الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحول وجهه ودخل أبي بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ دَعْهَا فَلَمَّا غَفَرَا غَمَزَتْهُمَا فَخَرَجَتَا فَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْمِيَةَ الْغِنَاءِ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ وَأَقَرَّهُمَا لِأَنَّهُمَا جَارِيَتَانِ غَيْرُ مُكَلَّفَتَيْنِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ الْأَعْرَابِ الَّذِي قِيلَ فِي يَوْمِ حَرْبِ بُعَاثٍ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالْحَرْبِ وَكَانَ الْيَوْمُ يَوْمَ عِيدٍ فَتَوَسَّعَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ فِي ذَلِكَ إِلَى صَوْتِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَمْرَدَ صَوْتُهُ وَصُورَتُهُ فِتْنَةٌ يُغَنِّي بما يدعو إلى الزنى وَالْفُجُورِ وَشُرْبِ الْخُمُورِ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ الَّتِي حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ مَعَ التَّصْفِيقِ وَالرَّقْصِ وَتِلْكَ الْهَيْئَةِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي لَا يَسْتَحِلُّهَا أَحَدٌ وَيَحْتَجُّونَ بِغِنَاءِ جُوَيْرِيَّتَيْنِ غَيْرِ مُكَلَّفَتَيْنِ بِغَيْرِ شَبَّابَةٍ وَلَا دُفٍّ وَلَا رَقْصٍ وَلَا تَصْفِيقٍ وَيَدَعُونَ الْمُحْكَمَ الصَّرِيحَ لِهَذَا الْمُتَشَابِهِ وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مُبْطِلٍ
نَعَمْ لَا نُحَرِّمُ وَلَا نُكَرِّهُ مِثْلَ مَا كَانَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا نُحَرِّمُ نَحْنُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ السَّمَاعَ الْمُخَالِفَ لِذَلِكَ انْتَهَى
0 -
(بَاب كَرَاهِيَةِ الْغِنَاءِ وَالزَّمْرِ [
4924])
فِي الْقَامُوسِ زَمَرَ يَزْمُرُ زَمْرًا وَزَمَّرَ تَزْمِيرًا غَنَّى فِي الْقَصَبِ وَهِيَ زَامِرَةٌ وَهُوَ زَمَّارٌ وَزَامِرٌ قَلِيلٌ وَفِعْلُهُمَا الزِّمَارَةُ كَالْكِتَابَةِ وَمَزَامِيرُ دَاوُدَ مَا كَانَ يَتَغَنَّى بِهِ مِنَ الزَّبُورِ وَضُرُوبِ الدُّعَاءِ جَمْعُ مِزْمَارٍ وَمَزْمُورٍ وَالزَّمَّارَةُ كَجَبَّانَةٍ مَا يُزْمَرُ بِهِ كَالْمِزْمَارِ
(أحمد بن عبيد الله) بن سَهْلٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ (الْغُدَانِيُّ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ مُخَفَّفَةٌ آخِرُهُ نُونُ نِسْبَةٍ إِلَى غُدَانَةَ بْنِ يَرْبُوعَ بْنِ حَنْظَلَةَ (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) أَبُو الْعَبَّاسِ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ روى عنه أحمد وإسحاق وبن المديني وأبو خيثمة قال بن مسهر يدلس وكان من ثقات أَصْحَابِنَا وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ
وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) أبو محمد الدمشقي وثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ لِأَهْلِ الشَّامِ كَمَالِكٍ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى) الزُّهْرِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَوَضَعَ) أَيِ بن عُمَرَ رضي الله عنه (وَنَأَى) أَيْ بَعُدَ (وَقَالَ لِي يَا نَافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا قَالَ فَقُلْتُ لَا) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ فَأَقُولُ نَعَمْ فَيَمْضِي حَتَّى قُلْتُ لا
(فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ لِمَنْ سَمِعَ الزَّمَّارَةَ أَنْ يَصْنَعَ كَذَلِكَ
واستشكل إذن بن عُمَرَ لِنَافِعٍ بِالسَّمَاعِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ إِذْ ذَاكَ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ في المعالم المزمار الذي سمعه بن عُمَرَ هُوَ صَفَّارَةُ الرِّعَاءِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَقَدْ دَلَّ هَذَا الصُّنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي غِلَظِ الْحُرْمَةِ كَسَائِرِ الزَّمُورِ وَالْمَزَاهِرِ وَالْمَلَاهِي الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ الْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَشْبَهَ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ فِي ذَلِكَ عَلَى سَدِّ الْمَسَامِعِ فَقَطْ دُونَ أَنْ يَبْلُغَ فِيهِ مِنَ النُّكْرِ مَبْلَغَ الرَّدْعِ وَالتَّنْكِيلِ
انْتَهَى (قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ) هَكَذَا قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَا يُعْلَمُ وَجْهُ النَّكَارَةِ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِرِوَايَةِ أَوْثَقِ النَّاسِ
