الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب فِي الْجَهْمِيَّةِ)
[4721]
أَيْ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابٌ فِي الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ
وَالْجَهْمِيَّةُ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ يَنْفُونَ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي أَثْبَتَهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَيَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ
وَالْمُعْتَزِلَةُ أَيْضًا فِرْقَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ قَدْ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ وَعَنَوْا بِالتَّوْحِيدِ مَا اعْتَقَدُوهُ مِنْ نَفْيِ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ إِثْبَاتَهَا يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ وَمَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ أَشْرَكَ وَهُمْ فِي النَّفْيِ مُوَافِقُونَ لِلْجَهْمِيَّةِ
قَالَ السَّيِّدُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ الْجَهْمِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ نُسِبُوا إِلَى جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ الَّذِي قُتِلَ فِي آخِرِ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ انْتَهَى
وَفِي مِيزَانِ الذَّهَبِيِّ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ السَّمَرْقَنْدِيُّ الضَّالُّ الْمُبْتَدِعُ رَأْسُ الْجَهْمِيَّةِ هَلَكَ فِي زَمَانِ صِغَارِ التَّابِعِينَ زَرَعَ شَرًّا عَظِيمًا انْتَهَى
وَالْمُعْتَزِلَةُ فِرْقَةٌ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ زَعَمُوا أَنَّهُمُ اعْتَزَلُوا فِئَتَيِ الضَّلَالَةِ عِنْدَهُمْ أَيْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْخَوَارِجَ أَوْ سَمَّاهُمْ بِهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَمَّا اعْتَزَلَهُ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ وَكَانَ مِنْ قَبْلُ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَكَذَا أَصْحَابُهُ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ فَشَرَعَ وَاصِلٌ يُقَرِّرُ الْقَوْلَ بِالْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ لَا مُؤْمِنٌ مُطْلَقٌ وَلَا كَافِرٌ مُطْلَقٌ بَلْ هُوَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ فَقَالَ الْحَسَنُ اعْتَزَلَ عَنَّا وَاصِلٌ فَسُمُّوا الْمُعْتَزِلَةَ لِذَلِكَ
وَقَالَتِ الْخَوَارِجُ بِتَكْفِيرِ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ فَخَرَجَ وَاصِلٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ
كَذَا فِي شَرْحِ الْقَامُوسِ
(يَتَسَاءَلُونَ) أَيْ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (حَتَّى يُقَالَ هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ) قِيلَ لَفْظُ هَذَا مَعَ عَطْفِ بَيَانِهِ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ الْمَقُولُ مَفْعُولُ يُقَالَ أُقِيمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ وَخَلَقَ اللَّهُ تَفْسِيرٌ لِهَذَا أَوْ بَيَانٌ أَوْ بَدَلٌ وَقِيلَ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَيْ هَذَا الْقَوْلُ أَوْ قَوْلُكَ هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ وَالْجُمْلَةُ أُقِيمَتْ مَقَامَ فَاعِلِ يُقَالَ (فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا) إِشَارَةٌ إِلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ (فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ هَذَا الْخَاطِرِ الْبَاطِلِ وَالِالْتِجَاءُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إذهابه انتهى
وقال القارىء أَيْ آمَنْتُ بِالَّذِي قَالَ اللَّهُ وَرُسُلُهُ مِنْ وَصْفِهِ تَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ وَالْقِدَمِ
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَإِجْمَاعُ الرُّسُلِ هُوَ الصِّدْقُ وَالْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[4722]
(فَذَكَرَ نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ (فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلَ يَعْنِي هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ إِلَخْ (فَقُولُوا) أَيْ فِي رَدِّ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَوِ الْوَسْوَسَةِ (اللَّهُ أَحَدٌ) الْأَحَدُ هُوَ الَّذِي لَا ثَانِيَ لَهُ فِي الذَّاتِ وَلَا فِي الصِّفَاتِ (اللَّهُ الصَّمَدُ) أَيِ الْمَرْجِعُ فِي الْحَوَائِجِ الْمُسْتَغْنِي عَنْ كُلِّ أَحَدٍ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا) أَيْ مُكَافِيًا وَمُمَاثِلًا (أَحَدٌ) اسْمُ لَمْ يَكُنْ (ثُمَّ لْيَتْفُلْ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَيُكْسَرُ أَيْ لِيَبْصُقْ (ثَلَاثًا) أَيْ لِيُلْقِ الْبُزَاقَ مِنَ الْفَمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَرَاهَةِ الشَّيْءِ وَالنُّفُورِ عَنْهُ (وَلْيَسْتَعِذْ مِنَ الشَّيْطَانِ) الِاسْتِعَاذَةُ طَلَبُ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى دَفْعِ الشَّيْطَانِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَقَدِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَاضِي الرَّيِّ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ
[4723]
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْمِيمِ (فِي الْبَطْحَاءِ) أَيْ فِي الْمُحَصَّبِ وَهُوَ
مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِمَكَّةَ فَوْقَ مَقْبَرَةِ الْمُعَلَّا وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَكَّةَ وَأَصْلُ الْبَطْحَاءِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى (فِي عِصَابَةٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ جَمَاعَةٌ (فَنَظَرَ إليها) أي نظر رسول الله إِلَى السَّحَابَةِ (مَا تُسَمُّونَ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ (هَذِهِ) أَيِ السَّحَابَةُ (قَالُوا السَّحَابَ) بِالنَّصْبِ أَيْ نُسَمِّيهُ السَّحَابَ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ السَّحَابُ (قَالَ وَالْمُزْنُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَتُسَمُّونَهَا أَيْضًا الْمُزْنَ (قَالُوا وَالْمُزْنَ) أَيْ نُسَمِّيهَا أَيْضًا
فَفِي النِّهَايَةِ هُوَ الْغَيْمُ وَالسَّحَابُ وَاحِدَتُهُ مُزْنَةٌ وَقِيلَ هِيَ السَّحَابَةُ الْبَيْضَاءُ (قَالَ وَالْعَنَانَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ذَكَرَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين بْن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيث الْعَبَّاس الَّذِي فِيهِ ذِكْر بُعْد مَا بَيْن سَمَاء وَسَمَاء ثُمَّ قَالَ قَدْ رُدَّ هَذَا الْحَدِيث بِشَيْئَيْنِ
أَحَدهمَا بِأَنَّ فِيهِ الْوَلِيد بْن أَبِي ثَوْر وَلَا يُحْتَجّ بِهِ
وَالثَّانِي بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ بَيْنَمَا نبي الله صلى الله عليه وسلم جَالِس فِي أَصْحَابه إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ سَحَاب فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ هَذَا الْعَنَان
هَذِهِ رَوَايَا الْأَرْض يَسُوقهَا اللَّه تَعَالَى إِلَى قَوْم لَا يَشْكُرُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقكُمْ قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ إِنَّهَا الرَّقِيع سَقْف مَحْفُوظ وَمَوْج مَكْفُوف
ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنكُمْ وَبَيْنهَا قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ بَيْنكُمْ وَبَيْنهَا خَمْسمِائَةِ سَنَة ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْق ذَلِكَ قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم
قَالَ فَإِنَّ فَوْق ذَلِكَ سَمَاءَيْنِ مَا بَيْنهمَا خَمْسمِائَةِ سَنَة حَتَّى عَدَّ سَبْع سَمَاوَات مَا بَيْن كُلّ سَمَاءَيْنِ كَمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْق ذَلِكَ قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ فَإِنَّ فَوْق ذَلِكَ الْعَرْش وَبَيْنه وَبَيْن السماء بعد ما بين السمائين ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتكُمْ قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ فَإِنَّهَا الْأَرْض
ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْت ذَلِكَ قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم
قَالَ فَإِنَّ تحتها أرض أُخْرَى بَيْنهمَا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة حَتَّى عَدَّ سَبْع أَرَضِينَ بَيْن كُلّ أَرْضَيْنِ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْض السُّفْلَى لَهَبَطَ عَلَى اللَّه ثُمَّ قَرَأَ {هُوَ الْأَوَّل وَالْآخِر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم}
قَالُوا هَذَا خِلَاف حَدِيث الْعَبَّاس فِي مَوْضِعَيْنِ فِي ذِكْر بُعْد الْمَسَافَة بَيْن السَّمَاوَات وَفِي نفي اختصاص الرب بالفوقية
قالوا الْمُثْبِتُونَ أَمَّا رَدّ الْحَدِيث الْأَوَّل بِالْوَلِيدِ بْن أَبِي ثَوْر فَفَاسِد فَإِنَّ الْوَلِيد لَمْ يَنْفَرِد بِهِ بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ سِمَاك وَمِنْ طَرِيقه رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَمْرو بْن أَبِي
كَسَحَابٍ وَزْنًا وَمَعْنًى (مَا بَعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أَيْ مَا مِقْدَارُ بُعْدِ مَسَافَةِ ما بينهما (إما واحدة أو اثنتان أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً) الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي كذا قيل
وقال الأردبيلي الرواية في خمس مائة أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قُوَّةِ الْمَلَكِ وَضَعْفِهِ وَخِفَّتِهِ وَثِقَلِهِ فَيَكُونُ بِسَيْرِ الْقَوِيِّ أَقَلَّ وَبِسَيْرِ الضعيف أكثر وإليه الإشارة بقوله إِمَّا وَاحِدَةٌ وَإِمَّا اثْنَتَانِ وَإِمَّا ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سنة انتهى
قال الطيبي والمراد بالسبعون فِي الْحَدِيثِ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَبَيْنَ سماء وسماء مسيرة خمس مائة عَامٍ أَيْ سَنَةٍ وَالتَّكْثِيرُ هُنَا أَبْلَغُ وَالْمَقَامُ لَهُ أَدْعَى (ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا) أَيْ فَوْقَ سَمَاءِ الدُّنْيَا (كَذَلِكَ) أَيْ فِي الْبُعْدِ (حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) أَيْ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَاتِ (ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ) أَيِ الْبَحْرِ (ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ) جَمْعُ وَعْلٍ وَهُوَ الْعَنْزُ الْوَحْشِيُّ وَيُقَالُ لَهُ تَيْسُ شَاةِ الْجَبَلِ وَالْمُرَادُ مَلَائِكَةٌ عَلَى صُورَةِ الْأَوْعَالِ (بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ) جَمْعُ ظِلْفٍ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَالظَّبْيِ بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ لِلدَّابَّةِ وَالْخُفِّ لِلْبَعِيرِ (وَرُكَبِهِمْ) جَمْعُ رُكْبَةٍ (بَيْنَ أَسْفَلِهِ) أَيِ الْعَرْشِ (ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ) أَيْ فَوْقَ الْعَرْشِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَيْس عَنْ سِمَاك وَمِنْ حَدِيثه رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد بْن حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْنُ سَعْد عَنْ عَمْرو بْن قَيْس قَالَ التِّرْمِذِيّ قَالَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ سَمِعْت يَحْيَى بْن مَعِين يَقُول أَلَا تُرِيدُونَ مِنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد أَنْ يَحُجّ حَتَّى نَسْمَع مِنْهُ هَذَا الْحَدِيث
وَرَوَاهُ الْوَلِيد بْن أَبِي ثور عن سماك ومن حديثة رواه بن مَاجَهْ فِي سُنَنه
فَأَيّ ذَنْب لِلْوَلِيدِ فِي هذا وأي تعلق عليه وإنما ذنبه راويته مَا يُخَالِف قَوْل الْجَهْمِيَّةِ
وَهِيَ عِلَّته الْمُؤْثَرَة عِنْد الْقَوْم
وَأَمَّا مُعَارَضَته لِحَدِيثِ الْحَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فَفَاسِدَة أَيْضًا فَإِنَّ التِّرْمِذِيّ ضَعَّفَ حَدِيث الْحَسَن هَذَا وَقَالَ فِيهِ غَرِيب فَقَطْ قَالَ وَيُرْوَى عَنْ أَيُّوب وَيُونُس بْن عُبَيْد وَعَلِيّ بْن زَيْد قَالُوا لَمْ يَسْمَع الْحَسَن مِنْ أَبِي هُرَيْرَة
قَالَ التِّرْمِذِيّ فَسَّرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم هَذَا الْحَدِيث فَقَالُوا إِنَّمَا مَعْنَاهُ هَبَطَ عَلَى عِلْم اللَّه
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَأْوِيلٍ وَالِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ
وَالْجَهْمِيَّةُ قَدْ أَنْكَرُوا الْعَرْشَ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ فَوْقَهُ وَقَالُوا إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلَهُمْ مَقَالَاتٌ قَبِيحَةٌ بَاطِلَةٌ وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى دَلَائِلِ مَذْهَبِ السَّلَفِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى رَدِّ مَقَالَاتِ الْجَهْمِيَّةِ الْبَاطِلَةِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَ كِتَابَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَكِتَابَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ وَكِتَابَ الْعُلُوِّ لِلذَّهَبِيِّ وَالْقَصِيدَةَ النُّونِيَّةَ لِابْنِ الْقَيِّمِ وَالْجُيُوشَ الْإِسْلَامِيَّةَ لِابْنِ الْقَيِّمِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وَرَوَى شَرِيكٌ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سِمَاكٍ فَوَقَفَهُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
[4724]
(أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ) هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الصَّبَاحِ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ بِجِيمٍ مُصَغَّرٌ الرَّازِيُّ وَثَّقَهُ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقُدْرَته وَسُلْطَانه وَعِلْم اللَّه وَقُدْرَته وَسُلْطَانه فِي كُلّ مَكَان وَهُوَ عَلَى الْعَرْش كَمَا وَصَفَ نَفْسه فِي كِتَابه
وَهَذَا التَّفْسِير الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ يُشْبِه التَّفْسِير الَّذِي حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَة رحمه الله فِي قَوْله تَعَالَى {وهو معكم أين ما كُنْتُمْ} فَإِنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن الْحَارِث الْفَقِيه أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن الْحَبَّاب أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن نَصْر حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَعْلَى قَالَ سَمِعْت نُعَيْم بْن حَمَّاد يَقُول سَمِعْت نُوح بْن أَبِي مَرْيَم يَقُول كُنَّا عِنْد أَبِي حَنِيفَة أَوَّل مَا ظَهَرَ إِذْ جَاءَتْهُ اِمْرَأَة مِنْ تِرْمِذ كَانَتْ تُجَالِس جَهْمًا فَدَخَلَتْ الْكُوفَة فَأَظُنّنِي أَوَّل مَا رَأَيْت عَلَيْهَا عَشَرَة الْآلَاف مِنْ النَّاس يَدْعُونَ إِلَى رَأْيهَا فَقِيلَ لَهَا إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا نَظَرَ فِي الْمَعْقُول يُقَال لَهُ أَبُو حَنِيفَة فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ أَنْتَ الَّذِي تُعَلِّم النَّاس الْمَسَائِل وَقَدْ تَرَكْت دِينك أَيْنَ إِلَهك الَّذِي تَعْبُدهُ فَسَكَتَ عَنْهَا ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَة أَيَّام لَا يُجِيبهَا ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ وَضَعَ كِتَابًا إِنَّ اللَّه تَعَالَى فِي السَّمَاء دُون الْأَرْض
فَقَالَ لَهُ رَجُل أَرَأَيْت قَوْل اللَّه تَعَالَى وَهُوَ مَعَكُمْ قَالَ هُوَ كَمَا تَكْتُب إِلَى الرَّجُل إِنِّي مَعَك وَأَنْتَ غَائِب عَنْهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَقَدْ أَصَابَ أَبُو حَنِيفَة رحمه الله فِيمَا نَفَى عَنْ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْكَوْن فِي الْأَرْض
