المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فإنه ليس له ولد اسمه سليمان، وكذا أبي بكر الصديق، - فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرتها، فضائلها، مسندها - رضي الله عنها - - جـ ٢

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: الأحاديث الواردة في سيرتها

- ‌الفصل الأول: حالها مع أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول:ولادتها، وترتيبها بين أخواتها

- ‌ مِن الرافضة (مَن ينكر أن تكون زينب ورقية وأم كلثوم من بنات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ليس لزينب، ولا رقية، ولا أم كلثوم، عَقِبٌ، وإنما العقِبُ لفاطمة رضي الله عنهن

- ‌المبحث الثاني:تسميتها فاطمة، ونسبها، وكنيتها، ولقبها

- ‌اسمها، وسبب التسمية:

- ‌ أربعاً وعشرين صحابية، تُسمَّى…(فاطمة)

- ‌(الفواطم اللاتي ولدنه صلى الله عليه وسلم

- ‌الوقوف في نسب النبي صلى الله عليه وسلم على عدنان:

- ‌ روي النسب الشريف عن ابن إسحاق من طريقين بينهما اختلاف

- ‌ الكنى عند العرب

- ‌ الصِّدِّيقَة

- ‌ مِن آثار ابتداع الألقابِ للصحابة والآل رضي الله عنهم

- ‌المبحث الثالث:شبهها بأبيها محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌ أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم الخِلْقِيَّة:

- ‌حِسَابِ الجُمَّل

- ‌ هَدْي النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مِشيته

- ‌المِشْيَات عَشْرةُ أنواع:

- ‌المبحث الرابع:نفقة النبي صلى الله عليه وسلم عليها

- ‌(الفواطم)

- ‌المبحث الخامس:قيامه صلى الله عليه وسلم عليها بالعدل

- ‌المبحث السادس:حالها في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ نسج أهل البدع من الرافضة وغيرهم أكاذيب كثيرة، في حزنها ومأتمها، مما تُنَزَّهُ عنه نساءُ المؤمنين، فكيف بسيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها

- ‌لأهل التشيع ولَعٌ بوضع الشعر على لسان آل البيت

- ‌المبحث السابع:طلبها ميراث أبيها صلى الله عليه وسلم

- ‌صدقاتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وما خلَّفَه:

- ‌الفصل الثاني: زواجها بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه خمسة مباحث:

- ‌المبحث الأول:خطبتها، ومشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لها في زواجها

- ‌كلُّ حديثٍ فيه أنَّ اللَّه أوحى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بتزويح فاطمة علياً؛ فهو مَوضوع

الفصل: فإنه ليس له ولد اسمه سليمان، وكذا أبي بكر الصديق،

فإنه ليس له ولد اسمه سليمان، وكذا أبي بكر الصديق، وأبي ذر الغفاري؛

وقد يكتني بأحد بناته، وقد يكتني بغير آدمي: كأبي تراب علي بن أبي طالب، وأبي هريرة رضي الله عنهم.

(1)

لقبها:

وجدتُ لها رضي الله عنها ثلاثةَ ألقاب:‌

‌ الصِّدِّيقَة

، والزَّهْرَاء، والبَّتَوْل.

1) فأما لقَبُ (الصِّدِّيقَةُ)، فقد ورد فيه أثَرٌ عن أبي عبدالله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله، قال:(كانت فاطمةُ تُسمَّى الصِّدِّيقَةَ). وهو ضعيفٌ لايصح ـ كما سبق تخريجه في الحديث رقم (8) ـ.

ولاشك بأن فاطمة رضي الله عنها صديقة، وهي سيِّدةُ نساء أهل الجنة، وقد رُوِي عن عائشة رضي الله عنها أنها إذا ذكَرَتْ فاطمةَ بنتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت:«ما رأيتُ أحداً كان أصدَقَ لهجةً منها، إلا أن يكونَ الذي ولَدَها» .

(2)

(1)

ينظر في هذا: «تحفة المودود» لابن القيم (ص 194)، و «الأذكار» للنووي ـ ط. دار ابن خزيمة ـ (ص 527)، «المرصع في الآباء والأمهات» لابن الأثير (ص 26)، «أحكام الأسماء والكنى والألقاب» د. عمر بن طالب (ص 308)، «مناداة أولي الألباب بتحسين الأسماء والكنى والألقاب» للردَّاعي (ص 515 ـ 523).

(2)

سيأتي تخريجه ـ إن شاء الله ـ في الباب الثاني: الفصل الرابع: المبحث الثالث.

ص: 135

لكِنْ وصفُها بذلك لايدل على أنَّ اسم (الصدِّيقَةِ) كان لقباً لها، مشهوراً بين الناس، تُعرف به، كما لأبي بكر الصديق، وابنتِه أمِّ المؤمنين الصِّدِّيقة عائشة رضي الله عنهم أجمعين.

والصحابة رضي الله عنهم كلُّهم أهلُ صِدقٍ وعبادةٍ، ومع ذلك لم يَشتِهر لقب الصِّدِّيق إلا لأبي بكر، والصدِّيقَة لعائشة رضي الله عنهم.

ويدل لذلك أنه لم يَردْ نَصٌّ بهذا في فاطمة إلا الحديث السابق رقم (8)، ولم أجد مَن لقَّبَهَا بذلك فيما وقفتُ عليه من كتب التراجم؛ وهذا اللقب فيما يظهر مما تداوَلَتْهُ الرافضةُ في كتبهم

(1)

ـ والله أعلم ـ.

2) وأما لقَبُ (الزَّهْرَاءِ)، فقد جاء زيادة من بعض النساخ في حديث عائشة رضي الله عنها ـ كما سبق بيان ذلك في الحديث رقم (9) ــ.

ولم أجد ــ بعد البحث ــ هذا اللقبَ مذكوراً في القرون الثلاثة الأولى المباركة

(2)

، ووجودُه في بعض المخطوطات المتقدِّمَةِ زيادةٌ من بعض النُّسَّاخِ ـ والله أعلم ـ.

