المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما ذكر في ذهاب موسى صلى الله عليه في البحر إلى الخضر) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب الْعلم)

- ‌(بابُ فَضْلِ العِلْمِ)

- ‌(بَاب مَنْ سُئِلَ عِلْماً وَهوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأتَمَّ الحَدِيثَ ثُمَّ أجابَ السَّائِلَ

- ‌(بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعلْمِ)

- ‌(بَاب قَوْلِ المُحَدِّثِ: حدّثنا أوْ أخْبَرَنَا وأنْبأَنَا)

- ‌(بَاب طرْحِ الإِمَامِ المَسْألَةَ عَلى أصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ)

- ‌(بابٌ القِرَاءَةُ والعَرْضُ عَلَى المُحَدِّثِ)

- ‌(بَاب مَا يُذْكَرُ فِي المُناوَلَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ قعَدَ حَيْث يَنْتَهِي بِه المَجْلِسُ ومَنْ رَأى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيها)

- ‌(بَاب قَولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سامِعٍ)

- ‌(بابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ والعَمَلِ لِقولِهِ تَعَالَى {فاعلَمْ أنَّهُ لَا إلَهَ إلَاّ الله} (مُحَمَّد: 19) فبَدَأ بالعلْمِ)

- ‌(بَاب مَا كانَ النبيُّ يَتَخَوَّلُهُمْ بالموْعِظَةِ والعِلْمِ كَي لَا يَنْفِرُوا)

- ‌(بَاب مَنْ جَعَلَ لأهْلِ العِلْمِ أيَّاماً مَعلُومَةً)

- ‌(بَاب مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقِّههُ فِي الدِّينِ)

- ‌(بَاب الفَهمِ فِي العِلْمِ)

- ‌(بَاب الاغْتِباطِ فِي العِلْمِ والحِكْمَةِ)

- ‌(بَاب مَا ذُكِرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلَّى الله عَلَيْهِ فِي البَحْرِ إِلى الخضِرِ)

- ‌(بَاب قوْل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ)

- ‌(بَاب متَى يَصِحُّ سَماعُ الصَّغِيرِ)

- ‌(بابُ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ)

- ‌(بَاب فَضْل مَنْ عَلِمَ وعلَّمَ)

- ‌(بَاب رفْعِ العِلْمِ وظُهُورِ الجَهْلِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ العلْمِ)

- ‌(بَاب الفُتْيا وهْوَ واقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وغَيْرها)

- ‌(بَاب مَنْ أجَاب الفُتْيا باشارَةِ اليَدِ والرَّأسِ)

- ‌(بَاب تحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى أنْ يَحْفَظُوا الإِيمانَ والعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ)

- ‌(بَاب الرِّحْلةِ فِي المَسْألَةِ النَّازِلِةِ وتَعْلِيمِ أهْلِهِ)

- ‌(بَاب التَّناوُبِ فِي العِلْمِ)

- ‌(بَاب الغَضَبِ فِي المَوْعِظَةِ والتَّعْلِيمِ إِذَا رَأى مَا يَكْرَهُ)

- ‌(بابُ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبتَيْهِ عِنْدَ الإِمامِ أَو المُحِدِّثِ)

- ‌(بَاب مَنْ أعادَ الحَدِيثَ ثَلاثاً لِيُفْهَمَ عَنْهُ)

- ‌(بَاب تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أمَتَهُ وأهْلَهُ)

- ‌(بَاب عِظَةِ الإِمامِ النِّساءَ وتَعْلِيمهنَّ)

- ‌(بابُ الحِرْصِ علَى الحدِيثِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ العِلْمُ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّساءِ يَوْمٌ علَى حِدَةٍ فِي العِلْم)

- ‌(بابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئاً فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ)

- ‌(بابٌ لِيُبَلّغِ العِلْمَ الشَّاهِدُ الغائبَ)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ كَذَبَ علَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بابُ كِتَابَةِ العلْمِ)

- ‌(تَابعه معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة)

- ‌(بابُ العِلْمِ والعِظَةِ باللَّيْلِ)

- ‌(بابُ السَّمَر فِي العِلْمِ)

- ‌(بابُ حِفْظِ العِلْمِ)

- ‌(بابُ الإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ للْعَالِمِ إذَا سُئِلَ: أيُّ النَّاسِ أعْلَمُ؟ فَيَكِلُ العِلْمَ إلَى اللَّهِ)

- ‌(بابُ مَنْ سَأَلَ وَهُوَ قائِمٌ عالِما جالِسا)

- ‌(بابٌ السُّؤَال والفُتْيا عِنْدَ رَمْيِ الجِمارِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلَاّ قَلِيلاً} )

- ‌(بَاب من خص بِالْعلمِ قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفهموا)

- ‌(بَاب الْحيَاء فِي الْعلم)

- ‌(بَاب من استحيا فَأمر غَيره بالسؤال)

- ‌(بَاب ذكر الْعلم والفتيا فِي الْمَسْجِد)

- ‌(بَاب من أجَاب السَّائِل بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ)

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌(كتاب الْوضُوء)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَقَول الله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} )

- ‌(بَاب لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور)

- ‌(بَاب فضل الْوضُوء والغر المحجلون من آثَار الْوضُوء)

- ‌(بَاب لَا يتَوَضَّأ من الشَّك حَتَّى يستيقن)

- ‌(بَاب التَّخْفِيف فِي الْوضُوء)

- ‌(بَاب إسباغ الْوضُوء)

- ‌(بَاب غسل الْوَجْه باليدين من غرفَة وَاحِدَة)

- ‌(بَاب التَّسْمِيَة على كل حَال وَعند الوقاع)

- ‌(بَاب مَا يَقُول عِنْد الْخَلَاء)

- ‌(بَاب وضع المَاء عِنْد الْخَلَاء)

- ‌(بَاب لَا تسْتَقْبل الْقبْلَة بغائط أَو بَوْل إِلَّا عِنْد الْبناء جِدَار أَو نَحوه)

- ‌(بَاب من تبرز على لبنتين)

- ‌(بَاب خُرُوج النِّسَاء إِلَى البرَاز)

- ‌(بَاب التبرز فِي الْبيُوت)

- ‌(بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ)

- ‌(بَاب من حمل مَعَه المَاء لطهوره)

- ‌(بَاب حمل العنزة مَعَ المَاء فِي الِاسْتِنْجَاء)

- ‌(بَاب النَّهْي عَن الِاسْتِنْجَاء بِالْيَمِينِ)

- ‌(بَاب لَا يمسك ذكره بِيَمِينِهِ إِذا بَال)

- ‌(بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْحِجَارَةِ)

- ‌(بَاب لَا يستنجى بروث)

الفصل: ‌(باب ما ذكر في ذهاب موسى صلى الله عليه في البحر إلى الخضر)

يَتَأَتَّى هَذَا الْمَعْنى فِي قَوْله: (لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ) ، فَكيف يكون من قبيل الْآيَة الْمَذْكُورَة، وَفِي الْآيَة جَمِيع الْمَوْت منفي. بِخِلَاف الْحَسَد، فَإِن جَمِيعه لَيْسَ بمنفي، فَإِن الْحَسَد فِي الْخيرَات ممدوح، وَلِهَذَا نكر الْحَاسِد فِي قَوْله تَعَالَى:{وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد} (الفلق: 5) لِأَن كل حَاسِد لَا يضر. قَالَ أَبُو تَمام:

(وَمَا حَاسِد فِي المكرمات بحاسد)

