الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضَّم لأجل ضمه مَا قبلهَا وَالْفَتْح لِأَنَّهُ أخف الحركات وَفك الْإِدْغَام كَمَا علم فِي مَوْضِعه فَافْهَم (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله إِذا أَتَى أَهله أَي جَامعهَا وَهُوَ كِنَايَة عَن الْجِمَاع قَوْله اللَّهُمَّ مَعْنَاهُ يَا الله وَقد مر فِيمَا مضى تَحْقِيقه قَوْله فَقضى بَينهمَا أَي بَين الْأَحَد والأهل هَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي فَقضى بَينهم وَوَجهه بِالنّظرِ إِلَى معنى الْجمع فِي الْأَهْل وَالْولد يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى قَوْله لم يضرّهُ أَي لم يضر الشَّيْطَان الْوَلَد يَعْنِي لَا يكون لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَان ببركة اسْمه عز وجل بل يكون من جملَة الْعباد المحفوظين الْمَذْكُورين فِي قَوْله تَعَالَى {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان} وَيُقَال يحْتَمل أَن يُؤْخَذ قَوْله لم يضرّهُ عَاما فَيدْخل تَحْتَهُ الضَّرَر الديني وَيحْتَمل أَن يُؤْخَذ خَاصّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الضَّرَر البدني بِمَعْنى أَن الشَّيْطَان لَا يتخبطه وَلَا يداخله بِمَا يضر عقله وبدنه وَهُوَ الْأَقْرَب وَإِن كَانَ التَّخْصِيص خلاف الأَصْل لأَنا إِذا حملناه على الْعُمُوم اقْتضى أَن يكون الْوَلَد مَعْصُوما عَن الْمعاصِي وَقد لَا يتَّفق ذَلِك وَلَا بُد من وُقُوع مَا أخبر بِهِ عليه الصلاة والسلام أما إِذا حملناه على الضَّرَر فِي الْعقل وَالْبدن فَلَا يمْتَنع وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: قيل المُرَاد أَنه لَا يصرعه الشَّيْطَان وَقيل لَا يطعن فِيهِ عِنْد وِلَادَته بِخِلَاف غَيره قَالَ وَلم نحمله على الْعُمُوم فِي جَمِيع الضَّرَر لوُجُود الوسوسة والإغراء يَعْنِي الْحمل على فعل الْمعاصِي وَقَالَ الدَّاودِيّ لم يضرّهُ بِأَن يفتنه بالْكفْر (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ اسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة وَالدُّعَاء الْمَذْكُور فِي ابْتِدَاء الوقاع وَاسْتحبَّ الْغَزالِيّ فِي الْأَحْيَاء أَن يقْرَأ بعد بِسم الله قل هُوَ الله أحد وَيكبر ويهلل وَيَقُول بِسم الله الْعلي الْعَظِيم اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا ذُرِّيَّة طيبَة إِن كنت قدرت ولدا يخرج من صلبي قَالَ وَإِذا قربت الأنزال فَقل فِي نَفسك وَلَا تحرّك بِهِ شفتيك {الْحَمد لله الَّذِي خلق من المَاء بشرا} الْآيَة الثَّانِي فِيهِ الِاعْتِصَام بِذكر الله تَعَالَى ودعائه من الشَّيْطَان والتبرك باسمه والاستشعار بِأَن الله تَعَالَى هُوَ الميسر لذَلِك الْعَمَل والمعين عَلَيْهِ الثَّالِث فِيهِ الْحَث على الْمُحَافظَة على تَسْمِيَته ودعائه فِي كل حَال لم ينْه الشَّرْع عَنهُ حَتَّى فِي حَال ملاذ الْإِنْسَان وَقَالَ ابْن بطال فِيهِ الْحَث على ذكر الله فِي كل وَقت على طَهَارَة وَغَيرهَا ورد قَول من قَالَ لَا يذكر الله تَعَالَى إِلَّا وَهُوَ طَاهِر وَمن كره ذكر الله تَعَالَى على حالتين على الْخَلَاء وعَلى الوقاع قلت روى عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه كَانَ لَا يذكر الله إِلَّا وَهُوَ طَاهِر وروى مثله عَن أبي الْعَالِيَة وَالْحسن وروى عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه كره أَن يذكر الله تَعَالَى على حَالين على الْخَلَاء