(1)

ينظر: ماسبق عند التعليق على سبب تسميتها بفاطمة.

(2)

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: عن لقب «الزهراء» : (ولم أقف على تاريخ لهذا اللقب لدى أهل السنة، فالله أعلم). «معجم المناهي اللفظية» (ص 413).

ص: 136

مثال ذلك: ما ورد في موضع واحدٍ عند ابن أبي الدنيا (ت 281 هـ) في كتابه «مقتل علي بن أبي طالب»

(1)

: (فاطمة الزهراء).

والظاهر أنها من النُّسَّاخ؛ لأمرين:

1) أن كتب ابن أبي الدنيا كثيرة ـ كما هو معروف ـ، ولم أجد أنه ذكر هذا اللقب في أيٍّ من كتبه المطبوعة.

2) أن النسخةَ الخطيةَ التي اعتمدها محققُ كتابِ «مقتل علي» ، نسخةٌ وحيدةٌ، لمْ يقف على اسم ناسخها، أو تاريخ النسخ، وإنما وجدَ سماعَيْن في نهاية الكتاب، بتاريخ (438 هـ)، و (464 هـ)، وجاء على طرة النسخةِ وصفُ علي رضي الله عنه بِـ:«عليه السلام» ، و «كرَّمَ اللهُ وجهَهُ» ، وهما من عبارات الشيعة

(2)

ـ والله أعلم ـ.

وقد جاء ذكر هذا اللقب (الزَّهْرَاء) عند جماعة من أهل العلم، مثل:

ابنِ حبان (ت 354 هـ) ـ ولم أجد من ذكرَه قبله ـ، والآجُرِّي، وأبي نُعيم، وابنِ عبدالبر، والمزيِّ، والذهبي، وابنِ حجر العسقلاني، وغيرِهم.

(3)

(1)

«مقتل علي» (ص 109) بتحقيق: إبراهيم صالح، ط. دار البشائر في سوريا.

(2)

انظر ما سبق في التمهيد، المبحث الثالث.

(3)

ابن عبدربه (ت 328 هـ) في «العقد» ــ تحقيق: العريان ـ (5/ 253)، وتحقيق: أمين، والزين والأبياري (5/ 11)، والخبر المذكور عند ابن عبدربه، أخرجه: الجريري =

ص: 137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

=

(ت 390 هـ) في «الجليس الصالح» (3/ 161)، ومن طريقه: ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (19/ 199)، ولم يذكرا لفظة (الزهراء).

وممن ذكر هذا اللقب أيضاً: ابنُ حبان (ت 354 هـ) في «صحيحه» (15/ 401)، وفي

«الثقات» (2/ 310)، و (3/ 68)، و «مشاهير علماء الأمصار» (ص 24)، والآجري (ت 360 هـ) في «الشريعة» (4/ 1756)، و (5/ 2137، 2169، 2187)،

وأبو عبدالله الحاكم (ت 405 هـ) في «فضائل فاطمة» (ص 37)، و (ص 56)،

وأبو نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ) في «معرفة الصحابة» (6/ 3187)، وابنُ عبدالبر

(ت 463 هـ) في «الاستيعاب» (4/ 1893، 1894)، والخطيب البغدادي (ت 463 هـ) في «تاريخ بغداد» (1/ 466)، والبغوي (ت 516 هـ) في «شرح السنة» (14/ 158)، وابن الأثير (ت 606 هـ) في «أسد الغابة» (6/ 236)، وياقوت الحموي (ت 626 هـ) في «معجم الأدباء» (4/ 1788)، وابن دحية الكلبي الأندلسي (ت 633 هـ) في

«المطرب من أشعار أهل المغرب» (ص 6)، وابن الصلاح (ت 643 هـ) في «فتاويه»

(1/ 376)، والقرطبي (ت 671 هـ) في «تفسيره» (14/ 241)، وفي «التذكرة في أحوال الموتى والآخرة» (1/ 1120)، والنووي (ت 676 هـ) في «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 352)، والقرافي (ت 684 هـ) في «تنقيح الفصول» (257)، والآقشهري (ت 739 هـ) في «الروضة الفردوسية» (2/ 447)، والمزي (ت 742 هـ) في «تحفة الأشراف» (12/ 471)، و (13/ 21)، وفي «تهذيب الكمال» (1/ 35)،

و (35/ 197، 399)، والذهبي (ت 748 هـ) في «العبر» (1/ 16)، و «المعين في طبقات المحدثين» (ص 17)، و «المقتنى في سرد الكنى» (2/ 167)، و «تاريخ الإسلام» (1/ 87)، و (2/ 97، 152، 411)، و (3/ 295)، وغيرها، =

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وفي «تذكرة الحفاظ» (4/ 43)، والعلائي (ت 761 هـ) في «جامع التحصيل»

(ص 318)، والزيلعي (ت 762 هـ) في «تخريج أحاديث الكشاف» (1/ 104)، وابن مفلح (ت 763 هـ) في «الآداب الشرعية» (3/ 413)، والصفدي (ت 764 هـ)

في «الوافي بالوفيات» (12/ 67، 262)، و (22/ 285)، والحسيني (ت 765 هـ)

في «الإكمال» (1/ 300)، وابنُ كثير (ت 774 هـ) في «البداية والنهاية» (10/ 411)، و (11/ 180، 473)، وفي «التكميل في الجرح والتعديل» (4/ 255، 365)،

وابنُ العراقي (ت 826 هـ) في «تحفة التحصيل» (ص 378)، والمقريزي (ت 845 هـ) في «إمتاع الأسماع» (4/ 394)، و (5/ 351)، (6/ 18، 342)، وابنُ حجر العسقلاني (ت 852 هـ) في «إنباء الغمر» (3/ 243)، وفي «الإصابة» (8/ 31، 166، 195، 262، 269) وغيرها، و «تهذيب التهذيب» (12/ 440)، و «تقريب التهذيب» (ص 770)، و «هدي الساري» (ص 476)، و «فتح الباري» (9/ 471)،

