعِ وَلَو تطوع أَو تشاغل بِشَيْء أعَاد الْإِقَامَة لوُقُوع الْفَصْل نَص عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَة. التَّاسِع فِيهِ الدّفع من عَرَفَة إِلَى مُزْدَلِفَة رَاكِبًا. الْعَاشِر قَالَ الدَّاودِيّ فِيهِ الِاسْتِنْجَاء من الْبَوْل لغير صَلَاة تنظفا وقطعا لمادته قلت كَأَنَّهُ حمل الْوضُوء الأول فِيهِ على الِاسْتِنْجَاء وَقد رددنا عَلَيْهِ ذَلِك. الْحَادِي عشر فِيهِ اشْتِرَاك وَقت الْمغرب وَالْعشَاء فِي الْجمع خَاصَّة وَكَذَا وَقت الظّهْر وَالْعصر فِي عَرَفَة خَاصَّة وَلَيْسَ ذَلِك فِي غَيرهمَا فَإِن قلت مَا السَّبَب فِي جمع التَّأْخِير بِمُزْدَلِفَة قلت السّفر عِنْد الشَّافِعِيَّة وَلِهَذَا لَا يجمع المزدلفي والنسك عِنْد الْحَنَفِيَّة فَلهَذَا يجمع المزدلفي وَالله أعلم. الثَّانِي عشر اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّة على أَن الْفَوَائِت لَا يُؤذن لَهَا لَكِن يُقَام قلت هَذَا الِاسْتِدْلَال غير تَامّ لِأَن تَأْخِير الْمغرب إِلَى الْعشَاء لَيْسَ بِقَضَاء وَإِنَّمَا هُوَ أَدَاء لِأَن وقته قد تحول إِلَى وَقت الْعشَاء لأجل الْعذر المرخص فَكيف يَصح الْقيَاس عَلَيْهِ فِيمَا ذكره وَالله أعلم. الثَّالِث عشر قَالَ ابْن بطال فِيهِ أَن يسير الْعَمَل إِذا تخَلّل بَين الصَّلَاتَيْنِ غير قَاطع نظام الْجمع بَينهمَا لقَوْله ثمَّ أَنَاخَ وَلكنه لَا يتَكَلَّم قلت لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على عدم جَوَاز التَّكَلُّم بَينهمَا وَلَا مَا يدل على عدم قطع الْيَسِير وعَلى قطع الْكثير بل يدل على عدم الْقطع مُطلقًا يَسِيرا أَو كثيرا.

(بَاب غسل الْوَجْه باليدين من غرفَة وَاحِدَة)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان غسل الْوَجْه إِلَى آخِره والغرفة بِالْفَتْح بِمَعْنى الْمصدر وبالضم بِمَعْنى المغروف وَهِي ملْء الْكَفّ وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو (إِلَّا من اغترف غرفَة) بِفَتْحِهَا وَفِي الْعباب غرفت المَاء بيَدي غرفا فالغرفة الْمرة الْوَاحِدَة والغرفة بِالضَّمِّ اسْم للْمَفْعُول مِنْهُ لِأَنَّك مَا لم تغرفه لَا تسميه غرفَة وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو جَعْفَر وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو إِلَّا من اغترف غرفَة بِالْفَتْح وَالْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وَجمع المضمومة غراف كنطفة ونطاف والغرفة بِالضَّمِّ أَيْضا الْعلية وَالْجمع غرفات وغرف والغرفة أَيْضا الْخصْلَة من الشّعْر وَالْحَبل الْمَعْقُود بالشوطة أَيْضا انْتهى ويحكي أَن أَبَا عَمْرو وتطلب شَاهدا على قِرَاءَته من أشعار

ص: 261

الْعَرَب فَلَمَّا طلبه الْحجَّاج هرب مِنْهُ إِلَى الْيمن فَخرج ذَات يَوْم فَإِذا هُوَ بِرَاكِب ينشد قَول أُميَّة بن الصَّلْت

(رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأَمر

لَهُ فُرْجَة كحل العقال)