وَكَذَلِكَ نكر الْغَاسِق، لِأَن كل غَاسِق لَا يكون فِيهِ الشَّرّ، وَإِنَّمَا يكون فِي بعض دون بعض، بِخِلَاف النفاثات، فَإِنَّهُ عرف، لِأَن كل نفاثة شريرة. قَوْله:(مَالا) ، إِنَّمَا نكره وَعرف الْحِكْمَة، لِأَن المُرَاد من الْحِكْمَة معرفَة الْأَشْيَاء الَّتِي جَاءَ الشَّرْع بهَا، يَعْنِي الشَّرِيعَة، فَأَرَادَ التَّعْرِيف بلام الْعَهْد، أَو المُرَاد مِنْهُ الْقُرْآن كَمَا ذكرنَا، فَاللَّام للْعهد أَيْضا بِخِلَاف المَال، فَلهَذَا دخل صَاحبه بِأَيّ قدر من المَال أهلكه فِي الْحق تَحت هَذَا الحكم. قَوْله:(فَسلط على هَلَكته)، فِي هَذِه الْعبارَة مبالغتان: احداهما: التسليط فَإِنَّهُ يدل على الْغَلَبَة وقهر النَّفس المجبولة على الشُّح الْبَالِغ، وَالْأُخْرَى: لفظ: على هَلَكته، فَإِنَّهُ يدل على أَنه لَا يبقي من المَال شَيْئا، وَلما أوهم اللفظان التبذير، وَهُوَ صرف المَال فِيمَا لَا يَنْبَغِي، ذكر قَوْله:(فِي الْحق)، دفعا لذَلِك الْوَهم. وَكَذَا الْقَرِينَة الْأُخْرَى اشْتَمَلت على مبالغتين إِحْدَاهمَا: الْحِكْمَة، فَإِنَّهَا تدل على علم دَقِيق مُحكم. وَالْأُخْرَى: الْقَضَاء بَين النَّاس وتعليمهم، فَإِنَّهَا من خلَافَة النُّبُوَّة، ثمَّ إِن لفظ الْحِكْمَة إِشَارَة إِلَى الْكَمَال العلمي ويفضي إِلَى الْكَمَال العملي، وبكليهما إِلَى التَّكْمِيل. والفضيلة إِمَّا داخلية، وَإِمَّا خارجية. وأصل الْفَضَائِل الداخلية الْعلم، وأصل الْفَضَائِل الخارجية المَال. ثمَّ الْفَضَائِل، إمَّا تَامَّة، وإمَّا فَوق التَّامَّة، وَالْأُخْرَى أفضل من الأولى لِأَنَّهَا كَامِلَة متعدية، وَهَذِه قَاصِرَة غير متعدية. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَمعنى الحَدِيث التَّرْغِيب فِي طلب الْعلم وتعلمه وَالتَّصَدُّق بِالْمَالِ، وَقيل: إِنَّه تَخْصِيص لإباحة نوع من الْحَسَد، كَمَا رخص فِي نوع من الْكَذِب. قَالَ صلى الله عليه وسلم:(إِن الْكَذِب لَا يحل إلَاّ فِي ثَلَاث)

الحَدِيث. والحسد على ثَلَاثَة أضْرب: محرم ومباح ومحمود، فالمحرم: تمني زَوَال النِّعْمَة الْمَحْسُود عَلَيْهَا عَن صَاحبهَا وانتقالها إِلَى الْحَاسِد. وَأما القسمان الْآخرَانِ فغبطة، وَهُوَ أَن يتَمَنَّى مَا يرَاهُ من خير بأحدٍ أَن يكون لَهُ مثله، فَإِن كَانَت فِي أُمُور الدُّنْيَا فمباح، وَإِن كَانَت من الطَّاعَات فمحمود. قَالَ النَّوَوِيّ: الأول حرَام بِالْإِجْمَاع. وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء: إِذا أنعم الله تَعَالَى على أَخِيك نعْمَة، فكرهتها واحببت زَوَالهَا، فَهُوَ حرَام بِكُل حَال، إلاّ نعْمَة أَصَابَهَا كَافِر أَو فَاجر، أَو من يَسْتَعِين بهَا على فتْنَة أَو فَسَاد.

وَقَالَ ابْن بطال: وَفِيه من الْفِقْه أَن الْغَنِيّ إِذا قَامَ بِشُرُوط المَال، وَفعل مَا يُرْضِي ربه تبارك وتعالى فَهُوَ أفضل من الْفَقِير الَّذِي لَا يقدر على مثل هَذَا، وَالله أعلم.

16 -

(بَاب مَا ذُكِرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلَّى الله عَلَيْهِ فِي البَحْرِ إِلى الخضِرِ)

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.

الأول: أَن التَّقْدِير: هَذَا بَاب فِي مَا ذكر

إِلَى آخِره، وارتفاع: بَاب، على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا بعده: والذهاب، الْفَتْح مصدر ذهب. قَالَ الصغاني: وَذهب مر ذَاهِبًا ومذهباً وذهوباً. وَذهب مذهبا حسنا.

الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ أَن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ الِاغْتِبَاط فِي الْعلم، وَهَذَا الْبَاب فِي التَّرْغِيب فِي احْتِمَال الْمَشَقَّة فِي طلب الْعلم، وَمَا يغتبط فِيهِ يتَحَمَّل فِيهِ الْمَشَقَّة، وَوجه آخر وَهُوَ: أَن المغتبط شَأْنه الِاغْتِبَاط، وَإِن بلغ الْمحل الْأَعْلَى من كل الْفَضَائِل. وَهَذَا الْبَاب فِيهِ أَن مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، لم يمنعهُ بُلُوغه من السِّيَادَة الْمحل الْأَعْلَى من طلب الْفَضِيلَة والكمال حَتَّى قاسى تَعب الْبر وركوب الْبَحْر.

الثَّالِث: أَن هَذَا التَّرْكِيب يُفِيد أَن مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، ركب الْبَحْر لما توجه فِي طلب الْخضر، مَعَ أَن الَّذِي ثَبت عِنْد البُخَارِيّ وَغَيره أَنه خرج إِلَى الْبر، وَإِنَّمَا ركب الْبَحْر فِي السَّفِينَة هُوَ وَالْخضر بعد أَن التقيا، وَيُمكن أَن يُوَجه هَذَا بتوجيهين: أَحدهمَا: أَن الْمَقْصُود من الذّهاب إِنَّمَا حصل بِتمَام الْقِصَّة، وَمن تَمامهَا أَنه ركب مَعَ الْخضر الْبَحْر. فَأطلق على جَمِيعهَا ذَهَابًا مجَازًا من قبيل إِطْلَاق أسم الْكل على الْبَعْض، أَو من قبيل تَسْمِيَة السَّبَب باسم مَا تسبب عَنهُ. الآخر: أَن الظّرْف، وَهُوَ قَوْله: فِي الْبَحْر، فِي قَوْله:(وَكَانَ يتبع أثر الْحُوت فِي الْبَحْر) ، يحْتَمل أَن يكون لمُوسَى، وَيحْتَمل أَن يكون للحوت، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَعَلَّهُ قوى عِنْده أحد الِاحْتِمَالَيْنِ بِمَا روى عبد بن حميد عَن أبي الغالية: أَن مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، التقى بالخضر فِي جَزِيرَة من جزائر الْبَحْر. انْتهى. والتوصل إِلَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر لَا يَقع إلَاّ بسلوك الْبَحْر، وَبِمَا رَوَاهُ أَيْضا من طَرِيق الرّبيع بن أنس قَالَ: انجاب المَاء عَن مَسْلَك الْحُوت، فَصَارَ طَاقَة مَفْتُوحَة، فَدَخلَهَا مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، على أثر الْحُوت حَتَّى انْتهى إِلَى الْخضر، فهذان