و «لسان الميزان» (4/ 48)، و (5/ 529)، و «نزهة الألقاب» (1/ 249)، ويحيى العامري الحرَضي (ت 893 هـ) في «الرياض المستطابة» (ص 316)، والسخاوي

(ت 902 هـ) في «فتح المغيث» ـ ط. المنهاج ـ (2/ 307)، و (3/ 260)، وفي

«الأجوبة المرضية» (3/ 980) وغيرها، وفي «التحفة اللطيفة» (1/ 85)

و (9/ 348)، والسيوطي (ت 911 هـ) في «الحاوي» (2/ 37)، والصالحي

(ت 942 هـ) في «سبل الهدى والرشاد» (2/ 115)، و (5/ 207)، و (8/ 93)،

و (12/ 230)، والقسطلاني (ت 923 هـ) في «إرشاد الساري» (6/ 141)،

و «المواهب اللدنية» (1/ 481)، والهيتمي (ت 974 هـ) في «الفتاوى الحديثية» رقم

(133)، وفي «الفتاوى الفقهية الكبرى» (4/ 83)، ومحمد الأشخر اليمني

(ت 991 هـ) في شرحه على «بهجة المحافل للحرضي» (1/ 458) و (2/ 138)، =

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والمُناوي (ت 1031 هـ) في «فيض القدير» (1/ 419)، و (3/ 91)، و (4/ 467)، و (5/ 103)، والسفاريني (ت 1188 هـ) في «كشف اللثام شرح عمدة الأحكام»

(1/ 293)، (2/ 400)، (6/ 235)، وفي «عَرْف الزَّرْنَب في بيان شأن السيدة زينب» (ص 103 و 111)، وسليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب

(ت 1233 هـ) في «تيسير العزيز الحميد» ـ ط. الصميعي ـ (1/ 420)، والشوكاني

(ت 1250 هـ) في «نيل الأوطار» ـ ط. ابن الجوزي ـ (3/ 571)(635)، وغيرهم.

فائدة: مِن أهل العلم ممَّن سبقت الإشارة إليهم، مَن أوردَ لقب (الزهراء) في تبويبهم لبعض الأحاديث: كابن حبان في «صحيحه» ، والحاكم في «فضائل فاطمة» ، والبغوي في «شرح السنة» .

وأما عند الرافضة: فقد أفاد المؤلِّفون لكتاب «معجم ألقاب الآل والأصحاب» ـ ط. مركز البحوث والدراسات في مبرة الآل والأصحاب في الكويت ـ (1/ 662 ـ 672) أن سبب هذا اللقب عند الرافضة روايات كثيرة يتداولونها ـ وهي موضوعة باطلة ـ كما في

«بحار الأنوار» (43/ 10).

قالوا: ولم نجد ذكر لقب: «الزهراء» في كتبهم قبل البرقي (ت 274 هـ) في كتابه

«المحاسن» ، ولم يذكره غيره من معاصريه، وكذا مَن بعده إلى منتصف القرن الرابع الهجري.

قلتُ: ولا يعتمد على وجوده في مصدر عندهم متقدم في القرن الثالث؛ لأنَّ كتبَهم لا تردُّ يدَ لامِسٍ بالزيادات ولو في ضوء النهار، فمروياتهم كما مذهبهم يزداد مع الأيام، خاصة أنَّ ذِكْرَها في هذا المصدر دون المصادر الأخرى في ذلك الزمن وبعده؛ دليل على أنها إضافة من بعض النسَّاخ.

=

ص: 140

معنى هذا اللقب (الزهراء)، وسبَبُه:

الأزهر: الأبيض المستنير، والزهر والزهرة: البياض النيِّر، وهو أحسن الألوان، والزهراء: المرأة المشرقة الوجه، والبيضاء المستنيرة المُشْرَبة بحمرة، ويقال: الليالي الزهر: أي الليالي البيض.

(1)

وجاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم.

(2)

قال الآجري رحمه الله: (قوله: أزهر اللون: يريد أبيض اللون مشرقاً ، مثل قولهم: سراج يزهر ، أي يضيء ، ومنه سُمِّيَتْ الزَّهْرَةُ لِشدَّةِ ضوئها ، فأما الأبيض غير المشرق فهو الأمهق).

(3)

= وعن كتبهم وأنها لا تردُّ يدَ لامِسٍ بالزيادات، انظر:«وبل الغمام على شفاء الأوام» للشوكاني (1/ 472 ـ 473)، «أصول مذهب الشيعة» د. ناصر القفاري (1/ 225).

ويمكن القول ـ بلا شك ـ أن ظهور هذا اللقب عند السُّنَّة والرافضة سواء في منتصف القرن الرابع الهجري.

(1)

ينظر: «النهاية» لابن الأثير (2/ 321)، «شمس العلوم» للحِمْيَري (5/ 2857)،

«لسان العرب» (4/ 332)«تاج العروس» (11/ 479).

(2)

أخرجه: البخاري في «صحيحه» حديث رقم (3547)، ومسلم في «صحيحه»

رقم (2347) من حديث ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن أنس رضي الله عنه.

(3)

«الشريعة» (3/ 1518).

ص: 141

وقال أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله: (الأمهق: الشديد البياض الذي لا يضرب بياضه إلى الشهبة ولم يكن بالآدم، وكان أزهر اللون، والأزهر: هو الأبيض الناصع البياض الذي لا يشوبه صفرة ولا حمرة ولا شيء من الألوان، وقد نعت بعض نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب حمرة ما ضحَى منه للشمس والرياح، وما كان تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر، لا يشك فيه أحدٌ ممن وصفه بأنه أبيض أزهر، فمَن وصفه بأنه أبيض أزهر، فعنى ما تحت الثياب فقد أصاب؛ ومَن وصف ما ضحى منه للشمس والرياح ، بأنه أبيض مُشرَبٌ بحُمرة فقد أصاب؛ ولَونُه الذي لا يُشكُّ فيه البياض الأزهر، وإنما الحمرة من قبل الشمس والرياح).