قَالَ فَقلت لَهُ مَا الْخَبَر قَالَ مَاتَ الْحجَّاج قَالَ أَبُو عَمْرو فَلَا أَدْرِي بِأَيّ الْأَمريْنِ كَانَ فرحي أَكثر بِمَوْت الْحجَّاج أَو بقوله فُرْجَة لِأَنَّهُ شَاهد لقرَاءَته أَي كَمَا أَن مَفْتُوح الفرجة هُنَا بِمَعْنى المنفرج كَذَا مَفْتُوح الغرفة بِمَعْنى المغروف فقراءة الضَّم وَالْفَتْح يتطابقان فَإِن قلت مَا المُرَاد من هَذِه التَّرْجَمَة قلت التَّنْبِيه على عدم اشْتِرَاط الاغتراف باليدين جَمِيعًا فَإِن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما لما تَوَضَّأ كوضوء النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَخذ غرفَة من المَاء بِيَدِهِ الْوَاحِدَة ثمَّ ضم إِلَيْهَا يَده الْأُخْرَى ثمَّ غسل بِتِلْكَ الغرفة وَجهه على مَا يَأْتِي الْآن إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قلت مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ قلت الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ الْمَذْكُورين وَبَين أَكثر أَبْوَاب كتاب الْوضُوء غير ظَاهِرَة وَلذَلِك قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت مَا وَجه التَّرْتِيب لهَذِهِ الْأَبْوَاب وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة هَهُنَا ثمَّ قَالَ فِي بَاب التَّسْمِيَة إِذْ التَّسْمِيَة إِنَّمَا هِيَ قبل غسل الْوَجْه لَا بعده ثمَّ إِن توَسط أَمر الْخَلَاء بَين أَبْوَاب الْوضُوء لَا يُنَاسب مَا عَلَيْهِ الْوُجُوه ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك بقوله قلت البُخَارِيّ لَا يُرَاعِي حسن التَّرْتِيب وَجُمْلَة قَصده إِنَّمَا هُوَ فِي نقل الحَدِيث وَمَا يتَعَلَّق بِتَصْحِيحِهِ لَا غير وَنعم الْمَقْصد انْتهى قلت لَا نسلم أَن جملَة قَصده نقل الحَدِيث وَمَا يتَعَلَّق بِتَصْحِيحِهِ فَقَط بل مُعظم قَصده ذَلِك مَعَ سرده فِي أَبْوَاب مَخْصُوصَة وَلِهَذَا بوب الْأَبْوَاب على تراجم مُعينَة حَتَّى وَقع مِنْهُ تكْرَار كثير لأجل ذَلِك فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يَنْبَغِي أَن تتطلب وُجُوه المناسبات بَين الْأَبْوَاب وَإِن كَانَت غير ظَاهِرَة بِحَسب الظَّاهِر فَنَقُول وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ الْمَذْكُورين من حَيْثُ أَن من جملَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول بعض وصف وضوء النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفِي هَذَا الْبَاب الْمَذْكُور أَيْضا وصف وضوء النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما لما تَوَضَّأ على الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الْبَاب قَالَ هَكَذَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ فَهَذَا الْمِقْدَار من الْوَجْه كَاف على أَن الْمُنَاسبَة الْعَامَّة مَوْجُودَة بَين الْأَبْوَاب كلهَا لكَونهَا من وَاد وَاحِد ثمَّ تَوْجِيه المناسبات الْخَاصَّة إِنَّمَا يكون بِقدر الْإِدْرَاك.