وَالرجل يواقع أَهله وَهُوَ قَول عَطاء وَمُجاهد وَقَالَ مُجَاهِد رحمه الله يجْتَنب الْملك الْإِنْسَان عِنْد جمَاعه وَعند غائطه وَقَالَ ابْن بطال وَهَذَا الحَدِيث خلاف قَوْلهم قلت لَيْسَ كَذَلِك فَإِن المُرَاد بإتيانه أَهله إِرَادَة ذَلِك وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ خلاف قَوْلهم وَكَرَاهَة الذّكر على غير طهر لأجل تَعْظِيمه الرَّابِع قَالَ ابْن بطال لما كَانَ فِي هَذَا الْحَث على التَّسْمِيَة فِي كل حَال اسْتحبَّ مَالك التَّسْمِيَة عِنْد الْوضُوء قلت فِيهِ مَذَاهِب أَحدهَا أَنه سنة وَلَيْسَت بواجبة فَلَو تَركهَا عمدا صَحَّ وضوؤه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعلمَاء وَهُوَ أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَعبارَة ابْن بطال أَن مَالِكًا استحبها وَكَذَا عَامَّة أهل الْفَتْوَى. الثَّانِي أَنَّهَا وَاجِبَة وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد وَقَول أهل الظَّاهِر. الثَّالِث أَنَّهَا وَاجِبَة إِن تَركهَا عمدا بطلت طَهَارَته وَإِن تَركهَا سَهوا أَو مُعْتَقدًا أَنَّهَا غير وَاجِبَة لم تبطل طَهَارَته وَهُوَ قَول إِسْحَق بن رَاهَوَيْه كَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنهُ الرَّابِع أَنَّهَا لَيست بمستحبة وَهِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَعَن مَالك رِوَايَة أَنَّهَا بِدعَة وَقَالَ مَا سَمِعت بِهَذَا يُرِيد أَن يذبح وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا مُبَاحَة لَا فضل فِي فعلهَا وَلَا فِي تَركهَا الْخَامِس فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى مُلَازمَة الشَّيْطَان لِابْنِ آدم من حِين خُرُوجه من ظهر أَبِيه إِلَى رحم أمه إِلَى حِين مَوته أعاذنا الله مِنْهُ فَهُوَ يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم وعَلى خيشومه إِذا نَام وعَلى قلبه إِذا اسْتَيْقَظَ فَإِذا غفل وسوس وَإِذا ذكر الله خنس وَيضْرب على قافية رَأسه إِذا نَام ثَلَاث عقد عَلَيْك ليل طَوِيل وتنحل بِالذكر وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة
(بَاب مَا يَقُول عِنْد الْخَلَاء)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الشَّخْص عِنْد إِرَادَة دُخُول الْخَلَاء وَهُوَ بِفَتْح الْخَاء وبالمد مَوضِع قَضَاء الْحَاجة سمي بذلك لخلائه فِي غير أَوْقَات قَضَاء الْحَاجة وَهُوَ الكنيف والحش والمرفق والمرحاض أَيْضا وَأَصله الْمَكَان الْخَالِي ثمَّ كثر
اسْتِعْمَاله حَتَّى تجوز بِهِ عَن ذَلِك وَأما الخلا بِالْقصرِ فَهُوَ الْحَشِيش الرطب والكلأ الخشن أَيْضا وَقد يكون خلا مُسْتَعْملا فِي بَاب الِاسْتِنْجَاء فَإِن كسرت الْخَاء مَعَ الْمَدّ فَهُوَ عيب فِي الْإِبِل كالحران فِي الْخَيل وَقَالَ الْجَوْهَرِي الْخَلَاء مَمْدُود المتوضىء والخلاء أَيْضا الْمَكَان الَّذِي لَا شَيْء بِهِ قلت كل مِنْهُمَا يَصح أَن يكون مرَادا هَهُنَا. وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهر لِأَن فِي كل مِنْهُمَا بَيَان ذكر اسْم الله تَعَالَى
8 -
(حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب قَالَ سَمِعت أنسا يَقُول كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا دخل الْخَلَاء قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي اعوذ بك من الْخبث والخبائث) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (بَيَان رِجَاله) وهم أَرْبَعَة تقدم ذكرهم وآدَم ابْن أبي إِيَاس وصهيب بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة. (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع وَمِنْهَا أَنه من رباعيات البُخَارِيّ وَمِنْهَا أَن رُوَاته مَا بَين بغدادي وواسطي وبصري. (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن مُحَمَّد بن عُرْوَة عَن شُعْبَة وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب كِلَاهُمَا عَن إِسْمَعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الْعَزِيز بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن الْحسن بن عَمْرو عَن وَكِيع عَن شُعْبَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ أَيْضا عَن قُتَيْبَة وهناد كِلَاهُمَا عَن وَكِيع بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة وَفِي الْبعُوث عَن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم عَن إِسْمَعِيل بن إِبْرَاهِيم عَنهُ بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن عَمْرو بن رَافع عَن إِسْمَعِيل عَنهُ بِهِ (بَيَان اللُّغَات) قَوْله أعوذ بك أَي ألوذ وألتجىء من العوذ وَهُوَ عود إِلَيْهِ يلجأ الْحَشِيش فِي مهب الرّيح وَقَالَ ابْن الْأَثِير يُقَال عذت بِهِ عوذا وعياذا وَمعَاذًا أَي لجأت إِلَيْهِ والمعاذ الْمصدر وَالْمَكَان وَالزَّمَان أَي لقد لجأت إِلَى ملْجأ ولذت بملاذ قَوْله من الْخبث قَالَ الْخطابِيّ بِضَم الْخَاء وَالْبَاء جمَاعَة الْخَبيث والخبائث جمع الخبيثة يُرِيد ذكران الشَّيَاطِين وإناثهم. وَعَامة أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ الْخبث مسكنة الْبَاء وَهُوَ غلط وَالصَّوَاب مَضْمُومَة الْبَاء قَالَ وَقَالَ ذَلِك لِأَن الشَّيَاطِين يحْضرُون الأخلية وَهِي مَوَاضِع يهجر فِيهَا ذكر الله تَعَالَى فَقدم لَهَا الِاسْتِعَاذَة احْتِرَازًا مِنْهُم انْتهى وَفِيه نظر لِأَن أَبَا عبيد الْقَاسِم بن سَلام حكى تسكين الْبَاء وَكَذَا الفارابي فِي ديوَان الْأَدَب والفارسي فِي مجمع الغرائب وَلِأَن فعلا بِضَمَّتَيْنِ قد يسكن عينه قِيَاسا ككتب وَكتب فَلَعَلَّ من سكنها سلك هَذَا المسلك وَقَالَ التوربشتي هَذَا مستفيض لَا يسع أحدا مُخَالفَته إِلَّا أَن يزْعم إِن ترك التَّخْفِيف فِيهِ أولى لِئَلَّا يشْتَبه بالخبث الَّذِي هُوَ الْمصدر. وَفِي شرح السّنة الْخبث بِضَم الْبَاء وَبَعْضهمْ يروي بِالسُّكُونِ وَقَالَ الْخبث الْكفْر والخبائث الشَّيَاطِين وَقَالَ ابْن بطال الْخبث بِالضَّمِّ يعم الشَّرّ والخبائث الشَّيَاطِين وبالسكون مصدر خبث الشَّيْء يخْبث خبثا وَقد يَجْعَل اسْما وَزعم ابْن الْأَعرَابِي أَن أصل الْخبث فِي كَلَام الْعَرَب الْمَكْرُوه فَإِن كَانَ من الْكَلَام فَهُوَ الشتم وَإِن كَانَ من الْملَل فَهُوَ الْكفْر وَإِن كَانَ من الطَّعَام فَهُوَ الْحَرَام وَإِن كَانَ من الشَّرَاب فَهُوَ الضار وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي وَصَاحب الْمُنْتَهى الْخبث الْكفْر وَيُقَال الشَّيْطَان والخبائث الْمعاصِي جمع خبيثة وَيُقَال الْخبث خلاف طيب الْفِعْل من فجور وَغَيره والخبائث الْأَفْعَال المذمومة والخصال الرَّديئَة (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله يَقُول جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال قَوْله كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول جملَة وَقعت مقول القَوْل وَقَوله يَقُول جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر كَانَ وَكلمَة إِذا ظرف بِمَعْنى حِين والخلاء مَنْصُوب بِتَقْدِير فِي لِأَن تَقْدِيره إِذا دخل فِي الْخَلَاء وَهَذَا من قبيل قَوْلهم دخلت الدَّار وَكَانَ حَقه أَن يُقَال دخلت فِي الدَّار إِلَّا أَنهم حذفوا حرف الْجَرّ اتساعا وأوصلوا الْفِعْل إِلَيْهِ ونصبوه نصب الْمَفْعُول بِهِ فَمن هَذَا قَول بعض الشَّارِحين وانتصب الْخَلَاء على أَنه مفعول بِهِ لَا على الظَّرْفِيَّة غير صَحِيح اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يذهب إِلَى مَا قَالَه الْجرْمِي من أَنه فعل مُتَعَدٍّ نصب الدَّار نَحْو بنيت الدَّار وَلَكِن يَدْفَعهُ قَوْله بِأَن مصدره يَجِيء على فعول وَهُوَ من مصَادر الْأَفْعَال اللَّازِمَة نَحْو قعد قعُودا وَجلسَ جُلُوسًا وَلِأَن مُقَابِله لَازم نَحْو خرج قلت التَّعْلِيل الثَّانِي غير مطرد لِأَن ذهب لَازم وَمَا يُقَابله جَاءَ وَهُوَ مُتَعَدٍّ كَقَوْلِه تَعَالَى {أَو جاؤكم حصرت صُدُورهمْ} قَوْله اللَّهُمَّ أَصله يَا الله وَقد ذَكرْنَاهُ قَوْله أعوذ بك جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر أَن وَقَوله من الْخبث يتَعَلَّق بأعوذ
(بَيَان الْمعَانِي) قَوْله كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول ذكر لفظ كَانَ لدلالته على الثُّبُوت والدوام وَذكر لفظ يَقُول بِلَفْظ الْمُضَارع استحضار الصُّورَة القَوْل قَوْله إِذا دخل الْخَلَاء أَي إِذا أَرَادَ دُخُول الْخَلَاء لِأَن اسْم الله تَعَالَى مُسْتَحبّ التّرْك بعد الدُّخُول وَهَذَا التَّقْدِير مُصَرح بِهِ فِي رِوَايَة سعيد بن زيد على مَا يَأْتِي عَن قريب وَهَذَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه} وَالتَّقْدِير إِذا أردْت قِرَاءَة الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا يذكر فِي الْخَلَاء بِالْقَلْبِ لَا بِاللِّسَانِ وَقَالَ الْقشيرِي المُرَاد بِهِ ابْتِدَاء الدُّخُول قلت لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّأْوِيل فَإِن الْمَكَان الَّذِي تقضى فِيهِ الْحَاجة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون معدا لذَلِك كالكنيف أَو لَا يكون معدا كالصحراء فَإِن لم يكن معدا فَإِنَّهُ يجوز ذكر الله تَعَالَى فِي ذَلِك الْمَكَان وَإِن كَانَ معدا فَفِيهِ خلاف للمالكية فَمن كرهه أول الدُّخُول بِمَعْنى الْإِرَادَة لِأَن لَفْظَة دخل أقوى فِي الدّلَالَة على الكنف المبنية مِنْهَا على الْمَكَان البراح أَو لِأَنَّهُ بَين فِي حَدِيث آخر كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفِي قَوْله عليه الصلاة والسلام أَيْضا إِن هَذِه الحشوش محتضرة أَي للجان وَالشَّيَاطِين فَإِذا أَرَادَ أحدكُم الْخَلَاء فَلْيقل أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث وَمن أجَازه اسْتغنى عَن هَذَا التَّأْوِيل وَيحمل دخل على حَقِيقَتهَا وَهَذَا الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد عَن عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن زيد بن أَرقم عَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام وَلَفظه فَإِذا أَتَى أحدكُم الْخَلَاء وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن ماجة أَيْضا وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث زيد بن أَرقم فِي إِسْنَاده اضْطِرَاب وَأَشَارَ إِلَى اخْتِلَاف الرِّوَايَة فِيهِ وَسَأَلَ التِّرْمِذِيّ البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ لَعَلَّ قَتَادَة سَمعه من الْقَاسِم بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ وَالنضْر بن أنس عَن أنس وَلم يقْض فِيهِ بِشَيْء وَلِهَذَا أخرجه ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَقَالَ الْبَزَّار اخْتلفُوا فِي إِسْنَاده وَقَالَ الْحَاكِم مُخْتَلف فِيهِ على قَتَادَة وَقد احْتج مُسلم بِحَدِيث لِقَتَادَة عَن النَّضر عَن زيد وَرَوَاهُ سعيد عَن الْقَاسِم وكلا الإسنادين على شَرط الصَّحِيح وَقَالَ مُحَمَّد الإشبيلي اخْتلف فِي إِسْنَاده وَالَّذِي أسْندهُ ثِقَة قلت هَذَا الْكَلَام غير جيد لِأَنَّهُ لم يرم بِالْإِرْسَال حَتَّى يكون الحكم لمن أسْندهُ وَإِنَّمَا رمى بِالِاضْطِرَابِ عَن قَتَادَة كَمَا مر. (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ الِاسْتِعَاذَة بِاللَّه عِنْد إِرَادَة الدُّخُول فِي الْخَلَاء وَقد أجمع على استحبابها وَسَوَاء فِيهَا الْبُنيان والصحراء لِأَنَّهُ يصير مأوى لَهُم بِخُرُوج الْخَارِج فَلَو نسى التَّعَوُّذ فَدخل فَذهب ابْن عَبَّاس وَغَيره إِلَى كَرَاهَة التَّعَوُّذ وَأَجَازَهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. الثَّانِي قَالَ ابْن بطال فِيهِ جَوَاز ذكر الله تَعَالَى على الْخَلَاء وَهَذَا مِمَّا اخْتلفت فِيهِ الْآثَار فروى عَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام أَنه أقبل من نَحْو بِئْر جمل فَلَقِيَهُ رجل فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد عليه السلام حَتَّى تيَمّم بالجدار وَاخْتلف فِي ذَلِك أَيْضا الْعلمَاء فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كره أَن يذكر الله تَعَالَى عِنْد الْخَلَاء وَهُوَ قَول عَطاء وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وَقَالَ عِكْرِمَة لَا يذكر الله فِيهِ بِلِسَانِهِ بل بِقَلْبِه وَأَجَازَ ذَلِك جمَاعَة من الْعلمَاء وروى ابْن وهب أَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ كَانَ يذكر الله تَعَالَى فِي المرحاض وَقَالَ الْعَرْزَمِي قلت لِلشَّعْبِيِّ أعطس وَأَنا فِي الْخَلَاء أَحْمد الله قَالَ لَا حَتَّى تخرج فَأتيت النَّخعِيّ فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ لي احْمَد الله فَأَخْبَرته بقول الشّعبِيّ فَقَالَ النَّخعِيّ الْحَمد يصعد وَلَا يهْبط وَهُوَ قَول ابْن سِيرِين وَمَالك. وَقَالَ ابْن بطال وَهَذَا الحَدِيث حجَّة لمن أجَاز ذَلِك قلت فِيهِ نظر لَا يخفى وَذكر البُخَارِيّ فِي كتاب خلق الله تَعَالَى أَفعَال الْعباد عَن عَطاء رحمه الله الْخَاتم فِيهِ ذكر الله لَا بَأْس أَن يدْخل بِهِ الْإِنْسَان الكنيف أَو يلم بأَهْله وَهُوَ فِي يَده لَا بَأْس بِهِ وَهُوَ قَول الْحسن وَذكر وَكِيع عَن سعيد بن الْمسيب مثله قَالَ البُخَارِيّ وَقَالَ طَاوس فِي المنطقة يكون على الرجل فِيهَا الدَّرَاهِم يقْضِي حَاجته لَا بَأْس بذلك وَقَالَ إِبْرَاهِيم لَا بُد للنَّاس من نفقاتهم وَأحب بعض النَّاس أَن لَا يدْخل الْخَلَاء بالخاتم فِيهِ ذكر الله تَعَالَى قَالَ البُخَارِيّ وَهَذَا من غير تَحْرِيم يَصح. وَأما حَدِيث بِئْر جمل فَهُوَ على الِاخْتِيَار وَالْأَخْذ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْفضل لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَرط رد السَّلَام أَن يكون على وضوء قَالَه الطَّحَاوِيّ وَقَالَ الطَّبَرِيّ أَن ذَلِك مِنْهُ كَانَ على وَجه