(1)

وقال ابن قتيبة رحمه الله: (وقوله: أزهر اللون يريد أبيض اللون مشرقه، وأحسب قولهم: سراج يزهر منه، أي: يضيء، ومنه سميت الزهرة لشدة ضوئها فأما الأبيض المشرق فهو الأمهق).

(2)

وقال الخطابي رحمه الله: (والسُّمْرَةُ لَونٌ بين البياض والأُدْمَةِ، وقد يُجمعَ بين الخَبَرين بأن تكون السُّمرةُ فيما يبرز للشَّمسِ من بدنه والبَياضُ فيما وارَاهُ الثِّيابُ. ويُستَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بقول ابن أَبي هَالَةَ في وصفِه: «أَنَّه كان أَنْوَر

(1)

«دلائل النبوة» (ص 637).

(2)

«غريب الحديث» (1/ 490).

ص: 142

المُتَجَرَّد»، ويُتَأَوّل قولُه: كان أزهرَ عَلَى إشراق اللون ونُصُوعه لا عَلَى البَياضِ.

وفيه وجه آخر وهو أنه مُشرَبُ الحُمرة والحُمرةُ إذا أُشْبِعَت حَكَت سُمْرَة ويدُلّ عَلَى هذا المعنى قَولُ الواصِفِ له لم يكن بالأبيض الأمهق).

(1)

فإذا كان هذا وصفه صلى الله عليه وسلم، فإن ابنته فاطمة رضي الله عنها من أقرب الناس شبهاً به صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي بيانه في المبحث الثالث.

وبناء عليه فإن معنى الزهراء في لقب فاطمة رضي الله عنها أي: المشرقة الوجه، البيضاء المستنيرة، المشربة بحمرة ـ والله أعلم ـ.

وقال المقريزي رحمه الله: (وقيل لها: الزهراء، كما قيل لزهرة بنت عمرو بن حنتر بن رويبة بن هلال

(2)

، أم خويلد بن أسد: الزهراء، وزهرة هذه هي جدة خديجة أم فاطمة ـ علَيها وعلَى أمِّها السَّلام ـ).

(3)

قلت: لم أجد من ذكر هذا غير المقريزي ـ والله أعلم ـ.

وقد وردت في ذلك عدة معان ضعيفة، منها:

1.

قال البدر العيني الحنفي (ت 855 هـ) رحمه الله: فإن قيل: لم سمِّيَت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم بالزهراء؟

(1)

«غريب الحديث» (1/ 214).

(2)

ينظر: «نسب قريش» للزبيري ـ ط. المعارف ـ (ص 207 و 228).

(3)

«إمتاع الأسماع» (5/ 351).

ص: 143

فقل: لأنها لم تحض قط.

روي أنها ولدت وقت غروب الشمس، وطهُرت من النفاس، واغتسلت، وصلَّت العشاء في وقتها!

ولهذا قال محمد رحمه الله

(1)

: أقل النفاس ساعة.

وقيل: إنها سُمِّيت زهراء؛ لأن النور كان يتلألأ من وجهها.

روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنتُ أسلك السلك في سم الخياط في ليلة ظلماء من نور وجه فاطمة رضي الله عنها).

(2)

قلت: أما عدم حيضها وطمثها، فانظر ما سبق الحديث رقم (5). وقد ورد أيضاً من حديث: أسماء بنت عميس، وأم سليم رضي الله عنهما، وكلاهما موضوعان، وسيأتي تخريجهما في موضعهما في الباب الأول، الفصل الرابع، في مبحث ولادتها الحسن والحسين رضي الله عنهم.

وأما قول عائشة رضي الله عنها فلم أجده فيما بين يدي من مصادر.

وليس ثمَّ علاقة في المعنى معقولة بين عدم الحيض والنفاس ولقب

«الزهراء» .

(1)

يعني: محمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ)، ينظر كتابه «الأصل» ـ ط. كراتشي ـ

(1/ 517).

(2)

«كشفُ القِنَاع المُرنَى عن مهمات الأسماء والكنى» للعيني (ص 378 ـ 389).

ص: 144

قال السيوطي (ت 911 هـ) رحمه الله: (وذكر صاحب «الفتاوي الظهيرية» من الحنفية: أنَّ مِن خصائصِهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ ابنتَهُ فاطمة رضي الله عنه لم تحض، ولما ولَدَتْ طَهُرَتْ من نفاسها بعد ساعة؛ حتى لا تفوتها صلاة، قال: ولذلك سُميت الزهراء.

وقد ذكره من أصحابنا المحب الطبري في «ذخائر العقبى» ، وأورد فيه حديث: أنها حوراء آدمية طاهرة مطهرة لا تحيض، ولا يُرى لها دم في طمث ولا في ولادة).

(1)

قلت: وهذا باطل؛ لأن مستندهما أحاديث مكذوبة، كما سبق في الحديث رقم (5).

قال ابن حجر الهيتمي المكي (ت 974 هـ) رحمه الله في ذكره لبعض خصائص فاطمة رضي الله عنها: (وَمِنْهَا: تمييزها عليهنَّ بتسميتها بالزهراء، إِمَّا لعدم كَونهَا لَا تحيض من غير عِلَّة، فَكَانَت كنساء الْجنَّة، وإمَّا كَونهَا على ألوان نسَاء الْجنَّة، أَو لغير ذَلِك).

(2)

(1)

«أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب» للسيوطي (ص 240).