6 -

(حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم قَالَ أخبرنَا أَبُو سَلمَة الْخُزَاعِيّ مَنْصُور بن سَلمَة قَالَ أخبرنَا ابْن بِلَال يَعْنِي سُلَيْمَان عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس أَنه تَوَضَّأ فَغسل وَجهه أَخذ غرفَة من مَاء فَمَضْمض بهَا واستنشق ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَجعل بهَا هَكَذَا أضافها إِلَى يَده الْأُخْرَى فَغسل بهَا وَجهه ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَغسل بهَا يَده الْيُمْنَى ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَغسل بهَا يَده الْيُسْرَى ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فرش على رجله الْيُمْنَى حَتَّى غسلهَا ثمَّ أَخذ غرفَة أُخْرَى فَغسل بهَا رجله يَعْنِي الْيُسْرَى ثمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ) . مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله ثمَّ أَخذ غرفَة فَجعل بهَا هَكَذَا أضافها إِلَى يَده الْأُخْرَى فَغسل بهَا وَجهه. (بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة الأول مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن أبي زُهَيْر أَبُو يحيى الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بصاعقة لقب بذلك لسرعة حفظه وَشدَّة ضَبطه روى عَن يزِيد بن هَارُون وروح وطبقتهما وَعنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وابو حَامِد والمحاملي وَآخَرُونَ وَكَانَ بزازا مَاتَ سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ الثَّانِي أَبُو سَلمَة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة مَنْصُور بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ روى عَن مَالك وَغَيره وَعنهُ الصغاني وَغَيره خرج إِلَى الثغر فَمَاتَ بِالْمصِّيصَةِ سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سِتَّة عشر وَقيل سنة سبع أَو تسع وَمِائَتَيْنِ الثَّالِث سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي وَقد مر فِي بَاب أُمُور الْإِيمَان الرَّابِع زيد بن أسلم وَقد مر الْخَامِس عَطاء بن يسَار وَقد مر السَّادِس عبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنهما. (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة. وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ يزِيد عَن عَطاء وَمِنْهَا أَن رُوَاته مَا بَين بغدادي ومدني. وَمِنْهَا ان فِيهِ تَفْسِير الْبَعْض الروَاة الْمُجْمل وَهُوَ قَوْله يَعْنِي سُلَيْمَان وَهُوَ يحْتَمل أَن

ص: 262

يكون كَلَام البُخَارِيّ وَيحْتَمل أَن يكون كَلَام شَيْخه مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا شَاهده ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهِي مَعْدُودَة قَالَ الدَّاودِيّ الَّذِي صَحَّ مِمَّا سمع من النَّبِي عليه الصلاة والسلام اثْنَا عشر حَدِيثا وَحكى غَيره عَن غنْدر عشرَة أَحَادِيث وَعَن يحيى الْقطَّان وَأبي دَاوُد تِسْعَة وَوَقع فِي الْمُسْتَصْفى للغزالي أَن ابْن عَبَّاس مَعَ كَثْرَة رِوَايَته قيل أَنه لم يسمع من النَّبِي عليه الصلاة والسلام إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث لصِغَر سنه وَصرح بذلك فِي حَدِيث إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة وَقَالَ حَدثنِي بِهِ أُسَامَة بن زيد وَلما روى حَدِيث قطع التَّلْبِيَة حِين رمى جَمْرَة الْعقبَة قَالَ حَدثنِي بِهِ أخي الْفضل. (بَيَان من أخرجه غَيره) أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن بشر عَن هِشَام بن سعد عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار قَالَ قَالَ لنا ابْن عَبَّاس أتحبون أَن أريكم كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ فدعى بِإِنَاء فِيهِ مَاء فاغترف غرفَة وَذكر الحَدِيث نَحوه بِطُولِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْهَيْثَم بن أَيُّوب الطلقاني وقتيبة بن سعيد كِلَاهُمَا عَن عبد الْعَزِيز بن الدَّرَاورْدِي وَعَن مُجَاهِد بن مُوسَى عَن عبد الله بن إِدْرِيس عَن أبي عجلَان كِلَاهُمَا عَن زيد بن أسلم نَحوه وَحَدِيث ابْن عجلَان أتم وَعَن هناد بن السّري عَن ابْن إِدْرِيس بِبَعْضِه فَمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما وَأخرجه ابْن ماجة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن ابْن إِدْرِيس بِمثل حَدِيث هناد وَعَن عبد الله بن الْجراح وَأبي بكر بن خَلاد كِلَاهُمَا عَن الدَّرَاورْدِي بِبَعْضِه مضمض واستنشق من غرفَة وَاحِدَة وَهَذَا الحَدِيث انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ عَن مُسلم وَلم يخرج مُسلم عَن ابْن عَبَّاس فِي صفة الْوضُوء شَيْئا. (بَيَان اللُّغَات) قَوْله فَتَمَضْمَض من الْمَضْمَضَة وَهِي تَحْرِيك المَاء فِي الْفَم وَقَالَ ابْن سَيّده مضمض وتمضمض وكماله أَن يَجْعَل المَاء فِي فِيهِ ثمَّ يديره ويمجه وَأقله أَن يَجْعَل المَاء فِي فِيهِ وَلَا يشْتَرط إدارته على مَشْهُور مَذْهَب الشَّافِعِي وَقَالَ جمَاعَة من أَصْحَابه يشْتَرط وأصل الْمَضْمَضَة التحريك وَمِنْه مضمض النعاس فِي عَيْنَيْهِ إِذا تحرّك وَاسْتعْمل فِي الْمَضْمَضَة لتحريك المَاء فِي الْفَم قَوْله واستنشق من الِاسْتِنْشَاق وَهُوَ إِدْخَال المَاء فِي الْأنف وَقَالَ ابْن طريف نثر المَاء من أَنفه دفْعَة وَقَالَ ابْن سَيّده استنشق المَاء فِي أَنفه صبه فِي أَنفه وَقَالَ فِي الغريين يستنشق أَي يبلغ المَاء خياشيمه وَذكر ابْن الْأَعرَابِي وَابْن قُتَيْبَة الِاسْتِنْشَاق والاستنثار وَاحِد وَقَالَ ابْن سَيّده يُقَال استنثر إِذا استنشق المَاء فِي أَنفه وصبه مِنْهُ وَفِي جَامع الْقَزاز نثرت الشَّيْء أنثره وأنثره نثرا إِذا بددته فَأَنت ناثر وَالشَّيْء منثور والمتوضىء يستنشق إِذا جذب المَاء برِيح أَنفه ثمَّ يستنثره وَفِي الْعباب استنشقت المَاء وَغَيره إِذا أدخلته فِي الْأنف واستنشقت الرّيح إِذا شممتها والتركيب يدل على نشوب شَيْء فِي شَيْء والمنشق الْأنف ونشقت مِنْهُ ريحًا طيبَة بِالْكَسْرِ أَي شممت وَهَذِه ريح مَكْرُوهَة النشق أَي الشم وَقَالَ رؤبة الراجز يصف حمارا وحشيا

