الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أُولَئِكَ حزب الله أَلا أَن حزب الله هم المفلحون} (المجادلة: 22) قَوْله: (وَالله يُعْطي) فِيهِ تَقْدِيم لَفْظَة الله لإِفَادَة التقوية عِنْد السكاكي، وَلَا يحْتَمل التَّخْصِيص أَي: الله يُعْطي لَا محَالة، وَأما عِنْد الزَّمَخْشَرِيّ فيحتمله أَيْضا، وحينئذٍ يكون مَعْنَاهُ: الله يُعْطي لَا غَيره. فَإِن قلت: إِذا كَانَت هَذِه الْجُمْلَة حَالية، أَعنِي قَوْله:(وَالله يُعْطي)، فَمَا يكون معنى الْحصْر حِينَئِذٍ؟ قلت: الْحصْر بإنما دَائِما فِي الْجُزْء الْأَخير فَيكون مَعْنَاهُ: مَا أَنا بقاسم إلَاّ فِي حَال إِعْطَاء الله لَا فِي حَال غَيره، وَفِيه حذف الْمَفْعُول أَعنِي: مفعول يُعْطي، لِأَنَّهُ جعله كاللازم إعلاماً بِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ بَيَان اتخاد هَذِه الْحَقِيقَة، أَي: حَقِيقَة الْإِعْطَاء لَا بَيَان الْمَفْعُول، أَي الْمُعْطِي. قَوْله:(وَلنْ تزَال)
الخ، أَرَادَ بِهِ أَن أمته آخر الْأُمَم، وَأَن عَلَيْهَا تقوم السَّاعَة، وَإِن ظَهرت أشراطها وَضعف الدّين فَلَا بُد أَن يبْقى من أمته من يقوم بِهِ، فَإِن قيل: قَالَ، عليه السلام:(لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يَقُول أحد الله)، وَقَالَ أَيْضا:(لَا تقوم السَّاعَة إلَاّ على شرار الْخلق) . قُلْنَا: هَذِه الْأَحَادِيث لَفظهَا الْعُمُوم وَالْمرَاد مِنْهَا الْخُصُوص، فَمَعْنَاه: لَا تقوم على أحد يوحد الله تَعَالَى إلَاّ بِموضع كَذَا، إِذْ لَا يجوز أَن تكون الطَّائِفَة الْقَائِمَة بِالْحَقِّ توَحد الله هِيَ شرار الْخلق، وَقد جَاءَ ذَلِك مُبينًا فِي حَدِيث أبي أُمَامَة، رضي الله عنه. أَنه، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق لَا يضرهم من خالفهم، قيل: وَأَيْنَ هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بِبَيْت الْمُقَدّس، أَو أكناف بَيت الْمُقَدّس) . وَقَالَ النَّوَوِيّ: لَا مُخَالفَة بَين الْأَحَادِيث، لِأَن المُرَاد من أَمر الله الرّيح اللينة الَّتِي تَأتي قريب الْقِيَامَة، فتأخذ روح كل مُؤمن ومؤمنة، وَهَذَا قبل الْقِيَامَة. وَأما الحديثان الأخيران فهما على ظاهرهما إِذْ ذَلِك عِنْد الْقِيَامَة. فَإِن قلت: من هَؤُلَاءِ الطَّائِفَة؟ قلت: قَالَ البُخَارِيّ: هم أهل الْعلم. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: إِن لم يَكُونُوا أهل الحَدِيث فَلَا أَدْرِي من هم. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: إِنَّمَا أَرَادَ الإِمَام أَحْمد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَن تكون هَذِه الطَّائِفَة مفرقة من أَنْوَاع الْمُؤمنِينَ، فَمنهمْ مُقَاتِلُونَ وَمِنْهُم فُقَهَاء وَمِنْهُم محدثون وَمِنْهُم زهاد إِلَى غَيره ذَلِك.
بَيَان استنبطاط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ دلَالَة على حجية الْإِجْمَاع، لِأَن مفهومة أَن الْحق لَا يعدو الْأمة، وَحَدِيث: لَا تَجْتَمِع أمتِي على الضَّلَالَة، ضَعِيف. الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على امْتنَاع خلو الْعَصْر عَن الْمُجْتَهد. الثَّالِث: فِيهِ فضل الْعلمَاء على سَائِر النَّاس. الرَّابِع: فِيهِ فضل الْفِقْه فِي الدّين على سَائِر الْعُلُوم، وَإِنَّمَا ثَبت فَضله لِأَنَّهُ يَقُود إِلَى خشيَة الله تَعَالَى والتزام طَاعَته. الْخَامِس: فِيهِ إخْبَاره، عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام، بالمغيبات. وَقد وَقع مَا أخبر بِهِ، وَللَّه الْحَمد، فَلم تزل هَذِه الطَّائِفَة من زَمَنه وهلم جراً، وَلَا تَزُول حَتَّى يَأْتِي أَمر الله تَعَالَى.
