المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في الرؤيا [ - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ١٣

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب فِي الْجَهْمِيَّةِ)

- ‌(بَاب فِي الرُّؤْيَةِ [

- ‌(بَاب فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ [

- ‌(بَاب فِي الْقُرْآنِ [4734] قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ)

- ‌(بَابُ ذِكْرِ الْبَعْثِ [

- ‌(بَاب فِي الشَّفَاعَةِ [

- ‌(بَابٌ فِي خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ [

- ‌(بَاب فِي الْحَوْضِ [

- ‌(باب الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ [

- ‌(بَاب فِي ذِكْرِ الْمِيزَانِ [

- ‌(بَاب فِي الدَّجَّالِ [

- ‌(باب في الْخَوَارِجِ [

- ‌(بَاب في قتل الْخَوَارِجِ [

- ‌(بَاب فِي قِتَالِ اللُّصُوصِ [

- ‌40 - كِتَابُ الْأَدَب

- ‌(بَاب فِي الْحِلْمِ وَأَخْلَاقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم [

- ‌(بَاب فِي الْوَقَارِ [

- ‌(بَاب مَنْ كَظَمَ غَيْظًا)

- ‌(بَاب مَا يُقَالُ عِنْدَ الْغَضَبِ [

- ‌(بَاب فِي التَّجَاوُزِ فِي الْأَمْرِ [

- ‌(بَاب فِي حُسْنِ الْعِشْرَةِ [

- ‌(بَاب فِي الْحَيَاءِ [

- ‌(بَاب فِي حُسْنِ الْخُلُقِ [

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الرِّفْعَةِ فِي الْأُمُورِ [

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ التَّمَادُحِ [

- ‌(بَاب فِي الرِّفْقِ بِالْكَسْرِ ضِدُّ الْعُنْفِ [

- ‌(بَاب فِي شُكْرِ الْمَعْرُوفِ [

- ‌(بَاب فِي الْجُلُوسِ بِالطُّرُقَاتِ [4815] جَمْعُ الطُّرُقِ)

- ‌(بَاب فِي سَعَةِ الْمَجْلِسِ)

- ‌(باب في الجلوس بين الشمس والظل [

- ‌(بَاب في التحلق [4823] أي الجلوس)

- ‌(باب الْجُلُوسِ وَسْطَ الْحَلْقَةِ [

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَقُومُ لِلرَّجُلِ مِنْ مَجْلِسِهِ [

- ‌(بَاب مَنْ يُؤْمَرُ أَنْ يُجَالِسَ [

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الْمِرَاءِ [

- ‌(بَاب الْهَدْيِ فِي الْكَلَامِ [4837] الْهَدْيُّ)

- ‌(بَاب فِي الخطبة [

- ‌(بَاب فِي تَنْزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ [

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا [

- ‌(بَاب فِي جُلُوسِ الرَّجُلِ [

- ‌(بَاب فِي الْجِلْسَةِ الْمَكْرُوهَةِ [

- ‌(بَاب فِي السَّمَرِ بَعْدَ الْعَشَاءِ [

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا [

- ‌(بَاب فِي التَّنَاجِي [

- ‌(باب إذا قام من مجلسه ثُمَّ رَجَعَ [

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَلَا يَذْكُرَ اللَّهَ [

- ‌(بَاب فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ [4857] (عِنْدَ قِيَامِهِ))

- ‌(بَاب فِي رَفْعِ الْحَدِيثِ مِنْ الْمَجْلِسِ [

- ‌(بَاب فِي الْحَذَرِ مِنْ النَّاسِ [

- ‌(بَاب فِي هَدْيِ الرَّجُلِ [

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَضَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ على الأخرى [

- ‌(بَاب فِي نَقْلِ الْحَدِيثِ [

- ‌(بَاب فِي الْقَتَّاتِ [

- ‌(بَابُ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ [

- ‌(بَاب فِي الْغِيبَةِ [

- ‌(باب الرجل يذب عن عرض أخيه [

- ‌(بَاب مَنْ لَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ [

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ الرَّجُلَ قَدْ اغْتَابَهُ [