وَفِيمَا ذَكَرَ مِنْ تَأْوِيل الْآيَة تَبِعَ مُطْلَق السَّمْع فِي قَوْله إِنَّ اللَّه عز وجل فِي السَّمَاء
هَذَا لَفْظه فِي كِتَاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات
قَالُوا وَأَمَّا اِخْتِلَاف مِقْدَار الْمَسَافَة فِي حَدِيثَيْ الْعَبَّاس وَأَبِي هُرَيْرَة فَهُوَ مِمَّا يَشْهَد بِتَصْدِيقِ كُلّ
النَّسَائِيُّ وَهَذَا سَنَدٌ قَوِيٌّ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَكَذَا إِسْنَادُ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ الْآتِي قَوِيٌّ أَيْضًا
وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي تَعْلِيقَاتِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَمَّا رَدُّ الْحَدِيثِ بِالْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ فَفَاسِدٌ فَإِنَّ الْوَلِيدَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكٍ وَمِنْ حَدِيثِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بن أبي قيس انتهى
ورواه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ وَأَيُّ ذَنْبٍ لِلْوَلِيدِ فِي هَذَا وَأَيُّ تَعَلُّقٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَنْبُهُ رِوَايَتُهُ مَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ وَهِيَ عِلَّتُهُ الْمُؤَثِّرَةُ عِنْدَ الْقَوْمِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُخْتَصَرًا
قُلْتُ وَحَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ والله أعلم
[4726]
(قال أحمد) هو بن سَعِيدٍ (كَتَبْنَاهُ) أَيِ الْحَدِيثَ (مِنْ نُسْخَتِهِ) أَيْ مِنْ نُسْخَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ (وَهَذَا لَفْظُهُ) أَيْ لَفْظُ أَحْمَدَ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ (عَنْ جَدِّهِ) هُوَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ (جُهِدَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُوقِعَتْ فِي الْمَشَقَّةِ (وَضَاعَتِ الْعِيَالُ) عِيَالُ الرَّجُلِ بِالْكَسْرِ مَنْ يَعُولُهُ وَيُمَوِّنُهُ مِنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَنُهِكَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ نُقِصَتْ (وَهَلَكَتِ الْأَنْعَامُ) جَمْعُ نَعَمٍ مُحَرَّكَةٌ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا) أَيِ اطْلُبْ لَنَا السُّقْيَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ) أَيْ نَطْلُبُ الشَّفَاعَةَ (بِكَ) أَيْ بِوُجُودِكَ وَحُرْمَتِكَ وَبِعَظَمَتِكَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَإِنَّ الْمَسَافَة يَخْتَلِف تَقْدِيرهَا
بِحَسَبِ اِخْتِلَاف السَّيْر الْوَاقِع فِيهَا فَسَيْر الْبَرِيد مَثَلًا يُقْطَع بِقَدْرِ سَيْر رِكَاب الْإِبِل سَبْع مَرَّات وَهَذَا مَعْلُوم بِالْوَاقِعِ فَمَا تَسِيرهُ الْإِبِل سَيْرًا قَاصِدًا فِي عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْطَعهُ الْبَرِيد فِي ثَلَاثَة فَحَيْثُ قَدَّرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِالسَّبْعِينَ أَرَادَ بِهِ السَّيْر السَّرِيع سَيْر الْبَرِيد وَحَيْثُ قَدَّرَ بِالْخَمْسِمِائَةِ أَرَادَ بِهِ السَّيْر الَّذِي يَعْرِفُونَهُ سَيْر الْإِبِل وَالرِّكَاب فَكُلّ مِنْهُمَا يُصَدِّق الْآخَر وَيَشْهَد بِصِحَّتِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا
(وَيْحَكَ) بِمَعْنَى وَيْلَكَ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ مَعْنَى الشَّفَقَةِ عَنِ الْمَزَلَّةِ وَالْمَزْلَقَةِ وَالثَّانِيَّ دُعَاءٌ عليه بالهلكة والعقوبة قاله القارىء (وَسَبَّحَ) أَيْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ انْتَهَى (حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حَتَّى تَبَيَّنَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ (فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ) لأنهم فهموا من تكرير تسبيحه أنه غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ فَخَافُوا مِنْ غَضَبِهِ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَا يُسْتَشْفَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَنْ يُسْتَشْفَعَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ذكر الشيخ بن القيم رحمه الله حديث بن إِسْحَاق الَّذِي فِيهِ وَإِنَّ عَرْشه فَوْق سَمَاوَاته كَالْقُبَّةِ وَتَعْلِيل الْمُنْذِرِيِّ لَهُ
ثُمَّ قَالَ قَالَ أَهْل الْإِثْبَات لَيْسَ فِي شَيْء مِنْ هَذَا مُسْتَرَاح لَكُمْ فِي رَدّ الْحَدِيث
أَمَّا حَمْلكُمْ فيه على بن إسحاق فجوابه أن بن إِسْحَاق بِالْمَوْضِعِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه مِنْ الْعِلْم وَالْأَمَانَة
قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ حَدِيثه عِنْدِي صحيح وقال شعبة بن إِسْحَاق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيث وَقَالَ أَيْضًا هُوَ صَدُوق وَقَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ أَيْضًا لَمْ أَجِد لَهُ سِوَى حَدِيثَيْنِ مُنْكَرَيْنِ
وَهَذَا فِي غَايَة الثَّنَاء وَالْمَدْح إِذْ لَمْ يَجِد له عل كَثْرَة مَا رَوَى إِلَّا حَدِيثَيْنِ مُنْكَرَيْنِ
وَقَالَ علي أيضا سمعت بن عُيَيْنَةَ يَقُول مَا سَمِعْت أَحَدًا يَتَكَلَّم فِي بن إِسْحَاق إِلَّا فِي قَوْله فِي الْقَدَر وَلَا رَيْب أَنَّ أَهْل عَصْره أَعْلَم بِهِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْدهمْ
وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم سَمِعْت الشَّافِعِيّ يَقُول قَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يَزَال بِهَذِهِ الْحَرَّة عِلْم ما دام بها ذلك الأحول يريد بن إِسْحَاق
وَقَالَ يَعْقُوب بْن شَيْبَة سَأَلْت يَحْيَى بن معين كيف بن إِسْحَاق قَالَ لَيْسَ بِذَاكَ قُلْت فَفِي نَفْسك مِنْ حَدِيثه شَيْء قَالَ لَا كَانَ صَدُوقًا
وَقَالَ يَزِيد بْن هَارُون سَمِعْت شُعْبَة يَقُول لو كان لي سلطان لأمرت بن إسحاق على المحدثين
وقال بن عدي قد فتشت أحاديث بن إِسْحَاق الْكَبِير فَلَمْ أَجِد فِي حَدِيثه مَا يَتَهَيَّأ أَنْ نَقْطَع عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ وَرُبَّمَا أَخْطَأَ أو وهم كما يخطيء غَيْره وَلَمْ يَتَخَلَّف فِي الرِّوَايَة عِنْد الثِّقَات وَالْأَئِمَّة وَهُوَ لَا بَأْس بِهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ اسْتَشْفَعْتُ بِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ لِيَشْفَعَ لِي إِلَيْهِ فَشَفَّعَهُ أَجَابَ شَفَاعَتَهُ وَلَمَّا قِيلَ إِنَّ الشَّفَاعَةَ هِيَ الِانْضِمَامُ إِلَى آخَرٍ نَاصِرًا لَهُ وَسَائِلًا عَنْهُ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ عَظِيمٍ منع أَنْ يُسْتَشْفَعَ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ وَقَوْلُهُ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَثَرِ هَيْبَةٍ أَوْ خَوْفٍ اسْتُشْعِرَ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْزِيهًا عَمَّا نُسِبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الِاسْتِشْفَاعِ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَتَكْرَارِهِ مِرَارًا (إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ) قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَاقِفَةٌ غَيْرُ مُتَحَرِّكَةٍ وَلَا دَائِرَةٍ كَمَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ خِلَافًا لِلْمُنَجِّمِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ انْتَهَى (لَهَكَذَا) بِفَتْحِ اللَّامِ الِابْتِدَائِيَّةِ دَخَلَتْ عَلَى خَبَرِ إِنَّ تَأْكِيدًا لِلْحُكْمِ (وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ) أَيْ أَشَارَ بها (مثل القبة عليه) قال القارىء حَالٌ مِنَ الْعَرْشِ أَيْ مُمَاثِلًا لَهَا عَلَى مَا فِي جَوْفِهَا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وقال أحمد بن عبد الله العجلي بن إِسْحَاق ثِقَة
وَقَدْ اِسْتَشْهَدَ مُسْلِم بِخَمْسَةِ أَحَادِيث ذَكَرَهَا لِابْنِ إِسْحَاق فِي صَحِيحه
وَقَدْ رَوَى الترمذي في جامعه من حديث بن إِسْحَاق حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عُبَيْد بْن السَّبَّاق عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْل بْن حُنَيْف قَالَ كُنْت أَلْقَى مِنْ الْمَذْي شِدَّة فَأُكْثِر الِاغْتِسَال مِنْهُ الْحَدِيث
قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث صَحِيح لا نعرفه إلا من حديث بن إسحاق فهذا حكم قد تفرد به بن إِسْحَاق فِي الدُّنْيَا وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ كَذَّبَهُ مَالِك فَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيّ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْن الْقَطَّان أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق كَذَّاب
قُلْت وَمَا يُدْرِيك قَالَ قَالَ لِي وَهْب فَقُلْت لِوَهْبٍ وَمَا يُدْرِيك قَالَ قَالَ لِي مَالِك بْن أَنَس فَقُلْت لِمَالِك وَمَا يُدْرِيك قَالَ قَالَ لِي هِشَام بْن عُرْوَة قَالَ قُلْت لِهِشَامٍ وَمَا يُدْرِيك قَالَ حَدَّثَ عَنْ اِمْرَأَتِي فَاطِمَة بِنْت الْمُنْذِر وَأُدْخِلْت عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْت تِسْع وَمَا رَآهَا رَجُل حَتَّى لَقِيت اللَّه قِيلَ هَذِهِ الْحِكَايَة وَأَمْثَالهَا هِيَ الَّتِي غَرَّتْ مَنْ اِتَّهَمَهُ بِالْكَذِبِ
وَجَوَابهَا مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ رَاوِيهَا عَنْ يَحْيَى هُوَ الشَّاذَكُونِيّ وَقَدْ اُتُّهِمَ بِالْكَذِبِ فَلَا يَجُوز الْقَدْح فِي الرَّجُل بِمِثْلِ رِوَايَة الشَّاذَكُونِيّ
الثَّانِي أَنَّ فِي الْحِكَايَة مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا كَذِب فَإِنَّهُ قَالَ أُدْخِلَتْ فَاطِمَة عَلَيَّ وَهِيَ بِنْت تِسْع وفاطمة أكبر من هشام بثلاث عشر سَنَة وَلَعَلَّهَا لَمْ تُزَفّ إِلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ زادت على العشرين
ولما أخذ عنها بن إِسْحَاق كَانَ لَهَا نَحْو بِضْع وَخَمْسِينَ سَنَة
الثَّالِث أَنَّ هِشَامًا إِنَّمَا نَفَى رُؤْيَته لَهَا وَلَمْ يَنْفِ سَمَاعه مِنْهَا وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ اِنْتِفَاء
قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ حَالٌ مِنَ الْمُشَارِ بِهِ وَفِي قَالَ مَعْنَى الْإِشَارَةِ أَيْ أَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى مُشَابَهَةِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ لِلْأَصَابِعِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْكَفِّ مِثْلَ حَالَةِ الْإِشَارَةِ انْتَهَى (وَإِنَّهُ) أَيِ الْعَرْشُ (لَيَئِطَّ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُصَوِّتُ (بِهِ) أَيْ بِاللَّهِ تَعَالَى (أَطِيطُ الرَّحْلِ) أَيْ كَصَوْتِهِ وَالرَّحْلُ كُوَرُ النَّاقَةِ (بِالرَّاكِبِ) أَيِ الثَّقِيلُ
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ إِنَّ الْعَرْشَ لَيَعْجِزَ عَنْ حَمْلِهِ وَعَظَمَتِهِ إِذْ كان معلوما أن أطيط الرحل بِالرَّاكِبِ إِنَّمَا يَكُونُ لِقُوَّةِ مَا فَوْقَهُ وَعَجْزِهِ عَنِ احْتِمَالِهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْكَلَامُ إِذَا أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ فَعُقِلَ أَنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَحْقِيقَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا تَحْدِيدَهُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ تَقْرِيبٍ أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيرُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ جل جلاله سُبْحَانَهُ وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ إِفْهَامُ السَّائِلِ مِنْ حَيْثُ أَدْرَكَهُ فَهْمَهُ إِذَا كَانَ أَعْرَابِيًّا جِلْفًا لَا عِلْمَ لَهُ لِمَعَانِي مَا دَقَّ مِنَ الْكَلَامِ وَمَا لَطَفَ مِنْهُ عَنْ دَرْكِ الْأَفْهَامِ
وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَإِضْمَارٌ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ فَمَعْنَاهُ أَتَدْرِي مَا عَظَمَتُهُ وَجَلَالُهُ
وَقَوْلُهُ إِنَّهُ لَيَئِطَّ بِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيَعْجِزَ عَنْ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ حَتَّى يَئِطَّ بِهِ إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ أَطِيطَ الرَّجُلِ بِالرَّاكِبِ إِنَّمَا يَكُونُ لِقُوَّةِ مَا فَوْقَهُ وَلِعَجْزِهِ عَنِ احْتِمَالِهِ
فَقَرَّرَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّمْثِيلِ عِنْدِهِ مَعْنَى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الرُّؤْيَة اِنْتِفَاء السَّمَاع قَالَ الْإِمَام أَحْمَد لَعَلَّهُ سَمِعَ مِنْهَا فِي الْمَسْجِد أَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَحَدَّثَتْهُ مِنْ وَرَاء حِجَاب فَأَيّ شَيْء فِي هَذَا فَقَدْ كَانَتْ اِمْرَأَة كَبِرَتْ وَأَسَنَّتْ
وَقَالَ يعقوب بن شيبة سألت بن المديني عن بن إِسْحَاق فَقَالَ حَدِيثه عِنْدِي صَحِيح
قُلْت فَكَلَام مَالِك فِيهِ قَالَ مَالِك لَمْ يُجَالِسهُ وَلَمْ يَعْرِفهُ وَأَيّ شَيْء حَدَّثَ بِالْمَدِينَةِ قُلْت فَهِشَام بْن عُرْوَة قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ قَالَ الَّذِي قَالَ هِشَام لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَعَلَّهُ دَخَلَ عَلَى اِمْرَأَته وَهُوَ غُلَام فَسَمِعَ مِنْهَا فَإِنَّ حَدِيثه لَيَتَبَيَّن فِيهِ الصِّدْق يَرْوِي مَرَّة يَقُول حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَاد وَمَرَّة يَقُول ذَكَرَ أَبُو الزِّنَاد وَيَقُول حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن دِينَار عَنْ أَيُّوب عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب فِي سَلَف وَبَيْع وَهُوَ أَرْوَى النَّاس عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب
فَصْل وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّهُ لَمْ يُصَرِّح بِسَمَاعِهِ مِنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة فَعَلَى تَقْدِير الْعِلْم بِهَذَا النَّفْي لَا يَخْرُج
عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَارْتِفَاعِ عَرْشِهِ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِعُلُوِّ الشَّأْنِ وَجَلَالَةَ الْقَدْرِ وَفَخَامَةَ الذِّكْرِ لَا يُجْعَلُ شَفِيعًا إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْقَدْرِ وَأَسْفَلَ مِنْهُ فِي الدَّرَجَةِ وَتَعَالَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِشَيْءٍ أَوْ مُكَيَّفًا بِصُورَةِ خَلْقٍ أَوْ مُدْرِكًا بِحِسٍّ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ انْتَهَى
قُلْتُ كَلَامُ الْإِمَامِ الْخَطَّابِيِّ فِيهِ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ خِلَافٌ لِلظَّاهِرِ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ إِمْرَارَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَمْثِيلٍ كَمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(وَقَالَ عبد الأعلى وبن المثنى وبن بَشَّارٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَجُبَيْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ) أَيْ قَالُوا فِي رِوَايَتِهِمْ بِالْوَاوِ بَيْنَ يَعْقُوبَ وَجُبَيْرٍ وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ بِعَنْ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ (وَافَقَهُ عَلَيْهِ) أَيْ وَافَقَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَلَى إِسْنَادِهِ (وَكَانَ سَمَاعُ عَبْدِ الْأَعْلَى إِلَخْ) أَيْ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ كُلُّهُمْ عَلَى مَا هُوَ غَيْرُ الصَّحِيحِ حَيْثُ قَالُوا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْحَدِيث عَنْ كَوْنه حَسَنًا فَإِنَّهُ قَدْ لَقِيَ يَعْقُوب وَسَمِعَ مِنْهُ وَفِي الصَّحِيح قَطْعه مِنْ الِاحْتِجَاج بِعَنْعَنَةِ الْمُدَلِّس كَأَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر وَسُفْيَان عَنْ عَمْرو بْن دِينَار وَنَظَائِر كَثِيرَة لِذَلِكَ
