الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
(بَاب فِي الْقُرْآنِ [4734] قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ)
أَيْ فِي أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ لَا أَنَّهُ كَلَامٌ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ
وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا إِضَافَةُ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوِ التَّكَلُّمِ أَوِ الْكَلِمَاتِ
(أَلَا) بِلَا النَّهْيِ مَعَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ) أَيْ يَذْهَبُ بِي إِلَى قَوْمِهِ (كَلَامَ رَبِّي) وَلَنِعْمَ مَا قِيلَ وَمَا الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا تَعَالَى كَلَامُ الرَّبِّ مِنْ جِنْسِ الْمَقَالِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[4736]
(عَنْ عَامِرِ بْنِ شَهْرٍ) قَالَ فِي الْإِصَابَةِ عَامِرُ بْنُ شَهْرٍ صَحَابِيٌّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو يَعْلَى مُطَوَّلًا وَلَهُ فِي أَبَى دَاوُدَ حَدِيثٌ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ وَرَوَى لَهُ حَدِيثًا آخَرَ قَالَ كُنْتُ عند النجاشي فقرأ بن لَهُ آيَةً مِنَ الْإِنْجِيلِ وَهُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ
وَكَانَ عَامِرُ بْنُ شَهْرٍ أَحَدَ عُمَّالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْيَمَنِ انْتَهَى
(كُنْتُ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ) اسْمُ مَلِكِ الحبشة
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ذَكَرَهُ الْحَاكِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِيّ
قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين بْن الْقَيِّم رحمه الله وَفِي لَفْظ لِمُسْلِمٍ فِيهِ يَنْزِل اللَّه عز وجل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كُلّ لَيْلَة حَتَّى يَمْضِي ثُلُث اللَّيْل الْأَوَّل فَيَقُول أَنَا الْمَلِك وَأَنَا الْمَلِك مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيب لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلنِي فَأُعْطِيه مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرنِي فَأَغْفِر لَهُ فَلَا يَزَال كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيء الْفَجْر
وَفِي لَفْظ آخَر لِمُسْلِمٍ إِذَا مَضَى شَطْر اللَّيْل أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِل اللَّه تبارك وتعالى إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول هَلْ مِنْ سَائِل يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَاب لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فَيُغْفَر لَهُ حَتَّى يَنْفَجِر الصُّبْح
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَعَامِرُ بْنُ شَهْرٍ هَمْدَانِيُّ نَاعِطِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ بَكِيلٍ وَكِلَاهُمَا مِنْ هَمْدَانَ يُعَدُّ فِي الْكُوفِيِّينَ كُنْيَتُهُ أَبُو الْكَنُودِ وَيُقَالُ أَبُو شَهْرٍ رَوَى عَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُ
وَشَهْرٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنَاعِطٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ مَكْسُورَةٌ وَطَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ نَاعِطٌ لِأَنَّهُ نَزَلَ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَاعِطٌ فَسُمِّيَ بِهِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ
وَبَكِيلٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ سَاكِنَةٌ وَلَامٌ
[4735]
(وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ) أَيْ قَالَ الزُّهْرِيُّ كُلٌّ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ حَدَّثَنِي بَعْضًا مِنْ حَدِيثِ الْإِفْكِ (وَلَشَأْنِي) بِفَتْحِ اللَّامِ (مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ فِي شَأْنِي وَتَزْكِيَةِ نَفْسِي وَإِبْرَاءِ ذِمَّتِي قَالَ فِي الْفَتْحِ
قَالَ الدَّاوُدِيُّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها حِينَ أَنْزَلَ بَرَاءَتَهَا بِخِلَافِ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ إِنَّهُ لَمْ يتكلم انتهى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِي لَفْظ آخَر لِمُسْلِمٍ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيب لَهُ أَوْ يَسْأَلنِي فَأُعْطِيه ثُمَّ يَقُول مَنْ يُقْرِض غَيْر عَدِيم وَلَا ظَلُوم
وَفِي لَفْظ آخَر لَهُ ثُمَّ يَبْسُط يَدَيْهِ تبارك وتعالى مَنْ يُقْرِض غَيْر عَدِيم وَلَا ظَلُوم
وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيد وَأَبِي هريرة رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّه تَعَالَى يُمْهِل حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُث اللَّيْل الْأَوَّل نَزَلَ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول
هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر
هَلْ مِنْ تَائِب
هَلْ مِنْ سَائِل هَلْ مِنْ دَاعٍ
حَتَّى يَنْفَجِر الْفَجْر
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيّ وَأَبِي سَعِيد وَرِفَاعَة الجهني وجبير بن مطعم وبن مَسْعُود وَأَبِي الدَّرْدَاء وَعُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة حَدِيث حَسَن صَحِيح
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَوْجُه كَثِيرَة عَنْ أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَنْزِل اللَّه عز وجل حِين يَبْقَى ثُلُث اللَّيْل الْآخِر وَهُوَ أَصَحّ الرِّوَايَات هَذَا آخِر كَلَامه
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا
[4737]
(كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ الثَّقِيلَةِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ عِصْمَةً (بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ) أَيِ الْخَالِيَةِ عَنِ الْعُيُوبِ أَوِ الْوَافِيَةِ فِي دَفْعِ مَا يُتَعَوَّذُ مِنْهُ (وَهَامَّةٍ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهِيَ كُلُّ ذَاتِ سُمٍّ (وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) أَيْ ذَاتُ لَمَمٍ وَهُوَ الْقُرْبُ مِنَ الشَّيْءِ (أَبُوكُمْ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُ أَبُو الْعَرَبِ (بِهِمَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِهَا بِضَمِيرِ الْوَاحِدِ الْمُؤَنَّثِ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ يُعَوِّذُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَمَا مِنْ كَلَامٍ مَخْلُوقٍ إِلَّا وَفِيهِ نَقْصٌ فَالْمَوْصُوفُ مِنْهُ بِالتَّمَامِ هُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ انْتَهَى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِي الْبَاب عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِت
قَالَ عَبَّاد بْن الْعَوَّام قَدِمَ عَلَيْنَا شَرِيك وَاسِط فَقُلْنَا لَهُ إِنَّ عِنْدنَا قَوْم يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيث إِنَّ اللَّه عز وجل يَنْزِل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَقَالَ شَرِيك إِنَّمَا جَاءَنَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيث مَنْ جَاءَنَا بِالسُّنَنِ عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالزَّكَاة وَالْحَجّ وَإِنَّمَا عَرَفْنَا اللَّه عز وجل بِهَذِهِ الْأَحَادِيث
قَالَ الشَّافِعِيّ فِي رِوَايَة الرَّبِيع وَلَيْسَ يَنْبَغِي فِي سُنَّة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَّا اِتِّبَاعهَا بِفَرْضِ اللَّه عز وجل وَالْمَسْأَلَة بِكَيْفَ فِي شَيْء قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ السُّنَّة مِمَّا لَا يَسَع عَالِمًا
وَقَالَ مُطَرِّف سَمِعْت مَالِكًا يَقُول إِذَا ذُكِرَ عِنْده الزَّائِغُونَ فِي الدِّين قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز سَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَوُلَاة الْأُمُور بَعْده سُنَنًا الْأَخْذ بِهَا اِتِّبَاع لِكِتَابِ اللَّه وَاسْتِكْمَال لِطَاعَةِ اللَّه وَقُوَّة عَلَى دِين اللَّه لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلْق تَغْيِيرهَا وَلَا تَبْدِيلهَا وَلَا النَّظَر فِي شَيْء خَالَفَهَا مَنْ اِهْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ وَمَنْ اِسْتَنْصَرَ بِهَا فَهُوَ مَنْصُور وَمَنْ تَرَكَهَا وَاتَّبَعَ غَيْر سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّه مَا تَوَلَّى وَأَصْلَاهُ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا
وَقَالَ إِسْحَاق بْن مَنْصُور قُلْت لِأَحْمَد بْن حَنْبَل يَنْزِل رَبّنَا كُلّ لَيْلَة حَتَّى يَبْقَى ثُلُث اللَّيْل الْآخِر إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا أَلَيْسَ تَقُول بِهَذِهِ الْأَحَادِيث
ويرى أهل الجنة ربهم ولا تقبحوا الوجه واشتكت النار إلى ربها وأن مُوسَى لَطَمَ عَيْن مَلَك الْمَوْت
فَقَالَ أَحْمَد هَذَا كُلّه صَحِيح
قال الحافظ في الفتح قال بن بَطَّالٍ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قالوا الحق عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ قَدِيمٌ لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِصِفَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا بِهِ وَلَا يَزَالُ كَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّتِي نَفَتْ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مَخْلُوقًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا حَادِثًا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أن نقول له كن فيكون فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا لَكَانَ مَخْلُوقًا بِكُنْ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ لِشَيْءٍ بِقَوْلٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ قَوْلًا ثَانِيًا وَثَالِثًا فَيَتَسَلْسَلُ وَهُوَ فَاسِدٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّحْمَنُ
عَلَّمَ الْقُرْآنَ
خلق الإنسان فَخَصَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ وَصِفَتُهُ وَخُصَّ الْإِنْسَانَ بِالتَّخْلِيقِ لِأَنَّهُ خَلْقُهُ وَمَصْنُوعُهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ خَلَقَ الْقُرْآنَ وَالْإِنْسَانَ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وكلم الله موسى تكليما وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ
وَقَالَ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يكلمه الله إلا وحيا الْآيَةُ فَلَوْ كَانَ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ مَعْنًى لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ فَبَطَلَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي غَيْرِ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كَلَامًا فِي شَجَرَةٍ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَفْضَلَ فِي سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْ مُوسَى يَلْزَمُهُمْ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ هِيَ الْمُتَكَلِّمَةُ بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ كَلَّمَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ إِنْ هذا إلا قول
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ إِسْحَاق وَلَا يَدَعهُ إِلَّا مُبْتَدِع أَوْ ضَعِيف الرَّأْي
فَإِنْ قِيلَ فَكَيْف تَصْنَعُونَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن يَعْقُوب حَدَّثَنِي عُمَر بْن حَفْص بْن غِيَاث حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَش حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق حَدَّثَنَا مُسْلِم الْأَغَرّ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة وَأَبَا سَعِيد الخدري رضي الله عنهما يَقُولَانِ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّه يُمْهِل حَتَّى يَمْضِي شَطْر اللَّيْل الْأَوَّل ثُمَّ يَأْمُر مُنَادِيًا يُنَادِي وَيَقُول هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَاب لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر يُغْفَر لَهُ هَلْ مِنْ سَائِل يُعْطَى وَهَذَا الْإِسْنَاد ثِقَات كُلّهمْ
قُلْنَا وَأَيّ مُنَافَاة بَيْن هَذَا وَبَيْن قَوْله يَنْزِل رَبّنَا فَيَقُول وَهَلْ يَسُوغ أَنْ يُقَال إِنَّ الْمُنَادِي يَقُول أَنَا الْمَلِك وَيَقُول لَا أَسْأَل عَنْ عِبَادِي غَيْرِي وَيَقُول مَنْ يَسْتَغْفِرنِي فَأَغْفِر لَهُ وَأَيّ بُعْد فِي أَنْ يَأْمُر مُنَادِيًا يُنَادِي هَلْ مِنْ سَائِل فَيُسْتَجَاب لَهُ ثُمَّ يَقُول هُوَ سُبْحَانه مَنْ يَسْأَلنِي فَأَسْتَجِيب لَهُ وَهَلْ هَذَا إِلَّا أَبْلَغ فِي الْكَرَم وَالْإِحْسَان أَنْ يَأْمُر مُنَادِيه يَقُول ذَلِكَ وَيَقُولهُ سُبْحَانه بِنَفْسِهِ وَتَتَصَادَق الرِّوَايَات كُلّهَا عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَلَا نُصَدِّق بَعْضهَا وَنُكَذِّب مَا هُوَ أَصَحّ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
البشر وَلَا يُعْتَرَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كريم لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ولا بقوله إنا جعلناه قرآنا عربيا لِأَنَّ مَعْنَاهُ سَمَّيْنَاهُ قُرْآنًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَتَجْعَلُونَ رزقكم أنكم تكذبون وقوله ويجعلون لله ما يكرهون وَقَوْلِهِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ محدث فَالْمُرَادُ أَنَّ تَنْزِيلَهُ إِلَيْنَا هُوَ الْمُحْدَثُ لَا الذِّكْرَ نَفْسَهُ
وَبِهَذَا احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثُمَّ سَاقَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ نِيَارٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ التحتانية بن مُكْرِمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرُّومِ فَقَالُوا هَذَا كَلَامُكَ أَوْ كَلَامُ صَاحِبِكَ قال ليس كلامي ولاكلام صَاحِبِي وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ
وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ أخرجه الترمذي مصححا
وقال بن حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ الكتب المنزلة والصحف
قال الحافظ بعد ما أَطَالَ الْكَلَامَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ تَرْكُ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالتَّعَمُّقِ فِيهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ثُمَّ السُّكُوتُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ
قَالَ المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
[4738]
(أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ والجيم (عن مسلم) هو بن صُبَيْحٍ كَمَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي كِتَابِ الصِّفَاتِ (صَلْصَلَةً) هِيَ صَوْتُ وُقُوعُ الْحَدِيدِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ (كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا) جَمْعُ صَفَاةٍ وَهِيَ الصَّخْرَةُ وَالْحَجَرُ الْأَمْلَسُ