(كَأَنَّهُ مستنشق من الشرق

حرا من الْخَرْدَل مَكْرُوه النشق)

(بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله فَغسل وَجهه عطف على قَوْله تَوَضَّأ وَهُوَ من قبيل عطف مفصل على مُجمل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ} وَقَوله {فقد سَأَلُوا مُوسَى أكبر من ذَلِك فَقَالُوا أرنا الله جهرة} وَقد علم أَن الْفَاء العاطفة تفِيد ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا التَّرْتِيب وَهُوَ نَوْعَانِ معنوي كَمَا فِي قَامَ زيد فعمر وذكرى وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل الثَّانِي التعقيب وَهُوَ فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ الثَّالِث السَّبَبِيَّة قَوْله أَخذ غرفَة بِدُونِ حرف الْعَطف وَإِنَّمَا ترك لِأَنَّهُ بَيَان لقَوْله غسل على وَجه الِاسْتِئْنَاف فَإِن قلت كَيفَ يكون بَيَانا والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق ليستا من غسل الْوَجْه قلت أعطي لَهما حكم الْوَجْه قَوْله ثمَّ أَخذ غرفَة إِنَّمَا عطف بثم لوُجُود المهلة بَين الغرفتين وَقد علم أَن ثمَّ حرف عطف يَقْتَضِي ثَلَاثَة أُمُور التَّشْرِيك فِي الحكم وَالتَّرْتِيب والمهلة قَوْله أضافها بِدُونِ حرف الْعَطف لِأَنَّهُ بَيَان لقَوْله جعل بهَا هَكَذَا قَوْله ثمَّ أَخذ غرفَة عطف على ثمَّ أَخذ غرفَة الْمَذْكُور أَولا قَوْله من مَاء كلمة من للْبَيَان مَعَ إِفَادَة التَّبْعِيض قَوْله حَتَّى غسلهَا أَي إِلَى أَن غسلهَا وَكلمَة حَتَّى للغاية قَوْله يتَوَضَّأ جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال. (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله عَن ابْن عَبَّاس أَنه تَوَضَّأ زَاد أَبُو دَاوُد فِي أَوله أتحبون أَن أريكم كَيفَ كَانَ رَسُول الله عَلَيْهِ