وَأَمَّا قَوْلكُمْ تَفَرَّدَ بِهِ يَعْقُوب بْن عُتْبَة وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَد مِنْ أَصْحَاب الصَّحِيح فَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّ يَعْقُوب لَمْ يُضَعِّفهُ أَحَد وَكَمْ مِنْ ثِقَة قَدْ اِحْتَجُّوا بِهِ وَهُوَ غَيْر مُخَرَّج عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَاب عَنْ تَفَرُّد مُحَمَّد بْن جُبَيْر عَنْهُ فَإِنَّهُ ثِقَة
وَأَمَّا قولكم إن بن إِسْحَاق اِضْطَرَبَ فِيهِ إِلَى آخِره فَقَدْ اِتَّفَقَ ثلاثة من الحفاظ وهم عبد الأعلى وبن المثنى وبن يَسَار عَلَى وَهْب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عن بن إِسْحَاق أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة وَجُبَيْر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ وَخَالَفَهُمْ أَحْمَد بْن سَعِيد الدِّمْيَاطِيّ فَقَالَ عَنْ وَهْب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ سَمِعْت مُحَمَّد بْن إِسْحَاق يُحَدِّث عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة عَنْ جُبَيْر فَإِمَّا أَنْ يَكُون الثَّلَاثَة أَوْلَى وَإِمَّا أَنْ يَكُون يَعْقُوب رَوَاهُ عَنْ جُبَيْر بْن محمد فسمعه منه بن إِسْحَاق ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ جُبَيْر نَفْسه فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْوَاو غَلَط وَأَنَّ الصَّوَاب عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة عَنْ جُبَيْر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ وَاَللَّه أَعْلَم
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي لَفْظه فَبَعْضهمْ قَالَ لِيَئِطّ بِهِ وَبَعْضهمْ لَمْ يَذْكُر لَفْظَة بِهِ فَلَيْسَ فِي
وَجُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَخْ بِالْوَاوِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يروي عن النبي مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا مِنْ هَذَا الوجه ولم يقل فيه محمد بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ وَإِذَا قَالَ الْمُدَلِّسُ عَنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا أَوْ سَمِعْتُ أَوْ أَخْبَرَنَا لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَإِلَى هذا أشار البزار مع بن إِسْحَاقَ إِذَا صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَةَ بِهِ
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ الثَّقَفِيُّ الْأَخْنَسِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ الْقُرَشِيِّ النَّوْفَلِيِّ وَلَيْسَ لَهُمَا فِي صَحِيحِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيِّ رِوَايَةٌ وَانْفَرَدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عن يعقوب وبن إِسْحَاقَ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَقَدْ طَعَنَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَكَذَّبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ التَّشْبِيهُ بِالْقُبَّةِ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْعَرْشِ وَهَذَا حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ يَعْقُوبَ بن عتبة وصاحبا الحديث الصحيح لم يحتجابهما
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ فَوْرَكٍ وَذَلِكَ لَا يَرْجِعُ إِلَى الْعَرْشِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُمَاسٌّ لَهُ مُمَاسَّةَ الرَّاكِبِ الرَّحْلِ بَلْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يُسْمَعُ لِلْعَرْشِ أَطِيطٌ فَضُرِبَ كَأَطِيطِ الرَّجُلِ إِذَا رَكِبَ وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ مَعْنَاهُ أَطِيطُ الْمَلَائِكَةِ وَضَجَّتِهِمْ بِالتَّسْبِيحِ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّائِفُونَ بِهِ وَهَذَا شَائِعٌ كَمَا قَالَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
هَذَا اِخْتِلَاف يُوجِب رَدّ الْحَدِيث فَإِذَا زَادَ بَعْض الْحُفَّاظ لَفْظَة لَمْ يَنْفِهَا غَيْره
وَلَمْ يرو ما يخالفا فَإِنَّهَا لَا تَكُون مُوجِبَة لِرَدِّ الْحَدِيث
فَهَذَا جَوَاب الْمُنْتَصِرِينَ لِهَذَا الْحَدِيث
قَالُوا
وَقَدْ رُوِيَ هذا المعنى عن النبي من غير حديث بن إِسْحَاق
فَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْكُوفِيّ الْمَعْرُوف بِمُطَيَّنٍ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن الْحَكَم وَعُثْمَان قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْرَائِيل عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن خَلِيفَة عن عمر قال أتت النبي اِمْرَأَة فَقَالَتْ اُدْعُ اللَّه أَنْ يُدْخِلنِي الْجَنَّة فَعَظَّمَ أَمْر الرَّبّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ كُرْسِيّه فَوْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَإِنَّهُ يَقْعُد عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُل مِنْهُ مِقْدَار أَرْبَع أَصَابِع ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ فَجَمَعَهَا وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْل الْحَدِيث فَإِنْ قِيلَ عَبْد اللَّه بْن الْحَكَم وَعُثْمَان لَا يُعْرَفَانِ
قِيلَ بَلْ هُمَا ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ عُثْمَان بْنُ أَبِي شَيْبَة وَعَبْد اللَّه بْن الْحَكَم الْقَطْوَانِيُّ وَهُمَا مِنْ رِجَال الصَّحِيح
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَاب فَهُوَ عِنْده فَوْق عَرْشه إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي
وَفِي لَفْظ الْبُخَارِيّ هُوَ وَضْع عِنْده عَلَى الْعَرْش
وَفِي لَفْظ لَهُ أَيْضًا فَهُوَ مَكْتُوب فَوْق الْعَرْش
واستب بعدك يا كليب المجلس إنما المراد أَهْلُ الْمَجْلِسِ وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ اجْتَمَعَتْ الْيَمَامَةُ وَالْمُرَادُ أَهْلُهَا وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ بَنُو فُلَانٍ هُمُ الطَّرِيقُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاطِئُونَ الطَّرِيقَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ مَعْنَاهُ أَتَدْرِي مَا عَظَمَةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ تَقْرِيبٍ أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيبُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ هَذَا حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَصَاحِبَا الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ إِنَّمَا اسْتَشْهَدَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فِي أَحَادِيثَ مَعْدُودَةٍ أَظُنُّهُنَّ خَمْسَةٌ قَدْ رَوَاهُنَّ غَيْرُهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّوَاهِدِ ذِكْرًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرْضَاهُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يَرْوِي عَنْهُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ لَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ يُكْتَبُ عَنْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ يَعْنِي الْمَغَازِيَّ وَنَحْوَهَا فَإِذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ أَرَدْنَا قَوْمًا هَكَذَا يُرِيدُ أَقْوَى مِنْهُ فَإِذَا كَانَ لَا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَوَضْع بِمَعْنَى مَوْضُوع مَصْدَر بِمَعْنَى الْمَفْعُول كَنَظَائِرِهِ
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَس قَالَ كَانَتْ زَيْنَب تَفْخَر عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ وَتَقُول زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّه مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات
وَفِي لَفْظ لِلْبُخَارِيِّ كَانَتْ تَقُول أَنْكَحَنِي اللَّه فِي السَّمَاء
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قال رسول الله مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَة مِنْ كَسْب طَيِّب وَلَا يَصْعَد إِلَى اللَّه إِلَّا الطَّيِّب فَإِنَّ اللَّه يَتَقَبَّلهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُون مِثْل الْجَبَل لَفْظ الْبُخَارِيّ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هريرة عن النبي أَنَّهُ قَالَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَة بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاة الْعَصْر وَصَلَاة الْفَجْر ثُمَّ يَعْرُج الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلهُمْ اللَّه وَهُوَ أَعْلَم بِهِمْ كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَرَوَاهُ البيهقي بإسناد الصحيح وَقَالَ ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ وَقَالَ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيح
يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِهِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَإِنَّمَا نَقَمُوا عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ عَنْ ضُعَفَاءِ النَّاسِ وَتَدْلِيسِهِ أَسَامِيهِمْ فَإِذَا رَوَى عَنْ ثِقَةٍ وَبَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْهُ فَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا
وَهُوَ إِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَنْهُ وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَمَاعَهُ مِنْهُمَا وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ
وَقَدْ جَعَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ ثَابِتًا وَاشْتَغَلَ بِتَأْوِيلِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ
ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ آنِفًا
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى تَأْوِيلِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ حَدِيثُ الْعَبَّاسِ ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ وَمُعَارَضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَحَادِيثِ أَمَّا الضَّعْفُ فَمِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمِسَاحَةِ وَالْمَسَافَةِ وَفِي صِفَةِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَإِنَّهَا جَاءَتْ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةٍ وَاشْتُهِرَتْ عَنْ أَبِي ذَرِّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي بُرْدَةَ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ فَهَذِهِ دَعْوَى مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ فَإِنَّ الْمُفَسِّرِينَ بِأَجْمَعِهِمْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى خِلَافِ مَعْنَى حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه وَذَهَابُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْضًا إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْإِجْمَاعَ وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْ رواية المسافة بقدر مَسِيرَةِ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ كَمَا فِي حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ وبين
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قِصَّة سَعْد بْن مُعَاذ وَحُكْمه في بني قريظة وقول النبي لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِك وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيث سَعْد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ عَامِر بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيّ لَقَدْ حَكَمَ فِيهِمْ الْيَوْم بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات
وَقَالَ بن إِسْحَاق فِي حَدِيثه لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْق سَبْعَة أَرْقِعَة وَالرَّقِيع مِنْ أَسْمَاء السَّمَاء وَقَدْ تَقَدَّمَ
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَالْإِمَام أَحْمَد مِنْ حَدِيث الْحَسَن عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله لِأَبِي يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُد الْيَوْم إِلَهًا قَالَ أَبِي سَبْعَة سِتَّة فِي الْأَرْض وَوَاحِدًا فِي السَّمَاء قَالَ فَأَيّهمْ تَعُدّ لِرَغْبَتِك وَرَهْبَتك قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاء قَالَ يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّك لَوْ أَسْلَمْت عَلَّمْتُك كَلِمَتَيْنِ يَنْفَعَانِك
قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ يَا رَسُول اللَّه عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتنِي قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرّ نَفْسِي
وقد ثبت عن النبي أَنَّهُ شَهِدَ لِلْجَارِيَةِ بِالْإِيمَانِ حَيْثُ أَقَرَّتْ بِأَنَّ اللَّه فِي السَّمَاء وَحَدِيثهَا فِي صَحِيح مُسْلِم
رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ هَذِهِ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فَقَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِ رِوَايَةِ أَبَى هُرَيْرَةَ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ اشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَرَوَيْنَا عن بن مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قُوَّةِ السَّيْرِ وَضَعْفِهِ وَخِفَّتِهِ وَثِقَلِهِ فَيَكُونُ بِسَيْرِ الْقَوِيِّ أَقَلَّ وَبِسَيْرِ الضَّعِيفِ أَكْثَرَ انتهى
وقال بن الْقَيِّمِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ مِقْدَارِ الْمَسَافَةِ فِي حَدِيثَيِّ الْعَبَّاسِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مِمَّا يَشْهَدُ بِتَصْدِيقِ كُلُّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَأَنَّ الْمَسَافَةَ تَخْتَلِفُ تَقْدِيرُهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ السَّيْرِ الْوَاقِعِ فِيهَا فَسَيْرُ الْبَرِيدِ مَثَلًا يُقْطَعُ بِقَدْرِ سَيْرِ رُكَّابِ الْإِبِلِ سَبْعُ مَرَّاتٍ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْوَاقِعِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيح أَنَّهُ جَعَلَ يُشِير بِأُصْبُعِهِ إِلَى السَّمَاء فِي خُطْبَته فِي حَجَّة الْوَدَاع وَيُنَكِّسهَا إِلَى النَّاس وَيَقُول اللَّهُمَّ اِشْهَدْ وَكَانَ مُسْتَشْهِدًا بِاَللَّهِ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا حَتَّى يُقَال السَّمَاء قِبْلَة الدُّعَاء
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نُعَيْم قَالَ سَمِعْت أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيَّ يَقُول بَعَثَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب إِلَى رَسُول اللَّه مِنْ الْيَمَن بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيم مَقْرُوظ لَمْ تُحَصَّل مِنْ تُرَابهَا فَقَسَمَهَا بَيْن أَرْبَعَة نَفَر بَيْن عُيَيْنَةَ بْن بَدْر وَالْأَقْرَع بْن حَابِس وَزَيْد الْخَيْل وَالرَّابِع إِمَّا عَلْقَمَة بْن عُلَاثَة وَأَمَّا عَامِر بْن الطُّفَيْل فَقَالَ رَجُل مِنْ أَصْحَابه كُنَّا أَحَقّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ فَبَلَغَ ذلك النبي فقال ألا تؤمنوني وَأَنَا أَمِين مَنْ فِي السَّمَاء يَأْتِينِي خَبَر السَّمَاء صَبَاحًا وَمَسَاء
وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه حديث أبي الدرداء سمعت رسول الله يَقُول رَبّنَا اللَّه الَّذِي فِي السَّمَاء تَقَدَّسَ اِسْمك أَمْرك فِي السَّمَاء وَالْأَرْض كَمَا رَحْمَتك فِي السَّمَاء الْحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الطِّبّ
وَرَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ أَبِي قَابُوس مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرو بْن الْعَاصِ عَنْ عَبْد الله بن عمرو أن رسول الله قَالَ اِرْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْض يَرْحَمكُمْ مَنْ فِي السَّمَاء رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حَسَن صَحِيح وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْأَدَب
وَفِي صَحِيح بن حِبَّان عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنْ سَلْمَان الفارسي عن النبي قَالَ إِنَّ رَبّكُمْ حَيّ كَرِيم يَسْتَحْيِ مِنْ عَبْده إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدّهُمَا صِفْرًا
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيث حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء عَنْ وَكِيع بْن عُدُس عَنْ أَبِي رَزِين الْعُقَيْلِيّ قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيْنَ كَانَ رَبّنَا تبارك وتعالى قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَالَ كَانَ فِي عَمَاء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْته هَوَاء ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْش ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَيْهِ هَذَا لَفْظ الْبَيْهَقِيِّ وَهَذَا الْإِسْنَاد صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ فِي مَوْضِع وَحَسَّنَهُ فِي مَوْضِع
فَصَحَّحَهُ فِي الرُّؤْيَا أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الْخَلَّال حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء عَنْ وَكِيع بْن عُدُس عَنْ عَمّه أَبِي رَزِين العقيلي قال قال رسول الله رُؤْيَا الْمُؤْمِن جُزْء
فَمَا يَسِيرُهُ الْإِبِلُ سَيْرًا قَاصِدًا فِي عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْطَعُهُ الْبَرِيدُ فِي ثَلَاثَةٍ
فَحَيْثُ قَدَّرَ النبي بِالسَّبْعِينَ أَرَادَ بِهِ السَّيْرَ السَّرِيعَ سَيْرَ الْبَرِيدِ وحيث قدر بالخمس مائة أَرَادَ بِهِ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ سَيْرَ الْإِبِلِ وَالرُّكَّابِ فَكُلُّ مِنْهُمَا يُصَدِّقُ الْآخَرَ وَيَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافا كثيرا انْتَهَى
وَقَدْ جَاءَتْ فِي صِفَةِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ أَلْوَانٌ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فَأَنَّى يَصِحُّ الْإِجْمَاعُ وَاللَّهُ أعلم
قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي تَهْذِيبِ السُّنَنِ أَمَّا حَمْلُكُمْ فِيهِ على بن إسحاق فجوابه أن بن إِسْحَاقَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْأَمَانَةِ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ حَدِيثُهُ عِنْدِي صَحِيحٌ وَقَالَ شُعْبَةُ بْنُ إِسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ صَدُوقٌ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَيْضًا لَمْ أَجِدْ لَهُ سِوَى حَدِيثَيْنِ مُنْكَرَيْنِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ إِذْ لَمْ يَجِدْ لَهُ عَلَى كَثْرَةِ مَا رَوَى إِلَّا حَدِيثَيْنِ مُنْكَرَيْنِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة وَهِيَ عَلَى رِجْل طَائِر مَا لَمْ يُحَدِّث بِهَا فَإِذَا حَدَّثَ بِهَا وَقَعَتْ قَالَ وَأَحْسِبهُ قَالَ لَا تُحَدِّث بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا قَالَ الترمذي هذا حديث حسن صحيح
قال بن الْقَطَّان فَيَلْزَمهُ تَصْحِيح الْحَدِيث الْأَوَّل أَوْ الِاقْتِصَار عَلَى تَحْسِين الثَّانِي يَعْنِي لِأَنَّ الْإِسْنَاد وَاحِد
قَالَ فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّهُ حَسَّنَ الْأَوَّل لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة وَصَحَّحَ الثَّانِي لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَة شُعْبَة وَفَضْل مَا بَيْنهمَا فِي الْحِفْظ بَيِّن
قُلْنَا قَدْ صَحَّحَ مِنْ أَحَادِيث حَمَّاد بْن سَلَمَة مَا لَا يُحْصَى وَهُوَ مَوْضِع لَا نَظَر فِيهِ عِنْده وَلَا عِنْد أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم فَإِنَّهُ إِمَام وَكَانَ عِنْد شُعْبَة مِنْ تَعْظِيمه وَإِجْلَاله مَا هُوَ مَعْلُوم
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِم عَنْ الْأَصَمّ عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الصَّنْعَانِيِّ حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون أَخْبَرَنَا جَرِير بْن حَازِم عَنْ أَبِي يَزِيد الْمَدِينِيّ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب مَرَّ فِي نَاس مِنْ أَصْحَابه فَلَقِيَتْهُ عَجُوز وَاسْتَوْقَفَتْهُ فَوَقَفَ عَلَيْهَا فَوَضَعَ يَده عَلَى مَنْكِبَيْهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتهَا فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَ لَهُ رَجُل حَبَسْت رِجَالَات قُرَيْش عَلَى هَذِهِ الْعَجُوز
قَالَ وَيْحك تَدْرِي مَنْ هَذِهِ هَذِهِ عَجُوز سَمِعَ اللَّه عز وجل شَكْوَاهَا مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات وَاَللَّه لَوْ اِسْتَوْقَفَتْنِي إِلَى اللَّيْل لَوَقَفْت عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ آتِي صَلَاة ثُمَّ أَعُود عَلَيْهَا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْجَوْهَرِيّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْهَيْثَم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن كَثِير الْمِصِّيصِيّ قَالَ سَمِعْت الْأَوْزَاعِيَّ يَقُول كُنَّا وَالتَّابِعُونَ مُتَوَافِرُونَ نَقُول إِنَّ اللَّه تَعَالَى فَوْق عَرْشه وَنُؤْمِن بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّة مِنْ صِفَاته
وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي الصَّحِيح قَالَ أَبُو الْعَالِيَة اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء اِرْتَفَعَ فَسَوَّى خَلْقهنَّ
وَقَالَ مُجَاهِد اِسْتَوَى عَلَا
وَقَالَ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّبَرِيُّ مِنْ كِبَار أَصْحَاب أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَاَللَّه فِي السَّمَاء فَوْق كُلّ شَيْء مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه بِمَعْنَى أَنَّهُ عَالٍ عَلَيْهِ وَمَعْنَى الِاسْتِوَاء الِاعْتِلَاء كَمَا تَقُول
وقال علي أيضا سمعت بن عُيَيْنَةَ يَقُولُ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَتَكَلَّمُ فِي بن إِسْحَاقَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ فِي الْقَدَرِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَهْلَ عَصْرِهِ أَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْدَهُمْ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ قَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يَزَالُ بِهَذِهِ الْحِرَّةِ عِلْمٌ ما دام بها ذلك الأحول يريد بن إِسْحَاقَ
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ سَأَلْتُ يَحْيَى بن معين كيف بن إِسْحَاقَ قَالَ لَيْسَ بِذَاكَ قُلْتُ فَفِي نَفْسِكَ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْءٌ قَالَ لَا كَانَ صَدُوقًا
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ لو كان لي سلطان لأمرت بن إسحاق على المحدثين
وقال بن عدي قد فتشت أحاديث بن إِسْحَاقَ الْكَثِيرَ فَلَمْ أَجِدْ فِي أَحَادِيثِهِ شَيْئًا أن يقطع
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
اِسْتَوَيْت عَلَى ظَهْر الدَّابَّة وَاسْتَوَيْت عَلَى السَّطْح بِمَعْنَى عَلَوْته وَاسْتَوَتْ الشَّمْس عَلَى رَأْسِي وَاسْتَوَى الطَّيْر عَلَى قِمَّة رَأْسِي بِمَعْنَى عَلَا يَعْنِي عَلَا فِي الْجَوّ فَوُجِدَ فَوْق رَأْسِي فَالْقَدِيم سُبْحَانه عَالٍ عَلَى عَرْشه لَا قَاعِد وَلَا قَائِم وَلَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن عَنْ الْعَرْش هَذَا كَلَامه حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ
قَالَ وَرَوَى الْحَسَن بْن مُحَمَّد الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه نَفْطَوَيْهِ النَّحْوِيّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سُلَيْمَان قال كنا عند بن الْأَعْرَابِيّ فَأَتَاهُ رَجُل فَقَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه مَا مَعْنَى {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} قَالَ إِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه كَمَا أَخْبَرَ
فَقَالَ الرَّجُل إِنَّمَا مَعْنَى اِسْتَوَى اِسْتَوْلَى فَقَالَ له بن الْأَعْرَابِيّ مَا يُدْرِيك الْعَرَب لَا تَقُول اِسْتَوْلَى فُلَان عَلَى الشَّيْء حَتَّى يَكُون لَهُ فِيهِ مُضَادّ فَأَيّهمَا غَلَبَ قِيلَ قَدْ اِسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَاَللَّه تَعَالَى لَا مُضَادّ لَهُ فَهُوَ عَلَى عَرْشه كَمَا أَخْبَرَ
وَقَالَ يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الطُّلَيْطِلِيّ فِي كِتَاب سِيَر الْفُقَهَاء حَدَّثَنِي عَبْد الْمَلِك بْن حَبِيب عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُغِيرَة عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ قَوْل الرَّجُل يَا خَيْبَة الدَّهْر وَكَانُوا يَقُولُونَ اللَّه هُوَ الدَّهْر وَكَانُوا يَكْرَهُونَ قَوْل الرَّجُل رَغْم أَنْفِي لِلَّهِ
وَإِنَمَا يُرْغَم أَنْف الْكَافِر قَالَ وَكَانُوا يَكْرَهُونَ قَوْل الرَّجُل لَا وَاَلَّذِي خَاتَمه عَلَى فَمِي إِنَّمَا يُخْتَم عَلَى فَم الْكَافِر وَكَانُوا يَكْرَهُونَ قَوْل الرَّجُل وَاَللَّه حَيْثُ كَانَ أَوْ إِنَّ اللَّه بِكُلِّ مَكَان
قَالَ أَصْبَغ وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عرشه وبكل مكان علمه وإحاطته
وقال بن عَبْد الْبَرّ فِي التَّمْهِيد وَالِاسْتِذْكَار قَالَ مَالِك اللَّه فِي السَّمَاء وَعِلْمه فِي كُلّ مَكَان
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الطَّيِّب الْمَالِكِيّ الْأَشْعَرِيّ فِي رِسَالَته الْمَشْهُورَة الَّتِي سَمَّاهَا رِسَالَة الْحَيْدَة وَأَنَّ اللَّه سُبْحَانه شَاءَ مُرِيد كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَعَّال لِمَا يُرِيد} وَقَالَ {يُرِيد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وَقَالَ {إِنَّمَا قَوْلنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون} وَأَنَّ اللَّه مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه وَمُسْتَوْلٍ عَلَى جَمِيع خَلْقه كَمَا قَالَ تَعَالَى {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} بِغَيْرِ مُمَاسَّة وَلَا كَيْفِيَّة وَلَا مُجَاوَرَة
عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ وَرُبَّمَا أَخْطَأَ أَوْ وَهِمَ كَمَا يخطىء غَيْرُهُ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ الثِّقَاتُ وَالْأَئِمَّةُ وَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بن عبد الله العجلي بن إِسْحَاقَ ثِقَةٌ
وَقَدِ اسْتَشْهَدَ مُسْلِمٌ بِخَمْسَةِ أَحَادِيثَ ذَكَرَهَا لِابْنِ إِسْحَاقَ فِي صَحِيحِهِ
وَقَدْ رَوَى الترمذي في جامعه من حديث بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ كُنْتُ أَلْقَى مِنَ الْمَذْيِ شِدَّةً فَأُكْثِرُ الِاغْتِسَالَ مِنْهُ الْحَدِيثَ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لا نعرفه إلا من حديث بن إسحاق فهذا حكم قد تفرد به بن إِسْحَاقَ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ كَذَّبَهُ مَالِكٌ فَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ قَالَ يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ كَذَّابٌ قُلْتُ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ قَالَ لِي وُهَيْبٌ فَقُلْتُ لِوُهَيْبٍ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ قَالَ لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَقُلْتُ لِمَالِكٍ وَمَا يُدْرِيكَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَالَ حَافِظ الْمَغْرِب إِمَام السُّنَّة فِي وَقْته أَبُو عُمَر يُوسُف بْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَابَيْهِ التَّمْهِيد وَالِاسْتِذْكَار فِي شَرْح حَدِيث مَالِك عن بن شِهَاب عَنْ الْأَغَرّ وَأَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هريرة عن النبي قَالَ يَنْزِل رَبّنَا كُلّ لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا الْحَدِيث
قَالَ أَبُو عُمَر وَهَذَا لَفْظه فِي الِاسْتِذْكَار فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ اللَّه عز وجل فِي السَّمَاء عَلَى الْعَرْش مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات كَمَا قَالَتْ الْجَمَاعَة وَهُوَ مِنْ حُجَّتهمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَة وَالْجَهْمِيَّة فِي قَوْلهمْ إِنَّ اللَّه تَعَالَى فِي كُلّ مَكَان وَلَيْسَ عَلَى الْعَرْش وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قَالَهُ أَهْل الْحَقّ فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّه عز وجل {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} وَقَوْله {ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} وَقَوْله تَعَالَى {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلًا} وَقَوْله {إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب} وَقَوْله {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبّه لِلْجَبَلِ} وَقَالَ {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يَخْسِف بِكُمْ الْأَرْض} وَقَالَ {سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى} وَهَذَا مِنْ الْعُلُوّ وَكَذَلِكَ قَوْله {العلي العظيم} و {الكبير الْمُتَعَالِ} وَ {رَفِيع الدَّرَجَات ذُو الْعَرْش} {يَخَافُونَ رَبّهمْ مِنْ فَوْقهمْ}
وَقَالَ جَلَّ ذِكْره {يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ} وَقَوْله {تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ} وَقَوْله لِعِيسَى {إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ} وَقَوْله {بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ}
وَقَالَ {فَاَلَّذِينَ عِنْد رَبّك يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار} وَقَالَ {وَمَنْ عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته} وَقَالَ لَيْسَ لَهُ دَافِع مِنْ اللَّه ذِي الْمَعَارِج وَالْعُرُوج هُوَ الصُّعُود وَأَمَّا قَوْله {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} فَمَعْنَاهُ مَنْ عَلَى السَّمَاء يَعْنِي عَلَى الْعَرْش وَقَدْ تَكُون فِي بِمَعْنَى عَلَى أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَسِيحُوا فِي الْأَرْض} أَيْ على الأرض
وكذلك قوله {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النَّخْل} أَيْ عَلَى جُذُوع النَّخْل
وَهَذَا كُلّه يُعَضِّدهُ قَوْله تَعَالَى {تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ} وَمَا كَانَ
قَالَ قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ قُلْتُ لِهِشَامٍ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ حَدَّثَ عَنِ امْرَأَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ وَدَخَلْتُ عَلَيْهَا (أُدْخِلَتْ عَلَيَّ) وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَا رَآهَا رَجُلٌ حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ
قِيلَ هَذِهِ الْحِكَايَةُ وَأَمْثَالُهَا هِيَ الَّتِي غَرَّتْ مَنِ اتَّهَمَهُ بِالْكَذِبِ وَجَوَابُهَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدِهَا أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ رَاوِيَهَا عَنْ يَحْيَى هُوَ الشَّاذَكُونِيُّ وَقَدِ اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ فَلَا يَجُوزُ الْقَدْحُ فِي الرَّجُلِ بِمِثْلِ رِوَايَةِ الشَّاذَكُونِيِّ
الثَّانِي أَنَّ فِي الْحِكَايَةِ مَا يدل على أنها كذب فإنه قال أدخلت علي وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَفَاطِمَةُ أَكْبَرُ مِنْ هِشَامٍ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَعَلَّهَا لَمْ تُزَفَّ إِلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَلَمَّا أَخَذَ عنها بن إِسْحَاقَ كَانَ لَهَا نَحْوُ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً الثَّالِثِ أَنَّ هِشَامًا إِنَّمَا نَفَى رُؤْيَتَهُ لَهَا وَلَمْ يَنْفِ سَمَاعَهُ مِنْهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الرُّؤْيَةِ انْتِفَاءُ السَّمَاعِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَعَلَّهُ سَمِعَ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَحَدَّثَتْهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا وَقَدْ كَانَتِ امْرَأَةً قد كبرت وأسنت
