الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب إسباغ الْوضُوء)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان إسباغ الْوضُوء والإسباغ مصدر أَسْبغ وثلاثيه من سبغت النِّعْمَة تسبغ سبوغا أَي اتسعت وَقَالَ اللَّيْث كل شَيْء طَال إِلَى الأَرْض فَهُوَ سابغ وأسبغ الله عَلَيْهِ النِّعْمَة أَي أتمهَا قَالَ الله تَعَالَى {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} وإسباغ الْوضُوء إبلاغه موَاضعه وإيفاء كل عُضْو حَقه والتركيب يدل على تَمام الشَّيْء وكماله وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ أَن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول تَخْفيف الْوضُوء وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب مَا يُقَابله صُورَة وَإِن كَانَ لَا بُد فِي التَّخْفِيف من الإسباغ أَيْضا كَمَا ذَكرْنَاهُ (وَقَالَ ابْن عمر رضي الله عنهما إسباغ الْوضُوء الإنقاء) هَذَا تَعْلِيق أخرجه عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه مَوْصُولا بِإِسْنَاد صَحِيح وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسر الإسباغ بالإنقاء فَإِن قلت قد مر أَن الإسباغ فِي اللُّغَة الْإِتْمَام والاتساع قلت هَذَا من بَاب تَفْسِير الشَّيْء بلازمه إِذْ الْإِتْمَام يسْتَلْزم الإنقاء عَادَة وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر بِإِسْنَاد صَحِيح أَن ابْن عمر رضي الله عنهما كَانَ يغسل رجلَيْهِ فِي الْوضُوء سبع مَرَّات فَإِنَّهُ كَانَ يقْصد بذلك الإنقاء فَإِن قلت لم اقْتصر فِي ذَلِك على الرجلَيْن قلت لِأَنَّهُمَا مَحل الأوساخ غَالِبا لاعتيادهم الْمَشْي حُفَاة بِخِلَاف بَقِيَّة الْأَعْضَاء فَإِن قلت مَا وَجه ذَلِك وَقد مر أَن الزِّيَادَة على الثَّلَاث ظلم وتعد قلت قد ذكرنَا أَن وَجه ذَلِك فِيمَن لم ير الثَّلَاث سنة وَأما إِذا رَآهَا وَزَاد على أَنه من بَاب الْوضُوء على الْوضُوء يكون نورا على نور
5 -
(حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن مُوسَى بن عقبَة عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن أُسَامَة بن زيد رضي الله عنهما أَنه سَمعه يَقُول دفع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من عَرَفَة حَتَّى إِذا كَانَ بِالشعبِ نزل فَبَال ثمَّ تَوَضَّأ وَلم يسبغ الْوضُوء فَقلت الصَّلَاة يَا رَسُول الله فَقَالَ الصَّلَاة أمامك فَركب فَلَمَّا جَاءَ الْمزْدَلِفَة نزل فَتَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فصلى الْمغرب ثمَّ أَنَاخَ كل إِنْسَان بعيره فِي منزله ثمَّ أُقِيمَت الْعشَاء فصلى وَلم يصل بَينهمَا) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فَتَوَضَّأ وأسبغ الْوضُوء فَإِن قلت الْمَذْكُور فِيهِ شَيْئَانِ الإسباغ وَتَركه فَمَا الْمُرَجح فِي تبويب التَّرْجَمَة على الإسباغ قلت لِأَنَّهُ بوب الْبَاب السَّابِق فِي تَخْفيف الْوضُوء فَتعين أَن يكون الْبَاب الَّذِي يتلوه فِي الإسباغ. (بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة الأول عبد الله بن مسلمة بِفَتْح الميمين وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة القعْنبِي وَقد مر الثَّانِي الإِمَام مَالك رحمه الله الثَّالِث مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي مولى الزبير بن الْعَوام وَيُقَال مولى أم خَالِد زَوْجَة الزبير القريشي أَخُو مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم وَكَانَ إِبْرَاهِيم أكبر من مُوسَى روى عَن كريب وَأم