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ شَيْئًا فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَنَادَوْا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ انْتَهَى وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الصِّفَاتِ مَوْقُوفًا وَكَذَا الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ إِشْكَابٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا
قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا وَلِبَعْضِهِمُ الصَّفْوَانُ بَدَلُ الصَّفَا وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ الْحَدِيدُ بَدَلُ السِّلْسِلَةِ وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَنْصُورٍ عند بن أَبِي حَاتِمٍ مِثْلُ صَوْتِ السِّلْسِلَةِ وَعِنْدَهُ مِنْ
رواية عامر الشعبي عن بن مسعودسمع مِنْ دُونِهِ صَوْتًا كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ وَوَقَعَ فِي حديث النواس بن سمعان عند بن أَبِي حَاتِمٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْهُ رَجْفَةً أَوْ قَالَ رَعْدَةً شَدِيدَةً مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا انْتَهَى (فَيُصْعَقُونَ) أَيْ يُغْشَى عَلَيْهِمْ (فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ) أَيْ مَغْشِيًّا عَلَيْهِمْ (فُزِّعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ كُشِفَ وَأُزِيلَ (فَيَقُولُ) أَيْ جِبْرَائِيلُ (الْحَقَّ) أَيْ قَالَ الْحَقَّ
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ أُرْعِدَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ مِنَ الْهَيْبَةِ فَيَلْحَقُهُمْ كَالْغَشْيِ فَإِذَا جَلَّى عَنْ قُلُوبِهِمْ سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْقَوْلَ الْحَقَّ أَيِ الْمُطَابِقَ لِلْوَاقِعِ يَعْنِي أَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ انْتَهَى
قال المنذري وقد أخرج البخاري والترمذي وبن ماجه نحوه من حديث عكرمة مولى بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كتاب الحروف أنتهى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَان عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عِكْرِمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَضَى اللَّه الْأَمْر فِي السَّمَاء ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَة بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَة عَلَى صَفْوَان فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكم
قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ
قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الحق وهو العلي الكبير فسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السَّمْع هَكَذَا بَعْضهمْ فَوْق بَعْض وَذَكَرَ الْحَدِيث
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح عَنْ عَبْد اللَّه مِنْ قَوْله إِنَّ اللَّه إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْل السَّمَاء لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَة كَجَرِّ السِّلْسِلَة عَلَى الصَّفَا فَيُصْعَقُونَ فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيهِمْ جِبْرِيل فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيل فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ قَالَ فَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيل مَاذَا قَالَ رَبّك قَالَ فَيَقُول الْحَقّ قَالَ فَيُنَادُونَ الْحَقّ الْحَقّ
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا وَلَيْسَ فِيهِ سَمْع أَهْل السَّمَاء لِلسَّمَاءِ وَهُوَ الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيث نُعَيْم بْن حَمَّاد حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن يَزِيد بْن جَابِر عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ رَجَاء بْن حَيْوَة عَنْ النَّوَّاس بْن سَمْعَان قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُوحِي بِأَمْرِهِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ وَإِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ أَخَذَتْ السَّمَاوَات رَجْفَة أَوْ قَالَ رَعْدَة شَدِيدَة خَوْفًا مِنْ اللَّه عز وجل فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْل السَّمَاوَات صُعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا فَيَكُون أَوَّل مَنْ يَرْفَع رَأْسه جِبْرِيل فَيُكَلِّمهُ اللَّه مِنْ وَحْيه بِمَا أَرَادَ فَيَمْضِي جِبْرِيل عَلَى الْمَلَائِكَة كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ مَلَائِكَتهَا مَاذَا قَالَ رَبّنَا يَا جِبْرِيل فَيَقُول جِبْرِيل قَالَ الْحَقّ وَهُوَ الْعَلِيّ الْكَبِير قَالَ فَيَقُولُونَ كُلّهمْ مِثْل مَا قَالَ جِبْرِيل فَيَنْتَهِي جِبْرِيل بِالْوَحْيِ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّه سُبْحَانه مِنْ السَّمَاء والأرض