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مِثْله مِمَّا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَات فِي هَذَا الْبَاب
فَهَذِهِ الْآيَات وَغَيْرهَا كُلّهَا وَاضِحَة فِي إِبْطَال قَوْل الْمُعْتَزِلَة
وَأَمَّا اِدِّعَاؤُهُمْ الْمَجَاز فِي الِاسْتِوَاء وَقَوْلهمْ اِسْتَوَى بِمَعْنَى اِسْتَوْلَى
فَلَا مَعْنَى لَهُ
لِأَنَّهُ غَيْر ظَاهِر فِي اللُّغَة
وَمَعْنَى الِاسْتِيلَاء فِي اللُّغَة الْمُغَالَبَة
وَاَللَّه لَا يَغْلِبهُ وَلَا يَعْلُوهُ أَحَد
وَهُوَ الْوَاحِد الصَّمَد
وَمِنْ حَقّ الْكَلَام أَنْ يُحْمَل عَلَى حَقِيقَته حَتَّى يَكُون اِتِّفَاق مِنْ الْأُمَّة أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمَجَاز إِذْ لَا سَبِيل إِلَى اِتِّبَاع مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبّنَا إِلَّا عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوَجَّه كَلَام اللَّه إِلَى الْأَشْهَر وَالْأَظْهَر مِنْ وُجُوهه مَا لَمْ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِب لَهُ التَّسْلِيم
وَلَوْ سَاغَ اِدِّعَاء الْمَجَاز لِكُلِّ مُدَّعٍ مَا ثَبَتَ شَيْء مِنْ الْعِبَادَات
وَجَلَّ اللَّه أَنْ يُخَاطِب عِبَاده فِي كِتَابه الْعَرَبِيّ إِلَّا بِمَا يَفْهَمهُ الْعَرَب فِي مَعْهُود مُخَاطَبَتهَا مِمَّا يَصِحّ مَعْنَاهُ عِنْد السَّامِعِينَ
وَالِاسْتِوَاء فِي اللُّغَة مَعْلُوم مَفْهُوم وَهُوَ الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع عَلَى الشَّيْء وَالِاسْتِقْرَار وَالتَّمَكُّن فِيهِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى {اِسْتَوَى} قَالَ عَلَا
وَتَقُول الْعَرَب اِسْتَوَيْت فَوْق الدَّابَّة وَاسْتَوَيْت فَوْق الْبَيْت
قَالَ أَبُو عَمْرو الِاسْتِقْرَار فِي الْعُلُوّ
وَبِهَذَا خَاطَبَنَا عز وجل فِي كِتَابه
فَقَالَ {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُوره ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَة رَبّكُمْ إِذَا اِسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} وَقَالَ {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ} وَقَالَ {فَإِذَا اِسْتَوَيْت أَنْتَ وَمَنْ مَعَك عَلَى الْفُلْك}
وَقَالَ الشَّاعِر
وقال يعقوب بن شيبة سألت بن المديني عن بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدِيثُهُ عِنْدِي صَحِيحٌ قُلْتُ فَكَلَامُ مَالِكٍ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ لَمْ يُجَالِسْهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَأَيُّ شَيْءٍ حَدَّثَ بِالْمَدِينَةِ
قُلْتُ فَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ قَالَ الَّذِي قَالَ هِشَامٌ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَعَلَّهُ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ غُلَامٌ فَسَمِعَ مِنْهَا فَإِنَّ حَدِيثَهُ يستبين فيه الصدق يروي مرة حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ وَمَرَّةً ذَكَرَ أَبُو الزِّنَادِ وَيَقُولُ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي سَلَفٍ وَبَيْعٍ وَهُوَ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِسَمَاعِهِ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ فَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْعِلْمِ بِهَذَا النَّفْيِ لَا يَخْرُجُ الْحَدِيثُ عَنْ كَوْنِهِ حَسَنًا فَإِنَّهُ قَدْ لَقِيَ يَعْقُوبَ وَسَمِعَ مِنْهُ وَفِي الصَّحِيحِ قِطْعَةٌ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِعَنْعَنَةِ الْمُدَلِّسِ كَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَسُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ لِذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فَأَوْرَدْتهمْ مَأْسَفًا قَعْره وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْم الْيَمَانِيّ فَاسْتَوَى وَهَذَا لَا يَجُوز أَنْ يَتَأَوَّل فِيهِ أَحَد أَنَّ مَعْنَاهُ اِسْتَوْلَى
لِأَنَّ النَّجْم لَا يَسْتَوْلِي
وَقَدْ ذَكَرَ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ وَكَانَ ثِقَة مَأْمُونًا جَلِيلًا فِي عِلْم الدِّيَانَة وَاللُّغَة قَالَ حَدَّثَنِي الْخَلِيل وَحَسْبك بِالْخَلِيلِ قَالَ أَتَيْت أَبَا رَبِيعَة الْأَعْرَابِيّ وَكَانَ مِنْ أَعْلَم مَنْ رَأَيْت فَإِذَا هُوَ عَلَى سَطْح فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ عَلَيْنَا السَّلَام وَقَالَ لَنَا اِسْتَوُوا
فَبَقِينَا مُتَحَيِّرِينَ
وَلَمْ نُدْرِك مَا قَالَ
فَقَالَ لَنَا أَعْرَابِيّ إِلَى جَنْبه أَمَرَكُمْ أَنْ تَرْتَفِعُوا
قَالَ الْخَلِيل هُوَ مِنْ قَوْل اللَّه عز وجل {ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} فَصَعِدْنَا إِلَيْهِ
وَأَمَّا مَنْ نَزَعَ مِنْهُمْ بِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بن واقد الواسطي بإسناده عن بن عَبَّاس الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى اِسْتَوْلَى عَلَى جَمِيع بَرِيَّته فَلَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَان
فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا حَدِيث مُنْكَر وَنَقَلَته مَجْهُولُونَ ضُعَفَاء وَهُمْ لَا يَقْبَلُونَ أَخْبَار الْآحَاد الْعُدُول
فَكَيْف يَسُوغ لَهُمْ الِاحْتِجَاج بِمِثْلِ هَذَا مِنْ الْحَدِيث لَوْ عَقَلُوا أَوْ أَنْصَفُوا أَمَا سَمِعُوا اللَّه عز وجل يَقُول {وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هَامَان اِبْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَاوَات فَأَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنّهُ كَاذِبًا} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُوسَى كَانَ يَقُول إِلَهِي فِي السَّمَاء وَفِرْعَوْن يَظُنّهُ كَاذِبًا
وَقَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فَسُبْحَان مَنْ لَا يُقَدِّر الْخَلْق قَدْره وَمَنْ هُوَ فَوْق الْعَرْش فَرْد مُوَحَّد مَلِيك عَلَى عَرْش السَّمَاء مُهَيْمِن لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الْوُجُوه وَتَسْجُد قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ وَإِنْ اِحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الْأَرْض إِلَه} وَبِقَوْلِهِ {وَهُوَ اللَّه فِي السَّمَاوَات وَفِي الْأَرْض} وَبِقَوْلِهِ {مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رَابِعهمْ} الْآيَة
قِيلَ لَهُمْ لَا خِلَاف بَيْننَا وَبَيْنكُمْ وَبَيْن سَائِر الْأُمَّة أَنَّهُ سُبْحَانه لَيْسَ فِي الْأَرْض دُون السَّمَاء
فَوَجَبَ حَمْل هَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمَعْنَى الصَّحِيح الْمُجْمَع عَلَيْهِ
وَذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانه فِي السَّمَاء إِلَه معبود من
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ تَفَرَّدَ بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ فَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّ يَعْقُوبَ ثِقَةٌ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَحَدٌ وَكَمْ مِنْ ثِقَةٍ قَدِ احْتُجَّ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَرَّجٍ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ
وَأَمَّا قولكم أن بن إِسْحَاقَ اضْطُرِبَ فِيهِ فَقَدِ اتَّفَقَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الحفاظ عبد الأعلى وبن المثنى وبن بَشَّارٍ عَلَى وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عن بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ وَخَالَفَهُمْ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمْيَاطِيُّ فَقَالَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ جُبَيْرٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثَةُ أَوْلَى وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَعْقُوبُ رَوَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ محمد فسمعه منه بن إِسْحَاقَ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ جُبَيْرٍ نَفْسِهِ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْوَاوَ غَلَطٌ وَإِنَّ الصَّوَابَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَهْل السَّمَاء وَأَنَّهُ سُبْحَانه فِي الْأَرْض إِلَه مَعْبُود مُسْتَحِقّ لِلْعِبَادَةِ مِنْ أَهْل الْأَرْض
وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل الْعِلْم بِالتَّفْسِيرِ وَظَاهِر التَّنْزِيل يَشْهَد أَنَّهُ عَلَى الْعَرْش
وَالِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ سَاقِط
وَأَسْعَد النَّاس بِهِ مَنْ سَاعَدَهُ الظَّاهِر
وَأَمَّا قَوْله {وَفِي الْأَرْض إِلَه} فَالْإِجْمَاع وَالِاتِّفَاق قَدْ بَيَّنَ الْمُرَاد أَنَّهُ مَعْبُود مِنْ أَهْل الْأَرْض
فَتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ قَاطِع
وَمِنْ الْحُجَّة أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ تبارك وتعالى عَلَى الْعَرْش فَوْق السَّمَاوَات أَنَّ الْمُوَحِّدِينَ أَجْمَعِينَ مِنْ الْعَرَب وَالْعَجَم إِذَا كَرَبَهُمْ أَمْر أَوْ نَزَلَتْ بِهِمْ شِدَّة رَفَعُوا أَيْدِيهمْ وَوُجُوههمْ إِلَى السَّمَاء فَيَسْتَغِيثُونَ رَبّهمْ تبارك وتعالى
وَهَذَا أَشْهَر عِنْد الْعَامَّة وَالْخَاصَّة مِنْ أَنْ يُحْتَاج فِيهِ إِلَى أَكْثَر مِنْ حِكَايَته
لِأَنَّهُ اِضْطِرَار لَمْ يُوقِفهُمْ عَلَيْهِ أَحَد وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِم
وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ لِلْأَمَةِ الَّتِي أَرَادَ مَوْلَاهَا عِتْقهَا
فَاخْتَبَرَهَا رَسُول الله لِيَعْلَم إِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَة أَمْ لَا
فَقَالَ لَهَا أَيْنَ اللَّه فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ قَالَ لَهَا مَنْ أَنَا قَالَتْ رَسُول اللَّه
قَالَ اِعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة
فَاكْتَفَى رَسُول اللَّه بِرَفْعِهَا رَأْسهَا إِلَى السَّمَاء وَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَمَّا سِوَاهُ
هَذَا لَفْظ أَبِي عُمَر فِي الِاسْتِذْكَار
وَذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيد أَطْوَل مِنْهُ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ وَأَبُو سَعِيد بْن أَبِي عَمْرو حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْنُ يَعْقُوب حَدَّثَنَا هَارُون بْن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَاصِم عَنْ زِرّ بْن حُبَيْشٍ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ بَيْن سَمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام وَبَيْن كُلّ سَمَاء خَمْسمِائَةِ عَام وَبَيْن السَّمَاء السَّابِعَة وَالْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام وَالْكُرْسِيّ فَوْق الْمَاء
وَاَللَّه عز وجل فَوْق الْكُرْسِيّ وَيَعْلَم مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ اخْتَلَفَ لَفْظُهُ فَبَعْضُهُمْ قَالَ لَيَئِطُّ بِهِ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ بِهِ فَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ يُوجِبُ رَدَّ الْحَدِيثِ فَإِذَا زَادَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ لَفْظَةً لَمْ يَنْفِهَا غَيْرُهُ وَلَمْ يَرْوِ مَا يُخَالِفُهَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُوجِبَةً لِرَدِّ الْحَدِيثِ فَهَذَا جَوَابُ الْمُنْتَصِرِينَ لهذا الحديث
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ وَرَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ مَا بَيْن السَّمَاء إِلَى الْأَرْض مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام
ثُمَّ بَيْن كُلّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام ثُمَّ مَا بَيْن السَّمَاء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام وَمَا بَيْن الْكُرْسِيّ وَالْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام وَالْكُرْسِيّ فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش
وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي كِتَاب الْأُمّ وَرُوِّينَاهُ فِي مُسْنَده أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عُبَيْد قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَزْهَر مُعَاوِيَة بْن إِسْحَاق بْن طَلْحَة عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر أَنَّهُ سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول أتى جبريل النبي بِمِرْآةٍ بَيْضَاء فِيهَا نُكْتَة
فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَا هَذِهِ فَقَالَ هَذِهِ الْجُمُعَة فُضِّلْت بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتك
وَالنَّاس لَكُمْ فِيهَا تَبَع الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلَكُمْ فِيهَا خَيْر وَفِيهَا سَاعَة لَا يُوَافِقهَا مُؤْمِن يَدْعُو اللَّه بِخَيْرٍ إِلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ عِنْدنَا يَوْم المزيد
فقال النبي يَا جِبْرِيل وَمَا يَوْم الْمَزِيد فَقَالَ إِنَّ رَبّك اِتَّخَذَ فِي الْفِرْدَوْس وَادِيًا أَفَيْح فِيهِ كَثِيب مِنْ مِسْك
فَإِذَا كَانَ يَوْم الْجُمُعَةِ أَنْزَلَ اللَّه تبارك وتعالى مَا شَاءَ مِنْ مَلَائِكَته وَحَوْله مَنَابِر مِنْ نُور عَلَيْهَا مَقَاعِد لِلنَّبِيِّينَ وَحَفَّ تِلْكَ الْمَنَابِر بِمَنَابِر مِنْ ذَهَب مُكَلَّلَة بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَد عَلَيْهَا الشُّهَدَاء وَالصِّدِّيقُونَ
فَجَلَسُوا مِنْ وَرَائِهِمْ عَلَى تِلْكَ الْكُثْبَان فَيَقُول اللَّه عز وجل أَنَا رَبُّكُمْ قَدْ صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ
فَيَقُولُونَ رَبّنَا نَسْأَلك رِضْوَانك
فَيَقُول قَدْ رَضِيت عَنْكُمْ وَلَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَلَدَيَّ مَزِيد
فَهُمْ يُحِبُّونَ يَوْم الْجُمُعَةِ لِمَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ رَبّهمْ مِنْ الْخَيْر
وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي اِسْتَوَى فِيهِ رَبّك تبارك وتعالى عَلَى الْعَرْش
وَفِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ تَقُوم السَّاعَة
قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَان إِبْرَاهِيم بْن الْجَعْد عَنْ أَنَس بْنِ مَالِك شَبِيهًا بِهِ
اِحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيّ فِي فَضْل الْجُمُعَةِ وَكَانَ حَسَن الْقَوْل فِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد شَيْخه
وَالْحَدِيث لَهُ طُرُق عَدِيدَة
وَرَوَاهُ أَبُو الْيَمَان الْحَكَم بْن نَافِع حَدَّثَنَا صَفْوَان قَالَ قَالَ أَنَس بْن مَالِك رضي الله عنه قال رسول الله أَتَانِي جِبْرِيل فَذَكَرَهُ
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن شُعَيْب عَنْ عُمَر مَوْلَى عَفْرَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
وَرَوَاهُ أَبُو طَيْبَة عَنْ عُثْمَان بْن عُمَيْر عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
قَالُوا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ بن إِسْحَاقَ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِمُطَيَّنٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ وَعُثْمَانُ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ عن عمر قال أتت النبي امْرَأَةٌ فَقَالَتْ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ فَعَظَّمَ أَمْرَ الرَّبِّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْصِلُ مِنْهُ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ فَجَمَعَهَا وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْلِ الحديث