خَالِد الصحابية وَغَيرهمَا وَعنهُ مَالك والسفيانان وَغَيرهم وَكَانَ من الْمُفْتِينَ الثِّقَات مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة ومغازيه أصح الْمَغَازِي كَمَا قَالَه مَالك وَغَيره وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة من اسْمه مُوسَى بن عقبَة غَيره الرَّابِع كريب وَقد تقدم عَن قريب الْخَامِس أُسَامَة بِضَم الْهمزَة بن زيد بن حَارِثَة بن شرَاحِيل الْكَلْبِيّ الْمدنِي الْحبّ ابْن الْحبّ وَكَانَ نقش خَاتمه حب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مولى النَّبِي عليه الصلاة والسلام وَابْن حاضنته ومولاته أم أَيمن اسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْن ثَمَانِي عشرَة سنة وَقبض النَّبِي عليه الصلاة والسلام وَهُوَ ابْن عشْرين روى لَهُ مائَة حَدِيث وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ حَدِيثا اتفقَا على خَمْسَة عشر حَدِيثا وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بحديثين وَمُسلم بحديثين مَاتَ بوادي الْقرى سنة أَربع وَخمسين على الْأَصَح وَهُوَ ابْن خمس وَخمسين وَذكر الله أَبَاهُ زيدا فِي الْقُرْآن باسمه وَأُسَامَة بن زيد سِتَّة أحدهم هَذَا وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه أُسَامَة بن زيد سواهُ وَإِن كَانَ فيهم من اسْمه أُسَامَة الثَّانِي تنوخي روى عَن زيد بن أسلم وَغَيره الثَّالِث ليثي روى عَن نَافِع وَغَيره الرَّابِع مدنِي مولى عمر بن الْخطاب ضَعِيف الْخَامِس كَلْبِي روى عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَغَيره السَّادِس شيرازي روى عَن أبي حَامِد الفضلي
(بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع وَمِنْهَا أَن رِجَاله كلهم مدنيون وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ مُوسَى عَن كريب وَمِنْهَا أَن رِجَاله كلهم من رجال الْكتب السِّتَّة إِلَّا عبد الله بن مسلمة فَإِن ابْن مَاجَه لم يخرج لَهُ (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك بِهِ وَعَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن يحيى بن سعيد عَن مُوسَى بن عقبَة عَن كريب وَفِي الطَّهَارَة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن يزِيد بن هرون عَن يحيى بن سعيد بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن رمح عَن لَيْث بن سعد عَن يحيى بن سعيد بِهِ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب كِلَاهُمَا عَن ابْن الْمُبَارك وَعَن إِسْحَق عَن يحيى بن آدم عَن زُهَيْر كِلَاهُمَا عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة وَعَن إِسْحَق عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عقبَة كِلَاهُمَا عَن كريب بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن القعْنبِي بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة بِهِ وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان عَن يزِيد بن هَارُون بِهِ وَعَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ وَعَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة بِهِ مُخْتَصرا (بَيَان اللُّغَات) قَوْله دفع من عَرَفَة أَي أَفَاضَ مِنْهَا يُقَال دفع السَّيْل من الْجَبَل إِذا انصب مِنْهُ وَدفعت إِلَيْهِ شَيْئا أدفعه دفعا وَدفعت الرجل قَالَ الله تَعَالَى {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} وَدفعت عَنهُ الْأَذَى واندفعوا فِي الحَدِيث أَو الإنشاد أفاضوا فِيهِ والاندفاع مُطَاوع