وانظر: «سبل الهدى والرشاد» للصالحي (ت 942 هـ)(10/ 486)، و «فيض القدير» للمناوي (ت 1031 هـ)(4/ 422).

(2)

«الفتاوى الحديثية» لابن حجر الهيتمي ـ ط. دار التقوى ـ (ص 293) سؤال (128).

ص: 145

2.

وماذكره محمد حجازي، الشهير بالواعظ (ت 1035 هـ) رحمه الله:(سُمِّيتْ بالزهراء؛ لأنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وسلم).

(1)

كذا قال: سُمِّيَتْ، والصواب: لُقِّبَتْ.

3.

أورد عبد الرحمن الصَّفُوري

(2)

رحمه الله حديثاً، وهذا نصه:

(عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أنا شجرة، وفاطمة حملها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، ومحبُّو أهل البيت أوراقها، وكلُّنا في الجنة حقَّاً حقَّاً، صِدْقاً صِدْقاً في آخر من فقد الشمس فليتمسك بالقمر، ومن فقد القمر فليتمسك بالزهرة، ومن فقد الزهرة

(1)

في كتابه «إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب» (ص 24)، والمنسوب خطأً للمُناوي

ـ وقد سبق بيان ذلك في التمهيد: المبحث الأول ـ.

(2)

هو: عبدالرحمن بن عبدالسلام بن عبد الرحمن بن عثمان الصَّفُّوري الشافعيُّ، مؤرخٌ أديب من أهل مكة، نسبته إلى «صفورية» في الأردن.

من مؤلَّفاته: «المحاسن المجتمعة في الخلفاء الأربعة» ، و «نزهة المجالس ومنتخب النفائس» ، و «الصيام» ، و «صلاح الأرواح والطريق إلى دار الفلاح» .

توفي سنة (894 هـ).

يُنظر: «الأعلام» للزركلي (3/ 310)، «معجم المؤلفين» (2/ 93)، «هدية العارفين» (1/ 533)، «معجم المطبوعات العربية والمعربة» لسركيس (2/ 1213). ولم أجد له ترجمة في «الضوء اللامع في تراجم رجال القرن التاسع» للسخاوي.

ص: 146

فليتمسك بالفَرْقَدَيْن. فسُئل عن ذلك فقال: أنا الشمسُ، وعليٌّ القمر، والزهرة فاطمة، والفرقدان الحسن والحسين». ذكره في العرائس).

(1)

وهذا خبر مكذوب، من وضع الرافضة، وهو منتشر عندهم في كتبهم، وأمارات الوضع والركاكة عليه ظاهرة.

(2)

هذا، وقد يقال:

بأن ابنتَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم: رقية، وأم كلثوم رضي الله عنهما، وُصِفَتا بالنُّورَين، في تلقيبِ الخليفة الراشد: عثمان بن عفان بِـ «ذي النورين» رضي الله عنه، وهو وَصْفٌ مَشهُورٌ.

قال ابنُ عبدالبر (ت 463 هـ) رحمه الله: (وقد أجمعوا أنَّ عثمان بن عفان يُقال له: ذو النُّورَين).

(1)

«نزهة المجالس ومنتخب النفائس» للصفوري (2/ 170)، وكتابُهُ مَلئٌ بالإسرائليات والأحاديث المكذوبة، والقصص الباطلة، فليس كتابُه عمدةً في العِلم.

(2)

ينظر: «الموضوعات» لابن الجوزي (2/ 233) رقم (789) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وليس فيه (الزهرة: فاطمة). ورقم (790) من حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه. وكلاهما موضوعان.

وانظر: «اللآلئ المصنوعة» (1/ 370)، و «تنزيه الشريعة» (1/ 414)، و «الضعيفة» للألباني (13/ 620) رقم (6286).

ص: 147

والصحيحُ أنَّ اللقبَ لأجلِ زواجِه بابنتَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم واحدةً بعد الأخرى.

(1)

قيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذا النورين؟ قال: لأنه لم يُعلَم أنَّ أحداً أرسلَ ستراً على ابنتَي نبيٍّ غيره.

(2)

قال عبدالله بن عمران بن أبان: قال لي حُسين الجعفي: تدري لم سُمِّيَ عثمان ذا النورين؟ قلت: لا أدري. قال: لم يجمع بين ابنتَي نَبيٍّ من لدن آدم إلى قيام الساعة أحدٌ إلا عثمانُ بنُ عفان رضي الله عنه.

(3)

وقال الحسن البصري: (إنما سُمِّي عثمان ذا النورين؛ لأنه لا يُعلَمُ أحَدٌ أغلَق بابَهُ عَلى ابنَتَي نبيٍّ للهِ غيرُه).

(4)

(1)

وثمة رأيٌ آخر ـ لكنه لا يصح ـ، قال ابن حجر:(وروى أبو سعد الماليني بإسناد فيه ضَعْفٌ، عن سهل بن سعد، قال: قيل لعثمان ذو النورين؛ لأنه يتنقل من منزل إلى منزل في الجنَّة، فتبرق له برقتان، فلذلك قيل له ذلك).

(2)

«الاستيعاب» لابن عبدالبر (3/ 1039)، «تهذيب الكمال» (19/ 450).

(3)

«الشريعة» للآجري (4/ 1938) رقم (1405)، «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» للالكائي (7/ 1434) رقم (2576)، «معرفة الصحابة» لأبي نعيم

(1/ 62) رقم (239).

(4)

«معرفة الصحابة» لأبي نعيم (1/ 62) رقم (238).

قال النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 322): (ويقال لعثمان: ذو النورين؛ لأنه تزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما بعد الأخرى. قالوا: ولا يُعرف أحدٌ تزوَّج بنتي نبيٍّ غيره.

تزوج رقية رضي الله عنها قبل النبوة، وتوفيت عنده في أيام غزوة بدر، فى شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة، وكان تأخرَ عن بدر لتمريضها بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء البشير بنصر المؤمنين ببدر يوم دفنوها بالمدينة رضي الله عنها، ووَلَدَتْ له: رقية.