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَدْ جَمَعَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي دَاوُدَ طُرُقه وَقَالَ أَبُو طَيْبَة اِسْمه رَجَاء بْن الْحَرْث ثِقَة وَعُثْمَان بْن عُمَيْر يُكَنَّى أَبَا الْيَقْظَان
وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الَّتِي أَجْمَعَتْ الأمة على صحتها وقبولها بأن النبي عُرِجَ بِهِ إِلَى رَبّه وَأَنَّهُ جَاوَزَ السَّمَاوَات السَّبْع وَأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْن مُوسَى وَبَيْن اللَّه عز وجل مِرَارًا فِي شَأْن الصَّلَاة وَتَخْفِيفهَا وَهَذَا مِنْ أَعْظَم الْحُجَج عَلَى الْجَهْمِيَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ عُرِجَ بِهِ إِلَى رَبّه وَإِنَّمَا يَقُولُونَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء
وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الرواية عن النبي بِأَنَّ اللَّه عز وجل يَنْزِل كُلّ لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا يَقُول هَلْ مِنْ تَائِب فَأَتُوب عَلَيْهِ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فَأَغْفِر لَهُ رَوَاهُ بِضْعَة وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا
وَفِي مُسْنَد الْإِمَام أحمد وسنن بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول الله بَيْنَا أَهْل الْجَنَّة فِي نَعِيمهمْ إِذْ سَطَعَ لهم نور فرفعوا رؤوسهم فَإِذَا الرَّبّ تبارك وتعالى قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقهمْ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُمْ يَا أَهْل الْجَنَّة
قَالَ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم} فَيَنْظُر إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْء مِنْ النَّعِيم مَا داموا ينظرون إليه حتى يحجب عَنْهُمْ وَيَبْقَى نُوره وَبَرَكَته عَلَيْهِمْ فِي دِيَارهمْ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَامَ فينا رسول الله بِخَمْسِ كَلِمَات فَقَالَ إِنَّ اللَّه لَا يَنَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَام يَخْفِض الْقِسْط وَيَرْفَعهُ يُرْفَع إِلَيْهِ عَمَل النَّهَار قَبْل عَمَل اللَّيْل وَعَمَل اللَّيْل قَبْل عَمَل النَّهَار حِجَابه النُّور لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَات وَجْهه مَا اِنْتَهَى إِلَيْهِ بَصَره مِنْ خَلْقه
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم فِي عُلُوم الْحَدِيث فِي النَّوْع الْعِشْرِينَ سَمِعْت مُحَمَّد بْن صَالِح بْنِ هانيء يَقُول سَمِعْت أَبَا بَكْر بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَةَ يَقُول مَنْ لَمْ يُقِرّ بِأَنَّ اللَّه على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته فَهُوَ كَافِر بِهِ يُسْتَتَاب فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقه وَأُلْقِيَ عَلَى بَعْض الْمَزَابِل حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى الْمُسْلِمُونَ وَلَا الْمُعَاهَدُونَ بِنَتِنِ رِيح جِيفَته وَكَانَ مَاله فَيْئًا لَا يَرِثهُ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِذْ الْمُسْلِم لَا يَرِث الْكَافِر
كما قال النبي
وَقَالَ بُكَيْر بْن مَعْرُوف عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله تَعَالَى {مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رَابِعهمْ وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سَادِسهمْ} قَالَ هُوَ اللَّه عز وجل عَلَى الْعَرْش وَعِلْمه مَعَهُمْ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّانَ بَلَغَنَا وَاَللَّه أَعْلَم فِي قَوْله عز وجل {هُوَ الْأَوَّل} قَبْل كُلّ شَيْء {وَالْآخِر} بَعْد كُلّ شَيْء {وَالظَّاهِر} فَوْق كُلّ شَيْء {وَالْبَاطِن} أَقْرَب مِنْ كُلّ شَيْء وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالْقُرْبِ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَته وَهُوَ فَوْق
فَإِنْ قِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ وَعُثْمَانُ لَا يُعْرَفَانِ قِيلَ بَلْ هُمَا ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ الْقَطْوَانِيُّ وَهُمَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي
وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ
وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا فَهُوَ مَكْتُوبٌ فَوْقَ الْعَرْشِ وَوَضْعٌ بِمَعْنَى مَوْضُوعٍ مَصْدَرٌ بمعنى المفعول كنظائره انتهى كلام بن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
عَرْشه {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم} ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا
قَالَ وَبِهَذَا الْإِسْنَاد عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّانَ فِي قَوْله (إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) يَقُول عِلْمه وَذَلِكَ قَوْله {إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم} فَيَعْلَم نَجْوَاهُمْ وَيَسْمَع كَلَامهمْ ثُمَّ يُنَبِّئهُمْ يَوْم الْقِيَامَة بِكُلِّ شَيْء وَهُوَ فَوْق عَرْشه وَعِلْمه مَعَهُمْ
وَقَالَ الْحَاكِم سَمِعْت أَبَا جَعْفَر محمد بن صالح بن هانيء يَقُول سَمِعْت مُحَمَّد بْن نُعَيْم يَقُول سَمِعْت الْحَسَن بْن الصَّبَّاح الْبَزَّار يَقُول سَمِعْت عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق يَقُول سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك
قُلْت كَيْف نَعْرِف رَبّنَا قَالَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة عَلَى عَرْشه
قَالَ الْحَاكِم وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن دَاوُدَ الزَّاهِد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الشَّامِيّ حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن سِيبَوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ سَمِعْت عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق يَقُول سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك يَقُول نَعْرِف رَبّنَا فَوْق سَبْع سَمَاوَات عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى بَائِن مِنْ خَلْقه وَلَا نَقُول كما قالت الجهمية إنه ها هنا وَأَشَارَ إِلَى الْأَرْض
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن كِلَاب فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن فَوْرَكٍ وَأَخْرَجَ مِنْ النَّظَر وَالْخَبَر قَوْل مَنْ قَالَ لَا هُوَ دَاخِل الْعَالَم وَلَا خَارِجه فَنَفَاهُ نَفْيًا مُسْتَوِيًا لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ صِفْهُ بِالْعَدَمِ مَا قَدَرَ أَنْ يَقُول فِيهِ أَكْثَر مِنْهُ وَرَدَّ أَخْبَار اللَّه نَصًّا وَقَالَ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا يَجُوز فِي خَبَر وَلَا مَعْقُول وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ التَّوْحِيد الْخَالِص وَالنَّفْي الْخَالِص عِنْدهمْ وَالْإِثْبَات الْخَالِص وَهُمْ عِنْد أَنْفُسهمْ قَيَّاسُونَ هَذَا حِكَايَة لَفْظه
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَاب شِعَار الدِّين الْقَوْل فِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْش
هَذِهِ الْمَسْأَلَة سَبِيلهَا التَّوْقِيف الْمَحْض وَلَا يَصِل إِلَيْهَا الدَّلِيل مِنْ غَيْر هَذَا الْوَجْه وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَاب فِي غَيْر آيَة ووردت بِهِ الْأَخْبَار الصَّحِيحَة فَقَبُوله مِنْ جِهَة التَّوْقِيف وَاجِب وَالْبَحْث عَنْهُ وَطَلَب الْكَيْفِيَّة غَيْر جَائِز
وَقَدْ قَالَ مَالِك الِاسْتِوَاء مَعْلُوم وَالْكَيْف غَيْر مَعْقُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنْهُ بِدْعَة
فَمِنْ التَّوْقِيف الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَاب قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} وَقَالَ {ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش الرَّحْمَن} وَقَالَ {رَفِيع الدَّرَجَات ذو العرش}
وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ وَالْحَافِظُ فَتْحُ الدِّينِ بْنُ سَيِّدِ النَّاسِ الْيَعْمُرِيُّ فِي عُيُونِ الْأَثَرِ فِي الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ فَعَلَيْكَ بِمُرَاجَعَتِهِمَا
[4727]
(أُذِنَ لِي) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْآذِنُ لَهُ هُوَ اللَّهُ (أَنْ أُحَدِّثَ) أَصْحَابِي أَوِ النَّاسَ (عَنْ مَلَكٍ) أَيْ عَنْ شَأْنِهِ أَوْ عَنْ عِظَمِ خَلْقِهِ (إِلَى عَاتِقِهِ) هُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ إلى أصل العنق (مسيرة سبع مائة عَامٍ) أَيْ بِالْفَرَسِ الْجَوَادِ كَمَا فِي خَبَرٍ آخَرَ فَمَا ظَنُّكَ بِطُولِهِ وَعِظَمِ جُثَّتِهِ وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِينَ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ
وَالْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَالَ {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يَخْسِف بِكُمْ الْأَرْض فَإِذَا هِيَ تَمُور أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} وَقَالَ {تَعْرُج الْمَلَائِكَة وَالرُّوح إِلَيْهِ} وَقَالَ {بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ} وَقَالَ {إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب} وَقَالَ حِكَايَة عَنْ فِرْعَوْن إِنَّهُ قَالَ {يَا هَامَان اِبْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَاوَات فَأَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى} فَوَقَعَ قَصْد الْكَافِر إِلَى الْجِهَة الَّتِي أَخْبَرَهُ مُوسَى عَنْهَا وَلِذَلِكَ لَمْ يَطْلُبهُ فِي طُول الْأَرْض وَلَا عَرْضهَا وَلَمْ يَنْزِل إِلَى طَبَقَات الْأَرْض السُّفْلَى
فَدَلَّ مَا تَلَوْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْآي عَلَى أَنَّ اللَّه سُبْحَانه فِي السَّمَاء مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْش وَلَوْ كَانَ بِكُلِّ مَكَان لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّخْصِيص مَعْنًى وَلَا فِيهِ فَائِدَة وَقَدْ جَرَتْ عَادَة الْمُسْلِمِينَ خَاصَّتهمْ وَعَامَّتهمْ بِأَنْ يَدْعُوا رَبّهمْ عِنْد الِابْتِهَال وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ وَيَرْفَعُوا أَيْدِيهمْ إِلَى السَّمَاء وَذَلِكَ لِاسْتِفَاضَةِ الْعِلْم عِنْدهمْ بِأَنَّ رَبّهمْ الْمَدْعُوّ فِي السَّمَاء سُبْحَانه
ثُمَّ ذَكَرَ قَوْل مَنْ فَسَّرَ الِاسْتِوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ وَبَيَّنَ فَسَاده
وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ فِي كِتَاب مَقَالَات الْمُصَلِّينَ لَهُ فِي بَاب تَرْجَمَته
بَاب اِخْتِلَافهمْ فِي الْبَارِي هَلْ هُوَ مَكَان دُون مَكَان
أَمْ لَيْسَ فِي مَكَان أَمْ فِي كُلّ مَكَان وَهَلْ حَمَلَة الْعَرْش ثَمَانِيَة أملام أَمْ ثَمَانِيَة أَصْنَاف مِنْ الْمَلَائِكَة
اِخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى سَبْع عَشْرَة مَقَالَة
ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَهْل السُّنَّة وَالْحَدِيث لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا يُشْبِه الْأَشْيَاء وَإِنَّهُ عَلَى الْعَرْش كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى}
فَلَا نَتَقَدَّم بَيْن يدي الله في القول بلا نَقُول اِسْتَوَى بِلَا كَيْف
وَإِنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ {وَيَبْقَى وَجْه رَبّك}
وَإِنَّ لَهُ يَدَيْنِ كَمَا قَالَ {خَلَقْت بِيَدَيَّ}
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْمُخْتَارَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَسَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[4728]
(وَالَّتِي تَلِيهَا) أَيْ تَلِي الْإِبْهَامَ يَعْنِي السبابة (قال بن يونس) هو محمد (قال المقرئ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ (رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْهُ صِفَةُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِلَّهِ تَعَالَى
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ وَضْعُهُ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنِهِ وَعَيْنِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ سَمِيعًا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَإِنَّ لَهُ عَيْنَيْنِ كَمَا قَالَ {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}
وَإِنَّهُ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة وَمَلَائِكَته كَمَا قَالَ {وَجَاءَ رَبّك وَالْمَلَك صَفًّا صَفًّا}
وَإِنَّهُ يَنْزِل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث
وَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا إِلَّا مَا وَجَدُوهُ فِي الْكِتَاب أَوْ جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَة الثَّابِتَة عَنْ رسول الله
وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَة إِنَّ اللَّه اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه بمعنى استولى
وقال بعد ذَلِكَ فِي حِكَايَة قَوْل أَهْل السُّنَّة وَالْحَدِيث هَذِهِ حِكَايَة قَوْل جُمْلَة أَصْحَاب الْحَدِيث وَأَهْل السنة
بَصِيرًا مَعْنَاهُ إِثْبَاتُ صِفَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ لَا إِثْبَاتُ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِأَنَّهُمَا جَارِحَتَانِ والله سبحانه موصوف بصفاته منفيا عَنْهُ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَنُعُوتِهِمْ لَيْسَ بِذِي جَوَارِحَ وَلَا بِذِي أَجْزَاءٍ وَأَبْعَاضٍ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير انْتَهَى
وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ قَوْلُهُ لَا إِثْبَاتُ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ إِلَخْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَأَهْلُ التَّحْقِيقِ يَصِفُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ وَلَا يَبْتَدِعُونَ لِلَّهِ وَصْفًا لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ولتصنع على عيني وقال تجري بأعيننا
وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِذِي جَوَارِحَ وَلَا بِذِي أَجْزَاءٍ وَأَبْعَاضٍ كَلَامٌ مُبْتَدَعٌ مُخْتَرَعٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا بَلْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَيَسْكُتُونَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ وَلَا يُكَيِّفُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ وَلَا يُشَبِّهُونَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَمَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ وَلَيْسَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ تَشْبِيهًا
وَإِثْبَاتُ صِفَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِلَّهِ حَقٌّ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ مَا قَالَهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ
وَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَ كِتَابَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَإِعْلَامَ الْمُوَقِّعِينَ وَاجْتِمَاعَ الْجُيُوشِ وَالْكَافِيَةَ الشَّافِيَةَ وَالصَّوَاعِقَ الْمُرْسَلَةَ وَتَهْذِيبَ السُّنَنِ كُلَّهَا لِابْنِ الْقَيِّمِ رحمه الله وَكِتَابَ الْعُلُوِّ لِلذَّهَبِيِّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَالْحَدِيثُ سكت عنه المنذري
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
جُمْلَة مَا عَلَيْهِ أَصْحَاب الْحَدِيث وَأَهْل السُّنَّة
الْإِقْرَار بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا رَوَاهُ الثِّقَات عَنْ رسول الله لَا يَرُدُّونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا
وَأَنَّهُ تَعَالَى إِلَه وَاحِد أَحَد فَرْد صَمَد لَا إِلَه غَيْره لَمْ يَتَّخِذ صَاحِبَة وَلَا وَلَدًا
