الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ السِّنْدِيُّ فَذَاكَ أَيْ يُبَاحُ لَهُ أَوْ هُوَ مُصِيبٌ لَكِنْ لَا يُدْرَى الْمُوَافِقُ فَلَا يُبَاحُ أَوْ فَلَا يُعْرَفُ الْمُصِيبُ فَلَا يَنْبَغِي الِاشْتِغَالُ بِمِثْلِهِ الْحَاصِلُ أَنَّهُ مُنِعَ عَنْ ذَلِكَ انتهى
قال الإمام بن الأثير قال بن عَبَّاسٍ الْخَطُّ هُوَ الَّذِي يَخُطُّهُ الْحَازِي وَهُوَ عِلْمٌ قَدْ تَرَكَهُ النَّاسُ يَأْتِي صَاحِبُ الْحَاجَةِ إِلَى الْحَازِي فَيُعْطِيهِ حُلْوَانًا فَيَقُولُ لَهُ اقْعُدْ حَتَّى أَخُطَّ لَكَ وَبَيْنَ يَدَيِ الْحَازِي غُلَامٌ لَهُ مَعَهُ مِيلٌ ثُمَّ يَأْتِي إِلَى أَرْضٍ رَخْوَةٍ فَيَخُطُّ فِيهَا خُطُوطًا كَثِيرَةً بِالْعَجَلَةِ لِئَلَّا يَلْحَقَهَا الْعَدَدُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَمْحُو مِنْهَا عَلَى مَهَلٍ خَطَّيْنِ خَطَّيْنِ وَغُلَامُهُ يَقُولُ لِلتَّفَاؤُلِ ابْنَيْ عِيَانَ أَسْرِعَا الْبَيَانَ فَإِنْ بَقِيَ خَطَّانِ فَهُمَا عَلَامَةُ النُّجْحِ وَإِنْ بَقِيَ خَطٌّ وَاحِدٌ فَهُوَ عَلَامَةُ الْخَيْبَةِ
قَالَ الْحَرْبِيُّ الْخَطُّ هُوَ أَنْ يَخُطَّ ثَلَاثَةَ خُطُوطٍ ثُمَّ يَضْرِبُ عَلَيْهِنَّ بِشَعِيرٍ أَوْ نَوًى وَيَقُولُ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْكِهَانَةِ
قُلْتُ الْخَطُّ الْمُشَارُ إِلَيْهِ عِلْمٌ مَعْرُوفٌ وَلِلنَّاسِ فِيهِ تَصَانِيفُ كَثِيرَةٌ وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ إِلَى الْآنَ وَلَهُمْ فِيهِ أَوْضَاعٌ وَاصْطِلَاحٌ وَعَمَلٌ كَثِيرٌ وَيَسْتَخْرِجُونَ بِهِ الضَّمِيرَ وَغَيْرَهُ وَكَثِيرًا مَا يُصِيبُونَ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا
3 -
(بَاب فِي الطِّيَرَةِ)
[3910]
وَتَقَدَّمَ آنِفًا تَفْسِيرُهُ
(الطِّيَرَةُ شِرْكٌ) أَيْ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الطِّيَرَةَ تَجْلِبُ لَهُمْ نَفْعًا أَوْ تَدْفَعُ عَنْهُمْ ضُرًّا فَإِذَا عَمِلُوا بِمُوجِبِهَا فَكَأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ فِي ذَلِكَ وَيُسَمَّى شِرْكًا خَفِيًّا وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ يَنْفَعُ أَوْ يَضُرُّ بِالِاسْتِقْلَالِ فَقَدْ أَشْرَكَ شِرْكًا جَلِيًّا
قَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا سَمَّاهَا شِرْكًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مَا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ سَبَبًا مُؤَثِّرًا فِي حُصُولِ الْمَكْرُوهِ وَمُلَاحَظَةُ الْأَسْبَابِ فِي الْجُمْلَةِ شِرْكٌ خَفِيٌّ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا جَهَالَةٌ وَسُوءُ اعْتِقَادٍ (ثَلَاثًا) مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ عَنْهَا (وَمَا مِنَّا) أَيْ أَحَدٌ (إِلَّا) أَيْ إِلَّا مَنْ يَخْطِرُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الطِّيَرَةِ شَيْءٌ مَا لِتَعَوُّدِ النُّفُوسِ بِهَا فَحُذِفَ الْمُسْتَثْنَى كَرَاهَةَ أَنْ يُتَلَفَّظَ بِهِ
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ أَيْ إِلَّا مَنْ يَعْرِضُ لَهُ الْوَهْمُ مِنْ قِبَلَ الطِّيَرَةِ وَكَرِهَ أَنْ يُتِمَّ كَلَامَهُ ذَلِكَ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْحَالَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَدَبِ الْكَلَامِ يَكْتَفِي دُونَ الْمَكْرُوهِ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَضْرِبُ لِنَفْسِهِ مَثَلَ السَّوْءِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ قَدْ يَعْتَرِيهِ الطِّيَرَةُ وَيَسْبِقُ إِلَى قَلْبِهِ الْكَرَاهَةُ فِيهِ فَحُذِفَ اخْتِصَارًا لِلْكَلَامِ وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ انْتَهَى
قَالَ السُّيُوطِيُّ وَذَلِكَ الْحَذْفُ يُسَمَّى فِي الْبَدِيعِ بِالِاكْتِفَاءِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا مِنَّا إِلَى آخِرِهِ لَيْسَتْ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَهُوَ الصَّوَابُ
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْفَرْقُ بَيْنَ الطيرة والتطير أن التطير هو الظن السيء الَّذِي فِي الْقَلْبِ وَالطِّيَرَةُ هُوَ الْفِعْلُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الظَّنِّ السَّيِّئِ (وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ) مِنَ الْإِذْهَابِ (بِالتَّوَكُّلِ) أَيْ بِسَبَبِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَطْرَةَ لَيْسَ بِهَا عِبْرَةٌ فَإِنْ وَقَعَتْ غَفْلَةً لَا بُدَّ مِنْ رَجْعَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سلمة بْنِ كُهَيْلٍ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يُنْكِرُ هَذَا وَيَقُولُ هَذَا الْحَرْفُ لَيْسَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ وكأنه قول بن مَسْعُودٍ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ نَحْوَ هَذَا وَأَنَّ الَّذِي أَنْكَرَهُ وَمَا مِنَّا إِلَّا انْتَهَى
[3911]