وَقَدْ قَالَ السُّيُوطِيُّ قَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي هَذَا حَدِيثٌ ضَعَّفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ وَتَعَلَّقَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَسُلَيْمَانُ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَتَابَعَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ نَافِعٍ وَرِوَايَتُهُ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى وَمُطْعِمِ بْنِ الْمِقْدَامِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَهَذَانِ مُتَابِعَانِ لِسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى
وَاعْتَرَضَ بن طَاهِرٍ عَلَى الْحَدِيثِ بِتَقْرِيرِهِ صلى الله عليه وسلم على الراعي وبأن بن عُمَرَ لَمْ يَنْهَ نَافِعًا وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةٍ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ هُوَ قَصْدُ الِاسْتِمَاعِ لَا مُجَرَّدُ إِدْرَاكِ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَكْلِيفٍ فَهُوَ كَشَمِّ مُحْرِمٍ طِيبًا فَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَصْدُهُ لَا مَا جَاءَتْ بِهِ رِيحٌ لِشَمِّهِ وَكَنَظَرَ فَجْأَةً بِخِلَافِ تَتَابُعِ نَظَرِهِ فَمُحْرِمٌ
وَتَقْرِيرُ الرَّاعِي لَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةٍ لِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ بِلَا رُؤْيَتِهِ أَوْ بَعِيدًا مِنْهُ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ أَوْ مَكَانٍ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ أَوْ لَعَلَّ الرَّاعِيَ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَلَمْ يَتَعَيَّنِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ مِنْ مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قُلْتُ وَرِوَايَةُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَمُطْعِمِ بْنِ الْمِقْدَامِ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ هِيَ مَوْجُودَةٌ عِنْدَ أبي داود لكن من رواية بن داسة وبن الْأَعْرَابِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ دُونَ رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ كَمَا سَيَجِيءُ
[4925]
(حَدَّثَنَا محمود بن خالد) بن يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ السُّلَمِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبِي) خالد بن
يزيد السلمي الدمشقي وثقة بن حِبَّانَ (أَخْبَرَنَا مُطْعِمُ بْنُ الْمِقْدَامِ) الشَّامِيُّ الصَّنْعَانِيُّ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ
وَهَذَا حَدِيثٌ سَنَدُهُ قَوِيٌّ جَيِّدٌ
وَالْحَدِيثُ لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ
وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ هَذَا الْحَدِيثُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ العبد وبن الأعرابي وبن دَاسَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ انْتَهَى (أُدْخِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أَدْخَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ بَيْنَ مُطْعِمٍ وَنَافِعٍ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى
قُلْتُ لَا مَانِعَ أَنَّ مُطْعِمًا رَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعٍ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ نَفْسِهِ
[4926]
(حَدَّثَنَا أحمد بن إبراهيم) بن كَثِيرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَثَّقَهُ صَالِحٌ جَزَرَةُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ (قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ (قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَلِيحِ) الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ ضَابِطٌ (عَنْ مَيْمُونِ) بْنِ مِهْرَانَ الرقي وثقة أحمد والنسائي والعجلي وبن سَعْدٍ وَهَذَا سَنَدٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ
قَالَ الْمِزِّيُّ الحديث من رواية بن العبد وبن الأعرابي وبن دَاسَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا) الْحَدِيثَ (أَنْكَرَهَا) أَيْ أَنْكَرَ الرِّوَايَةَ
قُلْتُ وَلَا يُعْلَمُ وَجْهَ النَّكَارَةِ بَلْ إِسْنَادُهُ قوي وليس بمخالف لرواية الثقاة
[4927]
(فَحَلَّ) يُقَالُ حَلَلْتُ الْعُقْدَةَ حَلًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ (حُبْوَتَهُ) أَيِ احْتِبَاءَهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ احْتَبَى يَحْتَبِي احْتِبَاءً وَالِاسْمُ الْحِبْوَةُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْحِبْوَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ انْتَهَى (إِنَّ الْغِنَاءَ ينبت النفاق في القلب
قال شمس الدين بن الْقَيِّمِ أَمَّا تَسْمِيَتُهُ مَنْبِتَ النِّفَاقِ فَثَبَتَ عَنِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ وَالذِّكْرُ يُنْبِتُ الْإِيمَانَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ وقد رواه بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْهُ مَرْفُوعًا فِي كِتَابِ ذَمِّ الْمَلَاهِي وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ
وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى فِقْهِ الصَّحَابَةِ فِي أَحْوَالِ الْقُلُوبِ وَأَدْوَائِهَا وَأَدْوِيَتِهَا وَأَنَّهُمْ أَطِبَّاءُ الْقُلُوبِ
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْغِنَاءِ خَوَاصَّ فَمِنْهَا أَنَّهُ يُلْهِي الْقَلْبَ وَيَصُدُّهُ عَنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ وَالْغِنَاءَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْقَلْبِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّضَادِّ فَالْقُرْآنُ يَنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَيَأْمُرُ بِالْعِفَّةِ وَمُجَانَبَةِ الشَّهَوَاتِ وَأَسْبَابِ الْغَيِّ وَالْغِنَاءُ يَأْمُرُ بِضِدِّ ذَلِكَ وَيُحَسِّنُهُ وَيُهَيِّجُ النُّفُوسَ إِلَى شَهَوَاتِ الْغَيِّ
قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ السَّمَاعُ يُورِثُ بَعْضَ النِّفَاقِ فِي قَوْمٍ وَالْعِنَادَ فِي قَوْمٍ وَالتَّكْذِيبَ فِي قَوْمٍ وَالْفُجُورَ فِي قَوْمٍ وَأَكْثَرُ مَا يُورِثُ عِشْقُ الصُّوَرِ وَاسْتِحْسَانُ الْفَوَاحِشِ وَإِدْمَانُهُ يُثْقِلُ الْقُرْآنَ عَلَى الْقَلْبِ وَيُكْرِهُهُ عَلَى السَّمْعِ
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْغِنَاءَ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ فَلَا يَجْتَمِعُ هُوَ وَقُرْآنُ الرَّحْمَنِ فِي قَلْبٍ وَهَذَا مَعْنَى النِّفَاقِ
وَأَيْضًا فَإِنَّ أَسَاسَ النِّفَاقِ أَنْ يُخَالِفَ الظَّاهِرُ الْبَاطِنَ وَصَاحِبُ الْغِنَاءِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُنْتَهَكَ فَيَكُونَ فَاجِرًا أَوْ يُظْهِرَ النُّسُكَ فَيَكُونَ مُنَافِقًا فَإِنَّهُ يُظْهِرُ الرَّغْبَةَ فِي اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَقَلْبُهُ يَغْلِي بِالشَّهَوَاتِ وَمَحَبَّةِ مَا يُنَافِي الدِّينَ مِنَ اللَّهْوِ وَالْآلَاتِ
وَأَيْضًا فَمِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ قِلَّةُ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْكَسَلُ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَقْرُ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ صِفَةُ الْمَفْتُونِينَ بِالْغِنَاءِ
وَأَيْضًا الْمُنَافِقُ يُفْسِدُ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ يُصْلِحُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَصَاحِبُ السَّمَاعِ يُفْسِدُ قَلْبَهُ وَحَالَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُصْلِحُهُ
وَالْمُغَنِّي يَدْعُو الْقَلْبَ إِلَى فِتْنَةِ الشَّهَوَاتِ وَالْمُنَافِقُ يَدْعُوهَا إِلَى فِتْنَةِ الشُّبُهَاتِ
قَالَ الضَّحَّاكُ الْغِنَاءُ مَفْسَدَةٌ لِلْقَلْبِ مَسْخَطَةٌ لِلرَّبِّ
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى مُؤَدِّبِ وَلَدِهِ بَلَغَنِي عَنِ الثِّقَاتِ أَنَّ صَوْتَ الْمَعَازِفِ وَاسْتِمَاعَ الْأَغَانِي يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْعُشْبَ عَلَى الْمَاءِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُخْتَصَرًا مِنَ الْإِغَاثَةِ
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ
وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمُ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدِ اخْتُلِفَ فِي الْغِنَاءِ مَعَ آلَةٍ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَبِدُونِهَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّحْرِيمِ وَذَهَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ
إِلَى التَّرْخِيصِ فِي السَّمَاعِ وَلَوْ مَعَ الْعُودِ وَالْيَرَاعِ
كَذَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ أُشْبِعَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ إِشْبَاعًا حَسَنًا وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ جَمِيعُ مَا حَرَّرْنَاهُ مِنْ حُجَجِ الْفَرِيقَيْنِ فَلَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ إِذَا خَرَجَ عَنْ دَائِرَةِ الْحَرَامِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ دَائِرَةِ الِاشْتِبَاهِ وَالْمُؤْمِنُونَ وَقَّافُونَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ وَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى ذِكْرِ الْقُدُودِ وَالْخُدُودِ وَالْجَمَالِ وَالدَّلَّالِ وَالْهَجْرِ وَالْوِصَالِ فَإِنَّ سَامِعَ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ بَلِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ مِنَ التَّصَلُّبِ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَلَى حَدٍّ يَقْصُرُ عَنْهُ الْوَصْفُ
