المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها) - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌(كتاب الْعلم)

- ‌(بابُ فَضْلِ العِلْمِ)

- ‌(بَاب مَنْ سُئِلَ عِلْماً وَهوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأتَمَّ الحَدِيثَ ثُمَّ أجابَ السَّائِلَ

- ‌(بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعلْمِ)

- ‌(بَاب قَوْلِ المُحَدِّثِ: حدّثنا أوْ أخْبَرَنَا وأنْبأَنَا)

- ‌(بَاب طرْحِ الإِمَامِ المَسْألَةَ عَلى أصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ)

- ‌(بابٌ القِرَاءَةُ والعَرْضُ عَلَى المُحَدِّثِ)

- ‌(بَاب مَا يُذْكَرُ فِي المُناوَلَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ قعَدَ حَيْث يَنْتَهِي بِه المَجْلِسُ ومَنْ رَأى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيها)

- ‌(بَاب قَولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سامِعٍ)

- ‌(بابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ والعَمَلِ لِقولِهِ تَعَالَى {فاعلَمْ أنَّهُ لَا إلَهَ إلَاّ الله} (مُحَمَّد: 19) فبَدَأ بالعلْمِ)

- ‌(بَاب مَا كانَ النبيُّ يَتَخَوَّلُهُمْ بالموْعِظَةِ والعِلْمِ كَي لَا يَنْفِرُوا)

- ‌(بَاب مَنْ جَعَلَ لأهْلِ العِلْمِ أيَّاماً مَعلُومَةً)

- ‌(بَاب مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقِّههُ فِي الدِّينِ)

- ‌(بَاب الفَهمِ فِي العِلْمِ)

- ‌(بَاب الاغْتِباطِ فِي العِلْمِ والحِكْمَةِ)

- ‌(بَاب مَا ذُكِرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلَّى الله عَلَيْهِ فِي البَحْرِ إِلى الخضِرِ)

- ‌(بَاب قوْل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ)

- ‌(بَاب متَى يَصِحُّ سَماعُ الصَّغِيرِ)

- ‌(بابُ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ)

- ‌(بَاب فَضْل مَنْ عَلِمَ وعلَّمَ)

- ‌(بَاب رفْعِ العِلْمِ وظُهُورِ الجَهْلِ)

- ‌(بابُ فَضْلِ العلْمِ)

- ‌(بَاب الفُتْيا وهْوَ واقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وغَيْرها)

- ‌(بَاب مَنْ أجَاب الفُتْيا باشارَةِ اليَدِ والرَّأسِ)

- ‌(بَاب تحْرِيضِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى أنْ يَحْفَظُوا الإِيمانَ والعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ)

- ‌(بَاب الرِّحْلةِ فِي المَسْألَةِ النَّازِلِةِ وتَعْلِيمِ أهْلِهِ)

- ‌(بَاب التَّناوُبِ فِي العِلْمِ)

- ‌(بَاب الغَضَبِ فِي المَوْعِظَةِ والتَّعْلِيمِ إِذَا رَأى مَا يَكْرَهُ)

- ‌(بابُ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبتَيْهِ عِنْدَ الإِمامِ أَو المُحِدِّثِ)

- ‌(بَاب مَنْ أعادَ الحَدِيثَ ثَلاثاً لِيُفْهَمَ عَنْهُ)

- ‌(بَاب تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أمَتَهُ وأهْلَهُ)

- ‌(بَاب عِظَةِ الإِمامِ النِّساءَ وتَعْلِيمهنَّ)

- ‌(بابُ الحِرْصِ علَى الحدِيثِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ العِلْمُ)

- ‌(بابٌ هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّساءِ يَوْمٌ علَى حِدَةٍ فِي العِلْم)

- ‌(بابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئاً فَرَاجَعَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ)

- ‌(بابٌ لِيُبَلّغِ العِلْمَ الشَّاهِدُ الغائبَ)

- ‌(بابُ إثْمِ مَنْ كَذَبَ علَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بابُ كِتَابَةِ العلْمِ)

- ‌(تَابعه معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة)

- ‌(بابُ العِلْمِ والعِظَةِ باللَّيْلِ)

- ‌(بابُ السَّمَر فِي العِلْمِ)

- ‌(بابُ حِفْظِ العِلْمِ)

- ‌(بابُ الإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ)