الدّفع وتدافع الْقَوْم فِي الْحَرْب أَي دفع بَعضهم بَعْضًا قَالَ الصغاني التَّرْكِيب يدل على تنحية الشَّيْء قَوْله من عَرَفَة على وزن فعلة اسْم للزمان وَهُوَ الْيَوْم التَّاسِع من ذِي الْحجَّة وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَقيل عَرَفَة وعرفات كِلَاهُمَا اسمان للمكان الْمَخْصُوص وَقَالَ الصغاني وَيَوْم عَرَفَة التَّاسِع من ذِي الْحجَّة وَتقول هَذَا يَوْم عَرَفَة غير منون وَلَا تدْخلهَا الْألف وَاللَّام وعرفات الْموضع الَّذِي يقف الْحَاج بِهِ يَوْم عَرَفَة قَالَ الله تَعَالَى {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} وَهِي اسْم فِي لفظ الْجمع فَلَا تجمع قَالَ الْفراء لَا وَاحِد لَهَا وَقَول النَّاس نزلنَا عَرَفَة شَبيه بمولد وَلَيْسَ بعربي مَحْض سميت بِهِ لِأَن آدم عرف حَوَّاء بهَا فَإِن الله تَعَالَى أهبط آدم بِالْهِنْدِ وحواء بجدة فتعارفا فِي الْموقف أَو لِأَن جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام عرف إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام الْمَنَاسِك هُنَاكَ أَو للجبال الَّتِي فِيهَا وَالْجِبَال الَّتِي هِيَ الْأَعْرَاف وكل بَاب فَهُوَ عرف وَمِنْه عرف الديك أَو لِأَن النَّاس يعترفون فِيهَا بِذُنُوبِهِمْ ويسألون غفرانها وَقيل لِأَنَّهَا مَكَان مقدس مُعظم كَأَنَّهُ قد عرف أَي طيب قَوْله بِالشعبِ بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل وَالْمرَاد بِهِ الشّعب الْمَعْهُود للحجاج قَوْله الْمزْدَلِفَة هِيَ مَوضِع مَخْصُوص بَين عَرَفَات وَمنى وَقيل سميت بهَا لِأَن الْحجَّاج يزدلفون فِيهَا إِلَى الله تَعَالَى أَي يَتَقَرَّبُون بِالْوُقُوفِ فِيهَا إِلَيْهِ وَيُسمى أَيْضا جمعا لِأَن آدم اجْتمع فِيهَا مَعَ حَوَّاء عليهما السلام وازدلف إِلَيْهَا أَي دنا فَلذَلِك سميت مُزْدَلِفَة أَيْضا وَعَن قَتَادَة لِأَنَّهُ يجمع فِيهَا بَين الصَّلَاتَيْنِ قلت الْمزْدَلِفَة بِضَم الْمِيم من الازدلاف وَهُوَ التَّقَرُّب أَو الِاجْتِمَاع فَمن الأول قَوْله تَعَالَى {وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين} أَي قربت وَمن الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وأزلفنا ثمَّ الآخرين} أَي جمعناهم وَلذَلِك قيل لَهَا جمع (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله سَمعه جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر أَن قَوْله يَقُول جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال قَوْله دفع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مقول القَوْل قَوْله حَتَّى إِذا كَانَ بِالشعبِ كلمة حَتَّى هَذِه ابتدائية أَعنِي حرفا يبتدأ بعده الْجُمْلَة سَوَاء كَانَت اسمية أَو فعلية وَيجوز أَن تكون جَارة على مَا نقل عَن الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا فشلتم} فعلى هَذَا قَوْله إِذا فِي مَحل الْجَرّ بهَا وعَلى الأول يكون موضعهَا النصب وَالْعَامِل فِيهِ قَوْله نزل وَالْبَاء فِي بِالشعبِ ظرفية قَوْله فَبَال عطف على نزل قَوْله فَقلت الصَّلَاة بِالنّصب وَاخْتلفُوا فِي الناصب فَقَالَ القَاضِي على الاغراء وَقيل على تَقْدِير أَتُرِيدُ الصَّلَاة وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي رِوَايَة تَأتي فَقلت أَتُصَلِّي يَا رَسُول الله يَعْنِي أَتُرِيدُ الصَّلَاة قلت الأولى أَن يقدر نصلي الصَّلَاة يَا رَسُول الله وَيجوز فِيهِ الرّفْع على تَقْدِير حانت الصَّلَاة أَو حضرت قَوْله الصَّلَاة أمامك بِرَفْع