(لَا عَدْوَى) نَفْيٌ لِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ سِرَايَةِ الْمَرَضِ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَى غَيْرِهِ (وَلَا صَفَرَ) نَفْيٌ لِمَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ أَنَّهُ دَاءٌ بِالْبَاطِنِ يُعْدِي أَوْ حَيَّةٌ فِي الْبَطْنِ تُصِيبُ الْمَاشِيَةَ وَالنَّاسَ وَهِيَ تُعْدِي أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ أَوِ الْمُرَادُ الشَّهْرُ الْمَعْرُوفُ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِدُخُولِهِ أَوْ هُوَ دَاءٌ فِي الْبَطْنِ مِنَ
الْجُوعِ أَوْ مِنِ اجْتِمَاعِ الْمَاءِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الِاسْتِسْقَاءُ (وَلَا هَامَةَ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ طَائِرٌ وَقِيلَ هُوَ الْبُومَةُ
قَالُوا إِذَا سَقَطَتْ عَلَى دَارِ أَحَدِهِمْ وَقَعَتْ فِيهَا مُصِيبَةٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (مَا بَالُ الْإِبِلِ) أَيْ مَا شَأْنُ جَمَاعَةٍ مِنْهَا (تَكُونُ فِي الرَّمْلِ) هُوَ خَبَرُ تَكُونُ (كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ) فِي النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الدَّاءِ وَالظِّبَاءُ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مَهْمُوزٌ مَمْدُودٌ وَفِي الرَّمْلِ خَبَرٌ وَكَأَنَّهَا الظِّبَاءُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي الْخَبَرِ وَهُوَ تَتْمِيمٌ لِمَعْنَى النَّقَاوَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي التُّرَابِ رُبَّمَا يَلْصَقُ بِهَا شَيْءٌ مِنْهُ (الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ) أَيِ الَّذِي فِيهِ جَرَبٌ وَحَكَّةٌ (فَيُجْرِبُهَا) مِنَ الْإِجْرَابِ أَيْ يَجْعَلُهَا جَرِبَةً بِإِعْدَائِهَا
وَهَذَا الْجَوَابُ فِي غَايَةِ الْبَلَاغَةِ أَيْ مِنْ أَيْنَ جَاءَ الْجَرَبُ لِلَّذِي أَعْدَى بِزَعْمِهِمْ فَإِنْ أَجَابُوا مِنْ بَعِيرٍ آخَرَ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلْيُفْصِحُوا بِهِ
فَإِنْ أَجَابُوا بِأَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ فِي الْأَوَّلِ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ فِي الثَّانِي ثَبَتَ الْمُدَّعَى وَهُوَ الَّذِي فَعَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ هُوَ الْقَادِرُ الْخَالِقُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا مُؤَثِّرَ سِوَاهُ (لَا يُورِدَنَّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَنُونِ التَّأْكِيدِ الثَّقِيلَةِ (مُمْرِضٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأَوْلَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا ضَادٌ مُعْجَمَةٌ الَّذِي لَهُ إِبِلٌ مَرْضَى (عَلَى مُصِحٍّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ أَيْضًا مَنْ لَهُ إِبِلٌ صِحَاحٌ لَا يُورِدَنَّ إِبِلَهُ الْمَرِيضَةَ عَلَى إِبِلِ غَيْرِهِ الصَّحِيحَةِ
وَجَمَعَ بن بَطَّالٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ لَا عَدْوَى فَقَالَ لَا عَدْوَى إِعْلَامٌ بِأَنَّهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَأَمَّا النَّهْيُ فَلِئَلَّا يَتَوَهَّمَ الْمُصِحُّ أَنَّ مَرَضَهَا حَدَثَ مِنْ أَجْلِ وُرُودِ الْمَرِيضِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ داخلا بتوهمه
ذلك في تصحيح ما أبطله النبي وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (قَالَ) الزُّهْرِيُّ (فَرَاجَعَهُ الرَّجُلُ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخْتَصَرَةٌ وَتُوَضِّحُهَا رِوَايَةُ مسلم من طريق يونس عن بن شِهَابٍ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف حدثه أن رسول الله قَالَ لَا عَدْوَى وَيُحَدَّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمَا كِلْتَيْهِمَا عن رسول الله ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ لَا عَدْوَى وَأَقَامَ عَلَى أَنْ لَا يُورِدَ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ
قَالَ فَقَالَ الْحَارِثُ بن أبي ذباب وهو بن عم أبي هريرة قد كنت أسمعك ياأبا هُرَيْرَةَ تُحَدِّثُنَا مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثًا آخَرَ قَدْ سَكَتَّ عَنْهُ كُنْتَ تَقُولُ قَالَ رَسُولُ الله لَا عَدْوَى فَأَبَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ وَقَالَ لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ فما رآه (مِنَ الْمُمَارَاةِ) الْحَارِثُ فِي ذَلِكَ حَتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ فَقَالَ لِلْحَارِثِ أَتَدْرِي مَا قُلْتُ قَالَ لَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَى قُلْتُ أَبَيْتُ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ لَا عَدْوَى فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ انْتَهَى
(حَدِيثًا قَطُّ غَيْرَهُ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حِفْظِهِ وَضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ فِي الْعُمْرِ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا
وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يُؤَثِّرُ نِسْيَانُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِحَدِيثِ لَا عَدْوَى بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ نِسْيَانَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وأنس بن مالك وبن عمر عن النبي انْتَهَى
وَنَقَلَ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَعَلَّ هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَمِعَهَا قَبْلَ بَسْطِ رِدَائِهِ ثُمَّ ضَمِّهُ إِلَيْهِ عِنْدَ فَرَاغِ النَّبِيِّ مِنْ مَقَالَتِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا
[3912]
(وَلَا نَوْءَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ طُلُوعُ نَجْمٍ وَغُرُوبُ مَا يُقَابِلُهُ أَحَدُهُمَا فِي الْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ رِيحٍ يَنْسُبُونَهُ إلى الطالع أو الغارب فنفى صِحَّةَ ذَلِكَ
قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ النَّوْءُ سُقُوطُ نَجْمٍ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ مَعَ طُلُوعِ الصُّبْحِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ نَجْمًا يَسْقُطُ فِي كُلِّ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً نَجْمٌ مِنْهَا فِي الْمَغْرِبِ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَطْلُعُ آخَرُ مُقَابِلَهُ فِي الْمَشْرِقِ مِنْ سَاعَتِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[3913]
(لَا غُولَ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْغُولُ أَحَدُ الْغِيلَانِ وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الغول في الفلاء تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ فَتَتَغَوَّلُ تَغَوُّلًا أَيْ تَتَلَوَّنُ تَلَوُّنًا فِي صُوَرٍ شَتَّى وَتَغُولُهُمْ أَيْ تُضِلُّهُمْ عَنِ الطريق وتهلكهم فنفاه النبي وَأَبْطَلَهُ
وَقِيلَ قَوْلُهُ لَا غُولَ لَيْسَ نَفْيًا لِعَيْنِ الْغُولِ وَوُجُودِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ إِبْطَالُ زَعْمِ الْعَرَبِ فِي تَلَوُّنِهِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاغْتِيَالِهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ لَا غُولَ أَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُضِلَّ أَحَدًا وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَا غُولَ وَلَكِنِ السَّعَالِي وَالسَّعَالِي سَحَرَةُ الْجِنِّ أَيْ وَلَكِنْ فِي الْجِنِّ سَحَرَةُ تَلْبِيسٍ وَتَخْيِيلٍ
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَبَادِرُوا بِالْأَذَانِ أَيْ ادْفَعُوا شَرَّهَا بِذِكْرِ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِنَفْيِهَا عَدَمُهَا
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوَةٍ فَكَانَتِ الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا غُولَ انْتَهَى
[3914]
(كَانُوا يُحِلُّونَ صَفَرَ) الشَّهْرُ الْمَعْرُوفُ أَيْ أَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَحِلُّ صَفَرَ مَرَّةً وَكَانَتْ تُحَرِّمُهُ مَرَّةً وَتَسْتَحِلُّ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ النَّسِيءُ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِرَدِّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا النَّسِيءُ زيادة في الكفر أَيْ هُوَ تَأْخِيرُ تَحْرِيمِ شَهْرٍ إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ شَهْرٌ حَرَامٌ وَهُمْ مُحَارِبُونَ أَحَلُّوهُ وَحَرَّمُوا بَدَلَهُ شَهْرًا مِنْ أَشْهُرِ الْحِلِّ حَتَّى رَفَضُوا خُصُوصَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَاعْتَبَرُوا مُجَرَّدَ الْعَدَدِ فَإِنَّ تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَتَحْلِيلَ مَا حَرَّمَهُ كُفْرٌ ضَمُّوهُ إِلَى كُفْرِهِمْ
وَقَالَ تَعَالَى فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمُوا الشَّهْرَ الْحَرَامَ بَلْ وَافَقُوا فِي الْعَدَدِ وَحْدَهُ
كَذَا فِي جَامِعِ البيان
قال بن الْأَثِيرِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ النَّسِيءَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرَ وَيَجْعَلُونَ صَفَرَ هُوَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فَأَبْطَلَهُ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ لَا صَفَرَ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ تَأْخِيرُهُمْ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرَ وَهُوَ النَّسِيءُ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ
وَالثَّانِي أَنَّ الصَّفَرَ دَوَابٌّ فِي الْبَطْنِ وَهِيَ دُودٌ وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الصحيح وبه قال مطرف وبن وهب وبن حَبِيبٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَخَلَائِقُ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَاوِي الْحَدِيثِ فَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ
[3916]
(وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ) لِأَنَّهُ حُسْنُ ظَنٍّ بِاللَّهِ تَعَالَى (الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفِطْرَةِ مَحَبَّةَ ذَلِكَ كَمَا جَعَلَ فِيهَا الِارْتِيَاحَ بِالْمَنْظَرِ الْأَنِيقِ وَالْمَاءِ الصَّافِي وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ وَيَسْتَعْمِلْهُ
وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أبى هريرة قال قال النبي لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ قَالَ وَمَا الْفَأْلُ يارسول اللَّهِ قَالَ الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ يُعْجِبُهُ أَنْ يَسْمَعَ يَا نَجِيحُ يَا رَاشِدُ
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وبن مَاجَهْ انْتَهَى
أَيْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي السِّيَرِ
[3915]
(تَقُولُ لَيْسَ أَحَدٌ يَمُوتُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْهَامَةُ الرَّأْسُ وَاسْمُ طَائِرٍ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا وَهِيَ مِنَ طَيْرِ اللَّيْلِ وَقِيلَ هِيَ الْبُومَةُ وَقِيلَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَقُولُ اسْقُونِي فَإِذَا أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ
وَقِيلَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ وَقِيلَ رُوحَهُ تَصِيرُ هَامَةً فَتَطِيرُ وَيُسَمُّونَهُ الصَّدَى فَنَفَاهُ الْإِسْلَامُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْهَاءِ وَالْوَاوِ وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الْهَاءِ وَالْيَاءِ انْتَهَى (يَسْتَشْئِمُونَ بِصَفَرَ) أَيْ بشهر صَفَرَ وَيَعْتَقِدُونَ شَآمَتَهُ (هُوَ يُعْدِي) مِنَ الْإِعْدَاءِ أَيْ يَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَرِيضِ إِلَى غَيْرِهِ
[3917]
(فَأَعْجَبَتْهُ) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ إِلَى الْكَلِمَةِ الْحَسَنَةِ (فَأْلُكَ) بِالْهَمْزِ السَّاكِنِ بَعْدَ الْفَاءِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَأْلُ ضِدُّ الطِّيَرَةِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (مِنْ فِيكَ) أَيْ مِنْ فَمِكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ انْتَهَى
قَالَ السُّيُوطِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النبي سمع رجلا وفيه فقال رسول الله يَا لَبَّيْكَ نَحْنُ أَخَذْنَا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ
[3918]
(فَمَا الْهَامَةُ) أَيْ مَا تَفْسِيرُهَا (قَالَ) عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فِي جَوَابِهِ (يَقُولُ نَاسٌ) مِنَ الَّذِينَ فِيهِمْ آثَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَاعْتِقَادُهَا (الْهَامَةُ) أَيِ الْبُومَةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ (الَّتِي تَصْرُخُ) بِالْخَاءِ
المعجمة من باب قتل أي تصحيح وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِهَامَةٍ (هَامَةُ النَّاسِ) أَيْ هِيَ هَامَةُ النَّاسِ أَيْ رُوحُ الْإِنْسَانِ الْمَيِّتِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ عَطَاءٌ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَتْ) هَذِهِ الْهَامَةُ الَّتِي تَصِيحُ وَتَصْرُخُ فِي اللَّيْلِ مِنَ الْبُومَةِ أَوْ غَيْرِهَا (بِهَامَةِ الْإِنْسَانِ) أَيْ بِرُوحِ الْإِنْسَانِ الْمَيِّتِ بَلْ (إِنَّمَا هِيَ دَابَّةٌ) مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ
[3919]
(عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ) قُرَشِيٌّ تَابِعِيٌّ سمع بن عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وحبيب بن أبى ثابت ذكره بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (قَالَ) عُرْوَةُ (ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفَأْلُ مَهْمُوزٌ فِيمَا يَسُرُّ وَيَسُوءُ وَالطِّيَرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِيمَا يَسُوءُ وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ فِيمَا يَسُرُّ يُقَالُ تَفَأَّلْتُ بِكَذَا وَتَفَاءَلْتُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالْقَلْبِ وَقَدْ أُولِعَ النَّاسُ بِتَرْكِ هَمْزِهِ تَخْفِيفًا وَإِنَّمَا أُحِبُّ الْفَأْلَ لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا أَمَلُوا فَائِدَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَجَوْا عَائِدَتَهُ عِنْدَ كُلِّ سَبَبٍ ضَعِيفٍ أَوْ قَوِيٍّ فَهُمْ عَلَى خَيْرٍ وَلَوْ غَلِطُوا فِي جِهَةِ الرَّجَاءِ فَإِنَّ الرَّجَاءَ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِذَا قَطَعُوا أَمَلَهُمْ وَرَجَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّرِّ
وَأَمَّا الطِّيَرَةُ فَإِنَّ فِيهَا سُوءَ الظَّنِّ بِاللَّهِ وَتَوَقُّعَ الْبَلَاءِ