ص: 263

الصَّلَاة وَالسَّلَام يتَوَضَّأ فدعى بِإِنَاء فِيهِ مَاء كَمَا قد ذَكرْنَاهُ عَن قريب قَوْله أضافها مَعْنَاهُ جعل المَاء الَّذِي فِي يَده فِي يَدَيْهِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ أمكن فِي الْغسْل قَوْله فَغسل بهَا أَي بالغرفة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة فَغسل بهما أَي باليدين قَوْله ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ قَالَ الْكرْمَانِي وَهَهُنَا تَقْدِير إِذْ لَا يجوز الْمسْح بِمَاء غسل بِهِ يَده وَذَلِكَ نَحْو أَن يقدر ثمَّ بل يَده فَمسح بِرَأْسِهِ قلت فِي رِوَايَة أبي دَاوُد ثمَّ قبض قَبْضَة من المَاء ثمَّ نفض يَده ثمَّ مسح رَأسه وَأُذُنَيْهِ وَلَو وقف الْكرْمَانِي على هَذِه الرِّوَايَة لقَالَ الحَدِيث يُفَسر بعضه بَعْضًا وَالتَّقْدِير هَهُنَا هَكَذَا وَذكر رِوَايَة أبي دَاوُد وَزَاد النَّسَائِيّ من طَرِيق الدَّرَاورْدِي عَن زيد وَأُذُنَيْهِ مرّة وَاحِدَة وَمن طَرِيق ابْن عجلَان باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه وَزَاد ابْن خُزَيْمَة من هَذَا الْوَجْه وَأدْخل أصبعيه فيهمَا قَوْله فرش على رجله الْيُمْنَى أَي صبه قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى صَار غسلا وَقَوله حَتَّى غسلهَا صَرِيح فِي أَنه لم يكتف بالرش وَقَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت الْمَشْهُور أَن الرش وَالْغسْل يتمايزان بسيلان المَاء وَعَدَمه فَكيف قَالَ أَولا رش ثمَّ قَالَ ثَانِيًا حَتَّى غسلهَا وَأَيْضًا لَا يُمكن غسل الرجل بغرفة وَاحِدَة قلت الْفرق مَمْنُوع وَكَذَا عدم إِمْكَان غسلهَا بغرفة وَلَعَلَّ الْغَرَض من ذكره على هَذَا الْوَجْه بَيَان تقليل المَاء فِي الْعُضْو الَّذِي هُوَ مَظَنَّة للإسراف فِيهِ انْتهى قلت قَوْله الْفرق مَمْنُوع مَمْنُوع من حَيْثُ اللُّغَة وَلَكِن الْجَواب هُوَ أَن يُقَال أَن الرش قد يذكر وَيُرَاد بِهِ الْغسْل وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيث أَسمَاء رضي الله عنها فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ حتيه ثمَّ اقرضيه ثمَّ رشيه وَصلي فِيهِ زَاد اغسليه قَالَه الْبَغَوِيّ وَيُؤَيّد مَا قُلْنَاهُ قَوْله حَتَّى غسلهَا فَإِنَّهُ قرينَة على أَن المُرَاد من الرش هُوَ الْغسْل وَفَائِدَته التَّنْبِيه على الِاحْتِرَاز عَن الْإِسْرَاف لِأَن الرجل مَظَنَّة الْإِسْرَاف فِي الْغسْل فَإِن قلت وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالْحَاكِم فرش على رجله الْيُمْنَى وفيهَا النَّعْل ثمَّ مسحها بيدَيْهِ يَد فَوق الْقدَم وَيَد تَحت النَّعْل قلت المُرَاد من الْمسْح هَهُنَا الْغسْل وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي وابو زيد الْأنْصَارِيّ الْمسْح فِي كَلَام الْعَرَب يكون غسلا وَيكون مسحا وَمِنْه يُقَال للرجل إِذا تَوَضَّأ فَغسل أعضاءه قد تمسح وَأما قَوْله تَحت النَّعْل فَمَحْمُول على التَّجَوُّز عَن الْقدَم على أَنا نقُول هَذِه رِوَايَة شَاذَّة رَوَاهَا هِشَام بن سعد وَهُوَ مِمَّن لَا يحْتَج بهم عِنْد