ص: 58

الأثران الموقوفان بِرِجَال ثِقَات يوضحان أَنه ركب الْبَحْر إِلَيْهِ. وَعَن هَذَا قَالَ ابْن رشيد: يحْتَمل أَن يكون ثَبت عِنْد البُخَارِيّ أَن مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، توجه فِي الْبَحْر لما طلب الْخضر، وَحمل ابْن الْمُنِير كلمة: إِلَى، بِمَعْنى: مَعَ، يَعْنِي: مَعَ الْخضر، وَقَالَ بَعضهم: يحمل قَوْله: إِلَى الْخضر، على أَن فِيهِ حذفا، أَي: إِلَى قصد الْخضر، لِأَن مُوسَى، عليه الصلاة والسلام، لم يركب الْبَحْر لحَاجَة نَفسه، وَإِنَّمَا رَكبه تبعا للخضر. قلت: هَذَا لَا يَقع جَوَابا عَن الْإِشْكَال الْمَذْكُور، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام طائح، وَلَا يخفى ذَلِك.

الرَّابِع: أَن مُوسَى عليه السلام هُوَ ابْن عمرَان بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يَعْقُوب ابْن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عليه السلام، ولد وعُمِّر عمرَان سَبْعُونَ سنة، وعْمرِّ عمرَان مائَة وَسبعا وَثَلَاثِينَ سنة، وعُمِّر مُوسَى، عليه السلام، مائَة وَعشْرين سنة. وَقَالَ الْفربرِي: مَاتَ مُوسَى وعمره مائَة وَسِتُّونَ سنة، وَكَانَت وَفَاته فِي التيه فِي سَابِع آذار لمضي ألف سنة وسِتمِائَة وَعشْرين سنة من الطوفان فِي أَيَّام منوجهر الْملك، وَكَانَ عمره لما خرج ببني إِسْرَائِيل من مصر ثَمَانِينَ سنة، وَأقَام بالتيه أَرْبَعِينَ سنة. وَلما مَاتَ الريان بن الْوَلِيد الَّذِي ولَّى يُوسُف على خَزَائِن مصر، وَأسلم على يَدَيْهِ ملك بعده قَابُوس بن مُصعب، فَدَعَاهُ يُوسُف إِلَى الْإِسْلَام فَأبى، وَكَانَ جباراً، وَقبض الله يُوسُف، عليه السلام، وَطَالَ ملكه. ثمَّ هلك وَملك بعده أَخُوهُ الْوَلِيد بن مُصعب بن رَيَّان بن أراشة بن شرْوَان بن عَمْرو بن فاران بن عملاق بن لاوذ بن سَام بن نوح، عليه السلام، وَكَانَ أَعْتَى من قَابُوس، وامتدت أَيَّام ملكه حَتَّى كَانَ فِرْعَوْن مُوسَى عليه السلام الَّذِي بَعثه الله إِلَيْهِ، وَلم يكن فِي الفراعنة أَعْتَى مِنْهُ وَلَا أطول عمرا فِي الْملك مِنْهُ، عَاشَ أَربع مائَة سنة. ومُوسَى مُعرب: موشى، بالشين الْمُعْجَمَة، سمته بِهِ آسِيَة بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن لما وجدوه فِي التابوت، وَهُوَ اسْم اقْتَضَاهُ حَاله، لِأَنَّهُ وجد بَين المَاء وَالشَّجر. فمو، بلغَة القبط المَاء، و: شى، الشّجر فعرب فَقيل: مُوسَى، وَقَالَ الصغاني: هُوَ عبراني عرب، وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: مُوسَى اسْم رجل، وَزنه مفعل، فعلى هَذَا يكون مصروفاً فِي النكرَة. وَقَالَ الْكسَائي: وَزنه: فعلى، وَهُوَ لَا ينْصَرف بِحَال. قلت: إِن كَانَ عَرَبيا يكون اشتقاقه من الموس، وَهُوَ حلق الشّعْر، فالميم أَصْلِيَّة. وَيُقَال من: أوسيت رَأسه، إِذا حلقته بِالْمُوسَى، فعلى هَذَا: الْمِيم، زَائِدَة. وَقَالَ ابْن فَارس: النِّسْبَة إِلَيْهِ موسي، وَذَلِكَ لِأَن الْيَاء فِيهِ زَائِدَة، كَذَا قَالَ الْكسَائي، وَقَالَ ابْن السّكيت فِي كتاب (التصغير) : تَصْغِير اسْم رجل مويسي، كَأَن مُوسَى فعلى. وَإِن شِئْت قلت: مويسى، بِكَسْر السِّين، وَإِسْكَان الْيَاء غير منونة. وَيُقَال فِي النكرَة: هَذَا مويسى ومويس آخر، فَلم تصرف الأول لِأَنَّهُ أعجمي معرفَة، وصرفت الثَّانِي لِأَنَّهُ نكرَة. ومُوسَى فِي هَذَا التصغير مفعل. قَالَ: فَأَما مُوسَى الحديدة فتصغيرها: مويسية، فَمن قَالَ: هَذِه مُوسَى ومويس، قَالَ: وَهِي تذكر وتؤنث، وَهِي من الْفِعْل: مفعل، وَالْيَاء أَصْلِيَّة.

الْخَامِس: الْبَحْر خلاف الْبر، قيل: سمي بذلك لعمقه واتساعه، وَالْجمع أبحر وبحار وبحور. وَقَالَ ابْن السّكيت: تَصْغِير بحور وبحار أبيحر. وَلَا يجوز أَن تصغر بحار على لَفظهَا، فَتَقول: بحير لَان ذَلِك مضارع الْوَاحِد فَلَا يكون بَين تَصْغِير الْوَاحِد وتصغير الْجمع إلَاّ التَّشْدِيد، وَالْعرب تنزل المشدد منزلَة المخفف، والتركيب يدل على الْبسط والتوسع. وَاخْتلفُوا فِي الْبَحْرين فِي قَوْله تَعَالَى:{لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين} (الْكَهْف: 60) فَقيل: هُوَ ملتقي بحري فَارس وَالروم. مِمَّا يَلِي الْمشرق. وَقيل: طنجة. وَقيل: أفريقية. وَذكر السُّهيْلي: أَنَّهَا بَحر الْأُرْدُن وبحر القلزم. وَقيل: بَحر الْمغرب وبحر الزقاق. قلت: بَحر فَارس ينبعث من بَحر الْهِنْد شمالاً بَين مكران، وَهِي على فَم بَحر فَارس من شرقيه، وَبَين عمان وَهِي على فَم بَحر فَارس من غربيه، وبحر الرّوم هُوَ بَحر أفريقية وَالشَّام، يَمْتَد من عِنْد الْبَحْر الْأَخْضَر إِلَى الْمشرق، ويتصل بطرسوس، وبحر طنجة بَينهَا وَبَين سبتة وَغَيرهمَا من بر العدوة من الأندلس. وبحر أفريقية هُوَ بَحر طرابلس الغرب يَمْتَد مِنْهَا شرقاً حَتَّى يتَجَاوَز حُدُود أفريقية، وَهُوَ الَّذِي يتَّصل بإسكندرية، وَالْكل يُسمى بَحر الرّوم. وَإِنَّمَا يُضَاف إِلَى الْبِلَاد عِنْد الِاتِّصَال إِلَيْهَا، وبحر القلزم يَأْخُذ من القلزم، وَهِي بَلْدَة للسودان على طرفه الشمَال جنوباً بميله إِلَى الْمشرق، حَتَّى يصير عِنْد الْقصير، وَهِي فرْصَة قوص، والأردن: بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَضم الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَتَشْديد النُّون فِي آخرهَا، بَلْدَة من بِلَاد الْغَوْر من الشَّام، وَلَا أعرف بحراً ينْسب إِلَيْهَا وَإِنَّمَا نسب إِلَيْهَا نهر كَبِير يُسمى نهر الْأُرْدُن، وَهُوَ نهر الْغَوْر، وَيُسمى الشَّرِيعَة أَيْضا، وَآخره يَنْتَهِي إِلَى الْبحيرَة المنتنة، وَهِي بحيرة زغر. وبحر الزقاق بَين طنجة وبر الأندلس، هُنَاكَ يُسمى بَحر الزقاق، وَهُوَ يضيق هُنَاكَ و: وبحر الغرب: وَهُوَ الْبَحْر الْأَخْضَر، الَّذِي لَا يعرف إلَاّ مَا يَلِي الغرب من أقاصي الْحَبَشَة إِلَى خلف بِلَاد الرومية، وَهِي بِحَيْثُ لَا يدْرك آخرهَا، لِأَن المراكب لَا تجْرِي فِيهَا، وَله خليج إِلَى الأندلس وطنجة.