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله
وَأَنَّ الْجَنَّة حَقّ وَالنَّار حَقّ وَأَنَّ السَّاعَة آتِيَة لَا رَيْب فِيهَا وَأَنَّ اللَّه يَبْعَث مَنْ فِي الْقُبُور
وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَى عَرْشه كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى}
وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِلَا كَيْف كَمَا قَالَ {خَلَقْت بِيَدَيَّ} {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}
وَأَنَّ لَهُ عَيْنَيْنِ بِلَا كَيْف كَمَا قَالَ {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}
وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ {وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام}
ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَب عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن كِلَاب فَقَالَ وَكَانَ يَقُول إِنَّ الْقُرْآن كَلَام اللَّه وَسَاقَهُ إِلَى أَنْ قَالَ وَإِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه كَمَا قَالَ وَإِنَّهُ تَعَالَى فَوْق كُلّ شَيْء هَذَا كُلّه لَفْظه فِي الْمَقَالَات
وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ رحمه الله أَيْضًا فِي كِتَاب الْمُوجَز وَإِنْ قَالُوا أَفَتَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّه فِي السَّمَاء قِيلَ لَهُ قَدْ نَقُول إِنَّ اللَّه عَالٍ فَوْق الْعَرْش مُسْتَوٍ عَلَيْهِ وَالْعَرْش فَوْق السَّمَاء وَلَا نَصِفهُ بِالدُّخُولِ فِي الْأَمْكِنَة وَلَا الْمُبَايَنَة لَهَا
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الْأَرْض إِلَه} فَإِنَّ مَعْنَاهُ
فائدة قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالْإِقْرَارُ بِهِ إِيمَانٌ وَالْجُحُودُ بِهِ كُفْرٌ
وَمِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سُئِلَ كَيْفَ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فَقَالَ الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَعَلَى اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى رَسُولِهِ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ كُنَّا وَالتَّابِعُونَ مُتَوَافِرُونَ نَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ وَنُؤْمِنُ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ
وَأَخْرَجَ الثَّعْلَبِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ استوى على العرش فَقَالَ هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ استوى كَيْفَ اسْتَوَى فَأَطْرَقَ مَالِكٌ فَأَخَذَتْهُ الرَّحْضَاءُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ وَكَيْفَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ وَمَا أَرَاكَ إِلَّا صَاحِبَ بدعة أخرجوه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَنَّهُ إِلَه أَهْل الْأَرْض وَإِلَه أَهْل السَّمَاء
وَقَدْ جَاءَتْ الْأَخْبَار أَنَّ اللَّه تبارك وتعالى يَنْزِل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كُلّ لَيْلَة فَكَيْف يَكُون فِيهَا وَهُوَ يَنْزِل إِلَيْهَا
كَمَا جَاءَتْ الأخبار عن رسول الله أَنَّ اللَّه تبارك وتعالى يَنْزِل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا
فَهَذَا الَّذِي اِسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَب أَبِي الْحَسَن فِي كُلّ كُتُبه كَالْمُوجَزِ وَالْمَقَالَات وَالْمَسَائِل وَرِسَالَته إِلَى أَهْل الثَّغْر وَالْإِبَانَة أَنَّ اللَّه فَوْق عَرْشه مُسْتَوٍ عَلَيْهِ وَلَا يُطْلَق عَلَيْهِ لَفْظ الْمُبَايَنَة لِأَنَّهَا عِنْده مِنْ لَوَازِم الْجِسْم وَاَللَّه تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ الْجِسْمِيَّة
فَظَنَّ بَعْض أَتْبَاعه أَنَّ نَفْيه لِلْمُبَايَنَةِ نَفْي لِلْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاء بِطَرِيقِ اللُّزُوم فَنَسَبَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ عَلَيْهِ مَا هُوَ قَائِل بِخِلَافِهِ وَهَذَا بَيِّن لِكُلِّ مُنْصِف تَأَمَّلَ كَلَامه وَطَالَعَ كُتُبه
وَفِي كِتَاب السُّنَّة لِعَبْدِ اللَّه بْن أَحْمَد مِنْ حَدِيث سَعِيد بن جبير عن بن عباس رضي الله عنهما قَالَ تَفَكَّرُوا فِي كُلّ شَيْء وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَات اللَّه فَإِنَّ بَيْن السَّمَاوَات السَّبْع إِلَى كُرْسِيّه سَبْعَة آلَاف نُور وَهُوَ فَوْق ذلك
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْإِقْرَارُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَشَرِيكٌ وَأَبُو عَوَانَةَ لَا يُحَدِّدُونَ وَلَا يُشَبِّهُونَ وَيَرْوُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَلَا يَقُولُونَ كَيْفَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ قَوْلُنَا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَلَى هَذَا مَضَى أَكَابِرُنَا
وَأَسْنَدَ اللَّالَكَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ الله فِي صِفَةِ الرَّبِّ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهِ وَلَا تَفْسِيرٍ فَمَنْ فَسَّرَ شَيْئًا مِنْهَا وَقَالَ بِقَوْلِ جَهْمٍ فَقَدْ خَرَجَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ لِأَنَّهُ وَصَفَ الرَّبَّ بِصِفَةِ لَا شَيْءَ
وَمِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ وَمَالِكًا وَالثَّوْرِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَةُ فَقَالُوا أَمِرُّوهَا كما جاءت بلا كيف
وأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ يَقُولُ لِلَّهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا رَدُّهَا وَمَنْ خَالَفَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَمَّا قَبْلَ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فَنُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَنْفِي عَنْهُ التَّشْبِيهَ كَمَا نَفَى عن نفسه فقال ليس كمثله شيء
وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الضُّبَعِيِّ قَالَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ الرَّحْمَنُ عَلَى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِي مُسْنَد الْحَسَن بْن سُفْيَان مِنْ حَدِيث بن أبي مليكة عن ذكوان قال استأذن بن عَبَّاس عَلَى عَائِشَة فَقَالَتْ لَا حَاجَة لِي بِتَزْكِيَتِهِ فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر يا أختاه إن بن عَبَّاس مِنْ صَالِحِي بَنِيك جَاءَ يَعُودك قَالَتْ فائذن لَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ يَا أُمَّاهُ أَبْشِرِي فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنك وَبَيْن أَنْ تَلْقَيْ مُحَمَّدًا وَالْأَحِبَّة إِلَّا أَنْ يُفَارِق رُوحك جَسَدك كُنْت أحب نساء النبي إليه ولم يكن رسول الله يُحِبّ إِلَّا طَيِّبًا
قَالَتْ وَأَيْضًا قَالَ هَلَكَتْ قلادتك بالأبواء فأصبح رسول الله يَلْتَقِطهَا فَلَمْ يَجِدُوا مَاء فَأَنْزَلَ اللَّه عز وجل {فتيمموا صعيدا طَيِّبًا} وَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِك وَبَرَكَتك فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّة مِنْ الرُّخَص فِي التَّيَمُّم
وَكَانَ مِنْ أَمْر مِسْطَح مَا كَانَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى بَرَاءَتك مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات فَلَيْسَ مَسْجِد يُذْكَر اللَّه فِيهِ إِلَّا وَبَرَاءَتك تُتْلَى فِيهِ آنَاء اللَّيْل وَأَطْرَاف النَّهَار
وَقَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ رُوِّينَا مِنْ وُجُوه صِحَاح أَنَّ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة مَشَى لَيْلَة إِلَى أَمَة لَهُ فَنَالَهَا
فَرَأَتْهُ اِمْرَأَته فَلَامَتْهُ فَجَحَدَهَا فَقَالَتْ إِنْ كُنْت صَادِقًا فَاقْرَأْ الْقُرْآن فَإِنَّ الْجُنُب لَا يَقْرَأ الْقُرْآن فَقَالَ شَهِدْت بِأَنَّ وَعْد اللَّه حَقّ وَأَنَّ النَّار مَثْوَى الْكَافِرِينَ وَأَنَّ الْعَرْش فَوْق الْمَاء طَافٍ وَفَوْق الْعَرْش رَبّ الْعَالَمِينَ فَقَالَتْ اِمْرَأَته آمَنْت بِاَللَّهِ وَكَذَبْت عَيْنِي وَكَانَتْ لَا تَحْفَظ القرآن
العرش استوى قَالَ بِلَا كَيْفٍ
وَالْآثَارُ فِيهِ عَنِ السَّلَفِ كَثِيرَةٌ
وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النُّزُولِ وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهَ فِي كِتَابِهِ كَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يُشْبِهُهُ مِنَ الصِّفَاتِ
وَقَالَ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ قَدْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ فَنُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نَتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ كذا جاء عن مالك وبن عيينة وبن الْمُبَارَكِ أَنَّهُمْ أَمَرُّوهَا بِلَا كَيْفٍ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَأَنْكَرُوهَا وَقَالُوا هَذَا تَشْبِيهٌ
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ لَوْ قِيلَ يَدٌ كَيَدٍ وَسَمْعٌ كَسَمْعٍ
وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ قَالَ الْأَئِمَّةُ نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ غير تفسير منهم الثوري ومالك وبن عيينة وبن المبارك
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُكَيِّفُوا شَيْئًا مِنْهَا وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ فقالوا من أقربها فَهُوَ مُشَبِّهٌ
وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ اخْتَلَفَتْ مَسَالِكُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الظَّوَاهِرِ فَرَأَى بَعْضُهُمْ تَأْوِيلَهَا وَالْتَزَمَ ذَلِكَ فِي آيِ الْكِتَابِ وَمَا يَصِحُّ من السنن وذهب أئمة السلف إلا الِانْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيلِ وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا وتعويض مَعَانِيهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنُدِينُ اللَّهَ بِهِ عَقِيدَةً اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ فَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ حَتْمًا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِي تَارِيخ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فُضَيْلٍ عَنْ فُضَيْلِ بْن غَزْوَانَ عَنْ نَافِع عَنْ بن عمر قال لما قبض رسول الله دَخَلَ أَبُو بَكْر فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَ جَبْهَته وَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْت حَيًّا وَمَيِّتًا وَقَالَ مَنْ كَانَ يَعْبُد مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُد اللَّه فَإِنَّ اللَّه فِي السَّمَاء حَيّ لَا يَمُوت وَفِي مغازي الأموي عن البكائي عن بن إِسْحَاق حَدَّثَنِي يَزِيد بْن سِنَان عَنْ سَعِيد بْن الْأَجْرَد عَنْ الْعُرْس بْن قَيْس الْكِنْدِيّ عَنْ عَدِيّ بْن عُمَيْرَةَ قَالَ خَرَجْت مُهَاجِرًا إلى النبي فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا وَفِيهِ فَإِذَا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ يَسْجُدُونَ عَلَى وُجُوههمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَههمْ فِي السَّمَاء فَأَسْلَمْت وَتَبِعْته
وَفِي مُسْنَد أَحْمَد عَنْ يَزِيد بْن هَارُون حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ عَوْن بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَخِيهِ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة عَنْ أبي هريرة أن رجلا أتى النبي بِجَارِيَةٍ سَوْدَاء أَعْجَمِيَّة
فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَة مُؤْمِنَة
فَقَالَ لَهَا رَسُول الله أَيْنَ اللَّه فَأَشَارَتْ بِأُصْبُعِهَا إِلَى السَّمَاء
فَقَالَ لَهَا مَنْ أَنَا فَأَشَارَتْ بِأُصْبُعِهَا إِلَى رَسُول الله وإلى السماء
تعني أنت رسول الله
فقال أعتقها
لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهِ فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنِ التَّأْوِيلِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ انْتَهَى
وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّالِثِ وَهُمْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ كَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَمَنْ عَاصَرَهُمْ وَكَذَا مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَكَيْفَ لَا يُوثَقُ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ بِشَهَادَةِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الحافظ رحمه الله
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَهَذِهِ غَيْر قِصَّة مُعَاوِيَة بْن الْحَكَم الَّتِي فِي صَحِيح مُسْلِم
فَقَدْ شَهِدَ رَسُول اللَّه بِالْإِيمَانِ لِمَنْ شَهِدَ أَنَّ اللَّه فِي السَّمَاء وَشَهِدَ عَلَيْهِ الْجَهْمِيَّةُ بِالْكُفْرِ
وَقَالَ أَحْمَد فِي مسنده حدثنا حسين بن محمد حدثنا بن أَبِي ذِئْب عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو بْنِ عَطَاء عَنْ سَعِيد بْن يَسَار عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه عن النبي قَالَ إِنَّ الْمَيِّت تَحْضُرهُ الْمَلَائِكَة فَإِذَا كَانَ الرَّجُل الصَّالِح قَالُوا اُخْرُجِي أَيَّتهَا النَّفْس الْمُطْمَئِنَّة اُخْرُجِي حَمِيدَة وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَان وَرَبّ غَيْر غَضْبَان
فَلَا يَزَال يُقَال لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُج ثُمَّ يُعْرَج بِهَا إِلَى السَّمَاء فَيُسْتَفْتَح لَهَا فَيُقَال مَنْ هَذَا فَيُقَال فُلَان بِأَحَبّ أَسْمَائِهِ
فَيَقُولُونَ مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَة
كَانَتْ فِي الْجَسَد الطَّيِّب اُدْخُلِي حَمِيدَة وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَان وَرَبّ غَيْر غَضْبَان فَلَا يَزَال يُقَال لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا اللَّه وَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أبي هريرة قال قال رسول الله وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مَنْ رَجُل يَدْعُو اِمْرَأَته إِلَى فِرَاشه فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاء سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا
وَفِي مُسْنَد الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن نُسَيّ عَنْ عُبَادَةَ بْن تَمِيم عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل يَرْفَعهُ إِنَّ اللَّه لَيَكْرَه فِي السَّمَاء أَنْ يُخَطَّأ أَبُو بَكْر فِي الْأَرْض
وَلَا تَعَارُض بين هذا وبين تخطئة النبي لَهُ فِي بَعْض تَعْبِيره الرُّؤْيَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ اللَّه يَكْرَه تَخْطِئَة غَيْره مِنْ آحَاد الْأُمَّة لَهُ لَا تَخْطِئَة الرَّسُول لَهُ فِي أَمْر مَا
فَإِنَّ الصَّوَاب وَالْحَقّ مَعَ الرَّسُول قَطْعًا بِخِلَافِ غَيْره مِنْ الْأُمَّة
فَإِنَّهُ إِذَا خَطَّأَ الصِّدِّيق لَمْ يَتَحَقَّق أَنَّ الصَّوَاب مَعَهُ بَلْ مَا تَنَازَعَ الصِّدِّيق وَغَيْره فِي أَمْر إِلَّا كَانَ الصَّوَاب مَعَ الصِّدِّيق
الثَّانِي أَنَّ التَّخْطِئَة هُنَا مَرَّة مَنْسُوبَة إِلَى الْخَطَأ الَّذِي هُوَ الْإِثْم دُون الْخَطَأ الَّذِي هُوَ ضِدّ التَّعَمُّد وَاَللَّه أَعْلَم
وَرَوَى شُعْبَة عَنْ الْحَكَم عن مجاهد عن بن عَبَّاس يَرْفَعهُ إِنَّ الْعَبْد لَيُشْرِف عَلَى حَاجَة مِنْ حَاجَات الدُّنْيَا فَيَذْكُرهُ اللَّه مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات فَيَقُول مَلَائِكَتِي إِنَّ عَبْدِي هَذَا قَدْ أَشْرَفَ عَلَى حَاجَة مِنْ حَاجَات الدُّنْيَا فَإِنْ فَتَحْتهَا لَهُ فَتَحْت لَهُ بَابًا مِنْ أَبْوَاب النَّار وَلَكِنْ اِزْوُوهَا عَنْهُ فَيُصْبِح الْعَبْد عَاضًّا عَلَى أَنَامِله يَقُول مَنْ دَهَانِي مَنْ سَبَّنِي وَمَا هِيَ إِلَّا رَحْمَة رحمه الله بِهَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِي التَّعَقُّبَات مِنْ حَدِيث جَابِر بْن سُلَيْمٍ أَبِي جُرَيّ قَالَ رَكِبْت قَعُودًا لِي فَأَتَيْت الْمَدِينَة فَأَنَخْت بِبَابِ الْمَسْجِد فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا وَفِيهِ فَقَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه ذَكَرْت إِسْبَال الْإِزَار فَقَدْ يَكُون بِالرَّجُلِ الْعَرَج أَوْ الشَّيْء فَيَسْتَخْفِي مِنْهُ