14 -
(بَاب الفَهمِ فِي العِلْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْفَهم فِي الْعلم. قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ الْجَوْهَرِي: فهمت الشَّيْء، أَي: عَلمته، فالفهم وَالْعلم بِمَعْنى وَاحِد، فَكيف يَصح أَن يُقَال: الْفَهم فِي الْعلم؟ ثمَّ أجَاب بقوله: المُرَاد من الْعلم الْمَعْلُوم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَاب إِدْرَاك المعلومات. قلت: تَفْسِير الْفَهم بِالْعلمِ غير صَحِيح، لِأَن الْعلم عبارَة عَن الْإِدْرَاك الْكُلِّي، والفهم جودة الذِّهْن، والذهن قُوَّة تقتنص الصُّور والمعاني، وتشمل الإدراكات الْعَقْلِيَّة والحسية. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: فهمت الشَّيْء، أَي: عقلته وعرفته، وَيُقَال: فهم وَفهم، بتسكين الْهَاء وَفتحهَا، وَهَذَا قد فسر الْفَهم بالمعرفة، وَهُوَ غير الْعلم. فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ قلت: من حَيْثُ إِن الْفَهم فِي الْعلم دَاخل فِي قَوْله، عليه الصلاة والسلام:(من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين) . وَقد مر أَن الْفِقْه هُوَ الْفَهم. فَافْهَم.
72 -
حدّثناعَلِيٌّ حدّثنا سُفْيانُ قَالَ: قَالَ لِي ابنُ أبي نَجِيحٍ: عَن مُجاهدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابنَ عُمَرَ إلَى المَدِينَةِ فَلْم أسْمَعه يُحدِّثُ عَن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلَاّ حَدِيثاً واحِداً، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُتَي بِجُمَّارٍ فَقَالَ: (إنّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثلُها كَمثَلِ المُسْلِمِ)، فَأرَدْتُ أَن أقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فإذَا أَنا أصْغَرُ القَوْم، فَسَكَتُّ. قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:(هِيَ النَّخْلَةُ) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (إِن من الشّجر)
الحَدِيث، كَانَ على سَبِيل الاستعلام مِنْهُم،
وَأَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فهم ذَلِك الْعلم، وَلكنه مَنعه عَن الإبداء حياؤه وصغره.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ بن عبد اللَّه بن جَعْفَر بن نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، السَّعْدِيّ، مَوْلَاهُم أَبُو الْحسن الْمَدِينِيّ الإِمَام المبرز فِي هَذَا الشَّأْن. وَقَالَ البُخَارِيّ: مَا استصغرت نَفسِي عِنْد أحد قطّ إلَاّ عِنْد ابْن الْمَدِينِيّ. وَقَالَ: عَليّ خير من عشرَة آلَاف مثل الشَّاذكُونِي. وَقَالَ عبد الرَّحْمَن: عَليّ أعلم النَّاس بِحَدِيث رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، خَاصَّة. وَقَالَ السَّمْعَانِيّ وَغَيره: كَانَ أعلم أهل زَمَانه بِحَدِيث رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَعنهُ قَالَ: تركت من حَدِيثي مائَة ألف حَدِيث، مِنْهَا ثَلَاثُونَ ألفا لعباد بن صُهَيْب. وَقَالَ الْأَعْين: رَأَيْت عَليّ بن الْمَدِينِيّ مُسْتَلْقِيا، وَأحمد بن حَنْبَل عَن يَمِينه، وَيحيى بن معِين عَن يسَاره، وَهُوَ يملي عَلَيْهِمَا. روى عَنهُ أَحْمد وَإِسْمَاعِيل القَاضِي والذهلي وَأَبُو حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهم، وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن رجل عَنهُ، وَلم يخرج لَهُ مُسلم شَيْئا، أخرج البُخَارِيّ عَنهُ عَن ابْن عُيَيْنَة وَابْن علية وَعَن الْقطَّان ومروان بن مُعَاوِيَة وَغَيرهم، ولد سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة بسامرا، وَقَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ بالعسكر لليلتين بَقِيَتَا من ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَقد تقدم. الثَّالِث: عبد اللَّه بن يسَار، وكنية يسَار: أَبُو نجيح، مولى الْأَخْنَس بن شريق. قَالَ يحيى الْقطَّان: كَانَ قدرياً. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: مكي ثِقَة، يُقَال فِيهِ: يرى الْقدر صَالح الحَدِيث. وَقَالَ عَليّ: سَمِعت يحيى يَقُول: ابْن أبي نجيح من رُؤَسَاء الدعاة، أخرج البُخَارِيّ فِي الْعلم والجنائز، وَفِي غير مَوضِع عَن شُعْبَة وَالثَّوْري وَابْن عُيَيْنَة وَإِبْرَاهِيم بن نَافِع وَابْن علية عَنهُ عَن عَطاء، وَمُجاهد وَعبد اللَّه بن كثير، وَعَن أَبِيه عَن مُسلم، وَلم يخرج البُخَارِيّ لِأَبِيهِ شَيْئا، توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. الرَّابِع: مُجَاهِد بن جبر، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل: جُبَير، أَبُو الْحجَّاج المَخْزُومِي، مولى عبد اللَّه بن السَّائِب من الطَّبَقَة الثَّانِيَة من تَابِعِيّ أهل مَكَّة وفقهائها، إِمَام مُتَّفق على جلالته وإمامته وتوثيقه، وَهُوَ إِمَام فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث، روى عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأبي هُرَيْرَة، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي بَاب: إِثْم من قتل معاهداً بِغَيْر جرم، عَن الْحسن بن عمر، وَعنهُ عَن عبد اللَّه بن عَمْرو ابْن الْعَاصِ مَرْفُوعا:(من قتل معاهداً لم يرح رَائِحَة الْجنَّة) . وَهُوَ مُرْسل. كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُجَاهِد لم يسمع من عبد اللَّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَإِنَّمَا سَمعه من جُنَادَة بن أبي أُميَّة عَن ابْن عَمْرو، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَرْوَان عَن الْحسن بن عَمْرو عَنهُ، وَأنكر شُعْبَة وَابْن أبي حَاتِم سَمَاعه من عَائِشَة، وَكَذَا ابْن معِين: لَكِن حَدِيثه عَنْهَا فِي (الصَّحِيحَيْنِ)، وَقَالَ مُجَاهِد: قَالَ لي ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: وددت أَن نَافِعًا يحفظ كحفظك. وَقَالَ يحيى الْقطَّان: مرسلات مُجَاهِد أحب إِلَيّ من مرسلات عَطاء. وَقَالَ مُجَاهِد: عرضت الْقُرْآن على ابْن عَبَّاس، رضي الله عنهما، ثَلَاثِينَ مرّة. مَاتَ سنة مائَة، وَقيل: اثْنَتَيْنِ، وَقيل: ثَلَاث، وَقيل: أَربع عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة، وَقد رأى هاروت وماروت وَكَاد يتْلف، وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة: مُجَاهِد بن جبر، غير هَذَا. وَفِي مُسلم وَالْأَرْبَعَة: مُجَاهِد بن مُوسَى الْخَوَارِزْمِيّ، شيخ ابْن عُيَيْنَة، وَفِي الْأَرْبَعَة: مُجَاهِد بن وردان عَن عُرْوَة. الْخَامِس: عبد اللَّه ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
بَيَان الْأَنْسَاب: السَّعْدِيّ: فِي قبائل، فَفِي قيس غيلَان: سعد بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة، بن حَفْصَة بن قيس غيلَان. وَفِي كنَانَة: سعد بن لَيْث بن بكر بن عبد منَاف، وَفِي أَسد بن خُزَيْمَة: سعد بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد، وَفِي مُرَاد: سعد بن غطيف ابْن عبد اللَّه بن نَاجِية بن مُرَاد، وَفِي طَيء: سعد بن نَبهَان بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طي، وَفِي تَمِيم: سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم، وَفِي خولان قضاعة: سعد بن خولان، وَفِي جذام: سعد بن إِيَاس بن حرَام بن حزَام، وَفِي خثعم: سعد بن مَالك. الْمَدِينِيّ: بِإِثْبَات الْيَاء آخر الْحُرُوف، نِسْبَة إِلَى الْمَدِينَة. وَكَانَ أَصله من الْمَدِينَة وَنزل الْبَصْرَة، وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: وَالْأَصْل فِيمَن ينْسب إِلَى مَدِينَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يُقَال فِيهِ: مدنِي: بِحَذْف الْيَاء، وَإِلَى غَيرهَا بِإِثْبَات الْيَاء، واستثنوا هَذِه، فَقَالُوا: الْمَدِينِيّ بِإِثْبَات الْيَاء. المَخْزُومِي: نِسْبَة إِلَى مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر، وَهُوَ فِي قُرَيْش، وَفِي عبس أَيْضا: مَخْزُوم بن مَالك بن غَالب بن قطيعة بن عبس.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومكي وكوفي. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ سُفْيَان، قَالَ: قَالَ لي ابْن نجيح، وَلم يقل: حَدثنِي، وَفِي (مُسْند الْحميدِي) عَن سُفْيَان: حَدثنِي ابْن أبي نجيح. وَقَالَ الْكرْمَانِي: روى عَن