- ‌(بابُ مَا يُسْتَحَبُّ للْعَالِمِ إذَا سُئِلَ: أيُّ النَّاسِ أعْلَمُ؟ فَيَكِلُ العِلْمَ إلَى اللَّهِ)

- ‌(بابُ مَنْ سَأَلَ وَهُوَ قائِمٌ عالِما جالِسا)

- ‌(بابٌ السُّؤَال والفُتْيا عِنْدَ رَمْيِ الجِمارِ)

- ‌(بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلَاّ قَلِيلاً} )

- ‌(بَاب من خص بِالْعلمِ قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفهموا)

- ‌(بَاب الْحيَاء فِي الْعلم)

- ‌(بَاب من استحيا فَأمر غَيره بالسؤال)

- ‌(بَاب ذكر الْعلم والفتيا فِي الْمَسْجِد)

- ‌(بَاب من أجَاب السَّائِل بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ)

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌(كتاب الْوضُوء)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَقَول الله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} )

- ‌(بَاب لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور)

- ‌(بَاب فضل الْوضُوء والغر المحجلون من آثَار الْوضُوء)

- ‌(بَاب لَا يتَوَضَّأ من الشَّك حَتَّى يستيقن)

- ‌(بَاب التَّخْفِيف فِي الْوضُوء)

- ‌(بَاب إسباغ الْوضُوء)

- ‌(بَاب غسل الْوَجْه باليدين من غرفَة وَاحِدَة)

- ‌(بَاب التَّسْمِيَة على كل حَال وَعند الوقاع)

- ‌(بَاب مَا يَقُول عِنْد الْخَلَاء)

- ‌(بَاب وضع المَاء عِنْد الْخَلَاء)

- ‌(بَاب لَا تسْتَقْبل الْقبْلَة بغائط أَو بَوْل إِلَّا عِنْد الْبناء جِدَار أَو نَحوه)

- ‌(بَاب من تبرز على لبنتين)

- ‌(بَاب خُرُوج النِّسَاء إِلَى البرَاز)

- ‌(بَاب التبرز فِي الْبيُوت)

- ‌(بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ)

- ‌(بَاب من حمل مَعَه المَاء لطهوره)

- ‌(بَاب حمل العنزة مَعَ المَاء فِي الِاسْتِنْجَاء)

- ‌(بَاب النَّهْي عَن الِاسْتِنْجَاء بِالْيَمِينِ)

- ‌(بَاب لَا يمسك ذكره بِيَمِينِهِ إِذا بَال)

- ‌(بَاب الِاسْتِنْجَاء بِالْحِجَارَةِ)

- ‌(بَاب لَا يستنجى بروث)

الفصل: ‌(باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها)

8 -

(بَاب مَنْ قعَدَ حَيْث يَنْتَهِي بِه المَجْلِسُ ومَنْ رَأى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيها)

الْكَلَام فِيهِ على نَوْعَيْنِ: الأول: أَن التَّقْدِير: هَذَا بَاب فِي بَيَان شَأْن من قعد

إِلَى آخِره، وَهُوَ مَرْفُوع على الخبرية مُضَاف إِلَى من، وَهِي مَوْصُولَة، و: قعد، جملَة الْفِعْل وَالْفَاعِل صلتها، و: حَيْثُ، ظرف للمكان مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة محلا، وَبني على الضَّم تَشْبِيها بالغايات. وَمن الْعَرَب من يعربه. قَوْله:(الْمجْلس)، مَرْفُوع بقوله: يَنْتَهِي. قَوْله: (وَمن رأى) عطف على: من قعد، و (الفرجة) بِضَم الْفَاء وَفتحهَا، لُغَتَانِ، وَهِي الْخلَل بَين الشَّيْئَيْنِ؛ قَالَه النَّوَوِيّ. وَقَالَ النّحاس: الفرجة، بِالْفَتْح، فِي الْأَمر، والفرجة بِالضَّمِّ فِيمَا يرى من الْحَائِط وَنَحْوه، وَفِي (الْعباب) : الفرجة، بِالْكَسْرِ، والفرجة بِالضَّمِّ لُغَتَانِ فِي فُرْجَة الْهم. وَقَالَ أَيْضا: الفرجة يَعْنِي، بِالْفَتْح: التفصي من الْهم. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الفرجة: الرَّاحَة من الْغم، وَذكر فِيهَا فتح الْفَاء وَضمّهَا وَكسرهَا، وَقد فرج لَهُ فِي الْحلقَة والصف وَنَحْو ذَلِك، بِفَتْح الْعين، يفرج بضَمهَا، وَلم يذكر الْجَوْهَرِي فِي الفرجة بَين الشَّيْئَيْنِ غير الضَّم، وَفِي التفصي من الْهم غير الْفَتْح، وَأنْشد عَلَيْهِ:

(رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأُم

ر لَهُ فُرْجَة كحل العقال)

(وَالْحَلقَة) ، هُنَا بِإِسْكَان اللَّام، وَحكى الْجَوْهَرِي فتحهَا، وَالْأول أشهر. وَفِي (الْعباب) : الْحلقَة، بالتسكين: الدروع، وَكَذَلِكَ حَلقَة الْبَاب، وحلقة الْقَوْم، وَالْجمع الْحلق على غير قِيَاس، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْجمع الْحلق، مِثَال: بدرة وَبدر، وقصعة وقصع. وَنهى رَسُول الله، عليه الصلاة والسلام، عَن الْحلق قبل الصَّلَاة، يَعْنِي صَلَاة الْجُمُعَة، نَهَاهُم عَن التحليق والاجتماع على مذاكرة الْعلم قبل الصَّلَاة، وَحكى يُونُس عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء: حَلقَة، فِي الْوَاحِد بِالتَّحْرِيكِ. وَالْجمع: حلق وحلقات. وَقَالَ ثَعْلَب: كلهم يُجِيز ذَلِك على ضعف. وَقَالَ الْفراء فِي نوادره: الْحلقَة، بِكَسْر اللَّام، لُغَة لِلْحَارِثِ بن كَعْب فِي الْحلقَة وَالْحَلقَة. وَقَالَ ابْن السّكيت: سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يَقُول: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب حَلقَة، بِالتَّحْرِيكِ، إلَاّ فِي قَوْلهم: هَؤُلَاءِ حَلقَة، للَّذين يحلقون الشّعْر جمع حالق. الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْبَاب الأول فِيهِ ذكر المناولة، وَهِي تكون فِي مجْلِس الْعلم، وَهَذَا الْبَاب فِي بَيَان شَأْن من يَأْتِي إِلَى الْمجْلس كَيفَ يقْعد، وَالْمرَاد مِنْهُ مجْلِس الْعلم، وَقَالَ بَعضهم: مُنَاسبَة هَذَا الْبَاب لكتاب الْعلم من جِهَة أَن المُرَاد بالحلقة: حَلقَة الْعلم، فَيدْخل فِي آدَاب الطَّالِب من هَذَا الْوَجْه. قلت: هَذَا الْقَائِل أَخذ هَذَا من كَلَام الْكرْمَانِي، وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ هَذَا بَيَان وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان وَجه مُنَاسبَة إِدْخَال هَذَا الْبَاب فِي كتاب الْعلم، وَلَيْسَ الْقُوَّة إلَاّ فِي بَيَان وُجُوه الْمُنَاسبَة بَين الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة فِي كتب هَذَا الْكتاب، وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: هَذَا الْبَاب حَقه أَن يَأْتِي عقب بَاب: من رفع صَوته بِالْعلمِ، أَو عقب بَاب: طرح الْمَسْأَلَة، لِأَن كليهمَا من آدَاب الْعَالم، وَهَذَا الْبَاب من آدَاب المتعلم، وَمَا بعد هَذَا الْبَاب يُنَاسب الْبَاب الَّذِي قبله، وَهُوَ قَوْله: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (رب مبلَّغٍ أوعى من سامع) . لِأَن فِيهِ معنى التَّحَمُّل عَن غير الْعَارِف، وَغير الْفَقِيه. قلت: الَّذِي ذَكرْنَاهُ أنسب لِأَن الْبَاب السَّابِق فِي بَيَان مناولة الْعَالم فِي مجْلِس علمه، وَهَذَا الْبَاب فِي بَيَان أدب من يحضر هَذَا الْمجْلس، كَمَا ذكرنَا.