السَّادِس: الْخضر، وَالْكَلَام فِيهِ على

ص: 59

أَنْوَاع. الأول: فِي اسْمه: فَذكر ابْن قُتَيْبَة فِي (المعارف) : عَن وهب بن مُنَبّه أَنه: بليا، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وبالياء آخر الْحُرُوف. وَيُقَال: إبليا، بِزِيَادَة الْهمزَة فِي أَوله، وَقيل اسْمه: خضرون، ذكره أَبُو حَاتِم السجسْتانِي. وَقيل: ارميا، وَقيل: اسْمه: اليسع قَالَه مقَاتل، وَيُسمى بذلك لِأَن علمه وسع سِتّ سموات وست أَرضين، ووهاه ابْن الْجَوْزِيّ، وَالْيَسع اسْم أعجمي لَيْسَ بمشتق. وَقيل اسْمه: أَحْمد، حَكَاهُ الْقشيرِي، ووهاه ابْن دحْيَة، فَإِنَّهُ لم يسم أحد قبل نَبينَا، عليه السلام، بذلك. وَقيل: عَامر، حَكَاهُ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه (مرج الْبَحْرين) ، وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور، وَالْخضر، بِفَتْح الْخَاء وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، لقبه. وَيجوز إسكان الضَّاد مَعَ كسر الْخَاء وَفتحهَا كَمَا فِي نَظَائِره. الثَّانِي: فِي سَبَب تلقيبه بذلك: وَهُوَ مَا جَاءَ فِي الصَّحِيح فِي كتاب الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ: إِنَّمَا سمي الْخضر لِأَنَّهُ جلس على فَرْوَة بَيْضَاء فَإِذا هِيَ تهتز من خَلفه خضراء، والفروة وَجه الأَرْض. وَقيل: النَّبَات الْمُجْتَمع الْيَابِس، وَقيل: سمي بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ إِذا صلى اخضر مَا حوله، قَالَه مُجَاهِد. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا سمي بِهِ لحسنه وإشراق وَجهه، وكنيته أَبُو الْعَبَّاس. الثَّالِث فِي نسبه: فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ بليا بن ملكان، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون اللَّام، ابْن فالغ بن عَابِر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح، عليه الصلاة والسلام. وَقيل: خضرون بن عماييل بن الفتر بن الْعيص بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام. وَقيل: هُوَ ابْن حلقيا، وَقيل: ابْن قابيل بن آدم، وَذكره أَبُو حَاتِم السجسْتانِي. وَقيل: إِنَّه كَانَ ابْن فِرْعَوْن صَاحب مُوسَى ملك مصر. وَهَذَا غَرِيب جدا. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: رَوَاهُ مُحَمَّد بن أَيُّوب عَن أبي لَهِيعَة وهما ضعيفان. وَقيل: إِنَّه ابْن ملك، وَهُوَ أَخُو الياس، قَالَه السّديّ. وَقيل: ابْن بعض من آمن بإبراهيم الْخَلِيل وَهَاجَر مَعَه، وروى الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ: الْخضر أمه رُومِية، وَأَبوهُ فَارسي. وروى أَيْضا بِإِسْنَادِهِ إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْفَتْح القلانسي، حَدثنَا الْعَبَّاس بن عبد اللَّه، حَدثنَا دَاوُد بن الْجراح، حَدثنَا مقَاتل بن سُلَيْمَان عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْخضر ابْن آدم لصلبه، ونسىء لَهُ فِي أَجله حَتَّى يكذّب الدَّجَّال، وَهَذَا مُنْقَطع غَرِيب. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: قيل: إِنَّه الرَّابِع من أَوْلَاده، وَقيل: إِنَّه من ولد عيصوا، حَكَاهُ ابْن دحْيَة. وروى الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَنه من سبط هَارُون، وَكَذَا قَالَ ابْن إِسْحَاق. وَقَالَ عبد اللَّه بن مؤدب: إِنَّه من ولد فَارس. وَقَالَ بعض أهل الْكتاب: إِنَّه ابْن خَالَة ذِي القرنين. الرَّابِع. فِي أَي وَقت كَانَ: قَالَ الطَّبَرِيّ: كَانَ فِي أَيَّام أفريدون، قَالَ: وَقيل: كَانَ مُقَدّمَة ذِي القرنين الْأَكْبَر الَّذِي كَانَ أَيَّام إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عليه الصلاة والسلام، وَذُو القرنين عِنْد قوم هُوَ أفريدون. وَيُقَال: إِنَّه كَانَ وَزِير ذِي القرنين، وَإنَّهُ شرب من مَاء الْحَيَاة. وَذكر الثَّعْلَبِيّ اخْتِلَافا أَيْضا: هَل كَانَ فِي زمن إِبْرَاهِيم، عليه السلام، أم بعده بِقَلِيل أم بِكَثِير، وَذكر بَعضهم أَنه كَانَ فِي زمن سُلَيْمَان. عليه السلام. وَأَنه المُرَاد بقوله:{قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} (النَّمْل: 40) حَكَاهُ الدَّاودِيّ: وَيُقَال: كَانَ فِي زمن كستاسب بن لهراسب. قَالَ ابْن جرير: وَالصَّحِيح أَنه كَانَ مقدما على زمن أفريدون حَتَّى أدْركهُ مُوسَى، عليه السلام. الْخَامِس: هَل كَانَ وليا أَو نَبيا؟ وبالأول جزم الْقشيرِي، وَاخْتلف أَيْضا هَل كَانَ نَبيا مُرْسلا أم لَا؟ على قَوْلَيْنِ. وَأغْرب مَا قيل: إِنَّه من الْمَلَائِكَة. وَالصَّحِيح أَنه نَبِي، وَجزم بِهِ جمَاعَة. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: هُوَ نَبِي على جَمِيع الْأَقْوَال معمر مَحْجُوب عَن الْأَبْصَار، وَصَححهُ ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا فِي كِتَابه، لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَنهُ:{وَمَا فعلته عَن امري} (الْكَهْف: 82) فَدلَّ على أَنه نَبِي أُوحِي إِلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ أعلم من مُوسَى فِي علم مَخْصُوص، وَيبعد أَن يكون ولي أعلم من نَبِي وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون أُوحِي إِلَى نَبِي فِي ذَلِك الْعَصْر يَأْمر الْخضر بذلك، وَلِأَنَّهُ أقدم على قتل ذَلِك الْغُلَام، وَمَا ذَلِك إلَاّ للوحي إِلَيْهِ فِي ذَلِك. لِأَن الْوَلِيّ لَا يجوز لَهُ الْإِقْدَام على قتل النَّفس بِمُجَرَّد مَا يلقى فِي خلده، لِأَن خاطره لَيْسَ بِوَاجِب الْعِصْمَة. السَّادِس: فِي حَيَاته: فالجمهور على أَنه بَاقٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قيل: لِأَنَّهُ دفن آدم بعد خُرُوجهمْ من الطوفان فنالته دَعْوَة أَبِيه آدم بطول الْحَيَاة. وَقيل: لِأَنَّهُ شرب من عين الْحَيَاة. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هُوَ حَيّ عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ والعامة مَعَهم فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا شَذَّ بإنكاره بعض الْمُحدثين، وَنَقله النَّوَوِيّ عَن الْأَكْثَرين. وَقيل: إِنَّه لَا يَمُوت إلَاّ فِي آخر الزَّمَان حَتَّى يرْتَفع الْقُرْآن. وَفِي (صَحِيح مُسلم)، فِي حَدِيث الدَّجَّال: أَنه يقتل رجلا ثمَّ يحييه. قَالَ إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان، رَاوِي كتاب مُسلم: يُقَال لَهُ: إِنَّه الْخضر، وَكَذَلِكَ قَالَ معمر فِي مُسْنده، وَأنكر حَيَاته جمَاعَة مِنْهُم البُخَارِيّ وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَابْن الْمَنَاوِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ. فَإِن قيل: خضر علم، فَكيف دخل عَلَيْهِ آلَة التَّعْرِيف؟ قيل لَهُ: قد يتَأَوَّل الْعلم بِوَاحِد من الْأمة المساوية، فَيجْرِي مجْرى رجل وَفرس، فَيجْرِي على إِضَافَته وعَلى إِدْخَال اللَّام