وَكَمْ لِهَذِهِ الْوَسِيلَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ مِنْ قَتِيلٍ دَمُهُ مَطْلُولٌ وَأَسِيرٍ بِهُمُومِ غَرَامِهِ وَهُيَامِهِ مَكْبُولٍ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّدَادَ وَالثَّبَاتَ
قُلْتُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ والمعازف
وأخرج بن ماجه في كتاب الفتن بإسناد صححه بن الْقَيِّمِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رسول الله لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِيَ الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسمها يعزف على رؤوسهم بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ انْتَهَى
وَالْمَعَازِفُ جَمْعُ مِعْزَفَةٍ وَهِيَ آلَاتُ الْمَلَاهِي
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْمَعَازِفَ الْغِنَاءُ وَالَّذِي فِي صِحَاحِهِ أَنَّهَا اللَّهْوُ وَقِيلَ صَوْتُ الْمَلَاهِي
وَفِي حَوَاشِي الدِّمْيَاطِيِّ الْمَعَازِفُ الدُّفُوفُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُضْرَبُ بِهِ
وَيُطْلَقُ على الغناء عرف وَعَلَى كُلِّ لَعِبٍ عَزْفٌ
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ وَالْغُبَيْرَاءَ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ انْتَهَى
وَالْكُوبَةُ هِيَ الطَّبْلُ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ من حديث بن عَبَّاسٍ
وَالْغُبَيْرَاءُ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا فَقِيلَ الطُّنْبُورُ وقيل العود وقيل البربط قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْكُوبَةُ النَّرْدُ
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَلِكَ قَالَ إِذَا ظَهَرَتِ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْحَقَ الْمَزَامِيرَ وَالْكِبَارَاتِ يَعْنِي الْبَرَابِطَ وَالْمَعَازِفَ وَالْأَوْثَانَ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ والحديث فيه ضعف
قال بن الْقَيِّمِ فِي الْإِغَاثَةِ وَتَسْمِيَةُ الْغِنَاءِ بِالصَّوْتِ الْأَحْمَقِ وَالصَّوْتِ الْفَاجِرِ فَهِيَ تَسْمِيَةُ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صلى الله عليه وسلم
أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ بن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَى النَّخْلِ فَإِذَا ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَتَبْكِي وَأَنْتَ تَنْهَى النَّاسَ قَالَ إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ وَإِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتٍ عِنْدَ نَغْمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةِ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةٍ الْحَدِيثَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
فَانْظُرْ إلى النهي المؤكد تسمية الغناء صوتا أحمقا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى سَمَّاهُ مَزَامِيرَ الشَّيْطَانِ
وَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ عَلَى تَسْمِيَةِ الْغِنَاءِ مَزْمُورَ الشيطان
قال بن الْقَيِّمِ رحمه الله وَمِنْ مَكَائِدِ عَدُوِّ اللَّهِ الَّتِي كَادَ بِهَا هُوَ قَلَّ نَصِيبُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ وَصَادَ بِهَا قُلُوبَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُبْطِلِينَ سَمَاعُ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ وَالْغِنَاءِ حَتَّى كَانَتْ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَبَلَغَ مِنْهُمْ أَمَلَهُ مِنَ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَلَمْ يَزَلْ أَنْصَارُ الْإِسْلَامِ وَطَوَائِفُ الْهُدَى يُحَذِّرُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاقْتِفَاءِ سَبِيلِهِمْ وَالْمَشْيِ عَلَى طَرِيقَتِهِمُ الْمُخَالِفَةِ لِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الدِّينِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ فِي تَحْرِيمِ السَّمَاعِ قَالَ أَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ نَهَى عَنِ الْغِنَاءِ وَعَنِ اسْتِمَاعِهِ وَقَالَ إِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا مُغَنِّيَةً فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ
وَسُئِلَ عَمَّا يُرَخِّصُ فِيهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنَ الْغِنَاءِ فَقَالَ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ عِنْدَنَا الْفُسَّاقُ
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَكْرَهُ الْغِنَاءَ وَيَجْعَلُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ سُفْيَانَ وَحَمَّادٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَيْضًا فِي الْمَنْعِ مِنْهُ