قَالَ لَا بَأْس إِلَى نِصْف السَّاق أَوْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلكُمْ لَبِسَ بُرْدَيْنِ فَتَبَخْتَرَ فِيهِمَا فَنَظَرَ إِلَيْهِ الرَّبّ مِنْ فَوْق عَرْشه فَمَقَتَهُ فأمر الأرض فأخذتة فَهُوَ يَتَجَلْجَل فِي الْأَرْض فَاحْذَرُوا وَقَائِع اللَّه
وقال بن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِي جُنَاد عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت أن حسان بن ثابت أنشد النبي شَهِدْت بِإِذْنِ اللَّه أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الَّذِي فَوْق السَّمَاوَات مِنْ عَلُ وَأَنَّ أَبَا يَحْيَى وَيَحْيَى كِلَاهُمَا لَهُ عَمَل فِي دِينه مُتَقَبَّلُ وَأَنَّ أَخَا الْأَحْقَاف إِذْ قَامَ فِيهِمْ يَقُول بِذَاتِ اللَّه فِيهِمْ وَيَعْدِلُ وَفِي حَدِيث الشَّفَاعَة الطَّوِيل مِنْ رِوَايَة زَائِدَة بْن أَبِي الرُّقَاد عَنْ زِيَاد النُّمَيْرِيّ عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ فَأَدْخُل عَلَى رَبِّي عز وجل وَهُوَ عَلَى عَرْشه
وَفِي لَفْظ لِلْبُخَارِيِّ فَأَسْتَأْذِن عَلَى رَبِّي فِي دَاره
وَفِي لَفْظ آخَر فَآتِي تَحْت الْعَرْش فَأَخِرّ سَاجِدًا لِرَبِّي
وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس الَّذِي رَحَلَ إِلَيْهِ جَابِر شَهْرًا حَتَّى سَمِعَهُ مِنْهُ فِي الْقِصَاص ثُمَّ يُنَادِيهِمْ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ قَائِم عَلَى عَرْشه وَذَكَرَ الْحَدِيث وَاسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيّ ببعضه
وفي سنن بن مَاجَهْ وَمُسْنَد أَحْمَد مِنْ حَدِيث الْفَضْل الرَّقَاشِيّ عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله بَيْنَا أَهْل الْجَنَّة فِي نَعِيمهمْ إِذْ سَطَعَ لهم نور فرفعوا رؤوسهم فَإِذَا الرَّبّ تبارك وتعالى قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقهمْ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُمْ يَا أَهْل الْجَنَّة قَالَ وَذَلِكَ قَوْله {سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم} قَالَ فَيَنْظُر إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْء مِنْ النَّعِيم مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْتَجِب عَنْهُمْ وَيَبْقَى نُوره وَبَرَكَته عَلَيْهِمْ فِي دِيَارهمْ
وَرَوَى الْوَلِيد بْن الْقَاسِم عَنْ يَزِيد بْن كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ قَالَ مَا قَالَ عَبْد لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُخْلِصًا إِلَّا صَعِدَتْ لَا يَرُدّهَا حِجَاب فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى اللَّه نَظَرَ إِلَى قَائِلهَا وَحَقّ عَلَى اللَّه أَنْ لَا يَنْظُر إِلَى مُوَحِّد إِلَّا رَحِمَهُ
وَفِي مُسْنَد الْحَسَن بْن سُفْيَان مِنْ حَدِيث أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أبي هريرة قال قال رسول الله لما ألقي إبراهيم عليه السلام فِي النَّار قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ وَاحِد فِي السَّمَاء وَأَنَا فِي الْأَرْض وَاحِد عَبْدك
وَلَمَّا أنشد النبي شِعْر أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت مَجِّدُوا اللَّه فَهُوَ لِلْمَجْدِ أَهْل رَبّنَا فِي السَّمَاء أَمْسَى كبيرا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
بالبناء الأعلى الذي سبق الخل ق وَسَوَّى فَوْق السَّمَاء سَرِيرًا شَرْجَع مَا يَنَالهُ بصر الع ين ترى دونه الملائك صورا قال النبي آمَنَ شِعْره وَكَفَرَ قَلْبه
وَرَوَى عَاصِم عَنْ زِرّ بْن حُبَيْشٍ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ مَا بَيْن السَّمَاء الْقُصْوَى وَبَيْن الْكُرْسِيّ إِلَى قَوْله وَاَللَّه فَوْق ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
وَقَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن حَكِيم حَدَّثَنِي أَبَان عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ وَمِنْ خَلْفهمْ وَعَنْ أَيْمَانهمْ وَعَنْ شَمَائِلهمْ} قَالَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُول مِنْ فَوْقهمْ عَلِمَ أَنَّ اللَّه مِنْ فَوْقهمْ
وَقَالَ عَلِيّ بْن الْأَقْمَر كَانَ مَسْرُوق إِذَا حَدَّثَ عَنْ عَائِشَة قَالَ حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيقَة بِنْت الصِّدِّيق حَبِيبَة حَبِيب اللَّه الْمُبَرَّأَة مِنْ فَوْق سَبْع سَمَاوَات
وَقَالَ سَلَمَة بْن شَبِيب حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن حَكِيم حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عِكْرِمَة قَالَ بَيْنَمَا رَجُل مُسْتَلْقٍ عَلَى مُثُلَتِهِ فِي الْجَنَّة فَقَالَ فِي نَفْسه لَمْ يُحَرِّك شَفَتَيْهِ لَوْ أَنَّ اللَّه يَأْذَن لِي لَزَرَعْت فِي الْجَنَّة
فَلَمْ يَعْلَم إِلَّا وَالْمَلَائِكَة عَلَى أَبْوَاب الْجَنَّة قَابِضِينَ عَلَى أَكُفّهُمْ
فَيَقُولُونَ سَلَام عَلَيْك فَاسْتَوَى فَقَالُوا لَهُ يَقُول لَك رَبّك تَمَنَّيْت شَيْئًا فِي نَفْسك فَقَدْ عَلِمْته
وَقَدْ بَعَثَ مَعَنَا هَذَا الْبَذْر يَقُول اُبْذُرْ
فَأَلْقَى يَمِينًا وَشِمَالًا وَبَيْن يَدَيْهِ وَخَلْفه
فَخَرَجَ أَمْثَال الْجِبَال عَلَى مَا كَانَ تَمَنَّى وَأَرَادَ
فَقَالَ لَهُ الرَّبّ سبحانه وتعالى مِنْ فَوْق عَرْشه كُلْ يَا بن آدم فإن بن آدَم لَا يَشْبَع
وَأَصْله فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ
وَفِي تَفْسِير سُنَيْد شَيْخ الْبُخَارِيّ عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله تَعَالَى {مَا يَكُون مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رَابِعهمْ} قَالَ هُوَ عَلَى عَرْشه وَعِلْمه مَعَهُمْ أينما كانوا
وفي تاريخ بن أَبِي خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا هَارُون بْن مَعْرُوف حَدَّثَنَا ضِمْرَة عَنْ صَدَقَة التَّيْمِيِّ قَالَ سَمِعْت سُلَيْمَان التَّيْمِيَّ يَقُول لَوْ سُئِلْت أَيْنَ اللَّه لَقُلْت فِي السَّمَاء
وَقَالَ حَنْبَل قُلْت لِأَبِي عَبْد اللَّه مَا مَعْنَى قَوْله {وَهُوَ مَعَهُمْ} قَالَ هُوَ رَابِعهمْ {عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} عِلْمه مُحِيط بِكُلِّ شَيْء يَعْلَم الْغَيْب وَهُوَ عَلَى الْعَرْش
وَقَالَ يُوسُف بْن مُوسَى قِيلَ لِأَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حَنْبَل اللَّه فَوْق السَّمَاء السَّابِعَة عَلَى عَرْشه بَائِن مِنْ خَلْقه وَقُدْرَته وَعِلْمه بِكُلِّ مَكَان قَالَ نَعَمْ اللَّه عَلَى الْعَرْش وَعِلْمه لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَان
وَقَالَ الْأَثْرَم حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْقَيْسِيّ قُلْت لأحمد بن حنبل يحكى عن بن المبارك أنه قيل له كَيْف نَعْرِف رَبّنَا قَالَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة على عرشك
قَالَ أَحْمَد هَكَذَا هُوَ عِنْدنَا
وَذَكَرَ أَبُو عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب السُّنَّة عَنْ الْإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه الشَّافِعِيّ قدس الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
روحه ورضي عنه
قال السنة الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا وَرَأَيْت أَصْحَابنَا أَهْل الْحَدِيث الَّذِينَ رَأَيْتهمْ عَلَيْهَا فَأَحْلِف عَنْهُمْ مِثْل سُفْيَان وَمَالِك وَغَيْرهمَا الْإِقْرَار بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَه إلا الله وأن محمدا رسول الله وَأَنَّ اللَّه عَلَى عَرْشه فِي سَمَائِهِ يَقْرَب مِنْ خَلْقه كَيْف يَشَاء وَأَنَّ اللَّه يَنْزِل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كَيْف يَشَاء وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن أَيْضًا سَأَلْت أَبِي وَأَبَا زُرْعَة عَنْ مَذَاهِب أَهْل السُّنَّة فِي أُصُول الدِّين وَمَا أَدْرَكَا السَّلَف عَلَيْهِ وَمَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَا أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاء فِي جَمِيع الْأَمْصَار حِجَازًا وَعِرَاقًا وَمِصْرًا وِشَامًا وَيَمَنًا
فَكَانَ مَذْهَبهمْ أَنَّ الْإِيمَان قَوْل وَعَمَل يَزِيد وَيَنْقُص وَالْقُرْآن كَلَام اللَّه غَيْر مَخْلُوق بِجَمِيعِ جِهَاته وَالْقَدَر خَيْره وَشَرّه مِنْ اللَّه وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَى عَرْشه بَائِن مِنْ خَلْقه كَمَا وَصَفَ نَفْسه فِي كِتَابه وَعَلَى لِسَان رَسُوله بِلَا كَيْف أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْمًا وَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرِيُّ فِي كِتَاب شَرْح السُّنَّة لَهُ وَجَدْت فِي كِتَاب أَبِي حَاتِم الرازي مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدهمْ وَالتَّمَسُّك بِمَذَاهِب أَهْل الْأَثَر مِثْل أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّامٍ وَالشَّافِعِيّ رحمهم الله وَلُزُوم الْكِتَاب وَالسُّنَّة
وَنَعْتَقِد أَنَّ اللَّه عز وجل عَلَى عرشه بائن من خلق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
وَفِي كِتَاب الْإِبَانَة لِأَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ رحمه الله الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِم بْن عَسَاكِر وَعَدَّهُ مِنْ كُتُبه وَحَكَى كَلَامه فِيهِ مُبَيِّنًا عَقِيدَته وَالذَّبّ عَنْهُ قَالَ ذَكَرَ الِاسْتِوَاء عَلَى الْعَرْش إِنْ قَالَ قَائِل مَا تَقُولُونَ فِي الِاسْتِوَاء قَالَ نَقُول لَهُ إِنَّ اللَّه مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} وَقَالَ {إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب} وَقَالَ {يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ} وَقَالَ حِكَايَة عَنْ فِرْعَوْن {يَا هَامَان اِبْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَاوَات فَأَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنّهُ كَاذِبًا} كَذَّبَ فِرْعَوْن مُوسَى فِي قَوْله إِنَّ اللَّه عز وجل فَوْق السَّمَاوَات وَقَالَ اللَّه {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يَخْسِف بِكُمْ الأرض} فالسموات فَوْقهَا الْعَرْش
فَلَمَّا كَانَ الْعَرْش فَوْق السَّمَاوَات وكل ما علا فهو سماء وَالْعَرْش أَعْلَى السَّمَاوَات
وَلَيْسَ إِذَا قَالَ {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} أَنَّهُ يَعْنِي جَمِيع السَّمَاوَات وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَرْش الَّذِي هُوَ أَعْلَى السَّمَاوَات
أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه عز وجل ذَكَرَ السَّمَاوَات فَقَالَ {وَجَعَلَ الْقَمَر فِيهِنَّ نُورًا} وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْقَمَر يَمْلَؤُهُنَّ جَمِيعًا
وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيهمْ إِذَا دَعَوْا نَحْو السَّمَاء لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْش الَّذِي هُوَ فَوْق السَّمَاوَات فَلَوْلَا أَنَّ اللَّه عز وجل عَلَى الْعَرْش لَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيهمْ نَحْو الْعَرْش كَمَا لَا يَحُطُّونَهَا إِذَا دَعَوْا نَحْو الْأَرْض
ثُمَّ قَالَ
فَصْل وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ مِنْ الْمُعْتَزِلَة وَالْجَهْمِيَّة وَالْحَرُورِيَّة
إِنَّ مَعْنَى قَوْله {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} أَنَّهُ اِسْتَوْلَى وَمَلَكَ وَقَهَرَ وَأَنَّ اللَّه
لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهِ فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنِ التَّأْوِيلِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ انْتَهَى
وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّالِثِ وَهُمْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ كَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَمَنْ عَاصَرَهُمْ وَكَذَا مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَكَيْفَ لَا يُوثَقُ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ بِشَهَادَةِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ رحمه الله
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فِي كُلّ مَكَان وَجَحَدُوا أَنْ يَكُون اللَّه عَلَى عَرْشه كَمَا قَالَ أَهْل الْحَقّ
وَذَهَبُوا فِي الِاسْتِوَاء إِلَى الْقُدْرَة
وَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا قَالُوا لَكَانَ لَا فَرْق بَيْن الْعَرْش وَالْأَرْض السَّابِعَة لِأَنَّ اللَّه قَادِر عَلَى كُلّ شَيْء
وَالْأَرْض فَاَللَّه قَادِر عَلَيْهَا وَعَلَى الْحُشُوش وَعَلَى كُلّ مَا فِي الْعَالَم فَاَللَّه تَعَالَى لَوْ كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْش بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاء فَهُوَ عَلَا وَعَزَّ مُسْتَوٍ عَلَى الْأَشْيَاء كُلّهَا عَلَى الْعَرْش وَعَلَى الْأَرْض وَعَلَى السَّمَاء وَعَلَى الْحُشُوش وَعَلَى الْأَقْذَار تَعَالَى اللَّه لِأَنَّهُ قَادِر عَلَى الْأَشْيَاء كُلّهَا مُسْتَوْلٍ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَشْيَاء كُلّهَا وَلَمْ يَجُزْ عِنْد أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّه مُسْتَوٍ عَلَى الْحُشُوش وَالْأَخْلِيَة لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُون الِاسْتِوَاء عَلَى الْعَرْش الِاسْتِيلَاء الَّذِي هُوَ عَامّ فِي الْأَشْيَاء كُلّهَا
وَوَجَبَ أَنْ يَكُون مَعْنَى الِاسْتِوَاء عَلَى الْعَرْش مَعْنًى يَخْتَصّ الْعَرْش دُون الْأَشْيَاء كُلّهَا
ثُمَّ ذَكَرَ دَلَالَات مِنْ الْقُرْآن وَالْحَدِيث وَالْعَقْل وَالْإِجْمَاع
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الطَّيِّب الْأَشْعَرِيّ فِي كِتَاب الْإِبَانَة لَهُ أَيْضًا فَإِنْ قَالَ قَائِل أَتَقُولُونَ إِنَّهُ فِي كُلّ مَكَان
قِيلَ لَهُ مَعَاذ اللَّه بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابه فَقَالَ {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} وَقَالَ {إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح يَرْفَعهُ} وَقَالَ {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يَخْسِف بِكُمْ الْأَرْض}
قَالَ وَلَوْ كَانَ فِي كُلّ مَكَان لَكَانَ فِي بَطْن الْإِنْسَان وَفَمه وَالْحُشُوش وَالْمَوَاضِع الَّتِي يُرْغَب عَنْ ذِكْرهَا وَلَوَجَبَ أَنْ يَزِيد بِزِيَادَةِ الْأَمْكِنَة إِذَا خَلَقَ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ وَيَنْقُص بِنُقْصَانِهَا إِذَا بَطَلَ مِنْهَا مَا كَانَ وَيَصِحّ أَنْ نَرْغَب إِلَى اللَّه نَحْو الْأَرْض وَإِلَى خَلْفنَا وَإِلَى يَمِيننَا وَإِلَى شِمَالنَا
وَهَذَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خِلَافه
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو نُعَيْم الْأَصْبَهَانِيّ فِي عَقِيدَته طَرِيقَتنَا طَرِيقَة الْمُتَّبِعِينَ لِكِتَابِ اللَّه وَلِسُنَّةِ رَسُول الله
وَإِجْمَاع الْأُمَّة فِيمَا اِعْتَقَدُوهُ أَنَّ الْأَحَادِيث الَّتِي ثبتت عن رسول الله فِي الْعَرْش وَاسْتِوَاء اللَّه تَعَالَى يَقُولُونَ بِهَا وَيُثْبِتُونَهَا مِنْ غَيْر تَكْيِيف وَلَا تَمْثِيل وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَعْطِيل وَأَنَّ اللَّه بَائِن مِنْ خَلْقه وَالْخَلْق بَائِنُونَ مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ حَالّ فِيهِمْ وَلَا مُمْتَزِج فِيهِمْ
وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه فِي سَمَائِهِ دُون أَرْضه وَخَلْقه
وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَة كَلَام أَبِي عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَاب الِاسْتِذْكَار
وَقَالَ فِي التَّمْهِيد لَمَّا ذَكَرَ حَدِيث النُّزُول
هَذَا حَدِيث ثَابِت النَّقْل مِنْ جِهَة الْإِسْنَاد وَلَمْ يَخْتَلِف