ص: 60

عَلَيْهِ، ثمَّ بعض الْأَعْلَام دُخُول لَام التَّعْرِيف عَلَيْهِ لَازم نَحْو: النَّجْم والثريا، وَبَعضهَا غير لَازم نَحْو: الْحَارِث وَالْخضر من هَذَا الْقسم. قلت: الْعلم إِذا لوحظ فِيهِ معنى الْوَصْف يجوز إِدْخَال اللَّام عَلَيْهِ، كالعباس وَالْحسن، وَغَيرهمَا.

وقوْلِهِ تعالَى {هَلْ أَتَّبِعُكَ علَى أنْ تُعَلِّمَنِي مِمّا عُلِّمْتَ رُشدْاً} (الْكَهْف: 66)

وَقَوله، مجرور عطفا على الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي قَوْله: بَاب مَا ذكر

الخ وَهَذَا أَيْضا من التَّرْجَمَة. وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى شرف الْعلم حَتَّى جَازَت المخاطرة فِي طلبه بركوب الْبَحْر، وَركبهُ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي طلبه بِخِلَاف ركُوب الْبَحْر فِي طلب الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ يكره عِنْد جمَاعَة، وَإِلَى اتِّبَاع الْعلمَاء لأجل تَحْصِيل الْعُلُوم الَّتِي لَا تُوجد إلَاّ عِنْدهم. قَوْله:(هَل اتبعك) حِكَايَة عَن خطاب مُوسَى الْخضر، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، سَأَلَهُ أَن يُعلمهُ من الْعلم الَّذِي عِنْده، مِمَّا لم يقف عَلَيْهِ مُوسَى، وَكَانَ لَهُ ذَلِك ابتلاء حَيْثُ لم يكل الْعلم إِلَى الله تَعَالَى. قَوْله:(الْآيَة) بِالنّصب على تَقْدِير: تذكر الْآيَة، وَيجوز الرّفْع على أَن يكون مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر، أَي: الْآيَة بِتَمَامِهَا. وَذكر الْأصيلِيّ فِي رِوَايَته بَاقِي الْآيَة، وَهُوَ قَوْله:{مِمَّا علمت رشدا} (الْكَهْف: 66) .

16 -

(حَدثنِي مُحَمَّد بن غرير الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنِي أبي عَن صَالح عَن ابْن شهَاب حدث أَن عبيد الله بن عبد الله أخبرهُ عَن ابْن عَبَّاس أَنه تمارى هُوَ وَالْحر بن قيس بن حصن الْفَزارِيّ فِي صَاحب مُوسَى قَالَ ابْن عَبَّاس هُوَ خضر فَمر بهما أَبى بن كَعْب فَدَعَاهُ ابْن عَبَّاس فَقَالَ إِنِّي تماريت أَنا وصاحبي هَذَا فِي صَاحب مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَى لقبه هَل سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يذكر شانه قَالَ نعم سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلأ من بني إِسْرَائِيل جَاءَهُ رجال فَقَالَ هَل تعلم أحدا أعلم مِنْك قَالَ مُوسَى لَا فَأوحى الله إِلَى مُوسَى بلَى عَبدنَا خضر فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَيْهِ فَجعل الله لَهُ الْحُوت آيَة وَقيل لَهُ إِذا فقدت الْحُوت فَارْجِع فَإنَّك ستلقاه وَكَانَ يتبع أثر الْحُوت وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ قَالَ ذَلِك مَا كُنَّا نبغي فارتدا على آثارهما قصصاً فوجدا خضرًا فَكَانَ من شَأْنهمَا الَّذِي قصّ الله عز وجل فِي كِتَابه) . مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا فِي ذهَاب مُوسَى عليه السلام إِلَى الْخضر وركوبه الْبَحْر وسؤاله مِنْهُ الِاتِّبَاع لأجل التَّعَلُّم والْحَدِيث بَين ذَلِك كُله (بَيَان رِجَاله) وهم تِسْعَة. الأول مُحَمَّد بن غرير بغين مُعْجمَة مَضْمُومَة وَرَاء مكررة بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ابْن الْوَلِيد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو عبد الله الْقرشِي الزهدي الْمدنِي نزيل سَمَرْقَنْد يعرف بالفربري روى عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم ومطرف بن عبد الله النَّيْسَابُورِي روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر التِّرْمِذِيّ وَعبد الله بن شبيب الْمَكِّيّ قَالَ الكلاباذي أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي الْكتاب فِي عَلامَة مَوَاضِع هُنَا وَالزَّكَاة وَفِي بني إِسْرَائِيل وَلَيْسَ فِي الْكتب وَالسّنة من اسْمه على هَذَا الْمِثَال وَهُوَ من الْأَفْرَاد. النَّبِي يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ويوسف الْقرشِي الْمدنِي الزُّهْرِيّ سَاكن بَغْدَاد روى عَن أَبِيه وَغَيره وروى عَنهُ أَحْمد وَيحيى بن معِين وعَلى بن الْمَدِينِيّ واسحق وَمُحَمّد بن يحيى الدهلي قَالَ ابْن سعد كَانَ ثِقَة مَأْمُونا وَلم ينزل بِبَغْدَاد ثمَّ خرج إِلَى الْحسن بن سهل بِفَم لصلح فَلم يزل مَعَه حَتَّى توفّي هُنَاكَ فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ قلت فَلم الصُّلْح بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الْمِيم وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفِي آخِره حاء مُهْملَة وَهِي بَلْدَة على دجلة قريبَة من وَاسِط وَقيل هُوَ نهر ميبسان. الثَّالِث أَبوهُ أعنى أَبَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَهُوَ من