- ‌(بَابٌ فِي التَّجَسُّسِ [

- ‌(بَاب فِي السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ [

- ‌(بَابٌ فِي الْمُؤَاخَاةِ [

- ‌(بَابٌ فِي الْمُسْتَبَّانِ [

- ‌(بَاب فِي التَّوَاضُعِ [

- ‌(بَاب فِي الِانْتِصَارِ [

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْمَوْتَى [

- ‌(بَاب فِي اللَّعْنِ [

- ‌(بَاب فِيمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ [

- ‌(باب في هجرة الرجل أخاه [

- ‌(بَاب فِي الظَّنِّ [

- ‌(بَابُ فِي النَّصِيحَةِ وَالْحِيَاطَةِ [

- ‌(بَاب فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ [

- ‌(بَابٌ فِي الْغِنَاءِ [

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الْغِنَاءِ وَالزَّمْرِ [

- ‌(بَابُ الْحُكْمِ فِي الْمُخَنَّثِينَ [

- ‌(بَابُ اللَّعِبِ بِالْبَنَاتِ [

- ‌(بَاب فِي الْأُرْجُوحَةِ [

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ [

- ‌(بَاب فِي اللَّعِبِ بِالْحَمَامِ [

- ‌(بَاب فِي الرحمة [

- ‌(بَاب فِي النَّصِيحَةِ [

- ‌(باب في المعونة للمسلم [

- ‌(باب في تغيير الأسماء [

- ‌(باب في تغيير اسم القبيح [

- ‌(بَاب فِي الْأَلْقَابِ [

- ‌(بَاب فيمن يتكنى بِأَبِي عِيسَى [

- ‌(بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِابْنِ غَيْرِهِ يَا بُنَيَّ [

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَتَكَنَّى بأبي القاسم [

- ‌(بَابٌ فِيمَنْ رَأَى أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا [

- ‌(بَاب فِي الرُّخْصَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا [

- ‌(بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَتَكَنَّى وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [

- ‌(بَاب فِي الْمَرْأَةِ تُكْنَى [

- ‌(بَاب فِي الْمَعَارِيضِ [

- ‌(بَابٌ فِي زَعَمُوا [

- ‌(باب في الرجل يقول في خطبته أما بعد [

- ‌(بَابٌ في الكرم [

- ‌(بَاب لَا يَقُولُ الْمَمْلُوكُ رَبِّي وَرَبَّتِي [

- ‌(بَابٌ لَا يُقَالُ خَبُثَتْ نَفْسِي [

- ‌(بَابٌ فِي صَلَاةِ الْعَتَمَةِ [

- ‌(بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الْكَذِبِ [

- ‌(بَاب في حسن الظن [

- ‌(بَاب فِي الْعِدَةِ [

- ‌(باب فيمن يَتَشَبَّعُ بِمَا لَمْ يُعْطِ [

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْمِزَاحِ [

- ‌(بَابُ مَنْ يَأْخُذُ الشَّيْءَ مِنْ مُزَاحٍ [

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّشَدُّقِ فِي الْكَلَامِ [

- ‌(بَاب ما جاء في الشعر [

- ‌(بَاب فِي الرُّؤْيَا [

- ‌(بَاب فِي التَّثَاؤُبِ [

- ‌(بَاب فِي الْعُطَاسِ [5029] بِضَمِّ الْعَيْنِ)

- ‌(بَابُ كَيْفَ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ [

- ‌(بَابُ كَمْ يُشَمَّتِ الْعَاطِسُ [

- ‌(بَابُ كَيْفَ يُشَمَّتُ الذِّمِّيُّ [

- ‌(باب فيمن يعطس ولا يحمد الله [

- ‌(بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَنْبَطِحُ عَلَى بَطْنِهِ [

- ‌(بَابٌ فِي النَّوْمِ عَلَى السَّطْحِ لَيْسَ عَلَيْهِ حِجَارٌ [

- ‌(باب في النوم على طهارة [

- ‌(باب كيف يتوجه [5044] الرجل عند النوم)

- ‌(بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ النَّوْمِ [

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ)

- ‌(بَاب فِي التَّسْبِيحِ عِنْدَ النَّوْمِ)

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ)

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ)

- ‌(بَاب مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ)

- ‌(بَاب ما يقول الرجل إذا دخل بيته)

الفصل: ‌(باب في الرؤيا [

يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ غُوَاةَ الْجِنِّ ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَعْنِي حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَكَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانُوا يَذُبُّونَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ هِجَاءَ الْمُشْرِكِينَ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ

7 -

‌(بَاب فِي الرُّؤْيَا [

5017])

هِيَ مَا يَرَى الشَّخْصُ فِي مَنَامِهِ بِوَزْنِ فَعْلَى وَقَدْ تُسَهَّلُ الْهَمْزَةُ

(مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الصُّبْحِ (إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) أَيِ الْحَسَنَةُ أَوِ الصَّادِقَةُ قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيِ الْوَحْيُ الْمُنْقَطِعُ بِمَوْتِي وَلَا يَبْقَى مَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا سَيَكُونُ إِلَّا الرُّؤْيَا

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ زُفَرَ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صَعْصَعَةَ وَالْمَحْفُوظُ مِنْ حَدِيثِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ إِثْبَاتُ صَعْصَعَةَ فِي إِسْنَادِهِ

[5018]

(رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) يَعْنِي مِنْ أَجْزَاءِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ فِيهَا إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ وَالنُّبُوَّةُ غَيْرُ بَاقِيَةٍ لَكِنْ عِلْمُهَا بَاقٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا كَمَا أُوتِيَ ذَلِكَ يُوسُفُ عليه السلام

وَاعْلَمْ أَنَّ رِوَايَاتِ الْعَدَدِ مُخْتَلِفَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْهَا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ سَبْعِينَ وَكَذَا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ مُخْتَلِفَةٌ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ مِنْ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّة إِلَّا الْمُبَشِّرَات قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَات قَالَ الرؤيا الصالحة وأخرجه مسلم من حديث بن عباس

ص: 245

خَمْسِينَ وَفِي رِوَايَةِ عُبَادَةَ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِي رواية بن عَبَّاسٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ من تسعة وأربعين وفي رواية بن عُمَرَ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ قَالَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إِلَى اخْتِلَافِ حَالِ الرَّائِي فَرُؤْيَا النَّاسِ تَكُونُ مِنْ سَبْعِينَ وَرُؤْيَا الصَّالِحِ تَكُونُ من ستة وأربعين وهكذا تفاوت عَلَى مَرَاتِبِ الصَّلَاحِ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْمَبَارِقِ شَرْحُ الْمَشَارِقِ

وَفِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ تَحْقِيقُ أَمْرِ الرُّؤْيَا وَتَأْكِيدُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّؤْيَا تَجِيءُ عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ

وَقَالَ آخَرٌ مَعْنَاهُ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ وَعِلْمُ النُّبُوَّةِ بَاقٍ وَالنُّبُوَّةُ غَيْرُ بَاقِيَةٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ الرُّؤْيَا الصالحة انتهى

وقال الإمام بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ ستة وأربعين جزء مِنَ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَا الْعَدَدُ لِأَنَّ عُمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ كَانَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً وَكَانَتْ مُدَّةُ نُبُوَّتِهِ مِنْهَا ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً لِأَنَّهُ بُعِثَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَرْبَعِينَ وَكَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَرَى الْوَحْيَ فِي الْمَنَامِ وَدَامَ ذَلِكَ نِصْفَ سَنَةٍ ثُمَّ رَأَى الْمَلَكَ فِي الْيَقِظَةِ فَإِذَا نُسِبَتْ مُدَّةُ الْوَحْيِ فِي النَّوْمِ وَهِيَ نِصْفُ سَنَةٍ إِلَى مُدَّةِ نُبُوَّتِهِ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً كَانَتْ نِصْفَ جُزْءٍ مِنْ ثلاثة وعشرين جزء وذلك جزء واحد من ستة وأربعين جزء وَقَدْ تَعَاضَدَتِ الرِّوَايَاتُ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَا بِهَذَا الْعَدَدِ وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وأربعين جزء وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عُمْرَهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ قَدِ اسْتَكْمَلَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالسِّتِّينَ وَنِسْبَةُ نِصْفِ السَّنَةِ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَبَعْضُ الْأُخْرَى نِسْبَةُ جُزْءٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ وَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ رَوَى أَنَّ عُمْرَهُ كَانَ سِتِّينَ سَنَةً فَيَكُونُ نِسْبَةُ نِصْفِ سَنَةٍ إِلَى عِشْرِينَ سَنَةً كَنِسْبَةِ جُزْءٍ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْهَدْيُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ

أَيْ إِنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ مِنْ شَمَائِلِ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْخِصَالِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ خِصَالِهِمْ وَأَنَّهَا جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنْ أَجْزَاءِ أَفْعَالِهِمْ فَاقْتَدَوْا بِهِمْ فِيهَا وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ النُّبُوَّةَ تَتَجَزَّأُ وَلَا أَنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِلَالَ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالنُّبُوَّةِ هَا هُنَا مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَدَعَتْ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَدَعَا إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