التَّأْدِيب للْمُسلمِ عَلَيْهِ أَن لَا يسلم بَعضهم على بعض على الْحَدث وَذَلِكَ نَظِير نَهْيه وهم كَذَلِك أَن يحدث بَعضهم بَعْضًا بقوله لَا يتحدث المتغوطان على طوفهما يَعْنِي حاجتهما فَإِن الله يمقت على ذَلِك وروى أَبُو عُبَيْدَة الْبَاجِيّ عَن الْحسن عَن الْبَراء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه سلم على النَّبِي عليه الصلاة والسلام وَهُوَ يتَوَضَّأ فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا حَتَّى فرغ. الثَّالِث فِيهِ أَن لفظ الِاسْتِعَاذَة أَن يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك وَقد اخْتلف فِيهِ أَلْفَاظ الروَاة
فَفِي رِوَايَة عَن شُعْبَة أعوذ بِاللَّه وَفِي رِوَايَة وهب فليتعوذ بِاللَّه وَهُوَ يَشْمَل كل مَا يَأْتِي بِهِ من أَنْوَاع الِاسْتِعَاذَة من قَوْله أعوذ بك أستعيذ بك أعوذ بِاللَّه أستعيذ بِاللَّه اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك وَنَحْو ذَلِك من أشباه ذَلِك. الرَّابِع فِيهِ أَن الِاسْتِعَاذَة من النَّبِي عليه الصلاة والسلام إِظْهَار للعبودية وَتَعْلِيم للْأمة وَإِلَّا فَهُوَ عليه الصلاة والسلام مَحْفُوظ من الْجِنّ وَالْإِنْس وَقد ربط عفريتا على سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد. قَالُوا وَيسْتَحب أَن يَقُول بِسم الله مَعَ التَّعَوُّذ وَقد روى المعمري الحَدِيث الْمَذْكُور من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب إِذا دَخَلْتُم الْخَلَاء فَقولُوا بِسم الله أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث وَإِسْنَاده على شَرط مُسلم وَعَن ابْن عرْعرة عَن شُعْبَة وَقَالَ غنْدر عَن شُعْبَة إِذا أَتَى الْخَلَاء وَقَالَ مُوسَى عَن حَمَّاد إِذا دخل وَقَالَ سعيد بن زيد فِي كتاب ابْن عدي كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا دخل الكنيف قَالَ بِسم الله ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك قَالَ رَوَاهُ أَبُو معشر وَهُوَ ضَعِيف عَن اسحق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس وَفِي أَفْرَاد الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ عدي بن أبي عمَارَة عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ وَهُوَ غَرِيب من حَدِيث قَتَادَة تفرد بِهِ عدي عَنهُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث صَالح بن أبي الْأَخْضَر عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ قَالَ لم يروه عَن الزُّهْرِيّ إِلَّا صَالح تفرد بِهِ إِبْرَاهِيم بن حميد الطَّوِيل
(تَابعه ابْن عرْعرة عَن شُعْبَة قَالَ غنْدر عَن شُعْبَة إِذا أَتَى الْخَلَاء وَقَالَ مُوسَى عَن حَمَّاد إِذا دخل وَقَالَ سعيد بن زيد حَدثنَا عبد الْعَزِيز إِذا أَرَادَ أَن يدْخل) أَي تَابع آدم بن أبي إِيَاس مُحَمَّد بن عرْعرة فِي رِوَايَته هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة كَمَا رَوَاهُ آدم وَالْحَاصِل أَن مُحَمَّد بن عرْعرة روى هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة كَمَا رَوَاهُ آدم عَن شُعْبَة وَهَذِه هِيَ الْمُتَابَعَة التَّامَّة وفائدتها التقوية وَحَدِيث مُحَمَّد بن عرْعرة عَن شُعْبَة أخرجه البُخَارِيّ فِي الدَّعْوَات وَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عرْعرة حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا دخل الْخَلَاء قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث قَوْله وَقَالَ غنْدر عَن شُعْبَة هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن مُحَمَّد بن بشار بنْدَار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَنهُ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ أَحْمد عَن غنْدر بِلَفْظ إِذا دخل وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة على الْمَشْهُور وبالراء وَمَعْنَاهُ المشغب وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ ربيب شُعْبَة وَقد مر فِي بَاب ظلم دون ظلم قَوْله وَقَالَ مُوسَى عَن حَمَّاد إِذا دخل هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي وَقد مر غير مرّة وَحَمَّاد هُوَ ابْن سَلمَة بن دِينَار أَبُو سَلمَة الربعِي وَكَانَ يعد من الابدال وعلامة الابدال أَن لَا يُولد لَهُم تزوج سبعين امْرَأَة فَلم يُولد لَهُ وَقيل فضل حَمَّاد بن سَلمَة بن دِينَار على حَمَّاد بن زيد بن دِرْهَم كفضل الدِّينَار على الدِّرْهَم مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة روى لَهُ الْجَمَاعَة وَالْبُخَارِيّ مُتَابعَة وَهَذِه الْمُتَابَعَة نَاقِصَة لَا تَامَّة قَوْله وَقَالَ سعيد بن زيد إِلَى آخِره هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد قَالَ حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا سعيد بن زيد قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب قَالَ حَدثنِي أنس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا أَرَادَ أَن يدْخل الْخَلَاء قَالَ فَذكر مثل حَدِيث الْبَاب وَسَعِيد بن زيد بن دِرْهَم أَبُو الْحسن الْجَهْضَمِي الْبَصْرِيّ أَخُو حَمَّاد بن زيد بن دِرْهَم وَبَعْضهمْ يُضعفهُ روى لَهُ البُخَارِيّ اسْتِشْهَادًا مَاتَ سنة وَفَاة ابْن سَلمَة وَهَذَا كَمَا ترى اخْتلفت فِيهِ أَلْفَاظ الروَاة وَالْمعْنَى فِيهَا مُتَقَارب يرجع إِلَى معنى وَاحِد وَهُوَ أَن التَّقْدِير كَانَ يَقُول هَذَا الذّكر عِنْد إِرَادَة الدُّخُول فِي الْخَلَاء لَا بعده وَجَاء لفظ الْغَائِط مَعَ مَوضِع الْخَلَاء على مَا روى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه بِسَنَد جيد عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا دخل الْغَائِط قَالَ أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث وَكَذَا جَاءَ لفظ الكنيف وَلَفظ الْمرْفق فالاول فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِسَنَد صَحِيح وَإِن كَانَ أَبُو عِيسَى قَالَ إِسْنَاده لَيْسَ بالقوى مَرْفُوعا ستر مَا بَين الْجِنّ وعورات بني آدم إِذا دخل الكنيف أَن يَقُول بِسم الله وَالثَّانِي فِي حَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد ابْن ماجة مَرْفُوعا لَا يعجز أحدكُم إِذا دخل مرفقه أَن يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الرجس النَّجس الْخَبيث المخبث الشَّيْطَان الرَّجِيم وَسَنَده ضَعِيف فَإِن قلت هَل جَاءَ شَيْء فِيمَا يَقُول إِذا خرج من الْخَلَاء قلت لَيْسَ فِيهِ شَيْء على شَرط البُخَارِيّ وروى عَن عَائِشَة رضي الله عنها كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا خرج من الْغَائِط قَالَ غفرانك أخرجه ابْن حبَان وَابْن خُزَيْمَة وَابْن الْجَارُود وَالْحَاكِم فِي صحيحهم وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ هُوَ أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب فَإِن قلت لما أخرجه التِّرْمِذِيّ وَأَبُو عَليّ