وَمَعْنَى التَّفَاؤُلِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مريض فَيَتَفَاءَلُ بِمَا يَسْمَعُ مِنْ كَلَامٍ فَيَسْمَعُ آخَرَ يقول ياسالم أَوْ يَكُونَ طَالِبَ ضَالَّةٍ فَيَسْمَعُ آخَرَ يَقُولُ ياواجد فَيَقَعُ فِي ظَنِّهِ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ مَرَضِهِ وَيَجِدُ ضَالَّتَهُ انْتَهَى (وَلَا تَرُدُّ) أَيِ الطِّيَرَةُ (مُسْلِمًا) وَالْجُمْلَةُ عَاطِفَةٌ أَوْ حَالِيَّةٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ الطِّيَرَةِ مَا يُشَابِهُ الْفَأْلَ الْمَنْدُوبَ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَمْنَعُ الطِّيَرَةُ مُسْلِمًا عَنِ الْمُضِيِّ فِي حَاجَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِ بَلْ شَأْنُهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَيَمْضِي فِي سَبِيلِهِ (فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ) أَيْ إِذَا رَأَى مِنَ الطِّيَرَةِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ (بِالْحَسَنَاتِ) أَيْ بِالْأُمُورِ الْحَسَنَةِ الشَّامِلَةِ لِلنِّعْمَةِ وَالطَّاعَةِ (السَّيِّئَاتِ) أَيِ الْأُمُورَ الْمَكْرُوهَةَ الْكَافِلَةَ لِلنِّقْمَةِ وَالْمَعْصِيَةِ (وَلَا حَوْلَ) أَيْ عَلَى دَفْعِ السَّيِّئَاتِ (وَلَا قُوَّةَ) أَيْ عَلَى تَحْصِيلِ الْحَسَنَاتِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَعُرْوَةُ هَذَا قِيلَ فِيهِ الْقُرَشِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ فِيهِ الْجُهَنِيُّ حَكَاهُمَا الْبُخَارِيُّ
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ وَلَا صُحْبَةَ لَهُ تَصِحُّ
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وغيره أنه سمع من بن عَبَّاسٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا انْتَهَى
[3920]
(كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ) أَيْ مِنْ جِهَةِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِذَا أَرَادَ فِعْلَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ مُرَادِفَةً لِلْبَاءِ فَالْمَعْنَى مَا كَانَ يَتَطَيَّرُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَتَطَيَّرُ بِهِ النَّاسُ (فَإِذَا بَعَثَ عَامِلًا) أَيْ أَرَادَ إِرْسَالَ عامل (وروئي) أَيْ أُبْصِرَ وَظَهَرَ (بِشْرُ ذَلِكَ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ أَثَرُ بَشَاشَتِهِ وَانْبِسَاطِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبِشْرُ بِالْكَسْرِ طَلَاقَةُ الْوَجْهِ (كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ) أَيْ ذَلِكَ الِاسْمِ الْمَكْرُوهِ (فِي وَجْهِهِ) لَا تَشَاؤُمًا وَتَطَيُّرًا بِاسْمِهِ بَلْ لِانْتِفَاءِ التَّفَاؤُلِ
وَقَدْ غَيَّرَ ذَلِكَ الِاسْمَ إِلَى اسْمٍ حَسَنٍ فَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إِذَا بَعَثْتُمْ إِلَيَّ رَجُلًا فَابْعَثُوا حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الِاسْمِ قال بن الْمَلَكِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَخْتَارَ الْإِنْسَانُ لِوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحَسَنَةِ فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ الْمَكْرُوهَةَ قَدْ تُوَافِقُ الْقَدَرَ كَمَا لَوْ سَمَّى أَحَدٌ ابْنَهُ بِخَسَارَةٍ فَرُبَّمَا جَرَى قَضَاءُ اللَّهِ بِأَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ أَوِ ابْنِهِ خَسَارَةٌ فَيَعْتَقِدُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ اسْمِهِ فَيَتَشَاءَمُونَ وَيَحْتَرِزُونَ عَنْ مُجَالَسَتِهِ وَمُوَاصَلَتِهِ
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَخْتَارَ لِوَلَدِهِ وَخَدَمِهِ الْأَسْمَاءَ الْحَسَنَةَ فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ الْمَكْرُوهَةَ قَدْ تُوَافِقُ الْقَدَرَ
رَوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُكَ قال جمرة قال بن من قال بن شِهَابٍ قَالَ مِمَّنْ قَالَ مِنَ الْحَرَّاقَةِ قَالَ أَيْنَ مَسْكَنُكَ قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ قَالَ بِأَيِّهَا قَالَ بِذَاتِ لَظًى فَقَالَ عُمَرُ أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدِ احْتَرَقُوا فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه انتهى
قال القارىء فَالْحَدِيثُ فِي الْجُمْلَةِ يَرُدُّ عَلَى مَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَسْمِيَةِ أَوْلَادِهِمْ بِأَسْمَاءٍ قَبِيحَةٍ كَكَلْبٍ وَأَسَدٍ وَذِئْبٍ وَعَبِيدِهِمْ بِرَاشِدٍ وَنَجِيحٍ وَنَحْوِهِمَا مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ أَبْنَاءَنَا لِأَعْدَائِنَا وَخَدَمَنَا لِأَنْفُسِنَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[3921]
(عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ) هُوَ بن أَبِي وَقَّاصٍ
قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ قَالَ الْأَرْدُبِيلِيُّ فِي الْأَزْهَارِ شَرْحِ الْمَصَابِيحِ هُوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَالِدُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (وَإِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ) أَيْ صَحِيحَةً أَوْ إِنْ تَقَعْ وَتُوجَدْ (فِي شَيْءٍ) مِنَ الْأَشْيَاءِ (فَفِي الْفَرَسِ) أَيِ الْجَمُوحِ (وَالْمَرْأَةِ) أَيِ السَّلِيطَةِ (وَالدَّارِ) أَيْ فَهِيَ الدَّارُ الضَّيِّقَةُ