ثم تزوج بعد وفاتها أختَها أمَّ كلثوم بنتَ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتوفيت رضي الله عنها عنده سنة تسع من الهجرة، ولم تلد له شيئاً).

ص: 148

وهذا اللقب قديم، جاء في أحاديث موضوعة

(1)

، وبعض الآثار الموقوفة مثل أثر علي رضي الله عنه

(2)

، ....................................

(1)

انظر: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (1/ 62) رقم (240)، «المعجم الكبير» للطبراني (11/ 76) رقم (11093)، «الغيلانيات» لأبي بكر الشافعي (1/ 109) رقم (65)، «المطالب العالية» (15/ 684) رقم (3866)، «اللآلئ المصنوعة» (1/ 292

و 293 و 351)، «الزيادات على الموضوعات» (1/ 242 و 281)، «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» للألباني (12/ 246) رقم (5617).

(2)

يُروى أنه قيل له: حدثنا عن عثمان بن عفان، فقال:«ذاك امرؤٌ يُدعَى في الملأ الأعلى: ذا النُّورَين، ختَن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، ضمِن له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيتاً في الجنة» .

أخرجه: أبو خيثمة في «فضائل الصحابة» ـ كما في «الإصابة» (4/ 377) ـ، وابن بشران في «مجلسان من أمالي أبي الحسين بن بشران» (ص 213) رقم (4)، و «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (1/ 63) رقم (240)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»

(39/ 47)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (3/ 485).

ص: 149

وعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما

(1)

، وبعض التابعين وتابعيهم.

فهذا الوصف «النوران» أقدم من وصف «الزهراء» ، فقد يقال بأنه مادام أن ابنتَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم: رقية وأم كلثوم نوران، فكذا فاطمة؛ والزهراء والنور في معنى واحد.

(2)

(1)

قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «عثمان ذو النورين قُتل مظلوماً» .

انظر: «الفتن» لنعيم بن حماد (1/ 115) رقم (264)، «السنة» لابن أبي عاصم، حديث رقم (1153 و 1154)، «المعجم» لابن الأعرابي (3/ 1055) رقم (2269)،

«المعجم الكبير» للطبراني (1/ 89) رقم (138)، «معرفة الصحابة» لأبي نعيم

(1/ 62) رقم (237) و (240)، وغيرها.

(2)

انظر في لقب «ذو النورين» : «المؤتلف والمختلف» للدارقطني (2/ 1002)،

«الشريعة» للآجري (4/ 1747)، «شرح مذاهب أهل السنة» لابن شاهين

(ص 118) رقم (90)، «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (1/ 62)، «الاستيعاب»

(2/ 478) و (3/ 1039)، «أسد الغابة» (3/ 481)، «تاريخ دمشق» لابن عساكر

(39/ 3)، «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (1/ 26 و 322)، «تهذيب الكمال»

(19/ 445)، «سير أعلام النبلاء» ـ الخلفاء الراشدون ـ (ص 149)، «الإصابة»

(2/ 349) و (4/ 377).

ص: 150

3) وأما لقب (البَتُول):

فجاء وصفها بذلك في كلام أبي نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ) قال رحمه الله: (المحصَّنةُ الطاهِرَةُ الزهرَاءُ البَتُول).

(1)

وقال: (السيدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول

).

(2)

وقد أشار ابن العربي المالكي (ت 543 هـ) رحمه الله إلى أن هذا اللقب مما أحدثَتْهُ الشيعةُ، فقال: (وتُسمَّى فاطمةُ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم البتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها في الفَضل والدِّين والنَّسَب والحسَبِ.

وهذا قَولٌ أحدثَتْهُ الشِّيعَةُ، وإلا فقد اختلف الناس في التفضيل بينها وبين عائشة، وليست من المسائل المهمة، وكلتاهما من الدِّين والجلال في الغاية القصوى، وربك أعلم بمن هو أفضل وأعلى. وقد أشرنا إليه في كتاب المشكلين وشرح الصحيحين).

(3)

قال الأزهري (ت 370 هـ) رحمه الله: (وسئل أحمد بن يحيى

(4)

عن

(1)

«معرفة الصحابة» (6/ 3188).

(2)

«حلية الأولياء» (2/ 39).

(3)

«أحكام القرآن» (4/ 1879). وسبقت الإحالة إلى كتب الرافضة في تلقيبهم فاطمة بِـ: البتول.

(4)

هو أبو العباس الشيباني النحوي، الملقب بِـ «ثعلب» ، إمام الكوفيين في النحو واللغة.

(ت 291 هـ).

=

تنظر ترجمته في: «طبقات النحويين» للزبيدي الأندلسي (ص 141)، «تاريخ العلماء النحويين» للتنوخي (ص 181)«تاريخ بغداد» (6/ 448)، «إنباه الرواة على أنباه النحاة» للقفطي (1/ 173)، «سير أعلام النبلاء» (14/ 5).

ص: 151

فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَ قيل لها البَتُول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافاً وفضلاً وديناً وحُسْناً.

قال أبو عبيدة: سُمِّيَت مريم البتول؛ لتركها التزوج).

(1)

قال الخطابي (ت 388 هـ) رحمه الله: (فأما فاطمة فإنما قيل لها البتول؛ لأنها منقطعة القرين نُبْلاً وشرفاً).

(2)

وقال البغوي (ت 516 هـ) رحمه الله: (والبتول: المرأة المنقطعة عن الرجال، ويقال: سُمِّيَت فاطمة البتول؛ لانقطاعها عن نساء الأمة فضلاً وديناً وحَسَبَاً).

(3)

قال الزمخشري (ت 538 هـ) رحمه الله: (وقيل لمريم عليها السلام العذراء البَتُول؛ لانقطاعها عن الأزواج. ثم قيل لفاطمة تشبيهاً بها في المنزلة عند الله: البتول).