66 -

حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَن إسْحاقَ بن عبدِ اللَّه أبي طَلْحَةَ أنّ أَبَا مُرَّة، مَوْلَى عَقِيلِ بنِ أبي طَالِبٍ، أخْبَرَهُ عنْ أبي واقِدٍ اللَّيثَّي أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَينَمَا هُو جالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنَّاس مَعَهُ إِذ أَقَبَلَ ثَلَاثةُ نَفَرٍ، فأقْبَلَ اثْنانِ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وذَهَبَ واحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأمّا أحدُهمُا فَرَأى فُرْجَةً فِي الحَلقَةِ فَجَلَس فِيهَا، وأمّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلفَهُم، وأمّا الثالِثُ فأدْبَرَ ذاهِباً. فلمَّا فَرَغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:(أَلا أُخُبِرُكُمْ عَن النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أمّا أحدُهُمْ فَأَوَى إِلَى الله فآوَاهُ الله، وأمّا الآخَرُ فاستَحْيا فاسْتحيْا الله مِنُه، وأمّا الآخَرُ فأعْرَضَ فأَعْرَضَ الله عَنهُ) .

(الحَدِيث 66 طرفه فِي 474) .

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن التَّرْجَمَة فِيمَن قعد حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس، وفيمن رأى فُرْجَة فِي الْحلقَة فَجَلَسَ فِيهَا

ص: 31

، والْحَدِيث مُشْتَمل على ذكر الْحلقَة والفرجة، وعَلى من جلس حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس، وَلأَجل هَذَا قَالَ: فِي الْحلقَة، وَلم يقل: وَمن رأى فُرْجَة فِي الْمجْلس، ليطابق مَا فِي الْبَاب من ذكر الْحلقَة، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الأول بِلَفْظ الْمجْلس للإشعار بِأَن حكمهمَا وَاحِد هَهُنَا.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة. الأول: إِسْمَاعِيل بن أويس. الثَّانِي: مَالك بن أنس الإِمَام. الثَّالِث: إِسْحَاق بن عبد اللَّه بن أبي طَلْحَة زيد بن سُهَيْل بن الْأسود بن حرَام الْأنْصَارِيّ النجاري، ابْن أخي أنس لأمه كَانَ يسكن دَار جده بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ تَابِعِيّ، سمع أَبَاهُ وَعَمه لأمه أنس بن مَالك وَغَيرهمَا، وَاتَّفَقُوا على توثيقه، وَهُوَ أشهر أخوته وَأَكْثَرهم حَدِيثا. وهم: عبد اللَّه وَيَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل وَعمر بَنو عبد اللَّه، وَكَانَ مَالك لَا يقدم على إِسْحَاق فِي الحَدِيث أحدا، توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة. الرَّابِع: أَبُو مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، اسْمه يزِيد، مولى عقيل بن أبي طَالب، وَقيل: مولى أَخِيه عَليّ، رضي الله عنه، وَقيل: مولى اختهما أم هانىء. روى عَن عَمْرو بن الْعَاصِ وَأبي هُرَيْرَة وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي وَاقد، روى لَهُ الْجَمَاعَة. قَالَ ابْن مَيْمُونَة: كَانَ شَيخا قَدِيما. الْخَامِس: أَبُو وَاقد، بِالْقَافِ الْمَكْسُورَة وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، وَاخْتلف فِي اسْمه، فَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: اسْمه الْحَارِث بن عَوْف، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: الْحَارِث بن مَالك. وَقَالَ غَيرهمَا: عَوْف بن الْحَارِث. قَالَ أَبُو عَمْرو: الأول أصح، ابْن أسيد بن جَابر بن عويرة بن عبد مَنَاة ابْن شجع بن عَامر بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن عَليّ بن كنَانَة بن خُزَيْمَة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: قَالَ بَعضهم: شهد بَدْرًا وَلم يذكرهُ مُوسَى بن عقبَة، وَلَا ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ، وَذكر بَعضهم أَنه كَانَ قديم الْإِسْلَام، وَيُقَال: أسلم يَوْم الْفَتْح، وَأخْبر عَن نَفسه أَنه شهد حنيناً. قَالَ: وَكنت حَدِيث عهد بِكفْر، وَهَذَا يدل على تَأَخّر إِسْلَامه. وَشهد بعد النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، اليرموك، ثمَّ جاور بِمَكَّة سنة، وَتُوفِّي بهَا، وَدفن بمقبرة الْمُهَاجِرين. روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَة وَعشْرين حَدِيثا، اتفقَا على حَدِيث، وَهُوَ هَذَا، وَزَاد مُسلم حَدِيثا آخر، وَهُوَ مَا كَانَ يقْرَأ بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْأَضْحَى. وَقيل: إِنَّه ولد فِي الْعَام الَّذِي ولد فِيهِ ابْن عَبَّاس، قَالَ الْمَقْدِسِي: وَفِي هَذَا وشهوده بَدْرًا نظر، وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة، روى لَهُ الْجَمَاعَة، وَفِي الصَّحَابَة من يكنى بِهَذِهِ الكنية ثَلَاثَة، هَذَا أحدهم، وثانيهم: أَبُو واقدٍ مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، روى عَنهُ أَبُو عمر زَاذَان. وثالثهم: أَبُو وَاقد النميري، روى عَنهُ نَافِع بن سرجس والليثي، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالتَّاء الْمُثَلَّثَة، نِسْبَة إِلَى لَيْث بن بكر الْمَذْكُور.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِي إِسْنَاده التحديث بِالْجمعِ والإفراد والعنعنة والاخبار. وَمِنْهَا: أَن رِجَاله مدنيون. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ. وَمِنْهَا: أَنه لَيْسَ للْبُخَارِيّ عَن أبي وَاقد غير هَذَا الحَدِيث، لم يروه عَنهُ إلَاّ أَبُو مرّة، وَلم يرو عَن أبي مرّة إلَاّ ابْن إِسْحَاق، وَقد صرح النَّسَائِيّ فِي رِوَايَته بِالتَّحْدِيثِ من طَرِيق يحيى بن أبي كثير عَن إِسْحَاق، فَقَالَ عَن أبي مرّة: إِن أَبَا وَاقد حَدثهُ.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عبد اللَّه ابْن يُوسُف عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ، وَعَن أَحْمد بن الْمُنْذر عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث عَن حَرْب بن شَدَّاد وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن حبَان بن هِلَال عَن أبان بن يزِيد، كِلَاهُمَا عَن يحيى بن أبي كثير عَن إِسْحَاق بن عبد الله بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ، عَن معن بن مَالك وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين عَن أبي الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ، وَعَن عَليّ بن سعيد بن جرير عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث بِهِ.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (نفر)، بِالتَّحْرِيكِ. قَالَ الْجَوْهَرِي: عدَّة رجال، من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَفِي (الْعباب) : النَّفر والنفير عدَّة رجال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، وَجمع النَّفر: أَنْفَار وانفرة ونفراء. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: نفر الرجل رهطه. فَإِن قلت: فعلى هَذَا التَّقْدِير أقل مَا يفهم مِنْهُ هَهُنَا تِسْعَة رجال، لِأَن أقل النَّفر ثَلَاثَة؟ لكنه لَيْسَ كَذَلِك، إِذْ لم يكن المقبلون إلَاّ رجَالًا ثَلَاثَة. قلت: مَعْنَاهُ ثَلَاثَة هِيَ نفر، كَأَن النَّفر هُوَ بَيَان للثَّلَاثَة، أَو المُرَاد من النَّفر مَعْنَاهُ الْعرفِيّ، إِذْ هُوَ بِحَسب الْعرف يُطلق على الرجل، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثَة رجال. فَإِن قلت: مُمَيّز الثَّلَاثَة لَا بُد أَن يكون جمعا، والنفر لَيْسَ بِجمع. قلت: النَّفر إسم جمع فِي وُقُوعه تمييزاً كالجمع. نَحْو قَوْله تَعَالَى: {تِسْعَة رَهْط} (النَّمْل: 48) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إِنَّمَا جَاءَ تَمْيِيز التِّسْعَة بالرهط لِأَنَّهُ فِي معنى الْجَمَاعَة،