[5019]

(إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ) يَأْتِي تَفْسِيرُهُ مِنَ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُنْذِرِيِّ (وَأَصْدَقُهُمْ) أَيِ الْمُسْلِمِينَ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِمْ بِالْمُسْلِمِ (أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا) فَإِنَّ غَيْرَ الصَّادِقِ فِي حَدِيثِهِ يَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إِلَى رُؤْيَاهُ (فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ) أَيْ إِشَارَةٌ إِلَى بِشَارَةٍ مِنَ اللَّهِ لِلرَّائِي أَوِ الْمَرْئِيِّ لَهُ والرؤيا تحزين

ص: 246

مِنَ الشَّيْطَانِ بِأَنْ يَرَى مَا يُحْزِنُهُ (وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ) قَالَ الْعَزِيزِيُّ وَهُوَ مَا كَانَ فِي الْيَقِظَةِ يَكُونُ فِي مُهِمٍّ فَيَرَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي النَّوْمِ (فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ) أَيْ فِي الْمَنَامِ (فَلْيُصَلِّ) أَيْ إِذَا كَانَ نَشِيطًا وَإِلَّا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا وَيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يمكن الجمع وهو الأولى قاله القارىء (قَالَ وَأُحِبُّ الْقَيْدَ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ) بِالضَّمِّ أَيِ الطَّوْقَ بِأَنْ يَرَى نَفْسَهُ مَغْلُولًا فِي النَّوْمِ لِأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى تَحَمُّلِ دَيْنٍ أَوْ مَظَالِمٍ أَوْ كَوْنِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ (وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ) أَيْ ثَبَاتُ قَدَمٍ وَرُسُوخُ تَمْكِينٍ وَضَمِيرُ قَالَ رَاجِعٌ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا يَظْهَرُ لَكَ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ هَكَذَا جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَمِيعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَيْدَ وَالْغُلَّ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ أُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ وَرَوَاهُ عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَذَكَرَ أَنَّ أَوَّلَ الْمَتْنِ إِلَى قَوْلِهِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ انْتَهَى

قُلْتُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أَيُّوبَ وَفِيهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَيُعْجِبُنِي الْقَيْدُ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَفِيهِ وَأُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (يَعْنِي إِذَا اقْتَرَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ يَعْنِي يَسْتَوِيَانِ) وَالْمُعَبِّرُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَصْدَقَ الرُّؤْيَا مَا كَانَ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ وَوَقْتَ اعْتِدَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ قِيلَ هُوَ قُرْبُ السَّاعَةِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ وَقَدْ قِيلَ لَا تَكَادُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ اقْتِرَابُ الْمَوْتِ عِنْدَ عُلُوِّ السِّنِّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَالِبًا يَمِيلُ إِلَى الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَيَقِلُّ تَحْدِيثُهُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ

[5020]

(وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ) بمهملات وضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه (الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا مثل معناه لا تستقر قرارها مالم تُعَبَّرْ انْتَهَى فَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَالشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ بِرِجْلِ الطَّائِرِ لَا اسْتِقْرَارَ لَهَا (مَا لَمْ تُعَبَّرْ) قال القارىء بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَبِتَخْفِيفِ الْبَاءِ فِي أَكْثَرِ

ص: 247

الرِّوَايَاتِ أَيْ مَا لَمْ تُفَسَّرْ (فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ) أَيْ تِلْكَ الرُّؤْيَا عَلَى الرَّائِي يَعْنِي يَلْحَقُهُ حُكْمُهَا

قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرُّؤْيَا عَلَى رجل طائر مالم تُعَبَّرْ أَيْ لَا يَسْتَقِرُّ تَأْوِيلُهَا حَتَّى تُعَبَّرَ يُرِيدُ أَنَّهَا سَرِيعَةُ السُّقُوطِ إِذَا عُبِّرَتْ كَمَا أَنَّ الطَّيْرَ لَا يَسْتَقِرُّ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ فَكَيْفَ مَا يَكُونُ عَلَى رِجْلِهِ