وَأَبُو حَنِيفَةَ أَشَدُّ الْأَئِمَّةِ قَوْلًا فِيهِ وَمَذْهَبُهُ فِيهِ أَغْلَظُ الْمَذَاهِبِ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُهُ بِتَحْرِيمِ سَمَاعِ الْمَلَاهِي كُلِّهَا الْمِزْمَارِ وَالدُّفِّ حَتَّى الضَّرْبِ بِالْقَضِيبِ وَأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ يُوجِبُ الْفِسْقَ وَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بَلْ قَالُوا التَّلَذُّذُ بِهِ كُفْرٌ
هَذَا لَفْظُهُمْ
قَالُوا وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَنْ لَا يَسْمَعَهُ إِذَا مَرَّ بِهِ أَوْ كَانَ فِي جِوَارِهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي دَارٍ يَسْمَعُ فِيهَا صَوْتَ الْمَعَازِفِ وَالْمَلَاهِي أَدْخَلَ فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ فَلَوْ لَمْ يَجُزِ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ إِقَامَةِ الْفَرْضِ
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إِنَّ الْغِنَاءَ لَهْوٌ مَكْرُوهٌ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ وَصَرَّحَ أَصْحَابُهُ الْعَارِفُونَ بِمَذْهَبِهِ بِتَحْرِيمِهِ وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ حِلَّهُ كَالْقَاضِي أَبِي الديب الطبري وبن الصَّبَّاغِ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي التَّنْبِيهِ وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَالْغِنَاءِ وَالزَّمْرِ وَحَمْلِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا
وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْغِنَاءِ فَقَالَ الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ لَا يُعْجِبُنِي ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ عِنْدَنَا الْفُسَّاقُ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ الْقَطَّانَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمِلَ بِكُلِّ رُخْصَةٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ لَكَانَ فَاسِقًا
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ لَوْ أَخَذْتُ بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ أَوْ زَلَّةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فيك الشر كله انتهى كلام بن الْقَيِّمِ مِنَ الْإِغَاثَةِ مُخْتَصَرًا
وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فيه وأجاد
وفي تفسير الإمام بن كَثِيرٍ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يشتري لهو الحديث الْآيَةَ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَ السُّعَدَاءِ وَهُمُ الَّذِينَ يَهْتَدُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَنْتَفِعُونَ بِسَمَاعِهِ عَطَفَ بِذِكْرِ حَالِ الْأَشْقِيَاءِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ وَأَقْبَلُوا عَلَى اسْتِمَاعِ المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب
أخرج بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَمِنَ الناس من يشتري لهو الحديث فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْغِنَاءُ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مرات وكذا قال بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ بَذِيمَةَ
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمِنَ الناس من يشتري لهو الحديث فِي الْغِنَاءِ وَالْمَزَامِيرِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُخْتَصَرًا
وَفِي كِتَابِ الْمُسْتَطْرَفِ فِي مَادَّةِ عَجَلَ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ سَيِّدِي أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ فِي مكان فيقرؤن مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُنْشَدُ لَهُمُ الشِّعْرُ فَيَرْقُصُونَ وَيَطْرَبُونَ ثُمَّ يُضْرَبُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالدُّفِّ وَالشَّبَّابَةِ هَلِ الْحُضُورُ مَعَهُمْ حَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ فَقَالَ مَذْهَبُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ بَطَالَةٌ وَجَهَالَةٌ وَضَلَالَةٌ وَمَا الْإِسْلَامُ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَأَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّوَاجُدُ فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ لَمَّا اتَّخَذُوا الْعِجْلَ فَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ عِبَادَةُ الْعِجْلِ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَصْحَابِهِ فِي جُلُوسِهِمْ كأنما على رؤسهم الطَّيْرُ مَعَ الْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ فَيَنْبَغِي لِوُلَاةِ الْأَمْرِ وَفُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ مِنَ الْحُضُورِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُمْ وَلَا يُعِينُهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ
هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى انتهى