الصَّلَاة على الِابْتِدَاء وَخَبره أمامك قَوْله الْمزْدَلِفَة بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول جَاءَ وَفِي الأَصْل جَاءَ إِلَى الْمزْدَلِفَة وَقَوله نزل جَوَاب لما (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله دفع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من عَرَفَة أَي رَجَعَ من وقُوف عَرَفَة بِعَرَفَات لأَنا قُلْنَا أَن عَرَفَة اسْم الْيَوْم التَّاسِع من ذِي الْحجَّة فَحِينَئِذٍ يكون الْمُضَاف فِيهِ محذوفا وعَلى قَول من يَقُول أَن عَرَفَة اسْم للمكان أَيْضا لَا حَاجَة إِلَى التَّقْدِير وَقد مر أَنه لُغَة بلدية قَوْله وَلم يسبغ الْوضُوء أَي خففه وَيُؤَيِّدهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم فَتَوَضَّأ وضوأ خَفِيفا
وَيُقَال مَعْنَاهُ لم يكمله يَعْنِي تَوَضَّأ مرّة مرّة لَكِن بالإسباغ وَقيل مَعْنَاهُ خفف اسْتِعْمَال المَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَالب عاداته وَقيل المُرَاد بِهِ الْوضُوء اللّغَوِيّ أَي اقْتصر على بعض الْأَعْضَاء وَهُوَ بعيد وَأبْعد مِنْهُ مَا قيل أَن المُرَاد بِهِ الِاسْتِنْجَاء كَمَا قَالَ عِيسَى بن دِينَار وَجَمَاعَة وَمِمَّا يوهنه رِوَايَة البُخَارِيّ الْآتِيَة فِي بَاب الرجل يوضىء صَاحبه أَنه عليه الصلاة والسلام عدل إِلَى الشّعب فَقضى حَاجته فَجعلت أصب المَاء عَلَيْهِ وَيتَوَضَّأ وَلَا يجوز أَن يصب أُسَامَة عَلَيْهِ إِلَّا وضوء الصَّلَاة لِأَنَّهُ كَانَ لَا يقرب مِنْهُ أحد وَهُوَ على حَاجته وَأَيْضًا فقد قَالَ أُسَامَة عقيب ذَلِك الصَّلَاة يَا رَسُول الله ومحال أَن يَقُول لَهُ الصَّلَاة وَلم يتَوَضَّأ وضوء الصَّلَاة وَأبْعد من قَالَ إِنَّمَا لم يسبغه لِأَنَّهُ لم يرد أَن يُصَلِّي بِهِ فَفعله ليَكُون مستصحبا للطَّهَارَة فِي مسيره فَإِنَّهُ كَانَ فِي عَامَّة أَحْوَاله على طهر وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد إِنَّمَا لم يسبغه ليذكر الله لأَنهم يكثرون مِنْهُ عَشِيَّة الدّفع من عَرَفَة وَقَالَ غَيره إِنَّمَا فعله لإعجاله الدّفع إِلَى الْمزْدَلِفَة فَأَرَادَ أَن يتَوَضَّأ وضُوءًا يرفع بِهِ الْحَدث لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ لَا يبْقى بِغَيْر طَهَارَة وَكَذَا قَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا ترك إسباغه حَتَّى نزل الشّعب ليَكُون مستصحبا للطَّهَارَة فِي طَرِيقه وَيجوز فِيهِ لِأَنَّهُ لم يرد أَن يُصَلِّي بِهِ فَلَمَّا نزل وَأَرَادَهَا أسبغه قَوْله الصَّلَاة أمامك بِفَتْح الْهمزَة أَي قدامك وَقَالَ الْخطابِيّ يُرِيد أَن مَوضِع هَذِه الصَّلَاة الْمزْدَلِفَة وَهِي أمامك وَهَذَا تَخْصِيص لعُمُوم الْأَوْقَات المؤقتة للصلوات الْخمس لبَيَان فعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَفِيه دَلِيل على أَنه لَا يُصليهَا الْحَاج إِذا أَفَاضَ من عَرَفَة حَتَّى يبلغهَا وَأَن عَلَيْهِ أَن يجمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء بِجمع على مَا سنه الرَّسُول عليه الصلاة والسلام بِفِعْلِهِ وَبَينه بقوله وَلَو أَجْزَأته فِي غير الْمَكَان لما أَخّرهَا عَن وَقتهَا الْمُؤَقت لَهَا فِي سَائِر الْأَيَّام وَقَالَ الْكرْمَانِي لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على أَنه لَا يجوز إِذْ فعله الْمُجَرّد لَا يدل إِلَّا على النّدب وملازمة الشّرطِيَّة فِي قَوْله لما أَخّرهَا مَمْنُوعَة لِأَن ذَلِك لبَيَان جَوَاز تَأْخِيرهَا أَو بَيَان ندبية التَّأْخِير