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ كُلُّ حَرَكَةٍ مِنْ كَلِمَةٍ أَوْ جَارٍ يَجْرِي فَهُوَ طَائِرٌ مَجَازٌ أَرَادَ عَلَى رِجْلِ قَدْرٍ جَارٍ وَقَضَاءٍ مَاضٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَهِيَ لِأَوَّلِ عَابِرٍ يُعَبِّرُهَا أَيْ أَنَّهَا إِذَا احْتَمَلَتْ تَأْوِيلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَعَبَّرَهَا مَنْ يَعْرِفُ عِبَارَتَهَا وَقَعَتْ عَلَى مَا أَوَّلَهَا وَانْتَفَى عَنْهَا غَيْرُهُ مِنَ التَّأْوِيلِ انْتَهَى

قَالَ السُّيُوطِيُّ وَالْمُرَادُ أَنَّ الرُّؤْيَا هِيَ الَّتِي يُعَبِّرُهَا الْمُعَبِّرُ الْأَوَّلُ فَكَأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ فَسَقَطَتْ وَوَقَعَتْ حَيْثُ عُبِّرَتْ انْتَهَى (وَأَحْسِبُهُ أَيِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَلَا تَقُصَّهَا) أَيْ لَا تَعْرِضَ رُؤْيَاكَ (إِلَّا عَلَى وَادٍّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ مُحِبٍّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقْبِلُكَ فِي تَفْسِيرِهَا إِلَّا بِمَا تُحِبُّ (أَوْ ذِي رَأْيٍ) أَيْ عَاقِلٍ أَوْ عَالِمٍ

قَالَ الزَّجَّاجُ مَعْنَاهُ ذُو عِلْمٍ بِعِبَارَةِ الرُّؤْيَا فَإِنَّهُ يُخْبِرُكَ بِحَقِيقَةِ تَفْسِيرِهَا أَوْ بِأَقْرَبِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ

قَالَ المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ

وَأَبُو رَزِينٍ هَذَا هُوَ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ غَيْرُ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَشْرَافِ فِي تَرْجَمَتَيْنِ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمُ الْأَوَّلَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ وَيُقَالُ لَقِيطُ بْنُ صَبْرَةَ بْنِ الْمُنْتَفِقِ وَقَالَ وَقِيلَ إِنَّ لَقِيطَ بْنَ عَامِرٍ غَيْرَ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ

[5021]

(الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ) أَيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْهُ (وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ) الْحُلْمُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَقِيلَ بِضَمِّهِمَا مَا يُرَى فِي الْمَنَامِ مِنَ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ

قَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ وَإِضَافَةُ الْحُلْمِ إِلَى الشَّيْطَانِ لِكَوْنِهِ عَلَى هَوَاهُ وَمُرَادِهِ وَأَمَّا إِضَافَةُ الرُّؤْيَا وَهِيَ اسْمٌ لِلْمَرْئِيِّ الْمَحْبُوبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُضَافَ إِلَى اللَّهِ لَا يُقَالُ لَهُ حُلْمٌ وَالْمُضَافُ إِلَى الشَّيْطَانِ لَا يُقَالُ لَهُ رُؤْيَا وَهُوَ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ وَإِلَّا فَالْكُلُّ يُسَمَّى رُؤْيَا انْتَهَى (فَلْيَنْفُثْ) أَيْ لِيَبْصُقْ (مِنْ شَرِّهَا) أَيْ مِنْ شَرِّ تِلْكَ الرُّؤْيَا (فَإِنَّهَا) أَيِ الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةُ (لَا تَضُرُّهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ فِعْلَهُ مِنَ التَّعَوُّذِ وَالتُّفْلِ وَغَيْرِهِ سَبَبًا لِسَلَامَتِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَةَ وِقَايَةً لِلْمَالِ وَدَفْعًا لِدَفْعِ الْبَلَاءِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

ص: 248

[5022]

(يَكْرَهُهَا) صِفَةٌ لِرُؤْيَا (فَلْيَبْصُقْ) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ لِيَبْزُقْ (وَيَتَحَوَّلُ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ إِلَى جَنْبِهِ الْآخَرِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ

[5023]

(مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُؤْيَةً خَاصَّةً فِي الْقُرْبِ مِنْهُ أَوْ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ وَلَمْ يَكُنْ يُهَاجِرُ يُوَفِّقُهُ اللَّهُ لِلْهِجْرَةِ إِلَيَّ وَالتَّشَرُّفِ بِلِقَائِي وَيَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ رُؤْيَتَهُ فِي الْمَنَامِ عَلَمًا عَلَى رُؤْيَاهُ فِي الْيَقَظَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ بِشَارَةٌ لِرَائِيهِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَكَفَى بِهَا بِشَارَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ فِي الْقِيَامَةِ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ الْخَاصَّةِ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ مِنْهُ إِلَّا مَنْ تَحَقَّقَتْ مِنْهُ الْوَفَاةُ عَلَى الْإِسْلَامِ