ص: 61

جملَة شُيُوخ الشَّافِعِي رحمه الله وَقد مر ذكره فِي بَاب تفاضل أهل الْإِيمَان. الرَّابِع صَالح بن كيسَان التَّابِعِيّ تقدم ذكره فِي آخر قصَّة هِرقل توفّي وَهُوَ ابْن مائَة ونيف وَسِتِّينَ سنة ابْتَدَأَ بالتعليم وَهُوَ ابْن تسعين سنة الْخَامِس مُحَمَّد بن ابْن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ تقدم غير مرّة السَّادِس عبيد بن عبد الله بتصغير الابْن وتكبير الْأَب ابْن عُيَيْنَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة وَقد مر ذكره السَّابِع عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا الثَّامِن الْحر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء ابْن قيس بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة ابْن حصن بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ بِفَتْح الْفَاء وَالزَّاي نِسْبَة إِلَى فَزَارَة بن شَيبَان بن بغيض بن ريث بن غطفان وَهُوَ ابْن أخي عُيَيْنَة بن حصن كَانَ أحد الْوَفْد الَّذين قدمُوا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم مرجعه من تَبُوك وَكَانَ من جلساء عمر رضي الله عنه التَّاسِع أبي بن كَعْب بن الْمُنْذر الْأنْصَارِيّ اقْرَأ هَذِه الْأمة شهد الْعقبَة وبدرا وَكَانَ عمر رضي الله عنه يَقُول أبي سيد الْمُسلمين روى لَهُ عَن رَسُول صلى الله عليه وسلم مائَة وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ حَدِيثا اتفقَا مِنْهَا على ثَلَاثَة أَحَادِيث وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بأَرْبعَة وَمُسلم بسبعة مَاتَ سنة تسع عشرَة وَقيل عشْرين وَقيل ثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ روى لَهُ الْجَمَاعَة (بَيَان لطائف اسناده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والاخبار والعنعنة. وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ وَمِنْهَا أَن فِيهِ ثَلَاثَة من التَّابِعين يرْوى بَعضهم عَن بعض وَمِنْهَا أَن فِيهِ أَرْبَعَة زهر بَين وهم مُحَمَّد بن غرير وَيَعْقُوب وَأَبوهُ إِبْرَاهِيم وَابْن شهَاب. وَمِنْهَا أَن سِتَّة مِنْهُم مدنيون وهم الروَاة إِلَى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما. وَمِنْهَا انه قَالَ عَن ابْن شهَاب حدث وَبعده قَالَ اخبره أَن لوحظ الْفرق بَان التحديث عِنْد قِرَاءَة الشَّيْخ وَالْأَخْبَار عِنْد الْقِرَاءَة على الشَّيْخ فَذَاك وَإِلَّا فتغيير الْعبارَة للتفتن فِي الْكَلَام وَحدث بغَيْرهَا رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره حَدثهُ بِالْهَاءِ وَبِغير الْهَاء أَيْضا مَحْمُول على السماع لَان صَالحا غير مُدَلّس وَقَوله حَدثنَا مُحَمَّد بن غرير هَكَذَا بِصِيغَة الْجمع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ حَدثنِي بِصِيغَة الْأَفْرَاد (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخراجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع فَوق الْعشْرَة هُنَا كَمَا ترى وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة السَّلَام عَن عَمْرو بن مُحَمَّد وَفِي الْعلم أَيْضا عَن خَالِد بن خلى عَن مُحَمَّد بن حَرْب فِي التَّوْحِيد عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن أبي عَمْرو كِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ بِهِ وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء أَيْضا عَن عَليّ بن الْمدنِي وَفِي النذور وَالتَّفْسِير عَن الْحميدِي وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَفِي الْعلم أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس مُخْتَصرا وَفِي التَّفْسِير والاجارة والشروط عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام بن يُوسُف عَن ابْن جريج عَن يعلى بن مُسلم وَعَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ بِهِ وَعَن عَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد وَابْن رَاهَوَيْه وَعبيد الله بن سعيد وَابْن أبي عمر عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن جُبَير وَعَن النَّاقِد أَيْضا وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن مُعْتَمر عَن أَبِيه عَن رقية عَن أبي أسحق عَن ابْن جُبَير بِهِ وَعَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَعَن عبد بن حميد عَن عبيد الله بن مُوسَى كِلَاهُمَا عَن إِسْرَائِيل عَن أبي أسحق بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن يحيى ابْن أبي عمر بِهِ وَقَالَ حسن صَحِيح وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَعَن عمرَان بن يزِيد عَن اسمعيل بن عبد الله بن سَمَّاعَة عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ وَفِي الْعلم عَن أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن سُلَيْمَان الرهاوي عَن عبيد الله بن مُوسَى بِهِ (بَيَان اللُّغَات) قَوْله " تماريت " أَي تجادلت من التمارى وَهُوَ التجادل والتنازع وَهُوَ بِمَعْنى ماريت لِابْنِ بَاب المفاعلة لمشاركة اثْنَيْنِ وَبَاب التفاعل لأكْثر مِنْهُمَا يُقَال ماريت الرجل اماريه مراء أَي جادلته ومادته الْمِيم وَالرَّاء وَالْيَاء آخر الْحُرُوف قَوْله " لقِيه بِضَم اللَّام وَكسر الْقَاف وتسديد الْيَاء آخر الْحُرُوف مصدر بِمَعْنى اللِّقَاء يُقَال لَقيته لِقَاء بالمدولقي بِالضَّمِّ وَالْقصر ولقيا بِالتَّشْدِيدِ ولقيانا ولقيانة وَاحِدَة ولقية وَاحِدَة وَلَا تقل لقاة بِالْفَتْح