(4)

(1)

«تهذيب اللغة» (14/ 207)، وذكر مثله: أبو عبيد الهروي (ت 401 هـ)

في «الغريبين» (1/ 140) و (5/ 1707).

(2)

«غريب الحديث» (2/ 330).

(3)

«شرح السنة» (9/ 5).

(4)

«أساس البلاغة» (1/ 44).

ص: 152

قال القاضي عياض (ت 544 هـ) رحمه الله: (وسميت مريم البتول؛ لانقطاعها عن الأزواج، وفاطمة البتول؛ لانقطاعها عن الأمثال، وقيل: عن الأزواج، إلا عن علي).

(1)

وقال ابن الأثير (ت 606 هـ) رحمه الله: (التبتُّل: الانقطاع عن النساء وترك النكاح. وامرأة بتول: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم. وبها سُمِّيت مريم أم المسيح عليهما السلام.

وسُمِّيت فاطمة البتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسَباً، وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى).

(2)

وقال النووي (ت 676 هـ) رحمه الله: (

وأصل التبتل: القطع، ومنه: مريم البتول، وفاطمة البتول؛ لانقطاعهما عن نساء زمانهما ديناً وفضلاً ورغبةً في الآخرة، ومنه صدقة بَتْلَةٌ أي: منقطعة عن تصرف مالكها.

قال الطبري: التبتل هو: ترك لذات الدنيا وشهواتها، والانقطاع إلى الله تعالى بالتفرغ لعبادته).

(3)

وقال الآقشهري (ت 739 هـ) رحمه الله: (دعاها رسول الله

(1)

«مشارق الأنوار» (1/ 77)، وانظر «فتح الباري» لابن حجر (9/ 118).

(2)

«النهاية» (1/ 94)، وانظر:«تاج العروس» (28/ 52).

(3)

«شرح النووي على صحيح مسلم» (9/ 176).

ص: 153

- صلى الله عليه وسلم تسليماً: بتولاً، فسئل عن معناها؟ فقال:«هي المرأة التي لم تحض، ولم تَرَ حُمرةً قط؛ فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء» .

(1)

قلتُ: كذا ذكر الآقشهري، ولم أجد الحديث ـ بعد البحث ـ.

وقال المقريزي (ت 845 هـ) رحمه الله: (وسُمِّيَت البَتَول؛ لأنها منقطعة القرين، والبَتَل: القطع).

(2)

وقال محمد حجازي، الشهير بالواعظ (ت 1035 هـ) رحمه الله:

(ولُقِّبَتْ بالبَتول؛ لأنه لا شهوةَ لها للرجال، أو لأنه تعَالى قطعَها عن النساء حسناً وفضلاً وشرفاً، أو لانقطاعها إلى الله).

(3)

وقال الزرقاني (ت 1122 هـ) رحمه الله: (وسميت بتولاً؛ لانفرادها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً، فبعد موت إخوتها لم تشاركها امرأة في الحسب

).

(4)

قال إسماعيل حقي بن مصطفى الإسطنبولي الحنفي الخلوتي

(1)

«الروضة الفردوسية» (2/ 449).

(2)

«إمتاع الأسماع» (5/ 351).

(3)

في كتابه «إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب» (ص 24)، المنسوب خطأً للمُناوي

ـ وقد سبق بيان ذلك في التمهيد: المبحث الأول ـ.

(4)

«شرح المواهب اللدنية» (4/ 332).

ص: 154

(ت 1127 هـ) رحمه الله: (وأمَّا إطلاق البتول على فاطمة الزهراء رضي الله عنها؛ فلكونها شبيهةً بسيدة نساءِ بني إسرائيل في الانقطاع عما سوى الله، لا عن النكاح).

(1)

قال ياسين بن خير الله بن محمود الخطيب العَمْري (ت بعد 1232 هـ) رحمه الله: (ذُكر في بعض الكتب يقال: لفاطمة الزهراء: بتولة، أي: منقطعة عن حب الدنيا، وقيل: عن الحيض أصلاً، كذا نقله «كُرْدِي» .

وقال ياسين ـ أيضاً ـ: (وذكر في «شرح ذات الشفاء»

(2)

قال: وإنما يُقال لفاطمة رضي الله عنها «الزهراء» ؛ لطهارتها، ووضاءتها، و «البتول» ؛ لانقطاعها إلى الله، أو لانقطاعها بالفضل عن الناس، أو لأنها لم تحض قط).

(3)

قلت: لم أجد لهذا اللقبِ: «البتول» ذِكْرَاً في القرون المفضَّلَة، ولا في كلام أئمة الإسلام الكبار، وكذا المحققين الكبار من العلماء كابن عبدالبر،

(1)

«روح البيان» (10/ 211).

(2)

أحال محقق «الروضة الفيحاء» د. رجا ءالسامرائي، إلى:(«مناهل الصفا»، الورقة 201).

(3)

«الروضة الفيحاء في تواريخ النساء» ـ تحقيق: السامرائي ـ (ص 222، 224)، وانظر:

«مهذَّب الروضة الفيحاء في تواريخ النساء» للعَمْري أيضاً (ص 147 ـ 148).

وانظر: «معجم الآل والأصحاب» (1/ 273).

ص: 155

وابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم.

هذا وقد سبق قول أبي بكر ابن العربي (ت 543 هـ) أن هذا اللقب من إحداث الشيعة.

وهو الأقرب ـ إن شاء الله ـ، فمَنشأُ اللقب في كتب أهل السنة والجماعة وردَ أوَّل ما ورَدَ في كتب المعاجم اللغوية ـ والظاهر أنه مأخوذ من الشيعة ـ، ثم تتابع العلماء على النقل منها، فقد ذكر هذا اللقب «البتول» عدد من العلماء، وغالبه من منقولهم لا مقولهم ـ كما سيأتي ـ.

