الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَهُوَ الضَّمِير الَّذِي يرجع إِلَى شرب اللَّبن الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله:(فَشَرِبت) . قَوْله: (يَا رَسُول الله) منادى مَنْصُوب. فَإِن قلت: مَا الْفَاء فِي قَوْله: (فَمَا أولته) ؟ قلت: زَائِدَة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{هَذَا فليذوقوه} (ص: 57) قَوْله: (الْعلم) بِالنّصب وَالرَّفْع رِوَايَتَانِ، أما وَجه النصب فعلى المفعولية، وَالتَّقْدِير: أولته الْعلم. وَأما وَجه الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: المؤول بِهِ الْعلم.
بَيَان الْمعَانِي: فِيهِ: حذف الْمَفْعُول من قَوْله: (فَشَرِبت)، للْعلم بِهِ وَالتَّقْدِير: فَشَرِبت اللَّبن، يَعْنِي: مِنْهُ، لِأَنَّهُ شرب حَتَّى رُوِيَ ثمَّ أعْطى فَضله لعمر بن الْخطاب، رضي الله عنه. وَفِيه: اسْتِعْمَال الْمُضَارع مَوضِع الماضى، وَهُوَ قَوْله:(يخرج)، وَكَانَ حَقه أَن يُقَال: خرج، وَلكنه أَرَادَ استحضار صُورَة الرُّؤْيَة للسامعين قصدا إِلَى أَن يبصرهم تِلْكَ الْحَالة وقوعاً وحدوثاً. قَوْله:(ثمَّ أَعْطَيْت فضلي) أَي: مَا فضل من اللَّبن الَّذِي هُوَ فِي الْقدح الَّذِي شربت مِنْهُ. قَوْله: (فَمَا أولته) ؟ أَي: فَمَا عبرته؟ والتأويل فِي اللُّغَة: تَفْسِير مَا يؤول إِلَيْهِ الشَّيْء. وَهَهُنَا المُرَاد بِهِ تَعْبِير الرُّؤْيَا. وَفِيه: تَأْكِيد الْكَلَام بصوغه جملَة إسمية، وتأكيدها بِأَن وَاللَّام فِي الْخَبَر، وَهُوَ قَوْله:(إِنِّي لأري الرّيّ) . فَإِن قلت: لم تكن الصَّحَابَة منكرين وَلَا مترددين فِي أخباره، فَمَا فَائِدَة هَذِه التأكيدات؟ قلت: قَوْله: (أرى الرّيّ يخرج فِي أظفاري) أورثهم حيرة فِي خُرُوج اللَّبن من الْأَظْفَار، فأزال تِلْكَ الْحيرَة بِهَذِهِ التأكيدات، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَمَا ابرىء نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء} (يُوسُف: 53) لِأَن: مَا أبرىء، أَي: مَا أزكي، أورث الْمُخَاطب حيرة فِي أَنه كَيفَ لَا ينزه نَفسه عَن السوء مَعَ كَونهَا مطمئنة زكية، فأزال تِلْكَ الْحيرَة بقوله:{إِن النَّفس لأمارة بالسوء} (يُوسُف: 53) فِي جَمِيع الْأَشْخَاص إلَاّ من عصمه الله. قَوْله: (الْعلم) ، تَفْسِير اللَّبن بِالْعلمِ لِكَوْنِهِمَا مشتركين فِي كَثْرَة النَّفْع بهما، وَفِي أَنَّهُمَا سَببا الصّلاح، فاللبن غذَاء الْإِنْسَان وَسبب صَلَاحهمْ وَقُوَّة أبدانهم، وَالْعلم سَبَب الصّلاح فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وغذاء الْأَرْوَاح. وَقَالَ الْمُهلب: رُؤْيَة اللَّبن فِي النّوم تدل على السّنة والفطرة وَالْعلم وَالْقُرْآن، لِأَنَّهُ أول شَيْء يَنَالهُ الْمَوْلُود من طَعَام الدُّنْيَا، وَبِه تقوم حَيَاته كَمَا تقوم بِالْعلمِ حَيَاة الْقُلُوب، فَهُوَ يُنَاسب الْعلم من هَذِه الْجِهَة، وَقد يدل على الْحَيَاة لِأَنَّهَا كَانَت فِي الصغر، وَقد يدل على الثَّوَاب لِأَنَّهُ من نعيم الْجنَّة، إِذْ روى نهر من اللَّبن، وَقد يدل على المَال والحلال. قَالَ: وَإِنَّمَا أَوله النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْعلمِ فِي عمر، رضي الله عنه، لصِحَّة فطرته وَدينه، وَالْعلم زِيَادَة فِي الْفطْرَة. فَإِن قلت: رُؤْيا الْأَنْبِيَاء، عليهم السلام، حق، فَهَل كَانَ هَذَا الشَّرَاب وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَاقعا حَقِيقَة، أَو هُوَ على سَبِيل التخيل؟ قلت: وَاقع حَقِيقَة وَلَا مَحْذُور فِيهِ إِذْ هُوَ مُمكن، وَالله على كل شَيْء قدير.