الِانْفِرَاد فَكيف إِذا خَالفه غَيره قَوْله فَغسل بهَا رجله يَعْنِي الْيُسْرَى هُوَ بغين مُعْجمَة وسين مُهْملَة من الْغسْل كَذَا وَقع فِي الْأُصُول وَقَالَ ابْن التِّين روينَاهُ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَلَعَلَّه على الرجلَيْن بِمَنْزِلَة الْعُضْو الْوَاحِد فَكَأَنَّهُ كرر غسله لِأَن الْعلَّة هُوَ الشّرْب الثَّانِي ثمَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو الْحسن أرَاهُ فَغسل فَسَقَطت السِّين انْتهى هَذَا كُله غَرِيب وتكلف وَالصَّوَاب مَا وَقع فِي الْأُصُول فَغسل بهَا وَقَوله يَعْنِي رجله الْيُسْرَى قَائِل لَفْظَة يَعْنِي زيد بن أسلم أَو من هُوَ دونه من الروَاة وَقَالَ الْكرْمَانِي وَلَفظ يَعْنِي لَيْسَ من كَلَام عَطاء بل من راو آخر بعده قلت لم لَا يجوز أَن يكون من كَلَام عَطاء وَلم أدر وَجه النَّفْي عَنهُ مَا هُوَ ثمَّ إِن هَذِه اللَّفْظَة قد وَقعت فِي بعض النّسخ بعد لَفْظَة رجله قبل لفظ الْيُسْرَى وَفِي بَعْضهَا قبل رجله. (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول أَن الْوضُوء مرّة مرّة هُوَ مجمع عَلَيْهِ الثَّانِي فِيهِ الْجمع بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بغرفة وَهُوَ حجَّة للشَّافِعِيَّة فِي أحد الْوُجُوه فيهمَا وَقَالُوا فِي كيفيتها خَمْسَة أوجه الأول أَن يجمع بَينهمَا بغرفة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق مِنْهَا ثَلَاثًا. وَالثَّانِي أَن يجمع أَيْضا بغرفة لَكِن يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق ثمَّ يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق ثمَّ يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق وَلَفظ الرَّاوِي هَهُنَا يحْتَمل هذَيْن الْوَجْهَيْنِ. وَالثَّالِث أَنه يتمضمض ويستنشق بِثَلَاث غرفات يتمضمض من كل وَاحِدَة ثمَّ يستنشق مِنْهَا. وَالرَّابِع أَن يفصل بَينهمَا بغرفتين فيتمضمض من إِحْدَاهمَا بِثَلَاث ثمَّ يستنشق من الْأُخْرَى ثَلَاثًا. وَالْخَامِس أَن يفصل بست غرفات يتمضمض بِثَلَاث ثمَّ يستنشق بِثَلَاث. قَالَ الْكرْمَانِي وَالأَصَح أَن الْأَفْضَل هُوَ الرَّابِع وَقَالَ النَّوَوِيّ هُوَ الثَّالِث وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَضْمَضَة على كل قَول مُقَدّمَة على الِاسْتِنْشَاق وَهل هُوَ تَقْدِيم اسْتِحْبَاب أَو اشْتِرَاط فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا اشْتِرَاط لاخْتِلَاف العضوين وَالثَّانِي اسْتِحْبَاب كتقديم الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَفِي الرَّوْضَة فِي كيفيته وَجْهَان أصَحهمَا يتمضمض من غرفَة ثَلَاثًا ويستنشق من أُخْرَى ثَلَاثًا وَالثَّانِي بست غرفات وَفِي الْجَوَاهِر للمالكية حكى ابْن سَابق فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يغْرف غرفَة وَاحِدَة لفيه وَأَنْفه وَالثَّانِي يتمضمض ثَلَاثًا فِي غرفَة ويستنشق ثَلَاثًا فِي غرفَة فَقَالَ وَهَذَا اخْتِيَار مَالك وَالْأول اخْتِيَار الشَّافِعِي وَفِي الْمُغنِي للحنابلة وَهُوَ مُخَيّر بَين أَن يتمضمض