ص: 32

فَكَأَنَّهُ قيل: تِسْعَة أنفسٍ، وَالْفرق بَين الرَّهْط والنفر: أَن الرَّهْط من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، أَو من السَّبْعَة إِلَى الْعشْرَة، والنفر من الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة، وَلَا يخفى مُخَالفَته لما فِي (الصِّحَاح) . قَوْله:(فَأَدْبَرَ) من الإدبار، وَهُوَ التولي. قَوْله:(فأوى إِلَى الله) بِالْهَمْزَةِ الْمَقْصُورَة. وَقَوله: (فآواه الله) بِالْهَمْزَةِ الممدودة، وَيُقَال بالمقصورة أَيْضا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الرِّوَايَة الصَّحِيحَة قصر الأول وَمد الثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُور فِي اللُّغَة، وَفِي الْقُرْآن:{إِذْ أَوَى الْفتية إِلَى الْكَهْف} (الْكَهْف: 10) بِالْقصرِ، {وآويناهما إِلَى ربوة} (الْمُؤْمِنُونَ: 50) بِالْمدِّ. وَقَالَ القَاضِي: حكى بَعضهم فيهمَا اللغتين: الْقصر وَالْمدّ، وَالْمَشْهُور الْفرق وَفِي (الْمطَالع) قَوْله:(فأوى إِلَى الله) مَقْصُور الْألف، فآواه الله، مَمْدُود الْألف هَذَا هُوَ الْأَشْهر فِيمَا روينَاهُ. وَقد جَاءَ الْمَدّ فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا، وَالْقصر فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا، لَكِن الْمَدّ فِي الْمُتَعَدِّي أشهر، وَالْقصر فِي اللَّازِم أشهر، وَمعنى: آواه الله: جعل الله لَهُ فِيهِ مَكَانا وفسحة لما انْضَمَّ إِلَيْهِ، أَعنِي مجْلِس النَّبِي، عليه الصلاة والسلام. وَقيل: قربه إِلَى مَوضِع نبيه، عليه الصلاة والسلام، وَقيل: يؤويه إِلَى ظلّ عَرْشه. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أَوَى فلَان إِلَى منزله يأوي أوياً، على فعول، وآويته إيواءً وأويته: إِذا انزلته بك. فعلت وأفعلت بِمَعْنى.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (بَيْنَمَا) قد مر غير مرّة أَن: بَيْنَمَا، أَصله: بَين، زيدت فِيهِ لَفْظَة: مَا. وَهُوَ من الظروف الَّتِي لَزِمت إضافتها إِلَى الْجُمْلَة، وَفِي بعض النّسخ: بَينا، بِغَيْر لَفْظَة: مَا، وأصل: بَينا، أَيْضا بَين، فاشبعت فَتْحة النُّون بِالْألف، وَالْعَامِل فِيهِ معنى المفاجأة المستفادة من لَفْظَة: إِذْ أقبل، وَقد قُلْنَا: إِن الْأَصْمَعِي لَا يستفصح مَجِيء إِذا وَإِذ فِي جَوَاب بَين. قَوْله: (هُوَ)، مُبْتَدأ و: جَالس، خَبره. وَقَوله:(فِي الْمَسْجِد) حَال، كَذَا قَوْله:(وَالنَّاس مَعَه) جملَة حَالية. قَوْله: (إِذْ أقبل) جَوَاب: بَيْنَمَا. وَقَوله: (ثَلَاثَة نفر) فَاعل أقبل. قَوْله: (وَذهب وَاحِد)، جملَة فعلية عطف على قَوْله:(فَأقبل اثْنَان) . قَوْله: (فوقفا) عطف على قَوْله: (أقبل اثْنَان) قَوْله: (فَأَما)، كلمة: اما، للتفصيل، و: أحدهم، مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره: فَرَأى فُرْجَة، وَإِنَّمَا دخلت: الْفَاء، لتضمن: اما، معنى الشَّرْط. وَإِنَّمَا أخرت إِلَى الْخَبَر كَرَاهَة أَن يوالى بَين حرفي الشَّرْط وَالْجَزَاء لفظا. قَوْله:(فَجَلَسَ فِيهَا) عطف على قَوْله: (فَرَأى)، وَالْكَلَام فِي إِعْرَاب:(وَأما الآخر فَجَلَسَ خَلفهم) ، كَالْكَلَامِ فِي الأول، وخلفهم، نصب على الظَّرْفِيَّة، وَكَذَا الْكَلَام فِي: أدبر. قَوْله: (ذَاهِبًا) . حَال. قَوْله: (قَالَ: ألَا) جَوَاب لما، وَألا، حرف التَّنْبِيه سَوَاء فِيهِ مَا كَانَ الْمُخَاطب بِهِ مُفردا أَو مثنى أَو مجموعاً، وَيحْتَمل أَن تكون الْهمزَة للاستفهام، و: لَا، للنَّفْي. قَوْله:(أما أحدهم) الْكَلَام فِي إعرابه، وَفِي إِعْرَاب: أما، الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة مثل الْكَلَام فِي إِعْرَاب: أما أَحدهمَا فَرَأى فُرْجَة.