ص: 62

فَإِنَّهَا مولدة وَلَيْسَت من كَلَام الْعَرَب وَهَذِه سبع مصَادر قَوْله " شانه " أَي قصَّته قَوْله " فِي مَلأ " بِالْقصرِ هِيَ الْجَمَاعَة قَالَه عِيَاض وَقَالَ غَيره الْمَلأ الإشراف وَفِي الْعباب الْمَلأ بِالتَّحْرِيكِ الْجَمَاعَة وَالْمَلَأ أَيْضا الْخلق يُقَال مَا أحسن مَلأ بنى فلَان أَي عشرتهم وأخلاقهم وَالْجمع املاء وَالْمَلَأ أَيْضا الْأَشْرَاف قَوْله " من بني إِسْرَائِيل " هُوَ أَوْلَاد يَعْقُوب عليه الصلاة والسلام لَان إِسْرَائِيل هُوَ اسْم يَعْقُوب وَأَوْلَاده اثْنَا عشر نفسا وهم يُوسُف وبنيامين وداني ويفتالي وزابلون وجاد وَيَسْتَأْخِر واشير وروبيل ويهوذا وشمعون ولاوى وهم الَّذين سماهم الأسباط وَسموا بذلك لَان كل وَاحِد مِنْهُم والدقبيلة والأسباط فِي كَلَام الْعَرَب الشّجر الملتف الْكثير الأغصان والأسباط من بني إِسْرَائِيل كالشعوب من الْعَجم والقبائل من الْعَرَب وَجَمِيع بني إِسْرَائِيل من هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين قَوْله " الْحُوت " السَّمَكَة وَالْجمع الْحيتَان والاحوات والحوتة قَوْله " آيَة " أَي عَلامَة قَوْله " وَكَانَ يتبع أثر الْحَوَادِث " أَي ينْتَظر فقدانه قَوْله " فتاء " أَي صَاحبه وَهُوَ يُوشَع بن نون وَإِنَّمَا قَالَ فتاه لِأَنَّهُ كَانَ يَخْدمه ويتبعه وَقيل كَانَ يَأْخُذ الْعلم عَنهُ قلت يُوشَع بن نون بن اليشامع ابْن عميهوذابن بارص بن بعدان بن ناخر بن تالخ بن راشف بن راقخ بن بريعا بن افراثيم بن يُوسُف بن يَعْقُوب عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام ويوشع بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَنون مَصْرُوف كنوح قَوْله " إِذْ أوينا " بِالْقصرِ من أَوَى فلَان إِلَى منزله يأوي أوياً قَوْله " إِلَى الصَّخْرَة " هِيَ الَّتِي دون نهر الزَّيْت بالمغرب قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ والصخرة فِي اللُّغَة الْحجر الْكَبِير وَالْجمع صَخْر وصخر وصخور وصخورة وصخرات قَوْله " نبغي " أَي نطلب من بغيت الشَّيْء طلبته قَوْله " فارتدا " أَي رجعا على آثارهما هُوَ جمع أثر بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة واثر الشَّيْء مَا شخص مِنْهُ قَوْله " قصصا " من قصّ أَثَره يقص قصاً وقصصا أَي تتبعه قَالَ الله تَعَالَى (وَقَالَت لأخته قصه) أَي تتبعي أَثَره وَقَالَ الصغاني قَالَ تَعَالَى (فارتدا على آثارهما قصصا) أَي رجعا من الطَّرِيق الَّذِي سلكاه يقصان الْأَثر (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله " تمارى هُوَ " أبي ابْن عَبَّاس واتى بضمير الْفَصْل لِأَنَّهُ لَا يعْطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل إِلَّا إِذا أكد بالمنفصل فَقَوله " وَالْحر بن قيس " عطف على الضَّمِير الَّذِي فِي تمارى وَحسن ذَلِك تأكيده بقوله هُوَ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ يُوهم عطف الِاسْم على الْفِعْل قَوْله " فِي صَاحب مُوسَى " بتعلق بقوله " تمارى " قَوْله " هُوَ خضر " جملَة اسمية وَقعت مقول القَوْل قَوْله " تماريت أَنا وصاحبي " مثل تمارى هُوَ وَالْحر بن قيس حَيْثُ أكد الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بالضمير الْمُنْفَصِل لتحسين الْعَطف وَيجوز أَن ينْتَصب على أَن يكون مَفْعُولا مَعَه وَأَرَادَ بقوله " صَاحِبي " هُوَ الْحر بن قيس قَوْله " هَل سَمِعت " استفهم بِهِ ابْن عَبَّاس عَن أبي بن كَعْب رضي الله عنهم قَوْله " يذكر شَأْنه " جملَة حَالية قَوْله " يَقُول " أَيْضا جملَة حَالية قَوْله " بَيْنَمَا " قد مر غير مرّة أَن أَصله بَين زيدت فِيهِ مَا والفصيح فِي جَوَابه ترك إِذْ وَإِذا وَجَوَابه قَوْله " جَاءَهُ رجل " وَفِي بعض الرِّوَايَات " إِذْ جَاءَهُ رجل " قَوْله " اعْلَم " بِالنّصب لِأَنَّهُ صفة أحد قَوْله " بل عندنَا خضر " أَي هُوَ أعلم هَكَذَا هُوَ فِي اكثر الرِّوَايَات وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " بلَى عَبدنَا خضر " وبل للإضراب وَهُوَ من حُرُوف الْعَطف فَإِن قلت مَا الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بالمضروب عَنهُ قلت مُقَدّر تَقْدِيره أوحى الله إِلَيْهِ لَا تقل لَا بل عَبدنَا خضر أَي قل إِلَّا علم عَبدك خضر فَإِن قلت فعلى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول بل عبد الله أَو عَبدك قلت ورد عِلّة طَريقَة الْحِكَايَة عَن قَول الله تَعَالَى قَوْله " فَسَأَلَ مُوسَى " أَي سَأَلَ مُوسَى عَن الله تَعَالَى السَّبِيل إِلَى خضر وَالْفَاء فِي فَجعل للتعقيب قَوْله " لَهُ " أَي لأَجله والحوت وَآيَة منصوبان على انهما مَفْعُولا جعل قَوْله " فتاه " فَاعل فَقَالَ قَوْله " أَرَأَيْت " أَي أَخْبرنِي وَهُوَ مقول القَوْل قَوْله " إِذْ " بِمَعْنى حِين وَهَهُنَا حذف تَقْدِيره أَرَأَيْت مَا دهاني (إِذا أوينا إِلَى الصَّخْرَة) قَوْله " فَإِنِّي " الْفَاء فِيهِ تفسيرية يُفَسر بهَا مَا دهاه من نِسْيَان الْحُوت حِين أويا إِلَى الصَّخْرَة قَوْله " وماأنسانيه " أَي أنساني ذكره إِلَّا الشَّيْطَان قَوْله " أَن اذكره " بدل من الْهَاء فِي أنسانيه قَوْله " ذَلِك " فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء قَوْله " مَا كُنَّا نبغي " خَبره وَكلمَة مَا مَوْصُولَة وَقَوله " كُنَّا نبغي " صلتها أَي ذَلِك الَّذِي كُنَّا نطلب والعائد إِلَى الْمَوْصُول مَحْذُوف أَي مَا كُنَّا نبغيه وَيجوز حذف الْيَاء من نبغي للتَّخْفِيف وَهَكَذَا قرئَ ايضافي الْقُرْآن وإثباتها احسن وَهِي قِرَاءَة أبي عمر وَقَوله " قصصا " نصب على تَقْدِير يقصان قصصا أعنى النصب على المصدرية قَوْله " مَا قصّ الله " فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ اسْم كَانَ وَقَوله من شَأْنهمَا مقدما خَبره وَفِي بعض الرِّوَايَة " فَكَانَ من شَأْنهمَا الَّذِي قصّ الله "