ص: 264

ويستنشق ثَلَاثًا من غرفَة أَو بِثَلَاث غرفات فَإِن عبد الله بن زيد روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق ثَلَاثًا ثَلَاثًا من غرفَة وَاحِدَة وروى الْأَثْرَم وَابْن ماجة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ فَمَضْمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا من كف وَاحِد وَإِن أفرد لكل عُضْو ثَلَاث غرفات جَازَ لِأَن الْكَيْفِيَّة فِي الْغسْل غير وَاجِبَة وَفِي التَّلْوِيح شرح البُخَارِيّ وَالْأَفْضَل أَن يتمضمض ويستنشق بِثَلَاث غرفات كَمَا فِي الصِّحَاح وَغَيرهَا وَوجه ثَان يجمع بَينهمَا بغرفة وَاحِدَة يتمضمض مِنْهَا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق مِنْهَا ثَلَاثًا رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم عِنْد ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَرَوَاهُ أَيْضا وَائِل بن حجر بِسَنَد ضَعِيف عِنْد الْبَزَّار وثالث يجمع بَينهمَا بغرفة وَهُوَ أَن يتمضمض مِنْهَا ثمَّ يستنشق ثمَّ الثَّانِيَة كَذَلِك ثمَّ الثَّالِثَة رَوَاهُ عبد الله بن زيد عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم عِنْد التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن غَرِيب ورابع يفصل بَينهمَا بغرفتين يتمضمض من إِحْدَاهمَا ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق من الْأُخْرَى ثَلَاثًا وخامس يفصل بست غرفات يتمضمض بِثَلَاث ويستنشق بِثَلَاث انْتهى قلت احْتج أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ حَدثنَا هناد وقتيبة قَالَا حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي حَيَّة قَالَ رَأَيْت عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تَوَضَّأ فَغسل كفيه حَتَّى أنقاهما ثمَّ تمضمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا وَغسل وَجهه ثَلَاثًا وذراعيه ثَلَاثًا وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة ثمَّ غسل قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثمَّ قَامَ فَأخذ فضل طهوره فشربه وَهُوَ قَائِم ثمَّ قَالَ أَحْبَبْت أَن أريكم كَيفَ كَانَ طهُور رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح فَإِن قلت لم يحك فِيهِ أَن كل وَاحِدَة من المضامض والاستنشاقات بِمَاء وَاحِد بل حُكيَ أَنه تمضمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا قلت مَدْلُوله ظَاهرا مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ أَن يتمضمض ثَلَاثًا يَأْخُذ لكل مرّة مَاء جَدِيدا ثمَّ يستنشق كَذَلِك وَهُوَ رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي فَإِنَّهُ روى عَنهُ أَن يَأْخُذ ثَلَاث غرفات للمضمضة وَثَلَاث غرفات للاستنشاق وَفِي رِوَايَة غَيره عَنهُ فِي الْأُم يغْرف غرفَة يتمضمض بهَا ويستنشق ثمَّ يغْرف غرفَة يتمضمض بهَا ويستنشق ثمَّ يغْرف ثَالِثَة يتمضمض بهَا ويستنشق فَيجمع فِي كل غرفَة بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَاخْتلف نَصه فِي الكيفيتين فنص فِي الْأُم وَهُوَ نَص مُخْتَصر الْمُزنِيّ أَن الْجمع أفضل وَنَصّ الْبُوَيْطِيّ أَن الْفَصْل