إِذْ الأَصْل عدم الْجَوَاز قلت لَا نسلم نفي الدَّلِيل على عدم الْجَوَاز لِأَن فعله قارنه قَوْله فَدلَّ على عدم الْجَوَاز وَإِنَّمَا يمشي كَلَامه إِن لَو كَانَ أُسَامَة عَالما بِالسنةِ وَلم يكن يعلم ذَلِك لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أول من سنّهَا فِي حجَّة الْوَدَاع والموضع مَوضِع الْحَاجة إِلَى الْبَيَان فقر أَن بقوله دَلِيل على عدم الْجَوَاز وَوُجُوب تَأْخِيرهَا إِلَى غير وَقتهَا الْمَعْهُود وَالله أعلم فَإِن قلت الصَّلَاة أمامك قَضِيَّة حملية فَكيف يَصح هَذَا الْحمل لِأَن الصَّلَاة لَيست بِإِمَام قلت الْمُضَاف فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره وَقت الصَّلَاة أمامك إِذْ نَفسهَا لَا تُوجد قبل إيجادها وَعند إيجادها لَا تكون أَمَامه وَقيل مَعْنَاهُ الْمصلى أمامك أَي مَكَان الصَّلَاة فَيكون من قبيل ذكر الْحَال وَإِرَادَة الْمحل وَهُوَ أَعم من أَن يكون مَكَانا أَو زَمَانا قَوْله ثمَّ أَنَاخَ كل إِنْسَان بعيره كَأَنَّهُمْ فعلوا ذَلِك خشيَة مَا يحصل مِنْهَا من التشويش بقيامها قَوْله ثمَّ أُقِيمَت الْعشَاء بِكَسْر الْعين وبالمد وَالْمرَاد بِهِ صَلَاة الْعشَاء وَهِي الَّتِي وَقتهَا من غرُوب الشَّفق إِلَى طُلُوع الْفجْر الصَّادِق وَهُوَ فِي اللُّغَة من صَلَاة الْمغرب إِلَى الْعَتَمَة وَقيل من الزَّوَال إِلَى الطُّلُوع (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ دَلِيل لأبي حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن فِيمَا ذَهَبا إِلَيْهِ من وجوب تَأْخِير صَلَاة الْمغرب إِلَى وَقت الْعشَاء حَتَّى لَو صلى الْمغرب فِي الطَّرِيق لم يجز وَعَلِيهِ إِعَادَتهَا مَا لم يطلع الْفجْر وَبِه قَالَ زفر وَجَمَاعَة من الْكُوفِيّين وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يُصليهَا قبلهَا إِلَّا من بِهِ أَو بدابته عذر فَلهُ أَن يُصليهَا قبلهَا بِشَرْط كَونه بعد مغيب الشَّفق وَحكى ابْن التِّين عَن الْمُدَوَّنَة أَنه يُعِيد إِذا صلى الْمغرب قبل أَن يَأْتِي الْمزْدَلِفَة أَو جمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء بعد مغيب الشَّفق وَقبل أَن يَأْتِيهَا وَعَن أَشهب الْمَنْع إِلَّا أَن يكون صلى قبل مغيب الشَّفق فَيُعِيد الْعشَاء بعْدهَا أبدا وَبئسَ مَا صنع وَقيل يُعِيد الْأَخِيرَة فَقَط وَقَالَ فِي المعونة إِن صلى الْمغرب بِعَرَفَة فِي وَقتهَا فقد ترك الِاخْتِيَار وَالسّنة ويجزيه خلافًا لأبي حنيفَة وَقَالَ أَشهب وَإِذا أسْرع فوصل الْمزْدَلِفَة قبل مغيب الشَّفق جمع وَخَالفهُ ابْن الْقَاسِم فَقَالَ لَا يجمع حَتَّى يغيب وَقَالَت الشَّافِعِيَّة لَو جمع بَينهمَا فِي وَقت الْمغرب فِي أَرض عَرَفَات أَو فِي الطَّرِيق أَو فِي مَوضِع آخر وَصلى كل صَلَاة فِي وَقتهَا جَازَ جَمِيع ذَلِك وَإِن خَالف الْأَفْضَل وَبِه قَالَ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَأَشْهَب وفقهاء أَصْحَاب الحَدِيث. الثَّانِي فِيهِ عدم وجوب الْمُوَالَاة فِي جمع التَّأْخِير فَإِنَّهُ وَقع الْفَصْل بَينهَا بإناخة كل إِنْسَان بعيره فِي منزله. الثَّالِث فِيهِ الْإِقَامَة لكل من صَلَاتي الْجمع وَهُوَ مَذْهَب عبد الرَّحْمَن بن يزِيد وَالْأسود وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَهُوَ مَذْهَب عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود رضي الله عنهما وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك كل صَلَاة إِلَى الْأَئِمَّة فلهَا أَذَان وَإِقَامَة وَقَالَ