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: (إِذْ أقبل ثَلَاثَة نفر) : اعْلَم أَن هَهُنَا إقبالين: أَحدهمَا: إقبالهم أَولا من الطَّرِيق، أَقبلُوا ودخلوا الْمَسْجِد مارين، يدل عَلَيْهِ حَدِيث أنس رضي الله عنه:(فَإِذا ثَلَاثَة نفر يَمرونَ)، وَالْآخر: إقبال الِاثْنَيْنِ مِنْهُم حِين رَأَوْا مجْلِس النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأما الثَّالِث فَإِنَّهُ اسْتمرّ ذَاهِبًا. وَبِهَذَا التَّقْدِير سقط سُؤال من قَالَ: كَيفَ قَالَ أَولا: أقبل ثَلَاثَة؟ ثمَّ قَالَ: فَأقبل اثْنَان؟ وَالْحَال لَا يَخْلُو من أَن يكون الْمقبل اثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة. قَوْله: (فوقفا) زَاد فِي رِوَايَة (الْمُوَطَّأ) : (فَلَمَّا وَقفا سلما) ، وَكَذَا عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَلم يذكر البُخَارِيّ هَهُنَا، وَلَا فِي الصَّلَاة، السَّلَام وَكَذَا لم يَقع فِي رِوَايَة مُسلم. وَمعنى قَوْله:(فوقفا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقفا على مجْلِس رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو مَعْنَاهُ: أشرفا عَلَيْهِ، وَمِنْه وقفته على ذَنبه أَي: أطلعته عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم: على، بِمَعْنى: عِنْد. قلت: لم تجىء: على، بِمَعْنى: عِنْد، فَمن ادّعى ذَلِك فَعَلَيهِ الْبَيَان من كَلَام الْعَرَب. قَوْله: (وَأما الآخر)، بِفَتْح الْخَاء بِمَعْنى: وَأما الثَّانِي، لِأَن الآخر، بِالْفَتْح، أحد الشَّيْئَيْنِ، وَهُوَ اسْم أفعل، وَالْأُنْثَى: أُخْرَى إلَاّ أنّ فِيهِ معنى الصّفة، لِأَن أفعل من كَذَا لَا يكون إلَاّ فِي الصّفة. وَأما الآخر بِكَسْر الْخَاء، فَهُوَ بعد الأول، وَهُوَ صفة، يُقَال: جَاءَ آخرا، أَي: أخيراً. وَتَقْدِيره فَاعل، وَالْأُنْثَى آخِرَة، وَالْجمع أَوَاخِر. قَوْله:(فَلَمَّا فرغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي: عَمَّا كَانَ مشتغلاً بِهِ من الْخطْبَة، وَتَعْلِيم الْعلم أَو الذّكر، وَنَحْوه. قَوْله: (أما أحدهم) فِيهِ حذف تَقْدِيره قَالُوا: أخبرنَا، فَقَالَ: أما أحدهم فاوى إِلَى الله أَي: لَجأ إِلَى الله. وَقَالَ القَاضِي: مَعْنَاهُ: دخل مجْلِس ذكر الله. قَوْله: (فآواه الله) ، من بَاب المشاكلة. والمقابلة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{ومكروا ومكر الله} (آل عمرَان: 54) فَسمى مجازاته باسم فعله بطرِيق الْمجَاز، وَذَلِكَ لِأَن الإيواء هُوَ الْإِنْزَال عنْدك، وَهُوَ لَا يتَصَوَّر فِي حق الله تَعَالَى، فَيكون مجَازًا عَن لَازمه، وَهُوَ إِرَادَة إِيصَال الْخَيْر وَنَحْوه، فَيكون من ذكر الْمَلْزُوم، وَإِرَادَة اللَّازِم. وَيُقَال: مَعْنَاهُ فآواه الله إِلَى جنته. قَوْله: (وَأما الآخر فاستحيى) أَي: ترك الْمُزَاحمَة كَمَا فعل رَفِيقه حَيَاء من النَّبِي، عليه الصلاة والسلام، والحاضرين. قَالَه القَاضِي عِيَاض.

ص: 33