أفضل وَنَقله التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ صَاحب الْمُهَذّب القَوْل بِالْجمعِ أَكثر فِي كَلَام الشَّافِعِي وَهُوَ أَيْضا أَكثر فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَالْجَوَاب عَن كل مَا روى من ذَلِك أَنه مَحْمُول على الْجَوَاز وَقَالَ المرغيناني لَو أَخذ المَاء بكفه وتمضمض بِبَعْضِه واستنشق بِالْبَاقِي جَازَ وعَلى عَكسه لَا يجوز لصيرورة المَاء مُسْتَعْملا وَالْجَوَاب عَمَّا ورد فِي الحَدِيث فَتَمَضْمَض واستنشق من كف وَاحِد أَنه مُحْتَمل لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه تمضمض واستنشق بكف وَاحِد بِمَاء وَاحِد وَيحْتَمل أَنه فعل ذَلِك بكف وَاحِد بمياه لَا يقوم بِهِ حجَّة أَو يرد هَذَا الْمُحْتَمل إِلَى الْمُحكم الَّذِي ذَكرْنَاهُ تَوْفِيقًا بَين الدَّلِيلَيْنِ وَقد يُقَال أَن المُرَاد اسْتِعْمَال الْكَفّ الْوَاحِد بِدُونِ الِاسْتِعَانَة بالكفين كَمَا فِي الْوَجْه وَقد يُقَال أَنه فعلهمَا بِالْيَدِ الْيُمْنَى ردا على قَول من يَقُول يسْتَعْمل فِي الِاسْتِنْشَاق الْيَد الْيُسْرَى لِأَن الْأنف مَوضِع الْأَذَى كموضع الِاسْتِنْجَاء كَذَا فِي الْمَبْسُوط وَفِيه نظر لَا يخفى. وَأما وَجه الْفَصْل بَينهمَا كَمَا هُوَ مَذْهَبنَا فَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن طَلْحَة بن مصرف عَن أَبِيه عَن جده كَعْب بن عَمْرو اليمامي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ فَمَضْمض ثَلَاثًا واستنشق ثَلَاثًا فَأخذ لكل وَاحِدَة مَاء جَدِيدا وَكَذَا روى عَنهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَسكت عَنهُ وَهُوَ دَلِيل رِضَاهُ بِالصِّحَّةِ. ثمَّ اعْلَم أَن السّنة أَن تكون الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق باليمنى وَقَالَ بَعضهم الْمَضْمَضَة بِالْيَمِينِ وَالِاسْتِنْشَاق باليسار لِأَن الْفَم مطهرة وَالْأنف مقذرة واليمنى للاطهار واليسار للاقذار وَلنَا مَا روى عَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه استنثر بِيَمِينِهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة جهلت السّنة فَقَالَ كَيفَ أَجْهَل السّنة وَالسّنة من بُيُوتنَا خرجت أما علمت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْيَمين للْوَجْه واليسار للمقعد كَذَا ذكره صَاحب الْبَدَائِع وَالتَّرْتِيب بَينهمَا سنة ذكره فِي الْخُلَاصَة لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام فِي صفة وضوئِهِ إِلَّا هَكَذَا. الحكم الثَّالِث قَالَ ابْن بطال فِيهِ أَن المَاء الْمُسْتَعْمل طَاهِر مطهر وَهُوَ قَول مَالك وَالْحجّة لَهُ أَن الْأَعْضَاء كلهَا إِذا غسلت مرّة فَإِن المَاء إِذا لَاقَى أول جُزْء من أَجزَاء الْعُضْو فقد صَار مُسْتَعْملا مَعَ أَنه يُجزئهُ فِي سَائِر أَجزَاء ذَلِك الْعُضْو فَلَو كَانَ الْوضُوء بِالْمُسْتَعْملِ لَا يجوز لم يجز الْوضُوء مرّة مرّة وَلما أَجمعُوا أَنه جَازَ اسْتِعْمَاله فِي الْعُضْو الْوَاحِد كَانَ فِي سَائِر الْأَعْضَاء كَذَلِك قلت هَذَا الِاسْتِدْلَال غير صَحِيح لِأَن المَاء مَا دَامَ بالعضو فَهُوَ فِي

ص: 265