وهذا العدد الكثير ــ الآتي ذكرُهم ـ لا يدل على الصحة، فالكثرة هنا نسبية، فكم من حديث ضعيف جداً أو لا أصل له، تتابع كثير من العلماء على ذكره في مصنفاتهم ومنها الفقهية، ولم يُعتبر هذا دليلاً على الصحة والقبول، فكيف وغالب الذين ذكروا هذا اللقب من أهل التاريخ والأدب؟

وبعضهم ذكره مسايرة لأهل بلده ـ فيما يبدو ـ كالمقريزي، وابن الوزير اليماني، والصنعاني، والشوكاني، لغلبة الشيعة في بلدهم، فقد يذكرون بعض الألقاب المشهورة عن الشيعة من هذا الباب كقولهم لعلي: عليه السلام،

وكرَّمَ اللهُ وجهَه، ونحو ذلك.

فالذي أرجحه ــ والعلم عند الله تعالى ـ أنه يُكرَهُ إطلاق هذا اللقب على فاطمة، وأنَّ مَنشأهُ من غُلاة الشيعة، تشبيهاً لفاطمةَ بمَريم عليهما السلام،

ص: 156

وكما قيل ــ قبل قليل ـ: لم يذكرْهُ أئمةُ الإسلام، والمحقِّقُونَ الكِبَار، ولم أجد معنى مناسباً سائغاً لاختصاصِ فاطمة به، وأما قولهم: البتول؛ لانقطاعها عن الأمثال؛ فيه تكلُّفٌ في التخريج لتناسب حال فاطمة رضي الله عنها.

(1)

(1)

مَن ذكر لقب «البتول» لفاطمة رضي الله عنها سواءً مِن مَقُوله أو منقوله ــ مع ذكر المصدرِ إنْ لم يُذكَر سابقاً ــ:

الواقدي (ت 207 هـ) في «فتوح الشام» (2/ 193) ضمن أثَرٍ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يصح.

أبو عبدالله ابن الأعرابي (ت 231 هـ) كما في «تهذيب اللغة» للأزهري (2/ 157)

وعنه: «لسان العرب» (4/ 538).

ثعلب (ت 291 هـ)، والأزهري (ت 370 هـ) في «تهذيب اللغة» (2/ 157)

و (15/ 288)، والخطابي (ت 388 هـ)، وأبو عبيد الهروي (ت 401 هـ)، وابن حبيب النيبسابوري في «عقلاء المجانين» (ص 155 ـ 156)،

وأبو نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ)، والمغازلي (ت 483 هـ) في «مناقب علي»

(ص 21)، والراغب الأصبهاني (ت 502 هـ) في «محاضرات الأدباء» (4/ 273)، والبغوي (ت 516 هـ)، والمازَرِي (ت 536 هـ) في «المعلم بفوائد مسلم» ، والزمخشري (ت 538 هـ) في «الفائق» (2/ 214)، والقاضي عياض (ت 544 هـ) في «إكمال المُعلِم» (4/ 529)، والعمراني الشافعي (ت 558 هـ) في «الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» (3/ 893)، وابن العمراني (ت 580 هـ) في «الإنباء في تاريخ الخلفاء» (ص 199)، وابن الجوزي (ت 597 هـ) في «غريب الحديث» (1/ 54)، وابن الأثير (ت 606 هـ)، وابن دحية الكلبي الأندلسي (ت 633 هـ) في «المطرب من =

ص: 157

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أشعار أهل المغرب» (ص 6)، وابن بطال الركبي (ت 633 هـ) في «النظم المستعذب في تفسير ألفاظ المهذب» (2/ 167)، والبري التلمساني (ت 645 هـ) في «الجوهرة»

(2/ 208)، والصاغاني (ت 650 هـ) في «التكملة والذيل والصلة» (6/ 114)،

وابن الشعار الموصلي (ت 654 هـ) في «قلائد الجمان» (8/ 38)، وسبط ابن الجوزي

(ت 654 هـ) في «مرآة الزمان» (19/ 136)، والنووي (ت 676 هـ)، والقرافي

(ت 684 هـ) في «الفروق» (3/ 154 و 167)، وفي «شرح تنقيح الفصول»

(ص 257)، والمحب الطبري (ت 694 هـ) في «ذخائر ذوي العقبى» (ص 64)،

وابن منظور (ت 711 هـ) في «لسان العرب» (11/ 43 و 257)، وابن العطار

(ت 724 هـ) في «العدة شرح العمدة» (1/ 170)، والفاكهاني (ت 734 هـ)

في «رياض الأفهام» (4/ 851)، والأقشهري (ت 739 هـ)، والطيبي (ت 643 هـ) في «شرح المشكاة» (7/ 2258) و (9/ 2894)، وأيضاً في «فتوح الغيب» = حاشيته على الكشاف (4/ 85)، واليافعي (ت 768 هـ) في «مرآة الجنان» (1/ 89)،

وجمال الدين السرَّمَرِّي (ت 776 هـ) في «نهج الرشاد» (ص 132)، وابن الملقن

(ت 804 هـ) في «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (1/ 635) و (8/ 139)، وكذا في «التوضيح» (24/ 200)، والعراقي (ت 806 هـ) في «ألفية السيرة» (ص 130)، والدميري (ت 808 هـ) في «النجم الوهاج» (7/ 486)، وابن الوزير اليماني

(ت 840 هـ) في «العواصم» (8/ 45)، وابن رسلان الرملي (ت 844 هـ) في «شرح سنن أبي داوود» (9/ 319)، والمقريزي (ت 845 هـ)، والبقاعي (ت 885 هـ)

في «نظم الدرر» (21/ 14)، ويحيى العامري الحرضي (ت 893 هـ) في «بهجة المحافل» ـ ط. المنهاج ـ (ص 398)، وفي «الرياض المستطابة» (ص 316 و 345)، =

ص: 158