وَالْمَعْنَى إِنْ فُرِضَ وُجُودُهَا تَكُونُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ التَّالِيَةُ
وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ نَفْيُ صِحَّةِ الطِّيَرَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قوله لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ فَلَا يُنَافِيهِ حِينَئِذٍ عُمُومُ نَفْيِ الطِّيَرَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ إِنْ تَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ لَا تَكُونُ الطِّيَرَةُ إِلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ إِخْبَارًا عَنْ غَالِبِ وُقُوعِهَا وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا وَقَعَ مِنَ النَّهْيِ عَنْهَا
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[3922]
(الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ) هَذِهِ رِوَايَةُ مَالِكٍ وَكَذَا رِوَايَةُ سُفْيَانَ وَسَائِرُ الرُّوَاةِ بِحَذْفِ أَدَاةِ الْحَصْرِ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عن الزهري عن حمزة وسالم عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِلَفْظِ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَإِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدَّارِ
وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سالم عن بن عمر أن رسول الله قَالَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَالشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ إِنْ كَانَ مَا يُكْرَهُ وَيُخَافُ عَاقِبَتُهُ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتَخْصِيصُهُ لَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَبْطَلَ مَذْهَبَ الْعَرَبِ فِي التَّطَيُّرِ بِالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِحِ مِنَ الطَّيْرِ وَالظِّبَاءِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ فَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوِ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ يَكْرَهُ ارْتِبَاطَهَا فَلْيُفَارِقْهَا بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنِ الدَّارِ وَيُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ وَيَبِيعَ الْفَرَسَ
وَقِيلَ إِنَّ شُؤْمَ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جَارِهَا وَشُؤْمَ الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَلِدَ وُشُؤْمَ الْفَرَسِ أَلَّا يُغْزَى عَلَيْهَا انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الدَّارَ قَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوِ الْهَلَاكِ وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوِ الْفَرَسِ أو
الْخَادِمِ قَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ قَدْ يَحْصُلُ الشُّؤْمُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَثِيرُونَ هُوَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الطِّيَرَةِ أَيِ الطِّيَرَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوِ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ أَوْ خَادِمٌ فَلْيُفَارِقِ الْجَمِيعَ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الحافظ بن حَجَرٍ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ سَمِعْتُ مَنْ فَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِقَوْلِ شُؤْمِ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ وَلُودٍ وَشُؤْمِ الْفَرَسِ إِذَا لَمْ يُغْزَ عَلَيْهَا وَشُؤْمِ الدَّارِ جَارُ السَّوْءِ
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ السلفي من حديث بن عمر أن رسول الله قَالَ إِذَا كَانَ الْفَرَسُ حَرُونًا فَهُوَ مَشْئُومٌ وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ قَدْ عَرَفَتْ زَوْجًا قَبْلَ زَوْجِهَا فَحَنَّتْ إِلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ وَإِذَا كَانَتِ الدَّارُ بَعِيدَةً عَنِ الْمَسْجِدِ لَا يسمع فيها الأذان والإقامة فهي مشئوومة وَإِذَا كُنَّ بِغَيْرِ هَذَا الْوَصْفِ فَهُنَّ مُبَارَكَاتٌ وَأَخْرَجَهُ الدِّمْيَاطِيُّ فِي كِتَابِ الْخَيْلِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَفِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ قال سمعت رسول الله يَقُولُ لَا شُؤْمَ وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(سَكَنَهَا قَوْمٌ فَهَلَكُوا) أَيْ لِأَجْلِ كَثَافَتِهَا وَعَدَمِ نَظَافَتِهَا وَرَدَاءَةِ مَحِلِّهَا أَوْ لِمَسَاكِنِ الْأَجِنَّةِ فِيهَا كَمَا يُشَاهَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ (قَالَ عُمَرُ) لَيْسَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُنْذِرِيُّ بَلْ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمِزِّيُّ أَيْضًا فِي الْأَطْرَافِ وَإِنَّمَا وُجِدَتْ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[3923]