كَذَا فِي شَرْحِ الْقَسْطَلَانِيِّ لِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ

(أَوْ لِكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ) قَالَ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ هَذَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَمَعْنَاهُ غَيْرُ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَلَمْ يَشُكّ الْبُخَارِيّ فِيهِ بَلْ قَالَ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَة وَلَا يَتَمَثَّل الشَّيْطَان بِي

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي قَتَادَةَ قَالَ

قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَقَدْ رَأَى الْحَقّ

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد وَزَادَ فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَكَوَّنُنِي

وَفِي لَفْظ لَهُ فِي حَدِيث أَبِي قَتَادَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَرَاءَى بِي

وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَنْ رَآنِي فِي النَّوْم فَقَدْ رَآنِي

فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّل فِي صُورَتِي

وَفِي لَفْظ آخَر فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَشَبَّه بِي

ص: 249

الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَا رَآهُ فِي الْمَنَامِ مِثَالِيٌّ وَمَا يُرَى فِي عَالِمِ الْحِسِّ حِسِّيٌّ فَهُوَ تَشْبِيهٌ خَيَالِيٌّ انْتَهَى

وَفِي فَتْحِ الْبَارِي هُوَ تَشْبِيهٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ فِي الْيَقِظَةِ لَطَابَقَ مَا رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ حَقًّا وَحَقِيقَةً وَالثَّانِي حَقًّا وَتَمْثِيلًا (وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) قَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ هُوَ كَالتَّتْمِيمِ لِلْمَعْنَى وَالتَّعْلِيلِ لِلْحُكْمِ أَيْ لَا يَحْصُلُ لَهُ أَيْ لِلشَّيْطَانِ مِثَالُ صُورَتِي وَلَا يَتَشَبَّهُ بِي فَكَمَا مَنَعَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ أَنْ يَتَصَوَّرَ بِصُورَتِهِ الْكَرِيمَةِ فِي الْيَقَظَةِ كَذَلِكَ مَنَعَهُ فِي الْمَنَامِ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

[5024]

(مِنْ صَوَّرَ صُورَةً) أَيْ ذَاتَ رُوحٍ (حَتَّى يَنْفُخَ) أَيِ الرُّوحَ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ (وَلَيْسَ بِنَافِخٍ) أَيْ وَلَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى النَّفْخِ فَتَعْذِيبُهُ يَسْتَمِرُّ لِأَنَّهُ نَازَعَ الْخَالِقَ فِي قُدْرَتِهِ (وَمَنْ تَحَلَّمَ) أَيِ ادَّعَى أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا (كُلِّفَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّكْلِيفِ أَيْ يَوْمَ القيامة (أي يَعْقِدَ شُعَيْرَةً) أَيْ وَلَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَ طَرَفَيْ شُعَيْرَةٍ غَيْرُ مُمْكِنٍ

وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ قَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ إِيصَالَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى غَيْرُ مُمْكِنٍ عَادَةً وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِمْرَارِ التَّعْذِيبِ انْتَهَى (يَفِرُّونَ بِهِ مِنْهُ) أَيْ لَا يُرِيدُونَ اسْتِمَاعَهُ (صُبَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ سُكِبَ (الْآنُكُ) بِالْمَدِّ وَضَمِّ النُّونِ أَيِ الرَّصَاصُ الْمُذَابُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

[5025]

(كَأَنَّا) بِتَشْدِيدِ النُّونِ يَعْنِي أَنَا وَأَصْحَابِي (مِنْ رطب بن طاب) ضبط بالتنوين وبفتح الباء قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَالتَّنْوِينُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الطَّابَ بِمَعْنَى الطَّيِّبِ وَأَمَّا فَتْحُ الْبَاءِ فَعَلَى عَدَمِ صَرْفِهِ وَلَعَلَّهُ رِعَايَةٌ لِأَصْلِهِ فَإِنَّهُ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على الفتح انتهى

رطب بن طَابٍ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُنْسَبُ إِلَيْهِ نَوْعٌ مِنَ التمر

ص: 250