بَيَان الْبَيَان: فِيهِ: الِاسْتِعَارَة الْأَصْلِيَّة، وَهِي قَوْله:(إِنِّي لأري الرّيّ) ، لِأَن الرّيّ لَا يرى، وَلكنه شبه بالجسم، وأوقع عَلَيْهِ الْفِعْل ثمَّ أضيف إِلَيْهِ مَا هُوَ من خَواص الْجِسْم، وَهُوَ كَونه مرئيا.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ فَضِيلَة عمر، رضي الله عنه، وَجَوَاز تَعْبِير الرُّؤْيَا، ورعاية الْمُنَاسبَة بَين التَّعْبِير. وَمَا لَهُ التَّعْبِير.
23 -
(بَاب الفُتْيا وهْوَ واقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وغَيْرها)
الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع. الأول: أَن الْبَاب مَرْفُوع بِأَنَّهُ خير مُبْتَدأ مَحْذُوف مُضَاف إِلَى مَا بعده، وَفِيه حذف تَقْدِيره: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يستفتى بِهِ الشَّخْص وَهُوَ وَاقِف، أَي: وَالْحَال أَنه وَاقِف على ظهر الدَّابَّة أَو غَيرهَا. الثَّانِي: أَن الْفتيا، بِضَم الْفَاء: إسم، وَكَذَلِكَ الْفَتْوَى، وَهُوَ الْجَواب فِي الْحَادِثَة. يُقَال: استفتيت الْفَقِيه فِي مَسْأَلَة فأفتاني، وتفاتوا إِلَى الْفَقِيه: ارتفعوا إِلَيْهِ فِي الْفتيا، وَفِي (الْمُحكم) : أفتاه فِي الْأَمر أبانه لَهُ، والفتى والفتيا وَالْفَتْوَى مَا افتى بِهِ الْفَقِيه، الْفَتْح لأهل الْمَدِينَة. وَقَالَ الشَّيْخ، قطب الدّين: الْفتيا اسْم، ثمَّ قَالَ: وَلم يَجِيء من المصادر على: فعلى، غير الْفتيا والرجعي وبقيا ولقيا. قلت: فِيهِ نظران إحدهما: أَنه قَالَ أَولا: الْفتيا اسْم، ثمَّ قَالَ: مصدر. الثَّانِي: أَنه قَالَ: لم يجىء من المصادر على فعلى، يَعْنِي بِضَم الْفَاء، غير هَذِه الْأَمْثِلَة الْأَرْبَعَة، وَقد جَاءَ: العذرى بِمَعْنى الْعذر، والعسرى بِمَعْنى الْعسر، واليسرى بِمَعْنى الْيُسْر، والعتبى: بِمَعْنى العتاب، وَالْحُسْنَى بِمَعْنى الْإِحْسَان، والشورى بِمَعْنى المشورة، والرغبى بِمَعْنى الرَّغْبَة، والنهبى بِمَعْنى الانتهاب، وزلفى بِمَعْنى التزلف، وَهُوَ التَّقَرُّب، والبشرى بِمَعْنى الْبشَارَة. قَوْله:(على ظهر الدَّابَّة)، وَفِي بعض النّسخ: على الدَّابَّة، من دب على الأَرْض يدب دبيباً، وكل ماش على الأَرْض دَابَّة ودبيب، وَالدَّابَّة
الَّتِي تركب، قَالَه فِي (الْعباب) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: الدَّابَّة لُغَة: الْمَاشِيَة على الأَرْض، وَعرفا الْخَيل والبغل وَالْحمار، وَقَالَ بَعضهم: وَبَعض أهل الْعرف خصها بالحمار. قلت: لَيْسَ كَمَا قَالَا، وَإِنَّمَا الدَّابَّة فِي الْعرف اسْم لذات الْأَرْبَع من الْحَيَوَان، وَلَكِن مُرَاد البُخَارِيّ مَا قَالَه الصغاني، وَهِي: الدَّابَّة الَّتِي تركب. وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى جَوَاز سُؤال الْعَالم، وَإِن كَانَ مشتغلاً رَاكِبًا وماشياً وواقفاً وعَلى كل أَحْوَاله، وَلَو كَانَ فِي طَاعَة. وَقَالَ بعض الشَّارِحين: وَلَيْسَ فِي الحَدِيث الَّذِي أخرجه فِي الْبَاب لفظ الدَّابَّة ليطابق مَا بوب عَلَيْهِ. وَأجَاب بَعضهم: بِأَنَّهُ أحَال بِهِ على الطَّرِيق الْأُخْرَى الَّتِي أوردهَا فِي الْحَج، فَقَالَ: كَانَ على نَاقَته. قلت: بعد هَذَا الْجَواب كبعد الثرى من الثريا، وَكَيف يعْقد بَاب بترجمة، ثمَّ يُحَال مَا يُطَابق ذَلِك على حَدِيث يَأْتِي فِي بَاب آخر؟ وَيُمكن أَن يُجَاب: بِأَن بَين قَوْله: وَغَيرهَا، أَي: وَغير الدَّابَّة، وَبَين حَدِيث الْبَاب مُطَابقَة، لِأَن مَا فِيهِ وَهُوَ قَوْله:(وقف فِي حجَّة الْوَدَاع بمنى للنَّاس) ، أَعم من أَن يكون وُقُوفه على الأَرْض أَو على الدَّابَّة، وَيكون ذكر لفظ الدَّابَّة إِشَارَة إِلَى أَنه فِي حَدِيث الْبَاب طَرِيق أُخْرَى فِيهَا ذكر الدَّابَّة، وَهِي قَوْله: كَانَ على نَاقَته. الثَّالِث: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ فضل الْعلم، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب هُوَ الْفتيا، وَهُوَ أَيْضا من الْعلم.