(فروة) بفتح الفاء وسكون الراء (بن مُسَيْكٍ) تَصْغِيرُ مِسْكٍ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُرَادِيٌّ غُطَيْفِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ سَنَةَ تِسْعٍ فَأَسْلَمَ رَوَى عَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ (أَبْيَنَ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ سُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فتحتية فنون بلفظ اسم التفصيل مِنَ الْبَيَانِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ رَجُلٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ عَدَنَ وَيُقَالُ عَدَنُ أَبْيَنُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِوَزْنِ أَحْمَرَ قَرْيَةٌ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَقِيلَ هُوَ اسْمُ مَدِينَةِ عَدَنَ انْتَهَى (هِيَ أَرْضُ رِيفِنَا) بِإِضَافَةِ أَرْضُ إِلَى رِيفِنَا وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا فَاءٌ وَهُوَ الْأَرْضُ ذات الزرع والخصب
قال بن الْأَثِيرِ هُوَ كُلُّ أَرْضٍ فِيهَا زَرْعٌ وَنَخْلٌ انْتَهَى (وَمِيرَتِنَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى رِيفِنَا أَيْ طَعَامُنَا الْمَجْلُوبُ أَوِ الْمَنْقُولُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ (وَإِنَّهَا وَبِئَةٌ) عَلَى وَزْنِ فَعِلَةٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ كَثِيرَةُ الْوَبَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِيئَةٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ
قَالَ في المصباح وبأمثل فلس كَثُرَ مَرَضُهَا فَهِيَ وَبِئَةٌ وَوَبِيئَةٌ عَلَى فَعِلَةٍ وَفَعِيلَةٍ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ الْوَبَا بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزِ الطَّاعُونُ وَالْمَرَضُ الْعَامُّ وَقَدْ أَوْبَأَتِ الْأَرْضُ فَهِيَ مُوبِئَةٌ وَوَبِئَتْ فَهِيَ وَبِيئَةٌ انْتَهَى (وَبَاؤُهَا) أَيْ عَنْ كَثَافَةِ هَوَائِهَا (شَدِيدٌ) قَوِيٌّ كَثِيرٌ
(دَعْهَا عَنْكَ) أَيِ اتْرُكْهَا عَنْ دُخُولِكَ فِيهَا وَالتَّرَدُّدِ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَلَدِ الطَّاعُونِ (فَإِنَّ مِنَ الْقَرَفِ) بِفَتْحَتَيْنِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقَرَفُ مُلَابَسَةُ الدَّاءِ وَمُدَانَاةُ الْمَرَضِ (التَّلَفُ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ الْهَلَاكُ
وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنَ مُلَابَسَةِ الدَّاءِ وَمُدَانَاةِ الوباء تحصل بها هلاكة النَّفْسِ فَالدُّخُولُ فِي أَرْضٍ بِهَا وَبَاءٌ وَمَرَضٌ لا يليق
قال الخطابي وبن الْأَثِيرِ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الطِّيَرَةِ وَالْعَدْوَى وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ بَابِ الطِّبِّ لِأَنَّ اسْتِصْلَاحَ الْهَوَاءِ مِنْ أَعْوَانِ الْأَشْيَاءِ عَلَى صِحَّةِ الْأَبَدَانِ وَفَسَادَ الْهَوَاءِ مِنْ أَضَرِّهَا وَأَسْرَعِهَا إِلَى إِسْقَامِ الْبَدَنِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْرٍ عَنْ فَرْوَةَ وَأَسْقَطَ مَجْهُولًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُعَاذٍ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يُكَذِّبُهُ انْتَهَى
[3924]
(فِيهَا عَدَدُنَا) أَيْ أَهْلُونَا (فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ إِلَخْ) وَالْمَعْنَى أَنَتْرُكُهَا وَنَتَحَوَّلُ إِلَى غَيْرِهَا أَوْ هَذَا مِنْ بَابِ الطِّيَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا (ذَرُوهَا ذَمِيمَةً) أَيِ اتْرُكُوهَا مَذْمُومَةً فَعِيلَةً بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ قاله بن الْأَثِيرِ
وَالْمَعْنَى اتْرُكُوهَا بِالتَّحَوُّلِ عَنْهَا حَالَ كَوْنِهَا مَذْمُومَةً لِأَنَّ هَوَاءَهَا غَيْرُ مُوَافِقٍ لَكُمْ
قَالَ الْأَرْدُبِيلِيُّ فِي الْأَزْهَارِ أَيْ ذَرُوهَا وَتَحَوَّلُوا عَنْهَا لِتَخْلُصُوا عَنْ سُوءِ الظَّنِّ وَرُؤْيَةِ الْبَلَاءِ مِنْ نزول تلك الدار انتهى
قال الخطابي وبن الْأَثِيرِ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالتَّحَوُّلِ عَنْهَا إِبْطَالًا لِمَا وَقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إِنَّمَا أَصَابَهُمْ بِسَبَبِ السُّكْنَى فَإِذَا تَحَوَّلُوا عَنْهَا انْقَطَعَتْ مَادَّةُ ذَلِكَ الْوَهْمِ وَزَالَ عَنْهُمْ مَا خَامَرَهُمْ مِنَ الشُّبْهَةِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[3925]
(أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ) قَالَ الْأَرْدُبِيلِيُّ الْمَجْذُومُ الَّذِي وضع رسول الله أَوْ عُمَرُ رضي الله عنه يَدَهُ فِي الْقَصْعَةِ وَأَكَلَ مَعَهُ هُوَ مُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ (فِي الْقَصْعَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَفِيهِ غَايَةُ التَّوَكُّلِ مِنْ جِهَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا الْأَخْذُ بِيَدِهِ وَثَانِيَتُهُمَا الْأَكْلُ مَعَهُ