ص: 63

(بَيَان الْمعَانِي) قَوْله " تمارى " هُوَ وَالْحر بن قيس وَكَانَ لِابْنِ عَبَّاس فِي هَذِه الْقِصَّة تماريان تمار بَينه وَبَين الْبَحْر ابْن قيس أهوَ الْخضر أَن غَيره وتمار بَينه وَبَين نوف البكالى فِي مُوسَى بن عمرَان الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ التَّوْرَاة أم مُوسَى بن مِيشَا بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعد هاشين مُعْجمَة هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي فِي التمارى الثَّانِي وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن هَذَا التمارى كَانَ بَين سعيد بن جُبَير وَبَين الْبكالِي على مَا يَجِيء فِي التَّفْسِير وَسِيَاق سعيد بن جُبَير للْحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس أتم من سِيَاق عبيد الله بن عبد الله هَذَا بِشَيْء كثير وَسَيَأْتِي مُبينًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله " فِي صَاحب مُوسَى " أَي الَّذِي ذهب مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ هَل اتبعك لفتاه الَّذِي كَانَ رَفِيقه عِنْد الذّهاب قَوْله " فَدَعَاهُ ابْن عَبَّاس " أَي فناداه وَقَالَ ابْن التِّين فِيهِ حذف تَقْدِيره فَقَامَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ لَان الْمَعْرُوف عَن ابْن عَبَّاس التأدب مَعَ من يَأْخُذ عَنهُ وإخباره فِي ذَلِك مَشْهُورَة قَوْله " فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَيْهِ " أَي قَالَ فادللني لَان الْمَعْرُوف عَن ابْن عَبَّاس التأدب مَعَ من يَأْخُذ عَنهُ وإخباره فِي ذَلِك مَشْهُورَة قَوْله " فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَيْهِ " أَي قَالَ إفادللني اللَّهُمَّ إِلَيْهِ قَوْله " فَقَالَ هَل تعلم أحدا أعلم مِنْك قَالَ مُوسَى لَا " وَجَاء فِي كتاب التَّفْسِير وَغَيره " فَسئلَ أَي النَّاس أعلم فَقَالَ أَنا فعتب الله عَلَيْهِ إِذا لم يرد الْعلم إِلَيْهِ " وَكَذَا جَاءَهُ فِي مُسلم وَفِيه أَيْضا " بَينا مُوسَى صلى الله عليه وسلم فِي قومه يذكرهم أَيَّام الله وَأَيَّام الله نعماؤه وبلاؤه إِذْ قَالَ مَا اعْلَم فِي الأَرْض رجلا خيرا وَأعلم مني فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن فِي الأَرْض رجلا هُوَ أعلم مِنْك " وَقَالَ المازرى أما على رِوَايَة من روى هَل تعلم أحدا أعلم مِنْك فَقَالَ أَنا فَلَا عتب عَلَيْهِ إِذا خبر عَمَّا يعلم وَأما على رِوَايَة أَي النَّاس أعلم فَقَالَ أَنا أعلم فَقَالَ أَنا أعلم أَي فِيمَا يَقْتَضِيهِ شَاهد الْحَال وَدلَالَة النُّبُوَّة وَيظْهر لي أَن مُوسَى صلى الله عليه وسلم كَانَ من النُّبُوَّة بِالْمَكَانِ الأرفع وَالْعلم من اعظم الْمَرَاتِب فقد يعْتَقد أَنه أعلم النَّاس بِهَذِهِ الْمرتبَة فَإِذا كَانَ مُرَاده بقوله أَنا أعلم فِي اعتقادي لم يكن خَبره كذبا وَقيل قَول الْمَازرِيّ فَلَا عتب عَلَيْهِ مَرْدُود بقوله عليه السلام " فعتب الله عَلَيْهِ " لَكِن يَنْبَغِي العتب لَهُ أَن لَا ينفى العتب مُطلقًا بل عتب مَخْصُوص وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَقيل مُرَاد مُوسَى صلى الله عليه وسلم بقوله أَنا أعلم أَي بوظائف النُّبُوَّة وَأُمُور الشَّرِيعَة وسياسة الْأَمر وَالْخضر أعلم مِنْهُ بِأُمُور أخر من عُلُوم غيبية كَمَا ذكر من خبرهما وَكَانَ مُوسَى صلى الله عليه وسلم اعْلَم على الْجُمْلَة والعموم مِمَّا لَا يُمكن جهل الْأَنْبِيَاء بِشَيْء مِنْهُ وَالْخضر أعلم على الْخُصُوص مِمَّا أ ‘ لم من الغيوب وحوادث الْقدر مِمَّا لَا يعلم الْأَنْبِيَاء مِنْهُ إِلَّا مَا أعلمُوا من غيبَة وَلِهَذَا قَالَ لَهُ الْخضر انك على علم من علم الله علمك لَا أعلمهُ وَأَنا على علم من علم الله علمنه لَا تعلمه " أَلا ترَاهُ لم يعرف مُوسَى بن إِسْرَائِيل حَتَّى عرفه بِنَفسِهِ إِذا لم يعرفهُ الله بِهِ وَهَذَا مثل قَول نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم إِنِّي لَا علم إِلَّا مَا عَلمنِي رَبِّي وَمعنى قَوْله " فعتب الله عَلَيْهِ " أَي لم يرض قَوْله وَآخذه بِهِ وَاصل العتب الْمُؤَاخَذَة يُقَال مِنْهُ عتب عَلَيْهِ إِذا وجده وَذكره لَهُ فالمؤاخذة والعتب فِي حق الله محَال فَمَعْنَى قَوْله " فعتب الله عَلَيْهِ " لم يرض قَوْله شرعا ودينا وَقد عتب الله عَلَيْهِ إِذا لم يرد رد الْمَلَائِكَة (لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا) وَقيل جَاءَ هَذَا تَنْبِيها لمُوسَى صلى الله عليه وسلم وتعليماً لمن بعده وَلِئَلَّا يَقْتَدِي بِهِ غَيره فِي تَزْكِيَة نَفسه وَالْعجب بِحَالهِ فَيهْلك وَإِنَّمَا الجيء مُوسَى للخضر لتأديب لَا للتعليم قَوْله " فَجعل الله لَهُ الْحُوت آيَة " أَي عَلامَة لمَكَان الْخضر ولقائه وَذَلِكَ أَنه لما قَالَ مُوسَى أَيْن أطلبه قَالَ الله لَهُ على السَّاحِل عِنْد الصَّخْرَة قَالَ يَا رب كَيفَ لي بِهِ قَالَ تَأْخُذ حوتا فِي مكتل فَحَيْثُ فقدته فَهُوَ هُنَاكَ فَقيل أَخذ سَمَكَة مملوحة قَالَ لفتاه إِذا فقدت الْحُوت فاخبرني وَكَانَ يمشي وَيتبع أثر الْحُوت أَي ينْتَظر فقدانه فرقد مُوسَى صلى الله عليه وسلم فاضطرب الْحُوت وَوَقع فِي الْبَحْر قيل أَن يُوشَع حمل الْخبز والحوت فِي المكتل فَنزلَا لَيْلَة على شاطئ عين تسمى عين الْحَيَاة فَلَمَّا أصَاب السَّمَكَة روح المَاء وبرده عاشت وَقيل تَوَضَّأ يُوشَع من تِلْكَ الْعين فانتضح المَاء على الْحُوت فَعَاشَ وَوَقع فِي المَاء قَوْله " نسيت الْحُوت " أَي نسيت تفقد أمره وَمَا يكون مِنْهُ مِمَّا جعل امارة على الظفر بالطلبة من لِقَاء الْخضر عليه السلام قَوْله " قَالَ " أَي مُوسَى عليه الصلاة والسلام ذَلِك أَي فقدان الْحُوت هُوَ الَّذِي كُنَّا نبغي أَي نطلب لِأَنَّهُ عَلامَة وجدان الْمَقْصُود قَوْله " فارتدا " أَي رجعا على آثارهما يقصان قصصا أَي يتبعان آثارهما اتبَاعا قَوْله " من شَأْنهمَا " أَي شَأْن الْخضر ومُوسَى عليهما السلام وَالَّذِي قصّ الله تَعَالَى فِي كِتَابه اشارة إِلَى قَوْله تَعَالَى (هَل أتبعك على أَن تعلمني مِمَّا علمت رشدا) إِلَى قَوْله (ويسألونك عَن ذِي القرنين)(بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول قَالَ ابْن بطال فِيهِ جَوَاز التمارى فِي الْعلم إِذا كَانَ كل وَاحِد يطْلب الْحق وَلم يكن تعنتاً الثَّانِي فِيهِ الرُّجُوع إِلَى قَول أهل الْعلم عِنْد التَّنَازُع الثَّالِث فِيهِ أَنه يجب على الْعَالم الرَّغْبَة فِي التزيد من الْعلم والحرص عَلَيْهِ

ص: 64