83 -
حدّثنا إِسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَن ابنِ شِهابٍ عنْ عِيَسى بن طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرِو بنِ العَاص أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمنى للنَّاس يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أشْعُرْ فَحَلقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ {فَقَالَ: (ادْبَحْ ولَا حَرَجَ) فَجَاءَ آخرُ فَقَالَ: لَمْ أشْعُرْ فَنحَرْتُ قَبْلَ أنْ أرْميَ} قَالَ: (ارْمِ وَلَا حَرجَ) فمَا سُئِلَ النبيُّ الله صلى الله عليه وسلم عنْ شَيْءٍ قُدِّمَ ولَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: (افْعَلْ ولَا حَرَجَ) ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الحَدِيث هُوَ الاستفتاء والإفتاء، والترجمة هِيَ الْفتيا.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة. الأول: إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، ابْن اخت مَالك. الثَّانِي: مَالك بن أنس الإِمَام. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: عِيسَى بن طَلْحَة ابْن عبيد اللَّه الْقرشِي التَّيْمِيّ تَابِعِيّ، ثِقَة من أفاضل أهل الْمَدِينَة وعقلائهم، أَخُو مُوسَى وَمُحَمّد، مَاتَ سنة مائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة. الْخَامِس: عبد اللَّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ، رضي الله عنهما.
بَيَان لطائف أسناده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ هُنَا عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك، وَفِي الْعلم أَيْضا عَن أبي نعيم عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة، وَفِي الْحَج عَن عبد اللَّه بن يُوسُف عَن مَالك، وَعَن إِسْحَاق عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن صَالح، وَعَن سعيد بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي عَن أَبِيه عَن ابْن جريج، وَفِي النذور: وحَدثني عُثْمَان بن الْهَيْثَم عَن ابْن جريج، أربعتهم عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَعَن الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَعَن سعيد ابْن يحيى عَن أَبِيه، وَعَن عَليّ بن خشرم عَن عِيسَى بن يُونُس، وَعَن عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن بكر، ثَلَاثَتهمْ عَن ابْن جريج بِهِ، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن ابْن وهب عَن يُونُس، وَعَن ابْن عَمْرو عبد بن حميد كِلَاهُمَا عَن عبد الرازق عَن معمر، وَعَن مُحَمَّد بن عبد اللَّه بن قهزاد عَن عَليّ بن الْحسن عَن ابْن شَقِيق عَن ابْن الْمُبَارك عَن مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة، أربعتهم عَن الزُّهْرِيّ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ أَيْضا عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي وَابْن أبي عمر كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي عَن غنْدر عَن معمر بِهِ، وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى بن سعيد عَن مَالك بِهِ، وَعَن أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح عَن ابْن وهب عَن مَالك وَيُونُس بِهِ، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ أَيْضا عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن سُفْيَان بِهِ مُخْتَصرا: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (سُئِلَ عَمَّن ذبح قبل أَن يحلق أَو حلق قبل أَن يذبح؟ قَالَ: لَا حرج) .
بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (العَاصِي) : الْجُمْهُور على كِتَابَته بِالْيَاءِ، وَهُوَ الفصيح عِنْد أهل الْعَرَبيَّة، وَيَقَع فِي كثير من الْكتب بحذفها، وَقد قرىء فِي السَّبع نَحوه {كالكبير المتعال} (الرَّعْد: 9) و: {الداع} (الْبَقَرَة: 86، وَالْقَمَر: 6 و 8) قَالَ الْكرْمَانِي: وَقيل: أجوف، وَجمعه الأعياض. قلت: العَاصِي من الْعِصْيَان وَجمعه عصاة، كَالْقَاضِي يجمع على قُضَاة. والأعياص جمع عيص، بِكَسْر الْعين: وَهُوَ الشّجر الْكثير الملتف. وَقَالَ عمار: الْعيص من السدر والعوسج وَالسّلم من العصاة، كلهَا إِذا اجْتمع وتدانى والتف. وَفِي (الْعباب) : وَالْجمع عيصان وأعياص، وَفِيه: والأعياص من قُرَيْش أَوْلَاد أُميَّة بن عبد شمس الْأَكْبَر، وهم أَرْبَعَة: الْعَاصِ، وَأَبُو الْعَاصِ، والعيص وَأَبُو الْعيص. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العيصان من معادن بِلَاد الْعَرَب. قَوْله: (فِي حجَّة الْوَدَاع) ، بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا، وَالْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة الْفَتْح، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْحجَّة، بالكسرة: الْمرة الْوَاحِدَة، وَهُوَ من الشواذ، لِأَن الْقيَاس الْفَتْح. وَفِي (الْعباب) : الْحَج، بِالْكَسْرِ، الِاسْم. وَالْحجّة: الْمرة الْوَاحِدَة، وَهَذَا من الشواذ. قلت: يَعْنِي الْقيَاس فِي الْمرة الْفَتْح، قَالُوا. المفعل للموضع، والمفعل للآلة. والفعلة للمرة والفعلة للحالة. وَالْحجّة أَيْضا: السّنة، وَالْجمع: الْحجَج. وَذُو الْحجَّة: شهر الْحَج، وَالْجمع: ذَوَات الْحجَّة، كذوات الْقعدَة، وَلم يَقُولُوا: ذووا على واحده. وَالْحجّة، أَيْضا: شحمة الْأذن، و: الْوَدَاع، بِفَتْح الْوَاو، اسْم التوديع: كالسلام بِمَعْنى التَّسْلِيم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: جَازَ الْكسر بِأَن يكون من بَاب المفاعلة، وَتَبعهُ على هَذَا بَعضهم، وَمَا أَظن هَذَا صَحِيحا لِأَنَّهُ بِالْكَسْرِ يتَغَيَّر الْمَعْنى، لِأَن الْمُوَادَعَة مَعْنَاهَا الْمُصَالحَة، وَكَذَا الْوَدَاع بِالْكَسْرِ، وَالْمعْنَى هُوَ التوديع، وَهُوَ عِنْد الرحيل مَعْرُوف، وَهُوَ تخليف الْمُسَافِر النَّاس خافضين وادعين وهم يودعونه إِذا سَافر تفاؤلاً بالدعة الَّتِي يصير إِلَيْهَا إِذا نقل، أَو يتركونه وسفره. قَوْله:(بمنى) ؛ هُوَ قَرْيَة بِالْقربِ من مَكَّة تذبح فِيهَا الْهَدَايَا، وترمى فِيهَا الجمرات، وَهُوَ مَقْصُور مُذَكّر مَصْرُوف. قَوْله:(لم أشعر) ، بِضَم الْعين، أَي: لم أعلم، أَي: لم افطنه. يُقَال شعر يشْعر من بَاب: نصر ينصر، شعرًا وشعرة وشعرى، بِالْكَسْرِ فِيهِنَّ، وشعرة وبالفتح، وشعوراً ومشعوراً ومشعورة. قَالَ الصغاني: شَعرت بالشَّيْء أعلمت بِهِ، وفطنت لَهُ، وَمِنْه قَوْلهم: لَيْت شعري: مَعْنَاهُ: لَيْتَني أشعر، وَالشعر وَاحِد الْأَشْعَار. قَوْله:(وَلَا حرج) أَي: وَلَا إِثْم. قَوْله: (فنحرت) ، النَّحْر فِي اللبة مثل الذّبْح فِي الْحلق، وتستعمل بِمَعْنى الذَّبِيح.
بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (وقف)، جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر: إِن. قَوْله: (بمنى)، فِي مَحل النصب على الْحَال. قَوْله:(يسألونه) فِي مَحل النصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: وقف، وَيجوز أَن يكون: من النَّاس، أَي: وقف لَهُم حَال كَونهم سائلين عَنهُ، وَيجوز أَن يكون استئنافاً بيانياً لعِلَّة الْوُقُوف. قَوْله:(فجَاء رجل)، عطف على قَوْله: وقف. قَوْله: (فحلقت) الْفَاء فِيهِ سَبَبِيَّة، وَكَذَلِكَ الْفَاء فِي: فنحرت، كَأَنَّهُ جعل الْحلق والنحر كلا مِنْهُمَا مسبباً عَن عدم شعوره، كَأَنَّهُ يعْتَذر لتَقْصِيره. قَوْله:(قبل أَن أذبح) أَن: فِيهِ مَصْدَرِيَّة، أَي: قبل الذّبْح. قَوْله: (وَلَا حرج)، كلمة: لَا، للنَّفْي. وَقَوله:(حرج) اسْمه، مَبْنِيّ على الْفَتْح، وَخَبره مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: لَا حرج عَلَيْك قَوْله: (فجَاء آخر) أَي: رجل آخر. قَوْله: (أَن ارمي) أَن: فِيهِ أَيْضا مَصْدَرِيَّة، أَي: قبل الرَّمْي. قَوْله: (فَمَا سُئِلَ) على صِيغَة الْمَجْهُول، و: النَّبِي، مفعول نَاب عَن الْفَاعِل، و: عَن شَيْء، يتَعَلَّق بالسؤال. قَوْله:(قدم) على صِيغَة الْمَجْهُول، جملَة فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة: لشَيْء. قَوْله: (وَلَا أُخر) أَيْضا على صِيغَة الْمَجْهُول، عطف على: قدم، وَالتَّقْدِير: لَا قدم وَلَا أخر، لِأَن الْكَلَام الفصيح قل مَا يَقع: لَا، الدَّاخِلَة على الْمَاضِي فِيهِ إلَاّ مكررة، وَحسن ذَلِك هُنَا لِأَنَّهُ وَقع فِي سِيَاق النَّفْي، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى:{وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} (الْأَحْقَاف: 9) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (مَا سُئِلَ عَن شَيْء قدم أَو أخر إلَاّ قَالَ: إفعل وَلَا حرج) .
بَيَان الْمعَانِي: فِيهِ: حذف المفاعيل من قَوْله: (فحلقت) و (أَن أذبح) و (أذبح) و (فنحرت) و (أَن ارمي) و (ارْمِ) للْعلم بهَا بِقَرِينَة الْمقَام. قَوْله: (عَن شَيْء) أَي، مِمَّا هُوَ من الْأَعْمَال يَوْم الْعِيد، وَهِي: الرَّمْي والنحر وَالْحلق وَالطّواف. قَوْله: (افْعَل وَلَا حرج) قَالَ القَاضِي: قيل: هَذَا إِبَاحَة لما فعل وَقدم، وإجازة لَهُ لَا أَمر بالعيادة، كَأَنَّهُ قَالَ: إفعل ذَلِك كَمَا فعلته قبل، أَو مَتى شِئْت وَلَا حرج عَلَيْك، لِأَن السُّؤَال إِنَّمَا كَانَ عَمَّا انْقَضى وَتمّ.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ جَوَاز سُؤال الْعَالم رَاكِبًا وماشياً وواقفاً. الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز الْجُلُوس على الدَّابَّة للضَّرُورَة بل للْحَاجة، كَمَا كَانَ جُلُوسه، عليه الصلاة والسلام، عَلَيْهَا ليشرف على النَّاس، وَلَا يخفى عَلَيْهِم كَلَامه لَهُم. الثَّالِث: فِي تَرْتِيب الْأَعْمَال الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث، هَل هُوَ سنة وَلَا شَيْء فِي تَركه، أَو وَاجِب يتَعَلَّق الدَّم بِتَرْكِهِ؟ فَإلَى الأول ذهب الشَّافِعِي وَأحمد، وَإِلَى الثَّانِي ذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك. وَقَالَ عِيَاض: أجمع الْعلمَاء على أَن سنة الْحَاج أَن يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر، ثمَّ يطوف