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ كُلْ مَعَ صَاحِبِ الْبَلَاءِ تَوَاضُعًا لِرَبِّكَ وَإِيمَانًا (كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْوُثُوقِ كَالْعِدَةِ وَالْوَعْدِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ كُلْ مَعِي أَثِقْ ثِقَةً بِاللَّهِ أَيْ اعْتِمَادًا بِهِ وَتَفْوِيضًا لِلْأَمْرِ إِلَيْهِ (وَتَوَكُّلًا) أَيْ وَأَتَوَكَّلُ تَوَكُّلًا (عَلَيْهِ) وَالْجُمْلَتَانِ حَالَانِ ثَانِيَتُهُمَا مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْأَرْدُبِيلِيُّ قَالَ البيهقي أخذه بيد المجذوم ووضعها في القصعة وأكل مَعَهُ فِي حَقِّ مَنْ يَكُونُ حَالُهُ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَتَرْكَ الِاخْتِيَارِ فِي مَوَارِدِ الْقَضَاءِ
وقوله وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ وأمره فِي مَجْذُومِ بَنِي ثَقِيفٍ
بِالرُّجُوعِ فِي حَقِّ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنِ احْتِمَالِ الْمَكْرُوهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فَيُحْرَزُ بِمَا هُوَ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَنْوَاعِ الِاحْتِرَازَاتِ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفَ الْآثَارُ عَنِ النبي فِي قِصَّةِ الْمَجْذُومِ فَثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ أَيْ حَدِيثُ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ وَحَدِيثُ الْمَجْذُومِ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النبي أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ وَقَالَ لَهُ كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَنَا مَوْلَى مَجْذُومٌ فَكَانَ يَأْكُلُ فِي صِحَافِي وَيَشْرَبُ فِي أَقْدَاحِي وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِي
قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ إِلَى الْأَكْلِ مَعَهُ وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ
وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا نَسْخَ بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَحَمْلُ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ لَا الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْأَكْلُ مَعَهُ فَفَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ هَذَا شَيْخٌ بَصْرِيٌّ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ شَيْخٌ مِصْرِيٌّ أَوْثَقُ مِنْ هَذَا وَأَشْهَرُ
وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشهيد عن بن بُرَيْدَةَ أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ وَحَدِيثُ شُعْبَةَ أَشْبَهُ عِنْدِي وَأَصَحُّ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ مُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ الْبَصْرِيُّ أَخُو مُبَارَكٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْهُ يَعْنِي عَنِ بن المنكدر
وقال بن عَدِيٍّ الْجُرْجَانِيُّ لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ حَبِيبٍ غَيْرُ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ وَقَالَ أَيْضًا وَقَالُوا تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ هَذَا بَصْرِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو مَالِكٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وقد أخرج مسلم في صحيحه والنسائي وبن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفَ رجل مجذوم فأرسل إليه النبي إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ قَالَ سَمِعْتُ أبا هريرة يقول قال رسول
الله يَقُولُ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قُلْتُ قَوْلُهُ تَعْلِيقًا يُنْظَرُ فِي كَوْنِهِ تَعْلِيقًا فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الطِّبِّ بَابُ الْجُذَامِ وَقَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ ميناء فذكره وعفان هو بن مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيُّ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ مِنْ مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ رَوَى عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي مَوَاضِعَ وَرَوَى عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ أَيْضًا كَثِيرًا فَقَوْلُهُ قَالَ عَفَّانُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاتِّصَالِ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اصْطِلَاحِ الْحَدِيثِ عَنِ الْجُمْهُورِ وَذَكَرَهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ في كتابه تنقيح الأنظار ورد على بن حَزْمٍ قَوْلَهُ إِنَّهُ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الِاصْطِلَاحِ أَنَّ مَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَهُنَا قَدْ جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ كَمَا تَرَى
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَأَبِي قُتَيْبَةَ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ شَيْخِ عَفَّانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ فَذَكَرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